مدى الحاجة لتعديل دستور جمهورية العراق ؟ وما هو السبيل لذلك ؟
فتحي الجواري

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

المقدمة – ما هو مفهوم الدستور ؟
ان مفهوم الدستور يمكن النظر اليه من اوجه مختلفة . فأذا كان الكلام يتجه نحو فكرة تنظيم السلطة ’ يكون الدستور وصفيا لأنه يميز بين مختلف اشكال الحكومة في الدولة . فالدستور الوصفي هدفه تنظيم هيئات الدولة وصلاحياتها . ويقودنا هذا الى تصنيف الدولة ان كانت شمولية او استبدادية او ديمقراطية . ان الانتصارات التي حققتها الديمقراطية ادت الى حرية الشعب في اختيار شكل الحكومة . اما الدستور القاعدي فهو ذلك الدستور الذي يسعى لتنظيم مجتمع سياسي يحدد الاسس التي يتعين على الحكومة احترامها . فالدستور القاعدي يتضمن القواعد التي تضمن تقييد سلطة الحكومة ’ ويضمن التمييز بين القوانين الدستورية ’ والقوانين العادية وبالتالي بين السلطة التي وضعت الدستور والسلطة التشريعية .

وبهذا يمكن ان نجد الفرق بين المفهوم الوصفي للدستور والمفهوم القاعدي له ’ اذ ان المفهوم الاخير يتخذ بعدا وسموا يرتبط باعتبار الدستور قانونا اعلى وبالتالي فان جميع السلطات مصدرها الشعب الذي يمتلك جميع افراده حقوقا اساسية متساوية . مما يتعين حماية الدستور باعتباره وثيقة مدونة تضمن حماية الحقوق الاساسية لجميع المواطنين حتى ان تبدلت الحكومات تبعا لتبدل الاغلبية البرلمانية .

بشكل عام فان للدستور اهداف اساسية : تحديد الحقوق الاساسية للافراد وتنظيم السلطة ’ اي بمعنى آخر تنظيم كيفية ممارسة السلطة العامة من جهة واقامة الحدود بين ممارسة السلطة العامة والحريات الفردية واستقلالية المجتمع المدني من الجهة الاخرى . ان كل ذلك يهدف الى ضمان حرية الافراد في مجتمع مبني على فكرة سيادة الشعب حيث لايجوز لاي فرد او طبقة ان تخضع بقية افراد المجتمع لارادتها الخاصة . الا ان ذلك لايعني ان تكون تلك الحرية دون حدود ’ رغم ان هناك جزء من الوجود الانساني يبقى مستقلا وخارج نطاق اية صلاحية للمجتمع .

اخيرا فالدستور اذ ينظم سيادة الشعب فهو يعمل في الوقت نفسه لحفظ حقوق الافراد . [1]

ان الدساتير اصبحت ظاهرة عالمية ’ اذ لم تعد هناك دولة بلا دستور ينظم سلطاتها ووظائفها وصلاتها بشعبها مع ايضاح لاهم المبادىء الاساسية التي تحدد الحريات العامة وحقوق المواطنين ’ حتى اصبح الدستور من خصائص الدولة في العصر الحاضر ’ بل نجد ان الانظمة الاستبدادية والشمولية لم تخلوا من دستور ينظم هيئاتها وصلاحياتها ’ ووصل الامر بقادة الانقلابات العسكرية بان يسنوا حال نجاحهم في السيطرة على السلطة دستورا يسطروا فيه ما شاء لهم خيالهم من حقوق وحريات موعودة ’ تبقى حبرا على ورق طيلة سيطرة العسكر على السلطة[2]

ظاهرة التعديلات الدستورية

تأثرت فرنسا بسلسلة الثورات المتعاقبة مما ادى ان تقوم كل سلطة ثورية تسيطر على السلطة باصدار دستورها الذي يختلف عن دستور العهد الذي سبقه مما جعل فرنسا تشهد اكثر من ثمانية عشر دستورا ’ امتزجت بالتيارات الفكرية التي سادت وقت تشريعها . مما اضفى على الدساتير الفرنسية مسحة عقلانية ’ اذ كانت تتبدل بتبدل الفلسفة السياسية

السائدة . ولهذا نجد ان دساتير فرنسا تأثرت بثورتها الاولى ’ ثم تاثرت مرة اخرى بنابليون حين جعل من نفسه قنصلا اولا مدى الحياة ’ ثم تاثرت بنابليون مرة اخرى حين نصب نفسه امبراطورا ’ وحين سقط نابليون كان لهذا السقوط اثره في التعديلات الدستورية . ونجد لتلك التاثيرات السياسية اثرها الواضح في التعديلات الدستورية التي اعقبت احداث الثورة الطلابية عام 1968. فاثر الفوز الساحق الذي احرزه الجنرال شارل دي غول في الانتخابات التي اعقبت تلك الاحداث ’ بدأ الشعب الفرنسي يتذمر من تسلطه مستندا لدستور جعله يبدو فوقه من خلال الصلاحيات التي كان من حقه ان يمارسها بارادته المنفردة دون الرجوع الى الحكومة التي يعينها بنفسه . فقد ضمن له الدستور حق حل الجمعية الوطنية بدون موافقة وزارته ’ وبدون التقيد براي الهيئات التي يجب عليه استشارتها مما جعله متسلطا على كامل مفاصل الدولة ’ وحول فرنسا الى دولة ذات نظام رئاسي متستر بالبرلمان ,’ مما دفع ذلك بالفقهاء الدستوريين ورجال المعارضة الى اعداد مشاريع لادخال الاصلاحات التي وجدوا انها ضرورية بما يحول دون سيطرة رئيس الدولة على الحكم ’وذلك باعادة الروح الى البرلمان وضمان سيادته وخضوع الرئيس له . ان تلك الحركة دفعت ان يرضخ لها الرئيس شارل دي غول ويفكر بمسايرتها فعقد مؤتمره الصحفي في 9 ايلول 1968 ملمحا الى عدة مشاريع لاصلاح الوضع [3].

