جريمة غسل الأموال وفقًا للتشريع العراقي
القاضي رائد احمد حسن
قاضي تحقيق في المحكمة الجنائية المركزية الرصافة
الاهداء الى
دوله رئيس مجلس القضاء الاعلى
القاضي مدحت المحمود
المقدمة
إن شيوع المخدرات، وانتشارها، والتهافت على تناولها جعل منها سوقاً رائجة، تدر أرباحاً خيالية، وهي وإن كانت تعتمد على مغامرات تقوم بها مافيات متخصصة إلاّ أنها أخيراً تستقر في أسواق معينة لتباع بالقطاعي (المفرد) ليسهل تناولها يومياً من قبل المدمنين عليها.فأصبح لها أسواق خاصة موصوفة للزبائن فقط. فيجري بيعها يومياً قطعاً متفرقة، وهذا يستلزم أن تتناولها الأيدي البائعة والمشترية قطعاً صغيرة مستخرجة من أغلفتها، وعندئذٍ يكون لها روائح معينة تلصق بأيدي بائعيها كما تلتصق هذه الروائح تلقائياً بالأموال المدفوعة ثمناً لها، وما إن يأتي آخر النهار إلا وهناك كميات كبيرة من الورق النقدي، وكلها لها روائح معروفة، فلا يستطيع أصحابها إرسالها إلى البنوك وهي على هذا الحال، فيقومون بعملية غسل لها وتنظيفها من هذه الروائح حتى لا ينكشف سرها.
أما عملية الغسل هذه فتكون بوسائل معروفة لديهم لا تؤثر على هذه الأوراق النقدية. فإما أن يكون الغسيل بعملية تبخير، أو ببعض المواد المزيلة لروائحها ولا تؤثر عليها. وعندئذٍ وفي أواخر الدوام يدفعونها إلى حساباتهم في البنوك دون أية شبهة تطالهم. فهو في حقيقته غسيل بمعنى الكلمة، ولكن بوسائل معينة مخصصة لهذا الغرض، هذا هو واقع غسيل الأموال من حيث دلالة منطوق الكلمة. ((هذا في بدايات استعمال هذا الاصطلاح (غسيل الأموال) أي إزالة الروائح عن هذه الأموال حتى لا يتعرف على مصدرها ويشتبه في أنها ناتجة عن مصادر المخدرات ونحوها. ثم تطور (غسيل الأموال) ليصبح مدلوله يعني استعمال وسائل مالية وحيل خادعة لإضفاء الشرعية والقانونية على هذه الأموال المكتسبة من مصادر قذرة غير مشروعة [1].)) وبهذه الصورة البسيطة يصور الفقه الجنائي بدايات هذه الجريمة وبقي الفكر القانوني وحتى الوقت الحاضر يربط جريمة غسيل الاموال بجريمة الاتجار بالمخدرات الا ان التقدم العلمي والتكنولوجي على النظام الاجتماعي والقانوني فرض انماطا وصورا متجددة تلزم القائمين على هذه المجالات التعامل معها ووضع الاطر التي تحكم طرق التعامل معها ومن ضمن هذه الصور جريمة غسيل الاموال و إذا علمنا بأن حجم الأموال التي تتداول في عمليات غير مشروعة يبلغ تقريباً 1.4 تريليون دولار وإذا علمنا أيضاً بأن تجارة غسيل الأموال هي ثالث أضخم نشاط في العالم من بعد نشاط صرف العملة وصناعة السيارات لعلمنا مدى أهمية مكافحة غسيل الأموال وأسبابه. [2]وقد يبدو للوهلة الاولى ان فتح الابواب امام رؤوس الاموال سواء كانت وطنية او اجنبية بصرف النظر عن مصدرها في ظل المقولة الشهيرة””ان المال ليس له رائحة ” واعتبارات الغاء القيود والتنافس على الاستثمارات والاسواق والعملات الصعبة يعد عاملا مؤثرا في انعاش الاقتصاد القومي : لكن ثبت انه انتعاش ظاهري او هو انتعاش عابر او مؤقت لان القوة الشرائية الناجمة عن غسل الاموال لا تعبر عن اقتصاد حقيقي اذ انها لا توجه الى الفرص المنتجة ” وانما للمضاربة واستهلاك الواردات والسلع الترفيهية والاستثمارات قصيرة الاجل كالاستثمارات العقارية والسياحية وبصفة عامة توجه الى انشطة تعطي مظهرا لنمو اقتصادي غير حقيقي مخلفا وراءه اثارا اقتصادية سيئة منها التضخم وارتباك اسعار الصرف ومنها القروض من البنوك والاستيلاء على اموالها وتهريبها للخارج ” ومنها انسحاب الاستثمارات الجادة من السوق . [3]
وقد تناول المشرع العراقي كحال اغلب المشرعين في البلدان الاخرى هذا الموضوع واولاه اهمية كبيرة بان افرد قانونا خاصا لمعالجة هذه الجريمة مع ان راينا في هذا الخصوص ان تكرس القوانين العقابية جميع الاعمال غير المشروعة وبالتالي كان من الافيد والاجدى ان يتضمن قانون العقوبات النافذ هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي خصص لها قوانين عقابية خاصة .وعلى اية حال ولحداثة هذه الجريمة بالنسبة للتشريع العراقي والقضاء العراقي في ان واحد فقد اتجهنا في مناقشة هذه الجريمة الى الجانب الفقهي اكثر من الجانب العملي دون ان نغفل الاشارة الى باقي الجرائم التي قد تتشابه في مظهرها العام واركانها وجريمة غسيل الاموال على كل حال فان حداثة ظاهرة غسيل الاموال جعلت الكثير من الناس بل وحتى المختصين من رجال القانون يقفون حائرين امام هذا المصطلح غير المتداول في اطار الدراسات القانونية ولا سيما بلدنا الذي نال منه الحصار والحروب كثيرا وفضلا عن ذلك فان اتخاذ جريمة غسيل الاموال شكل الجريمة العابرة للحدود يثير مشاكل عديدة وثيقة الصلة بالقانون الجنائي الدولي منها قصور قواعد الاختصاص الجنائي الدولي عن ملاحقة جريمة غسيل الاموال عندما ترتكب الجريمة الاصلية –مصدر الاموال غير المشروعة – في اقليم دولة اخرى غير الدولة التي تم فيها نشاط غسيل الاموال مما يتسبب في طرح مشكلة اخرى على قدر غير قليل من الاهمية تتمثل في مدى امكانية الاعتراف بحجية الاحكام الجنائية في اقليم دولة اخرى .
وقد قسمنا هذا البحث الموجز الى خمسة مطالب افردنا المطلب الاول منه الى تعريف هذه الجريمة وبيان ماهيتها في الفقه القانون والاصطلاح اللغوي اما المطلب الثاني فبينا فيه الطبيعة القانونية لهذه الجريمة وفي المطلب الثالث وضحنا موقف المشرع العراقي والقضاء العراقي من هذه الجريمة ثم تكلمنا في المطلب الرابع عن السمات التي تميز هذه الجريمة عن الجرائم ذات الملامح القريبة منها وكان المطلب الخامس مخصصا للاليات المتبعة لمكافحة هذه الجريمة وجدوى هذه الاليات …… املا في ان يكون هذا البحث خطوة في طريق مكافحة هذه الجريمة.
المطلب الأول
تعريف جريمة غسيل الاموال
اكثر الاوصاف التي يمكن من خلالها وصف جريمة غسيل الاموال انها جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجًا لمآزق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالاً باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والإتجار بالبشر وانشطة الفساد المالي . وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دولياً على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها ،واذا ما علمنا ان منظمة الشفافية الدولية اصدرت تقريرها في عام 2007 أشارت فيه الى أن العراق يقع في المرتبة الثانية من حيث شيوع حالات الفساد بين دول العالم. وهذه حقيقة غير مبالغ فيها والحالات الكثيرة التي ضبطت والمبالغ التي أرتفعت الى مليارات الدولارات تؤيد ذلك. وللاسف لم يكن ابطال الفساد عراقيين فقط بل شاركهم في ذلك مسؤولون دوليون كبار وأجانب من مختلف الدول .
