دراسة وبحث قانوني كبير عن الفصل التعسفي للعامل
المقدمة
مما لا شك فيه أن العمل يعتبر الأساس الأول في حياة الشعوب والأمم وفي الحياة البشرية جمعاء ، وبدون العمل لا يتصور وجود الحياة ، وبدون العمل ما كان العالم ليصل إلى هذا المستوى من الرقي والتقدم العلمي والتقني ولهذا حث الدين الإسلامي على العمل ، قال تعالى ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُهُ والمؤمنون” .
وأما القوانين الوضعية نجدها كثيراً ما تحاول تنظيم العمل وذلك لما له من أهمية في الحياة البشرية لا سيما وأن في العمل حالة من التناقض تتجلى بين رب العمل والعامل الذي يعمل لدى رب العمل ، حيث تجد كل واحد منهم في أقصى نقيض الآخر فالعامل يريد أجراً أكبر مقابل أقل وقت عمل ممكن بينما رب العمل يريد أكبر وقت من العمل بأقل الأجور ، ومن هنا تبدأ حالة الصراع بين العامل ورب العمل ولهذا تدخلت الدولة بأن وضعت قانون العمل .
وسواء كان العقد بشكل اتفاق شفهي أو كتابي صريح أو ضمني ويتعهد العامل بمقتضاه أن يعمل لـدى رب العمل وتحت إشرافه وإدارته أو إشراف وإدارة من ينوب عن رب العمل بمقابل اجر يتقاضاه العامل لقاء عمله ، يتبادر للذهن السؤال التالي هل يحق لرب العمل أن يفصل العامل من عمله متى شاء وكيفما شاء وبغض النظر عن السبب أو لمجرد أنه صاحب المنشأة ولا يريد هذا العامل عنده ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات وعرض الموضوع تم تقسيم البحث على النحو التالي :
المبحث الأول : إنهاء عقد العمل لأسباب غير مشروعةالمطلب الأول : المقصود بالإنهاء التعسفي أو الإنهاء دون مبرر
المطلب الثاني: إنهاء العقد محدود المدة لأسباب غير مشروعة
المطلب الثالث: إنهاء العقد غير محدود المدة لأسباب غير مشروعة
المبحث الثاني: صور الفصل التعسفي والتطبيقات التشريعية في قانون العمل الأردني و قانون العمل الفلسطيني .المطلب الأول : صور الفصل التعسفي والإنهاء الغير جائز بالقانون
المطلب الثاني: الحالات التي يجوز فيها لرب العمل فصل العامل دون إشعار بموجب أحكام قانون العمل الأردني وقانون العمل الفلسطيني .
المطلب الثالث : الحالات التي يجوز فيها للعامل ترك العمل دون إشعار .
المبحث الثالث : النتائج المترتبة على الفصل التعسفي وبعض قرارات محكمة التمييز وموقف القانون المقارن .المطلب الأول : النتائج المترتبة على الفصل التعسفي .
المطلب الثاني : بعض قرارات محكمة التمييز .
المطلب الثالث : موقف القانون المقارن في الدول العربية .
المبحث الأول
إنهاء عقد العمل لأسباب غير مشروعة
مما لا شك فيه أن من حق رب العمل اختيار العامل الذي سوف يعمل عنده وبإرادته المنفردة كما يحق لرب العمل فصل هذا العامل إذا ما أخل بواجبات العمل عملاً بأحكام القانون ولكن قد يسأل البعض أليس من حق رب العمل فصل العامل متى شاء وكيفما شاء ؟ وإن كان لا ، من ذا الذي يمنعه من ذلك ، ويسأل أخر ، أليس من حق العامل ترك العمل متى شاء وبالطريقة التي يشاء ؟ لا سيما وأن الدستور ينادي بحرية العمل وبالحريات الشخصية .
إن أحكام القانون بينت الطرق التي يمكن للعامل فيها ترك العمل كما بينت الطرق التي يمكن لرب العمل أن ينهي فيها عمل العامل وأوجبت على كل منهما التزامات وحقوق ولم تترك المجال مفتوحاً على مصراعيه ، وحدد القانون متى يحق لرب العمل فصل العامل ومتى يكون الفصل تعسفياً بحيث يقتضي البطلان .
وهناك ظروف كثيرة قد تؤدي إلى قيام أحد طرفي عقد العمل بإنهاء العقد وذلك دون الحصول على موافقة الطرف الآخر للعقد مما يثير الجدل والخلاف حول حقوق العامل وحقوق رب العمل علما بأنه يوجد تضارب بين كلا المصلحتين ولهذا سوف نفرق بين عقدي العمل ،العقد الأول محدود المدة ، والعقد الثاني غير محدود المدة وذلك لاختلاف الحكم القانوني في كلا العقدين ولاختلاف الحقوق والواجبات .
تعريف الفصل التعسفي
لم يحدد قانون العمل الأردني المقصود بالفصل التعسفي للعامل وترك أمر تحديد ذلك للمحكمة ، وأما محكمة التمييز فقد جاء في حكم لها ” إن الفصل التعسفي هو الذي يصدر عن صاحب العمل بلا مبرر ومخالف لنص المادتان ( 16و17 ) من قانون العمل الملغى اللتان حددتا الحالات التي يجوز معها لصاحب العمل إنهاء خدمة العامل فإذا لم تتوفر إحدى هذه الحالات ، وقام صاحب العمل رغم ذلك بفصل العامل بلا مبرر فيكون عندئذ تعسفياً “
فالفصل التعسفي يعني إنهاء عقد العمل من قبل رب العمل وليس من قبل العامل ومما يتضح من نص المادة 25 من القانون العمل الأردني أن معنى الفصل التعسفي أنه الفصل الغير مشروع والمخالف لأحكام قانون العمل وهذا يتضح من نص المادة التي جاء فيها ” إذا تبين للمحكمة المختصة في دعوى أقامها العامل خلال ستين يوم من تاريخ فصله أن الفصل كان تعسفياً ومخالفاً لأحكام هذا القانون جاز لها إصدار أمر إلى صاحب العمل بإعادة العامل إلى عمله الأصلي أو بدفع تعويض ……” ، وهذا ما أكدته محكمة التمييز في حكمها الذي أشرنا له سابقاً .
فمحكمة التمييز قضت في إحدى أحكامها أن ” الشتم والتحقير ومحاولة الضرب برفع قطعة حديد من عامل على آخر لا يشكل أحد الأسباب التي تبرر الطرد من العمل بدون مكافأة ولا يعتبر الطرد الواقع في هذه الحالة فصلا تعسفيا “
وقضت كذلك ” إذا ارتكب السائق العامل مخالفات كثيرة والحق ضررا بالسيارة التي يقودها فلا يكون فصله من عمله فصلا تعسفياً “
فإذا كان لكل من طرفي عقد العمل غير المحدد المدة الحق قانونا في فسخه بإرادته المنفردة إلا أن هذا الحق مقيد بوجوب استعمال الحق استعمالا مشروعا دون أن يقصد به الإضرار بالغير أو تحقيق مصالح غير مشروعة .
وجاء في نص المادة (695) من القانون المدني المصري على انه ” إذا فسخ العقد غير المحدد المدة بتعسف من أحد عاقديه كان للمتعاقد الآخر الحق في تعويض ما أصابه من ضرر بسبب فسخ العقد فسخا تعسفيا “
يتضح لنا مما تقدم أن معنى الفصل التعسفي غير موضح بنصوص القانون ولا بقرارات محكمة التمييز والنقض سوى ما أشرنا إليه حول حكم التمييز الذي ذكر بأن الفصل التعسفي هو ما خالف حكم المادتان 16و17 من قانون العمل الملغى وهو من السلطة التقديرية للقاضي إلا أنه يستشف بأنه أقرب إلى معنى عدم المشروعية في التعنت باستعمال الحق في اتخاذ القرار .
أما في قانون العمل الفلسطيني فقد ورد في الفقرة الثالثة من المادة 46 أنه ” يعتبر تعسفا إنهاء عقد العمل دون وجود أسباب موجبة لذلك “.
وهذا يعتبر منحاً جيداً من قبل المشرع الفلسطيني الذي عرّفَ التعسف بأنه أي إنهاء بدون وجود مبرر لهذا الإنهاء ، وهكذا نكون أمام تعريف واسع لمعنى التعسف في إنهاء عقود العمل من قبل أرباب العمل ، لكن نبقى أمام سؤال وهو ، ما هي تلك الأسباب الموجبة ومتى تكون موجبة ومتى لا تكون ؟ وإننا نعتقد هنا بأن الأسباب الموجبة هي ما ورد بأحكام القانون وهذا بالطبع لا ينفي السلطة التقديرية للقاضي في استنباط الموضوع واستجلاء الحقائق من ملابسات كل قضية على جانب “.
المطلب الأول
المقصود بالإنهاء التعسفي أو الإنهاء بغير مبرر
يعد الإنهاء تعسفيا في ثلاث صور عددتها المادة الخامسة من القانون المدني المصري وهي:-
1-إذا لم يقصد باستعمال حق الإنهاء سوى الإضرار بالغير
2- إذا كانت المصلحة التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها غير مشروعة بأن كانت تخالف حكما من أحكام القانون أو كان تحقيقها يتعارض مع النظام العام والآداب.
3-إذا كانت المصالح التي يرمي صاحب الحـق إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من الضرر بسببها “
ويستفاد من نص هذه المادة في نقطتها الأولى أنه لا يحق لرب العمل إنهاء عقد العمل من أجل إلحاق الضرر بالعامل سواء كان ذلك الضرر المراد تحقيقه مصرح به من قبل رب العمل بأن أعلن عن نيته بإيقاع الضرر بالعامل أو كانت النية غير معلن عنها صراحة بأن يكون قد أراد ذلك في داخله دون تصريح منه بنية الإضرار مع وجود هذه النية المبيتة ، ولهذا تكون هناك سلطة تقديرية للقاضي لاستجلاء نية رب العمل وذلك من خلال بعض القرائن والملابسات .
أما في النقطة الثانية يتضح لنا من النص أن ليس لرب العمل أن ينهي عقد العمل لتحقيق مصالح تتعارض مع أحكام القانون أو مع الآداب العامة والنظام العام وبحيث يقوم رب العمل بإنهاء عقد العمل من أجل تحقيق مصالح غير مشروعة ، مثل إنهاء عقد عمل لإحدى العاملات لإرغامها على القيام بعلاقة غير مشروعة معه ، فهذه العلاقة تكون منافية للآداب العامة وترمي إلى هدف غير مشروع لا يقره القانون ، أو أن يقوم رب العمل في أحد المصانع بإنهاء عقد عمل أو عدة عقود للعمال في المصنع وذلك من أجل افتعال القلقلة والبلبلة في المجتمع وما قد يحدثه أولئك العمال المفصولين من اضطرابات في الأمن العمومي لوجودهم بلا عمل أو مصدر رزق لهؤلاء العمال .