وبعكس فرنسا التي لاحظنا تعدد الدساتير فيها وكثرة التعديلات التي ادخلت عليها نتيجة التطورات الفلسفية والتغييرات السياسية التي رافقتها ’ نجد ان النظام البرلماني البريطاني قد تكون بفعل العوامل التاريخية وبعد ان اجتاز مراحل مختلفة ليصبح مثالا حيا للحكم الدستوري ’ حيث وازن هذا النظام بين الاستقرار وبين الحرية التي يصبو لها البشر بممارسة حقوقهم الاساسية وجهادهم لحمايتها من تعسف الحكام . وقد وجد ” فولتير ” ان السر في هذا التوازن بين استقرارالدولة وتمسك الشعب البريطاني بحريته ودفاعه عنها انما يعود لان ” الامة الانكليزية هي الوحيدة في العالم التي توصلت الى تقييد سلطان ملوكها ’ بمقاومتها لهم ’ وبجهودها المتواصلة ’ وان تؤسس بالنهاية هذا الحكم الحكيم ’ الذي يستطيع مليكها في ظله ’ ان يتمتع بسلطان عظيم ’ اذا اراد ان يفعل الخير ’ وان تكون يداه مكبلتين ’ في الوقت نفسه ’ اذا ما اقدم على اقتراف الشر ’ وهو نظام يظهر فيه النبلاء بعظمتهم ’ بدون ازدراء نحو الشعب وبدون تسلط عليه ’ في الحين الذي يساهم فيه هذا الشعب بانشاء الحكم وتسييره ’ بلا فوضى ولا ثورة . ” [4]

ومن الامثلة التي تؤكد تمسك الشعب البريطاني بتقاليده وعدم اتجاهه للتغيير وخاصة في نظامه الدستوري العريق ’ ان قاعة الاجتماعات لمجلس العموم قد دكتها الطائرات الالمانية عام 1941 الاان البريطانيين اعادوا بناءها بنفس طرازها السابق وبنفس حجمها بدون اي تغيير ’ رغم انها لم تعد تكفي بمقاعدها وغرفها لاستيعاب جميع النواب في الوقت الحاضر .

في الولايات المتحدة الامريكية طرأ على دستورها منذ وضعه تعديلات متتالية’ بلغ عددها حتى الان ’ خمسة وعشرون تعديلا . اذ في 25 ايلول من سنة 1789 تبنى الكونغرس عشرة تعديلات دفعة واحدة ’ وتتعلق تلك التعديلات ” التي اصبحت نافذة في 15 كانون اول 1791″ بضمانات تكفل الحقوق الشخصية والملكية الفردية وحقوق الولايات في ادارة شؤونها الداخلية …

اما التعديلات الاخرى فقد صدرت في اوقات اخرى هدفت كلها الى توطيد الديمقراطية وتحقيق المساواة وضمان الحرية ’ ومن اهم هذه التعديلات : التعديل الثالث عشر الصادر سنة 1865 اثر حرب الانفصال المتضمن الغاء الرق . والتعديل الخامس عشر الصادر سنة 1870 بأقرارمبدأ المساواة في حق الانتخابات بين البيض والملونين . والتعديل التاسع عشر الصادر سنة 1920 الذي تضمن منح النساء حق الانتخاب على قدم المساواة مع الرجال . والتعديل الثاني والعشرون الصادر سنة 1951 بمنع تجديد انتخاب رئيس الولايات المتحدة لاكثر من مرة واحدة وقد صدر هذا التعديل كرد فعل لتجديد انتخاب الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت لمنصب الرئيس عام 1944 .

اما التعديل الاخير وهو التعديل الخامس والعشرون فقد صدر سنة 1967 تضمن تنظيم خلافة الرئيس في حالة خلو منصبه لاي سبب كالوفاة مثلا . ويلاحظ ان التعديل الوحيد الذي صدر ثم تم الغاءه هو التعديل الثامن عشر الذي كان قد صدر في 16 كانون الثاني 1919 الذي تضمن تحريم الخمور وبيعها ونقلها واستهلاكها وقد الغي هذا التعديل في 5 كانون الاول 1921 اثر ردات الفعل التي احدثها[5]

في سويسرا ومنذ ان صدر دستور 29 ايار 1874 طرات تعديلات متتالية عليه اتجهت لتعزيز قوة الدولة الاتحادية وصلاحياتها وتنمية حقوق مواطنيها في المساهمة في حكم دولتهم وادارة مؤسساتها ’ وتجري هذه التعديلات عن طريق الاستفتاء الشعبي . ومنذ ان صدر دستور الاتحاد السويسري الحالي بتأريخ 18 نيسان 1999 والذي طبق اعتبارا من الاول من شهر كانون الثاني من عام 2000 ’ جرت عليه جملة تعديلات لغاية يوم 10 تموز 2003 ’ وتنص المادة 140 من الدستور على عرض التعديلات الدستورية على الشعب والمقاطعات للتصويت عليها ’

