دور النظام العام في علاقات الزواج والطلاق الدولية
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك
اعداد : كمال سمية
مقدمة :
قد يحدث غالبا أن يتضمن القانون الأجنبي المحدد بموجب قاعدة تنازع القوانين لدولة القاضي أحكاما مخالفة للتصورات الاجتماعية أو القانونية لدرجة أن يرفض القاضي تطبيقه ، فهو يستبعده لأنه مخالف للنظام العام ، مثلا : لا يستطيع جزائري ابرام عقد زواج ثاني في فرنسا رغم أن قانونه يسمح بذلك.
لقد أخذت معظم التشريعات الوطنية بفكرة النظام العام كأداة لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي المختص ، و قد شبهه البعض بصمام أمان .
هذا المصطلح وجد في العصور الوسطى لكن انتشاره النظري مرّ بعدّة مراحل، فقد أخذ ” القانون الأفضل ” من بين عدّة قوانين متنازعة ، أي القانون الذي يتضمن الحل الأنسب للنزاع المعروض ، و هكذا في القرن ال 12 عندما يتنازع شخصان من أصلين مختلفين كل منهما يتمسك بأعراف مختلفة ، فان القاضي يطبق العرف الذي يبدو له أسمى و المفيد أكثر، و في الحقيقة فان اختيار أفضل القوانين يمكّن من الحصول مباشرة على القانون المطبق بدون الحاجة للرجوع لاستثناء النظام العام، أي أن فكرة النظام العام لم تكن مطروحة.
في القرن ال 14 ، بالرجوع لنظرية الأحوال ، فرق بارتولBartoleبين الأحوال المستهجنة و الأحوال الحسنة ، و ربط قراره بتقدير القيمة الايجابية للأحوال ، حيث يمدد مجال تطبيق حالة يحكم عليها بأنها حسنة ، و يقيد الحالة المستهجنة في حدود اقليمها] ،فلا يمكن أن تطبق خارج حدود المدينة التي وضعتها ، و أعطى مثالا :عدم أهلية النساء لأن ترث ، التي تبقى حبيسة حدود الاقليم و لا تتبع الشخص خارج بلده و المشاكل التي واجهت أنصار النظرية تتمثل في توزيع الأحوال المستهجنة و الأحوال الحسنة ، فالحالة التي تمنع المرأة من الايصاء لزوجها كانت بالنسبة بارتول حالة مستحسنة تطبق خارج اقليمها ، و بالنسبة لبالدBaldeتعتبر حالة مستهجنة تبقى حبيسة اقليمها
في القرن ال 17 ميّز بوييهBouhierالقوانين ” غير المألوفة بالنسبة للقانون العادي” أو ” القوانين غير العادلة بصفة صارخة” ،حيث استبعدها من التطبيق ، لكن الفكرة لم تنتشر لأن التنازع كان بين الأعراف التي تتضمن قواعد متقاربة و كان القانون الروماني هو المصدر المشترك لمختلف الأنظمة القانونية في أوربا المستوحاة من المسيحية. كما قال سافيني Savignyأن القاضي يمتنع عن تطبيق القانون الأجنبي عندما تكون أحكام قانونه “مؤكدة الالزام ” أي حتمية التطبيق
في القرن ال 19، في وقت انفسخت علاقة الوحدة القانونية ، طور مانشيني Manciniفكرة أن بعض قوانين القاضي ،التي تعتبر ضرورية بالنسبة له ،يجب تطبيقها في كل حالة في الاقليم الوطني ، باعتبارها قوانين النظام العام.و هكذا اعتبر النظام العام كعامل ايجابي و مستقل للاسناد، تماما مثل الجنسية ،و إلى جانب فقه مانشيني ، الذي وجد صدى في فرنسا مع بييهPillet، يعتبر النظام العام كاستثناء لقاعدة التنازع يظهر عند استبعاد تطبيق القانون المختص و تعويضه بحكم مستخلص من قانون القاضي. ف مانشيني الذي يقول بمبدأ ” شخصية القوانين ” يورد عليه استثناءا بأن تكون القوانين المتعلقة بالنظام العام اقليمية لأنها ضرورية للمحافظة على الدولة ، و خلافا لذلك يرى بييه أن قوانين النظام العام اقليمية و هذا لايعتبر استثناءا بل القاعدة لأن الغرض منها هو حماية مصالح الجماعة
بارتانBartin في فرنسا و فون بارVon Bar في ألمانيا هما من نظما تصور استثناء النظام العام ، المتبنى حاليا من طرف كل المؤلفين و المكرس في أغلب القوانين الحديثة المتعلقة بالقانون الدولي الخاص و الاتفاقيات الدولية في مجال تنازع القوانين
أخذ استعمال النظام العام في القانون الدولي الخاص توسعا معتبرا تحت تأثير عدّة عوامل ، أوّلا حركة التقنينات التي طبعت خصوصية مختلف التشريعات الوطنية ، و ضاعفت في نفس الوقت غياب تناسق بينها تسبّب في حالات الرفض ، ثم تطور وسائل الاتصالات الذي ساهم في تعزيز العلاقات بين رعايا بلدان مختلفة تمثل ثقافات مختلفة عن دولة القاضي ، فالمحاكم ترفض ، كردّ فعل دفاعي عن نظامها القانوني ، القوانين الأجنبية التي يؤدي تطبيقها لنتائج شاذة ، و أخيرا تضايق القاضي في مواجهة قانون أجنبي ، ممّا يدفعه ، بدون شك ، لأن يرى في النظام العام كوسيلة مناسبة للعودة لتطبيق قانونه ، و بالتالي استعمال النظام العام كحيلة.
و قد نصت أغلب التشريعات على إسناد الحالة الشخصية للأجانب ، خاصّة منها ما يتعلق بالزواج و الطلاق ، إلى القانون الشخصي حسب ضابط الجنسية ، أو ضابط الموطن في الدول الأنجلوسكسونية ، و بالتالي فإن تطبيق القوانين الشخصية على المغتربين ، و التي تمثل ثقافة اجتماعية مختلفة تماما عن موطن الاقامة ، يطرح مشاكل أمام القاضي الذي هو ملزم بتطبيق القانون الأجنبي المعيّن بموجب قاعدة التنازع ، و في نفس الوقت يمس هذا القانون بالمبادئ الأساسية في دولة القاضي ، لكن و وفقا لقاعدة التنازع يتم استبعاد تطبيق القانون الأجنبي . فهناك مؤسسات يعرفها القانون الشخصي للمغتربين التابعين لدول المغرب العربي و منها الجزائر ، باعتبار أنه مستوحى من أحكام الشريعة الاسلامية ، مثل تعدد الزوجات و الطلاق بالارادة المنفردة للزوج ، تعتبر مخالفة و ماسة بالمبادئ التي يقوم عليها المجتمع الغربي مثل فرنسا ، خاصة مبدأ المساواة بين الزوجين المستوحى من اتفاقيات حقوق الانسان المصادق عليها من طرف أغلب الدول سواء الاسلامية أو غيرها.و بالتالي فانه يمكن الحديث اليوم عن تنازع الحضارات و الثقافات و ليس فقط تنازع القوانين.