أما في النقطة الثالثة فإن المشرع تطرق لمسألة الموازنة بين مصلحة العامل ومصلحة رب العمل عند التطرق لمسألة إنهاء عقد العمل من قبل رب العمل إنهاءً تعسفياً ، حيث أن القانون لم يجز لرب العمل إنهاء العقد بحجة أنه يمارس حقه أو أنه ليس بحاجة لهذا العامل مرتفع الأجرة وأنه يريد استبداله بعامل آخر بأجر أقل ، وهنا نوازن بين مصلحة العامل ومصلحة رب العمل فإن كانت مصلحة رب العمل ضئيلة مقابل ما يلحق العامل من أضرار نتيجة الفصل فإن رب العمل يعد متعسفاً في استعمال الحق مما يترتب عليه الحكم بإعادة العامل أو صرف المستحقات الكاملة المترتبة للعامل في ذمة رب العمل .
أما في القانون المدني الأردني فقد عُرِفَ إساءة استعمال الحق في نص المادة 66 من القانون المدني الأردني والتي جاء فيها :-
” 1 – يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع .
2 – ويكون استعمال الحق غير مشروع :
أ – إذا توافر قصد التعدي .
ب – إذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة .
ج – إذا كانت المنفعة منه لا تتناسب مع ما يصيب الغير من الضرر .
د – إذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة . “
إن النصوص في الفقرات الثلاث أ ، ب ، ج هي بنفس المعنى الوارد في المادة الخامسة من القانون المدني المصري ، لكن المشرع الأردني أضاف نقطة رابعة لم يذكرها المشرع المصري وهي إذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة ، وهذا يعني أنه في ظل وجود عادة معينة وعرف سائد في وسط معين يكون لهذا العرف دور كبير ، فإن كان هناك مهنة معينة لها عرف خاص يقضي بطرد العامل لأي سبب فإن هذا يعني أن من طرده لم يتعسف في استعمال حقه لوجود العرف القاضي بذلك ، ولكنني أرى بأن هذا المجال غير صحيح لتناقضه مع روحية قانون العمل ولهذا لا أرى بأنه من الممكن إعمال هذا النص في مجال قانون العمل لأن مثل هذه المسألة ستقوض قانون العمل .
ولهذا نقول بأنه لا يوجد مقياس محدد يقاس به الإنهاء من العمل إن كان تعسفاً أم لا وإنما هي سلطة تقديرية منحها القانون للقاضي لاستجلاء الوقائع الخاصة بكل قضية على حِدى ، فإن ظهر أن الفصل كان تعسفياً قضي بموجب المادة 20/ج من قانون العمل الأردني والتي تقول بوجوب إعادة العامل إلى عمله السابق وبنفس شروط العقد القديم أو بدفع تعويض للعامل بالإضافة إلى المكافأة وبدل الإشعار بشرط أن لا يتجاوز التعويض أجرة أسبوع عن كل ثلاثة أشهر من مدة الخدمة وأن لا يتجاوز مجموع التعويض عن أجرة شهرين بقيمة آخر راتب قبضه أثناء عمله .
المطلب الثاني
إنهاء العقد محدود المدة لأسباب غير مشروعة
لقد ورد في القانون المدني الأردني تحديد المدة الأعلى لعقد العمل حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 806 ” ولا يجوز أن تتجاوز مدته خمس سنوات فإذا عقد لمدة أطول ردت إلى خمس ” ، وهذا يعني أنه لا يحق لرب العمل أن يحتكر عمل العامل لمدة أطول من خمس سنوات وفي حالة وجود عقد لمدة أطول ردت هذه المدة إلى الأصل وهو خمس سنوات وذلك للحفاظ على مصلحة العامل وحريته من تعنت أرباب العمل الذين غالباً ما يطمعون باحتكار العامل لمصلحتهم متناسين حقوق العامل .
أما في قانون العمل الفلسطيني فقد نصت المادة 25 ” لا يجوز أن تزيد المدة القصوى لعقد العمل محدود المدة لدى نفس صاحب العمل بما في ذلك حالات التجديد عن سنتين متتاليتين “.
وهذا يعني أن المشرع الفلسطيني قد خفض المدة إلى سنتين كحد أقصى للعمل عند رب العمل بعقد محدود المدة وفي حالة الاستمرار في التجديد يعتبر العقد غير محدود المدة ، وهذا منهج غريب من المشرع الفلسطيني وذلك لتقييده حرية التعاقد ، فلو أن المشرع الفلسطيني حدد المدة القصوى للعقد بسنتين وسكت لما كان هناك إشكال ولكن الإشكال يقع هنا في تقييد العقد بأنه يشمل فترة التجديد ، ومثال على هذه الإشكالية أنه لو تعاقد مهندس مع شركة مقاولات للإشراف على بناء مجمع طبي ضخم للهلال الأحمر الفلسطيني وهذا البناء من المتوقع إنهاؤه خلال عام ونصف ولكن المشروع استمر قرابة ثلاث سنوات ، وحسب قانون العمل الفلسطيني يعني أن العقد المبرم مع المهندس سوف يتحول إلى عقد عمل دائم رغم عدم توجه نية المتعاقدين إلى ذلك وهذا بموجب المادة 26 من مشروع قانون العمل الفلسطيني التي تنص على ” إذا استمر طرفا عقد العمل محدد المدة في تنفيذه بعد انقضاء مدته اعتبر العقد غير محدد المدة ” ، ولا اعتقد بأن الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون العمل الفلسطيني تنطبق على هذه الحالة لأن العقد المبرم في هذا المثال هو عقد عمل محدود المدة بسنة ونصف وليس بعقد عرضي يتحدث عن إنجاز العمل ، ولهذا أرى أنه من واجب المشرع الفلسطيني إلغاء النص المقيد للتجديد في عقود العمل محدودة المدة وأن يترك حرية التجديد لأطراف العقد أو أن يوسع من هذه المدة لتشمل حالات التجديد لمدة خمسة أعوام أو ستة أعوام بدل عامين .
أن عقود العمل محدودة المدة المبرمة بين رب العمل والعامل قد تنتهي قبل موعد انتهائها بسبب قيام أحد الطرفين بإنهاء العقد وفي حالة قيام أحد الطرفين بإنهاء العقد تختلف المسؤولية بين ما إذا كان المنهي العامل أم رب العمل .
أولاً : إنهاء عقد العمل محدود المدة من قبل رب العمل
كثيراً ما يكون العامل مرتبط بعمله عن طريق عقد عمل محدود المدة وبنهاية هذه المدة ينتهي عمله ، ولكن ماذا يحدث لو قام رب العمل بإنهاء خدمة العامل قبل انتهاء مدة العقد وبدون سبب مشروع أي أن إنهاء رب العمل لعمل العامل كان تعسفاً .
لقد كان قانون العمل الأردني الجديد صريحا بخصوص هذا الأمر ( إنهاء عقد العمل محدود المدة من قبل رب العمل ) متلافياً النقص الذي وقع به القانون القديم ، حيث ورد في هذا القانون بأنه لا يحق لرب العمل إنهاء عقد العمل بمفرده قبل انتهاء المدة المحددة للعقد وفي حالة إنهائه فإنه يترتب على رب العمل تعويض العامل عن المدة المتبقية من العقد بأن يحصل العامل على جميع الحقوق والمزايا المتفق عليها في العقد بالإضافة إلى الأجور التي يفترض أن يتقاضاها العامل حتى نهاية العقد ما لم يكن الإنهاء بسبب تقصير العامل أو إخلاله بشروط العقد ، ولو فرضنا أن هناك مدرس في إحدى الجامعات قد تعاقد مع إدارة الجامعة على أن يدرس لمدة سنة أو أكثر ، ولمدةٍ محددةٍ بالعقد وبعد أن بدأ المدرس بالتدريس اتضح لإدارة الجامعة بأن المدرس لا يستطيع التدريس بسبب قصور في مدارك هذا المدرس فإن فصله لا يحمل الجامعة أي مسؤولية ولا يحق له المطالبة بإكمال العقد أو بدل الأجرة حتى نهاية العقد لأن هذا المدرس هو من قصر بواجبه تجاه الجامعة بأن تبين أنه لا يستطيع إيصال المعلومة الصحيحة للطلاب وبهذا لا يمكن اعتبار فصله تعسفياً بل أنه فصل مشروع بموجب الفقرة (ب) من المادة 28 من قانون العمل الأردني والتي أجازت فصل العامل لعدة أسباب منها أن يتغيب عن العمل لمدة تزيد عن العشرين يوماً متقطعة في السنة الواحدة أو عشرة أيام متواصلة أو ارتكب عملاً مخلاً بالآداب العامة في مكان العمل …الخ ، وهذا نص المادة 26/أ من قانون العمل الأردني الجديد ” إذا أنهى صاحب العمل عقد العمل محدود المدة … للعامل استيفاء جميع الحقوق والمزايا التي ينص عليها العقد كما يستحق الأجور التي تستحق حتى انتهاء المدة المتبقية من العقد ما لم يكن إنهاء عقد العمل فصلاً بموجب المادة (28) من هذا القانون “.
بينما لا نجد نصاً مشابهاً أو حتى قريباً منه في قانون العمل الفلسطيني فالمشرع الفلسطيني وللأسف قد أغفل مثل هذه القضية ولم يبين ما هي حقوق العامل لدى رب العمل في حالة إنهاء العقد محدود المدة مقلداً في ذلك القانون الأردني القديم ، علماً بأن القانون الأردني القديم كان يستعيض عن تلك المادة بالقواعد العامة للمسؤولية العقدية في القانون المدني الأردني والذي نفتقده نحن لعدم تطبيقه في فلسطين .
وبهذا الخصوص قضت محكمة التمييز الأردنية بأن ” رجوع الطـرف المنهي عـن الإنهاء غير المشروع لا يلزم الطرف الآخر ولا يؤثر في حقوقه المترتبة على الإنهاء “
كما وقضت بقولها “هذا ويجوز أن يكون التعويض الذي تقضي به المحكمة مساويا لأجر العامل عن بقية مدة العقد أو اكثر أو اقل وذلك بناء عل الظروف والملابسات المحيطة بكل قضية على حدة “.
ثانياً :
إنهاء عقد العمل محدود المدة من قبل العامل
يعتبر قيام العامل بإنهاء عقد العمل وبدون سبب شرعي تصرف غير مشروع يستوجب تحمل المسؤولية عنه بحيث يحق لرب العمل مطالبة العامل بالتعويض عن الأضرار التي تسبب بها نتيجة تركه لعمله قبل نهاية العقد وبدون موافقة رب العمل وبدون سبب شرعي وتقدر قيمة التعويض بحساب الخسائر المباشرة التي سبَبَهْا العامل لِرب العمل نتيجة تركه لعمله .
ومن الجدير بالذكر أن قانون العمل أجاز للعامل ترك مركز عمله في حالات عدة ومنها إذا نقل إلى عمل أقل درجة من العمل السابق أو إذا نقل إلى عمل غير المتفق عليه في عقد العمل أو إذا طلب منه القيام بعمل غير مشروع قانوناً بالإضافة إلى العديد من الحالات التي ذكرت بالقانون بنصوص صريحة ، حيث جاء في المادة 17 من قانون العمل الأردني ” لا يلزم العامل بالقيام بعمل يختلف اختلافاً بيناً عن طبيعة العمل المتفق عليه في عقد العمل إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك منعاً لوقوع حادث أو لإصلاح ما نجم عنه أو في حالة القوة القاهرة وفي الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون على أن يكون ذلك في حدود طاقته وفي حدود الظرف الذي اقتضى هذا العمل “.