كما تعرض المبادرات الشعبية للمراجعة الشاملة للدستور الاتحادي والمبادرات الشعبية للمراجعة الجزئية للدستور الاتحادي في صورة الصياغة العامة بعد رفضها من الجمعية الاتحادية ومبدأ المراجعة الشاملة للدستور الاتحادي اذا لم يتفق مجلس الشعب ومجلس المقاطعات عليها’ فأنها يجب ان تعرض على الشعب للتصويت عليها. وقد نظمت المادة 138 من الدستور السويسري كيفية تنظيم المبادرة الشعبية لاقتراح مراجعة شاملة للدستور ’ اذ يمكن لمئة الف مواطن يتمتعون بحق التصويت اقتراح مراجعة شاملة للدستور الاتحادي وذلك خلال ثمانية عشر شهرا من تاريخ نشر مبادرتهم رسميا ويقدم هذا الاقتراح للشعب للتصويت عليه . وقد تم قبول هذا النص الدستوري في تصويت شعبي جرى بتاريخ 9 شباط 2003 واعتبر هذا النص نافذا منذ 1 اب 2003 ’ واستنادا لقرارين فدراليين صدرا بتاريخ 4 تشرين الاول 2002 و25 اذار 2003 . كما يمكن لمئة الف مواطن يتمتعون بحق التصويت اقتراح صيغة مشروع لمراجعة جزئية للدستور الاتحادي ويتم عرض مبادرتهم بعد ثمانية عشر شهرا من نشرها رسميا على الشعب والمقاطعات للتصويت ’ ويمكن للجمعية الاتحادية ان توصي بقبول او رفض المبادرة ’ وفي حالة الرفض يمكن للجمعية الاتحادية تقديم اقتراح مضاد لتلك المبادرة . وهذا ما نصت عليه المادة 139 من الدستور الاتحادي السويسري وهذه المادة تم قبولها بتصويت شعبي جرى بتاريخ 9 شباط 2003 واعتبرت نافذة المفعول اعتبارا من

1 اب 2003[6]

انواع الدساتير

تدعو الرغبة في حماية الدستور الى ان يجعله واضعوه دستورا جامدا ’ اما في حالة عدم وجود ما يستدعي هذه الحماية ’ يكون الدستور مرنا . وساعطي القاريء الكريم نبذة وجيزة عن النوعين .

الدستورالمرن

هو الدستور الذي يمكن للمشرع تعديله او اجراء التغيير فيه او الغاء بعض نصوصه بنفس الطريقة التي يعدل بها القوانين العادية ’ ومن هذه الدساتير ’ الدستور البريطاني ’ اذ يستطيع البرلمان ان يعدل اية مادة من مواده بنفس الطريقة التي يعدل بها القانون .

الدستورالجامد

هذا النوع من الدساتير لايعدل ولايغير الاعلى وفق طرق واجرآات تختلف عن الطرق المعتادة لتعديل او تغيير القوانين . والهدف من ذلك حماية الدستور من المشرعين . فلا يتمكنوا من تعديل الدستور الا على وفق اجرآات تختلف عن الاجرآات المتبعة عند تعديل القوانين الاعتيادية ’ فقد يتطلب تعديل مثل هذه الدساتير ’ ان يتم التصويت على تعديلها من قبل اغلبية برلمانية تختلف عن الاغلبية المطلوبة للتصويت على تعديل القانون العادي ’ او قد يتطلب الامر ان يعرض التعديل على الاستفتاء الشعبي .[7]

ويورد الدكتور منذر الشاوي رأيا للعلامة ” بردو “ في سبب ازدياد الدساتير الجامدة ’ بان ذلك له مغزى سياسي ’ اكثر مما هو قانوني ’ اذ يرى العلامة ” بردو ” ان سبب هذه الظاهرة يعود لتثبيت ترسيخ المبادىء الديمقراطية لكي يكون الدستور في مأمن من التغييرات التي قد تطرأ على الحياة السياسية . [8]

ويرى الدكتور منذر الشاوي ’ ان فكرة الجمود الدستوري ’ او القوانين الدستورية الجامدة ’ لامحل لها في الانظمة الشمولية ’ اذ ان الجمود الدستوري يتضمن او يفترض وجود مشرع خاص هو

( المشرع المؤسس ) الذي يعلو على كل هيئات الدولة بما فيها المشرع الاعتيادي . ففي المذهب القومي – الاشتراكي يتم استبعاد فكرة السلطة المؤسسة وبالتالي يتم استبعاد فكرة الجمود الدستوري ’ فهذه الفكرة تتناقض مع فكرة استقلال السلطة الشخصية للقائد الذي لايخضع لاية سلطة اخرى .

فاستقلال القائد يفرض استبعاد الدساتير الجامدة ’ كما ان ذلك المذهب يستبعد فكرة الفصل بين السلطات ’ ويحل محلها فكرة وحدة سلطة القيادة . فالجمود الدستوري يفقد معناه في ذلك المذهب لتصبح الاعمال الدستورية ’ كالاعمال التشريعية التي يقوم بها القائد ’اذ يتم التعامل مع الدستور كما يتم التعامل مع القوانين العادية ’ اضافة لعدم وجود اي مفهوم شكلي للدستور في مثل هذه الانظمة . [9]

طرق تعديل الدساتير

يتم تعديل الدستور على وفق الطريقة المنصوص عليها في الدستور ذاته ’ اذ ينص عادة في الدستور ذاته على السلطة المخولة تعديل الدستور ’ واسلوب وطريقة التعديل ’ وتخضع السلطة المخولة تعديل الدستور لقيود ينص عليها في الدستور ذاته ’ ومن هذه القيود :