و الاشكال المطروح هو كيف يتم التوفيق بين أحكام آمرة و متناقضة ، فمن جهة ضرورة احترام الأحكام الأجنبية للدول فيما يتعلق بقانون الأسرة الواجبة التطبيق على رعاياها المقيمين بالخارج ، حيث تعتبر القوانين المنظمة للحالةالشخصية آمرة أي متعلقة بالنظام العام ، و من جهة أخرى لابد من احترام المبادئ الأساسية التي يقوم عليها مجتمع دولة القاضي ، و حمايتها يكون باستبعاد تطبيق القانون الأجنبي بسبب النظام العام ، لأن تطبيقها يؤدي إلى نتائج غير مقبولة ، و إحلال قانون القاضي محلّه ، و هو ما كرسه القضاء الفرنسي في اجتهاداته حيث استبعد تطبيق القانون الأجنبي بسبب النظام العام الدولي .
كل المحاولات لتعريف النظام العام باءت بالفشل ، يتعلق الأمر بالمسائل الأساسية التي يخل بها تطبيق حل على النزاع المعروض ، لدرجة أن القاضي لا يجرأ على تطبيقه ، حتى باسم قاعدة التنازع التي تمنح الاختصاص للقانون الأجنب، و يتفق أغلب الفقهاء على أن النظام العام ضد أن يكون محصورا في حدود ( دائرة ) معينة ، و قد حاول البعض تعريفه عن طريق تقريبه من مفاهيم معروفة و مشابهة له مثل النظام العام في القانون الداخلي ، القوانين ذات التطبيق الفوري أو المباشر ، ممّا يعني خصوصية النظام العام في القانون الدولي الخاص ، كما يفضل البعض تسميته في حين يتحدث البعض عن النظام العام الدولي، و إذا كان من الضروري أن القوانين المتعلقة بالنظام العام في القانون الداخلي لا تعتبر من النظام العام في القانون الدولي الخاص ، و العكس غير صحيح ، فقد يكون حكم غير آمر ( مكمل ) من النظام العام في القانون الدولي الخاص. لكن الفقه و القضاء يتفقون على أن النظام العام يعتبر كمصحح استثنائي يستجيب لضرورة ، فالمشرع لا يستطيع إعطاء توقيعه على بياض لمجموعة من المشرعين عبر العالم ، مهما كانت درجة تطورهم حضاريا و ثقافيا ، و لتجنب ما يسمى ” قفز إلى المجهول ” يجب الاحتفاظ للقاضي بامكانية استبعاد تطبيق قانون يكون مضمونه غير مقبول ، و من الأفضل استعمال النظام العام بحذر
و حتى يستبعد القاضي القانون الأجنبي باسم النظام العام ، عليه أن يقوم بفحص مطابقته مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها مجتمعه ( المبحث الأول )حتى يقرر إحلال قانونه محله ( المبحث الثاني ) .
المبحث الأول : استبعاد تطبيق القانون الأجنبي المختص
إن الدور الأساسي للنظام العام في القانون الدولي الخاص هو استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الواجب التطبيق و هذا ما يعرف بالأثر السلب للنظام العام
و من البديهي أن يفحص القاضي القانون الأجنبي قبل استبعاده ، و هذا الفحص ضروري من الناحية النظرية و التطبيقية ، فمن الناحية التطبيقية من أجل تحديد مجال النظام العام ، و من الناحية النظرية اعتباره كمصحح ، حتى لا ننطلق من أن أي حكم في قانون القاضي متعلق بالنظام العام الدولي و نجعله بالتالي سابقا على تطبيق القانون الأجنبي.
و ضرورة تحديد مفهوم القانون الأجنبي ( المطلب الأول ) يساعد في تحديد مجال النظام العام ( المطلب الثاني ) .
المطلب الأول : المقصود بالقانون الأجنبي
المقصود بالقانون الأجنبيبالمفهوم الواسع ، من وجهة النظام العام ، ليس فقط النصوص التشريعية بما فيهاالدستورو المعاهدات الدولية المصادق عليها ، و لكن حتى الأحكام و القرارات الأجنبية ، حيث يعتبر شرط مطابقتها للنظام العام من أجل الاعتراف بها و تنفيذها، لأنها اتخذت تطبيقا لقانون أجنبي، و من وجهة القانون الدولي الخاص بصفة عامة ، يعني القانون الوضعي للنظام القانوني المحدد بموجب قواعد القانون الدولي الخاص لدولة القاضي
و الزواج و الطلاق باعتبارهما منظمان بموجب أحكام قانون الأسرة الجزائري و الذي تعتبر الشريعة الاسلامية مصدرا له ، يطبق على كافة الجزائريين و لو كانوا مقيمين بالخارج ، يعتبر قانونا وضعيا يطبق عليه مبدأ تدرج القوانين .
فدستور 1996 الذي يعتبر أسمى القوانين في الدولة تضمن أحكاما تتعلق بالأسرة من بينها الاستفادة بحماية الدولة و المجتمع ( المادة 58 ) ، كما تضمن مبادئ أساسية تتعلق بالشخص مثل مبدأ المساواة أمام القانون بدون تمييز بسبب المولد أو العرق أوالجنس أو أي ظرف شخصي أو اجتماعي ( المادة 29) ، ضمان عدم انتهاك حرمة الانسان ( المادة 34 ) كما يتمتع الأجانب الموجودين بصفة قانونية بحماية شخصهم طبقا للقانون ( المادة 67 )، كما نصت المادة 3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية لسنة 1986 على أن” تتعهد الدول بضمان المساواة بين الذكورو الإناث” ، و كذا تقضي المادة 16/ج من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979 ” بأن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج و العلاقات الأسرية ، و بوجه خاص تضمن على أساس تساوي الرجل و المرأة نفس الحقوق و المسؤوليات أثناء الزواج و عند فسخه “
و قانون الأسرة و الشريعة الاسلامية قد تضمنا مجموعة من الأحكام المتعلقة بابرام الزواج و انحلاله ، منها مبدأ حرية الاختيار المخول لكل من المرأة و الرجل ،الحقوق الزوجية المشتركة ، الحقوق المعترف بها للزوجة الأم الحاضنة…
و قانون الأسرة الذي يتضمن مبادئ منها ما هو ثابت و منها ما هو متغير ، فالثابت أن الشريعة الاسلامية شرعت ارتباط الرجل بالمرأة بهدف تكوين الأسرة و الاشتراك و التعاون على تربية الأولاد و ليس المقصود من الزواج مجرد الاستمتاع ، و ممّا أورد رجال الفقه الإسلامي أن حكم الزواج يختلف بحسب حال الشخص ، فيكون مفروضا و يأثم تاركه متى كان لايصبر عن النساء و كان قادرا على تحمّل تبعات الزواج المادية ، و يكون سنّة متى كان الزواج و عدمه متساويا و كان الشخص مقتدرا ، و يكون مكرها إذا كان يخشى الشخص من نفسه و الجور بمن تزوج بها ، و يكون محرما عليه الزواج الشخص الموقن بأنه سيظلم بمن تزوج و بالتالي فان الزواج لا يعتبر قاعدة آمرة أي متعلقة بالنظام العام في كل الحالات ، و بالتالي تكرس حرية الزواج في هذه الحالة .
و الزواج حسب ما نصّ عليه قانون الأسرة الجزائري عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي ، من أهدافه ، تكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و التعاون و إحصان الزوجين و المحافظة على الأنساب ( المادة الرابعة) ؛ و باعتباره فكرة اجتماعية تختلف من مجتمع لآخر ، يتميّز في الدول الاسلامية بكونه رابطة يمكن أن تتعدّد ، و أن تنحل بارادة الزوج المنفردة ، لكن في الدول الغربية يقوم على وحدة الزوجة و غير قابل للانحلال؛ فالزواج يكشف عن تميّز و خصوصية التشريعات الوطنية بصفة واضحة باعتبار أنه مرتبط بنواحي أساسية لتنظيم المجتمع ، حيث أن نظامه القانوني يتأثر بالتصورات الاجتماعية ، الفلسفية و الدينية التي تشكل حضارة ، و هكذا تختلف شروط إبرامه و آثاره من دولة لأخرى.