المطلب الثالث
إنهاء العقد غير محدود المدة لأسباب غير مشروعة
لقد كان القانون صريحا بخصوص عقود العمل الغير محدودة المدة حيث نص قانون العمل الأردني على ضرورة أن يقوم الطرف الذي يريد الإنهاء بإشعار الطرف الآخر قبل الإنهاء بشهر على الأقل وفي العمل اليومي أو الأسبوعي يكون الإبلاغ قبل الإنهاء بأسبوعين على الأقل وفي الأمر تفصيل على حالتين وهما :-
أولاً :
الإنهاء من قبل العامل
مما لا شك فيه أن عقد العمل في الأصل يعتبر من العقود الرضائية التي ضبطها القانون لكي تحمي حقوق العامل من تعنت رب العمل ، وبما أن أغلب عقود العمل غير محدودة المدة فإن القانون أجاز للعامل كما أجاز لرب العمل بأن ينهي أي منهم عقد العمل الغير محدود المدة وهنا في حالة ما إذا أراد العامل إنهاء عقد العمل فإنه وبموجب القانون ملزم بإبلاغ رب العمل بنية ترك العمل على أن يكون ذلك قبل شهر من تاريخ ترك العمل حيث جاء في قانون العمل الفلسطيني ينتهي عقد العمل ” بناء على رغبة العامل شريطة إخطار صاحب العمل خطياً قبل الترك … “.
ولكن السؤال يثور حول ما إذا قام العامل بترك العمل قبل إشعار رب العمل ؟
وهنا نقول بأن العامل ملزم بموجب أحكام القانون بالإشعار وفي حالة عدم إشعار رب العمل فإن العامل ملزم بتعويض رب العمل عن كل الأضرار التي تسبب بها العامل جراء تركه للعمل .
وفي حالة أن تقدم العامل بإشعار لترك عمله وأراد الرجوع عن ذلك الإشعار لا يحق له ذلك إلا بموافقة رب العمل والعكس صحيح فالإشعار يلزم موافقة طرفيه للرجوع عنه وإلا فلا رجوع فيه ، وهذا ما جاءت به المادة 23/أ من قانون العمل الأردني ” إذا رغب أحد الطرفين في إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة فيترتب عليه إشعار الطرف الآخر خطياً برغبته في إنهاء العقد قبل شهر واحد على الأقل ولا يجوز سحب الإشعار إلا بموافقة الطرفين “.
وأما في حالة ما إذا قام العامل بإشعار رب العمل بنيته في إنهاء عقد العمل يتوجب على العامل البقاء على رأس عمله إلى أن تنتهي مدة الإشعار أو أن يقوم رب العمل بإعفائه من المدة المتبقية للخدمة ، ومن حق العامل أن يتقاضى مرتب الخدمة في مدة الإشعار وتحتسب مدة الإشعار من مدة الخدمة .
ثانياً :
الإنهاء من قبل رب العمل
في حالة إذا ما كان الإنهاء من قبل رب العمل فإنه يتوجب على رب العمل إشعار العامل بنيته في إنهاء خدمته قبل شهر من تاريخ الإنهاء وفي حالة عدم قيام رب العمل بإشعار العامل فإنه ومن حق العامل الحصول على أجرة شهر بدل مدة الإشعار ويجوز لرب العمل عدم إشعار العامل على شرط أن يعطي العامل أجرة ذلك الشهر بدل مدة الإشعار بالإضافة إلى أن مدة الإشعار وإنْ أعفي منها العامل إلا أنها تحسب من مدة الخدمة .
تنص المادة (23) من قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 على ما يلي :
” أ)إذا رغب أحد الطرفين في إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة فيترتب عليه إشعار الطرف الآخر خطيا برغبته في إنهاء العقد قبل شهر واحد على الأقل ولا يجوز سحب الإشعار إلا بموافقة الطرفين.
ب) يبقى عقد العمل ساري المفعول طوال مدة الإشعار وتعتبر مدة الإشعار من مدة الخدمة.
ج)إذا كان الإشعار من طرف صاحب العمل فله أن يعفي العامل من العمل خلال مدته وله أن يشغله إلا في الأيام السبعة الأخيرة منها ويستحق العامل أجرة عن مدة الإشعار في جميع الأحوال.
ء)إذا كان الإشعار من طرف العامل وترك العمل قبل انقضاء مدة الإشعار فلا يستحق أجرا عن فترة تركه للعمل وعليه تعويض صاحب العمل عن تلك الفترة بما يعادل اجره عنها “
ويفهم من هذا النص عدة مسائل هامة منها ، أن الفقرة الأولى تتحدث عن مسألتين وهما أنه على كلا الطرفين يتوجب الإشعار عند وجود نية الإنهاء وهذا الإشعار لا يكون شفوياً بل يجب أن يكون مكتوباً ، والمسألة الثانية في هذه الفقرة أنه ليس بإمكان الطرف الذي أشعر بنيته بالإنهاء سحب هذا الإشعار إلا بموافقة الطرف الآخر وإلا بقي الإشعار سارياً بحق الجانبين ولا يمكن لطرف واحد سحب هذا الإشعار لوحده بل ضرورة موافقة الطرفين .
الفقرة الثانية تتحدث عن مسألتين هما أن العقد ساري المفعول خلال فترة الإشعار وأي خلل يظهره أحد أطراف العقد بخصوص موضوع العقد يترتب عليه المسؤولية ، أما المسألة الثانية فهي تبين أن مدة الإشعار هي جزء من مدة الخدمة بحيث يحق للعامل كامل الحقوق عن هذه المدة .
الفقرة الثالثة تتحدث عن حق رب العمل في إعفاء العامل من العمل في مدة الإشعار ولكن عليه في الوقت نفسه دفع أجرة هذا الشهر للعامل سواء أُعفِيَ العامل من العمل أم لم يعفى ، كما يحق لرب العمل تشغيل العامل فترة الإشعار إلا في الأيام السبع الأخيرة فهي من حق العامل بالـتغيب عن العمل فيها .
أما الفقرة الرابعة فهي تتحدث عن مسألتين وهما أنه إذا كان الإشعار من طرف العامل ولكنه ترك العمل قبل انقضاء مدة الإشعار فانه لا يستحق أجر عن المدة المتبقية لانتهاء الإشعار الذي له بذمة رب العمل وهو بموجب الفقرة الثانية من نص المادة 23 ، أما المسألة الثانية في هذه الفقرة فهي تتحدث عن أنه من واجب العامل تعويض رب العمل عن الفترة المتبقية للإشعار بما يعادل أجرة شهر مما يتقاضاه العامل .
أرى أن المشرع الأردني قد أخطأ حينما نص في الفقرة ( د ) على أن يقوم العامل بتعويض رب العمل عن الفترة التي تغيبها من مدة الإشعار بقيمة ما يعادل أجرة شهر بالإضافة إلى حرمانه من القدر المتبقي من الأجرة للمدة المتبقية ، وذلك لسببين هما :-
أن رب العمل قد لا يكون متضرر من جراء ترك العامل مركز عمله في فترة الإشعار وفي هذه الحالة لا يتوجب حصول رب العمل على تعويض بدون وجود الضرر .
قد يتعرض رب العمل إلى خسائر كبيرة من جراء ترك العامل عمله خلال فترة الإشعار بحيث تكون أجرة الشهر التي سوف يدفعها العامل إلى رب العمل لا تساوي سوى جزء بسيط من قيمة الضرر فلا يكون هناك إنصاف لرب العمل الذي تعرض إلى خسارة كبيرة بسبب ترك العامل عمله ، هذا بالإضافة إلى أن المشرع الأردني قد فتح المجال أمام العمال للإضرار بأرباب العمل وهم على علم أن كل ما يترتب عليهم هو أجرة شهر تدفع إلى رب العمل بغض النظر عن الضرر الذي أصابه من جراء الترك ، علماً بأن المادة 256 من القانون المدني الأردني تنص على أن ” كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر “، وبما أن الخاص يفضل العام في القانون فإن هذه القاعدة القانونية المذكورة سوف تتعطل بنص الفقرة (د) من المادة 23 من قانون العمل ، ولهذا نقول بأنه كان أحرى بالمشرع الأردني الانتباه إلى مثل هذه المسألة وتصحيحها بحيث يكون التعويض الذي يفرض على العامل هو ما يساوى قيمة الضرر الذي لحق برب العمل من جراء الترك وفي حالة عدم وجود ضرر لرب العمل لا يقوم العامل بتعويضه بأي شئ سوى أنه يفقد حقه في الأجرة عن تلك المدة التي تغيبها .
هناك نصوص مشابهة لنص المادة 21 من قانون العمل الأردني في قانون العمل الفلسطيني حيث تتحدث عن انتهاء عقد العمل حيث جاء في نص المادة ( 35 ) من قانون العمل الفلسطيني رقم 38/98/ل لسنة 2000
” ينتهي عقد العمل الفردي في أي من الحالات الآتية :-
1 . باتفاق الطرفين .
2 . بانتهاء مدته في الأعمال العرضية أو المؤقتة أو الموسمية .
3 . برغبة أحد الطرفين خلال مدة التجربة .
4 . بناء على رغبة العامل ، شريطة إخطار صاحب العمل خطياً قبل الترك :
أ . بشهر إذا كان يتقاضى أجرة على أساس شهري .
ب . بأسبوع إذا كان يتقاضى أجرة على أساس يومي أو أسبوعي أو بالقطعة أو بالعمولة .
5 .بوفاة العامل أو إصابته بمرض أو عجز أقعده عن العمل لمدة تزيد على ستة أشهر بناء على تقرير طبي صادر عن اللجنة الطبية مع عدم وجود مركز شاغر يلائم قدراته المهنية ووضعه الصحي الجديد .”
وجاء في المادة 46 من قانون العمل الفلسطيني حول عقد العمل غير محدود المدة ما يلي :
” يجوز لأي من طرفي عقد العمل غير محدد المدة إنهائه بمقتضى إشعار يرسل بعلم الوصول إلى الطرف الآخر قبل شهر من إنهاء العمل .
يحق للعامل الذي تلقى إشعاراً من صاحب العمل بإنهاء عقد العمل التغيب عن العمل طيلة النصف الثاني من أجل الإشعار ويعتبر تغيبه عملاً فعلياً في المنشأة .
يعتبر تعسفياً إنهاء عقد العمل بدون وجود موجبات لذلك “.
أما في نصوص هذه المادة فإننا نجد أن المشرع الفلسطيني لم يشترط ضرورة كتابة الإشعار فقط ، بخلاف المشرع الأردني الذي تطلب ضرورة الإشعار بكتاب خطي ، بل أنه اشترط أن يكون هذا الإشعار مرسل بعلم الوصول أي بالبريد المسجل وذلك للتأكيد على الإبلاغ بضرورة العلم من أنه سينهي العقد .
كما أنه اختلف أيضاً بتحديد المدة التي تكون من حق العامل أن لا يعمل فيها من مدة الإشعار عندما يكون قد تلقى إشعاراً من قبل رب العمل ينهي فيه العقد حيث أن المشرع الفلسطيني أعفى العامل من العمل في النصف الثاني من الأجل ، كما وأنه قام بتحديد الفصل التعسفي بأنه يكون عندما لا يكون هناك موجبات حقيقية تدعوا لفصل العامل .
