دراسة مفصلة عن السر المهني للمحامي

من طبع الإنسان انه اجتماعي ولا يمكنه العيش إلا داخل مجتمع منظم . وباعتباره أحد مكونات هذا المجتمع وقرر العيش داخله فإن ظروف الحياة الاجتماعية تخلق اختلالات بل وفوارق من شأنها أن تهدد حقوقه وتلحق به أضرارا مختلفة.
واعتبارا انه لا يتأتى لأحد أن يكون محاميا لشخصه خلقت الحاجة إلى إيجاد مهنة المحاماة، وطبيعي أن يكون دور المحامي هو الدفاع عن حقوق ومصالح من كانت حقوقه ومصالحه مهددة أو تم المساس بها.

ولكي يقوم المحامي بمهامه على أحسن وجه، فانه بحاجة إلى الاستماع لتصريحات موكله أو بعبارة أوضح يتعين على الموكل أن يبوح بأسراره للمحامي.

نعم، قد يتعلق الأمر باغتصاب لأحذ فلذات كبد الموكل من لدن زوج الأم مثلا، وقد يتعلق الأمر بخيانة زوجية أو أن الزوج نقل عدوى مرض فقدان المناعة المكتسبة لزوجته أو أن محاسب استولى على مالية الشركة إلى غير ذلك من المآسي التي قد يتعرض لها الانسان داخل مجتمع ما. كل هؤلاء يبوحون بأسرارهم للمحامي لأنهم يعلمون مسبقا أن هذا الأخير لن يتجرأ على إفشاء أسرارهم للغير، وبذلك يصبح المحامي مؤتمنا على أسرارهم ويصير من ثم مسؤولا مهنيا وجنائيا اتجاه موكليه واتجاه المجتمع.

ومن هذا المنطلق، خلقت فكرة الالتزام بالسر المهني أول الأمر لدى الأطباء ( ابقراط 460 – 370 قبل الميلاد، كان يقول ” داخل المنازل ، لن ترى عيني ما يحدث وسيكتم لساني الأسرار التي تم ائتماني عليها ” … أو ” سأكتم الأشياء التي أثناء أو خارج فني يمكن أن أرى أو أسمع بخصوص حياة الناس والتي لا يمكن البوح بها” ) ( 1 ) ، ثم لدى القساوسة، ثم لدى المحاميين.
بعد ذلك تم توسيع نطاق الالتزام بالسر إلى مهن أخرى : الجراحون والصيادلة والمولدات، الخ … إلا أن الملاحظ هو أن السر المهني للمحامي يعتبر من بين القلائل الذين أحسنوا الصمود لحد الساعة نظرا ـ ربما ـ للعقليات الكلاسيكية لممارسي مهنة المحاماة ( 2 ) بالمقارنة أساسا مع السر المهني للطبيب الذي أصبح يتفتت أمام العدد الهائل من الحالات التي يجب على الطبيب التصريح بها ( حوالي 50 حالة من بينها : الولادة، الوفاة، الاغتصاب، مرض فقدان المناعة المكتسبة، الحمى الصفراء، الجدري، الطاعون، الكوليرا، الحمى القرمزية، الخ……..) .

1 ) خالد خالص، “السر المهني للطبيب” ، مجلة المحاكم المغربية العدد 98 ، نونبرـ دجنبر 2002 ، ص 96 .
2 ) ج. هاملان و أ. داميان ” قواعد مهنة المحاماة”، دالوز، الطبعة التاسعة، 2000 ، ص . 310 .
J.Hamelin et A.Damien « Les règles de la profession d’avocat », Dalloz, 9 éme éd. 2000, p.310
كما اهتمت الشريعة الإسلامية بالسر بصفة عامة وأحاطته بعناية خاصة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم انه مسلم : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان” ( 3 ) كما قال (ص) : ” الحديث بينكم أمانة ” (4).

كما نجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 دجنبر 1948 يؤكد صراحة على ضرورة احترام الحياة الخاصة في الفصل 12 الذي ينص على ما يلي :

” لا يمكن لأحد أن يكون محل تدخل تعسفي في حياته الخاصة أو بالنسبة لأسرته أو منزله أو مراسلاته، وكل شخص له الحق في الحماية القانونية ضد مثل هذه التعسفات أو ضد هذه الخروقات “.
ومن جهة أخرى، نجد الفصل 446 من القانون الجنائي المؤرخ في 27 نونبر 1962 ينص على ما يلي :

” الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى ألف درهم.
غير أن هؤلاء الأشخاص لا يعاقبون بالعقوبات المقررة في الفقرة السابقة إذا بلغوا عن إجهاض علموا به بسبب مهنتهم أو وظيفتهم، وان كانوا غير ملزمين بهذا التبليغ، وإذا استدعوا للشهادة أمام القضاء في قضية إجهاض فإنهم أحرار في الإدلاء بشهادتهم أو عدم الإدلاء بها، دون أن يتعرضوا لأية عقوبة”

كما نجد الفصل 36 من ظهير 10 شتنبر 1993 المنظم لمهنة المحاماة ينص بدوره على مايلي :

” لا يجوز للمحامي أن يفشي أي شيء يمس بالسر المهني في أي قضية”.
وانه من التقاليد الراسخة لدى هيئة المحامين بالرباط اعتبار السر المهني كواجب إجباري على المحامي احترامه وملزم له كركن من الأركان الأساسية لمهنته، وقد دون الفصل 29 من النظام الداخلي هذا العرف وهذا التقليد حيث نص على ان :
“المحامي مدين بالكتمان المطلق للسر المهني فلا يمكنه أن يسلم للغير الوثائق المودعة لديه من طرف موكله أو يدلي بشهادة كيفما كانت لصالحه أو ضده.