ففي القانون الجزائري يعتبر التعدّد المنصوص عليه في المادة الثامنة من قانون الأسرة من المسائل المثيرة للجدل ، و يظهر من مضمونها أن المشرع لم يفرض التعدد ، تطبيقا للشريعة الاسلامية ، بل أبقاه لدواعي اجتماعية، و جعله رخصة في حدود الشريعة الاسلامية متى وجد المبرر الشرعي و توفرت شروط و نيّة العدل ، و إذا ما رغب الزوج في إبرام عقد زواج ثاني فيجب عليه إخبار الزوجتين السابقة و اللاحقة و أن يطلب الترخيص من رئيس المحكمة … ( المادة 8 ) ، و إذا كان من نتائج جعل العصمة بيد الزوج منحه الحق في الطلاق بارادته النفردة ( المادة 48 ) إلاّ أنه أخضه لاشراف القاضي الذي يجري محاولة الصلح ، و إذا ما تبيّن له تعسف الزوج يحكم عليه بتعويض يمنح للزوجة ( المادة 52). بينما القانون الفرنسي الذي يعتبر الزواج عقدا رسميا بين رجل و امرأة ، لا يعترف إلاّ بالزواج المدني و الزواج الواحد ، و إن كان يحرّم التعدّد فإنه يتغاضى عن علاقات أخرى مثل المعاشرة (concubinages ) أو الاتحاد الحر (union libre ) و بقي ينظر إليها بعين الكراهية.
إن الاختلاف بين التشريعات يظهر مع تنقل الأشخاص ، فالزواج المختلط أو زواج الأجانب ، أو الزواج المبرم بين وطنيين و المراد الاعتراف به و الاحتجاج به في دولة القاضي هي مسائل متداولة ، و بسبب تأثيره على الحق في الإقامة أو اكتساب الجنسية أصبح وسيلة في يد الأشخاص باللجوء لطرق احتيالية على قواعد هجرة الأجانب ، مثل ظاهرة الزواج الأبيض
و يخضع الزواج لمجموعة من القواعد تعتبر لصيقة بالشخص ، وهذا ما يؤدي إلى تطبيق قوانين أجنبية محددة بموجب قواعد التنازع ، و هذا ما تضمنته المادة 11 من القانون المدني الجزائري بقولها : ” يسري على الشروط الموضوعية الخاصة بصحة الزواج القانون الوطني لكل من الزوجين” ، أي قانون جنسية الزوجين الذي يعتد به وقت إبرام عقد الزواج ، بحيث لا يتأثر إذا ما تغيرت جنسية أحد الزوجين أو كليهما ، و في حالة الزواج المختلط ، الراجح فقها بالتطبيق الموزع لقانوني الطرفين أي أن يطبق على الزوج قانونه و على الزوجة قانونها ، فيما يتعلق بسن الزواج و توفر الرضا ، على أن القائلين به ( التطبيق الموزع ) لا يطلقون رأيهم ، ذلك أن من الشروط الموضوعية ما يتعين بشأنه التطبيق الجامع ، فموانع الزواج مثل القرابة و العدة و المانع الديني تسري على الطرفين و لو كان المانع قائما في أحدهما لأن الهدف هو حماية المصالح الاجتماعية و في هذا الصدد تنص المادة 31 من قانون الأسرة الجزائري على المحرمات من النساء و كذا تحرم المسلمة من الزواج من غير المسلم مادام على دينه .
أمّا بالنسبة للطلاق ، فهو الذي ينهي الزواج ، و الانفصال الجسماني هو الذي يفرق بين الزوجين دون إنهاء الرابطة الزوجية ، و في مجال القانون الدولي الخاص أي عند حدوث منازعة دولية قد تطرح عدّة مشاكل تخص الطابع الدولي للرابطة الزوجية سواء عند رفع الدعوى أو عند تنفيذ حكم أجنبي.
و تنص المادة 12 من القانون المدني الجزائري على أن :” يسري على انحلال الزواج و الانفصال الجسماني القانون الوطني الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفع الدعوى” ، و الملاحظ أن صياغة المادة بعد تعديلها تضمنت عبارة ” الانفصال الجسماني ” و هو ما يتناسب مع قواعد التنازع في حدّ ذاتها ، بالرغم من أن القانون الجزائري لا يعرفه ، إلاّ أنه في إطار العلاقات الدولية الأسرية قد يكون القانون الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفع الدعوى يعرف هذا النظام ، أمّا انحلال الزواج فيكون إمّا بالطلاق بارادة الزوج المنفردة أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة ( التطليق أو الخلع ) ، أما في القانون الفرنسي فلا يتم الطلاق إلاّ بتراضي الزوجين المشترك أو بإنهاء الحياة المشتركة ( الانفصال الجسماني ) .
و اختصاص قانون الزوج وحده حسب القانون الجزائري يتحدّد بوقت رفع دعوى طلب فك الرابطة الزوجية ، سواء احتفظ بجنسيته عند ابرام الزواج أو غيّرها بعد ذلك ، و سواء أكانت هي نفسها جنسية الزوجة أو لا ، بينما في القانون الفرنسي فيكون هو المختص إذا كان أحد الزوجين من جنسية فرنسية ، أو عندما يكون كلاهما متوطنا في فرنسا .
المطلب الثاني : نسبية النظام العام
إن اختلاف المبادئ الأساسية بما فيها السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي يقوم عليها كل مجتمع و بالتالي اختلاف التشريعات الوطنية يؤدي حتما إلى إختلاف في النظام العام ، هذا الاختلاف يجعل النظام العام يتميز بالنسبية ، فما يعتبر من النظام العام في دولة القاضي لا يعتبر كذلك في الدول الأخرى.
و النظام العام لدولة القاضي هو المعيار و الكاشف لمدى اعتبار القانون الأجنبي غير مقبول و غير مطابق و بالتالي يتم استبعاده ، و حتى في حالة غياب تعريف للنظام العام ، تمّ اقتراح معايير تتناسب مع النزاع الدولي الخاص ، من بينها اعتبارات القانون الطبيعي ، حيث يرى أحد الفقهاء أن أول مهمة للنظام العام هي الدفاع عن ” مبادئ القانون الطبيعي “
فالنظام العام في الشريعة الاسلامية باعتبارها المصدر الأصلي لقانون الأسرة الجزائري يقوم على الدليل الشرعي بنص قطعي الثبوت و الدلالة كالقرآن و السنة و الاجماع ، و مفهومه ينصرف فقط إلى المسلمين دون غيرهم ، فحرية الديانة مكفولة في الشريعة الاسلامية و كفالتها تعتبر من النظام العام ، و للشخص أن يغيّر دينه بشرط أن يكون هذا التغيير إلى الإسلام ، و يترتب على هذا التغيير آثارا من حيث تحديد القانون الواجب التطبيقعلى حالته الشخصية ، لكن الديانة لاتعتبر ضابط إسناد مثل الجنسية و الموطن ، و في هذه الحالة يظل الفرنسي الذي أسلم خاضعا للقانون الفرنسي.