المبحث الثاني
صور الفصل التعسفي والتطبيقات التشريعية في قانون العمل الأردني وقانون العمل الفلسطيني.
هناك حالات عديدة ذكرها القانون لا يجوز فيها لرب العمل فصل العامل وفي حالة فصله من عمله يعتبر تصرف رب العمل تعسفاً وهذه الحالات سوف نتطرق لها في المطلب الأول أما في المطلب الثاني فسوف ندرج النصوص المتعلقة بحق رب العمل في إنهاء عقد العمل بدون إشعار ، وفي المطلب الثالث سوف ندرج النصوص التي تجيز للعامل ترك العمل دون إشعار وذلك حسب ما ورد في قانون العمل الفلسطيني وقانون العمل الأردني .
المطلب الأول
صور الفصل التعسفي والإنهاء غير الجائز في القانون
هناك صور كثيرة للفصل التعسفي ليس بمقدوري حصرها ولكن هناك حالات عددها القانون وقال بأن الفصل في مثل هذه الحالات يكون موجبا إلى إعادة العامل إلى عمله أو التعويض عن الأضرار بموجب أحكام القانون وهذه الصور هي :-
أولاً
الفصل لنشاط نقابي
نصت المادة (3) من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 ” للعامل حرية الانضمام إلى المنظمة أو الانسحاب منها” .
وأيضا نصت المادة 66/4 من قانون العمل المصري “على المحكمة أن تقضي بإعادة العامل المفصول إلى عمله إذا كان فصله بسبب نشاطه النقابي” .
وفي قانون العمل الفلسطيني جاء نص المادة 39 على ما يلي ” لا يمكن اعتبار الحالات التالية بوجه الخصوص من الأسباب الحقيقية التي تبرر إنهاء العمل من قبل صاحب العمل :-
1 . الانخراط النقابي أو المشاركة في أنشطة نقابية خارج أوقات العمل ، أو أثناء العمل إذا كان ذاك بموافقة صاحب العمل .
2 . إقدام العامل على طلب ممارسة نيابة تمثيلية عن العمال ، أو كونه يمارس هذه النيابة حالياً أو مارسها في الماضي .
3 . إقدام العامل على رفع قضية أو مشاركته في إجراءات ضد صاحب العمل بإدعاء خرق القانون ، وكذلك تقديمه لشكوى أمام الهيئات الإدارية المختصة “.
يتضح لدينا هنا أن فصل العامل بسبب النشاط النقابي يعد فصلا تعسفياً لا يجيزه القانون ، وكذلك الأمر بالنسبة لعقود العمل الجماعية حيث ذكر قانون العمل الفلسطيني ذلك صراحة بالنسبة لعقود العمل الجماعية في الفقرة الأولى من المادة 57 التي تضمنت حرية ممارسة العمل النقابي ومتى قامت علاقة السببية بين فصل العامل والنشاط النقابي فإن هذا الفصل يعد غير مشروع .
فلا يحق لرب العمل فسخ العقد لإرغام العامل على الانضمام إلى النقابة أو عدم الانضمام لها أو الانسحاب منها وإلا عد فصله للعامل غير مشروع لتعارض ذلك مع الحرية التي منحها القانون للعامل .
وبناء على ما تقدم فإنه لا يحق لرب العمل فصل العامل إذا قام هذا العامل بالانضمام إلى عمل نقابي أو رفض الانضمام ، ولا يحق لرب العمل فسخ العقد بسبب تنفيذ العامل لقرار من قرارات النقابة المشروعة في أعمالها الجائزة قانونا .
ثانياً
عدم إعادة العامل لعمله بعد تبرئته من اتهام
نصت المادة(67) من قانون العمل المصري المعدلة بالقانون رقم (33) لسنة 1982 “إذا نسب إلى العامل ارتكاب جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو أي جنحة داخل دائرة العمل جاز لصاحب العمل وقفه احتياطيا ، وإذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضي ببراءته وجب إعادته إلى عمله وإلا اعتبر عدم إعادته فصلا تعسفيا موجبا لمسئولية صاحب العمل “.
فوفقا للمادة (67) من قانون العمل المصري إن التزام صاحب العمل قانونا بإعادة العامل إلى عمله لا يقوم إلا بتوافر أمرين :-
أن يكون صاحب العمل قد أوقف العامل احتياطيا نتيجة قيام العامل بارتكاب أي جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة أو أي جنحة داخل دائرة العمل .
أن ترى السلطة المختصة بالاتهام عدم تقديم العامل للمحاكمة أو أن تقضي ببراءته ، ولا يشترط أن يكون قرار السلطة المختصة أو حكم البراءة نهائيا حيث أن المادة (67) من قانون العمل المصري لم تشترط نهائية قرار السلطة المختصة أو الحكم الصادر في الاتهام .
كما أن عبارات النص جاءت عامة ومطلقة مما يتبادر إلى الذهن أن أي فصل في مثل هذه الحالة يكون فصلاً تعسفياً إذا ما تم تبرئة العامل أو أن العامل لم يقدم إلى المحكمة لسبب رأته السلطة المختصة بتوجيه الاتهام ، إلا أنني أعارض هذا التوجه المطلق والعام وذلك لعدة أسباب من أهمها أن السلطة القضائية عندما تنظر إلى جريمة ما وتريد أن تحاكم المتهم ، فإنها تنظر إلى التهم الموجهة إلى المتهم كما أنها تنظر إلى صحة محاضر الضبط والى صحة الإجراءات ، ولو أن شخصاً ما تم تبرئته من الجريمة ليس لعدم ثبوت التهمة بقصور الدليل وإنما بسبب خلل في إجراءات الضبط فلا أرى أن فصل العامل يعد فصلاً تعسفياً إن لم يقبل رب العمل إعادته إلى عمله وذلك لكون القانون يأخذ بضرورة الوضع السليم في الإجراء قبل البدء بالنظر إلى التهم ، بينما لا يطلب إلى رب العمل أن يشغل لديه عامل هو متأكد من إدانته أو جرمه .
هذا بالإضافة إلى أن القانون قد يعفي المتهم من العقاب في بعض الحالات ، فعندما يقوم المتهم بتصحيح الوضع مثل حالات الزنى عندما يقبل الزاني بالزواج من الزانية ، وكذلك حالات الإعفاء من العقوبة في السرقة بين الأزواج في المرة الأولى .
ففي مثل هذه الحالات لا يمكن إجبار رب العمل على القبول بعودة العامل إلى عمله ، ولا يمكن أن نعتبر هذا الطرد فصلاً تعسفياً .
ثالثاً
الفصل من العمل في حالة مرض العامل
نصت المادة (27) من قانون العمل الأردني على:-
” لا يجوز لصاحب العمل إنهاء خدمة العامل أو توجيه إشعار إليه لإنهاء خدمته في حالة أن العامل كان في إجازته السنوية أو المرضية أو الإجازة الممنوحة له لأغراض الثقافة العمالية أو الحج أو في أثناء إجازته المتفق عليها بين الطرفين للتفرغ للعمل النقابي أو الالتحاق بمعهد أو كلية أو جامعة معترف بها .
العامل المكلف بخدمة العلم أو الخدمة الاحتياطية في أثناء قيامه بتلك الخدمة.
المرأة العاملة الحامل ابتداء من الشهر السادس من حملها أو خلال إجازة الأمومة “
يتضح لنا هنا أنه لا يجوز لصاحب العمل أن ينهي خدمة العامل بسبب المرض إلا بعد استنفاذ مدة الإجازة المرضية التي يستحقها قانونا سواء كان العقد محدد المدة أم غير محدد المدة ، ” فيبقى عقد العمل خلال مدة الإجازات المرضية المستحقة موقوفا وذلك لان مرض العامل لا يعتبر مـن الأسباب التي تؤدي إلى فسخ العقد بين العامل وصاحب العمل بقوة القانون ، فقيام صاحب العمل بفصل العامل خلال مـدة إجازته المرضية عد ذلك فصلا تعسفيا موجب للتعويض” هذا بالإضافة إلى أن على رب العمل تعويض العامل عن مرضه إذا كان المرض بسبب المهنة وذلك بعد الحصول على تقرير طبي من الجهات المختصة تبين أن المرض هو من أمراض المهنة أو بسببها ، ناهيك عن عدم إمكانية فصله من العمل .
رابعاً
معاملة صاحب العمل الجائرة
المعاملة الجائرة هي كل تصرف من رب العمل يكون غير عادل لمخالفته القانون أو شروط التعاقد بينه وبين العامل لما يشوبه من تعسف في استعمال الحق ، أو أي تعدي من قبل رب العمل على كرامة العامل حيث نصت المادة 822 من القانون المدني الأردني في الفقرة الثالثة على ضرورة مراعاة الآداب واللياقة في علاقة رب العمل بالعامل ، فلو قام العامل هنا برد عنه ما يكره فليس لرب العمل هنا فصله وإلا عد هذا الفصل تعسفياً .
ولهذا نقول إن لم يكن تصرف رب العمل مخالفا لالتزام قانوني فلا يمكن اعتباره معاملة جائرة ما دام انه يستند إلى حق لم يتعسف في استعماله ، أما إذا كان هناك تصرف من قبل رب العمل يسئ للعامل سواء كان بألفاظ مثل السب والتحقير أم بالمعاملة مثل الاعتداء بالضرب أو التحرش الجنسي وكل ما إلى ذلك من المعاملة المحطة بالكرامة فإن هذه المعاملة تكون مخالفة للقانون كما وأنها في بعض الأحيان توجب معاقبة رب العمل بموجب قانون العقوبات ، أما إذا كان هناك تصرف من قبل رب العمل يغير من شروط وطبيعة العقد فإن تصرفه هذا يعد مخالفاً لأحكام القانون التي تقضي أنه ليس من حق طرف من أطراف العقد تغيير أي بند من بنود العقد إلا بموافقة الطرف الآخر وبما لا يتعارض مع أحكام القانون .
” فتعد مخالفة شروط العقد معاملة جائرة موجبة للتعويض وذلك لان الأصل أن العقد شريعة المتعاقدين “، مثال ذلك ما نصت عليه المادة 696/2 مدني مصري ” نقل العامل إلى مركز اقل من المركز الذي كان يشغله لغير ما ذنب جناه لا يعد تعسفا إذا ما اقتضته مصلحة العمل ولكنه يعد تعسفا إذا كان الغرض منه إساءة للعامل”
كـذلك يعد معاملة جائرة ومخالفة لشروط العقد عـدم قيام رب العمل بالتزامه التعاقدي (أداء الأجر) في مواعيده المنصوص عليها في العقد أو قيام رب العمل باقتطاع جزء من الأجر بدون سبب قانوني من أجل دفع العامل إلى ترك العمل ، أو الرضوخ لأوامر رب العمل التي تكون خارجة عن الاتفاق المبرم ما بين العامل ورب العمل .
وعلى ذلك نصت المادة 696/1 من القانون المدني “يجوز الحكم بالتعويض عن الفصل ولو لم يصدر هذا الفصل من رب العمل إذا كان هذا الأخير قد دفع العامل بتصرفاته وبمعاملته الجائرة إلى أن يكون العامل في الظاهر الذي أنهى العقد”.
