بحث و دراسة عن قوانين العقار و المباني بالقانون الجزائري
يعتبر العقار محور كل سياسة تنموية في الدولة، فهو أساس الإستقرار و التعامل و التصرفات بين الناس من جهة، و هو مصدر لصراعات كانت و لا تزال مستمرة بين البشر.
– هـذا العقـار الذي تعرفه المادة 683 من القانون المدني الجزائري، بأنه ” كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار، و ما عدا ذلك فهو منقول، غير أن المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله يعتبر عقارا بالتخصيص””
فهذا التعريف ينصرف إلى الأراضي و المباني و الأشجار و الطرق و المناجم… كما ينصرف إلى المنقولات بطبيعتها و التي رصدت لخدمة العقار كالجرار بالنسبة للأرض و الأبواب و النوافذ بالنسبة للمسكن و هكذا دواليك.
إلا أن موضوع بحثنا هذا يدعونا إلى التركيز على شيئين أساسا من عناصر المفهوم السابق و هما المباني و الأراضي، و إنطلاقا من هذا نقول أن الدولة الجزائرية الفتية قد ورثت غداة إستقلالها الفتية تركة عقارية مثقلة بالمشاكل تلخصها الإحصائيات التالية:
1- الأراضي المفرنسة بسندات = 4.969.102 هكتار.
2- أراضي من نوع ملك بدون سندات = 4.406.356 هكتار.
3- أراضي عرش بدون سندات = 2.071.582 هكتار.
4- أمـلاك الدولـة = 4.694.214 هكتار.
5- أمـلاك البلديـة = 4.117.905 هكتار.
و من بين هذه الأراضي هناك حوالي 11.447.040 هكتار تعود ملكيتها للخواص و منها 9.200.000 هكتار يحوزها جزائريون و 2.247.040 هكتار بيد الأوروبيين الذين كانوا يتواجدون بالجزائر .
– إن هذه الإحصائيات تبرز شيئين أساسيين، فهي تبرز من جهة تنوع الأنظمة القانونية المطبقة آنذاك على العقار، كما تبرز من جهة أخرى حجم المشاكل التي يمكن أن تعترض الجزائر غداة إستقلالها في تنظيم العقار و التحكم فيه.
– و إذا عدنا بالزمن إلى ما قبل ذلك حتى تتضح الصورة أكثر، فإننا نجد أن الأراضي قبل العهد العثماني في الجزائر كانت تخضع في نظامها لأحكام الشريعة الإسلامية لاسيما ما تعلق بمبدأ الأحياء و لبعض الأعراف المحلية كذلك كالشهرة و نظام الجماعة. و على هذا فقد كانت الأراضي آنذاك تتصنف إلى أراضي ملك للأفراد أو العائلات على الشيوع، و أراضي حبس حبست على جهات خيرية أو على الأهل من أولاد و تسلهم، بالإضافة إلى أراض تستغل جماعيا من طرف عرش أو قبيلة تسمى أراضي العرش، و إن كان البعض يقول بأن أرض العرش هو في الأصل مصطلح مستحدث و غريب عن التنظيم العقاري المحلي و أنه لم يكن معروفا قبل الإحتلال الفرنسي، لأن أساس هذا التنظيم هو التملك الفردي. و الإقامة المؤقتة للقبائل ببعض المناطق، لا تعني تملكهم لها حيث أن معيشتهم أصلا تعتمد على الحل و الترحال مثلما يذكر إبن خلدون في مقدمته الشهيرة
– و لم يتأثر التنظيم العقاري بمجيء الأتراك للجزائر نظرا لإشتراكهم في العقيدة، و إنما تغيرت فقط بعض المصطلحات المتعلقة بهذه الأموال و المستلهمة من اللغة التركية و من بينها ملكية البايلك التي توافق مفهوم الملكية العامة، و نظام العزالة المستخدم في إستغلال المراعي بينما بقيت باقي التسميات على حالها، و ظهرت إضافة لذلك الملكيات الخاصة برجال الحكم في مختلف مراتبهم من الداي فالباي إلى الباشا و القياد و الشيوخ على المستوى المحلي
– و مع مجيء الإستعمار الفرنسي، كشف النقاب عن وجهه الإستيطاني و ذلك لإنشغاله منذ الوهلة الأولى بالتراث العقاري المحلي. و كانت أولى الإجراءات المتخذة من قبل الإدارة الإستعمارية البدء بمصادرة العقارات المملوكة للإدارة التركية بما فيها أملاك الدايات و البايات بناءا على الأمر الذي أصدرته بتاريخ 08/09/1930، رغم وجود معاهدة مبرمة بين الطرفين مؤرخة في 04/07/1830 تتعهد بمقتضاها الإدارة الفرنسية حسب نص المادة الثانية منها بعدم المساس بالأملاك العقارية للداي. كما تمت مصادرة الأملاك التابعة للمؤسسات الوقفية ذات الطابع الديني قياسا على الأملاك الموقوفة لصالح الكنيسة في أوربا، حيث أن الإدارة الإستعمارية أعتبرت نفسها ممثلا للكنيسة لإضفاء الشرعية في مصادرة هذه الأملاك و الإشراف عليها، و عمدت بعدها بإصدار مرسوم 10/06/1933 تلغي بموجبه نظام الحبوس نهائيا و إدراج كافة الأراضي المنضوية تحت نطاقه ضمن الدومين العام الفرنسي. و قبل هذا التاريخ في 31/12/1830 أصدرت أمرا مكملا للأمر الصادر بتاريخ 08/09/1930 يقضي بمصادرة أراضي الأهالي المتهمين بالإشتراك في المقاومة.
– أما بخصوص الملكية الخاصة للأهالي، فقد أنشأت الإدارة الإستعمارية بتاريخ01/03/1833 لجنة خاصة كلفتها بفحص سندات الملكية التي يتوفر عليها الأهالي لفترة ما قبل الإحتلال، و أمهلت اللجنة الأهالي ثلاثة أيام فقط لتقديمها و إلا ستصادر أراضيهم بعد تصنيفها ضمن دائرة الأملاك الشاغرة و بالموازاة مع هذه الإجراءات قامت في 27/09/1836 بتوزيع أولى الحصص العقارية على المستوطنيـن الجـدد القادمين من فرنسا و مختلف مناطق أوربا، و التي بلغت في المرحلة الأولى 173 قطعة لترتفع في السنة الموالية لها إلى 249 تجزئة عقارية ذات طابع فلاحي، انتزعت أغلبها من ملاكها الأصليين .
و في 01/10/1844 صدر الأمر الذي أضفى الشرعية على العقود الممنوحة للمستوطنين من قبل الإدارة الإستعمارية، كما ابتكر مبدأ يفتح الباب أمام مزيد من المصادرات، فحواه أن عدم إستغلال الأراضي يعتبر في نظر القانون سببا كافيا لنزع الملكية. كما قلل هذا الأمر من حجية العقود الشرعية التي كان يحررها القضاة الشرعيون وفق الشريعة الإسلامية حتى ذلك الوقت، إذ اشترط في بنوده أن تتم المصادقة الرسمية على جميع العقود الشرعية من قبل الإدارة الإستعمارية و إلا كانت باطلة بما يجعل الأرض المتعلقة بها شاغرة يجوز للدولة إدماجها ضمن أملاكها طبقا للمادة 713 من القانون الفرنسي آنذاك.كما أن هذا الأمر منح الإختصاص للمحاكم الفرنسية دون غيرها بالنظر في الإعتراضات المتعلقة بأموال الحبوس و كل النزاعات المتعلقة بها تمهيدا للإستيلاء عليها، لكون أغلب المواطنين لا يملكون حينها عقود ملكية.
– عقب هذا إزداد الطابع التحكمي لنزع الملكية العقارية مع صدور الأمر المؤرخ في 02/07/1846 الذي تضمن مبدأ تحديد ملكية الأهالي بالقدر الذي يضمن لهم العيش في حدود ثلاثة هكتارات على الأكثر. و بموجب المرسوم المؤرخ في 11/06/1858 تم إدخال حالة الطوارىء كسبب إضافي لنزع الملكية .
– بعد كل هذا ركز المستعمر على أراضي العرش حيث إعترف بها في البداية كملكية مشتركة بين أفراد العرش، بموجب الأمر المؤرخ في 02/07/1846 لينتقل في مرحلة لاحقة لإصدار قانون سيناتوس كونسيلت بتاريخ 21/04/1863 الذي قضى بتقسيم أراضي العرش بين أفراد العرش أو القبيلة في حدود ثلاثة هكتارات لتصبح بذلك ملكيات فردية قابلة لكافة أنواع التصرف، و هذا بالطبع لتسهيل التنازلات الفردية بشأنها لصالح المعمرين ليصدر بعد كل هذه الترتيبات القانون المسمى بقانون فارني بتاريخ 26/07/1873 الذي قضى بخضوع كل الأراضي الجزائرية للنظام الفرنسي و ألغى بذلك القوانين الإسلامية التي كانت تحكم العقارات في الجزائر.
– و لكون هذا القانون الأخير أدى إلى تناقض في سندات الملكية فقد تم تعديله بموجب قانون 16/02/1897 الذي أنشأ ما يسمى بنظام تصفية التملك عن طريق التحقيقات من قبل الدولة أو الخواص (المحقق الباحث)، و قد عدل هذا القانون و تم بموجب قانون 04/08/1926 لاحقا. و يمس التحقيق كافة العقارات أيا كان نوعها عرشية أو ملكية على أن يكون هذا التحقيق إجماليا تقوم به الإدارة من تلقاء نفسها لتحديد الطبيعة القانونية للأرض إذا لم يتقدم أصحابها بطلبات التمليك، لتصبح الأرض في الأخير خاضعة لأحكام التشريع العقاري الفرنسي مع تغيير طبيعتها القانونية إلى ملكية خاصة قابلة لكل التصرفات. أو يكون هذا التحقيق جزئيا بناءا على طلب يرفعه شاغل الأرض إلى عامل العمالة (الوالي) للحصول على سند تمليك و يتضمن كافة بيانات العقار. يتولى بعدها الوالي إصدار قرار إداري يحدد فيه يوم إنتقال المحقق الباحث لعين المكان، إذا استوفى الطلب المقدم شروطه، و يتلقى كافة الوثائق و المستندات و يستمع للملاك المجاورين فإن لم يكن لأي أحد إعتراض يسلم للمطالب سند ملكية من طرف مصلحة أملاك الدولة بعد إنتهاء التحقيق و صدور قـرار الإعتمـاد (L’homologation) من طرف الحاكم العام الفرنسي بالجزائر .
و الملاحظ أن كثيرا من العقود المحررة من قبل القضاة الشرعيين و الموثقين خلال تلك الفترة ترتكز في مضمونها لقانون 16/02/1897المتمم بالقانون المؤرخ في 04/08/1926 الذي أسس هو الآخر لنظام ” البيع الواقف على شرط الإيجار” الذي يعني أن المشتري لا يتملك العقار بصفة نهائية إلا بعد إستكمال إجراءات التحقيق الخاصة بالتمليك من قبل الإدارة الإستعمارية، و إلى غاية ذلك يظل المشتري يقوم بإستغلال العقار على وجه الإيجار الدائم لأجل غير محدد ينتهي بالحصول على سند الملكية. لكن بعد إستقلال الجزائر بقيت كثير من أراضي العرش دون سندات ملكية لعدم إستكمال إجراءات التحقيق و البحث مما رفع النزاعات بشأنها لاحقا .