و بالتالي يمكن اعتبار المادة 31 من قانون الأسرة التي تحرم زواج المسلمة من غير المسلم متعلقة بالنظام العام ، وهذا ما كرسه المجلس الأعلى في القرار الصادر بتاريخ 6/2/1982 بقوله : ” حيث أنه مع افتراض وجود هذا الزواج فإن عقده سواء كان عرفيا أو رسميا يقع باطلا عملا بما هو مقرر شرعا من أنه يشترط لصحة الزواج ألاّ تكون المرأة محرمة على الرجل تحريما مؤبدا أو مؤقتا و منها زواج المسلمة بغير المسلم و بالتالي إذا حدث فإن القاضي ملزم بالتفريق بينهما “؛ لكن هذا الحكم يعتبر مخالفا للنظام العام في دولة القاضي غير المسلم على أساس التمييز الديني ، فالفقه الفرنسي يرفض تطبيق القوانين الأجنبية التي تعرف موانع للزواج مبنية على تمييز عرقي أو ديني لأنها مخالفة للحرية الشخصيةو مخالف كذلك لاتفاقية حقوق الإنسان التي تقضي بالمساواة دون تمييز على أساس ديني أو عرقي .
من المسائل المتعلقة بالنظام العام في مجال الزواج تلك الخاصة بسن الزواج الذي يجب ألاّ يكون أقل من 19 سنة ، إلاّ إذا أجازه القاضي لمصلحة أو ضرورة ( المادة 7 من قانون الأسرة ) ، الرضا الذي يعتبر ركنا أساسيا إذا اختل يبطل الزواج ( المادتين 9 ،13 و 33 ) و بالتالي إذا كان القانون الأجنبي يجيز الزواج لأقل من 19 سنة أو يجبر المرأة على الزواج دون رضاها (الاكراه أو التدليس ) ، يكون مخالفا للنظام العام الجزائري ، و يرفض ضابط الحالة المدنية تحريره . كذلك يدخل في إطار النظام العام في قانون الأسرة الجزائري ، عند إبرام عقد الزواج ، موانع الزواج المؤقتة و المؤبدة ، حيث تنص المادة 30 على أن يحرم من النساء مؤقتا : المحصنة ، المعتدة من طلاق أو وفاة ، المطلقة ثلاثا ، الجمع بين الأختين أو بين المرأة و عمتها أو خالتها ؛ و بالتالي يمنع على المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها الزواج حتى تكمل العدّة ، و على الأجنبية التي ترغب في إبرام زواجها مع جزائري في الجزائر أن تحترم هذه الأحكام حتى و لو كان قانونها الوطني يسمح بزواجها فورا ، لأن الأحكام المتعلقة بالموانع تطبق تطبيقا جامعا ، كما تنص المواد 24 ،25 ،26 و
27 على موانع الزواج المؤبدة ، و بالتالي يكون الزواج المبرم في الجزائر بين الأصول و الفروع أو بين الأخ و أخته ، بين العم أو الخال و ابنة الأخ أو ابنة الأخت ، بين الخالة أو العمة و ابن الأخ أو ابن الأخت باطلا حتى و لو كان القانون الوطني للأطراف يسمح بذلك . كما يدخل في إطار النظام العام المادة 7 مكرر التي تلزم طالبي الزواج تقديم وثيقة طبية تثبت خلوهما من أي مرض يشكل خطرا على صحة الزوج الآخر و الأبناء .
و هكذا يمكن القول أنه عند إبرام عقد زواج مختلط في الجزائر أحد أطرافه جزائري ، فيمكن التمييز بين ماإذا كان القانون الوطني للزوج الآخر متحررا أو متشددّا بالنسبة للقانون الجزائري ، فإذا كان متحررا و أحكامه مخالفة للنظام العام الجزائري ، يستبعد من التطبيق ، أمّا إذا كان متشددّا و بالتالي لا تمس أحكامه بالنظام العام فيكون واجب التطبيق . مع أن المادة 13 من القانون المدني تنص على أن : “يسري القانون الجزائري وحده إذا كان أحد الزوجين جزائريا إلاّ فيما يتعلق بأهلية الزواج ” لكن القانون الجزائري يكون كذلك واجب التطبيق فيما يتعلق بالموانع .
و إذا كان الزواج عقد يبرم بين شخصين من جنسين مختلفين ، فإن إبرامه من طرف شخصين من نفس الجنس يعدّ مخالفا للنظام العام ، فالقانون الفرنسي يعرّف هذا النوع من العلاقة خارج إطار الزواج بالميثاق المدني للتضامنPacte civil de solidarité – PACS- ، و هو عقد مبرم بين شخصينبالغين من جنسين مختلفين أو من جنس واحد لتنظيم حياتهم المشتركة ، و قد قرر المجلس الدستوري أن ” الحياة المشتركة ” لا تعني فقط المصالح المشتركة و إنما ” حياة زوجية ” حقيقية (vie de couple ) و هذا ما يجعله يكيّف ضمن الحالة الشخصية ؛و بالتالي يطبق عليه القانون الشخصي ، و إذا كان العقد بين شخصين أحدهما فرنسي و الآخر من جنسية مختلفة ، أو بين شخصين لا يعرف قانونهما الشخصي ( الوطني ) هذا النوع من العلاقات خارج إطار الزواج فلا يبرم العقد ، لكن الحل الأقرب الذي يتبناه القاضي الفرنسي هو تطبيق قانون الموطن المشترك أو محل الاقامة العادية المشترك إذا كان القانون الأجنبي يجهل العلاقة أو يمنعها يستبعد بسبب مخالفته للتصورات الأساسية ، و هذا الحل غير مؤكد إذ أن القاضي يطبق القانون الفرنسي إذا كان القانون الوطني لأحد الشريكين لا يعرف هذه العلاقة أو يمنعها ، و المشكل الذي قد يطرح هو في حالة إبرام عقد زواج عادي و يغيّر أحد الزوجين ( غالبا الزوج ) جنسه ، فحسب قانون الأسرة يبطل الزواج إذا اشتمل على مانع يتنافى و مقتضيات العقد ( المادة 32) ، حيث تعتبر مخالفة للنظام العام العلاقات التي تتم بين الأجانب في الجزائر خارج إطار الزواج مثل المعاشرة و الزواج اللواطي ، و في هذه الحالة يمتنع القاضي الجزائري من تطبيق القانون الشخصي المختص وفقا للمادة 24/1 من القانون المدني الجزائري التي تنص على :” لا يجوز تطبيق القانون الأجنبي إذا كان مخالفا للنظام العام أو الآداب في الجزائر ” .