خامساً
الفصل لتجنيد العامل
هناك الكثير من الدول التي تأخذ بنظام التجنيد الإجباري على المواطنين والبعض يأخذ بنظام التطوع في الخدمة العسكرية والأردن من الدول التي ألغت نظام التجنيد الإجباري منذ أوائل ” العِقد الحالي ” ورغم ذلك إلا أنها أدخلت نصوص في قانون العمل تحمي العامل من الفصل التعسفي لالتحاقه بالخدمة العسكرية حيث نصت المادة (27)من قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 ” لا يجوز لصاحب العمل إنهاء خدمة العامل أو توجيه إشعار إليه لإنهاء خدمته وذلك بالنسبة للعامل المكلف بخدمة العلم أو الخدمة الاحتياطية في أثناء قيامه بتلك الخدمة “.
وهذا يعني حماية العامل من الفصل لمدة عامين تقريباً وهي مدة الخدمة ، وهنا لا أرى ضرورة إعمال هذا النص في حالة الخدمة التطوعية أو الاختيارية ، مع ضرورة إعمالها في حال الخدمة الإجبارية وذلك لعدة أسباب من أهمها :-
مراعاة مصلحة رب العمل الذي قد يكون عنده عشرون عاملاً في مصنع فيذهب عشرة منهم للخدمة الاختيارية ولمدة عامين فيضطر صاحب العمل هنا إما الى إغلاق مصنعه أو إلى تشغيل عمال جدد مما يؤدي إلى إرهاق رب العمل في التدريب والتأهيل بالإضافة إلى الأعباء المالية للعمال الجدد .
ما هو مصير العمال الجدد عندما يعود العمال القدامى من خدمتهم العسكرية ، فإن كان مصيرهم الطرد فنحن هنا نكون قد حللنا مشكلة وخلقنا أخرى ، أما إذا أبقيناهم على رأس عملهم فقد يكون رب العمل ليس بحاجة إلا لعشرين عاملاً وليس ثلاثين عاملاً مما يؤدي إلى إرهاق رب العمل ، وهنا لا مجال للقول بان الحل هو تشغيل عشرة عمال بعقد محدود المدة لأن رب العمل ليس مجبر على تحمل تبعات عقد العمل الجديد .
إن إعمال مثل هذا النص في التجنيد الاختياري يفسح المجال أمام العمال للإضرار بصاحب العمل بحجة التجنيد مما يثير العديد من المشاكل بين العمال وأرباب العمل .
التجنيد الإجباري هو حالة قانونية لا يمكن للعامل أو غيره تلافيها وذلك بموجب أحكام القوانين ولهذا يمكن أن نعتبره ظرف استثنائي ولذلك يتوجب حماية العامل الذي لا علاقة له بوجود مثل هذا الظرف ” ونرى أن هذه الحالة تنطبق على العامل الذي يسوق للخدمة العسكرية في حالات النفير العام وحالات الحرب لتحقق الحكمة من النص ” أما في التجنيد الاختياري فإن العامل يقوم بذلك بمحض إرادته وهو مدرك لذلك العمل وتبعاته ، أما من يعترضون على ذلك بحجة تنشيط العمل التطوعي ، فإن قولهم مردود إليهم وذلك لأن من أراد التطوع فليتطوع على حسابه وليس على حساب الآخرين ، وهنا سأضرب مثالاً على ذلك ، هل يحق لمدرس في الجامعة أن يذهب ليشارك في عمل تطوعي لمدة شهر فيغيب عن أداء محاضراته طوال هذه المدة بحجة أنه يقوم بعمل تطوعي ، أن وجهة نظري في ذلك لا ، لأن هذا الوقت الذي أخذه ذلك المدرس ليس من حقه وإنما من حق الطلاب الذين أتوا إلى الجامعة لكي يتعلموا ، وأكرر القول بأن من أراد التطوع فليتطوع بوقته لا بوقت الآخرين ، كمن أراد أن يتبرع فإن التبرع يكون من ماله لا من مال الغير.
المطلب الثاني
الحالات التي يجوز فيها لرب العمل فصل العامل دون إشعار بموجب القانون :-
الفرع الأول : فصل العامل لأسباب تتعلق بسلوك العامل .
أجاز قانون العمل الأردني لصاحب العمل إنهاء عقد العمل دون إشعار في حالات عدة وهي:-
” أ) إذا انتحل العامل شخصية أو هوية غيره أو قدم شهادات أو وثائق مزورة بقصد جلب المنفعة لنفسه أو الإضرار بغيره .
ب) إذا لم يقم العامل بالوفاء بالالتزامات المترتبة عليه بموجب عقد العمل .
ج ) إذا ارتكب العامل خطأ نشأ عنه خسارة مادية جسيمة لصاحب العمل بشرط أن يبلغ صاحب العمل الجهة أو الجهات المختصة بالحادث خلال خمسة أيام من وقت علمه بوقوعه.
د) إذا خالف العامل النظام الداخلي للمؤسسة بما في ذلك شروط سلامة العمل والعمال رغم إنذاره كتابة مرتين .
هـ) إذا تغيب العامل دون سبب مشروع اكثر من عشرين يوماً متقطعة خلال السنة الواحدة أو اكثر من عشرة أيام متتالية ، على أن يسبق الفصل إنذار كتابي يرسل بالبريد المسجل على عنوانه وينشر في إحدى الصحف اليومية المحلية مرة واحدة .
و) إذا أفشى العامل الأسرار الخاصة بالعمل .
ز) إذا أدين العامل بحكم قضائي اكتسب الدرجة القطعية بجناية أو بجنحة ماسة بالشرف والأخلاق العامة .
ح) إذا وجد العامل أثناء العمل في حالة سكر بيِّن أو متأثرا بما تعاطاه من مادة مخدرة أو مؤثر عقلي أو ارتكب عملاً مخلاً بالآداب العامة في مكان العمل .
ط) إذا اعتدى العامل على صاحب العمل أو المدير المسؤول أو أحد رؤسائه أو أي عامل أو على أي شخص آخر أثناء العمل أو بسببه وذلك بالضرب أو التحقير “.
ويقابلها المادة 40 من قانون العمل الفلسطيني التي جاء فيها :-
” لصاحب العمل إنهاء عقد العمل من طرف واحد دون إشعار مع حقه في مطالبة العامل بكافة الحقوق الأخرى عند ارتكابه أي من المخالفات التالية :
انتحاله شخصية غير شخصيته أو قدم شهادات أو وثائق مزورة لصاحب العمل.
ارتكاب العامل خطأ نتيجة إهمال مؤكد نشأت عنه خسارة جسيمة لصاحب العمل شريطة أن يبلغ صاحب العمل الجهات المختصة بالحادث خلال ثمان وأربعين ساعة من وقت علمه بوقوعه .
تكرار مخالفة النظام الداخلي للمنشأة المصادق عليه من وزارة العمل أو التعليمات المكتوبة الخاصة بسلامة العمل وصحة العمال رغم إنذاره بها حسب الأصول .
تغيبه دون عذر مقبول أكثر من سبعة أيام متتالية ، أو أكثر من خمسة عشر يوما متقطعة خلال السنة الواحدة على أن يكون قد أنذر كتابيا بعد غياب ثلاثة أيام في الحالة الأولى أو عشرة أيام في الحالة الثانية .
عدم وفاء العامل بالالتزامات المترتبة عليه بموجب عقد العمل رغم إنذاره حسب الأصول .
إفشاء الأسرار الخاصة بالعمل التي من شأنها أن تسبب الضرر الجسيم .
إدانته بحكم نهائي في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الأخلاق العامة .
وجوده أثناء العمل في حالة سكر أو متأثرا بما تعاطاه من مادة مخدرة يعاقب عليها القانون .
اعتدائه بالضرب أو التحقير على صاحب العمل أو على من يمثله أو على رئيسه المباشر”.
إن تحليل النص القانوني يبين لنا أن الحالات التي وردت في كل من المادة 40 من قانون العمل الفلسطيني والمادة 28 من قانون العمل الأردني هي حالات تجيز لرب العمل أن ينهي عقد العمل دون إشعار مع حقه أن يطالب العامل بالحقوق التي تترتب لرب العمل بذمة العامل نتيجة هذه الأعمال التي قام بها العامل والتي بسببها أنهي عقد العمل .
وبعد مقارنة النص الفلسطيني بالنص الأردني نجد أن النص الأردني أمهل رب العمل خمسة أيام لإبلاغ الجهات المختصة بينما القانون الفلسطيني لم يعطي رب العمل سوى يومين فقط وأرى أن هذه المدة قد لا تكون كافية في بعض الأحيان ، وكذلك أجد أن قانون العمل الأردني تميز عن القانون الفلسطيني في مسألة هامة وهي الفقرة (ح) من المادة 28 والتي يقابلها في قانون العمل الفلسطيني الفقرة 8 من المادة 40 حيث أن القانون الأردني وسع من حالات الحظر حيث أدرج حالة السكر وحالة تعاطي مادة مخدرة أو مؤثر عقلي وحالة ارتكابه عملاً مخلاً بالآداب العامة في مكان العمل ، بينما القانون الفلسطيني ضيق كثيراً من مجال هذه المادة حيث اقتصر النص على حالتين وهم السكر وحالة تعاطي مادة مخدرة بشرط أن تكون هذه المادة المخدرة معاقب عليها قانوناً .
وهنا نجد أن المشرع الفلسطيني أعطى العامل مجالاً ليمارس أعمالاً مخلة بالآداب العامة في مكان العمل وهذا يتناقض مع عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني ، وهذا مثالاً على ما قد يحدث لقصور القانون الفلسطيني ، فلو كان هناك مدرس في جامعة القدس وضبطه الطلاب في الجامعة وهو يقبل فتاة فلا أظن أن أحداُ لديه كرامة من الطلاب سوف يسكت عن هذا العمل المخل بالآداب العامة فهل يحق للمدرس أن يطالب بالتعويض في حالة فصله من العمل بسبب عمله المخل بالآداب العامة ، وهناك مثال أبسط من ذلك وهو يقوم أحد المدرسين بالتدخين في غرفته أيام شهر رمضان مستفزاً بعمله الخاطئ مشاعر الطلاب المسلمين .
لهذا نرى بأن المشرع الفلسطيني قد أخطأ خطأً كبيراً عندما قلص من نطاق هذا النص وكان من الأجدر بالمشرع عدم الانسياق وراء بعض العلمانيين الذين دفعوا باتجاه تقليص النص القانوني الذي تم اقتباسه من النص الأردني والذي يقول”… أو ارتكب عملاً مخلاً بالآداب العامة في مكان العمل “.
الفرع الثاني : إنهاء العقد لسبب يتعلق برب العمل
بعد اطلاعنا على النص القانوني في المادة 41 من قانون العمل الفلسطيني نجد أن القانون أعطى السلطة الكاملة لصاحب العمل في تنظيم منشأته أو إعادة تنظيمها باعتبار انه هو المالك لها والمسؤول عن إدارتها ، فقد تقتضي ظروف رب العمل إنهاء عقود بعض العمال وهذا الإنهاء يكون مستندا إلى مبرر مشروع ينفي عنه وصف التعسف ، وقد يكون إعادة تنظيم المنشأة سببه أزمة اقتصادية أثرت على رب العمل أو كارثة مالية توشك أن تصيب رب العمل فيكون له الحق في اتخاذ الوسائل الكفيلة بإزالة الخطر والمحافظة على مصالحه المشروعة وذلك بتضييق دائرة نشاطه وضغط مصروفاته ، ففي هذه الحالة يكون قيام صاحب العمل بإنهاء عقود بعض عماله مستندا إلى مبرر مشروع لكن عمل كهذا يوجب التعويض وبدل الإشعار .