ولعل من المفيد ان نتطرق الى لمحة تاريخية في اصول هذه الجريمة فان مصطلح غسيل الاموال وان لم يكن يعرف بهذه التسمية كان السبيل الذي اتبعته عصابات المافيا لاضفاء المشروعية على الاموال القذرة المتحصلة من نشاطات هذه العصابات وفي بدايات القرن الماضي ظهرت إحدى وسائل غسيل الاموال في بداية الثلاثينيات بصورة غير مباشرة وبقضية تهرب من الضريبة حيث كان يتوفر بيد هذه العصابات اموال نقدية طائلة ( غالبا بفئات صغيرة ) ناجمة عن الانشطة غير المشروعة وفي مقدمتها المخدرات والقمار والانشطة الاباحية والابتزاز وتجارة المشروبات المهربة وغيرها ، وقد احتاجت هذه العصابات ان تضفي المشروعية على مصادر اموالها عوضا عن الحاجة الى حل مشكلة توفر النقد بين يديها ومشكلة عدم القدرة على حفظها داخل البنوك ، وكان احد ابرز الطرق لتحقيق هذا الهدف شراء الموجودات وانشاء المشاريع ، وهو ما قام به احد اشهر قادة المافيا ( آل كابون ) ، وقد احيل ( آل كابون ) عام 1931 الى المحاكمة ، لكن ليس بتهمة غسيل الاموال غير المعروفة في ذلك الوقت ،وانما بتهمة التهرب الضريبي ، وقد اخذ الحديث مداه عن المصادر غير المشروعة لهذه الاموال في تلك المحاكمة خاصة عند ادانة ( مير لانسكي ) لقيامه بالبحث عن وسائل لاخفاء الاموال باعتباره المحاسب والمصرفي العامل مع آل كابون ، ولعل ما قام به ( ميرلانسكي ) في ذلك الوقت وفي بدايات تطور الصناعة المصرفية يمثل احد ابرز وسائل غسيل الاموال فيما بعد ، وهي الاعتماد على تحويل نقود الى مصاريف اجنبية واعادة الحصول عليها عن طريق القروض . [4]كما ان الشريعة الاسلامية قد حرمت عمليات غسيل الاموال ونهت عنها طبقا للقاعدة الشرعية “اذا اجتمع المال الحرام بالمال الحلال غلب المال الحرام وبالتالي فهي حرام”وان الاسلام سد منابع الحصول على المال الملوث بتحريمه للطرق التي يتاتى منه هذا المال الخبيث واوجب مصادرته وصرفه في المنافع العامة وتحريم اخفاء الحقيقة بشكل عام ومنها اخفاء حقيقية المال فالكافر حين كفر كان سبيله الى ذلك اخفاء الحقيقة وكل اخفاء للحقيقة حرام .اما عن معنى جريمة غسيل الاموال فعلى الرغم من عدم اتفاق المشرعين في مختلف البلدان على تحديد معنى واحد لهذه الجريمة ويعد تعريف دليل اللجنة الاوروبية لغسيل الاموال الصادر عام 1990 الاكثر شمولا وتحديدا لعناصر غسيل الاموال من بين التعريفات الاخرى التي تضمنتها عدد من الوثائق الدولية والتشريعات الوطنية ، ووفقا للدليل المذكور فان غسيل الاموال ((عملية تحويل الاموال المتحصلة من انشطة جرمية بهدف اخفاء او انكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه الاموال او مساعدة أي شخص ارتكب جرما ليتجنب المسؤولية القانونية عن الاحتفاظ بمتحصلات هذا الجرم))[5]
اما إعلان بازل عام 1988م حيث عرفه بأنه (جميع العمليات المصرفية التي يقوم بها الفاعلون وشركاؤهم بقصد إخفاء المصدر الجرمي للأموال وأصحابه)
بينما جمعية البنوك السويسرية، قدمت في تقريرها العام 2002 تعريفاً أكثر شمولية جاء فيه، إن غسيل الأموال هو عملية تساعد على إخفاء المصدر الإجرامي لرؤوس الأموال الناتجة من تهريب المخدرات، تهريب السلاح، الفساد المالي والإداري،وإن هدف هذه العملية التي تجري عموماً عبر مراحل متعددة ترتكز على الإيحاء بأن الأموال والثروات الكبيرة المحصلة بطرق غير شرعية قد أصبحت في وضعية شرعية تسمح لها بالدخول في الدورة الاقتصادية والمالية العالمية، ويمكن القول إجمالاً بأن غسيل الأموال هو اصطناع صفة شرعية لأموال متأتية من مصادر غير شرعية، وذلك من خلال إدخالها في الدورة المالية العالمية، عبر القنوات المصرفية غالباً لأن كل المعاملات البنكية أو المصرفية يمكن إعادة تدويرها وهو ما يتيح لأصحاب الجريمة المنظمة فرصة غسيل أموالهم عبرها[6].
ويلاحظ في هذا المجال ان التعريفات وان اختلفت في جهة نظرها لهذه الجريمة فانها تجمع على عناصر رئيسية للجريمة واهمها وجود مال ملوث ناجم عن اعمال غير مشروعة الا انه يعوز هذه التعريفات تحديد الجهة التي تفصل في كون هذه الاموال مشروعة من عدمها كون الغالب من عمليات غسيل الاموال تتم مراحل الجريمة فيها في بلد غير البلد الذي نشا فيه المال الملوث وبالتالي كان لزاما ان تتعرض الدراسات القانونية في هذا المجال الى موضوع تنازع الاختصاص وتحديد القانون الذي يحكم كون هذه الاموال ملوثة من عدمه والباحث يجد في هذا المجال ان القانون العراقي وان كان قد فصل في هذا الموضوع طبقا لنص المادة (27) من القانون المدني العراقي النافذ المرقم 40 لسنة 1951 حيث نصت على ان يكون القانون العراقي هو الفيصل في اعتبار النشاط مجرماً من عدمه واعمال القواعد التي جاء بها النظام الجزائي العراقي اما اذا تمت جريمة غسيل المال الملوث في نفس البلد الذي نشا فيه هذا المال فالامر مفروغ من حيث لاتجد قواعد تنازع القوانين تطبيقا في هذا المجال ويتضح مما سبق أن جريمة غسل الأموال لا تزال ، في تحديد إطارها العام ، محل جدل فقهي وتباين في التشريعات بين دول العالم بل أن هناك من الدول من لم توقع على اتفاقية فيينا 1988م حتى اليوم .وبرغم الشهرة الواسعة التي اكتسبها مصطلح غسل الأموال إلا أن اتفاقية فيينا 1988م لم تستخدم هذا المصطلح في أي من موادها بل استخدمت الوصف اللفظي للفعل المادي لهذه الجريمة مثل تحويل الأموال ونقلها وإخفاء أو تمويه حقيقتها أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو ملكيتها أو الاشتراك أو المشاركة فيها.[7].
وعلى صعيد التشريع الوطني فقد اهتم الكثير من المشرعين الوطنيين بتعريف غسيل الموال وهم بصدد تجريم غسيل الاموال والعقاب عليه فقانون غسيل الاموال الفرنسي رقم 392 لسنة 1996 والذي اضاف باباً مستقلا في القسم الخاص المتعلق بجرائم الاعتداء على الاموال في القانون الجنائي الفرنسي لعام 1994 عرف غسيل الاموال (المادة 324 ف1 من القانون الجنائي الفرنسي) بانه”تسهيل بكل الوسائل للتبرير الكاذب لمصدر الاموال والدخول لمرتكب جناية او جنحة الذي امده بفائدة مباشرة او غير مباشرة ويعتبر ايضا من قبيل غسيل الاموال المساهمة في عملية توظيف او اخفاء او تحويل العائد المباشر او غير المباشر لجناية او جنحة ))[8]
فيما عرف القانون المصرى رقم 80 لسنة 2002 غسل الأموال بأنه (( كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال او حيازتها او التصرف فيها أو إدارتها او حفظها او استبدالها او إيداعها او ضمانها او استثمارها او نقلها او تحويلها او التلاعب فى قيمتها إذا كانت متحصل من جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المادة 2من هذا القانون مع العلم بذلك متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال او تمويه طبيعته او مصدره او مكانه او صاحب الحق فيه او تغير حقيقته او الحيلولة دون اكتشاف ذلك او عرقلة التوصل الى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال)) .