إن تدخل النظام العام في القانون الفرنسي عند تطبيق قانون أجنبي قي مسألة الزواج يكون في عدّة حالات ، فباسم مبدأ وحدة الزوجة الذي يستند عليه تنظيم الأسرة في المجتمع الفرنسي ، يكون تعدّد الزوجات مخالفا للنظام العام و من المسائل المخلة بمبدأ المساواة بين المرأة و الرجل ، هذا المبدأ المستخلص من اتفاقيات حقوق الإنسان ، و بالتالي يمنع على الجزائري المتزوج و القاطن بفرنسا من إبرام عقد زواج ثاني في فرنسا حتى و لو كان قانونه الوطني و قانون الزوجة اللاحقة يسمح بذلك ، و يعتبره القضاء الفرنسي مخالفا للنظام العام الدولي ، و هذا الحل مقرر من طرف أغلب الفقه الفرنسي ، و يكون رفض تطبيق قانون أجنبي يكرس التعدد مستندا على مبادئ القانون الطبيعي لأنه يؤكد المساواة بين الرجل و المرأة و التعدد لا يقدر احترام الانسان و هذا يفرض مفهوما للمساواة بين الجنسين ، كما قد يؤثر التعدد على تربية الأطفال كثيري العدد ، و بالتالي قد يطرح مشكل المصلحة العامة في المجتمع ، رغم أن البعض يعتبر أن الزواج الثاني المقبول من طرف الحالة الشخصية لكلا الزوجين يمكن إبرامه في فرنسا على الأقل أمام السلطات الدبلوماسية أو القنصلية لبلدهم المشترك
يمكن القول أنه في علاقة الزواج الدولية تتميّز بكون أحكامها آمرة و مستخلصة من التصورات الأخلاقية و الاجتماعية و الدينية ، و حتى الإنسانية ، ممّا يصّعب من تحديد إطار النظام العام و مايعتبر من النظام العام الدولي ؛ فالنظام العام يفترض غياب التناسق القانوني بين القانون الأجنبي الواجب التطبيق و قانون القاضي و هوالذي يبرر تدخله ، كما إن الإختلاف الناتج عن تباين الأسس الإجتماعية و الأخلاقية التي يقوم عليها كلّ مجتمع من شأنه أن يحرك فكرة النظام العام لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي المختص .و من الأمثلة التي يوردها الفقه عند تطبيق استثناء النظام العام و التي تخص القوانين الأجنبية التي تجيز تزويج القاصرات من طرف الآباء دون رضاهن ، الاخلال بحق الدفاع ، … ، و في هذه الحالات هناك إنكار أو عدم الاعتراف بالشخصية الإنسانية ممّا يستدعي ضرورة تكريس العدالةمستخلصة من مبادئ القانون الطبيعي .
و قاعدة التنازع الخاصة بتحديد القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بالطلاق ( المادة 12/2 ) في حدّ ذاتها تشكل تمييزا بين الرجل و المرأة ، و عدم المساواة تكون كذلك عند منح الاختصاص لتطبيق قانون الزوج فيما يتعلق بالآثار الشخصية و المالية للزواج ، فإذا كانت الشروط الموضوعية للزواج تنظم بموجب القانون الوطني للزوجين ، و هذه القاعدة تكرس المساواة بين الزوجين ، فلم لا تخضع آثار الزواج للقانون المشترك للزوجين أو لقانون الموطن المشترك.
ذلك أن نتيجة تطبيق قانون الزوج فيما يتعلق بانحلال الزواج قد تمس بمركز الزوجة الأجنبية غير المسلمة المتزوجة بمسلم ، حتى و لو كان غير جزائري لأنها ستخضع للشريعة الاسلامية ، و أكثر من ذلك قد تكون ضحية إعتناق زوجها الإسلام بطريقة احتيالية للتهرب من تطبيق قانونه الوطني ، خاصة إذا كان يتعارض مع النظام العام لدولة القاضي ، و الاستفادة من امتيازات القانون الاسلامي ، في هذه الحالة تعوّض الجنسية بالديانة كضابط إسناد .
و المشكل الذي تطرحه المادة 13 عندما تمنح الاختصاص للقانون الجزائري وحده إذا كان أحد الزوجين جزائريا حتى ولو كان يحمل جنسية أخرى لدولة لا تعترف بالطلاق بالارادة المنفردة ، حالة متعددي الجنسية الجزائريين الفرنسيين ، فتطبق عليهم قواعد الشريعة الاسلامية حتى و لو كانوا يجهلون الاسلام تماما ، و قد يلجأ الزوج الجزائري الفرنسي للمحاكم الجزائرية ويرفع دعوى طلاق بإرادته المنفردة و يحتج بهذا الحكم في مواجهة زوجته المتواجدة في فرنسا ، فهنا يكون الزوج قد احتال على القانون بحيث أنه رفع دعوى أمام محاكم بلده التي تعتبر مختصة وفقا لقواعد قانون الإجراءات المدنية ( المادتين 10 و 11 ) من أجل الحصول على حكم لصالحه، لكن هذا الحكم يعتبر مخالفا للنظام العام في فرنسا إذا لم يحترم قواعد الدفاع ، و هذا الأمر يحدث غالبا من طرف المغاربة بصفة عامة المتواجدين في فرنسا.
و هكذا فإن انفراد قانون الزوج بالتطبيق على انحلال الزواج وقت الطلاق لا يخلو من النقد ، خاصة فيما يتعلق بمركز الزوجة إذا غيّر الزوج جنسيته و لم تدخل هي في جنسيته ، و كان قانون الزوج وقت الزواج لا يعترف بالطلاق بالارادة المنفردة للزوج ، و قانونه وقت رفع الدعوى يعترف له بذلك.
و بصفة عامة القانون الأجنبي الذي يميّز بين الزوجين في طلب الطلاق و فيما يتعلق بآثاره يكون مخالفا للنظام العام ، و كذلك القانون الذي لا يمنح للزوجة الأولى الحق في طلب الطلاق بعد إبرام الزواج الثاني ، و يستبعد من التطبيق باسم النظام العام القانون الذي لا يقرر منح تعويض للزوجة المطلقة ، و كذلك القانون الذي يمنع الطلاق.
و فيما يتعلق بالاعتراف بالأحكام الأجنبية فقد تطور موقف الاجتهاد القضائي الفرنسي فيما يخص الاعتراف بالطلاق الاسلامي ( الطلاق بالارادة المنفردة للزوج ) فبعد أن كان يعترف به تراجع عن موقفه و ذلك أمام ازدياد الظاهرة من طرف المغتربين ، حيث أنه في حالة نزاع بين زوجين مغاربيين يعود الزوج لبلده الأصلي ليرفع دعوى طلاق بارادته المنفردة و يحتج بالحكم أمام المحاكم الفرنسية ؛ فالتقاء النظام القانوني الفرنسي مع ظاهرة الهجرة أبرز مشكل عدم التناسق بين نظامين مختلفين الناتج عن اختلاف الثقافات ، و أصبح الطلاق الاسلامي حقلا لهذا التنازع ، و محلا للنقد خاصة مع ولوج الايديولوجية الأوربية لحقوق الإنسان في القانون الدولي الخاص الفرنسي ، حيث أن الطلاق يطرح مشكل عدم المساواة بين المرأة و الرجل
؛ فعند الاحتجاج بحكم الطلاق الصادر من طرف السلطات القضائية الأجنبية ؛ فالقوانين الأجنبية التي تعرف الحالات التي يقرها القانون الفرنسي لا تكون مخالفة للنظام العام الفرنسي ، و بمفهوم المخالفة القوانين التي تجيز الطلاق بالارادة المنفردة للزوج تستدعي تدخل النظام العام
فالطلاق باعتباره صادر عن الزوج صاحب العصمة بصفة منفردة و تقديرية يعبر عن الطبيعة الخاصة لحقه في الطلاق بحيث يمكن له أن ينهي الرابطة الزوجية بارادته ، و هذا ما قد يتعارض مع الحقوق الأساسية و ما يجعل النظام العام قاسيا في مواجهة الطلاق الأجنبي ، حيث تصر محكمة النقض الفرنسية على مطابقة الطلاق الاسلامي للمادة 5 من البروتوكول الاضافي رقم 7 المتعلق بالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان و الخاصة بالمساواة بين الزوجين خلال الزواج و عند إنحلاله ، و في قرارها الصادر في 17 فيفري 2004 قررت أنه ” حتى و لو كان الحكم الأجنبي صادر من سلطة مختصة ووفقا لإجراءات قانونية و تكريسا لمبدأ ااحضور و المواجهة ، فإن الحكم الجزائري الذي قرر الطلاق بالارادة المنفردة للزوج بدون ترتيب أي أثر قانوني على معارضة الزوجة ، بحيث لم يكن للسلطة القضائية المختصة إلاّ منح التعويضات المالية الناتجة عن فك الرابطة الزوجية ، يعتبر مخالفا لمبدأ المساواة بين الزوجين المقرر في المادة 5 من البروتوكول رقم 7 الصادر في 22 نوفمبر 1984 الاضافي للاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ، و التي تلتزم فرنسا بضمانه لكل شخص يلجأ لقضائها ، و بالتالي مخالف للنظام العام الدولي المتحفظ عليه في الاتفاقية الثنائية الفرنسية الجزائرية الموقعة في 27 أوت 1964 متى كان الزوجين أو الزوجة مقيمان في فرنسا “
كما أن رفض تنفيذ القرارات الأجنبية يستند إلى المادة الأولى / د من الاتفاقية المتعلقة بتنفيذ الأحكام و تسليم المجرمين المبرمة بين الجزائر و فرنسا ، التي تنص على أن :” القرارات الصادرة حسب الاختصاص القضائي في الأمور المدنية و التجارية عن المحاكم المنعقدة في الجزائر أو فرنسا تحوز جكما قوة القضية المقضية في بلد الدولة الأخرى إذا توفرت فيها جملة من الشروط ، من بينها : أن لا يتضمن القرار ما يخالف النظام العام الخاص بالدولة المنابةلتنفبذ القرار أو لمبادئ الحقوق العمومية.