الالتزام بالسر المهني بالنسبة للمحامي عام ومطلق في جميع نشاطاته المهنية بدون أي تمييز أو استثناء”.
وأخيرا نجد جميع القوانين التى تنظم مهنة المحاماة فى البلدان الاخرى تنص على الزامية المحافظة على السر المهني ضمن قسم المحامي بينما الفصل 12 من ظهير 10 شتنبر 1993 و الذي ينظم القسم ينص فقط على ان المحامي يمارس مهام الدفاع آخذا بعين الاعتبار قواعد مجلس الهيئة التي ينتمي إليها وألا يفوه أو ينشر ما يخالف القوانين.
فالسر المهني منظم بمقتضى الأخلاق أولا وبمقتضى الشريعة الإسلامية، وبمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي صادق عليه المغرب، وبمقتضى القانون الجنائي ( الفصل 446 )، وبمقتضى الفصل 36 من ظهير 10 شتنبر 1993 بتنظيم مهنة المحاماة، وبمقتضى الفصل 29 من النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط، وبمقتضى أعراف وتقاليد هذه الأخيرة، وبمقتضى الفصل 79 ق.ل.ع. )

عن أبي هريرة ( متفق عليه)، انظر “احياء علوم الدين”
للإمام الغزالي، الجزء III ، ص 133 دار المعرفة سنة 1972 .

(4) أخرجه أبو داوود والترميذي.
فالسر المهني كان في البداية التزام أخلاقي قبل أن يتحول إلى التزام ديني ليعرف فيما بعد حماية قانونية ومناقشات فقهية اخدت اتجاهين : الاتجاه التعاقدي ( 5 ) واتجاه النظام العام (6).

وينظر الاتجاه الأول إلى أن الالتزام بالسر المهني ينتج عن العلاقة التعاقدية بين المحامي وموكله، وكان البعض ينظر إلى العقد كعقد وديعة ( 7 ) بينما كان يرى البعض الآخر بأن الأمر يتعلق بعقد وكالة ويرى آخرون بأن الأمر يتعلق بعقد غير مسمى (8).
ولن نعمل في هذه الدراسة على تحليل أطروحات البعض على البعض الآخر لان الواجب المهني في نظرنا يفوق إطار الالتزامات التعاقدية، ولكن سنعمل على الوقوف شيئا ما على نظرية النظام العام لاميل كارسون. بالفعل فإن الالتزام بالسر المهني للمحامي لم يقنن على أساس مصلحة المحامي كمحامي ولا حتى لفائدة موكله ولكنه قنن من أجل مصلحة النظام العام. وإذا كان القانون الجنائي وقانون المهنة يعاقبان على إفشاء السر فلأن المصلحة العامة تتطلب ذلك وليس لان الإفشاء قد تسبب في حدوث ضرر لشخص ما .

فإفشاء السر لا يصيب فقط الشخص الذي أباح به للمحامي ولكنه يصيب المجتمع ككل لأنه ينزع الثقة عن مهن يرتكز عليها المجتمع والتي من المفروض أن تحيط بها.
نعم “إن حسن سير المجتمع يفرض أن يجد المريض طبيبا والمتقاضي مدافعا والكاتوليكي قسيسا، ولكن لا الطبيب ولا المحامي ولا القسيس بإمكانهم القيام بمهامهم إذا لم تكن الأسرار التي تم البوح لهم بها محاطة بسرية لا يمكن خرقها، ومن ثم فإنه من الأنجع للنظام الاجتماعي أن تكون الأسرار الضرورية محاطة بالكتمان وأن يكون الصمت محيطهم بدون قيد ولا شرط لأنه لا أحد سيلجأ إليهم إذا ما كان الناس سيخشون إفشاء الاسرار التي أودعوها ” (9)
وانه في هذا الاتجاه تدخل المشرع الجنائي لأن إفشاء السر المهني يزعزع النظام العام مباشرة ولا يصيب مصالح الموكل إلا بطريقة غير مباشرة، ومن ثم كان القانون الجنائي هو الذي يحمي الالتزام بالسر المهني سواء أكان هنالك ضرر أم لا.
حقا، إذا كان المجتمع يجيز للمحامي التدخل في الحياة الخاصة لزبونه والتعرف على حميميتها حتى يتأتى له الإحاطة بمشكله والتمكن من الدفاع عن مصالحه بطريقة افضل، فإن نفس المجتمع وبالمقابل يمنع عليه الكشف عن هذه الحميمية، وإن هذا المنع هو الذي يقوي ثقة الزبون في دفاعه ليفتح له باب أسراره ويفضي له بمكنوناته.

(5) بيمنتا لويس : « السر المهني للمحامي » ، دار بيدون 1937 ،ص 32 ، فو “السر المهني للمحامي”، أطروحة تولوز 1942 ، ص 26 ، ساسيرت سيمو ن « بعض الملاحظات حول السر المهني للقضاة والمحامين »، تقرير قدم إلى الاتحاد البلجيكي بتاريخ 15 / 1 / 1949 ص 31 .
Piementa Louis, ” Le secret professionnel de l’avocat ” , éd. Pedon, 1937 , p.32,Fau « Le secret professionnel de l’avocat », thèse, Toulouse, 1912, p.26, Sasserth Simon : « Quelques considérations sur le secret professionnel des magistrats et des avocats », rapport présenté à l’union Belge pénal le 15-1-1949,p.31.
(6) اميل كارسون « القانون الجنائي الفرنسي لسنة 1810 مع التعليق.
Emile Garçon ” Code Pénal Français annoté ” de 1810, note sous art.378.
(7) ديلماس مارتي « بخصوص السر المهني » والرز 1982 ، كرونيك، ص 268 ، بيامنطا لويس، المرجع السابق، ص 32 .
Delmas Marty : ” A propos du secret professionnel ” D.1982,chro.p.268, Piementa L.,op.cit.p.32.
(8) شارمنتيي : ” السر المهني : حدوده وتجاوزاته” 1926 ، ص 227 .
Charmantier A.P, ” Le secret Professionnel : ses limites et ses abus ” , 1926, p 227.
(9) ايميل كارسون، المرجع السابق، الفصل 378 ، الرقم 7 .
Emile Garçon, op.cit., art.378,n°7.
وكما قال الأستاذ بيرناد هورفي على السر المهني للأطباء في مؤلفه “الأسرار المهنية” ما معناه : ” أقول ليس هناك دفاع جيد بدون اعترافات ولا اعترافات
دون ثقة ولا ثقة دون سر”.