– نقول كل هذا لنؤكد ما ذكرناه في البداية بشأن أهمية العقار في كل سياسة حتى و لو كانت إستعمارية، و لنبين من جهة حجم المشاكل التي ورثتها الجزائر المستقلة عن المستعمر بشأن الوعاء العقاري.
– لهذا بادرت الجزائر في: 24/08/1962 بإصدار الأمر 62/02 لمعالجة الفراغ التشريعي في تلك الفترة و تحافظ على الأملاك الشاغرة التي تركها الأجانب الذين غادروا أرض الوطن قبل أن تقرر في 23/10/1962 إبطال جميع المعاملات العقارية المبرمة في الفترة من 05/07/1962 إلى أكتوبر 1962 بموجب المرسوم 62/03، أما بشأن الأراضي الفلاحية فقد أقر مرسوم 63/65 المؤرخ في 22/03/1963 أسلوب التسيير الذاتي بشأنها ريثما يتفرغ المشرع لتنظيمها جذريا، كما أن المرسوم 64/283 المؤرخ في: 17/09/1964 تولى تنظيم أملاك الحبس العام.
– و يصدر قانون التوثيق بموجب الأمر 70/91 المؤرخ في 15/12/1970 الذي بدأ سريانه إبتداءا من 01/01/1971 أصبح الموثق مكلفا بالإشراف على المعاملات العقارية في حين أن إثبات الملكية الخاصـة يخضـع لأحكــام المرسـوم 73/32 المؤرخ فـي 05/01/1973. و حـاول الأمر رقم 74/26 المؤرخ في 20/04/1974 تكوين إحتياطات عقارية لصالح البلديات بغرض إستغلالها فـي النشاطـات التنمويـة مستقبـلا. ليتـوج هـذا النشـاط التشريعـي الـدؤوب بصـدور الأمـر 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري.
– يحق بعد كل هذا الإسهاب لكل واحد أن يتساءل عن علاقة هذا الجانب التاريخي بموضوع بحثنا؟ و له طبعا كل الحق في ذلك. أما الإجابة عن هذا السؤال فتكمن في أن بعض المشاكل تقتضي منا أن نعود في الزمن أبعد ما يكون لنستوعب مسبباتها و نحصر حجمها و من ثمة نحاول البحث عن حلول جذرية لها. من خلال هذه النظرة التاريخية نسجل كيف سعت الإدارة الإستعمارية للإستيلاء على العقار بكل الطرق، و كيف تريد الجزائر المستقلة بسط القانون على كل شبر أرض، إلا أن عوائق شتى ما تزال تحول دون ذلك.
– فالعائق الأول يتمثل فيما خلفه المستعمر من تغيير للطبيعة القانونية لعدة أنماط من الملكية من جهة و لوجود عدة أراض دون سندات ملكية من جهة أخرى، أما العائق الثاني فيتمثل في تعثر عملية المسح العام للأراضي. فهذه العملية التي كان مقررا لها أن تنطلق مع صدور قانون الثورة الزراعية بموجب الأمر 71/73 المؤرخ في 08/11/1971 . تأخر إنطلاقها إلى غاية صدور الأمر المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري في 12/11/1975، و أكثر من هذا فإن هذا المسح الذي لم يغطي كل تراب الوطن بسبب مشاكل مالية و تقنية، أصبح مهددا بالتقهقر حيث أن إحصائيات سنة 2000 تشير إلى أنه من ضمن 761 بلدية التي تم مسحها من مجمل بلديات الوطن البالغ عددها 1541 فإن 334 بلدية فقط سلمت فيها الدفاتر العقارية .
– و العائق الأكبر الذي يكاد ينسف كل الجهود هو مشكل البناء الفوضوي، حيث في الوقت الذي كانت الجهود تبذل للمحافظة على الوعاء العقاري و تنظيمه قانونا، كان هناك مشكل بدأ يطفو إلى السطح و يستنزف الوعاء العقاري المرصود للمشاريع التنموية، و من خلال هذا البحث المتواضع نحاول الوقوف على أسباب هذا المشكل و الجهود التي بذلت لمعالجته، عسى أن نخرج في الأخير ببعض المقترحات في هذا الشأن غير أن تركيزنا كل التركيز سيقتصر على دراسة هذا المشكل من زاوية قانونية بحتة، ليبقى للمختصين في علم النفس و علم الإجتماع و السياسة، كل بحسب مستواه و نظرته للمظاهرة، دراسة هذا المشكل من الجوانب الأخرى المتبقية.
– و للولوج في دراسة هذا الموضوع لابد أن نقف كذلك عند ضبط المصطلح الذي سنستعمله، و مضمونه في نظرنا من الناحية القانونية، ذلك أن التعبير عن موضوع دراستنا قد استغرق مصطلحات متعددة نتناولها بالمناقشة تباعـا:
1/ السكـن القصـديـري (Les Bidons Villes) :
– ربما يكون هذا المصطلح هو المصطلح الأكثر عفوية الذي استعمل للدلالة على شكل بدأ يظهر و يتفاقم خاصة بمحيط المناطق الحضرية. و عفوية هذا المصطلح تظهر في أنه اقتبس من تكوين المسمى إسما له. ذلك أن الأفراد إتجهوا إلى إنشاء بنايات و سكنوها، و كانت مواد بنائها تتشكل أساسا من صفائح القصدير التي كانت تبدو لهم عملية للإسراع في إنشاء مثل هذه السكنات و الإستقرار بهـا.
– و هذا أصبح مصطلح السكنات القصديرية هو المصطلح المعروف بالمفهوم الشعبي، كما أن وسائل الإعلام تبنت هذا الإسم و أصبحت تشير لمثل هذه البنايات بهذا الإسم لإيصال المعنى.
– غير أن تمحيص هذا المصطلح من الناحية القانونية يجرده من كل معنى، فالذي يهمنا كقانونيين أن يعكس المصطلح الطبيعة القانونية لمثل هذه البنايات. و طبعا فمصطلح السكن القصديري لا يفي بهذا الغرض، فالسكن القصديري لا يوضح وضعية العقار الذي بني عليه و لا وضعية مالكه، فالفرد حـر في أن يبني على أرضه بمختلف مواد البناء ما لم يكن في ذلك ضرر بالآخرين، و بهذا يظهر قصـور المصطلح في التفرقة بين الساكن في سكن قصديري بطريقة لا تتعارض مع القانون من غيره في الحالة العكسية.
2/ البنـاء الفـوضـوي (La Construction Désorganisée) :
– يعتبر هذا المصطلح أكثر شمولا مبدئيا من مصطلح السكن القصديري، كما أنه يحمل في طياته مقاربة من الجانب القانوني أو الوضعية القانونية لهذا السكن. و مصطلح البناء الفوضوي يرسم في الفكر مباشرة تصورا أوليا بشأن هذا النوع من السكن، حيث يتبادر للذهن مباشرة تصور في شكل عدة مباني متناثرة حول المناطق الحضرية دون إنسجام يتماشى و المقاييس العمرانية التي تؤهلها لتكوين مدينة أو قرية .
– أو يتبادر للذهن تصور مساكن متلاصقة فيما بينها لا تحترم فيها الإرتفاقات الخاصة بالطريق أو الإصطفاف في أشكال هندسية منسجمة تمكن من ربطها بشبكات الخدمة القاعدية من كهرباء، و ماء و صرف صحي.
– و في كلتا الحالتين يكون تصورنا صحيحا، لكنه يبقى قاصرا رغم ذلك عن تحديد الوضع القانوني للأراضي التي أنشئت عليها مثل هذه المساكن.
3/ البنـاء المحظـور (La Construction Illicite) :
– الحظر مفهوم قانوني معروف و بالأخص في قانون الجمارك حيث تصنف البضائع إلى بضائع محظورة و أخرى غير محظورة، بالإضافة لبضائع محظورة حظرا مطلقا و أخرى محظورة حظرا مؤقتا، كما قد يتعلق الأمر بحظر بعض البضائع ذات المنشأ المعين لدواعي أمنية و سياسية أو حظـر بضائع ذات مصدر معين للحفاظ على الصحة العامة.
– و بهذا فمفهوم الحظر يقتضي تدخل المشرع لتحديد المعايير القانونية المعتمدة لحظر البناء و بشكل معين أو في مكان معين بالإضافة للشروط المطلوبة و الإجراءات المتبعة و الجهات المختصة بمتابعة عملية الحظر و كل هذه الأمور إيجابية .
– إلا أن كلمة المحظور قد توحي بمنح البناء تماما بينما الغرض هو الوصول إلى تنظيم عملية البناء بالإضافة إلى أن الحظر يقترب من المفهوم الديني المتمثل في التحريم و يبتعد بهذا عن المجال القانوني الصرف.
4/ البنـاء غيـر القـانـونـي (La Construction Illégale) :
– يأخذ هذا المصطلح في الإعتبار القانون كمعيار لتحديد طبيعة البناء، و يقصد بالقانون في هذا الإطار جملة القوانين المتصلة بالبناء و التعمير التي تفرض شروطا يجب مراعاتها أو الإجراءات يتحتم إتباعها. و يترتب عن عدم إحترام شرط أو إجراء اعتبار البناء الذي تم مخالفا له، بأنه بناء غيـر قانوني .
– و لا يتسع المقام هنا للخصوص في مسألة التفرقة بين مصطلح غير القانوني و غير الشرعي كذلك، طالما أن الشرعية في نهاية المطاف تستلهم أصولها من القانون و مبادئه.
– و بهذا فإننا سنعتمد في هذا البحث المتواضع مصطلح البناء غير القانوني لنحاول البحث في هذا الشكل و أسبابه و طرق معالجته، و سنتبع في ذلك الخطة التالية:
خــطـــة البحـــث
المبحـث الأول: أشكال البنـاء غيـر القانوني و أسبابـه.
المطلـب الأول: أشكـال البنـاء غيـر القانونـي:
الفـــرع الأول: البنـاء بدون رخصـة.
الفـــرع الثانـي: تجـاوز حـدود الرخصـة.
المطلـب الثـانـي: الأسبـاب القانونيـة للبنـاء غير القانونـي:
الفـــرع الأول: قصـور النصـوص القانونيـة.
الفـــرع الثانـي: ضعـف وسائـل الرقـابـة.
الفـــرع الثـالث: تـردد القضـاء.
الفـــرع الرابـع: غيـاب الـردع (الجزاءات الضعيفـة).
المبحـث الثـانـي: الحلـول القانونيـة و دور القـاضـي فيهـا.
المطلـب الأول: الحلول القانونية و تقديرهــا:
الفـــرع الأول: قوانين تسوية الوضعية.
الفـــرع الثانـي: عرض بدائـل قانونيـة.
الفـــرع الثـالث: تشديـد الرقابـة.
الفـــرع الرابـع:تعديـل قانـون للتهيئـة و التعميـر.
المطلـب الثـانـي: دور القـاضـي ضمـن الحلـول القانونيـة:
الفـــرع الأول: دور القاضي الجـزائـي.
الفـــرع الثانـي: دور القـاضـي العـادي (المدنـي).