و يتدخل النظام العام الجزائري في مسألة الطلاق ليستبعد القانون الأجنبي الواجب التطبيق إذا قضى بحرمان الزوج المسلم من حق الطلاق ، على أساس أن تمتع المسلم بالحقوق التي تخولها إياه الشريعة الإسلامية يتعلق بالنظام العام ، حيث تكون نتيجة عدم المطابقة استبعاد تطبيق القانون الأجنبي وهذا وفقا لما تنص عليه المادة 24/1 من القانون المدني الجزائري .
الأثر المخفف للنظام العام :
لقد ساهم الاجتهاد القضائي في إعطاء تصور لنسبية النظام العام الدولي بما يسمى بالأثر المخفف للنظام العام ، و ذلك أن النظام العام في فرنسا لايستطيع معارضة آثار وضعيات نشأت في الخارج ، حيث فرق بين الحقوق الناشئة في فرنسا و بين التمسك في فرنسا بحق اكتسب في الخارج ؛ ظهرت هذه الفكرة في الوقت الذي كان فيه كان القانون الفرنسي يمنع الطلاق في قضايا الطلاق الذي يتم في الخارج ، بحيث يبقى محددا لايطبق إلاّ في فرنسا ، فقوانين النظام العام تتميّز بإقليميتها ، و كل دولة تطبق قوانينها على إقليمها و لا تطرح مسألة تطبيق الدول الأخرى لنظامها العام ، و القاضي الفرنسي لا يعيد طرح مسألة النظام العام على وضعية تمت في الخارج و إنما يعارض آثارها الناتجة عنها و التي يطلب منه الاعتراف بها ، و في هذه الحالة سيكون من حظ الآثار ( النفقة ، التسجيل في سجل الحالة المدنية ،…) عدم خضوعها للمطابقة مع النظام العام لأنها منظمة من طرف القانون الفرنسي و بالتالي نادرا ما تكون مخالفة للنظام العام.
ففي السابق اعترف القضاء الفرنسي بآثارالطلاق بين الأجانب الذي يتم في الخارج في الوقت الذي كان القانون يمنع الطلاق أي أنه كان مخالفا للنظام العام ، و حاليا رغم أن القانون الفرنسي لا يعترف إلاّ بالطلاق بالارادة المشتركة للزوجين ، و إذا ما تمّ الطلاق بالارادة المنفردة للزوج ، الذي يعتبر مخالفا للنظام العام الفرنسي ، القضاء الفرنسي يعترف بآثاره المحتج بها في فرنسا .
و إذا كان النظام العام يعارض الزواج المتعدد في فرنسا فإنه لا يعارض بعض آثار الزواج المتعدد الذي تمّ في الخارج و المطالب به في فرنسا ، حيث قبلت المحاكم الفرنسية طلب الانفاق ، تصفية التركة التي تقدمه الزوجة الثانية لكنها رفضت طلب مسكن الزوجية إلاّ إذا غادرت الزوجة الأوللا إلى الخارج بصفة نهائية ، و في مادة الطلاق يعترف في فرنسا بآثار الطلاق بالارادة المنفردة للزوج المعلن عنه في الخارج
فيما يتعلق بمسألة الاعتراف بالزواج المتعدد ، اعترف القانون الفرنسي ببعض آثار الزواج المتعدد المبرم بدون غش في الخارج عندما يكون المعنيين ينتمون لنظام أحوال شخصية يعنرف بالتعدد ، إلاّ إذا كانت الزوجة الأولى فرنسية حيث أقرت محكمة النقض الفرنسية أن النظام العام الفرنسي يعارض كل زواج ثاني تمّ في الخارج من طرف شخص لا يزال متزوجا بفرنسية حيث لا ينتج آثاره في مواجهتها، و نفس الشيء بالنسبة للاعتراف بالطلاق بين زوجين مسلمين الذي يتم في الخارج لكن الاتجاه الحديث للاجتهاد القضائي يرفض على أساس مخالفته لمبدأ المساواة بين الزوجين في الحقوق عند فك الرابطة الزوجية المكرس في المادة 5 من البروتوكول 7 الاضافي للاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان
و في هذا الصدد رفضت محكمة النقض الفرنسية الطعن الذي قدمته الزوجة ضد قرار يؤكد الاعتراف بآثار حكم أجنبي صادر عن محكمة برج بوعريريج ( الجزائر ) في 16 ماي 1994 القاضي بفك الرابطة الزوجية بين الزوجين الجزائريين ، و استندت الزوجة في طعنها إلى أن قاضي الاستئناف لم يتأكد من تطبيق المادة 5 من البروتوكول رقم 7 الصادر في 22 نوفمبر 1984 المتعلق بالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ، و أجابت محكمة النقض أن محكمة الاستئناف أعلنت أن التصور الفرنسي للنظام العام الدولي لا يعارض الاعتراف بفرنسا بطلاق أجنبي بالارادة المنفردة للزوج مادام أن اختيار المحكمة لم يكن نتيجة غش ، و أن حكم الطلاق بالارادة المنفردة قد راعى مصالح الزوجة و حقوق دفاعها ، و منحها حقوقها المالية من تعويض بسبب الطلاق التعسفي و النفقة الغذائية و نفقة الاهمال
لكن هذا القرار تعرّض للنقد من طرف الفقه لأنه قرر أن التصور الفرنسي للنظام العام الدولي لا يتعارض مع الاعتراف في فرنسا بالطلاق بالارادة المنفردة للزوج مادام أنه مكّن كل طرف من إبداء دفاعه و أن الحكم الحائز على حجية الأمر المقضي فيه قابل للتنفيذ قد ضمن الحقوق المالية للزوجة ، ذلك أن منحها التعويضات المالية غير كاف لتحقيق المساواة ، التي تقود محكمة النقض أن تترك كل تمييز بين إعلان الطلاق و آثاره ، فطابع الارادة المنفردة لهذا النوع من الطلاق هو الذي يبرر مخالفته لمبدأ المساواة ، نظرا للحق التقديري للزوج في تطليق زوجته فلا يكون للزوجة و لا للقاضي الحق في الاعتراض و لا ترتيب أي أثر قانوني على رفض الزوجة ، و لا رفض طلب الزوج ، إلاّ ماعدا المستحقات المالية ،إذن فطبيعة الطلاق هي التي تمس بمبدأ المساواة بغض النظر عن آثاره