إن السر المهني للمحامي يجد سببه في الالتزام بالسرية والاحترام اللازمين للزبون من لدن المحامي الذي يطلع على حميمية هذا الأخير، وبذلك يمكن القول بأن السر المهني ليس هو امتياز للمحامي وإنما هو تحمل في خدمة المؤسسة القضائية والشرعية ودولة الحق والقانون بصفة عامة.
وإن هذا التحمل يرتكز على خاصيات الإنسان المفروض توفرها، ويرتكز على القسم المؤدى وعلى الثقة الموضوعة فيه من لدن المجتمع ككل.

إن الزامية السر المهني تعتبر من النظام العام ولا تعرف أي استثناء إلا اتجاه النقيب أو الشخص الذي يمثله ( الفصل 29 ، الفقرة 5 من النظام الداخلي).
كما أن نتيجة النظام العام تكمن في أن المتابعة الجنائية للنيابة العامة لا ترتبط بتاتا بشكاية الضحية أو بالضرر الذي أصاب هذه الأخيرة، وانه لا يحق لأحد أن يحرر المحامي من هذا الالتزام ولو كان زبونه.
ولقد أنهى مجلس النقض الفرنسي دابر الخلاف حول هذا الموضوع بمقتضى قراره الصادر بتاريخ 1844/5/11 حيث ورد فيه ما يلي :
” حيث ان المحامي كان ملزما دائما بحماية سر غير قابل للإفشاء بخصوص كل ما يصل إلى علمه وان هذا الالتزام القطعي من النظام العام، فإنه لا يتأتى لغيره الاطلاع عليه” ( 10 ).
هذا وقد أعطى القرار الصادر عن محكمة الجنايات بفرنسا (لوط و كارون) المؤرخ في 1887/12/15 تفسيرا أكثر دقة ووضوحا للطابع المطلق للسر المهني حيث جاء فيه ما يلي :
” حيث إن التخلي عن اعتبار السر المهني التزاما مطلقا لتحويله إلى التزام نسبي يعني القضاء عليه وفتح الباب لتقديرات تحكمية في حالة إباحة خرقه عند الضرورة” ( 11 )

ولقد عبر عن ذلك مجلس هيئة المحامين بباريز حسب قراره الصادر في 1887/3/8 حيث صرح بما يلي :
” يمكن للمحامي الإمساك عن القول رغم الإذن له بالحديث من لدن زبونه إذ لا يعتبر هذا الأخير الحكم الوحيد فيما يخص مصلحته، إذ ان دفاعه هو المؤهل للبت في ذلك، ذلك أن إذن الزبون إن كان ضروريا فهو ليس كاف”، وهذا هو الموقف الذي تبنته ضمنيا محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 1962/5/24 حيث ورد فيه ما يلي :
“يمكن للمحامي رفض الإدلاء بشهادة بخصوص وقائع وصلت إلى علمه بمناسبة مزاولة عمله، وان هذه القاعدة لا تعرف أي استثناء حتى و لو بلغ إلى علمه أن زبونه خرق القانون ولو كان الجنائي منه”.
كما أن الالتزام بالسر المهني الذي يمس بالوضع الخاص للشخص وبالنظام العام يمكنه أن يثير إشكاليات من حيث تطبيقه في الحقل العملي، وللإحاطة بهذه الإشكاليات يتعين التطرق أولا إلى كنه ومدى السر المهني للمحامي وكذا الأشخاص المعنيين بهذا السر.

يمكن القول وبصفة إجمالية ان السر المهني له طابع مطلق ( من حيث المبدأ) وانه من النظام العام و يشمل كل ما يصل إلى علم المحامي بمناسبة مزاولته لمهنته.
وإلزامية السر المهني لا تشمل فقط تصريحات واعترافات الزبون( اذا اثارها راسا لراس مع المحامي – اما اذا اثارها بحظور آخرين فانها لا تعتبر سرا ) وإنما تشمل كل ما يصل إلى المحامي من علم، سواء بمقتضى كتابات قرأها ( وثائق مختلفة، مراسلات، الخ …)، أو استفسارات أو استشارات أعطاها أو ملاحظات أبداها أو أتعابا قبضها، بل أكثر من ذلك فإن حتى زيارة الزبون تعتبر من الأسرار التي يجب عدم الإفصاح عنها” ( 12 ).

10 ) بانديكت فرانسيز ـ السر المهني ـ رقم 21 .
Pandectes Françaises – ” Secret professionnel ” , n°21.
(11) مجلة القصر، 1888 ، 1 ، ص 129 .
Gazette du Palais, 1888,1,p.129.
(12) غربازيي، محامي ونقيب سابق، ” تقاليد هيئة بوردو” الصادر سنة 1910 ، صحيفة 157 .
R.
Brazier, avocat et ex bâtonnier, ” La tradition du Barreau de Bordeaux ” , 1910,p.157.
ومن تم كان على كل محام تم استدعاؤه كشاهد أن يرفض الإدلاء بشهادته بشأن وقائع علم بها بمناسبة مزاولته لمهنته، حتى لو رخص له بذلك موكله، ويعتبر هذا المنع مطلق سواء في القضايا المدنية أو الجنائية أو الضريبية أو غيرها. لكن السؤال المطروح هو الآتي : هل يجب على المحامي الذي يعلم بمناسبة مزاولته لعمله وشك وقوع عمل إجرامي أن يخبر بذلك السلطات المعنية أم عليه كثمان أسرار موكله؟ .

هذا هو التناقض الحاصل ما بين الفصل 446 والفصول 209 و 299 من القانون الجنائي مثلا أو الفصل 218-8 من قانون محاربة الإرهاب (ظهير 28 مايو 2003 ، ج وعدد 5112 ، 29 مايو 2003 ، صفحة 1755 ). وإذا كان السؤال دقيق ومحرج فان الجواب لا يمكنه أن يكون إلا كذلك. إلا أن البعض يرون بأن القانون الجنائي أعلى من القانون المهني ( 13 ) وهنا أيضا نجد أن إفشاء السر المهني معاقب عليه ليس فقط من قبل القانون الجنائي ( ف 446 ) ولكن أيضا من قبل القانون المنظم للمهنة والقانون الداخلي. إذن ما العمل؟ إذا أفشيت تعاقب وإذا لم تخبر تعاقب ! ، يمكن القول بأن الآراء تبقى منقسمة، وان اتجاه الآراء يذهب في الظروف الأخيرة مع الالتزام بالإخبار ما عدا إذا لم يعلم المحامي بالجريمة إلا بعد وقوعها. اما اذا جاء شخص عند المحامي ليخبره بانه سيرتكب جريمة فان هذا الشخص لم يصبح بعد زبونا للمحامي لان الجريمة لم ترتكب بعد و ان على المحامي التزام بالاخبار.