أما القانون العراقي فقد عمد إلى بيان الغرض من قانون مكافحة غسيل الأموال لسنة2004 بقوله ((يحكم قانون مكافحة غسيل الأموال ومكافحة التمويل الإجرامي لسنة 2004 “ القانون” هذا المؤسسات المالية فيما يتعلق بغسيل الأموال . تمويل الجريمة , تمويل الإرهاب والحيطة المطلوبة في المؤسسات المالية فيما يتعلق بالتعاملات المالية . يعتبر القانون أيضاً غسيل الأموال , تمويل الجريمة , تمويل الإرهاب والتعاملات المركبة جريمة .وعلى الرغم من الصياغة اللغوية غير الدقيقة للقانون الناجمة عن ترجمة النص من اللغة الإنكليزية إلا أن القانون بحد ذاته وبمفهومه العام يعد قفزة نوعية جيدة ضمن النظام القانوني في العراق وقد جاء في نص المادة الثالثة منه ((كل من يدير او يحاول ان يدير تعامل مالي يوظف عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عرافا بان المال المستخدم هو عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني او كل من ينقل او يرسل او يحيل وسيلة نقدية او مبالغ تمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفا بان هذه الوسيلة النقدية او المال يمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني))
لذا فان المشرع العراقي ركز عند بيان تحديد مفهوم غسيل الاموال على الافعال غير المشروعة التي يراد غسل المال الملوث الناجم عنها وحسناً فعل المشرع بذكره لعبارة النشاط غير القانوني للتعبير عن الافعال غير المشروعة التي قد ينجم عنها المال الملوث وان كان المشرع قد ذكر في صدر المادة الاولى من القانون الجريمة الارهابية وهذا يعد خلطاً مع جريمة تمويل الجريمة الارهابية المعاقب عليها بموجب قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 الا ان المشرع في ذلك قد سار مع ما اتجهت اليه اغلب التشريعات الحديثة التي اخذت بمبدا تكريس مكافحة الارهاب الا ان ذلك قد يؤدي الى ارباك الجهة القضائية عند وضع القانون موضع التطبيق.
وعلى هذا الاساس نرى نجد ان غسيل الاموال ما هو الا عملية تتيح لجماعات الاجرام المنظم وغيرهم من مرتكبي الجرائم التي تدر عائدا ماليا التسلل داخل المؤسسات المالية والتجارية والصناعية المشروعة سواء في داخل الدولة او خارجها لتوظيف واستثمار اموالها المستمدة من انشطتها الاجرامية فبوجود مثل هذه المشاريع المشروعة يتاح لهم ستر اعمالهم غير المشروعة وتمويه مصدر الاموال الموظفة فيها.
المطلب الثاني
الطبيعة القانونية للجريمة
الواقع أن تقسيم الجرائم بحسب الطريقة أو الكيفية الإجرامية التي وقعت بها يتطلب المقارنة بين الجرائم غير المنظمة والجرائم المنظمة فالجرائم غير المنظمة هي التي تقع كيفما اتفق دون سابق إعداد وتدبر أي الكيفية المتاحة حينما يحين الداعي إليها وتدخل تلك الطائفة سائر الجرائم العاطفية كالقتل العاطفي.أما الجرائم المنظمة أي ذات الترتيب والإعداد السابق فهذه تختلف بحسب ما إذا كانت تلك الجرائم واقعة في محيط العصابات الإجرامية أم واقعة خارج هذا المحيط ويقصد بالجرائم الواقعة في محيط المجرمين تلك التي تقع من محترفي الإجرام أي من أولئك الذين صار الإجرام بالنسبة لهم مهنة وفنا وهؤلاء كما يرتكبون جرائمهم بطرق العنف فانهم على العكس قد يتوسلون لارتكابها طريق المكر كتسور المنازل ليلا، السرقة بطريق النشل ، اصطناع مفاتيح مزورة، . أما الجرائم المنظمة الواقعة خارج محيط المجرمين فيقصد بها تلك التي تقع من أفراد يزاولون وظائف مشروعة و ربما كبيرة وهامة لكنهم يوظفون اختصاصاتهم والتنظيم القانوني الذي يحكم تلك الاختصاصات للوصول إلى مغانم شخصية وهؤلاء يأخذ معدل جرائمهم في التصاعد في الوقت الحاضر لفساد الأخلاق من جهة وشيوع روح الفوضى في بعض المجتمعات من جهة أخرى ولعيوب في النظام القانوني من جهة أخرى[9].ومن هذه الجرائم جريمة غسيل الاموال فهي جريمة تتعلق بالاموال التي يتم تداولها في الدولة فالاصل ان تكون هذه الاموال ناتجة من مصدر مشروع لما لذلك من اهمية بالغة في قيام الدولة بتنظيم المعاملات المالية ووضع السياسة النقدية لها وتهيئة المناخ الاستثماري الجيد.
وعلى الرغم من ان جريمة غسل الاموال قديمة قدم التاريخ الا ان مفهومها اكتسب طابعاً مراوغاً وخصائص وصفات غامضة ساعد على ذلك ان هذا النوع من الاجرام يمارسه بعض من اصحاب السلطة والنفوذ من الطبقة العليا في المحتمع.
ومع تطور عمليات غسل الاموال نشأت فئة من المجرمين تخصصوا في عمليات الغسل واحترفوا أنشطة غسيل الاموال وتبييض أموال المجرمين .
وكما أشرنا في بداية بحثنا عن جرائم غسيل الأموال بان هذا النوع من الجرائم ما هو ألا ضرب من ضروب الجرائم الاقتصادية التي تهدد اقتصاديات الدولة وتضر بسمعتها ومصالحها المادية فهي بالتالي جرائم تخالف السياسة الاقتصادية للدولة وهي على درجة جرمية عالية الخطورة وعلى مستوى متقدم من التنظيم[10]. وجريمة غسل الأموال تقوم إضافة إلى أركانها العامة على ركن خاص وهو الركن المفترض (الجريمة السابقة والتي نشأ عنها المال الملوث) وتقوم على فكرة غسل الاموال القذرة الناشئة عن مصادر غير مشروعة وبالتالي فهناك مصدر غير مشروع سبق عملية الغسل .مما يدلل على أن جريمة غسيل الأموال هي جريمة تبعية من ناحية أولية .وقد اتجه بعض الفقه إلى تحديد عناصر جريمة غسيل الأموال بغية تمييز النظام القانوني الذي تحديد الطبيعة القانونية لهذه الجريمة بعد أن اتسع حجم غسيل الأموال في العالم باتساع وتنوع النشاط الإجرامي، فهي من أخطر الجرائم والجريمة النهائية في سلسلة الإجرام المنظم وبالتالي فإن مفهوم جريمة غسيل الأموال يتكون من عدة عناصر وهي:
أ- عنصر الشرعية الذي يضفي على أموال الجريمة غير المشروعة، ويعتمد عنصر الشرعية على:
1- التغطية الكاملة على أي أثر من شأنه أن يوصل المحققون وأجهزة الأمن إلى أصل الأموال.
2- استخدام عمليات نقل الأموال خارج الحدود وإعادة إدخالها واستثمارها في شكل صفقات تجارية أو غيرها.
3- القيام بتكوين واجهة شرعية للتخفي ورائها وتعبر عن النشاط الذي يرغب المجرم في التخفي وراءه.
ب- عنصر اعتياد المجرم ممارسة جريمة غسيل الأموال واتخاذها سلوكا مستديما ومهنة دائمة ويرتكز هذا العنصر على ما يلي:
1- اصطناع مركز مرموق للمجرم يجعله في حماية النظام العام.
2- وضع الأموال تحت تصرفه والإعلان عن حيازتها وتصنيفه ضمن كبار الأثرياء.
3- تكوين مؤسسات خيرية وأخرى لغرض اجتماعي تحمل اسمه.
ج- عنصر اندماج المجرم في المجتمع الشرعي بمكاسبه التي حققها من إجرامه وهو محمل بأحقاد وضغائن ضد العديد ممن قاموا بردعه عن الانحراف.
د- عنصر الجريمة الذي يخرجه من مجتمع الإجرام المنظم إلى مجتمع أرستقراطي حيث ينعم المجرم بالرفاهية ويتزوج من هذا الوسط كي يتخفى ورائهم ولا يدري أحد عن ماضيه شيء.[11]
وقد تعددت الآراء ووجهات النظر حولها إحداها ترى باستقلال جريمة غسل الاموال عن الجريمة التي نشأ عنها المال القذر وانصار هذا الراي يذهبون الى القول ان لجريمة غسيل الأموال ركنان[12]: مادي ومعنوي، وفيما يلي بيان ذلك:
1.الركن المادي : ويتألف من ثلاثة عناصر، هي:
ا.السلوك الذي يكون ركنا ماديا للجريمة ويتضمن ثلاثة أشكال هي:.حيازة أو إكتساب أو إستخدام الأموال القذرة وتودع في حساب مصرفي أو توضع كأمانة في خزانة مستأجرة في البنك.