1- منع تعديل بعض مواد الدستور ’ باعتبارها تمثل جوهر النظام السياسي ’ لذلك ينص في نفس الدستور على منع تعديلها ’ ومن تلك الدساتير دستور 25 شباط لسنة 1875 الفرنسي اذ نصت الفقرة الثالثة من المادة ( 8 ) منه ان ( الشكل الجمهوري للحكومة لايمكن ان يكون موضع اقتراح تعديل ) [10]. والدستور المغربي لسنة 1996 نص في الفصل السادس بعد المئة ان ( النظام الملكي للدولة والنصوص المتعلقة بالدين الاسلامي لايمكن تناولها بالمراجعة . ) . والدستور الجزائري لسنة 1996 فقد نص في المادة ( 178 ) منه على ( منع اجراء اي تعديل يمس الطابع الجمهوري للدولة او النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والاسلام بأعتباره دين الدولة ’ واللغة العربية بأعتبارها اللغة الوطنية الرسمية ’ والحريات الاساسية وحقوق

الانسان والمواطنة وسلامة التراب الوطني ووحدته .)[11]

2- منع تعديل الدستور خلال مدة معينة :

لكي يكتسب الدستور الثبات والديمومة ’ يقرر واضعو الدستور احيانا عدم جواز تعديله الا بعد مضي مدة معينة ’ والهدف من وضع هذا الشرط ليبقى الدستور ثابتا دون تغيير لفترة من الزمن لكي يعتاد المواطنون على احكامه ’ وبالتالي قد لايحتاج الدستور الى تغيير اذا ما تقبله المواطنون من خلال اعتيادهم على احكامه . ومن الامثلة على هذه الدساتير الدستور اليوناني الصادر عام 1927 الذي اقام الجمهورية عقب سقوط النظام الملكي . والقانون الاساسي العراقي الصادر في 21 اذار لسنة 1925 ’ اذ تضمن نصا يمنع تعديله خلال خمس

سنوات من تاريخ نفاذه [12]

3- منع تغيير اجرآات التعديل المنصوص عليها في الدستور :

تنص الدساتير على طريقة تعديلها ’ ولغرض ضمان استمرار النظام السياسي الذي وضع الدستور ’ ينص في بعض الدساتير على عدم جواز اجراء اي تغيير على اجرأات تعديل الدستور المنصوص عليها فيه ’ اذ ان تغيير تلك الاجرآات يعني هدم اساس السلطة السياسية التي وضعت الدستور ويمس روح النظام ’ اي بمعنى آخر ان ذلك التعديل ان تم سيؤدي الى تغيير طريقة ممارسة السلطة ويخرق في الوقت نفسه روح الدستور .[13]

دستورجمهوريةالعراق

تضمنت المادة 144 من دستور جمهورية العراق انه يعد نافذا بعد:

1- موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام

2- نشره في الجريدة الرسمية ’ وقد نشر في تلك الجريدة بعددها ذي الرقم 4012 الصادر بتأريخ 28 من شهر كانون الاول من سنة 2005

3- تشكيل الحكومة بموجبه ’ وقد صدر المرسوم الجمهوري رقم ( 22 ) بتاريخ 22 من شهر نيسان من سنة2006’ بتكليف السيد نوري المالكي لتشكيل الوزارة خلال ( 30 ) يوما اعتبارا من تاريخ صدور المرسوم الجمهوري المذكور والذي تم نشره في في الجريدة الرسمية بعددها ذي الرقم 4022 الصادر بتاريخ 18 من شهر ايار من سنة 2006 . وقد شكلت الوزارة ونالت ثقة مجلس النواب وادت اليمين امامه بتأريخ 20 من شهر ايار من سنة 2006 . وبذلك يعد الدستور نافذا اعتبارا من تاريخ توفر الشروط الثلاثة التي اوردتها المادة ( 144 )

منه ’ اي اعتبارا من تأريخ 20 من شهر ايار من سنة 2006 ’ وهو تأريخ تشكيل الوزارة .

جمود الدستور العراقي

عرضت للقاريء الكريم فكرة وجيزة عن الدساتير الجامدة ’ فاذا ما رجعنا لمفهوم الدستور الجامد ’ نجد ان دستور جمهورية العراق يعتبر من الدساتير الجامدة وذلك لأن البند ( ثالثا ) من المادة

( 126 ) من الدستور حدد طريقة تعديل المواد الاخرى من الدستور بطريقة تدل على جموده وذلك بأن:

1– يتم اقتراح تعديل الدستور من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين او من قبل خمس اعضاء مجلس النواب

2- ان التعديل لايتم الا بعد موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه .

3- ثم موافقة الشعب على التعديل بالإستفتاء العام .كما ان البند ( رابعا ) من المادة المذكورة منع اجراء اي تعديل على مواد الدستور من شأنه ان ينتقص من صلاحيات الاقاليم التي لاتكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ’ الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني ’ وموافقة اغلبية سكانه بإستفتاء عام .

4- مصادقة رئيس الجمهورية على التعديل خلال سبعة ايام ’ فان لم يصادق رئيس الجمهورية على التعديل بعد انتهاء تلك المدة يعد التعديل مصادقا عليه

5- يعد التعديل نافذا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .

وبذلك يعد دستور جمهورية العراق من الدساتير الجامدة لأن طريقة تعديله تختلف عن الطريقة التي تعدل بها القوانين العادية .