وفي هذا المنحى تنص المادة 65 من قانون المحاماة المصري على ما يلي : “على المحامي أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إلا إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة”.
ومن جهة أخرى، فإن الالتزام بالسر لا ينتهي بطلب من ورثة الزبون الذي أباح بأسراره للمحامي، كما لا ينتهي بتغيير المحامي لمهنته ولا بتقاعده ولا حتى بوفاته.

وبصفة عامة فان الالتزام بالمحافظة على السر المهني يمتد إلى كل ما سمع المحامي أو قرأ أو شاهد أو عاين خلال مزاولته لمهنته، ولا حاجة للبحث فيما إذا كانت الوقائع المحمية بالسر من شأنها الإضرار بالزبون إذا ما تم إفشاؤها.

ولقد أصدرت محكمة الاستئناف ببروكسيل بتاريخ 1974/06/18 قرارا بليغا بخصوص هذا الموضوع، حيث ورد فيه ما يلي :

” إن المحامي ملزم وبشكل صارم بالاحتفاظ بالسر المفضى به اليه ، ولا يمكن له بأي حال من الأحوال ولأي سبب كان، وفي أي زمن كان خيانة هذا السر، وان السر المهني يجد أساسه في أنه يتعين على ممتهني هذه المهنة أن يعطوا الضمانات الضرورية للثقة خدمة للصالح العام حتى تتكون قناعة لمن يتوجه إليهم بأن الإفشاء بأسرارهم لهم لا يشكل خطورة عليهم وأنهم لن يفشوها للغير” ( 14).

وبذلك، فإن السر المهني هو ملك للزبون وانه وكيفما كانت مصلحة هذا الاخير فإنه لا يتأتى للمحامي ترك سر يفلت منه، هذا السر الذي ليس ملكه، وبالتالي فإن من مصلحة المحامي في هذه الحالة أن يكون فاقد الذاكرة اتجاه الغير بخصوص كل ما يقرأه أو يعاينه أو يسمعه بمناسبة مزاولته لعمله.

(13) عن داميان وهاملان، المرجع السابق، ص 342 .
Rapporté par Damien A. et J.Hamelin, opt.cit,p.342.
(14) باصي كريزي، 1975 ، II ، صحيفة 42 .
Pasicrisie,1975,II,p.42.

و تتكون جنحة الفصل 446 من العناصر ال خمس التالية :

  • 1 ) واقعة تم الكشف عنها،
  • 2 ) يجب أن تكون الواقعة سرا،
  • 3 ) صفة الشخص الذي أفشى السر،
  • 4)يجب أن يكون الضنين قد توصل بالسر بمناسبة مزاولته لمهنته و 5 ) القصد الجنائي (15).

ويمكن أن يتم الإفشاء شفويا أو بواسطة الكتابة أو بواسطة إحدى وسائل الاتصال : رسائل، صحف، هاتف، تلغراف، فاكس، شبكة الانترنيت، الخ …
إلا انه تجدر الملاحظة بان الالتزام بالسر المهني إذا كان مطلقا من حيث المبدأ، فإنه يبقى نسبي من حيث المساحة على عكس سر البوح لدى القسيس الذي يبقى مطلقا مثلا، وعلى المحامي وحسب ضميره أن يحدد الأسرار التي بإمكانه البوح بها أمام هيئة الحكم للدفاع عن موكله من التي يجب عليه كتمانها.

بالفعل فإنه على عكس الأسرار التي يتم البوح بها للقسيس والتي على هذا الاخير الاحتفاظ بها لنفسه وعدم البوح بها، فإن الأسرار التي يتم البوح بها للمحامي تكون من أجل هدف معين : فهم حالة إنسانية وبسطها أمام المحكمة. وانطلاقا من هذا المفهوم نجد الفصل 79 من القانون المصري المتعلق بمهنة المحاماة ينص على ما يلي :

” على المحامي أن يحتفظ بما يفضي به إليه موكله من معلومات ما لم يطلب منه إبداءها عن مصالحه في الدعوى”، على عكس القانون المغربي ( ف 36 ظهير 1993 ) الذي لا يفرق بين ما يمكن كتمانه وما يمكن بسطه كما لو انه يخلط ما بين السر المهني للمحامي وما بين السر المفضى به للقسيس وهو أمر غير صحيح. كما نجد طريقة تحرير الفصل 29 من النظام الداخلي فيها نقص اكثر باعتبار أن هذا الفصل ينص على أن ” المحامي مدين بالكتمان المطلق للسر المهني فلا يمكنه أن يسلم للغير الوثائق المودعة لديه من طرف موكله أو يدلي بشهادة كيفما كانت لصالحه أو ضده، الالتزام بالسر المهني بالنسبة للمحامي عام ومطلق في جميع نشاطاته المهنية بدون أي تمييز أو استثناء” ، كما نجد غموضا أكبر في الفقرة 4 من نفس الفصل الذي ينص على أن المحامي “إن دعي للإدلاء بشهادة في قضية مدنية أو جنائية وجب عليه إشعار النقيب بذلك”.
وتجدر الملاحظة بأنه من الممكن فهم الأمر إذا تعلق بشهادة المحامي المتعلقة بوقائع لا تهم زبونه ولا خصم هذا الأخير في قضية لا توجد بين يدي المحامي، ولكن حينما يتعلق الأمر بشهادة المحامي بخصوص قضية بين يديه سواء لصالح أو ضد موكله كان الاجتهاد القضائي والفقه متفقان دائما على انه لا يصح للمحامي الكشف عن أسرار موكليه حتى ولو كان الأمر سيؤدي إلى إظهار الحقيقة (16).