ب .إخفاء الأموال القذرة من حيث المصدر، أو المكان أو التصرف أو الحركة أو الحقوق المتعلقة بها أو الملكية.
ج.المحل الذي يرد عليه السلوك وهي الأموال المتحصلة من الإتجار بالمخدرات أو بالدعارة أو الإختلاس أو الرشاوي أو الإتجار بالرقيق أو بالأطفال.
د.الجريمة التي تحصلت الأموال بموجبها كالاتجار غير المشروع بالسلاح أو المخدرات… الخ.
2.الركن المعنوي
يفترض علم الجاني أو الجناة بالمصدر غير المشروع للأموال القذرة فهي جريمة عمدية تنصرف إرادة الفاعل إلى إرتكابها دون خلل بإرادته الحرة، فالجاني يعلم علم اليقين بأنه يمارس نشاطا إجراميا وهذه الجريمة في حقيقتها إنما هي جريمة مستمرة ويقترح أحد الباحثين إعادة النظر بالتقسيم التقليدي للجرائم في ضوء واقع جرائم غسيل الأموال بحيث يمكن تقسيمها إلى جرائم ارتكاب وجرائم امتناع وجرائم وقتية وجرائم مستمرة وجرائم مسبقة وجرائم مرتبة وجرائم إعتيادية، ويذهب أحد الباحثين إلى تصنيف جرائم غسيل الأموال الى جرائم لا تحقق أية عواقب مالية مثل القتل والإيذاء، وجرائم تحقق دخلا ماليا محدودا لمقدار ما يفقده المجني عليه في السرقة والإحتيال. وهناك جرائم تحقق دخلا ماليا كبيرا جدا مثل تجارة السلاح غير المشروع والتزوير والجرائم الإقتصادية. وجريمة غسيل الأموال عبارة عن جريمة تحويل أو نقل الأموال، وجريمة إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال بالإضافة الى جريمة حيازة أو اكتساب أو إستخدام هذه الأموال.
اما الاتجاه الاخر فيرى ان جريمة غسيل الاموال تعتبر من الافعال المكونة لجرائم اخفاء الاموال المتحصلة من جريمة . ويصف انصار هذا الراي عملية غسيل الاموال بانها التصرفات المالية المشروعة لاموال اكتسبت بطرق واساليب غير مشروعة عن طريق استخدامه ولمرات عديدة وفى اوجه مختلفة وباساليب عديدة فى وقت قصير فى الاستثمارمثل الايداع فى البنوك المحلية والخارجية عن طريق ادخال الاموال او اخراجها او تحويلها عبر عدة عمليات مصرفية او تدوير ذلك المال فى انشطة مشروعة كثيرة مثل شراء الاراضى والعقارات والمشروعات السياحية والصناعية او تاسيس الشركات وبعضها وهمية او المضاربة بالمال فى البورصات او التجارة وغير ذلك من الاساليب لاخفاء المصدر غير المشروع للمال وتضليل الاجهزة الرقابية والامنية للافلات من العقوبات القانونية المقررة على تلك الجرائم الاقتصادية المسماة بجريمة غسيل الأموال.[13]ومن ذلك يذهب بعض انصار هذا الراي الى القول ان المادة 3 من قانون غسيل الاموال العراقي((جاءت هذه المادة لمعاقبة استعمال المال المتحصل من ارتكاب جريمة و بالتالي تعتبرتعديلا لاحكام المادة 460 و المادة 461 من قانون العقوبات النافذ رقم 111 لسنة 1969 .
و نصت هذه المادة على معاقبة مخالف احكامها بالسجن مدة لا تزيد على 4 سنوات و هذا يتعارض مع احكام المادتين 25 و 26 من قانون العقوبات النافذ و الذي حدد عقوبة السجن من خمس سنوات فاكثر للجنايات و عقوبة الحبس من ثلاث اشهر لغاية خمس سنوات للجنح اما نص قانون مكافحة غسيل الاموال بالحبس مدة لا تزيد على اربع سنوات فهو خطأ في الترجمة و كان الاولى تصحيح هذا الخطأ باعتباره خطأ مطبعيا بدلا من هذا التناقض الواضح بين السجن و الحبس) [14] .واذا كان هذا الراي يحمل الصواب حول عدم دقة النص فيما يخص تكييف الجريمة كونها جنحة او جناية فانه يجانب الصواب في كون العقوبة الواردة في النص اعلاه تعتبر من قبيل تعديل لنص المادة 460 عقوبات وسنتولى شرح هذا الموضوع في موضع مستقل.
اما الراي الذي يراه الباحث ان جريمة غسيل الاموال تقوم على ثلاث اركان وهي:-
1_الركن المفترض وهي الجريمة التي نشا عنها المال الملوث .
2_الركن المادي وهو النشاط الانساني المتمثل بالافعال المادية التي يقوم بها الجاني لغسل المال القذر كايداع المال في حساب مصرفي او توظيفه في وجه من اوجه الاستثمار .
3_الركن المعنوي وهو اتجاه الارادة الى احداث النتيجة الجرمية على نحو يعتد به القانون
المطلب الثالث
جريمة غسيل الاموال في التشريع العراقي
وعلى الرغم من المآخذ الكثيرة التي أشرت على القانون والتي يمكن حصره بمآخذ لغوية منها ((عدم تمييز الفاعل من المفعول، في عبارة (لحماية الذين يديرون النشاط الغير قانوني من الملاحقة القضائية) وأنَّ الفعل يديرون، من الأفعال الخمسة يُرفع بثبوت النون ويجزم وينصب بحذفها، نحو قوله تعالى(فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) والفاعل ضمير مستتر تقديره هم، والنشاط مفعول به، فكانَ الصحيح أن تأتي العبارة هكذا( يديرون نشاطاً غير قانونياً من الملاحقة القضائية)لأنَّ نشاطاً مفعول به، وغير قانونياً، نعت للمفعول به))[15]. ومآخذ قانونية سنشرحها لاحقا إلا أن القانون يعد بحد ذاته خطوة جيدة في طريق مواكبة التقدم الذي لحق بمكافحة هذه الجريمة .كونه يعد بداية وان كانت متعثرة في الاتجاه الصحيح لوضع هذه الجريمة موضع التجريم وإدخال مفهوم غسيل الأموال ضمن مفهوم التجريم القانوني ومن ثم يمكن تقويم القانون أو حتى استبداله بما يتلاءم وحجم هذه الجريمة أن من أهم المبادئ التي جاء بها قانون غسيل الأموال رقم 93 لسنة 2004 هي:-
1-الالتزام بتحديد هوية العميل الزم القانون المؤسسات المصرفية بالتحري عن هوية العميل وقد نصت المادة 15 بفقرتها الأولى ((– عند فتح حساب أو اجراء تعامل أو سلسلة من التعاملات المتصلة المحتملة والتي قيمتها تساوي أو تزيد على خمسة مليون دينار عراقي لزبون سواء كان فرداً أو شخصاً قانونياً , فان على المؤسسة المالية أن تحصل وتسجل حيثما يكون نافذاً الاسم القانوني للزبون , وأي أسماء أخرى مستعملة , والعنوان الدائم الصحيح بضمنه عنوان الشارع الكامل , ورقم الهاتف ورقم الفاكس وعنوان البريد الإلكتروني وتاريخ ومحل الولادة , وبالنسبة إلى الشخص القانوني صفة أو أي وثيقة تأسيس أخرى , الجنسية , المكان , تحكم الوظيفة العامة , و / أو اسم الموظف ورقم الهوية الشخصية الرسمية أو أي تعريف أخر منفرد وارد في وثيقة رسمية نافذة مثل جواز سفر , هوية تعريف , إقامة دائمة , رخصة قيادة تحمل صورة شخص الزبون , نوع الحساب وطبيعة العلاقة المصرفية والتوقيع . وتقوم المؤسسة المالية بالتحقق من كل المعلومات)) وفي هذا الخصوص أرى انه كان من الأجدى بالنص أن يكون معيار الإلزام بالتحري عن هوية الزبون طبقا لحجم تعاملات الزبون أي كونه زبوناً دائماً للمصرف أو زبوناً عادياً متفقاً مع ما ذهبت إليه أغلب التشريعات الحديثة ومنها ما ذهب إليه قانون غسيل الأموال الفرنسي رقم 614 لسنة 1990 فقد نصت المادة 12 من هذا القانون على انه يميز في التعامل بين العملاء الذبن يقومون بفتح حسابات جديدة والعملاء غير الدائمين الذين سماهم القانون ب(العملاء الطارئين) والعملاء بالنيابة.[16]وتأسيساً على ما جاء بالقانون العراقي لغسيل الأموال فقد اصدر مكتب غسيل الأموال تعميماً إلى كافة المؤسسات المصرفية نصه في المنشور رقم 1 لسنة 2007 ضمنه ما جاء في نص المادة 15 من القانون من البيانات الواجب أدراجها في أي معاملة مصرفية تزيد قيمة التعامل فيها عن خمسة ملايين دينار وميز هذا التعميم بين أن يكون صاحب المعاملة شخصاً طبيعياً وبين أن يكون شخصاً معنوياً من حيث طبيعة المعلومات الواجب التحري عنها لاكمال المعاملة المصرفية .