وهنا تقتصر رقابة القضاء على التحقق من جدية المبررات التي دفعت صاحب العمل إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات ، فإن تبين للمحكمة أن رب العمل فعلاً قد حدت به الظروف إلى إغلاق منشأته فلا يمكن منعه من ذلك ولكن يبقى عليه إيفاء العمال حقوقهم التي ترتبت بذمته ، أما إذا تبين أنه ما أراد ذلك سوى للإضرار بالعاملين فإنه يجبر على تعويضهم تعويضاً كاملاً بالإضافة إلى مستحقاتهم المترتبة بذمة رب العمل ، وأنا شخصياً لا أرى ضرورة لوجود هذا النص ما دام رب العمل ملزم بالتعويض وبدل الإشعار .
“وكذلك يعتبر إغلاق المنشأة كليا وباختيار صاحب العمل مبررا مشروعا من جانبه لإنهاء عقود العمال أيا كان سبب الإغلاق مرض صاحب العمل ، أو انه أراد اعتزال التجارة لكبر سنه ، ما دام بعيدا عن الرغبة في الانتقام من العمال “.
من الجدير بالذكر ومن باب التنويه أنني لم أتطرق إلى النقاط سالفة الذكر بالتفصيل والتي أخذت نصوصها من قانون العمل الأردني ومشروع قانون العمل الفلسطيني بالشرح والتفصيل وذلك لكون هذا البحث يتحدث عن الفصل التعسفي وليس الفصل بشكله المطلق .
المطلب الثالث
الحالات التي يجوز فيها للعامل ترك العمل دون إشعار
لقد جاء في المادة 29 من قانون العمل الأردني انه يحق للعامل ترك مركز عمله دون إشعار مع احتفاظه بحقوقه القانونية في أي من الحالات التالية :-
“أ. استخدامه في عمل يختلف في نوعه اختلافاً بيناً عن العمل الذي اتفق على استخدامه فيه بمقتضى عقد العمل على أن تراعى في ذلك أحكام المادة 17 من هذا القانون .
استخدامه بصورة تدعو إلى تغيير محل إقامته الدائم إلا إذا نص في العقد على جواز ذلك .
نقله إلى عمل آخر في درجة أدنى من العمل الذي اتفق على استخدامه فيه .
تخفيض أجره ، على أن تراعى أحكام المادة 14 من هذا القانون .
هـ. إذا ثبت بتقرير طبي صادر عن مرجع طبي أن استمراره في العمل من شأنه تهديد صحته .
إذا اعتدى صاحب العمل أو من يمثله عليه في أثناء العمل أو بسببه وذلك بالضرب أو التحقير.
إذا تخلف صاحب العمل عن تنفيذ أي حكم من أحكام هذا القانون أو أي نظام صادر بمقتضاه شريطة أن يكون قد تلقى إشعاراً من جهة مختصة في الوزارة تطلب فيه التقيد بتلك الأحكام “.
ويقابل هذه المادة في قانون العمل الفلسطيني المادة 42 التي جاء فيها :-
“1. يجوز للعامل ترك العمل بعد إشعار صاحب العمل مع احتفاظه بحقوقه القانونية بما فيها مكافأة نهاية الخدمة وما يترتب له من حقوق وذلك في أي من الحالات الآتية :
تشغيله في عمل يختلف في نوعه أو درجته اختلافاً بيناً عن العمل الذي اتفق عليه بمقتضى عقد العمل إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك ولمدة مؤقتة منعاً لوقوع حادث أو في حالة القوة القاهرة .
تشغيله بصورة تدعوا إلى تغيير مكان إقامته .
الثبوت بتقرير طبي صادر عن اللجنة الطبية أن استمراره في عمله يشكل خطراً على حياته .
اعتداء صاحب العمل أو من يمثله على العامل أثناء العمل أو بسببه بالضرب أو التحقير.
هـ. عدم وفاء صاحب العمل بالتزاماته تجاه العامل رغم مطالبته بها كتابياً .
2 – استثناء مما ورد في البند ( 1 ) أعلاه يحق للعامل إذا استقال من عمله خلال السنوات الخمس الأولى ثلث مكافئة نهاية الخدمة ، وثلثي مكافئة نهاية الخدمة إذا كانت الاستقالة خلال السنوات الخمس التالية ويستحق المكافئة كاملة إذا أمضى عشر سنوات أو أكثر في العمل”.
بعد التعرض لهذا النصوص الواردة في المادة 29 من قانون العمل الأردني والمادة 42 من قانون العمل الفلسطيني بالدراسة والبحث نلاحظ أن كلاً من قانون العمل الأردني وقانون العمل الفلسطيني متقاربين بأحكام القانون لدرجة أنك قد تجد النصوص متطابقة من حيث الصياغة والترتيب ولكن من الملاحظ أن قانون العمل الفلسطيني قد أغفل مسألتين هما في غاية الأهمية ولم يتطرق لهما رغم ضرورة هاتين المسألتين وكان المشرع الأردني أيقظ منه في هذا الأمر حيث نص عليهم في المادة 29 في الفقرة ( د ) والفقرة ( ز ) بالإضافة إلى أن المشرع فلسطيني تطلب وجود الإشعار عند الترك وهذا نهج غريب من المشرع الفلسطيني لأنه ليس من المعقول أن يقوم رب العمل بالاعتداء على العامل فينتظر العامل في عمله حتى نهاية مدة الإشعار ، علماً بأن نص هذه المادة كان في مشروع قانون العمل لا يتطلب الإشعار حيث كان نص المادة (29) من مشروع قانون العمل الفلسطيني المقترح عام 1996 كما يلي “هناك حالات يجوز فيها للعامل أن يترك العمل دون إشعار مع احتفاظه بحقوقه القانونية وما يترتب له من تعويضات عند انتهاء الخدمة وهذه الحالات هي:-
أ) تشغيله في عمل يختلف في نوعه عن العمل الذي اتفق على تشغيله فيه بمقتضى عقد العمل، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك أو في حالة القوة القاهرة.
ب) تشغيله بصورة تدعو إلى تغيير مكان إقامته.
ج) نقله إلى عمل آخر في درجة أدنى من العمل الذي اتفق على تشغيله فيه.
د) إذا ثبت بتقرير طبي صادر عن مرجع طبي أن استمراره في العمل من شأنه تهديد صحته.
ه) إذا اعتدى صاحب العمل أو من يمثله عليه في أثناء العمل.
و) إذا لم يقم صاحب العمل بالوفاء بالتزاماته المحددة في العقد اتجاه العامل “
إذ أن الفقرة ( د ) تتحدث عن تخفيض أجر العامل بحيث يكون مبرراً للعامل لترك مركز عمله دون إشعار في حالة انتفاء الضرورة بموجب قانون العمل الأردني ولكن بموجب قانون العمل الفلسطيني لا يحق للعامل ترك العمل دون إشعار لعدم وجود نص يبيح الترك للعامل في حالة تخفيض الأجرة ، وهذا النقص يفترض في المشرع الفلسطيني النظر إليه لضرورته ، علماً بأن الفقرة ( هـ ) من قانون العمل الفلسطيني لا تغني عن وجود النص الصريح وذلك لكون عدم الوفاء بالالتزامات تجاه العامل لا يعني بالضرورة تخفيض الأجر لأن رب العمل سيدفع الأجر ولكنه مخفض ولهذا نقول بأن الفقرة ( هـ ) من قانون العمل الفلسطيني لا تصلح بديلاً لوجود نص صريح يتحدث عن مسألة تخفيض الأجر وحق العامل بالترك .
أما في الفقرة ( ز ) من قانون العمل الأردني فإنها تتحدث عن تخلف رب العمل عن تنفيذ أحكام القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه بحيث يحق للعامل ترك عمله بدون إشعار لتخلف رب العمل عن تنفيذ أحكام القانون ، ونحن لا نرى مثل هذا النص في قانون العمل الفلسطيني مما يؤدي إلى حرمان العامل من إحدى حقوقه ومزاياه التي أوجب القانون على رب العمل الالتزام بتأديتها ، ومثال على ذلك إن المادة 116 من قانون العمل الفلسطيني توجب “على صاحب العمل أن يؤمن جميع عماله عن إصابات العمل لدى الجهات المرخصة في فلسطين”.
هب أن هناك رب عمل رفض التأمين على أحد عماله أو على أحدهم ، ففي مثل هذه الحالة لا يستطيع العامل ترك العمل دون إشعار لعدم وجود نص يبيح له هذا الترك ، علماً بأن القانون قد أوجب على رب العمل التأمين على جميع عماله ، ونحن نرى في هذا الموضع أنه لا مجال للقول بأن نص الفقرة ( هـ ) من قانون العمل الفلسطيني تنطبق على هذه المسألة وذلك لأن التزامات رب العمل تجاه العامل تكون بموجب العقد ولا أعتقد أن هذه الأمور تنظم بالعقد ، بل إن التزام رب العمل يكون تجاه القانون وليس تجاه العامل وهذا يعني أنه لو أصيب عامل لدى أحد أرباب العمل وهو غير مؤمن على عماله فإن رب العمل سيضطر لتعويض العامل بموجب المسؤولية المدنية لأنه لم يلتزم بأحكام القانون التي تقضي بإلزام رب العمل التأمين على عماله ، وبما أن حقوق العامل المصاب مكفولة في كل الأحوال فإن رب العمل ملزم بتعويض العامل عن إصابته .
ولهذا نقول بأنه من الضروري على المشرع الفلسطيني تدارك هذا الأمر في قانون العمل الفلسطيني وإصدار قانون معدل لهذا القانون .
بالإضافة إلى ما تقدم فإن المشرع الفلسطيني قد أخطأ حين قسم في الفقرة الثانية من المادة 42 العمال المستقيلين إلى ثلاث فئات للحصول على مكافئة نهاية الخدمة ، ونرى هنا أنه من الضروري تعديل نص الفقرة الثانية بحيث يصبح في جميع الأحوال من حق العامل المستقيل لسبب من الأسباب الواردة في المادة ( 42 ) فقرة ( 1 ) الحصول على جميع مستحقاته بما فيها مكافئة نهاية الخدمة كاملة وذلك لكون رب العمل هو من قصر في تنفيذ التزاماته وليس العامل الذي قصر في تنفيذ الالتزام ، مما يمكن اعتباره فصل من قبل رب العمل للعامل ولكن بصورة غير مباشرة ، حيث أن رب العمل هو من دفع العامل إلى ترك العمل .
المبحث الثالث
النتائج المترتبة على الفصل التعسفي ، وبعض قرارات محكمة التمييز وموقف القانون المقارن .