كما أن الفصل 31 من القانون التونسي المتعلق بمهنة المحاماة ينص مثلا على انه “لا يجوز للمحامي الشهادة في نزاع ينوب فيه أو استشير فيه”، ويكون الأمر على عكس ذلك إذا تعلق الأمر بالإدلاء بشهادة ليس بوصفه محاميا ولكن بمجرد شهادة في قضية لا يدافع فيها، ولكنه ملزم في هذه الحالة بإخبار النقيب.
ومن بين نتائج الالتزام بالسر المهني يأتي عدم المساس بالرسائل والوثائق المسلمة للمحامي من طرف موكله، ففي قرار صادر بتاريخ 12 مارس 1886 بتت محكمة النقض الفرنسية بكيفية لا جدال فيها حيث قالت المحكمة ان مبدأ الدفاع الحر يسيطر على المسطرة الجنائية وانه يجب إزالة جميع العراقيل بين المتهمين ومدافعيهم وانه يمنع على هؤلاء تحت طائلة تطبيق مقتضيات الفصل 378 من القانون الجنائي إفشاء الأسرار التي وصلت إلى علمهم، وانهم مرخصون بعدم الإدلاء بشهادتهم في شأنها أمام المحاكم وبالتالي فإنه يمنع حجز الوثائق والرسائل التي توصلوا بها من زبنائهم، وبالتالي كذلك يمنع حجز الرسائل المرسلة إليهم قبل أن يتوصلوا بها لأنها تكون اتصالات يجب احترامها وتحتوي على سر يجب تقديسه (17).
15) لحسن البوعيسي : ” Mémento des infractions de droit pénal spécial » . p. 62
16 ) محمد عبد الظاهر حنين، ” المسؤولية المدنية للمحامي اتجاه العميل”، دار النهضة العربية، 1993 صفحة 144 .
17 ) دالوز، 86،1،345 .
Dalloz, 86,1,345.

إن الاجتهاد القضائي لم يتسامح أبدا مع خرق السر المهني فالمحامي يرتكب خطأ مهنيا حينما يفشي علنيا كل كتاب يتصف بالسر الطبي، ودفاع المحامي عن المصالح المكلف بها لا يشكل سببا كافيا للقول بمشروعية الخرق المنسوب إليه.
فالسر المهني المتعلق بالأطباء يشمل جميع الوثائق المتعلقة بالحالة الصحية للشخص، وكون المحكمة الجنحية لم تبعد من المناقشات الوثيقة المتنازع في شأنها ليس له أي أثر على المتابعة التأديبية الموجهة ضد المحامي (18).
إن محكمة الاستئناف لمدينة آنجر في قرارها الصادر في 04/06/1983 أصدرت قرارا تأديبيا ضد محامي وذلك بتوقيفه عن مزاولة مهنته لمدة ثلاثة أشهر لأنه أخل بالالتزام بالسر المهني (19).

كما إن هيئة المحامين بباريس ” لجنة قواعد المهنة” قامت بتذكير المحامين المستشارين للمقاولات الذين يتوصلوا من زبنائهم بمناسبة غلق حسابات الشركات برسائل تسألهم عن المساطر التي لازالت جارية أمام المحاكم وعن الأخطار المالية وتطالبهم فيها بإرسال جواب مباشرة للمكلف بالحسابات، لا يمكنهم إعطاء هذه المعلومات دون خرق السر المهني، إنه يلزم على المحامين بعثها للزبون الذي يبعثها لمن يشاء، ونفس الشيء يجب فعله فيما يتعلق بالمعلومات المطلوبة في حالة توقيف محاسبي قانوني وضريبي للمقاولة حينما يكون المحامين هم المستشارين لهذه المقاولة(20).

والمحامي ليس هو الملزم الوحيد بالسر المهني إذ ان جميع من يعمل معه من المحامين المتمرنين والمحامين المساعدين والكاتبات وما إلى ذلك من عمال ملزمون هم كذلك بالسر المهني، وانه لهذا السبب وجب على المحامي أن يختار أشخاصا جديري بالثقة وعليه أن يؤطرهم ويراقبهم. وإذا كان من الصعب متابعة المحامي صاحب المكتب جنائيا في حالة إفشاء سر من قبل العاملين معه فإنه من الممكن إثارة مسؤوليته بناء على نظرية مسؤولية المشغل تبعا لأخطاء أجرائه. ومن جهة أخرى فإن المجلس الأعلى وفي قرار صدر بتاريخ 6/2/1981 اعتبر بأن “إفشاء السر المهني لا يعاقب عليه إلا إذا ثبت وقوعه، وانه لا يمكن الكلام بمجرد افتراض خرق السر المهني لحرمان شخص ( ضرير) من مزاولة مهنة هو مؤهل لها قانونا” (21).

ومن بين الأسئلة التي تطرح كذالك اورد سؤال لايف ابريل (22) هو كالتالي : إذا قاضى الموكل دفاعه في إطار المسؤولية المدنية، هل يحق للمحامي الدفاع عن نفسه وذلك بالإدلاء بوثائق محمية بالسر؟ أوضح : يمكن للزبون الذي يشتكي من تقصير محاميه أن يدلي كحجة بنسخة من المراسلة التي بعث بها لهذا الأخير أو بأصل رسالة توصل بها من محاميه، وان الاجتهاد القضائي كان ولا يزال يقبل هذا باعتبار أن السر هو ملك للموكل الذي يبقى له كامل الصلاحية في إفشائه أو الاحتفاظ به. ويبقى السؤال مطروحا لمعرفة هل ان حقوق الدفاع تسمح للمحامي بالإدلاء بالوثائق السرية للدفاع عن نفسه ؟. يجب أن يكون الجواب إيجابيا مع بعض الحدود : الاقتصار في الإفشاء على مجرد حاجيات الدفاع لكي لا يحرج المدعي.