2-الالتزام بالتبليغ عن مبالغ أو تعاملات معينة نصت المادة 19 من قانون غسيل الأموال ((تعلم المؤسسة المالية مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال إذا كان لديه سبب للاعتقاد بان تعاملا مشبوه قد حصل , سواء تم أجراءه من قبل الزبون أو من قبل شخص أخر , وعندما تكون القيمة الكلية للتعامل او سلسلة التعاملات المتصلة المحتملة مساوية او اكثر من 2 مليون دينار عراقي او في حالة التعاملات المركبة المشبوهة لتفادي ضرورات الابلاغ , ويتضمن هذا الإبلاغ كل الوقائع والظروف . يتم عمل هذا الاخبار حالما يكون ممكناً بصورة معقولة لكن ليس بعد 14 يوم من تاريخ حصول الحدث المسبب للاشتباه اوإعطاء سبب الاشتباه . ولن تصرح المؤسسة التي تقوم بالابلاغ بموجب هذه الفقرة بذلك الى الزبون او الى طرف ثالث اخر)) . وان كان هذا النص يحوي بعضاً من عدم الترابط في الفاظه الا ان تفسير النص ضمن السياق العام للقانون يشير الى الزام المؤسسات المالية بتبليغ السلطات المختصة عن المعاملات المالية المشتبه بها وخلال فترة 14 يوما من تاريخ ورود المعاملة واقترح في هذا السياق ان يصار الى تقييد الجهة المختصة بتلقي هذا الاخبار بفترة كان تكون 14 يوما لاتخاذ القرار في ايقاف المعاملة او التصريح باكمالها .وفي هذا الخصوص وبغية إلزام المؤسسات المالية فقد اصدر مكتب غسيل الاموال تعميماً لكافة المصارف تلتزم المصارف بمؤداه ان تقدم كشفاً نصف شهري بالمعاملات المصرفية التي تضطلع بها .
3- الالتزام بتدقيق المعاملات المالية تنص المادة 18 من قانون غسيل الاموال ((تحري اضافي عن غرض وطبيعة التعاملات 1 – تتحقق المؤسسة المالية في الحال من مصدر المبالغ والغرض والطبيعة المقصودة للتعامل او علاقة العمل , اذا كان هناك سبب للاشتباه بان الموجودات هي عائدات جريمة , او ان القصد منها تمويل جريمة , او ان التنظيم الاجرامي له سلطة التصرف بها .
2 – تعلم المؤسسة المالية التي لديها سبب للاعتقاد بان التعامل المقترح او سلسلة التعاملات هي / تعاملات مشتبه بها في الحال مكتب الاخبار عن غسيل الاموال وتطلب منه الارشاد والتوجيه . اي مؤسسة مالية او اي شخص اخر يقوم بعمل هذا الابلاغ سيكون مشمولا بالحماية المقررة في المادة 22 فقرة 1 من هذا القانون .)) ولغرض تطبيق هذا الالتزام فانه يتوجب على كل المؤسسات المعنية اجراء تدقيق معين بشان كل التعاملات الكبيرة التي تستوفي الشروط الاتية:-
أ- يجب ان لا تكون المعاملة مشمولة بالزام الابلاغ عنها الوارد بنص المادة 15 وكما بينا سابقا .
ب – ان يرافق التعامل ظروف تدعو للشك في مصدره او الغرض منه.
ج- عدم وجود مبرر اقتصادي او مشروع له.
4 – الالتزام بحفظ السجلات اوجب قانون غسيل الاموال على المؤسسات المالية بحفظ نوعين من السجلات النوع الاول يتمثل بالسجلات الخاصة بهوية العملاء والنوع الثاني يتمثل بالسجلات الخاصة بتدقيق المعاملات حيث نصت المادة 22 ((التزام عمل وحفظ السجلات
1 – تحتفظ المؤسسة المالية بالسجلات المطلوبة بموجب هذا القانون , وتعمل وتحفظ سجل لكل مزاولة تحقيق او استفسار لمكتب الابلاغ عن غسيل الاموال لمدة خمس سنوات بعد غلق الحساب او انتهاء علاقة الزبون , تحفظ المعلومات المجموعة فقط لاغراض التعامل او سلسلة التعاملات لمدة على الاقل 5 سنوات بعد اخر تعامل .)) اذ يتوجب على المؤسسات المالية حفظ وادامة سجلات مخصصة لهوية اصحاب الحسابات لديها والمعاملات ولمدة خمس سنوات من تاريخ غلق حساب اولئك العملاء او تاريخ نهاية علاقة المؤسسة المالية بهم.
تعد البلدان النامية والمتخلفة مسرحاً مهماً وبيئة مناسبة لعمليات غسيل الاموال لما تتصف به هذه البلدان من ضعف في القوانين وهشاشة في الرقابة القانونية وتدن واضح في مستوى العمليات الاحصائية والحسابية وتخلف معرفي فيما وصلت اليه البلدان المتقدمة من وسائل وتقنيات حديثة في الاجراءات الضبطية في قياس حجم الاموال والتشدد في عمليات تحويلها.
ويكاد العراق ان يكون مرشحا لأن يكون بيئة مناسبة لمثل هذه العمليات بالرغم من عدم وجود احصاءات رسمية عن حجم عمليات غسيل الاموال فيه.
وتعود اسباب ترشيح العراق الى اسباب عديدة ابرزها[17]:
1. انتشار العمليات الارهابية وما يصاحبها من عمليات خطف يحصل الخاطفون من ورائها على اموال ضخمة كفدية للافراج عن المخطوفين وكذلك السطو على المصارف والبنوك او مصادرة الاموال الضخمة المحمولة في سيارات هذه المصارف بقوة السلاح، وغير ذلك من العمليات وهي عمليات تؤدي الى تولد كميات ضخمة من الاموال القذرة التي تتطلب غسيلها لاحقا لاضفاء الشرعية القانونية عليها وجعلها قابلة للتوظيف والتداول والاستثمار من جديد بكل يسر وسهولة.
2. انتشار الفساد المالي والاداري وارتفاع معدلات عمليات الاستحواذ على المال العام بطرق واساليب مختلفة يقابله تلكؤ واضح من قبل السلطات التنفيذية في القبض على المفسدين وتقديمهم للقضاء العادل ويصاحب ذلك انعدام التشريعات القانونية او عدم تفعيلها بما يتناسب مع حجم هذه الجرائم او اتساعها وتغلغلها في مختلف دوائر ومؤسسات الدولة.
3. وجود الاموال العراقية المنهوبة من قبل عناصر النظام السابق ومن غيرهم التي هربت الى خارج العراق او بقيت مخبأة على شكل عملات اجنبية او موظفة في مشاريع ذات واجهات شرعية يمكن اعادة غسيلها واعادة توظيفها في مشاريع اقتصادية جديدة.
4. انتشار وتوسع الصراعات السياسية والعرقية والطائفية وبروز الجماعات المسلحة المختلفة وتصاعد صراعاتها العسكرية والاعلامية، وهذا ما يتطلب الحصول على اموال ضخمة لادامة الصراع من اجل البقاء.