الفـــرع الثـالث: دور القـاضـي الإداري.
الخـاتمـــة:
المبحـث الأول: أشكـال البنـاء غير القـانونـي و أسبـابـه:
– سبق و اعتمدنا مصطلح البناء غير القانوني لإستعماله في هذا البحث، و من ثم يكون لـزامـا علينا تبيان جملة القوانين التي سنعتمد عليها لتحليل هذا المشكل و تحديد أسبابه من الوجهة القانونية البحتة.
– لهذا وجب التوضيح أن جملة القوانين المعتمدة في هذا البحث هي القوانين الخاصـة بالتهيئــة و التعمير أساسا بالإضافة إلى القانون المتعلق بالغابات و قانون المياه و القوانين المنظمة للعقـار الفلاحي بالإضافة إلى قوانين متصلة بالسياحة و الثقافة و تتدخل بشكل غير مباشر في تنظيم التعاملات العقارية.
المطلـب الأول: أشكـال البنـاء غير القـانونـي:
– رغم الإنتشار الكبير للبناء غير القانوني في عدة أماكن بالوطن فإنه و برده للمعيار القانوني بطبيعة الحال لا يمكن أن يخرج عن أحد شكلين: إما بناء بدون رخصة و إما بناء يجاوز حدود الرخصة.
– و بهذا تظهر الرخصة في مجال البناء كوسيلة فنية لتنظيم البناء، و كوثيقة تحدد مدى احترام البناء لمختلف الشروط و الإجراءات القانونية كذلـك.
الـفـرع الأول: البناء بـدون رخصـة:
– لقد عمد المشرع الجزائري في بداية الأمر إلى إصدار القانون 82/02 المؤرخ في 06/02/1982 و المتعلق بتنظيم إجراءات منح رخصة البناء و رخصة التجزئة. و الملاحظ أن هذا القانون جاء متسرعا لتنظيم مسألة جزئية في مجال التعمير و لكنها ملحة، و هذا قصد التحكم نسبيا في الوعاء العقاري.
– و مع صـدور القـانـون 85/08 المؤرخ في 12/11/1985 المتضمن الموافقة على الأمر 85/01 المؤرخ في 13/08/1985 الذي يحدد انتقاليا قواعد شغل الأراضي قصد المحافظة عليها و حمايتها، بدأ يظهر إتجاه المشرع الجزائري إلى تنظيم قطاع البناء، بشكل أكثر شمولا مما كان عليه في القانون 82/02.
– و قد تأكد هذا المسعى بصدور قانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري الذي عني بتصنيف الأراضي و خص الأراضي العامرة و القابلة للتعمير بالفصل الثاني، حيث ركزت المادة 66 منه على أن أدوات التهيئة و التعمير ستكون المرجع في تحديد طبيعة الأراضي و من ثم التحكم العقلاني في إستغلال الوعاء العقاري و حثت المادة 67 منه الأجهزة المؤهلة التابعة للدولة و الجماعات المحلية على إتخاذ كل التدابير اللازمة لتعد أو تكلف من يعد أدوات التهيئة و التعمير المنصوص عليها، مع الحرص على أن تكون هذه الأدوات محل إشهار واسع ليحتج بها في مواجهة المواطنين، مع إتاحة فرصة لهؤلاء للتدخل و التشاور الفعلي بشأنها كما تؤكد ذلك المادة 70 من نفس القانون.
– ثم أخيرا و بعد طول إنتظار جاء القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 لينظم بشكل تــام و شامل مجال التهيئة و التعمير، الذي ركز على أن كل تشييد لبناية أو تحويل يتطلب الحصول على رخصة طبقا للمواد 49، 52 و 55 منه.
– و في هذا الإطار جاء المرسوم التنفيذي 91/176 المؤرخ في 28/05/1991 ليحدد كيفية تحضير رخصة البناء و تسليمها و ألغى بحكم المادة 79 منه كل الأحكام المخالفة بالإجراءات الجديدة.
I – المقصـود برخصـة البنـاء:
– تعد رخصة البناء وسيلة إستحدثها المشرع لبسط رقابة الإدارة على المجال العمراني و ذلك بإلزام كل من يريد القيام بالبناء أو التعلية أو إعادة البناء و غيرها من الأشغال المرتبطة، أن يتحصل من الإدارة المختصة على رخصة تبيح له ذلك. و الغرض من هذه الرخصة هو مراقبة مدى مطابقة أعمال البناء لما ينص عليه القانون أو ما يتطلبه السير الحسن لإنجاز المباني في إطار التهيئة العمرانية الشاملة، و هكذا يكون مخالفا للقانون الشروع في البناء من أجل تشييد البنايات الجديدة مهما كان إستعمالها أو صاحبها و لم يستثنى من هذا الشرط إلا البنايات التي لها طابع سري و هي تلك المتعلقة بالدفاع الوطني، على أن يكون على عاتق صاحب المشروع في هذه الحالة الإستثنائية السهر على مطابقة هذه البنايات مع الأحكام التشريعية و التنظيمية في مجال البناء و التعمير حسب ما تؤكد على ذلك المادة 53 من القانون السابق.
– و تعرف رخصة البناء على أنها: (( ترخيص مسبق من البلدية التي سوف تجري فيها أشغال البناء، و ذلك بعد قيام المعني بالأمر بتقديم ملف يتضمن كافة الوثائق التي تثبت إحترام قواعد تنظيم المدن و البناء)) .
– غير أن هذا التعريف يبدو ناقصا لأنه لا يبين المختص بمنح رخصة البناء بشكل دقيق، ذلك أن الإختصاص بمنح رخصة البناء يتوزع بين رئيس المجلس الشعبي في حالة وجود مخطط بلدي لشغل الأراضي (P0S) و الوالي إذا لم يكن مخطط شغل الأراضي بالبلدية منجزا، و الوزير المكلف بالتعمير في الحالات التي يشترطها القانون.
– و على هذا يكون الأجدر بنا أن نعرف رخصة البناء بأنها: (( قرار إداري تصدره جهة مختصة بتنظيم المباني تأذن فيه بإجراء معين يتعلق بالمبنى الذي يصدر بشأنه)) و بهذا فهي في نظر التشريع العمراني الجزائري عبارة عن قرار إداري تصدره جهة إدارية مختصة و محددة قانونا في شخص رئيس المجلس الشعبي البلدي، الوالـي، أو الوزير المكلف بالتعمير كل في حدود إختصاصه .
– و ينبغي أن يتقدم بطلب رخصة البناء و التوقيع عليه من قبل المالك أو موكله أو المستأجر لديه المرخص له قانونا أو الهيئة أو المصلحة المخصصة لها قطعة الأرض أو البناية .
– و هكذا فقد ربطت المادة 52 من قانون التعمير 90/29 مسألة حق البناء بالرخصة، فلا يحق لأي كان أن يقوم بتشييد مبنى بدون ترخيص إداري مكتوب و إلا اعتبر بناؤه غير قانوني.
II – أصنـاف رخصـة البنـاء :
* يمكن أن تصنف رخص البناء إلى صنفين أساسييـن:
أ/ رخصـة بنـاء عـاديـة: تكون في شكل قرار إداري وحيد من الجهة المختصة بمنح رخصة البناء وفق القانون، و هي الشكل الغـالـب في الميدان العملـي.
ب/ رخصـة البنـاء الإستثنائيـة: و نعني بها تلك الحالات التي يشترط فيها القانون الحصول على ترخيص خاص من إحدى الجهات المعنية قانونا قبل الموافقة على منح الرخصة العادية، و تختص هذه الرخصة بمناطق معينة كان قد وضعها المشرع تحت وصاية إحدى الوزارات غالبا نظرا لطبيعتها الإستراتيجية في التنمية أو نظرا لإشتمالها على مناطق أثرية أو لغير ذلك من الأسباب، و من بين هذا نذكـر:
1) في مجـال الغابـات:
– نظـرا للدور المتزايد و الفوائد الجمة للغابة و تعدد وظائفها الإقتصادية و البيئية و الإجتماعية، فقد تزايد إهتمام المشرع بها من أجل حمايتها، و قد جاء القانون 84/12 المؤرخ في 23/07/1984 المتضمن النظام العام للغابات ليترجم هذا الإهتمام بالغابة و أعقبه القانون 91/20 المـــؤرخ في 02/12/1991 من أجل تعديله و تتميمه.
– و قد عرفت المادة 08 من القانون 84/12 الغابة و فصلت المادة 09 ذلك على النحو التالي: (( يقصد بالغابات جميع الأراضي المغطاة بأنواع غابية على شكل تجمعات غابية في حالة عادية.
و يقصد بالتجمعات الغابية في حالة عادية كل تجمع يحتوي على الأقل على:
– مـائـة (100) شجرة في الهكتار الواحد في حالة نضج، في المناطق الرطبة و شبه الجافة.
– ثلاثمائة (300) شجرة في الهكتار الواحد في حالة نضج، في المناطق الرطبة و شبه الرطبة)).
– أما الأراضي ذات الطابع الغابي فيقصد بها حسب المادة 10 من ذات القانون: (( جميع الأراضي المغطاة بالمشاجر و أنواع غابية ناتجة عن تدهور الغابة، و التي لا تستجيب للشروط المحددة في المادتين 8، 9 من هذا القانون. و كذا جميع الأراضي التي لأسباب بيئوية و إقتصادية، يتركز إستعمالها الأفضل على إقامة غابة بها)).
– في حين أن المادة 11 من القانون السابق تلحق مفهوم التكوينات الغابية الأخرى الذي يقصد به كل النباتات على شكل أشجار المكونة لتجمعات أشجار و شرائط و مصدات للريح و حواجز مهما كانت حالتها.
– و هكذا فالقانون 84/12 يبسط حمايته على كل الأملاك الغابية الوطنية بالأصناف التي ذكرناها من غابات و أراضي ذات طابع غابي إلى التكوينات الغابية الأخرى .
– و بهذا فإنه لا يمكن القيام بتعرية الأراضي الغابية دون الحصول على رخصة مسبقة من الوزير المكلف بالغابات بعد أخذ أي المجموعات المحلية المعنية و معاينة وضعية الأماكن .
– و إذا كانت الرخصة ضرورية من الوزير المختص للقيام بتعرية الأراضي الغابية مع العلم أن عملية التعرية قد تدعو لها الحاجة لأوعية عقارية من أجل إنجاز مشاريع تنموية عامة، فإنه يكون من باب أولى إلا يستمر أي بناء في أملاك غابية إلا بعد الحصول على رخصة.
– و هذا ما تؤكده المادة 29 من القانون 84/12 حيث تنص: (( لا يجوز إقامة أي خيمة أو خص أو كوخ أو حضيرة أو مساحة لتخزين الخشب داخل الأملاك الغابية و على بعد اقل من 500 متر منها بدون رخصة من رئيس المجلس الشعبي البلدي بعد إستشارة إدارة الغابات طبقا للتنظيم الجاري به العمل)).
و تضيف المادة 31 من نفس القانون دائما: (( يتم البناء و الأشغال في الأملاك الغابية الوطنية بعد ترخيص من الوزارة المكلفة بالغابات و طبقا للتنظيم الجاري به العمل)).