ويعتمد ابريل على القياس باجتهاد يتعلق بالمسؤولية الطبية للقول : ” يجب على المدعي في دعوى المسؤولية أن يعلم انه بتسجيل دعواه فإنه يخاطر بإشاعة بعض جوانب دفاعه المشمولين عادة بالسر المهني”، ولكن يجب القول بأن الإفشاء من قبل المحامي لا يجب أن يتم إلا إذا لم يكن هنالك حل أخر.
18 ) محكمة النقض الفرنسية 29 مارس 1978، مجلة القصر، 1978، 2 ، 248.
Cassation 29 mars 1978, Gazette du Palais 1978, 2, Somm.248.
19 ) هاملين وداميان، المرجع السابق، ص 313.
Hamelin et Damien, op.cit. p 313.
20 ) نشرة النقيب، 5 ابريل 1993، ص 99 .
Bulletin du bâtonnier, 5 avril 1993, p.99.
21 ) قرارات المجلس الأعلى، المادة المدنية، 1982- 1996، ص 679، او قضاء المجلس الأعلى، العدد 27، صفحة 3،
انظر كذلك : ذ خالد خالص، ” ولوج المهنة والتمرين”، مجلة القصر، العدد 6، 2003، ص 11 .
22 ) ايف ابريل، ” مسؤولية المحامي” دالوز 1981، رقم 137 .
Yves April, ” La responsabilité de l’avocat ” , Dalloz 1981, n° 137.
ولكن كان بإمكان “ابريل” أن يرتكز على مقتضيات القانون الجنائي المتعلقة بالأسباب المبررة التي تمحو الجريمة، فالفصل 124 ق. ج ينص بالفعل على انه : ” لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة (….) 3 – إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء”
ومن جهة أخرى، فانني لن أتوقف عند تفتيش مكتب المحامي ( الفصل 59، ف 4 والفصل 103 من قانون المسطرة الجنائية الجديد) ولا عند التقاط المكالمات أو غيرها ( الفصل 108 وما يليه) باعتبار أنه يمكن معالجة هذه المواضيع مستقلة نظرا لان المحامي ليس هو الذي يخرق السر المهني.

ولن أتوقف كذلك عند سرية المراسلات بين المحامين لأنها تختلف عن السر المهني باعتبار أن الزبون يبوح لمحاميه بما يمكن أن يكون محل اتفاق مع محامي الخصم، ولكن يجب القول بأن أعراف وتقاليد مهنة المحاماة كانت دائما وأبدا تعتبر بأن المراسلة بين المحامين لها طابع سري إلا إذا كتب صراحة بأنها غير سرية، وهذا العرف ضمن بالفصل 30 من النظام الداخلي، وتنص الفقرة 3 من نفس الفصل 30 على ” ان الرسائل تفقد صبغتها السرية بمجرد ما يصبح الاتفاق نهائيا” (23).
وتبقى المراسلات التي تعتبر مفاوضات سرية ويتعين استبعادها (24).

ومن جهة أخرى نجد بعض الأساتذة يعالجون السر المهني مع سرية التحقيق (25). ويمكن القول بأن مصدر الخلط هو المشرع نفسه الذي جمع في نفس الفصل ( ف 36 من ظ 1993 ) ما بين السر المهني للمحامي ( الفقرة 1 ) مع سرية التحقيق ( الفقرة 2 ) المنصوص عليه بالفصل 15 من قانون المسطرة الجنائية القديم والجديد. حقا إن سرية التحقيق تطرح مشاكل مهمة إلا أننا نرى بأن هذا الموضوع يستحق دراسة مستقلة ومعمقة، ونتمنى أن يفرق المشرع بين السر المهني للمحامي وسرية التحقيق في قانون مهنة المحاماة المقبل.

و السؤال المطروح كذلك بكل شدة، هو معرفة ما إذا كانت إدارة الضرائب محقة في القيام بالمراقبة داخل مكتب المحامي. و هذا السؤال أصبح مطروحا بمناسبة توصل بعض المحامين المنتمين لهيئة المحامين بالرباط بإرسالية تتعلق بهذه المراقبة.
هذه الإرسالية تخبر المعنيين بالأمر بأن أحد المراقبين سيلتحق بمكاتبهم ابتداء من اليوم السادس عشر من تاريخ توصلهم بالإعلام على الساعة التاسعة صباحا، وذلك لمراقبة التصريحات الضرائبية عن السنوات الغير مشمولة بالتقادم، وهذا الإعلام يطلب من المحامين المعنيين بالأمر يجعل رهن المراقب في التاريخ والساعة المذكورة الوثائق الحسابية المتعلقة بهذه المدة خصوصا الوثائق القانونية الحجم المتعلقة بالمصاريف والمداخيل وكذا جميع الوثائق اللازمة بمقتضى القوانين الجاري بها العمل (26).

إنه لأول مرة في تاريخ مهنة المحاماة بالمغرب تحاول إدارة الضرائب الاطلاع على أسرار المحامين داخل مكاتبهم. لقد حصل من قبل في فرنسا أن كاتب موظفي الضرائب بعض المحامين أو بعض الخبراء لمطالبتهم بمعلومات حول زبنائهم، إنه من واجب هؤلاء المهنيين رفض إعطاء أي معلومات، لأنه في هذه الحالة فإن إدارة الضرائب لا تلح على طلبها (27).
23 ) انظر قرار محكمة الاستئناف بالرباط،13 يوليوز 1943، مجلة المحاكم المغربية، 1949، ص 155.
24 ) ديجون، 10- 2- 1972، جوريسكاسور بوريوديك، 1972 – II – 17256، تعليق لوموان، مذكور من قبل داميان، المرجع السابق، صفحة 329.
Dijon, 10.2.1972, J.C.P, 1972.II.17256, note Lem oine, rapporté par Damien, opt cit.p.329.
25 ) حمزاوي موحى ” مسؤولية المحامي في التشريع المغربي، مطبعة اديال المغرب،1994، ص 99.
26 ) راسل عدد من المحامين التابعين لهيئة الرباط النقيب وأعضاء مجلس الهيئة مستفسرين حول إمكانية أو عدم إمكانية السماح لمراقبي الضرائب بالاطلاع على دفاترهم التجارية، وسجلاتهم وملفات موكليهم.
27 ) رسالة معلومات قانونية، يوليو 1996.
Lettre d’information juridique, juin 1996, Idefisc.

والأسوأ من هذا، فإنه لا يصح أن تراسل إدارة الضرائب زبون المحامي عوض مراسلة هذا الأخير أي المحامي لمطالبته بنسخ من المراسلات المتبادلة مع هذا المحامي أو الخبير الحيسوبي. إن إدارة الضرائب تتناسى الاجتهاد القضائي القار الذي يجعل هذه المراسلات تتصف بالسر المهني، وانه لا يمكن التشبت بها ولو قضائيا، وانه لا يمكن حجزها لا عند المحامي ولا عند زبونه ولا حتى عند الغير.

