الإطار القانوني والمؤسساتي للتكوين المستمر بالوظيفة العمومية المغربية
ذ محمد بوكطب
متصرف بوزارة الداخلية؛
باحث في صف الدكتوراه،تخصص التدبير الاستراتيجي للموارد البشرية بالادارة والمقاولات
مـــقــدمـــة:
لقد وجدت الإدارة المغربية بعد مرحلة الاستقلال نفسها أمام فراغ بشري وتشريعي، وبغية مواجهة ذلك الوضع ، لجأت الإدارة إلى اتخاذ عدة تدابير وإجراءات، وفي هذا الصدد عرفت الوظيفة العمومية عدة إصلاحات تناولت في مجملها إرساء الهياكل والقواعد التي تعنى بتسيير شؤون الموظفين، فصدرت عدة نصوص منها ما يتعلق بتنظيم التكوين.
وبطبيعة الحال، فإن مختلف المبادرات الإصلاحية التي حدثت طوال الفترات الأخيرة، لم تحظ بخطوات كافية نحو تنمية إدارية حقيقية بسبب غلو البيروقراطية السلبية وتواضع نسبة الاستثمار في العنصر البشري العامل بالإدارة.
إننا لا نتوخى تقييم تلك التجارب الإصلاحية وحصيلتها،وإنما الذي نبتغيه من وراء كل هذا هو استخراج مدى اهتمام تلك الإصلاحات المتبادلة باستكمال التكوين والتكوين المستمر، وذلك انطلاقا من ثلاث محطات،المحطة الأولى التي بدأت مع مرسوم 16 دجنبر 1957 مرورا بظهير 24 فبراير 1958 وانتهاء بالمرسوم الجديد المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة.
ولذلك فان هذه النصوص القانونية والتنظيمية تشير من قريب و من بعيد للتكوين المـستمر – التدريب واستكمال الخبرة – ويتعلق الأمر بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والمرسوم المتعلق بتحديد أجور الموظفين الذين يتبعون دروسا لاستكمال الخبرة، وأخيرا المرسوم المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة الصادر بتاريخ 12 يناير2006، وسنعرض بالتحليل لهذه النصوص كل واحد منها على حدة.
إن تكوين الأطر المغربية كان هو السبيل لانقاد الوظيفة العمومية من الخصاص في الكفاءات،وذلك التوجه لم يكن اختيارا انفرد به المغرب،حيث في مرحلة الستينات واكبت تلك مرحلة انعتاق العديد من الدول من قبضة الاستعمار وانشغالها ببناء مؤسساتها على أسس علمية وصلبة،لذلك لجأت تلك الدول إلى تقنية التكوين من أجل إعداد هياكلها البشرية،التي ستضطلع بتدبير الشأن العام وتحقيق تنمية مندمجة لبلدانها( ).
وفي هذا الاطار،فقد صدر في المغرب القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، إلى جانب مرسوم 16 دجنبر المتعلق بتحديد أجور الموظفين والأعوان والطلبة الذين يتابعون تمارين تكوين أو دروس استكمال الخبرة.
وعليه،فقد تعددت مفاهيم التكوين،ورغم اختلافها تبقى تصب في مجرى واحد، يهدف أساسا إلى تنمية المهارات والقدرات والسلوكات لدى الأفراد، ويفيد تعريف التكوين على أنه “عملية منظمة ومستمرة تكسب الفرد معرفة أو مهارة أو قدرة لازمة لأداء وظيفة معينة أو بلوغ هدف محدد” ، ويعتبر كذلك “عملية تعديل إيجابي لسلوك الفرد من الناحية المهنية أو الوظيفية، وتستهدف إكسابه المعارف والخبرات والاتجاهات المناسبة للوظيفة التي يشغلها، لتحسين مستوى أدائه” . كما يعتبر RENAUD SAINSAULIEU انها”عملية تلقين بعض المعارف والأعمال الإدارية للطلبة المكونين قصد تأهيلهم لممارسة الوظائف العمومية مستقبلا” .
وهو بالإضافة إلى ذلك،وحسب كل من Bernard (J.L) et Le moine (c) اللذان يعتبران أن التكوين “هو عملية تطوير مستمر لمعارف ومهارات الموظفين القدامى وتحسين سلوكهم من أجل الرفع من مستوى إنتاجيتهم، وبالتالي إنتاجية الإدارة” .وهذا يعني أن التكوين الإداري يشمل التكوين الأساسي قبل ولوج الوظيفة العمومية،وكذلك واستكمال التكوين خلال ولوجها.
فانطلاقا من هذه التعاريف،تكمن أهمية التكوين في تنمية الموارد البشرية بالادرة،لأنها تعتبر العنصر الحيوي في العملية الإنتاجية،وعلى ضوئها تتحدد باقي عناصر الإنتاج.
والجدير بالذكر أن التكوين الإداري ليس هدفا في حد ذاته،بل هو وسيلة لبلوغ هدف معين،ألا وهو الرفع من كفاءة ومردودية الموظف،وبالتالي الرفع من مردودية الإدارة ككل.