القيود الواردة في الدستور و التيتمنع المباشرةبتعديله :

استثنى البند ( خامسا ) من المادة ( 142 ) من احكام المادة ( 126 ) المتعلقة بتعديل الدستور الى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في المادة ( 142 ) ’ وبذلك ا زداد الدستورجمودا على جموده ’ خاصة وان المادة ( 142 ) لم يجر تنفيذها لحد الان . وأجد من المناسب ان اعطي للقاريء فكرة عن احكام المادة ( 142 ) من الدستور .

احكام المادة ( 142 ) من دستورجمهورية العراق :

اوجبت المادة ( 142 ) من دستور جمهورية العراق ’ ان يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من اعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي ’ تتولى تقديم تقرير لمجلس النواب خلال مدة ( لاتتجاوز اربعة اشهر ) ’ على ان يتضمن التقرير توصية اللجنة بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور ’ وتحل اللجنة بعد ان يبت مجلس النواب في مقترحاتها . وتعرض التعديلات المقترحة من قبل تلك اللجنة دفعة واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها ’ وتعد مقرة بموافقة الاغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب . بعد ذلك تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب على الشعب للاستفتاء عليها ’ خلال مدة لاتزيد على شهرين من تأريخ اقرار تلك التعديلات من قبل مجلس النواب ’ ويكون الاستفتاء ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين ’ واذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات او أكثر . ويستثنى ما ورد في المادة ( 142 ) من احكام المادة ( 126 ) المتعلقة بتعديل الدستور الى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في المادة ( 142 ) . ومن يقرأ البند

( خامسا ) من المادة ( 142 ) بإمعان يتكون لديه تصور ان واضعي الدستور قصدوا تأجيل تطبيق المادة ( 126 ) من الدستور وعدم البدء بأية خطوة للشروع بتعديل الدستور ’ الا بعد الانتهاء من تطبيق احكام المادة ( 142 ) من الدستور . ولهذا التصور اسبابه ’ فنص البند ( خامسا ) من المادة ( 142 ) مرتبك يشوبه الغموض ’ وهذا الغموض الذي نجده في مواضع اخرى من الدستور من ابرز المآخذ التي يطرحها منتقدي الدستور ودارسيه . وسبب آخر يدعوني لتحبيذ هذا التصور ’ ان المادة ( 142 ) جاءت مطلقة خولت اللجنة التي يشكلها مجلس النواب ان يتضمن تقريرها توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور ’ فمن المحتمل ان يتضمن تقرير اللجنة التعديلات كافة التي يتطلب الدستور اجراؤها ’ الا ان اللجنة تبقى مقيدة باحكام المادة ( 126 ) من الدستور’ اذ ان المادة الاخيرة وضعت قيودا عديدة على التعديلات التي اجازت ادخالها على الدستور فالمباديء الاساسية الواردة في الباب الاول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور يجوز تعديلها بعد :

1- دورتين انتخابيتين متعاقبتين

2- موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب على التعديل

3- موافقة الشعب على التعديل بالاستفتاء العام

4- مصادقة رئيس الجمهورية على التعديل خلال سبعة ايام .

كما ان البند ثالثا من المادة المذكورة لم يجز تعديل المواد الاخرى من الدستور ( غير المنصوص عليها في البند ثانيا من هذه المادة ) الا بعد :

1- موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب على التعديل .

2- موافقة الشعب على التعديل عن طريق الاستفتاء العام

3- مصادقة رئيس الجمهورية على التعديل خلال سبعة ايام .

اما البند رابعا من نفس تلك المادة فهو الاخر وضع قيدا على اي تعديل على مواد الدستور من شأنه ان ينتقص من صلاحيات الاقاليم التي لاتكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية الا :

1- موافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني

2- موافقة اغلبية سكانه باستفتاء عام

3- لاحاجة لتصديق رئيس الجمهورية على التعديل اذ يصبح التعديل نافذا في حالة توفر الشرطين المذكورين فيه ونشره في الجريدة الرسمية .

ان نص البند رابعا من المادة 126 من الدستور ’ نص يثير الاستغراب ’ فعدم وجوده يتساوى مع وجوده ’ اذ بربك ايها القاريء اي اقليم منح صلاحيات ما ستقبل سلطته التشريعية ان يتم الانتقاص من صلاحيات اقليمها ؟ واي سكان اقليم سيوافقون على الانتقاص من تلك الصلاحيات ؟ هذا مثال واحد على النصوص التي تضمنها الدستور وحملت الكثير من التناقضات ’ لانه كتب بعجالة ولم يعبر عن الارادة الوطنية بقدر ما عبر عن رؤى متعارضة تبغي تحقيق نفوذها وترسيخه . بينما نجد ان القانون الاساسي العراقي ( وهو دستور عام 1925 ) تمت التهيئة له منذ عام 1921 حيث تمت كتابة مسودته ثم عرضت على لجنة وزاريةادخلت عليه بعض التعديلات ’ وتولت وزارة المستعمرات البريطانية تنقيح المسودة بهدف زيادة صلاحيات الملك ’ ثم نقحته لجنة مشتركة تألفت من ناجي السويدي ومستشار وزارة العدل وتمت الاستعانة بعدد من الحقوقيين العراقيين وضمنت هذه اللجنة تلك المسودة مبداً مهما بجعل الوزراء مسؤولين امام مجلس النواب ومنعت الملك من حل مجلس الاعيان كما منعته من اعلان الحرب دون موافقة مجلس الامة ’ ان كتابة القانون الاساسي استمرت خمس سنوات تقريبا مما يدل على مدى اهمية الدستور وضرورة التريث في كتابته واعداده وعرضه على مختلف المختصين بالدراسات الدستورية . اليس الدستور هو اساس القوانين ’ وله العلوية عليها؟ [14]