– من خلال هذا نلحظ أن المشرع بسط حمايته على الغابة و حتى محيطهـا علـى حدود 500 متر، و هذا أمر منطقي من أجل تفادي أخطار الحرائق. و بقي أن نبين أن المشرع إذ يذكر أن البناء في الغابة لا يتم إلا برخصة من إدارة الغابات مسبقا، فإن البناء الذي يرخص به في الغابة عموما هو ذلك البناء المخصص لإقامة أعوان الغابات حتى يكونوا قريبين للتدخل في حالة وجود خطر يتهدد الغابة، أو ذلك البناء المخصص لإقامة مركز دراسات بيئية أو ما شابه، أما الترخيص بإنشاء بناية من أجل السكن فهذا أمر مستبعد، و إذا تم هذا البناء دون الحصول على الرخص المذكورة فإنه يكون بناءا غير قانوني.
2) فـي المجـال السيـاحـي:
– جاء القانون 02/02 المؤرخ في 05/02/2002 المتعلق بحماية الساحل و تنميته، ليقيد البناء في المناطق التي صنفها كمناطق سياحية بشكل يضمن الإستغلال العقلاني للعقار السياحي الموجه للإستثمار و يحافظ على التوازن البيئي حيث فرض قيود خاصة تتعلق بالنشاطات التي يمكن السماح بممارستها في هذه المناطق و كيفية البناء فيها. و أعقبه صدور القانونين 03/01 و 03/02 بنفس التاريخ في 17/02/2003 حيث تعلق الأول منهما بالتنمية السياحية المستدامة و نص على المخطط التوجيهي للتنمية السياحية، فيما تعلق الثاني بتحديد القواعد العامة للإستعمال و الإستغلال السياحيين للشواطيء ووضع قيود تضبط دفتر الشروط التي يلتزم بها كل من يشغل جزء من الشاطيء أو يزاول نشاطا معينا فيه.
– غير أن أهم قانون يتصل بالتهيئة و التعمير في هذا الجانب هو القانون 03/03 المؤرخ في 17/02/2003 الذي يتعلق بمناطق التوسع السياحي و المواقع السياحية، حيث ضبط شروط حماية المناطق السياحية و مناطق التوسع السياحي، و فرض قيودا على إستغلال الأراضي في هذه المناطق و أخضع منح رخصة البناء داخل هذه المناطق إلى رأي مسبق إجباري من الوزارة المكلفة بالسياحـة، بالإضافة إلى رأي مسبق من الوزارة المكلفة بالثقافة إذا إشتملت المناطق المصنفة مناطقا سياحية على مناطق مصنفة كمعالم أثرية .
– و في نفس الإطار فرض القانون 99/01 المؤرخ في 05/01/1999 المحدد للقواعد المتعلقة بالفندقة في المادة 46 منه و ما يليها، على كل شخص يريد الحصول على رخصة بناء أو تعديل أو تهيئة أو تهديم مؤسسة فندقية أن يحصل على الموافقة القبلية لمصالح وزارة السياحة، كما اعتبـر سكوت الإدارة موافقة ضمنية بعد مرور شهرين من إستلام الطلب المرفق بالملف التقني.
3) فـي المساحـات المحميـة:
– منح القانون 91/24 المؤرخ في 06/12/1991 المتعلق بالأنشطة المنجمية المعدل و المتمم بالقانون 01/10 المؤرخ في 03/07/2001، و بموجب المادة 58 منه للوالي إمكانية إنشاء مساحات محمية حول المناطق العمرانية و الأراضي الزراعية و المغروسة و المواقع التاريخية و الجيولوجية و الأثرية و مصادر المياه و الأماكن الخاصة للعبادة و المقابر. فإذا تم إنشاء هذه المساحات، التي يجب أن يصدر و بشأنها قرار من الوالي المختص إقليميا، أصبحت هذه المساحات محمية من كل أنواع الإستغلال. و تنص المادة 179 على وجوب أخذ الرأي المسبق للوكالة الوطنية للجيولوجيا و المراقبة المنجمية قبل أي شغل للأراضي الواقعة في المناطق المذكورة .
– وفي إطار القانون 83/03 المؤرخ في 05/02/1983 المتضمن قانون حماية البيئة فإن المشرع قد يلجأ إلى إنشاء ما يعرف بالخطائر الوطنية و هذا سعيا منه للمحافظة على أنواع حيوانية و نباتية أو على التربة و المحيط الحيوي و المياه، و بصفة عامة عندما ينطوي وسط طبيعي على فائدة خاصة يتعين صيانته من كل أثر من آثار التدهور و وقايته من كل عمل غير طبيعي يشوهه حسبما تنص عليه المادة 17 من القانون 83/03.
-و يتم إنشاء أي حظيرة بناءا على إتباع إجراءات التصنيف التي تصدر بمرسوم بناءا على تقرير وزير البيئة أو الفلاحة حسب الحالة بعد إستشارة الجماعات المحلية المعنية، و الحظيرة الوطنية هي هيئة إدارية خاضعة لوصاية وزارة الفلاحة و على المستوى الوطني يخضع تنظيم الحظائر الوطنية للمرسوم 83/458 المؤرخ في 23/07/1983 المتضمن القانون النموذجي للحظائر و القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 09/08/1989 المتضمن القانون الداخلي للحظائر و تتوزع كالتالي:
1/ المرسوم 83/459 المؤرخ في 23/07/1983 خاص بالحظيرة الوطنية بثنية الحد ولاية تيسيمسيلت.
2/ المرسوم 83/460 المؤرخ في 23/07/1983 خاص بالحظيرة الوطنية لجرجرة ولاية تيزي وزو.
3/ المرسوم 83/461 المؤرخ في 23/07/1983 خاص بحظيرة الشريعة ولاية البليدة.
4/ المرسوم 83/462 المؤرخ في 23/07/1983 خاص بحظيرة القالة ولاية الطارف.
5/ المرسوم 84/426 المؤرخ في 03/11/1984 يتعلق بحظيرة لبلزمة ولاية باتنة.
6/ المرسوم 84/327 المؤرخ في 03/11/1984 يتعلق بحظيرة لقورايا بولاية بجاية.
7/ المرسوم 84/328 المؤرخ في 03/11/1984 يتعلق بإنشاء الحظيرة الوطنية لتازة بجيجل.
8/ المرسوم 93/117 المؤرخ في 12/05/1993 يتعلق بحظيرة تلمسان الوطنية بولاية تلمسان.
9/ المرسوم 87/89 المؤرخ في 21/04/1987 المتعلق بإنشاء حظيرة الطاسلي بولاية إليزي.
– الشيء الذي يهمنا في كل هذا أن آثار تصنيف الحظيرة تسري على الأرض المصنفة أيا كان الطرف الذي تؤول له الملكية و يتعين على كل من يبيع أو يتنازل أو يؤجر أن يعلم المتعاقد الآخر بوجود التصنيف لأنه لا يمكن إدخال أي تغيير بعد التصنيف على حالة الأماكن أو مظهرها دون ترخيص خاص من الوزير المكلف بحماية البيئة . مهما كان المالك، لأن الأنظمة القانونية للأراضي قد تتنوع داخل الحظيرة الواحدة من أراضي خواص، أملاك بلديات، أملاك ولايات، أراضي وقفية، أملاك وطنية عامة و خاصة.
– و نشير في الأخير إلى أن عدم إستكمال البناء في الآجال المحددة في رخصة البناء يتطلب الحصول على رخصة جديدة عند معاودة إستئناف الأشغال تحت طائلة البناء بدون رخصة .
الـفرع الثـانـي: تجـاوز حـدود الرخصـة:
– تمنح رخصة البنـاء في إطار مراعاة أدوات التعمير لاسيما المخطط التوجيهــي للتهيئـة و التعميـر (P.D.A.U) و مخطط شغل الأراضي اللذان يضبطان حدود البناء حسب موقع كل قطعة أرضية بما ينسجم و المحيط العمراني و كذا طبيعة الأرض الجيولوجية.
– و على هذا فإن رخصة البناء حسب المادة 46 من المرسوم 91/176 يجب أن تشمل على الإلتزامات و الخدمات التي ينبغي على الباني أن يحترمها، عندما تقتضي البناءات تهيئة و خدمة بالموقع العمومي أو الخدمات الخاصة.
– على أن يتجاوز حدود رخصة البناء يتم في إحدى شكلين:
أ/ الشكــل الأول:
– هو أن يتجاوز الباني حدود الرخصة بتعلية البناء أو تغيير الواجهة أو التصميم عما هو وارد في مخطط البناء الذي قدمه في ملف الحصول على الرخصة.
ب/ الشكـل الثانـي:
– ألا يحترم الباني الحدود و الإرتفاقات المحددة بمقتضى الرخصة فيعتدي على ملك مجاور أو على ممر أو طريق.
– بهذا فإن المشرع بمقتضى المادة 56 من القانون 90/29 الخاص بالتهيئة و التعمير قد جعل على عاتق المالك أو صاحب المشروع واجب المبادرة بإعلام المجلس الشعبي البلدي عند الإنتهاء من أشغال البناء حتى تسلم له شهادة المطابقة، وهذا في أجل 30 يوما من تاريخ الإنتهاء من الأشغال.
– غير أن جعل المبادرة لصاحب المشروع أو المالك في طلب شهادة المطابقة قد قلل من فعاليتها و شوه النسيج العمراني، نقول هذا طبعا في إطار القانون السابق 82/02 المؤرخ في 06/02/1982 المتعلق برخصة البناء و رخصة تجزئة الأراضي، و القانون 85/01 المؤرخ في 13/08/1985 الذي يحدد إنتقاليا قواعد شغل الأراضي.
– و نعود لنؤكد في الأخير أنه مهما تعدد البناء غير القانوني فإنه لا يخرج عندما نرده إلى الأصل عن أحد الشكلين اللذين ذكرناهما، و معيارنا دائما هو قانون التهيئة و التعمير بوسائله الفنية في ذلك و على الخصوص رخصة البناء و شهادة المطابقة.
المطلـب الثـانـي: الأسبـاب القانونيـة للبنـاء غير القانونـي:
– قد يبدو هذا العنوان غريبـا، و قد يثير التساؤل عن كيفية إرجاع البناء غير القانوني لأسباب قانونية؟ و على هذا نرد بأن القصد من هذا العنوان هو البحث من جهة نظر قانونية في مختلف النصوص القانونية و مختلف المنطلقات أو الثغرات القانونية التي أدت لظهور البناء غير القانوني أو على الأقل ساهمت في تفاقم هذا المشكل.
الـفــرع الأول: قصـور النصـوص القانونيـة:
– كثيرة هي النصوص القانونية التي جاءت لتنظيم المجال العقاري، غير أننا سنركز على أهم النصوص القانونية التي حركت مشكل البناء غير القانوني حسب التسلسل التاريخي لها:
I – قـانـون الثـورة الزراعيـة 71/73 المؤرخ في 08/11/1971:
– لأن الأرض كانت محور صراع مرير ضد المستعمر الفرنسي، فقد جعلت الجزائر غداة الإستقلال هذه الأرض في صلب إهتماماتها لأنها محور كل تنمية، و كانت الأراضي الفلاحية ضمن أولى الأولويات.