وإذا عثر عليها صدفة فيجب إرجاعها لصاحبها، نفس الشيء يطبق على مراسلة الخبير الحيسوبي الملزم بالسر المهني حينما يطالب الملزم بالضريبة بهذه المراسلات بينه وبين محاميه، يجب أن يرفض هذا الطلب لعدم قانونية موقف إدارة الضرائب.
والأسوأ من هذا، هي محاولة إدارة الضرائب الهادفة إلى البحث والتدقيق في الوثائق والمحفوظات الموجودة بمكتب المحامي بواسطة المراقب الذي يمكن له حسب القانون المنظم للضريبة العامة على الدخل أن يقوم بهذه المراقبة طيلة ستة أشهر.
فالاستجابة لطلب إدارة الضرائب يكون بدون منازعة عناصر الجنحة المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي الخاص قد خرق السر المهني.

وتكون في نفس الوقت مخالفة مهنية طبقا لمقتضيات الفصل 36 من ظهير 10/09/1993 المنظم لمهنة المحاماة وكذا الفصل 29 من القانون الداخلي لهيئة المحامين بالرباط.
و إذا كان غير مسموح للمحامي إفشاء حتى زيارة زبون لمكتبه، فإنه بالحتمية غير مسموح له بإفشاء ما يمكن أن يكون قد مكنه هذا الأخير منه وفي أي زمن كذلك.
إنه من حق المحامي الاحتجاج بالسر المهني في مواجهة الجميع سواء كانوا قضاة أو شرطة أو إدارات أخرى بما فيها إدارة الضرائب، ويشمل السر المهني كل جوانب علاقة المحامي بالزبون، ويتعلق الأمر بمبدأ مطلق لا استثناء له حتى ولو رغب الزبون إعفاء من ذلك، فالمحامي له وحده الحق في الملاءمة لخرق السر أو الاحتفاظ به.

أضف إلى ذلك، أن السر المهني ليس ملكا للمحامي فلا يمكنه التصرف فيه دون اقتراف خطأ مهني أو جنحي.
إن تواجد موظف من إدارة الضرائب بمكتب المحامي يكون خرقا خطيرا للالتزام بالسر المهني وإهانة لمحامي بصفة عامة، وبالتالي يتعين على كل صاحب مكتب كان محل هذا النوع من التفتيش أن يغير المهنة قبل نهاية هذه المراقبة، إذ لن يؤم مكتبه بعد ذلك أي زبون الذي لن يعود يشعر بالأمان لدى هذا المحامي أو بمعيته.
ذلك أن الزبون حينما يفشي أسراره ويسلم وثائقه للمحامي فذلك ليقينه بأن المحامي يستفيد من حصانة معينة، وان الإخلال بهذه المصداقية وزعزعة هذه الثقة من شأنها القضاء على مهنة المحامي مع ما يترتب عن ذلك من نتائج سلبية على هذه المؤسسة التي يعتبر وضعها الحالي ليس بأحسن حال.

وفي هذا الإطار قرر مجلس هيئة الرباط، وبناء على هذه الدراسة ، أن تتم مراسلة جميع المحامين المعنيين بطلب المراقبة ومطالبتهم بعدم تمكين مراقبي إدارة الضرائب من الاطلاع على الملفات والوثائق الموجودة بالمكتب ومراسلة وزير المالية ومدير الضرائب من أجل إبلاغهما مدى خطورة وعدم قانونية طلب هذه المراقبة، ورفض هيئة المحامين بالرباط لهذه الكيفية من التعامل من طرف إدارة الضرائب مع المحامين(28).

28 ) بتاريخ 10/2/2003 ، تبنى مجلس هيئة المحامين بالرباط مضمون هذه الدراسة وقرر ما يلي :
ـ حث الزملاء المعنيين بعملية المراقبة على عدم تمكين مفتشي إدارة الضرائب من الاطلاع على الملفات والوثائق الموجودة بالمكتب.
ـ مراسلة وزارة المالية ومديرية الضرائب من أجل إبلاغهما مدى خطورة وعدم قانونية هذه المراقبة.
(انظر منشور النقيب عدد 10/2003 وتاريخ 17/2/2003 )
ملحوظة : بتاريخ 15/2/2003 نوقشت القضية في اجتماع جمعية هيئات المحامين بالمغرب.
وقد ثم اقناع المجلس لتاسيس موقفه ليس فقط على المقتضيات التشريعية والتنظيمية المشار إليها سابقا، ولكن أيضا بمقتضيات الفصل 56 من ظهير 10 شتنبر 1993 المنظم لمهنة المحاماة والذي ينص على أن النقيب ( أو الهيئة القضائية المختصة، ف 57 ) هو الذي يحق له شخصيا أو بواسطة عضو يعينه من أعضاء المجلس أن يجري تحقيقا حول حسابات المحامين، وبالتحقق من وضعية الودائع لديهم.

بل أكثر من هذا فإن الوكيل العام نفسه لا يمكنه الاطلاع على حسابات المحامي إلا بواسطة النقيب ( فصل 56 ف 2 و 3 ) (28).
وباعتبار أن قانون المهنة هو قانون خاص وبالتالي يقيد قانون الضرائب الذي هو قانون عام، فإن المحامي ملزم بالتقيد بمقتضيات الفصلين 56 و 57 من ظهير 10 شتنبر 1993 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة وعدم السماح بالاطلاع على دفاتره الحسابية ونظائر وصولاته إلا إلى النقيب أو إلى عضو المجلس المنتدب من قبله أو إلى الهيئة القضائية المختصة عند النظر في كل نزاع بشأن الأتعاب أو المصروفات أو في حالة المتابعة تأديبيا (29).
وفي هذا الاتجاه قضت المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب بتاريخ 4 شتنبر 1989 بإلغاء الإشعار بالضريبة الصادر في مواجهة محام لخرقه الفصل 61 62 من قانون المحاماة لسنة 1979 ( حاليا 56 و 57 من ظ 1993 ) (30 ).
كما قضت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة كذلك بتاريخ 10 أكتوبر 1989 بإلغاء إشعار بالضريبة لفائدة محام معللة حكمها بناء على قانون المحاماة الذي لا يبيح للمحامي تقديم حساباته إلا إلى النقيب أو إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بناء على الفصل 61 ـ ظ 1979 ـ وعلى القانون الداخلي للهيئة (31).