لماذا دستو رجمهورية العراق بحاجة التغيير جوهري ؟

لا نختلف في ان اكثر الدساتير تكتب اثر احداث تتطلب اجراء تغييرات جوهرية في المنظومة القانونية وعلى راسها الدستور ’ لذلك تكتب تلك الدساتير في عجالة ’ مما يجعلها لاتخلوا من الارتباك والتناقض والنقصان ’ وهي كأي عمل انساني لاترقى بأي حال من الاحوال لمرتبة الكمال ’ مما يتطلب اعادة النظر بها بعد فترة من وضعها قيد الاختبار من خلال العمل باحكامها . وفوق كل ذلك حمل الدستور العراقي الكثير من التناقضات في نواح عديدة من محتوياته فمن الديباجة التي خلت من اية اشارة تساعد مفسري الدستور على فهم مضامينه . الى بقية الابواب التي يجد القاريء انها اتسمت بالطابع السياسي مبتعدة عن الفهم القانوني السليم للدساتير . ان الاسباب الي جعلت هذا الدستور بصورته هذه تعزى الى :

1- السرعة التي كتب بها بسبب رغبة المحتل تحقيق توقيتاته التي حددها هو انطلاقا من اجنداته التي فرضتها مصالحه واهدافه’ او فرضت عليه نتيجة الضغوط الدولية .

2- تغليب كتبة الدستور المصالح الفئوية على الهوية الوطنية

3- الاختلافات الجذرية بين الفئات التي مثلت في لجنة كتابة الدستور انعكست على ابواب ومواد الدستور

4- الغموض في بعض مواده ’ مما يجعله حمال اوجه متحملا المسؤولية في خلق الازمات السياسية التي توالت على العراق منذ نفاذ ه ولحد الان .وقد برزت هذه الظاهرة حين ربط الدستور توقيتاته بالعملية السياسية من خلال انطلاقه من نقطة واحدة ’ هي يوم المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية العليا ’ وبهذا التوقيت ’ انهى الدستور سلطة المؤسسات الدستورية القائمة بما في ذلك مجلس النواب ’ مجلس الوزراء ’ مجلس الرئاسة ’ مما يعني دخول البلاد في فراغ تشريعي وتنفيذي سببه عدم وجود نصوص واضحة تعالج مثل هذه المعضلات ’ مما دفع بعض المحللين السياسيين والقانونيين الى طرح تفسيرات لاتستند الى اي اساس دستوري لخلو الدستور من نصوص تعالج مثل هذه الحالات . لذا يتطلب الامر شروع مجلس النواب المنتخب بأداء مهامه ’ ووظائفه لكي تبدأ عملية انتخاب رئيس الجمهورية ثم البدء بتشكيل الحكومة سدا لهذا الفراغ .

5- استخدم كتبة الدستور تعبير الكتلة النيابية الاكثر عددا التي يكلفها رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة ’ ولم يعط الدستور مفهوما واضحا لتلك الكتلة ’ او يعطها تعريفا وافيا مانعا للخلاف ’ كما لم يشترط حجما معينا لتلك الكتلة ’ كأن تكون تلك الكتلة التي تحوز اكثر من ثلث او نصف عدد الاعضاء ’ على سبيل المثال . وبهذا فقط سيكون الدستور واضحا مانعا للاختلاف والاجتهاد والتأويل .

ان الامثلة على غموض الدستور كثيرة ’ والتوقيتات التي تضمنها وخرقت لتعذر الالتزام بها بسبب الصراعات السياسية هي الاخرى كثيرة ’ والقوانين التي كان على مجلس النواب المنتهية ولايته تشريعها ولم يشرعها هي الاخرى كثيرة فقد احصيتها ووجدت انها اكثر من ( خمسين ) قانونا ومن اهمها ما جاء بالبند( اولا 9 من المادة ( 12 ) بشأن تنظيم علم العراق وشعاره ونشيده الوطني [15]’ كمالم يصدر قانون يحدد راتب ومخصصات رئيس الجمهورية ولا قانون ينظم رواتب ومخصصات رئيس واعضاء مجلس الوزراء ومن هم بدرجتهم كما اوجبت ذلك المادتان ( 74 و82 ) من الدستور ’ كم لم يصدر قانون ينظم احكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية او قانون ينظم احكام اختيار نائب لرئيس الجمهورية كما اوجبت ذلك المادة ( 69 ) من الدستور ’ ولم يصدر قانون ينظم عمل الاجهزة الامنية ويحدد واجباتها وصلاحياتها بما يجعلها تعمل وفقا لمبادىء حقوق الانسان ’ كم اوجبت ذلك المادة ( 84 ) من الدستور ’ كما لم تصدر قوانين تنظم عمل الاجهزة القضائية وخاصة مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا ة كما اوجبت ذلك المادتان ( 90 و92 ) من الدستور ’ولم يصدر قانون يفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء كما اوجب ذلك البند ( سادسا ) من المادة ( 93 ) من الدستور ’ ثم اين قانون النفط والغاز الذي اوجب البند ( اولا ) من المادة ( 112 ) اصداره ’ الى غير ذلك من قوانين اوجب الدستور اصدارها كان من شأنها ان تنظم حياة المواطن وتقلل من معاناته . والالغام التي بثت بين مواده هي الاخرى كثيرة من ذلك المادة ( 140 ) ’ فهذه المادة كانت تتضمن وجوب انجاز عمليات التطبيع ’ الاحصاء’ وتنتهي بأستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد ارادة مواطنيها ’ في مدة اقصاها ( الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة ) فأين نحن من ذلك الموعد ونحن نجتاز النصف الثاني من عام 2010 ’ بل ونقترب من عام 2011 ’ ولم ينجز اي بند من بنود تلك المادة ؟ فلم شرعت تلك المادة ؟ ولماذا لم تنفذ ؟ الجواب لدى مشرعيها ولدى من كان عليهم تنفيذها ! كما لم تنفذ المدة ( 106) من الدستور التي اوجبت تاسيس هيئة عامة بقانون لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية والتحقق من الاستخدام الامثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها وضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الاموال لحكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وفقا للنسب المقررة .