5. ضعف الرقابة على الحدود الدولية وعدم توفر الدعم المادي والمعنوي للقوات المشرفة على نقاط التفتيش والسيطرة فضلا عن عدم توفر الاجهزة والمعدات التقنية الحديثة التي يمكن من خلالها اجراء التفتيش الدقيق للاشخاص والسلع والبضائع ذهابا وأيابا.
6. تدني مستويات التعاون والمشاركة في الانشطة الاقليمية والدولية للحد من تداعيات الجريمة المنظمة بشكل عام وجرائم غسل الاموال بشكل خاص، ما يقتضي تفعيل المشاركة في هذه النشاطات وارسال العديد من المتدربين الى خارج العراق للحصول على خبرات حقيقية في هذا المجال.[18]
المطلب الرابع
تمييز جريمة غسيل الاموال عن باقي الجرائم
مما تقدم من البحث فانه يمكننا القول بان نشاط غسيل الاموال اضحى يشكل جريمة مستقلة تتميز عن غيرها من الاوصاف الجنائية التقليدية الاخرى او على الاقل لا تلتبس معها .واذا كانت الجريمة بصفة عامة تتمثل في عدوان على مصلحة يحميها القانون ويختص القانون الجنائي بالنص عليها وبيان اركانها والعقوبة المقررة لفاعلها[19] فان الامر لا يختلف في جوهره بالنسبة لجريمة غسيل الاموال فهي بدورها تنطوي عدوان على مصالح اقتصادية واجتماعية متطورة وهامة وجديرة بالحماية القانونية وينصرف تعبير القانون هنا الى قانون العقوبات والقوانين الاخرى التي تتكفل باسباغ الحماية الجنائية على مصلحة يرى المشرع جدارتها بتلك الحماية لكونها من الاعمدة التي ينهض المجتمع والتي تتمثل في الاساس التشريعي لجريمة غسيل الاموال اي الاساس القانوني او الركن الشرعي.
ومن خلال استقراء اركان جريمة غسيل الاموال ورغم الاختلاف الفقهي الذي اشرنا اليه عنذ الكلام عن الطبيعة القانونية لجريمة غسيل الاموال فان الثابت من القول هو ان جريمة غسيل الاموال تعد من الجرائم التبعية وهو مايفضي الى القول بان لهذا النوع من الجرائم ركناً مفترضاً هو وقوع جريمة اصلية سابقة عليها على الرغم من ان قسماً كبيراً من الفقه يتجه الى القول ان دراسة هذا الركن تندرج في الواقع ضمن دراسة محل الجريمة ذاتها ولكننا نرى ان هذا الركن هو ركن مستقل عن باقي اركان الجريمة وان اتجاه بعض المشرعين كالمشرع المصري بتحديد جرائم بالذات يكون المتحصل من هذه الجرائم من اموال قذرة محلاً لجريمة غسيل الاموال يؤكد ان محل الجريمة ينفصل في قيام الجريمة (غسيل الاموال ) عن الجريمة الاصلية التي نشأ المال عنها .ومن هنا يمكن القول ان جريمة غسيل الاموال تقارب جريمة اخفاء الاموال المتحصلة عن جريمة الوارد ذكرها في المواد 460و461و462 من قانون العقوبات العراقي ذي الرقم 111 لسنة 1969 ومن خلال قراءة لنص المادة 460 بقولها (( مع عدم الاخلال باية عقوبة اشد يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات من حاز او اخفى او استعمل اشياء متحصلة من جناية او تصرف فيها على أي وجه مع علمه بذلك )) يبرز وبصورة واضحة الفرق بين الجريمتين وبشكل جلي ورغم ذلك فان قسم من الفقه يورد غسيل الاموال احدى صور اخفاء الاموالة المتحصل عن جريمة فان الرد على هذا الرأي بالقول ان جريمة اخفاء الاموال المتحصلة عن جريمة يتعلق محل الجريمة فيها بذات المال الناتج عن عمل غير مشروع وبذلك لا يتطلب الامر في اكتمال اركان هذه الجريمة اضفاء المشروعية على هذا المال واعادته للتداول مرة اخرى وهذا هو المفهوم الحقيقي لجريمة غسيل الاموال لهذا يمكن القول ان من صور النشاط الاجرامي الذي يمثل احد عناصر الركن المادي لجريمة غسيل الاموال النشاط السلبي تتمثل في عدم القيام بامر ما امر القانون بالقيام به ومن ذلك ما ذهبت اليه نص المادة 18 من قانون مكافحة غسيل الاموال العراقي حيث نصت ((– تتحقق المؤسسة المالية في الحال من مصدر المبالغ والغرض والطبيعة المقصودة للتعامل او علاقة العمل , اذا كان هناك سبب للاشتباه بان الموجودات هي عائدات جريمة , او ان القصد منها تمويل جريمة , او ان التنظيم الاجرامي له سلطة التصرف بها)) .
واذا كانت جريمة غسيل الاموال تنصب على مال متحصل من احدى الجرائم الواردة في نص المادة الرابعة من قانون غسيل الاموال وان ياتي الجاني على المال محل الجريمة احدى صور السلوك الاجرامي المنصوص عليها في المادة 3 من القانون ذاته بقولها ((كل من يدير او يحاول ان يدير تعامل مالي يوظف عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عرافا بان المال المستخدم هو عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني او كل من ينقل او يرسل او يحيل وسيلة نقدية او مبالغ تمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفا بان هذه الوسيلة النقدية او المال يمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني)) . اما جريمة اخفاء الاشياء المتحصلة عن جريمة فان المال ينحصر بالمال المتحصل عن جناية دون غيرها وان فعل الاخفاء يتحقق بمجرد قيام المتهم بتسلم الشيء المتحصل من الجناية ودخوله في حيازته وفعل الاخفاء كما هو معروف في القانون انما يتحقق بكل اتصال فعلي بالمال المسروق مهما كان سببه او الغرض منه ومهما كانت ظروف زمانه او مكانه او سائر احواله (( فبمجرد استلام الجاني للشيء المسروق مع علمه بسرقته يكفي لتوفر عنصر الاخفاء ولا يشترط في ذلك ان تكون الحيازة بنية التملك))[20]وهذا القرار يشير الى ان القضاء العراقي يكتفي بمجرد دخول المال المتحصل عن جريمة في حيازة الجاني مع اشتراط علمه بكون المال متحصل عن جناية لمعاقبة الجاني عن جريمة اخفاء مال متحصل من جريمة .
اما اوجه الاتفاق بين الجريمتين فهي ان المال المتحصل في كلا من الجريمتين هو مال متحصل عن عمل غير مشروع سواء كان المال متحصلا عن جناية محددة او بشكل عام كما ان العنصر المفترض في كلا الجريمتين هو الجريمة التي نشا عنها المال الملوث والقصد الجنائي العام هو واحد في كلا الجريمتين والفرق في هذا الخصوص هو استلزام قصد خاص في جريمة غسيل الاموال بعكس جريمة اخفاء اشياء متحصلة من جناية حيث انه يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة اخفاء الاشياء المسروقة ان يكون المتهم عالما بان الشي الذي يخفيه مسروق بغض النظر عن الباعث الذي يكون قد دفعه الى الجريمة فمتى اثبت الحكم على المتهم انه حاز المسروق مع علمه بسرقته فلا يجديه ما يدعيه من انه لم يقصد غشا او اضرارا بالغير[21]
اما الجريمة الاخرى التي تتداخل مع جريمة غسيل الاموال في القانون العراقي فهي جريمة تمويل الارهاب وعلى الرغم من ان قانون غسيل الاموال دمج وفي مواضع كثيرة بين الجريمتين الا ان الفرق بين الجريمتين هو فرق واضح وجلي فاذا ما إذا عرجنا على القانون رقم 13 لسنة 2005 فإننا نرى بان المشرع لم يخرج بعيدا عن فلك الاتفاقيات والمفاهيم الدولية وانه سار على ذات النهج، وان كان قد توج المادة الأولى منه بعنوان تعريف الإرهاب والتي جاء فيها ((كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد او جماعات او مؤسسات رسمية او غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة او الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني او الاستقرار او الوحدة الوطنية او إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس او إثارة الفوضى تحقيقا لغابات إرهابية )) ومن ثم فالركن المادي يتحقق في هذه الجريمة بالصور الاتية :
1- تسليح المواطنين العراقيين ويتم ذلك بتزويدهم بالسلاح اللازم للحرب الاهلية .