– و قد ظهر في البداية أسلوب التسيير الذاتي كطريقة عفوية لإدارة الأملاك الشاغرة التي تركها المعمرون حيث تولى هذه المهمة نفر من عمال المزارع و بشكل تلقائي. و أمام هذا الوضع لم تجد الدولة آنذاك بدا من الإعتراف المؤقت بهذا النوع من التسيير بمقتضى المرسوم 62/02 المؤرخ في 22/10/1962 حيث منح لاولئك العمال الحق في إستعمال و إستغلال العقارات الفلاحية التي استولوا عليها عقب رحيل المعمرين، و حتى لا تستغل هذه العقارات في عملية المضاربة أصدرت الدولة المرسوم 62/103 المؤرخ في 23/10/1962 الذي منع بيع الأملاك الشاغرة و اعتبر جميع المعاملات العقارية المبرمة في هذا الشأن من تاريخ الإستقلال إلى يوم صدوره باطلة.
– و في 23،22،18 مارس 1963 صدرت المراسيم تباعا لضبط قواعد التسيير الذاتي بشكل قانوني أكثر تنظيما و بينت الأجهزة المكلفة بعملية التسيير الذاتي و علاقتها بالإدارة المركزية كما تم بمقتضى المرسوم 63/90 المؤرخ في 18/03/1963 إنشاء الديوان الوطني للإصلاح الزراعي (O.N.R.A) كهيأة وصاية على المزارع المسيرة ذاتيا.
– و حيث أن الإزدواجية في تنظيم المزارع المسيرة ذاتيا، بوجود مدير معين من طرف الوصاية إلى جنب أجهزة مزارع التسيير الذاتي، قد كرس التبعية البيروقراطية لجهة الوصاية و أفقد أجهزة التسيير بالمزارع حرية المبادرة و سرعة إتخاذ القرار، فإنه حمل بذور فشل هذا النظام، حيث انخفضت مردودية المزارع المسيرة ذاتيا بشكل كبير، و دفع الدولة للبحث عن حل بديل .
– و هكذا و على أنقاض نظام التسيير الذاتي تم بعث قانون الثورة الزراعية الذي جاء حاملا في مادته الأولى شعار الأرض لمن يخدمها. و هدفه تحديث الفلاحة و تحجيم دور البرجوازية المحلية و القضاء على إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان عن طريق ما عرف في عهد الإستعمار بنظام ” الخماسة” بإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين المعدمين مع توطينهم في قرى إشتراكية.
– و في سبيل تحقيق هذه الأهداف تم إنشاء صندوق الثورة الزراعية بموجب نفس الأمر 71/73 لتدمج فيه الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية آليا، في حين يتم الإعتماد على أداة التأميم لإدماج أجزاء معينة من الملكيات الخاصة. فمبدأ الأرض لمن يخدمها يرتبط مباشرة بالإستغلال الشخصي المباشر للعقار الفلاحي، و على هذا الأساس تكون الحيازة غير كافية حسب هذا المبدأ للمحافظة على حق الملكية بل لا بد من ممارسة فعلية للإنتفاع، فالإهمال المتعمد من المالك الأصلي للأرض أو التغيب عنها ينجز عنه سقوط حق الملكية كما تسقط الملكية في حال تأميم الجزء الفائض عن قدرات المالك الأصلي و حاجاته.
– و نتوقف في البداية عند مشروعية التأميم في حد ذاته المستند للأمر 71/73 خاصة في ظل غياب دستور يرخص بذلك في تلك الفترة؟ و في هذا الإطار يرى بعض الكتاب بإمكانية إستناد مشروعية التأميم إلى أحكام الأمر رقم 65/182 المؤرخ في 10/07/1965 و الذي هو بمثابة دستور مصغر للسلطة آنذاك يفوض رئيس مجلس الثورة سلطة التشريع عن طريق الأوامر.
– كما نتوقف عند المعايير التي اعتمدها قانون الثورة الزراعية في تأميم الفائض عن الملكية الخاصة و تحجيمها حتى لا تتحول إلى ملكية استغلالية حسب المنطق السائد آنذاك، حيث تم تبني ثلاثة معيير يعلق عليها الاستاذ عمر صدوق في مؤلف الفلاحة و التنمية في الجزائر للأستاذ بن عمران كمايلـي:
1/ المعيــار الأول: معيـار القـدرة علـى العمـل:
– نصت عليه المادة 02 من الأمر 71/73 و يعني ألا تتجاوز مساحة الملكية، الطاقة، الشخصية للمالك أو لعائلته. و هذا المعيار غير دقيق لأن قدرات العمل تتفاوت من شخص لآخر حسب الحالة الفيزيولوجية و الفنية و حسب التجهيزات المستعملة.
2/ المعيــار الثـاني: معيـار الدخـل الكافـي للمالـك و أسرتـه:
– بحيث يؤمم الجزء الفائض من هذا الدخل. و هذا المعيار الآخر يعتبر بدوره غامضا و غير عادل لأن معيار الدخل مرتبط بمؤشرات محيطية مثل الضرائب و الأسعار و القروض أكثر من ارتباطه بالإنتاجية و الأرض و الفلاح.
3/ المعيــار الثـالـث: يعتمد على نوعيـة الأرض من حيث الجـودة و المردوديـة:
– حيث يتم تأميم الأراضي الخصبة ذات المردودية العالية بغرض تحقيق توازن معيشي بين كبـار الملاك و صغار المنتجين. لكن إذا تفحصنا المادة 65 من الأمر 71/73 نجد أنها تتبنى فكرة الدمج ما بين المعايير على أساس ربط تحديد الملكية الخاصة بالدخل الأدنى لعائلة متوسطة العدد تعيش فقط من هذه الملكية في حدود قصور تعادل ثلاثة أمثال دخل عامل يشتغل في القطاع المسير ذاتيا لمدة 25 يوما فلاحيا .
– و قد استثنى قانون الثورة الزراعية طائفة من الأشخاص من نطاق تطبيق التأميم على أراضيهم و هم كبار السن، و أعضاء جيش التحرير المعاقين بنسبة 60%، أرامل الشهداء غير المتزوجات، أصول و فروع الشهداء من الدرجة الأولى و اليتامى و القصر و المعاقين بنسبة أكثر من 60% بالإضافة للمالك الذي ترك أرضه لظروف قاهرة كحالة الأراضي الحدودية المزروعة بالألغام و حالة العمال المهاجرين و الغائبين مؤقتا عن أراضيهم و حالة المجندين في الخدمة الوطنية، بحيث يجب على هؤلاء تقديم تصريح بذلك إلى المصالح الإدارية في اجل سنة من صدور الأمر و إلا تعرضت عقاراتهم للتأميم .
– على أن الشخص الذي أممت أراضيه يتلقى تعويضا معادلا للمساحة المؤممة يحدد حسب نص المادتين 8 و 9 من الأمر 71/73 على أساس الضريبة العقارية المفروضة على كل هكتار من الأرض حسب طبيعتها و قد جاء المرسوم 73/64 المؤرخ في 03/04/1973 ببيان كيفية منح التعويض، حيث يتكون التعويض عن التأميم من جزأين:
جزء نقدي يعادل 20% من المبلغ الإجمالي و الباقي 80% عبارة عن سندات صادرة عن الخزينة العمومية بنسبة فائدة 6% تغطي 5 سنوات تضاف إلى المبلغ الأصلي للتعويض. و يخضع تقدير التعويض لإمكانية الطعن فيه أمام اللجان الولائية أو اللجنة الوطنية أو أمام مصلحة متابعة التعويضات التابعة لوزارة المالية أو المنشأة على مستوى كل ولاية .
– و هكذا فرغم أن دستور 1976 اعترف بالملكية الخاصة فإن قانون الثورة الزراعية حاول تحجيمها، و أنشأت هيئات لا مركزية لتذليل جميع الصعوبات التقنية و القانونية و السياسية في سبيل ذلك و نعني بها المجالس البلدية الموسعة (C.C.E) و ذلك بمقتضى المادة 177 من الأمر 71/73. و يلاحظ أن هذه المجالس غير منسجمة مع تدابير الأمر 18/01/1967 المتعلق بالقانون البلدي بل تتناقض معها، و لم يلتفت المشرع إلى هذه المسألة القانونية طوال فترة تنفيذ الثورة الزراعية . الشيء الإيجابي في المسألة هو صدور المرسوم 73/32 المؤرخ في 05/01/1973 الذي حاول إرساء قواعد متعلقة بإثبات الملكية الخاصة و اعترف بحجية السندات المحررة من موظفين عموميين أو قضائيين بالإضافة لذلك المحررات المسلمة من إدارة أملاك الدولة تنفيذا للتشريعات العقارية. كما مدد ذات المرسوم صلاحية العقود العرفية غير المسجلة و كذا تلك المحررة من قضاة شرعيين و غير المسجلة بفهرس المحافظة العقارية، إلا أنه في حالة نزاع حول العقار فلا تثبت الملكية إلا إذا كانت العقود المتعلقة بها مصحوبة بالإشهارات الخاصة في تاريخ لم يمض عليه أكثر من (03) ثلاثة أشهر من يوم الشروع في تطبيق الثورة الزراعية في تراب البلدية، كما ألزمت المادة 07 من المرسوم الأخير جميع الملاك الخواص بتقديم تصريح بأملاكهم إلى المجلس البلدي الموسع قصد تجنب إجراءات التأميم لحالة الغياب.
– أما في حالة عدم حيازة المالك لأية وثيقة تثبت ملكيته للأرض فيتعين عليه تقديم تصريح بالحيازة إلى المجلس البلدي الموسع حسب تدابير المادة 12 من هذا المرسوم رفقة جميع المعلومات الضرورية. ليتولى المجلس إحالة التصريح فور تسلمه على اللجنة التقنية للدائرة التي تتولى التحقيق في صحته .
– فإذا ثبت ملكية الحائز للأرض منذ أكثر من 17 سنة قبل صدور الأمر 71/73 فإنه يحرر محضر إثبات الملكية و يوجه إلى الوالي، و الذي يصدر قرار إداري يكلف بمقتضاه مصلحة أملاك الدولة بتحرير سند الملكية و تسليمه إلى المالك المعترف له بهذا الحق .
– من كل هذا يظهر لنا أن قانون الثورة الزراعية ساهم في جانب منه في تطهير الجانب العقاري عندما خص المجلس البلدي الموسع و اللجنة التقنية للدائرة بمتابعة الوضعية القانونية للعقارات التي ليس لها سندات ملكية و إجراء تحقيق في ذلك غير أن الجانب الآخر للثورة الزراعية يبدو سيئا حيث فشلت الثورة الزراعية في تحقيق أهدافها بدليل أن القطاع الخاص بقي مهيمنا على58,9 % من المساحة الكلية للزراعة حسب إحصائيات أجريت في سنة 1978. و من ناحية أخرى فإن المعايير الفضفاضة التي جاء بها قانون الثورة الزراعية لتحجيم الملكية الخاصة و ربط ذلك بالقضاء على الإقطاع الذي لا يجد له محلا من الإعراب في الجزائر، كل هذا جعل القطاع الخاص يقاوم إجراءات التأميم بكافة السبل القانونية منها و غير القانونية . و اضطر الكثير من الخواص إلى القيام ببيوع صورية لتفادي التأميم أو اللجوء إلى بيوع عرفية نظرا لقلة التعويض الممنوح في حالة التأميم، و من هنا اكتسب عدة أفراد عقارات فلاحية بعقود عرفية فمنهم من استمر في فلاحتها و منهم من حولها عن مقصدها أو أهملها حتى صارت بور لبيعها مرة أخرى كأرض للبناء أو يسكنها بنفسه، و كانت هذه هي البدايات الأولى من الناحية القانونية لظهور بنايات خارج سلطة القانون.