غير أن كل هذا لا يعني أن على المحامين استغلال هذه النصوص وهذه الاجتهادات للتهرب من أداء الضرائب لأن المصلحة العامة تتواجد بناء على الضرائب، وان المحامين كباقي المواطنين عليهم المساهمة في التحملات العامة للمجتمع.
وإذا كانت لبعض الباحثين أراء عكسية بخصوص مراقبة حسابات المحامي التي يرون أنه يمكن مراقبتها على غرار ما يقع في فرنسا (32 ) فإنهم نسوا بأن المشرع الفرنسي تدخل ما مرة للسماح بهذه المراقبة عبر قانون المحاماة نفسه.
ومن هذا المنطلق يجب القول بأن تدخل المشرع المغربي ضروري لحماية المحامي في حالة المراقبة الجبائية، و انه من الضروري تنظيم هذه المراقبة و ذالك بأخذ الاحتياطات اللازمة لعدم ذكر أسماء الموكلين و نوع القضايا في السجلات مثلا.
إلا ان حلا وسطا يوفق ما بين الالتزام بالسر المهني وما بين التهرب الضريبي يمكن التفكير فيه الا و هو اقتطاع الضريبة من المنبع، وهذا الاقتطاع هو طريقة من طرق تحصيل الضرائب وترتكز على ان شخصا ثالثا يقتطع من المنبع وبناء على مداخيل الملزم الضريبية المتعلقة بهذه المداخيل.

وانه على عكس ما يقع اليوم بالنسبة للمحامين فإن الاقتطاع سيقع على مداخيل السنة الجارية وليس على السنة الفارطة. لكن الملاحظ هو انه إذا كان تطبيق هذا الميكانيزم على المأجورين والمتقاعدين سهلا فإن العمل على تطبيقه بالنسبة للمحامين ليس بالهين، وستنتج عنه مشاكل تقنية كثيرة ولكنها مشاكل تم التغلب عليها في عدة بلدان.
وإذا ما تم قبول فكرة الاقتطاع من المنبع فإنها تستحق دراسات جدية ومعمقة من قبل اختصاصيين في الجبايات، وهذا هو أحد أهداف هذه الدراسة : فتح نقاش جاد بخصوص المسألة.

) خالد خالص، ” أتعاب المحامي ” مجلة المحاكم المغربية، العدد 96، 2002،
ص 85، أو مجلة القصر، العدد 5، 2003، ص 11.
30 ) الإشعاع العدد 2، 1989، ص 130 ـ انظر كذلك حكم نفس المحكمة بتاريخ 6 فبرير 1989، مجلة الندوة، العدد 7،ص 49 مع تليق للنقيب مصطفى الرسوني بالصفحة 55 أو مجلة المحاكم المغربية العدد 58، الصفحة 99.
31 ) الإشعاع العدد 2، 1989، الصفحة 127.
32 ) سعاد ب ن ور، ” الاجتهاد القضائي في المادة الجبائية”، دار القلم، 2003، ص 197.

مراجع البحث

المؤلفات :

1 ) محمد عبد الظاهر حنين : ” المسؤولية المدنية للمحامي اتجاه العميل”، دار النهضة العربية، 1993 .
2 ) الحمزاوي موحى، ” مسؤولية المحامي في التشريع المغربي”، مكتبة اديال المغرب، 1994
3 ) محمد صالح العادلي، ” الحماية الجنائية للالتزام المحامي بالمحافظة على أسرار موكليه”، دار الفكر الجامعي 2003 .
4 ) محمد بلهاشمي التسولي ” رسالة المحامي عبر التاريخ”، المطبعة والوراقة الوطنية، 1991
(5) سعاد بنور، ” العمل القضائي في المادة الجنائية” دار القلم، 2003 .
6) ايف ابريل، ” مسؤولية المحامي”، دالوز 1981.
Yves َ April, ” La responsabilité de l’avocat ” , Dalloz 1981.
7) ج. هاملان و أ. داميان، ” قواعد مهنة المحاماة”، الطبعة التاسعة، دالوز 2000
J. Hamelin et A. Damien, ” Les règles de la Profession d’avocat ” , 9éme éd, Dalloz, 2000.
8) ر. برازي، “تقاليد هيأة بوردو”، 1910
R. Brazier, ” La tradition du Barreau de Bordeaux ” , 1910.
9) بيمنتا لوي، ” السر المهني للمحامي”، بيدون، 1937
Piementa Louis, « Le secret professionnel de l’avocat », Ed. Pedon, 1937.
10) فو ” السر المهني للمحامي”، اطروحة لنيل الدكتوراة، تولوز 1912.
Fau, « Le secret professionnel de l’avocat », thèse, Toulouse, 1912.
10) سيمون ساسيرت، “بعض الملاحظات حول السر المهني للقضاة و للمحامين”، تقرير للاتحاد البلجيكي الجنائي بتاريخ 15-1-1949.
Sasserth Simon, « Quelques considérations sur le secret professionnel des magistrats et des avocats », rapport présenté à l’union belge pénale le 15-1-1949.
12) ديلماس مارتي، ” حول السر المهني”، دالوز 1982، كرونيك، ص. 268.
Delmas Marty, « A propos du secret professionnel », D.chro.1982, p.268.
13) شارمنتييه أ.” السر المهني : حدوده و تجاوزاته” 1926.
َ A. Charmantier, « Le secret professionnel : ses limites et ses abus », 1926.
14) ايميل كارسون، ” تعليق على القانون الجنائي” لسنة 1810.
Emile Garçon, « Code Pénal français de 1810
annoté »

المقالات :
عبد الرحيم صدقي، ” الأسرار المهنية في القانون الجنائي”، مجلة المحاكم المغربية، العدد 43 ، 1986 ، ص 9

دراسة مفصلة عن السر المهني للمحامي