2- تحريضهم وحملهم على التسلح دون النظر في نوع السلاح او عدد المسلحين والضغط عليهم وتشجيعهم على الفتنة سواء بالخطب او الفتاوى لحمل السلاح في مواجهة الفئة الاخرى من المجتمع.
3- تمويل المواطنين لغرض التسلح لمحاربة الفئة الاخرى ويتم لك اما مباشرة او بتحويل الاموال الى أي جهة اخرى لها علاقة بعملية التسلح لاثارة الفتنة او الحرب الاهلية, وكان الاجدى بالمشرع العراقي ان يعالج هذه الوسيلة كجريمة مستقلة لها اهميتها الخاصة اليوم في دعم العمليات الارهابية وعدم الاكتفاء بالاشارة اليها في صورة وسيلة داخلة في نشاط اجرامي. ومن ذلك ما نصت عليه المادة 4 بفقرتها 2 من قانون غسيل الاموال النافذ بقولها((– التمويل الارهابي – كل من يقدم , او يدعو شخص اخر لتقديم , مال او دعم او تمويل او خدمات اخرى ذات صلة بذلك , قاصدا استعماله او عارفا انها من المحتمل ان تستعمل كلا او جزاءا – عمل او امتناع يقدم فائدة الى جماعة ارهابية)) وان النص على هذه الجريمة في قانون غسيل الاموال يثير مسالة تعارض النصوص في حكم المسالة الواحدة لذا وكون قانون مكافحة الارهاب قد صدر في عام 2005 وقانون غسيل الاموال قد صدر بتاريخ 2004 واعمالا للقواعد العامة التي تصدت لهذه المسالة فان جريمة غسيل الاموال تكون محكومة بقواعد قانون الارهاب الا ان المسالة تحتاج الى وقفة عند طرح الفرض الاتي بان ترتكب جريمة تمويل الارهاب من حصيلة اموال تم غسيلها أي استعمال العوائد الناجمة عن غسيل الاموال في تمويل جريمة ارهابية وفي هذه الحالة فارى ان النص الموجود في قانون غسيل الاموال يجد حضورا في المعاقبة على غسيل الاموال دون جريمة تمويل الارهاب ويكون نص المادة 4 بفقرتها الثانية معطلا بوجود نص المادة الثانية من قانون مكافحة الارهاب التي تعاقب عن جريمة تمويل الارهاب كنشاط ارهابي يمثل نشاطاً اجرامياً كعنصر من عناصر الركن المادي في الجريمة الارهابية ولكن ارى انه من الاجدى بالمشرع ان يخصص لجريمة تمويل الارهاب نظاماً قانونياً يكفل مكافحتها بان يضمن ايقاع الجزاء الوارد في قانون غسيل الاموال كون العقوبة تكون من *** الفعل الجرمي وان تتبنى العقوبة الورادة في قانون مكافحة الارهاب وهي الاعدام لما تمثله هذه الجريمة من خطر يهدد حياة الابرياء واموالهم
اما معيار التفرقة بين الجريمتين وان كان واضحا وجليا الا ان المسالة قد تدق عندما تتبنى الجماعات الارهابية جريمة غسيل الاموال في سبيل الحصول على موارد تغطي نشاطاتها الارهابية وتمولها فهل نكون امام جريمتين تتمثلان بغسيل الاموال وتمويل ارهاب ام جريمة واحدة هي جريمة ارهابية ؟ ارى ان الجواب هنا هي مشمولة باحكام المادة 132 من قانون اصول المحاكمات الجزائية أي ان تعدد الافعال الجرمية يجمع بينها وحدة الغرض أي ان الغرض من جريمة غسيل الاموال كان الحصول على عائدات بقصد توظيفها في تمويل عمليات ارهابية ويعاقب الجناة حينئذ عن جريمة ارهابية ولكن يسال كل من المساهمين في هذه الجريمة عن فعله اذا لم يكن يعلم بالقصد الجرمي المشترك لباقي المساهمين وبالتالي فان الموظف المصرفي الذي يقصر بذل العناية اللازمة في التحري عن الاموال المودعة والوارد بنص المادة الرابعة من قانون غسيل الاموال بقصد المساهمة في جريمة غسيل الاموال دون أي يعلم بان هذا المال سيستخدم بعد ذلك في تمويل جريمة ارهابية فلا يسال الا عن جريمة غسيل الاموال دون الجريمة الارهابية اما اذا توافرت لدى الموظف نية المساهمة الجنائية في الجريمة الارهابية عند قيامه باي نشاط بغية تسهيل امام عملية غسيل الاموال فيسال هنا عن الجريمة الارهابية المرتكبة بصفة شريك لقيامه بعمل من الاعمال المكملة واذا حضر مسرح الجريمة عد فاعلاً اصلياً.
المطلب الخامس
جدوى الوسائل المتبعة في مكافحة الجريمة
تشير التقارير الصادرة عن الهيئات الدوية والاقليمية الى ضرورة التعاون بين الدول على مواجهة ظاهرة غسل الاموال باعتبار ان التعاون انسب الطرق واقصرها وصولاً للغاية وتؤكد بعض التقارير [22]على ان اكثر الدول استفادة من التعاون الدولي في مجال مكافحة غسل الاموال خاصة فيما يتعلق باستقرارها السياسي والاقتصادي هي الدول النامية والدول التي تمر بمرحلة تحول اقتصادي لان هذه الدول في سعيها الى تحقيق النمو الاقتصادي تتسلل اليها عائدات الجريمة التي توظف في مختلف المجالات الرئيسية للحياة المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ومن المؤكد انه وعلى مستوى العالم يكون هناك دور بارز ولاغنى عنه للمنظمات الاقليمية التي تكون بمثابة بوتقة تجمع بين عدة دول في اقليم او منظمة معينة تربط بينها خصائص ومميزات ثقافية وحضارية واقتصادية معينة مما يحتم عليها وضع السياسات الكفيلة بصيانة ورعاية وحماية هذه المميزات وصولا الى المزيد من التطور والاخذ باساليب الحياة المعاصرة مما يكون من شانه ان ينعكس رخاءاً وتطوراً وامناً على مواطنيها.[23]
ومن ضمن هذه الجهود الاقليمية مارس المجلس الاوربي دوراً فعالاً في محاربة الجريمة المنظمة ويتضح هذا من خلال جهوده التالية:-[24]
1-إستناداً الى أحكام المادة 17 من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات “وضع المجلس الاوربي في 31 كانون الثاني 1995 اتفاقية المجلس الاوربي لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات.
2-اعداد مشروع اكتوبس octups او مايسمى بمشروع الاخطبوط في حزيران 1996 وذلك بالاشتراك مع لجنة المهمات الاوربية بهدف تقييم الوضع في ست عشرة دولة من وسط وشرق اوربا في مجال التشريع والممارسات المتخذة من قبل الدول في مكافحة الفساد والجريمة المنظمة .
واكد المشرّع على تعزيز التعاون بين الدول الاعضاء في المجلس وضرورة التزام الدول الاعضاء في المجلس باتباع التطبيقات والتوصيات التي تمت صياغتها من قبل خمسة من خبراء من مجلس اوربا وضورة تقييم المشروع بصورة شاملة وبيان اثاره ونتائجه في الدول الاعضاء كما نتج عن المشروع اعداد برنامج وسائل مكافحة غسيل الاموال في الدول التي لم تتبن التوصيات الاربعين الصادرة من قوة المهام الدولية (fata) .
3_انشاء لجنة لخبراء القانون الجنائي وعلم الاجرام حول الجريمة المنظمة في نيسان 1997 وقدمت هذه اللجنة إيجازاً حول خصائص الجريمة المنظمة وتحديد أوجه القصور في التعاون الدولي واقتراح ستراتيجيات جديدة وفي شهر حزيران من نفس السنة قامت اللجنة بتوزيع استبيان على الدول الاعضاء حول طبيعة وتركيب انشطة الجريمة المنظمة في كل الدول الاعضاء في المجلس.