II – قـانـون الإحتيـاطـات العقاريـة 74/26 المؤرخ في 20/02/1974 :
– صدر الأمر 74/26 ثم جاءت المراسيم المطبقة له في سنة 1976 تحت الأرقـــام 76/27،76/28،76/29. و قد أحدث الأمر 74/26 تغييرات جوهرية في الملكية العقارية بالمناطق الحضرية عندما تم العمل به إبتداءا من 05/03/1974، حيث أوجب هذا الأمر تحويل الأراضي الواقعة في المدن و المناطق العمرانية أو القابلة للتعمير إلى البلديات عبر إتباع إجراءات أساسية، تتمثل في مسح العقارات التي تدخل ضمن الإحتياطات العقارية للبلدية و تخصيص مساحات ضمن هذه الإحتياطات للتوسعات العمرانية الضرورية في المدى القريب و المتوسط بالإضافة للمشاريع المرتقب إنجازها مستقبلا في الأمد البعيد حتى حدود 25 سنة أخذا في الحسبان بمدى توسع كل مدينة و حجم السكان المرتقب في تلك الفترة.
– ثم تقوم مصلحة أملاك الدولة بتقدير مبلغ التعويض عن كل أرض قد تدمج ضمن الإحتياطات العقارية. بعد هذا يتوجب على المجلس الشعبي البلدي التداول بشأن العقارات التي تقرر إدماجها، و تحال المداولة على الوالي للمصادقة عليها بإعتباره السلطة الوصية.
– بعد كل هذه الإجراءات يصدر قرار الدمج ضمن الإحتياطات العقارية و يحدد فيه التعويض المقدر لذلك، ثم يتم تسجيل ذلك القرار و شهره في مصلحة الشهر العقاري. بعد كل هذه الإجراءات تنتقل ملكية العقارات المدمجة في الإحتياطات العقارية إلى البلدية التي توجد في نطاقها، و يكون لهذه الأخيرة أن تقوم ببيعها إلى مؤسسات عامة أو لصالح الخواص حسبما تقضيه مصالح التنمية في كل فترة .
– و لا يتم البيع في كل أحوال إلا بعد تهيئة الأرض و تجزئتها إلى قطع للبناء و تحديد الأسعار. كما أن كل عملية بيع يجب أن يتم بشأنها إجراء مداولات حسبما نصت عليه المادة 11 من المرسوم 76/27. حيث أوجبت أن يكون كل بيع موضوع مداولة من المجلس الشعبي البلدي الذي يبدي رأيه حول: مبدأ نقل ملكية الأرض، العناصر المكونة لملف نقل الملكية و لاسيما ثمن البيع، المخطط، و دفتر الشروط الذي يحتوي لزوما على التصاريح بالمقرر الذي رخص بموجبه نقل الملكية و كذا الشروط المتعلقة بالإشهار، بيان نوع و حالة الأملاك و أصل الملكية و غيرها من البيانات.
– و جدير بالذكر أن المرسوم 76/27 أخضع عمليات البيع إلى قواعد الإشهار الإداري، أما الإشهار العقاري لهذه التصرفات فقد نص عليه المرسوم 75/74 المتعلق بتأسيس السجل العقاري بالإضافة لقانون التوثيق و القانون المدني، بالإضافة لنصوص أخرى أوجبت الرسمية و الشهر في نقل الملكية العقارية. و عليه ففي كل الأحوال فإن كل تصرف في مثل هذه العقارات دون مراعاة قواعد الشهر العقاري يعتبر باطلا و لا يرتب أي أثر بخصوص نقل الملكية العقارية.
– و أهم اثر قانوني رتبه القانون 74/26 يتمثل في تجميد حق التصرف بالأراضي التي تدمج ضمن الإحتياطات العقارية، حيث أنه بمجرد إتمام إجراءات الدمج تغل يد مالكها في نقل ملكيتها بأي كيفية كانت ماعدا عن طريق الإرث.
– و نشير إلى المادة 6 من الأمر 74/26 تنص على أن الأراضي من كل نوع لتي يملكها الأفراد و التي تقع داخل المنطقة العمرانية المحددة في المادة 2 من المرسوم، تخصص بالدرجة الأولى لسد الحاجيات العائلية لمالكيها فيما يخص البناء، أما المساحة الزائدة فتدرج في الإحتياطات العقارية، و لا يكون لمالكها أن يبيعها، إلا لصالح البلدية المعنية وفق السعر المحدد من طرف مصالح أملاك الدولة، مما يعني أن العقود المخالفة لهذا الأمر تعتبر باطلة و لا ترتب إلا آثار شخصية بين المتعاقدين خاصة إذا علمنا أن المادة 168 من ذات الأمر منعت التصرف كذلك في الأراضي الزراعية و القابلة للزراعة الداخلة في المحيط العمراني إلا في حال البيع لصالح البلدية التي يقع بدائرة اختصاصها العقار .
– و هكذا نلاحظ أن قانون الإحتياطات العقارية وقع في نفس الإشكال الذي وقع فيه قانون الثورة الزراعية من حيث تحديد التعويض المترتب عن الأراضي وفق سعر رسمي تحدده مصالح أملاك الدولة. هذا التعويض الذي بدأ مجحفا لدى كثير من المواطنين مقارنة بسعر السوق، إضافة إلى غل يدهم ببيع الأرض لغير البلدية دفع بالكثير منهم للتحايل على القانون بإبرام عقود بيع عرفية. و من ثمة بدأت تظهر بنايات جديدة في أراضي الإحتياطات العقارية بشكل غير قانوني إلى الحد الذي كادت أن تلتهم فيه كل المساحات. هذا يكاد يتفق الكثير من الكتاب على أن مساوىء قانون الإحتياطات العقارية كانت أكبر من منافعه .
– حيث كان من المفروض أن يتم دمج الأراضي الزائدة عن الإحتياجات العائلية في الإحتياطات العقارية البلدية و بيعها وفقا للإجراءات القانونية للمساهمة في تنظيم و تسوية وضعية الملكية العقارية، إلا أن الملاحظ أن الكثير من البلديات لم تراع في كثير من الحالات ما أوجبه القانون فقامت ببيع أراضي المواطنين من أجل البناء قبل إدماجها في الإحتياطات العقارية البلدية و دون تبليغ مالكيها أو تعويضهم، كما باعت للمواطنين قطعا أرضية للبناء دون أن تسلم لهم العقود الرسمية للملكية و دون القيام بإجراءات التسجيل و الشهر مما عرقل تطور البناء و أثر على التهيئة و التعمير .
– و قد غدى قانون الإحتياطات العقارية الأطماع، حيث كان رؤساء المجالس الشعبية هم المخولين بتحرير العقود الإدارية بالنسبة للعقارات المدمجة في الإحتياطات العقارية البلدية إلى غاية صدور قانون التوجيه العقاري 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 حيث استحدث في مادته 73 ما يعرف بالوكالة العقارية و منحها الإختصاص لوحدها بتسيير المحفظة العقارية البلدية و هكذا لم يبق لرؤساء المجالس الشعبية البلدية سوى تحرير عقود التصرف في الملكية العقارية البلدية للأشخاص المعنوية ليس إلا .
– غير أن المندوبيات التنفيذية للبلديات فترة التسعينات بقيت تحرر عقودا خارج نطاق إختصاصها و تبيع الأراضي للمواطنين مقابل قرارات إستفادة، و الأخطر من ذلك أنها استولت على مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحية و قامت بتجزئتها و بيعها للخواص من أجل البناء خارج أدوات التعمير أو في غيابها . فضلا عن أن البلدية لا تملك حق التصرف في هذه الأراضي التابعة للدولة و ليس لها أي تخويل من المشرع للتدخل فيها. و لهذا فهذه التصرفات في نظر الإجتهاد القضائي. بمثابة تصرف في ملك الغير كون أن الأراضي الفلاحية أو ذات الوجهة الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية الخاصة هي ملك للدولة بحكم المادة 18 من القانون 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 المتضمن قانون الأملاك الوطنية .
– و هكذا نلاحظ كيف فجر قانون الإحتياطات العقارية الفوضى في القطاع العقاري في الوقت الذي كان ينتظر منه أن ينظم التحكم أكثر في الوعاء العقاري، حيث ترتب عن ذلك استنزاف كبير في الأوعية العقارية الخاصة بالبناء لاسيما في المحيط الحضري، و أمتد الاستنزاف حتى إلى الأراضي الفلاحية الخصبة التي بدأ يغزوها الإسمنت المسلح و مازالت آثار هذا الإجرام ماثلة في سهول المتيجة.
III – قـانـون المستثمـرات الفلاحيـة 87/19 المؤرخ في 08/12/1987 :
– جاء القانون 87/19 ليبين كيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية في إطار قانون 84/16 المؤرخ في 30/06/1984 المتعلق بالأملاك الوطنية الذي كان ساري المفعول آنذاك و في ظل دستور 1976 كذلك و قد تضمن هذا القانون عدة ثغرات قانونية، سنعود لنستعرضها بعد أن نلقي نظرة مقاربة على القانون 83/18 الصادر بتاريخ 13/08/1983 المتعلق باستصلاح الأراضي.
– مع ظهور دلائل فشل قانون الثورة الزراعية في الوصول إلى غاياته بترقية القطاع الفلاحي أصبح التفكير من قبل الدولة في إعادة هيكلة القطاع الفلاحي و هذا برد الإعتبار للقطاع الخاص و ترقية و حمايـة الملكـيـة الخـاصـة و قد جاء في لائحة تبنتها اللجنة المركزية للحزب في 24/12/1984 : (( التوصية على جعل أراضي القطاع الخاص تستفيد أكثر من أعمال الإستصلاح التي تتكفل بها الدولة)) .
– و ترجمة لهذا التوجه جاء القانون 83/18 المؤرخ في 13/08/1983 الذي أتاح لكل شخص جزائري الجنسية أن يتملك أرضا تابعة للأملاك العامة إذا قام باستصلاحها ضمن الآجال المحددة في المادة 11 منه و المقدرة بخمس (05) سنوات مع إمكانية تمديد المهلة إذا اعترضت المستصلح قوة قاهرة حالت دون بلوغ غايات الإستصلاح، و تقدر الإدارة في هذه الحالة المدة التي يمكن أن تمنحها كفترة إضافية لإستدراك التأخر .
– و حسب المرسوم 83/724 المؤرخ في 10/12/1983 الذي جاء لتوضيح كيفية تطبيق القانون 83/18 فإن لجنة خاصة تضم ممثلين عن البلدية، الوالي، مصالح الفلاحة و أملاك الدولة هي التي تتولى معاينة الأشغال و تحرير تقارير بشأنها، فإذا كان التقرير إيجابيا فإن الوالي بعد أن يرفع له رئيس المجلس الشعبي البلدي هذا التقرير في أجل لا يتعدى 15 يوما تاريخ تسلمه للتقرير. يقوم بإصدار قرار موجه لمصالح أملاك الدولة يتضمن الموافقة على رفع الشرط الفاسخ المتضمن في قانون 83/18 و من ثمة تحرير عقد ملكية للمستصلح.