ان هذه الهيئة لو كتب لها ان تشكل لحققت عدالة التوزيع للمنح والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ولحققت الرفاه العام والرقابة على حسن التصرف بالمال العام .ومن الغرائب التي تضمنها الدستور ما جاء في المادة ( 123) منه ’ اذ اجازت هذه المادة ان تفوض الحكومة الاتحادية سلطاتها للمحافظات ( الى هنا لاتوجد مشكلة ) الا ان الغرابة والمشكلة تبرز اما اعيننا حين اجازت تلك المادة ان تفوض المحافظات سلطاتها للحكومة الاتحادية ! ماالذي يبقى من نظام اللامركزية الادارية الذي اخذ به الدستور اذا فوضت المحافظات سلطاتها للحكومة المركزية ؟

لجنة مراجعة الدستور

استنادا لحكم المادة ( 142 ) من الدستور شكلت لجنة مراجعة الدستور برئاسة الدكتور همام حمودي عضو مجلس النواب وعضوية (27 ) عضوا من اعضاء مجلس النواب وتم ضم عضوين مراقبين من الكلدان لعضوية اللجنة .عقدت اللجنة اول اجتماع لها يوم 15 من شهر تشرين الثاني من عام 2006 ’بعد اجتماعات عديدة توصلت اللجنة لما يأتي :

وضع 17 مادة جديدة لاحكام مجلس الاتحاد كما

وضعت اللجنة 12 مادة لتنظيم احكام الهيئات المستقلة

ووضعت ايضا 19 مادة لاحكام السلطة القضائية

اضافت اللجنة نصوص ( 15) مادة’ واعادت صياغة ( 30) مادة ’ وعدلت مضامين ( 20 ) مادة من مواد النصوص الدستورية .

انحصرت الخلافات في خمسة مواد ’ من بينها حكم المادة ( 73 ) من الدستور واحكام المادة ( 58 ) المتعلقة بكركوك .

من المعلوم للقاريء ان هذه اللجنة كان يجب ان تشكل في بداية عمل مجلس النواب بتاريخ20 ايار لسنة 2006 الاان ان اللجنة لم تباشر باعمالها الا بعد اكثر من ستة اشهر ’ كما كان عليها ان تنجز اعمالها خلال مدة لاتتجاوز ( اربعة اشهر ) من تاريخ تشكيلها الا انها لم تقدم الصيغة النهائية لما توصلت له الا بتاريخ 23 من شهر تموز من عام 2009 ! فاية توقيتات التزم بها من كان عليهم تنفيذ احكام الدستور ؟ اذ لغاية الان لم يسفر عمل اللجنة عن شيء ملموس ولم يترجم تقريرها الى الواقع العملي الذي كان هو الهدف من وراء تشكيلها . وانتهت ولاية مجلس النواب الذي شكلها ليبق ما توصلت له حبرا على ورق !

ان كثرة التعديلات والاضافات التي قامت بها اللجنة على الدستور بحيث ادى ذلك الى ان يصل عدد مواده الى ( 193 ) مادة بعد ان احتوى الدستور النافذ على ( 144 ) مادة من بينها ( 12 ) مادة انتقالية ’ ليدل بشكل اكيدعلى اوجه النقص التي تضمنها الدستور بسبب الاستعجال واختلاف الدوافع والتوجهات التي رافقت عملية كتابته .[16]

انني ادعو الى اجراء تعديل عام وشامل للدستور ’ والاستعانة بالمختصين بالدراسات الدستورية ولا بأس ان نستعين بمن بقي من الاساتذة الذين اسهموا بكتابة الدساتير السابقة ’ حتى لو تم ذلك عن طريق مراسلتهم في اماكن اقامتهم حاليا ليتم استمزاج آراءهم بشأن التعديلات المطلوب ادخالها على الدستور . اني ادعو

الى الاهتمام بالجانب القانوني في كتابة التعديلات بعد ان ادى التركيز على الجانب السياسي الى كل هذا الغموض والارتباك وربط حلقات العملية السياسية بنقطة واحدة هي يوم المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية العليا وما نتج عن ذلك من انهاء للمؤسسات السياسية القائمة بما في ذلك مجلس النواب المنتهية ولايته ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ’مما ادى الى دخول العراق في فراغ تشريعي وتنفيذي ’ اذ تنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء مدة مجلس النواب الا انه يستمر بممارسة مهماته الى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه ’ على ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوما من تأريخ اول انعقاد للمجلس ! لقد انعقد المجلس ولم ينتخب رئيسا للجمهورية ! ترى هل لمجلس الرئاسة الحالي ولمجلس الوزراء الحالي اية ولاية دستورية ؟ ان تعطل العملية السياسية حصل بسبب قيام مجلس النواب المنتخب برفع جلسته الاولى واعتبارها جلسة مفتوحة ( دون سند دستوري ) ’ دون ان يؤدي كل النواب اليمين الدستورية بسبب اشغال بعضهم لمناصب وزارية ’ كما لم ينتخب المجلس رئيسا ونائبا اولا ونائبا ثانيا كما اوجبت ذلك المادة( 55 ) من الدستور ’ واستمر المجلس بجلسته المفتوحة التي يراسها رئيس السن .