و يعدّ هذا القرار تراجعا عمّا استقرت عليه محكمة النقض الفرنسية من ” نهاية الاعتراف بالطلاق بالارادة المنفردة للزوج” ، و قد تضمن أن الزوجة قدمت طلباتها و دفوعها و تحصلت على بعض الحقوق المالية جاعلا اعتبارات النظام العام تقوم على أساس الاجراءات و النفقة ، وبالتالي يقبل الطلاق الذي يعترف بالحدّ الأدنى من هذه الاعتبارات ، و يبدو أنها لا تضع عراقيل في مواجهته ، فحضور الزوجة و إبدائها لطلباتها و دفوعها لا يؤثر على الطلاق الذي يفلت من رقابة القاضي ، حتى أن مبدأ الحضور يفقد معناه أمام طبيعة الطلاق في حدّ ذاته الذي يصدر من إرادة الزوج المنفردة و وفقا لسلطته القديرية ، و بالتالي لا تملك الزوجة المعارضة حتى مع إبداء دفاعها ، و إذا كان الحكم بالحقوق المالية قد يعتبر مطابقا مع ترتيب جزاء على الطلاق عن طريق إجبار الزوج أداء الاحتياجات المالية للزوجة المطلقة و كاف لمواجهة عيوب الطلاق إلاّ أن القيمة المالية لمجموع النفقات و نفقة الاهمال و التعويض لا تتجاوز 40000 د ج أو ما يعادل 400 ف ف و هو أقل من الأجر القاعدي مع العلم أن الزوجة تقيم بفرنسا ، في هذا القرار أفرغت محكمة النقض الفرنسية النظام العام من محتواه
المبحث الثاني : حلول قانون القاضي محل القانون الأجنبي المستبعد
إذا ما تمّ استبعاد القانون الأجنبي المخالف للنظام العام على القاضي أن يسد الفراغ التشريعي الناتج ، و في هذا الصدد يؤكد الفقه الغالب و القضاء الفرنسيين وجوب تطبيق قانون القاضي و هذا هو الدور الايجابي للنظام العام .
فمن شروط التمسك بالنظام العام أن تكون هناك علاقة بين النزاع و دولة القاضي ، وهذا شرط وضعه الفقه الألماني ، في نهاية القرن 19 أعاد فرنز كاهنFranz KAHN طرح فكرة نسبية النظام العام التي تسجل عندما يكون لاستبعاد القانون الأجنبي علاقة بقرب الوضعية ( النزاع ) مع القاضي ، بعد أن لاحظ أن الاستبعاد لفائدة قانون القاضي لاينتج أثره إلاّ إذا وجدت علاقة تربط بين الوضعية المطروحة على القاضي و القاضي .هذه الرابطة تتلائم مع اسناد احتياطي يشترط لتطبيق بعض القواعد الموضوعية في قانون القاضي
نجد مثلا في مجال الزواج يطبق قانون القاضي بدلا من القانون الأجنبي المستبعد و الذي يكون قانونا متشددا عند ابرام عقد زواج بين شخصين مرتبطين مع القاضي برابطة الجنسية أو الموطن ، و في مجال الطلاق عندما يمنع القانون الأجنبي الطلاق أو يسمح به بشروط استثنائية و قاسية ؛ مثل هذه الشروط قد تكون ضرورية مثلا من أجل منع أجنبي له محل إقامة في فرنسا ( علاقة مع الاقليم ) من التمسك في فرنسا بحالة التعدد ( مخالفة النظام العام ) ، أو من أجل عدم الاعتراف بالطلاق بارادته المنفردة لزوجته المقيمة بصفة عادية في فرنسا
ما دام أن الجنسية تعتبر ضابط إسناد في مجال الأحوال الشخصية ، فيمكن إعتبارها علاقة بين النزاع و القاضي و بالتالي كمبرر لاحلال قانون القاضي محل القانون الأجنبي المستبعد عندما تتعزز بعنصر مكاني مثل الإقامة ، و قد أخذت محكمة النقض الفرنسية بشرط يعتبر جديدا عند تحديد علاقة النزاع بدولة القاضي و هو الموطن ، حيث أن تطور العلاقات الأسرية الدولية منح للموطن أو الاقامة العادية مكانة مهمة في مواجهة معيار الجنسية
و يفسر تطبيق القانون الفرنسي بكونه جدير بتوفير الحماية للأطراف و بخاصة النساء أحسن من التشريعات المغاربية ؛ فالقضاء الفرنسي أعلن حق الزوجة الأولى طلب الطلاق من أجنبي عاود الزواج ، و قراراته كانت تتراوح حسب علاقة الزوجة الأولى ضحية التعدد مع فرنسا ، و في حالة وجود الزوج مع زوجتيه في فرنسا يرفض طلب الزوجة للطلاق بسبب أن قانون الأحوال الشخصية المشترك للزوجين يسمح بالتعدد ، و أقرت محكمة النقض الفرنسية أن التصور الفرنسي للنظام العام الدولي يتعارض مع الزواج المتعدد المبرم في الخارج من طرف زوج لا يزال مرتبطا بزوجته الأولى الفرنسية
و إذا ما قرر زوجان مغاربيان مقيمان في فرنسا إنهاء رابطتهم الزوجية ، فمن المفروض أن يطبق الحل الموجود في قانونهما الشخصي المستخلص من الشريعة الإسلامية ، لكن هذه الأخيرة لا تعرف نظاما مثل الانفصال الجسماني و لهذا يعتبر بعض المحامين الفرنسيين أن يكون من الملائم اقتراح هذا الحل على الزوجين.