– نشير إلى مسألة قانونية هامة في هذا السياق، تتمثل في إنقسام الفقهاء بشأن شرعية قانون 83/18 في حد ذاته لكونه يتعارض مع أحكام المادة 14 من دستور1976 التي تنص على أصناف الأراضي التي تعتبر ملكا خالصا للدولة و لا رجعة فيها، ((الأراضي الرعوية، الأراضي المؤممة، و الأراضي الزراعية أو القابلة للزراعة و الغابات و المياه)) في حين أن المادة 04 من القانون 83/18 تشير إلى أن الإستصلاح ينصب على أراض تابعة للملكية العامة و الواقعة في المناطق الصحراوية أو المناطق المنطوية على مميزات مماثلة ( و يقصد بذلك أراضي الهضاب العليا و السهوب) . و هذا ما يشكل تراجعا عن ملكية الدولة بأن تصبح قابلة للتنازل لصالح الخواص كما أن مصطلح “الملكية العامة” الذي جاءت به المادة 04 من القانون 83/18 يعتبر تسمية متناقضة مع أحكام دستور 1976 الذي يطلق مصطلح “ملكية الدولة” و ربما تكون هذه التسمية الواردة في قانون 83/18 مناورة ذكية للتخلص من مصطلحات العهد الإشتراكي التي لم تعد تتلاءم مع أهداف قانون الحيازة العقارية المستغل من طرف السلطة كمدخل أولي لخوصصة ملكية الدولة .
– و مهما يكن من أمر و بغض النظر عن مدى شرعية قانون 83/18 فإننا نسجل قصوره من حيث الآليات المتعلقة بالرقابة و فتحه المجال لإمكانية تحويل الأراضي الفلاحية عن مقصدها إلى أراض للبناء غير القانوني، و تلمس ذلك من خلال المادة 09 منه التي تنص: (( يمكن أن يرفق استصلاح الأراضي بإنجاز محلات ذات الإستعمال السكني مخصصة للمزارع و عائلته و بنايات الإستغلال و كل ملحق عادي في مزرعة)) فالسماح بالبناء على الأراضي المستصلحة يفتح الباب لبيعها خاصة بعد أن تنقل الملكية للمستصلح بالدينار الرمزي كما تنص على ذلك المادة 06 من القانون 83/18 في الوقت الذي تنعدم فيه الوسيلة القانونية الكفيلة بمراقبة مدى الحفاظ على طبيعة هذه الأرض لاحقا، و ماعدا نص المادة 18 من نفس القانون على أنه: (( لا يجوز أن تحيد الأراضي موضوع نقل الملكية عن مآلها الزراعي إلا في الشروط المحددة في التشريع و التنظيم الجاري بهما العمل)) فإنه لا يوجد ما يمنع إعادة بيع الأرض بعد استصلاحها إلا الوازع الديني و الأخلاقي خاصة و أن المادة 19 من القانون 83/18 ألغت حق الشفعة الذي كان معترفا به للدولة في قانون الثورة الزراعية 71/73 بمقتضى المواد من 158 إلى 165 إذا عاينت إهمال الأرض أو عدم استغلاها .
– و على أثر القانون 83/18 جاء القانون 87/19 بتاريخ 08/12/1987 ليكرس وحدة نظام إستغلال الأراضي الفلاحية التابعة للدولة و ألغى بموجب المادة 47 منه النصوص المتعلقة بالتسيير الذاتي للمزارع خاصة الأمر رقم 68/653 المـؤرخ فـي 30/12/1968 كما ألغى المواد من 858 إلى 866 من القانون المدني. و ما يلفت الإنتباه أن السلطات العمومية بدأت عملية تنظيم المستثمرات الفلاحية قبل ثلاثة أشهر من صدور القانون 87/19 و ذلك بمقتضى المنشور الوزاري المشترك المؤرخ في 30/08/1987 حيث اعتبر ذلك المرسوم آنذاك مخالفا لقانون الثورة الزراعية من جهة، و للقانون المدني من جهة أخرى و انتهاكا صارخا لمبدأ تدرج القوانين .
– و بمقتضى قانون 87/19 فصل بين حق الملكية الرقبة الذي يبقى للدولة و حق الإنتفاع الدائم الذي يرجع للفلاح أو المنتج كما سمته المادة 06 من ذات القانون، و بالرجوع للمادة 04 من ذات القانون يمكن أن نحدد نطاق تطبيقه بالشكل التالي:
أ/ الأراضـي التابعـة للصندوق الوطني للثورة الزراعيـة:
– و التي تتألف بدورها من أربعة أنواع: الأراضي الزراعية أو المعدة للزراعة التابعة للدولة أو للجماعات المحلية، الأراضي التي لا مالك لها أو بدون وارث التي ظهرت بعد الإنتهاء من عمليات الثورة الزراعية في البلديات التي توجد بها هذه الأملاك.
ب/ الأراضـي التابعـة لنظـام التسييـر الذاتـي:
– المقنتة بموجب المرسوم 62/02 المؤرخ في 22/10/1962 و كذا المرسوم 68/653 المؤرخ في 30/12/1968. و يلاحظ أن تطبيق القانون 87/19 عمليا لم يستثن الأراضي التي كانت تابعة للنظام التعاوني بموجب الأمر 72/23 المؤرخ في 07/06/1972 و المرسوم 72/106 المؤرخ في نفس اليوم، و هذا رغم سكوت نص القانون 87/19 عن ذكر ذلك صراحة.
– يبقى أن نسجل أن القانون 87/19 قد أخرج بعض الأراضي من نطاقه بحكم المادة 04 منه و هي تلك الأراضي المخصصة للمزارع النموذجية التي بقيـت خاضعـة للمــرسوم 82/19 المؤرخ في 16/01/1982.
بالإضافة للمزارع التابعة لمؤسسات التكوين و البحث العلمي أو تلك التابعة لمعاهد التنمية، و إلى جانب هذه الاستثناءات الصريحة يمكن إضافة الأراضي المنجزة في إطار القانون 83/18 المؤرخ في 23/08/1983 الخاص بعمليات نقل الملكية العقارية عن طريق الاستصلاح حيث تتغير الطبيعة القانونية للأرض عقب الانتهاء من الاستصلاح من مال عام إلى ملكية خاصة. كما نستثني الأراضي الوقفية فلا يسري عليها القانون87/19 و نعني بها تلك الأملاك الوقفية التي لم تدمج في صندوق الثورة الزراعية حتى لو كانت أراضي زراعية أو صالحة للزراعة حيث أن القانون 90/25 الصادر لاحقا في 18/11/1990 صنفها في مادته 23 كصنف خاص من الأملاك العقارية فيما عرفتها المادة 31 منه و أحالت المادة 32 إلى قانون خاص سيصدر لاحقا لتنظيمها .
تنشأ المستثمرة الفلاحية بعقد إداري تعده الإدارة المكلفة بأملاك الدولة حسب المادة 02 من المرسوم التنفيذي 90/50 المؤرخ في 06/02/1990 يجب أن يشهر في المحافظة العقارية لتنتقل للمستثمرة ملكية الوسائل و كذا الممتلكات المكونة لذمة المستثمرة وفق أحكام المادة 07 من القانون 87/19، بالإضافة إلى حق الانتفاع الدائم لموجب المادة 06 من ذات القانون و بهذا تظهر المستثمرة الفلاحية كشركة مدنية متكاملة لأركان من حيث تعدد الشركاء ( المادة 416 مدني )، تقديم الحصص، نية المشاركة مع اقتسام الأرباح و الخسائر، و لكن مع وجود فارق بسيط هو أنه لا يمكن أن يقل عدد الشركاء عن ثلاثة حسبما تقتضيه أحكام المادة 11 من القانون 87/19 .
و يتميز حق الانتفاع الدائم الممنوح في إطار القانون 87/19 بأنه حق دائم قابل للتنازل و النقل و الحجز عليه و يمنح لأعضاء المستثمرة على الشيوع و يمنع تجزئة الأرض حسب المادة 23 من القانون 87/19، إلا أنه يمكن أن يمنح هذا الحق بصفة فردية على الأراضي الفائضة على المستثمرات الفلاحية التي يتعذر تصنيفها كمستثمرة أو لعدم إمكانية دمجها ضمن مستثمرة أخرى بسبب عزلتها أو بعدها حسبما نصت عليه المادة من 37 من نفس القانون. و حق الإنتفاع الدائم هو حق بمقابل يتمثل في رفع إتاوة من المستفيدين منه يحدد وعاؤها في قانون المالية. و قد تم تحديد تلك الإتاوة لأول مرة في القانون 88/33 المؤرخ في 31/12/1988 المتضمن قانون المالية لسنة 1989 .
و لا يجوز التنازل عن حق الانتفاع خلال الخمس سنوات الأولى ابتداءا من تكوين المستثمرة إلا في حالة وفاة أحد الأعضاء وفقا لأحكام المادتين 23 و 26 من القانون 87/19.
الشيء الذي يهمنا في كل هذا القانون أنه فتح الباب للتنازل عن حق الانتفاع لكل شخص شرط أن يكون عاملا في القطاع الفلاحي كأولية و أن يقبل به باقي الشركاء حسبما تقتضيه المادتين 24 و 25 من القانون 87/19.
هذا المجال المقترح حق الانتفاع مع تقييده باحترام شروط خاصة بالمشتري أدى إلى رجوع ظاهرة العقود العرفية ليتم التنازل رغما عن باقي الشركاء. و حتى و إن كانت المادتين 28 و 29 من ذات القانون قد منحتا للشركاء التي قد تؤدي سبيل دعوى للمطالبة بإسقاط حق الانتفاع عن العضو المخل بالتزاماته طبقا لمرسوم 89/51 المؤرخ في 18/04/1989 الذي أوضح مختلف الإجراءات و أباحت المادة 30 منه للقاضي أن يخرج عن حياده و يتخذ كل إجراء يراه كفيلا بحماية المستثمرة ، و حتى لو جاء المروسوم 90/51 المؤرخ في 06/02/1990 ليبين في مادته 04 جملة الأسباب التي قد تؤدي إلى إسقاط حق الانتفاع لاسيما تخصيص مباني الاستعمال الفلاحي بالمستثمرة لأغراض لا صلة لها بالفلاحة و تحويل الأرض عن وجهتها الفلاحية، فإنه برغم كل هذا تبدو الإجراءات المنصوص عليها في المرسوم 90/51 إجراءات بطيئة و تستغرق وقتا طويلا يجعل من البناء الذي يتم مخالفة للقانون في هذه الحالة أمرا واقعا لاسيما و أن تجريد العضو المخل بالتزاماته بعضو آخر لا تكون إلا بعد أن يصير الحكم نهائيا حسب المادة 09 من المرسوم 90/51 بالإضافة إلى أن عدم استخلاف العضو المجرد من حقه من قبل الأعضاء الباقين في مهلة ثلاثة (03) أشهر يؤدي إلى حل المستثمرة بقوة القانون ما لم تستخدم الدولة حقها الشفعة و هذا بمقتضى المواد 24 و 39 من القانون 87/19 و بمقتضى أحكام المرسوم 89/51.