4- في حزيران 1997 تبنى المجلس مسودة توصيات حول حماية الشهود وتؤكد هذه التوصيات على توفير الامان للشهود الذين يدلون بشهاداتهم في قضايا الجريمة المنظمة
5- رغبة من الدول الاعضاء في المجلس الاوربي في مكافحة الاجرام المنظم الذي اصبح يعد مشكلة دولية جاءت اتفاقية غسيل الاموال بتقدم احدث الطرق واكثرها فعالية على المستوى الدولي لتلبي هذه الرغبة ولعل اهمها حرمان المجرم من منافع جريمته وقد تم اعداد هذه الاتفاقية في 1990 واصبحت نافذة المفعول في 1 تشرين الثاني 1993 وفي 1997 صدقت هذه الاتفاقية واصبحت سارية المفعول في خمس عشرة دولة اوربية [25]
وفي الحقيقة تعد هذه الاتفاقية من ابرز الجهود التي بذلها المجلس الاوروبي لمكافحة غسيل الاموال والتي مهدت الطريق امام التشريعات الوطنية الاوربية لتجريم نشاط غسيل الاموال واتخاذ السبل الكافية لمنعه ومكافحته .وركزت الاتفاقية على ثلاثة موضوعات رئيسة هي تجريم نشاط غسيل الاموال والمساعدة في عمليات التحقيق والتحري والمصادرة باعتبارها الجزاء الاساس لمكافحة هذا النشاط .
6.في عام 1991 قام مجلس الوزراء التابع للمجموعة الاوربية (حاليا الاتحاد الاوربي) باصدار توجيه حول منع استخدام النظام المالي في عمليات غسيل الاموال ويسعى هذا التوجه الى تحقيق هدفين :
الاول ان تعمل الدول الاعضاء على سن قوانين لحظر غسيل الاموال قبل 1 كانون الثاني 1993.
الثاني زيادة التعاون بين الدول الاعضاء في التحقيق والمقاضاة المتعلقين بغسيل الاموال.
وفرض التوجيه العديد من الالتزامات والواجبات ذات الدلالة على المؤسسات المالية بما في ذلك صناعة التامين فعلى المؤسسات المالية ان تسال عن هوية عملائها والتاكد من ذلك اذا زاد مبلغ الصفقة عن 15000 وحدة اوربية وان تعمل المؤسسات المالية على الاحتفاظ بالسجلات اللازمة المتعلقة بالعمليات التي تجريها مع العملاء وان تتاح للمحاكم والسلطات المختصة فرصة الاطلاع عليها عندما يتعلق الامر بعمليات الكشف والتحقيق في جرائم غسيل الاموال وان تعمل المؤسسات المالية على اصدار ادلة توجيهية بشان انشطة غسيل الاموال والمسائل المتعين ملاحظتها وايلائها الاهتمام واخضاعها لمزيد من الفحص والتدقيق عند حصولها من قبل احد عملاءها واعتمادها سياسة التقارير الدورية حول النشاط المالي الذي تقوم به.
اما على صعيد الجامعة العربية وإنسجاماً مع الاستتراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية اعتمد مجلس وزراء الداخلية العرب بدورة انعقاده الحادية عشرة القرار رقم 215 في 15/1/1994 الذي بموجبه تم اقرار الاتفاقيات العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية التي انظم اليها العراق بالقانون رقم (6) لسنة 2001 [26]
وفيما يتعلق بدور هذه الاتفاقية في مكافحة غسيل الاموال فانها لم تات بشيء جديد عما هو مقرر في اتفاقية فينا لسنة 1988 سواء فيما يتعلق بتجريم غسيل الاموال والتوسع في هذا التجريم او فيما يتعلق بالتعاون بين الدول لمواجهة هذا النشاط الاجرامي.
ومع ذلك تعد هذه الاتفاقية خطوة هامة على صعيد جامعة الدول العربية بشان التصدي لغسيل الاموال التي فتحت الباب واسعاً امام التشريعات الوطنية العربية لتجرهذا النشاط وفرض العقوبات المناسبة لذلك فقد نصت المادة 5 من هذه الاتفاقية على عقوبة المصادرة التي تعد انجع عقوبة في سبيل مكافحة غسيل الاموال .
وفي هذا السياق فقد جاء قانون غسيل الاموال رقم 93 لسنة 2004 ليقرر وفي نص المادة 6 منه (( – فيما يتعلق بفرض العقوبة على شخص مدان بتهمة خرق المادة 3 , 4 , 5 والمادة 19 فقرة 4 , او المادة 20 فقرة 5 من هذا القانون اذا كان هذا الخرق مرتكب بصورة متعمدة او مع العلم ان النتيجة المحتملة قد تؤدي الى مساعدة شخص في ارتكاب جريمة او مساعدة اخر في تفادي الملاحقة القضائية عن جريمة مرتكبة سلفا , فان المحكمة سوف تحكم تغريم الشخص للحكومة العراقية باي مال , عيني او شخصي , بضمنها على سبيل المثال لا لحصر المبالغ المستعملة في الجريمة و اي مال ملازم لهذا المال او اي مال متحصل نتيجة لهذه الجريمة , دون الاضرار بحقوق الغير الحقيقيين )).ودون حاجة للتذكير بان ماورد بنص المادة اعلاه هو منتقد من ناحية صياغته اللغوية والقانونية الا ان مفهوم الدلالة لهذا النص يشير الى محاولة جدية من قبل المشرع لمحاكاة النصوص القانونية المرعية في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية المماثلة ومن اهمها عقوبة المصادرة المنوه عنها في اعلاه الا ان النص قد اشار الى استخدام عبارة تغريم المبالغ المستعملة في الجريمة او أي مال ملازم لهذا المال وهذ هو مفهوم المصادرة وكما هو ثابت قانونا بالتفرقة بين الغرامة التي تمثل عقوبة النشاط الغير قانوني وهي من العقوبات الاصلية الماسة بالحقوق المالية وهي الزام المحكوم عليه بان يدفع الى خزينة الحكومة المبلغ المعين في الحكم وتراعي المحكمة تقدير الغرامة حالة المحكوم عليه المالية والاجتماعية وما افاده من الجريمة او كان يتوقع افادته منها وظروف الجريمة وحالة المجنى عليه ((المادة 91 قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بينما تمثل المصادرة نزع ملكية المال جبراً على مالكه واضافته الى ملك الدولة بغير مقابل[27] وهي قد تكون عقوبة تكميلية جوازية او وجوبية وقد تكون تدبير احترازي وتنص الفقرة الاولى من المادة 101 من قانون العقوبات العراقي ((فيما عدا الاحوال التي يوجب القانون فيها القانون الحكم بالمصادرة يجوز للمحكمة عند الحكم بالادانة في جناية او جنحة ان تحكم بمصادرة الاشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة او التي استعملت في ارتكابها او التي كانت او التي كانت معدة لاستعمالها فيها وهذا كله دون الاخلال بحقوق الغير حسن النية)) ونستخلص من هذا انه كان لزاماً التفرقة بين العقوبتين ونؤكد راينا السابق انه اذا كان قانون غسيل الاموال خطوة في طريق صحيح يجب اكماله واعادة صياغة القانون بما يتناسب واهمية الجريمة موضوع هذا القانون .
وقد تنبه مكتب غسيل الاموال في البنك المركزي العراقي الى موضوع هام في هذا الخصوص أي مكافحة غسيل الاموال في العراق وهو موضوع الحوالة غير الرسمية ((unformal transport)) او ما يعرف بلغة اهل المال ب(الحوالة دار) وهو في الحقيقة وسيلة مؤثرة ومهمة من الوسائل التي يمكن ان تلجا اليها عصابات الجريمة المنظمة في اتمام جريمة غسيل الاموال باستخدام المكاتب غير المرخصة في التحويل الخارجي واتمام هذه الصفقة يكون خارج المؤسسات المالية وقد اشار المكتب اعلاه الى وسيلة ناجعة سلكتها المؤسسات المالية والسلطات المختصة في دولة الامارات العربية المتحدة مفادها الزام المكاتب غير الرسمية والرسمية للتحويل الخارجي بتقديم كشوفات شهرية او نصف شهرية عن كافة العمليات المالية التي تقوم بها مع عدم الاخلال بالقوانين التي تلزم هذه المكاتب بلزوم ان تمارس اعمالها ضمن اطار اجازة رسمية تبيح لها القيام باعمال الصيرفة اواتمام الحوالات وقد ادت هذه الوسيلة في الحقيقة الى تمكين المؤسسات المالية من مراقبة المعاملات المالية والتحقق منها بغية التحري عن مشروعية مصادر هذه الاموال والجهات الاستثمارية التي ستوظف فيها هذه الاموال والتحقق من نوايا اصحابها.
جريمة غسل الأموال وفقًا للقانون العراقي – بحث قانوني