هناك عدة نتائج تترتب على الفصل التعسفي للعامل وسوف نتعرض لهذه النتائج في المطلب الأول ، وفي المطلب الثاني سوف نعرض بعض قرارات محكمة التمييز ، أما في المطلب الثالث فسوف ندرج النصوص التي تتعلق بالفصل التعسفي الواردة في القوانين المقارنة .
المطلب الأول :
النتائج المترتبة على الفصل التعسفي
إذا قضت المحكمة بان فصل العامل كان تعسفياً فإنها مخيرة بالحكم بإعادة العامل إلى العمل الأصلي أو بأن يدفع رب العمل تعويضاً له عن هذا الفصل ويسمى التعويض عن الفصل التعسفي .
فالمادة 25 من قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 نصت على ” إذا تبين للمحكمة المختصة في دعوى أقامها العامل خلال ستين يوما من تاريخ فصله أن الفصل كان تعسفيا ومخالفا لأحكام هذا القانون جاز لها إصدار أمر إلى صاحب العمل بإعادة العامل إلى عمله الأصلي أو بدفع تعويض له بالإضافة إلى بدل الإشعار واستحقاقاته الأخرى المنصوص عليها في المادتين 32 و 33 من هذا القانون على أن لا يقل مقدار هذا التعويض عن أجور ثلاثة أشهر ولا يزيد على ستة أشهر ويحتسب التعويض على أساس آخر أجر تقاضاه العامل “.
أولاً
إعادة العامل للعمل
إن المادة (25) من قانون العمل الأردني التي تعطي الحق للمحكمة بإعادة العامل للعمل إذا فصل أو تأذن له بالتعويض ، ومع أن المحكمة تملك الصلاحية لإعادة العامل للعمل إلا أنها تتردد في ذلك لان الالتزامات المترتبة على عقد العمل التزامات شخصية يصعب ضمان تنفيذها إذا كان أحد العاقدين غير راغب في التنفيذ ولهذا تلجأ إلى التعويض ليسره وسهولة التنفيذ عليه ، ولا أعتقد أنه من الحكمة إعادة العامل إلى عمله وخاصة في المؤسسات والمنشآت الخاصة بالأفراد لما قد يحدث من مشاكل ، حيث أنه ليس من المعقول أن يقوم عامل برفع دعوى على رب العمل ويبقى رب العمل راضياً عنه بل أنه قد يكون راغباً في النيل منه ، ولو أنه راض عنه لما قام بفصله أصلاً ، ولهذا يكون التعويض هو الوسيلة الفضلى لحل مثل هذا النزاع .
ثانياً
التعويض عن الفصل التعسفي ومكافأة نهاية الخدمة
المادة (25) من قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 حددت التعويض عن الفصل التعسفي بأن لا يقل عن أجور ثلاثة اشهر ولا يزيد عن ستة اشهر ، وان التعويض يحتسب على أساس آخر اجر تقاضاه العامل .
والمادة 32 من القانون العمل الأردني نصت على ” مع مراعاة أحكام المادة 28 من هذا القانون يحق للعامل الذي يعمل لمدة غير محدودة ولا يخضع لأحكام قانون الضمان الاجتماعي وتنتهي خدمته لأي سبب من الأسباب الحصول على مكافأة نهاية الخدمة بمعدل أجرة شهر عن كل سنة من خدمته الفعلية ويعطي عن كسور السنة مكافأة نسبية وتحتسب المكافأة على أساس آخر أجر تقاضاه خلال مدة استخدامه أما إذا كان الأجر كله أو بعضه يحسب على أساس العمولة أو القطعة فيعتمد لحساب المكافأة المتوسط الشهري لما تقاضاه العامل فعلاً خلال الإثني عشر شهراً السابقة لانتهاء خدمته وإذا لم تبلغ خدمته هذا الحد فالمتوسط الشهري لمجموع خدمته وتعتبر الفواصل التي تقع بين عمل وآخر ولا تزيد على شهر كأنها مدة متصلة عند حساب المكافأة .
وأما قانون العمل الفلسطيني فإنه قد حدد التزامات رب العمل إزاء العامل المفصول تعسفياً بنص المواد 47 و 48 حيث جاء في نص المادة 47 ” مع احتفاظه بكافة حقوقه القانونية الأخرى ، يستحق العامل تعويضاً عن فصله تعسفياً مقداره أجر شهرين عن كل سنة قضاها في العمل على ألا يتجاوز التعويض أجره عن مدة سنتين” .
وأما المادة 48 من قانون العمل الفلسطيني فإنها تنص على ” تحتسب مكافأة نهاية الخدمة وتعويض الفصل التعسفي للعامل بالقطعة أو بالعمولة على أساس متوسط أجره الشهري في مدة السنة الأخيرة ” .
عند مقارنة نص المادة 47 من قانون العمل الفلسطيني مع نص المادة 32 من قانون العمل الأردني نجد أن قانون العمل الفلسطيني قد تميز عن قانون العمل الأردني بأنه قد أعطى العامل أجرة شهرين عن كل سنة عمل قضاها ، بينما قانون العمل الأردني لم يعطي العامل سوى شهر واحد عن كل سنة ، بالإضافة إلى ذلك فقد تميز قانون العمل الفلسطيني عن قانون العمل الأردني بأن قانون العمل الفلسطيني قد حدد أقصى تعويض بقيمة سنتين في حال الفصل التعسفي بينما نجد المادة 25 من قانون العمل الأردني تنص بأن قيمة التعويض على أن ” لا يزيد على ستة أشهر ” وهذا منحاً جيداً من قبل المشرع الفلسطيني لتقييد رب العمل بأن لا يقدم على فصل أحد عماله فصلاً تعسفياً .
أما المادة 48 من قانون العمل الفلسطيني فإنها تنص على أن “تحتسب مكافأة نهاية الخدمة وتعويض الفصل التعسفي للعامل بالقطعة أو العمولة على أساس متوسط أجره الشهري في مدة السنة الأخيرة ” ، وهذا النص مشابه لما تعرضت له المادة 32 من قانون العمل الأردني حيث أن احتساب مكافأة نهاية الخدمة للعامل الذي يعمل بالعمولة أو القطعة هو متوسط ما تقاضاه العامل خلال السنة الأخيرة من عمله .
المطلب الثاني
بعض قرارات محكمة التمييز
عند الحديث عن الفصل التعسفي يكون مما لا بد منه الحديث عن قرارات محكمة التمييز لما في ذلك من أهمية لمعرفة متى يكون الفصل تعسفياً لا سيما وأن قرارات محكمة التمييز تلعب دوراً كبيراً في تحديد مفهوم القانون في العديد من المسائل ومن قرارات محكمة التمييز بهذا الخصوص ” أن الشتم والتحقير ومحاولة الضرب برفع قطعة حديد من عامل على آخر لا يشكل أحد الأسباب التي تبرر الطرد من العمل بدون مكافأة ولا يعتبر الفصل الواقع في هذه الحالة فصلا تعسفيا ولا يصل إلى درجة التعسف”.
يفهم من هذا النص أن الفصل لم يكن تعسفياً وذلك لأن الفصل جاء بسبب السب ورفع قطعة الحديد من عامل على الآخر وهذا يعني أنه متى كان هناك سبب يبيح الفصل يكون الفصل غير تعسفي ورغم ذلك ، القانون أعطى للعامل حقه في المكافئة .
” رجوع الطرف المنهي عن الإنهاء غير المشروع لا يلزم الطرف الآخر ولا يؤثر في حقوقه المترتبة على الإنهاء” وهذا يعني أنه متى قرر رب العمل إنهاء العقد لا يكون باستطاعته أن يعود عن قراره إلا بموافقة العامل لأنه ليس من حق رب العمل أن يعبث بمصير العامل فينهي عمله متى شاء ، وإذا ما شعر أنه سوف يقوم بدفع تعويضات للعامل يرجع عن قراره لكي يتحاشى الدفع ، ولهذا حرمه القانون من حق الرجوع بدون الحصول على موافقة العامل .
” إذا كان عقد العمل لمدة محدودة وقام صاحب العمل بفصل العامل تعسفياً قبل انتهاء المدة المحدودة في العقد فإن ما يستحقه العامل هو المكافأة وبدل الإشعار”، إن هذا القرار الذي صدر عن محكمة التمييز هو قرار غريب لا سيما وأن القانون وبنصوص صريحة يقول بأنه في العقود محدودة المدة فإنه يتم تعويض العامل بدفع ما تبقى له من أجر حتى نهاية العقد وذلك بموجب المادة 26/أ حيث جاء فيها “…كما يستحق الأجور التي تستحق حتى انتهاء المدة المتبقية من العقد …”، إن هذا يدلل على أن محكمة التمييز قد أخطأت في قرارها لأنه مخالف لأحكام القانون حيث كان على المحكمة أن تحكم للعامل بباقي الأجر حتى نهاية العقد .
” إذا استخدم العامل أصلا في عمل فني يمارسه داخل المصنع ثم طلب إليه العمل في الإنشاءات وطرد من عمله بسبب امتناعه فيكون طرده تعسفياً لا يسيغه القانون ويكون العامل مستحقاً للمكافئة وبدل الإشعار”، إن هذا القرار يبين أنه متى تم فصل العامل بسبب امتناعه عن العمل في عمل آخر يختلف عن عمله اختلافاً واضحا فإن فصله يكون فصلاً تعسفياً يوجب التعويض .
” لا يوجب القانون على المحكمة الحكم بالتعويض عن الفصل التعسفي في كل حال إنما يترك لها الخيار في ذلك حسبما يتراءى لها من ظروف القضية ومقتضيات العدالة”، إني لأرى الغرابة في هذا القرار وذلك لأنه متى ثبت أن الفصل كان تعسفياً فإنه من الضروري أن يجبر الضرر والضرر هنا لحق بالعامل جراء فصله دون سبب مشروع ولهذا نرى أنه من الضروري أن يحكم للعامل بالتعويض بخلاف ما حكمت به محكمة التمييز بأن يكون الخيار للمحكمة بأن تحكم بالتعويض أم لا لأن ترك قيمة التعويض يكون للمحكمة أما الحكم بمبدأ التعويض متى ثبت أن الفصل تعسفياً لا يمكن تركه للمحكمة لأنه متى ثبت الضرر لزم التعويض على من تسبب بالضرر .
” إذا لم يتقيد المستخدم في سلطة قناة الغور الشرقية بأوامر رئيسه ، فيجوز عزله من عمله بعد إجراء التحقيق معه الذي يعتبر إتاحة فرصة له لبيان الأسباب التي تحول دون طرده وهو لا يستحق بعد ذلك مكافأة وبدل إشعار بعد عزله من خدمته ” إن هذا القرار يؤكد ما قلنا على ضرورة تقيد العامل بأوامر رب العمل وأنه متى رفض العامل التقيد بأوامر رب العمل جاز لرب العمل فصله من عمله ويكون حينها الفصل مشروعاً .
” إذا ترك العامل العمل بسبب أن صاحب العمل غَيَرَ شروط عمله ، فيكون من حق العامل المطالبة بالمكافأة ” وذلك لأنه لا يحق لرب العمل أن يغير من شروط العمل التي اتفق مع العامل عليها .