و هذا في نظرنا قصور في النص في حد ذاته ذلك أن رفع دعوى لضمان استمرار المستثمرة من قبل أعضائها ضد الشريك الذي أخل بالتزاماته قد يؤدي إلى نتيجة عكسية و هذا بحل المستثمرة إذا لم يتفق الشركاء الباقون على شريك جديد أو لم تتدخل الدولة لتستعمل حق الشفعة.
و بمناسبة الحديث عن حق الدولة في الشفعة، نقول أن المادة 48 في قانون التوجيه العقاري قد اعتبرت أن عدم استغلال الأراضي الفلاحية يشكل تعسفا في استعمال الحق، نظار للأهمية الاقتصادية والوظيفة الاجتماعية المنوطة بهذه الأراضي و بالتالي فقد أضحى استغلال الأرض الفلاحية في النطاق المحدد لها التزاما قانونيا و يمثل في نفس الوقت قيد ا على ممارسة حق الملكية العقارية . و يشكل المفهوم الجديد التي جاءت به المادة 48 من قانون التوجيه العقاري مفهوما مغايرا لنظرية التعسف في استعمال الحق المنصوص عليها في المادة 124 مكرر مدني يمكن أن نرجع أساسها و ركيزتها إلى الحالات التي ذكرتها المادة 124 مكرر مدني حيث تكون الغاية أساسا الإضرار بالغير و الحصول على فائدة غير مشروعة و أن يكون المالك يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنظر للضرر الذي يسبه للغير، و هذا الموقف أملته الوظيفة الاجتماعية للأراضي الفلاحية .
فإذا ثبت عدم استثمار أرض فلاحية ينذر المستثمر ليستأنف استغلاله خلال مدة ستة (06) أشهر، فإذا بقيت الأرض غير مستثمرة لدى انتهاء أجل جديد مدته سنة (01) واحدة يمنح من طرف لجنة إثبات عدم استغلال الأراضي الفلاحية المشكلة طبقا للمرسوم 97/484 المؤرخ في 15/12/1997 فإنها تقوم بإبلاغ الديوان الوطني للأراضي الفلاحية بغرض تطبيق التدابير المقررة في المادة 51 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 مع مراعاة أحكام المادة السابعة (07) من المرسوم 97/484 في حالة بقاء الأرض بدون استغلال من جديد.
و قد ذهب المشرع أبعد من ذلك عندما ألزم المالك الجديد للعقار الفلاحي طبقا للمادة 55 من قانون التوجيه العقاري 90/25 بعدم الأضرار بقابلية الأرض للاستثمار و عدم تغيير وجهتها الفلاحية و كذا عدم تجزئتها بحيث تتعارض مع المقاييس المحددة للمساحة المرجعية الدنيا طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 97/490 المؤرخ في 20/12/1997 الذي يحدد شروط تجزئة الأراضي الفلاحية، و بهذا فإنه يكون على المالك الجديد للعقار الفلاحي أن يلتزم باستغلال ملكيته في النشاط الفلاحي و هذا يعتبر في حد ذاته ركنا جديدا يضاف إلى الأركان العامة المعروفة للعقد من تراضي و محل و سبب و شكل .
كل هذه الإجراءات التي تعرضنا لها تبدو جيدة و إيجابية غير أن المشكل يكمن في أن إنشاء لجنة إثبات عدم الاستغلال للأراضي الفلاحية و كذا الديوان الوطني للأراضي الفلاحية تأخر رغم النص عليها قانونا و بقيت هذه الآلية نظرية و استمر هذا الفراغ مع ما يمكن أن نتصوره خلال هذه الفترة من تنامي لظاهرة تحويل الأراضي الفلاحية عن مقصدها إلى غاية صدور التعليمة الوزارية المشتركة رقم 07 المؤرخة في 15/07/2000 عن وزيري الفلاحة و المالية التي ضبطت كيفية ممارسة الدولة لحق الشفعة في الأراضي الفلاحية حيث ألزمت الموثقين قبل تحرير عقد التنازل عن حق الانتفاع الدائم في مستثمرة فلاحية بإبلاغ مدير أملاك الدولة للولاية لتمكينه من ممارسة حق الشفعة لفائدة الدولة، و منحت لها الأخير مهلة شهر (01) يسري ابتداءا من تاريخ استلامه التبليغ من الموثق لممارسة حق الشفعة أو السماح بالتنازل.
المشكل الآخر يكمن في أن القانون 87/19 المؤرخ في 08/12/1987 قد أغفل الحديث عن الأرض التي تفقد طابعها الفلاحي بفعل أدوات التعمير، حيث يمكن بموجب المادة 36 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري أن يرخص بتحويل أراضي فلاحية إلى أراضي قابلة للتعمير بعد إتباع الإجراءات القانونية و أكدت التعليمة الرئاسية رقم 05 المؤرخة في 14/03/1995 على هذا و على احترام الإجراءات القانونية بكل صرامة و دقة و تجسيدها ميدانيا هذا الفراغ ترك مجالا للمناورة كذلك و بيع الأراضي الفلاحية التي أعيد تصنيفها بفعل أدوات التعمير إلى أراضي قابلة للتعمير، حيث استغل المستفيدون الفرصة لبيع الأراضي بأثمان باهضة بعد ارتفاع أثمانها بسبب إعادة التصنيف القانونية ، و كل هذا بطبيعة الحال بربطه بموضوعنا و تنامي البناءات القانونية.
و قد تدارك المشرع هذا الفراغ القانوني بموجب المادة 53 من القانون 97/02 المؤرخ في 31/12/1997 المتضمن قانون المالية لسنة 1998 بحيث نصت على إجراءات تمكن الدولة من ممارسة حق استرجاع الأرض مع منح قطعة فلاحية أخرى للمستفيدين أو تعويضهم عن ذلك نقدا، و أعقب ذلك صدور المرسوم التنفيذي 03/313 المؤرخ في 16/09/2003 الذي حدد شروط و كيفيات استرجاع الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية المدمجة في قطاع عمراني .
يشارك كذلك أن تعديل المادة 78 من قانون التوجيه العقاري 90/25 بموجب الأمر رقم 95/26 المؤرخ في 25/12/1995 قد خول لوالي حق إسقاط استفادة كل عضو يخل بإلتزاماته في المستثمرة بناءا على قرار إداري بإلغاء الإستفادة دون اللجوء للقضاء. مع العلم أن هذه المادة المعدلة تطبق في حالة إعادة إدماج المستفيدين غي مستثمرة جديدة بعد ان تم إرجاع الأراضي التي كانت ممنوحة لهم لملاكها الأصلين، غير أن مجلس الدولة في اجتهاداته الأخيرة اعتبر أن هذا الحق مخول للإدارة في سحب قرار الإستفادة و إسقاط العضوية بإرادتها المنفردة إذا لم يتم تحريرالعقد الإداري و إشهاره .
IV- قانـون التهيئـة و التعميـر 90/29 المؤرخ فـي 01/12/1990 :
– جاء القانون 90/29 محاولا سد الثغرات القانونية التي كان يتضمنها القانون 82/02 المؤرخ في 06/02/1982 المتعلق برخصة البناء و رخصة تجزئة الأراضي للبناء، حيث كان هذا الأخير يعتبر سكوت الإدارة عن البث في تسليم رخصة البناء خلال أجل 60 يوما المحددة قانونا يعتبر بمثابة قبول ضمني بمنح الرخصة (المادة 13).
و هكذا فإن الرخصة الضمنية المستخلصة من سكوت الإدارة تنتج نفس الآثار التي تنتجها الرخصة الصريحة، و هذا مما قلل من أهمية الحصول على الرخصة من الناحية الواقعية و أدى للعزوف عن طلبها من قبل المواطنين. بما لهذه الرخصة من أهمية في مراقبة مدى الانسجام مع النسق العمراني في إطار المخطط الوطني للتهيئة و التعمير و على الوجه الجمالي للمناطق الحضرية على العموم، حيث كانت الرخصة و لا تزال وسيلة هامة تمكن الإدارة المختصة بمنحها من بسط الرقابة بشأن الالتزام بقواعد التعمير.
و إذا كان يجب أن يقدم طلب رخصة البناء حسب المادة 34 من المرسوم التنفيذي 91/176 المؤرخ في 28/05/1991،المالك أصلا أو موكله أو المستأجر لديه المرخص له قانونا بذلك مع وجوب إرفاق الطلب بنسخة من عقد الملكية أو شهادة الحيازة، أو التوكيل، أو العقد الإداري الذي قضى بتخصيص الأرض أو النيابة. فإنه في ظل تساهل القانون 82/02 كانت تمنح الرخصة حتى في حال تقديم عقد عرفي .
و على العموم فقد تفادى القانون 90/29 هذا الإشكال حيث نص على وجوب أن يكون القبول أو الرفض في كليهما بطريقة صريحة و بقرار مكتوب يبلغ لصاحب الطلب ضمن الآجال المنصوص عليها في المادة 43 من المرسوم التنفيذي 91/176 المؤرخ في 28/05/1991، و هكذا لم يعد سكوت الإدارة عن الرد على طلب الرخصة بأنه قبول ضمني بل أصبح سكوت الإدارة عن الرد يعتبر رفض لمنح الرخصة يخول لصاحب الطلب حق الطعن في القرار أمام القاصي إداري في إطار دعوى الإلغاء .
الفـرع الثانـي : ضعــف وسائـل الرقـابـة:
– أنشأت مختلف القوانين الصادرة المتصلة بالمجال العمراني عدة أجهزة للرقابة في مجال البناء قصد التحكم في الوعاء العقاري و لتفادي ظاهرة البناءات غير القانونية التي أضحت محط انشغال الدولة منذ الثمانينات. و في هذا الصدد و من أجل المحافظة على الجانب الجمالي و الحضاري و هندستها و توحيد الهندسة العمرانية مع المحيط الاجتماعي والبيئي جاء القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 المتعلق بالتهيئة والتعمير، ثم أعقبته المراسيم التنفيذية المطبقة له 91/175، 91/176، 91/177، 91/178 و يمكن تصنيف هذه الآليات إلى وسائل رقابة قبلية على البناء و وسائل أخرى بعدية.
I – وسائـل الرقـابـة القبليـة:
– هذه الوسائل تمكن الإدارة من ضبط التوجه العام في مجال البناء و التحكم في الوعاء العقاري بشكل عقلاني و تشمل:
1/المخطـط التوجيهـي للتهيئـة و التعميـر PDAU:
– يعتبر المخطط التوجيهي أداة تسيير و تخطيط للعمران حيث تضبط فيه التوجهات الكبرى للسياسة العمرانية و يضبط التوقعات المستقبلية للتعمير في ظل ترشيد استعمال الأراضي و قد نص عليه القانون 90/29 في المواد من 24 إلى 30 فيما تولى المرسوم 91/177 المؤرخ في 08/05/1991 ضبط كيفية إعادة و المصادقة عليه و قد عرف هذا المرسوم تعديلا في 10/09/2005 بالمرسوم التنفيذي 05/317.
و يتعين وجوبا أن يتم تغطية كل بلدية بمخطط توجيهي للتهيئة و التعمير بناءا على مبادرة من رئيس المجلس الشعبي البلدي أو رؤساء المجالس البلدية إذا كل هذا الم
بحث و دراسة عن قوانين العقار و المباني بالقانون الجزائري