ما العمل ؟
-اجراء تعديل دستوري شامل
-فك الارتباط والتوقيتات بين العملية السياسية
-رفع مدة اشغال رئيس الجمهورية لمنصبه لمدة تزيد على مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب ة بجعل مدة اشغاله لمنصبه خمس سنوات
-انتخاب مجلس النواب على مرحلتين ’ بما يضمن ان يكون مجلس النواب موجودا دائما من خلال تجديد انتخاب نصف اعضائه كل سنتين وبذا نتلافى اي فراغ تشريعي[17]

ونجد هذه الطريقة مطبقة في الكثير من دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة الامريكية اذ تجري الانتخابات الجزئية لانتخاب نسبة معينة من المقاعد فيدخل الكونغرس وجوه جديدة تتلاقح افكارها مع من بقي من اعضاء الكونغرس ’ فلا تخلوا البلاد من مشرعين فهم دائما على اهبة الاستعداد لممارسة دورهم التشريعي والرقابي .

هناك حلول كثيرة لمعالجةالقصور الذي اعتور الدستور . نحن بحاجة لحوار قانوني وسياسي لوضع دستور يحل مشاكلنا لا ان يعقدها .

________________________________________
[1]انظر هيلين تورار – تدويل الدساتير الوطنية – ترجمة باسيل يوسف – مراجعة وتقديم د. اكرم الوتري – بيت الحكمة – بغداد – 2004 – ص 20

[2]انظر – د. ادمون رباط – الوسيط في القانون الدستوري العام – الجزء الاول – الدول وانظمتها.– دار العلم للملايين – بيروت -1968 ص 98

[3]انظر د. ادمون رباط – المصدر السابق – ص 410

[4]انظر د. ادمون رباط المصدر السابق –ص217

[5]انظر جمال احمد – الدولة الاتحادية – اسسها واصولها – بيروت – 1959 –ص 103

[6]انظر دستور الاتحاد السويسرى الصادر بتأريخ 18 نيسان 1999 النافذ من الاول من شهر كانون الثاني لسنة 2000 متضمنا التعديلات كافة لغاية 10 تموز 2003 — ترجمة د . محمود الجندي و د. سامي الذيب — المعهد السويسري للقانون المقارن — برن — سويسرا —2008

[7]انظر د. منذر الشاوي – النظرية العامة في القانون الدستوري – دار ورد للنشر والتوزيع – عمان –سنة 2007 – ط1 – ص 247

[8]انظر د. منذر الشاوي – المصدر السابق – ص 251

[9]انظر د. منذر الشاوي – نظرية القانون في المذاهب الشمولية – اصدار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية – ط 1 – عمان – 2008

ص 31 – 32

[10]انظر د . منذر الشاوي – المصدر السابق – ص 284

[11]انظر د . حميد حنون خالد – فكرة الدستور – دراسات دستورية عراقية حول موضوعات اساسية للدستور العراقي الجديد – اصدار المعهد الدولي لحقوق الانسان – كلية الحقوق بجامعة دي بول – نيويورك – ط 1 2005 – ص 59 – 61

[12]انظر د . منذر الشاوي – المصدر السابق – ص 286

[13] – انظر د. .منذر الشاوي – المصدر السابق-ص 286 – وانظر نفس المؤلف –في الدستور – مطبعة العاني – بغداد 1964 – ص 296

[14]انظر الاستاذ عبد الغني الدلي –وزير عراقي سابق – نظرة مقارنة في دستور 1925 ودستور 2005 – موقع الحوار المتمدن العدد 1379 في 15 من شهر تشرين الثاني لسنة 2005

[15]تحضرني بهذه المناسبة واقعة نشرت باحدى الصحف العراقية تضمنت ان وفدا عراقيا شارك في دورة الالعاب الاولمبية في برلين عام 1938- وكان الزعيم الالماني ( هتلر ) جالسا في المقصورة الرئيسية وكان على الوفود المشاركة المستعرضة ان تقف امام المقصورة عندما ياتي دورها لتردد نشيدها الوطني ’ ولما لم يكن للعراق آنذاك نشيد وطني ( كما هو الحال هذه الايام ) فقد اصبح الوفد العراقي في حيرة من امره فاقترح احد اعضاء الوفد ( وان لم تخني الذاكرة انه كان الفنان التشكيلي المرحوم حافظ الدروبي ) ان يرددوا لازمة كان يرددها الاطفال وتلك هي ان يردد ( بلي يبلبول ’ فيردد الاخرون وراءه ’ بلي ’ ثم يردد ماشفت دعبول ’ فيردد الاخرون وراءه بلي ) وهكذا انقذت لازمة ( بلي يبلبول ) الوفد الرياضي العراقي من حيرته . والعهدة على الصحيفة التي نشرت الرواية وقد اضافت الصحيفة ان الجمهور الالماني اعجبه النشيد الوطني العراقي المزعوم ! فأخذ يردد وراء الوفد العراقي ذلك النشيد الخالد ( بلي يبلبول ما شفت دعبول ).

[16]انظر موقع مجلس النواب العراقي على الويب

[17]انظر محمد عبد الجبار الشبوط – المصدر السابق – وانظر ايضا المادة 198 من دستور جمهورية مصر العربية

دراسة قانونية حول التعديلات الدستورية في العراق