” إذا كان عقد العمل قد تم على أساس أن يكون للعامل مساعد على حساب رب العمل ، فإن امتناع رب العمل عن السماح للعامل بتشغيل عامل مساعد يجعل من حق العامل ترك العمل عملا بالمادة 18 من قانون العمل التي تجيز للعامل ترك العمل في مثل هذه الحالة ويكون صاحب العمل ملزم بالمكافأة وبدل الإشعار “، ما يتضح من هذا الحكم أن على رب العمل التقيد بشروط العقد والالتزام بهذه الشروط وأنه ليس من حق رب العمل تعديل شروط العقد ومتى قام رب العمل بتعديل شروط العقد من جانب واحد فإنه يكون من حق العامل ترك العمل مع احتفاظه بكامل حقوقه .
” يستحق العامل بدل الإشعار إذا كان يتقاضى أجوره بالمياومة واستخدم لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ، ويستحق العامل المكافأة إذا قضى ستة أشهر متواصلة أو أكثر في خدمة صاحب العمل على أن يستحق المكافأة عن كسور السنة بنسبة ما قضاه منها في الخدمة ، وإذا عمل العامل في كل السنة بصورة مستمرة باستثناء بضعة أيام كان صاحب العمل يوقفه فيها عن العمل ، فإنه يستحق المكافأة عن كل السنة بنسبة ما قضاه فيها في الخدمة بمعدل أجرة شهر عن الثلاث سنوات الأولى وأجرة نصف شهر عن كل سنة تالية “
المطلب الثالث
موقف القانون المقارن في التشريعات العربية
” أغلبية تشريعات العمل تتجه إلى أحقية العامل بالتعويض عما لحقه من ضرر اثر الفصل التعسفي في غير الأحوال الجائز الفصل فيها بالإضافة لما يستحقه العامل من تعويضات قانونية ، ويراعى في تقدير التعويض نوع العمل ومدة الخدمة ومدى التعسف في قرار الفصل ومدى تأثير هذا القرار في سمعة العامل وغير ذلك من الظروف والملابسات وفقا للعدالة “
وقد نصت الكثير من القوانين على حق العامل في التعويض نتيجة الفصل التعسفي فالمادة(25) من قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 تنص على :
” إذا تبين للمحكمة المختصة في دعوى أقامها العامل خلال ستين يوما من تاريخ فصله أن الفصل كان تعسفيا ومخالفا لأحكام هذا القانون جاز لها إصدار أمر إلى صاحب العمل بإعادة العامل إلى عمله الأصلي أو بدفع تعويض له بالإضافة إلى بدل الإشعار واستحقاقاته الأخرى المنصوص عليها في المادتين 32 و 33 من هذا القانون على أن لا يقل مقدار هذا التعويض عن أجور ثلاثة اشهر ولا يزيد عن ستة اشهر ويحسب التعويض على أساس آخر اجر تقاضاه العامل “
كذلك تناول نظام العمل والعمال في المملكة العربية السعودية التعويض عن الفصل التعسفي ” إذا فسخ العقد لغير سبب مشروع كان الطرف الذي أصابه ضرر من هذا الفسخ الحق في تعويض تقدره اللجنة ، على أن يراعى فيه ما لحقه من أضرار مادية وأدبية “
ونصت المادة (123) من القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1980 لدولة الإمارات العربية المتحدة ” إذا فصل العامل فصل تعسفيا فللمحكمة المختصة أن تحكم على صاحب العمل بدفع تعويض للعامل ، وتقدر المحكمة هذا التعويض بمراعاة نوع العمل ومقدار الضرر الذي لحق بالعامل ومدة خدمته “.
وفي قانون العمل الموريتاني رقم 33 /1963 تناول موضوع التعويض عن الفصل التعسفي بنص المادة 24/221 من القانون المذكور ” كل فسخ تعسفي لعقد العمل يمكن أن يرتب تعويضاً ، ويقوم القضاء المختص بإثبات التعسف وذلك بإجراء تحقيق عن أسباب وظروف فسخ العقد ، ويعتبر فصلاً تعسفياً بصفة خاصة ، كل فصل يقع دون أسباب قانونية أو بسبب آراء يعتنقها العامل أو بسبب نشاطه النقابي أو انتمائه لنقابة معينة ” .
” أما المشرع اللبناني فقد نص في قانون العمل الصادر في 23/9/1964 مع تعديلاته على إلا ينقص التعويض الذي يحكم للعامل عن بدل أجرة شهرين وان لا يزيد عن بدل أجرة اثني عشر شهرا “
وكذلك نجد أن الاتفاقيات العربية اهتمت بتعويض العامل الذي يفسخ عقده بلا مبرر وبلا سبب قانوني فنصت الاتفاقية العربية لعام 1966 على انه ” إذا فسخ العقد بلا مبرر كان للطرف الذي أصابه ضرر من هذا الفسخ الحق في تعويض تقدره المحكمة مع مراعاة نوع العمل ومقدار الضرر ومدة الخدمة والعرف الجاري بعد التحقيق في ظروف الفسخ “.
بعد النظر إلى هذه النصوص نستنتج أن العديد من قوانين العمل العربية أوجبت التعويض عن الفصل التعسفي للعامل ، وهذا يعني أنه متى فصل العامل لأسباب غير مشروعة توجب على رب العمل تعويض هذا العامل عما أصابه من ضرر نتيجة الفصل من العمل .
وتنص المادة 696 من القانون المدني المصري على “1-يجوز الحكم بالتعويض عن الفصل ولو لم يصدر هذا الفصل من رب العمل إذا كان هذا الأخير قد دفع العامل بتصرفاته وعلى الأخص بمعاملته الجائرة إلى أن يكون العامل في الظاهر الذي أنهى العقد .
2-نقل العامل إلى مركز اقل ملائمة من المركز الذي كان يشغله لغير ذنب جناه لا يعد عملا تعسفيا بطريق غير مباشر إذا ما اقتضته مصلحة العمل ولكنه يعد كذلك إذا كان الغرض منه إساءة للعامل”
” فالمشرع قصد من نص المادة 696 مواجهة حالات التحايل من جانب صاحب العمل عندما يريد إنهاء عقد أحد عماله ، فبدلا من أن يصدر قرار بذلك يقوم بمعاملة العامل معاملة جائرة ليدفعه إلى ترك العمل ، فترك العامل للعمل في هذه الحالة يعتبر فصلا تعسفيا ويلزم صاحب العمل بالتعويض”.
يعتبر الإنهاء تعسفي في ثلاث صور عددتها المادة الخامسة من القانون المدني المصري وهي :-
“1- قصد الإضرار بالغير.
2- عدم تناسب مصلحة صاحب الحق مع الضرر الذي يصيب الغير.
3-عدم مشروعية المصالح التي يرمي إليها من يستعمل الحق”
أما في قانون العمل الفلسطيني تنص المادة 42 والتي جاء فيها :-
“1. يجوز للعامل ترك العمل بعد إشعار صاحب العمل مع احتفاظه بحقوقه القانونية بما فيها مكافأة نهاية الخدمة وما يترتب له من حقوق ، وذلك في أي من الحالات الآتية :
تشغيله في عمل يختلف في نوعه أو درجته اختلافاً بيناً عن العمل الذي اتفق عليه بمقتضى عقد العمل إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك ولمدة مؤقتة منعاً لوقوع حادث أو في حالة القوة القاهرة .
تشغيله بصورة تدعوا إلى تغيير مكان إقامته .
الثبوت بتقرير طبي صادر عن اللجنة الطبية أن استمراره في عمله يشكل خطراً على حياته .
اعتداء صاحب العمل أو من يمثله على العامل أثناء العمل أو بسببه بالضرب أو التحقير.
هـ.عدم وفاء صاحب العمل بالتزاماته تجاه العامل رغم مطالبته بها كتابياً .
2. استثناء مما ورد في البند ( 1 ) أعلاه يحق للعامل إذا استقال من عمله خلال السنوات الخمس الأولى ثلث مكافئة نهاية الخدمة ، وثلثي مكافئة نهاية الخدمة إذا كانت الاستقالة خلال السنوات الخمس التالية ويستحق المكافئة كاملة إذا أمضى عشر سنوات أو أكثر في العمل” هذه هي مواقف القانون المقارن حول موضوع الفصل التعسفي
الخاتمة
في نهاية بحثي هذا استطعت أن اخرج بخلاصة مهمة جدا إلا وهي أن الفصل التعسفي يعتبر من الأسباب غير المشروعة لإنهاء عقد العمل حيث انه يتضمن معنى إنهاء عقد العمل من قبل صاحب العمل وليس من قبل العامل ، وهنا نقول بأن موقف القانون كان واضحاً وصريحاً بأنه ليس لرب العمل فصل العامل متى شاء ، ولا بالوقت الذي يراه مناسباً وفي حالة قيامه بذلك يتوجب عليه التعويض ، حيث لا يجوز الفصل من العمل إلا لسبب مقبول قانوناً ، كما أنه إذا تبين أن العامل هو الذي ترك العمل لسبب من الأسباب التي تبيح له الترك فانه رغم تركه يستحق التعويض ، كأن يعمد رب العمل ” إلى خفض أجر العامل … فإن للعامل إنهاء عقد العمل دون إشعار ، مع احتفاظه بجميع حقوقه القانونية ” أما إذا ثبت توفر إحدى صور الفصل التعسفي والأحكام غير الجائزة في القانون كما في حالة الفصل لنشاط نقابي للعامل أو الفصل أثناء إجازة العامل المرضية أو أثناء تجنيد العامل أو قيام صاحب العمل بمعاملة العامل معاملة جائرة تدفعه إلى ترك العمل ، فإن على رب العمل تعويض العامل ودفع كافة مستحقاته .
المراجع
باحثون قانونيون/تشريعات العمل في فلسطين/الطبعة الأولى/جامعة بيرزيت/رام الله /1995 .
حقوق العمال الفلسطينيين العاملين لدى أرباب العمل الإسرائيليين/الطبعة الأولى/مؤسسة الحق/رام الله 1986
الدكتور عبد الواحد كرم/قانون العمل/الطبعة الأولى/دار الثقافة للتوزيع والنشر/عمان /1998.
عزت عبد الله البنداري/قانون العمل/الطبعة الأولى/الاتحاد العام لنقابات عمال مصر /القاهرة/1991 .
العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية / 1966 .
الدكتور فتحي عبد الصبور/الوسيط في قانون العمل/الجزء الأول/الطبعة الأولى /1985 .
قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 .
قانون العمل الفلسطيني رقم 38/98/ل لسنة 2000 .
القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة1976 .
مجلة نقابة المحامين الأردنيين ( قرارات محكمة التمييز ) .
مركز المرأة / نحو المساواة والمرأة الفلسطينية / U.N.D.P.
مشروع قانون العمل الفلسطيني / المقترح في كانون أول 1996 .
مشروع قانون العمل الفلسطيني رقم 38/98/ل المقر بالقراءة الثانية بتاريخ 27/10/1999 .
الدكتور منصور إبراهيم العتوم/شرح قانون العمل الأردني/الطبعة الأولى/عمان /1992 .
الدكتورة ناهد العجوز/الحماية الجنائية للحقوق العمالية/الطبعة الأولى/منشأة المعارف/ الإسكندرية/1996 .
الدكتور هشام رفعت هاشم/شرح قانون العمل الأردني/الطبعة الأولى/مكتبة المحتسب /عمان .
بحث قانوني كبير حول الفصل التعسفي للعامل