قديما كان مبدأ حلول قانون القاضي يفسر مبدأ الاقليمية ، حسب نظرية الأحوال ، كل دولة لها سيادة على إقليمها و تطبيق القانون الأجنبي يكون بصفة استثنائية ، و في حالة استبعاده بسبب النظام العام ، نعود للقاعدة العامة أي تطبيق قانون القاضي ، لكن اليوم يبرر الحل بسبب منطقي و هو أن القانون الأجنبي قد استبعد لأن تطبيقه يشكا إعتداءا على المبادئ الأساسية في دولة القاضي ، مع اعتبار وجود علاقة للنزاع مع دولة القاضي ، التي تبرر الاستبعاد و الحلول ، و بسبب تطبيقي مستخلص من العوائق الناتجة في حالة تطبيق الحل المخالف ، فمن السهل سد النقص الناتج عن استبعاد أحكام القانون الأجنبي بتطبيق حكم مناسب من قانون القاضي ، أفضل من حكم في القانون الأجنبي
هل هذا يعني أن قانون القاضي هو الأفضل؟
يعتبر بعض رؤساء الجمعيات في فرنسا أن تطبيق القانون الفرنسي على الرعايا الأجانبو خاصة المغاربة يعتبر ذو فائدة ، خاصة بالنسبة للنساء حيث يحررهن من التقاليد العائلية و من السلطة الأبوية أو سلطة الزوج ، و وسيلة للمساواة بين المرأة و الرجل ، حيث تبدي نساء الجيل الثاني أكثر من الرجال رغبتهن في الاندماج في المجتمع الفرنسي سواء من حيث اللغة أو الشكل أو الثقافة أو الدين ، لكن هذا لا يعني أن القانون الفرنسي المطبق على المغاربة في فرنسا فيما يخص أحوالهم الشخصية متى كان قانونهم الشخصي يتعارض مع النظام العام الفرنسي هو الأفضل لأنه من وجهة نظر القانون الشخصي يعتبر مخالفا للنظام العام في الشريعة الاسلامية خاصة إذا ما سمح بإقامة علاقة معاشرة أو زواج لواطي أ و سمح للمسلمة بالزواج بغير المسلم ، بالرغم من أن هذه المسموحات تكرس الحرية الشخصية للفرد إلاّ أنها تكون على حساب مصلحة المجتمع الاسلامي ( النظام العام ).
و قد نصت المادة 24/2 من القانون المدني الجزائري على أن : ” يطبق القانون الجزائري محل القانون الأجنبي المخالف للنظام العام أو الآداب ” ، و في مادتي الزواج و الطلاق ، يطبق القانون الجزائري للحكم ببطلان علاقة زواج بين مسلمة و غير مسلم و لو كان جزائريا ، أو يسمح للمسلم بالتزوج ثانية حتى و لو كان أجنبيا ، أو يطبق أحكام الطلاق على مسلم يمنع قانونه الشخصي الطلاق ، و الملاحظ أن القاضي الجزائري عليه أن يراعى الديانة كضابط لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، لأنه ، في إعتقادي ، لايمكنه أن يطبقها على غير المسلمين إلاّ إذا تعلق الأمر بمبادئ عامة مشتركة بين الدول . و في هذا الصدد ذهب القضاء المغربي إلى تطبيق أحكام القانون الطبيعي على الأجانب لمواجهة المنازعات المتعلقة بحالة الأشخاص الأجانب ، حيث أنه نظرا لصعوبة تطبيق النصوص الوطنية ( قانون القاضي ) استقر القضاء على أنه إذا تعارض القانون الأجنبي المختص مع اعتبارات النظام العام ، تعين على القاضي استبعاده و يحكم بمبادئ القانون الطبيعي ، فهو يسد الفراغ الناتج عن استبعاد تطبيق القانون الأجنبي ، و يتصدى للفصل في النزاع حتى لا يكون منكرا للعدالة
و قد انقسمت الآراء الفقهية فيما يتعلق بحدود حلول قانون القاضي محل القانون الأجنبي المستبعد ، بحيث يرى جانب من الفقه أن حلول قانون القاضي لا يكون إلاّ في الحدود التي يتطلبها النظام العام الذي لا يقرر أكثر مما هو ضروري من أجل الدفاع عن المصالح الجوهرية في دولة القاضي ، و يقرر الجانب الآخر أنه إذا كان حكم في القانون الأجنبي الواجب التطبيق على النزاع يمس بالنظام العام فمن الأفضل أن يخضع كلية لقانون القاضي، أي أن القانون الأجنبي لا يستبعد إلاّ في الجزء المخالف فقط ، لأن استبعاده بصفة كلية و أحلال قانون القاضي محله من شأنه أن يجرد قواعد الإسناد من قيمتها و أهميتها ، و من شأنه كذلك أن يفتح المجال لرفض إعطاء آثار لعلاقة نشأت في الخارج .
فإذا تمّ إبرام عقد زواج ثاني في الجزائر رغم أن الوضعية مخالفة للنظام العام الفرنسي إلاّ أنه يعترف في فرنسا بآثاره كحق الزوجة الثانية في النفقة ، و نفس الأمر بالنسبة للطلاق الذي يتم بإرادة الزوج المنفردة بموجب حكم صادر من المحاكم الجزائرية.
لكن القاضي الجزائري الذي يقرر بطلان الزواج بين مسلمة و غير مسلم يخضع النزاع كلية للقانون الجزائري.
الخاتمة:
إن إختلاف الأسس الاجتماعية و الأخلاقية و الدينية و الثقافية التي يقوم عليها تنظيم الأسرة ، و خاصة فيما يتعلق بعلاقات الزواج و الطلاق بين الدول الإسلامية و الدول الغربية ، يترتب عليه حتما إختلاف النظام العام في هذه العلاقات ، و هذا الإختلاف تعاني منه العائلات المهاجرة و المقيمة في بيئة مختلفة عن أصلها و التي عليها الإندماج في مجتمع مختلف عنها ؛ و هكذا يظهر النظام العام كأداة تستعملها الدول لتبرير رفض تطبيق القانون الأجنبي لأنه يتدخل لحماية القيم و المبادئ الأساسية أو مبادئ العدالة العالمية السائدة وقت نظر الدعوى من طرف القاضي المختص ، و يتدخل في العلاقات الخاصة من أجل حماية الأشخاص : الزوج الأضعف ، كما يفرض احترام القواعد الأساسية في الإجراءات مثل السير العادل للإجراءات و حق الدفاع .
و يترتب على إستبعاد تطبيق القانون الأجنبي تطبيق قانون القاضي الذي يختلف عن القانون الشخصي للأطراف من ناحية المصدر و الأحكام ،و ينتج عن ذلك الاعتراف بعلاقة غير شرعية ، و عدم الاعتراف بعلاقة صحيحة حسب القانون الشخصي ، كعدم الاعتراف بالزواج الثاني بالرغم أنه في هذه الحالة يطبق النظام العام بأثر مخفف ، فالقاضي الفرنسي يعترف بعلاقة المعاشرة التي تعتبر علاقة غير شرعية في نظر القاضي الجزائري ، هذا الأخير الذي يحكم ببطلان زواج المسلمة بغير المسلم و الذي يراه القاضي الفرنسي مخالفا لمبدأ المساواة بين الجنسين و مبأ عدم التمييز على أساس ديني و الحق في الزواج و حرية إختيار الزوج ، كما يرفض القاضي الفرنسي الاعتراف بحكم الطلاق بالارادة المنفردة للزوج لمخالفته مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة .
و هكذا تظهر لنا حساسية الموضوع الناتجة عن حساسية العلاقات الأسرية و خصوصية النظام العام في هذا المجال ، و مدى ارتباطها بالنظام العام الدولي ، و الاختلاف بين الأنظمة القانونية لا يمكن أن يدرأ إلاّ بإبرام إتفاقيات دولية تراعى فيها مصالح الأفراد و الدول و كذا الإنتماء الديني ، و قد يكون هذا الأمر صعبا خاصة بالنسبة للدول الإسلامية و منها الجزائر التي قد تضطر لتعديل قوانينها الداخلية بما يتماشى مع الموجة التحررية لحقوق الإنسان ، و لم يكن تعديل قانون الأسرة إلاّ تأثرا بهذه الموجة و بالعولمة.
بحث قانوني علاقات الزواج و الطلاق في القانون الدولي
هل ممكن مراجع لهذا البحث؟ ولو حابب أعرف القانون الواجب التطبيق على عقود الزواج وآثارها فى الإتحاد الأوروبي هل ممكن مساعدة؟