فقوة الإدارة وكفاءتها أصبحت تقاس حاليا بمدى كفاءة وفعالية مواردها البشرية،واكتساب هذه الميزة لا يتأتى إلا عن طريق التوظيف الصحيح والتكوين الفعال والهادف. وتتضح أهمية التكوين من عدة زوايا:
فالتكوين هو صفة المنظمات الحديثة التي تحرص على مواكبة كل تغيير في المجالات التكنولوجية والإدارية… فبدون قوة بشرية متطورة وقادرة على استيعاب التغيير لن تستطيع المنظمة تحقيق أهدافها؛
كما أن أهميته كذلك تكمن في تحسين قدرات الفرد وتنمية مهاراته، وبالتالي المساهمة في تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد وبالتالي يزيد من درجة أمانه الوظيفي، لذلك فهو لا يقتصر على موظف دون آخر أو وظيفة دون أخرى، فالموظف الجديد يحتاج إليه لضمان إتقانه للوظيفة الجديدة المكلف بها، ويحتاجه الموظف القديم لزيادة مهاراته وإدارة عمله بشكل أفضل.بالإضافة إلى كونه يكمل دور الجامعات والمدارس: فإذا كان التعليم يوفر الأساس الذي يمكن أن ينطلق منه الفرد فإن التدريب يأتي ليستكمل ما بدأه التعليم .
وتتجلى إذن الأهمية القصوى للتكوين، في أنه لا يمكن لأية إدارة أن تحقق أهدافها وتدرك غاياتها وتستفيد من طاقاتها المادية،إلا إذا تيسرت لها الموارد البشرية المؤهلة عمليا،وفنيا،والمتلقنة لتكوين هادف .
كل تلك العوامل السالفة الذكر،شكلت حافزا معنويا لاختيار هذا الموضوع والاشتغال عليه.
وعلى هذا الأساس،فإن تحديد إشكالية البحث تنبني على أساس الدور الذي يلعبه في تطوير وتنمية الموارد البشرية بالادارة العمومية المغربية .وعليه يمكن طرح الإشكالية التالية:
ماهي أهم المحطات التاريخية التي قطعتها سيرورة سياسة تكوين الموارد البشرية بالإدارة المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم ؟.
إن معالجة إشكالية كهذه استلزم منا اعتماد المناهج التالية:
منهج دراسة الحالة، الذي يعتبر أحد الوسائل المنهجية الهامة، التي تبرز مدى التطابق بين الدراسة النظرية مع المعطيات المحصل عليها في الحالة موضوع الدراسة، لذلك كانت غايتنا إدراج حالة الموارد البشرية للإدارة للدراسة، من أجل الكشف عن مدى مساهمتها في تحقيق التنمية المستدامة.
ومنها ،المنهج التاريخي من اجل الوقوف على التطور التاريخي للتكوين المستمر بالادارة المغربية منذ الاستقلال الى اليوم، ثم المنهج البنيوي الذي يساهم في الإحاطة بالمؤسسات المكلفة بالتكوين المستمر واهم محطات الإصلاح التي طالتها من اجل مواكبتها مع التطورات الدولية .
وتأسيسا على كل ما سلف، ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: الإطار القانوني للتكوين المستمر بالوظيفة العمومية المغربية
المبحث الثاني: الإطار المؤسساتي للتكوين المستمر بالوظيفة العمومية المغربية
المبحث الأول: الإطار القانوني للتكوين المستمر بالوظيفة العمومية المغربية
إن الاهتمام بالتكوين في دولة المغرب الحديث يتزايد مع التطور الذي تعرفه الإدارة العمومية، وكانت التوجيهات السامية لأعلى سلطة في بلاد تعطي أهمية كبرى لهذا الميدان وقد أكد هذا التوجه المغفور له الحسن الثاني في الرسالة الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي للعلوم الإدارية الذي عقد بمراكش من 24 إلى 28 يوليوز 1984 . ولمعرفة كيفية تنظيم التكوين بالمغرب كان لا بد من التطرق للإطار القانوني (الفرع الأولى) والمؤسساتي الذي يؤطره (الفرع الثاني).
الفرع الأول: الإطار القانوني للتكوين المستمر بعد الاستقلال
ويعتبر ظهير 24 فبراير1958( ) النص التشريعي الأساسي العام المنظم للوظيفة العمومية،ولقد أدخلت عليه عدة تعديلات منذ ذلك التاريخ( ) ،وسنلاحظ فيما بعد أن بعض محتوياته تحتاج إلى تعديلات أخرى لتبقى الوظيفة العمومية بالمغرب مسايرة للتطورات التي تعرفها الإدارة العمومية( ).
إن أي أصلاح في المغرب لا يمكن أن ينطلق من القاعدة،بل لا بد أن ينبع من الخطاب الرسمي كما هو الشأن بالنسبة للتكوين الإداري.فالاهتمام بالتكوين كان نتيجة الخصاص في الأطر والذي تؤكده الرسالة الملكية الموجهة لأعضاء الحكومة بتاريخ 9 أكتوبر 1967 والخاصة بإعداد المخطط الخماسي 68/72 والتي جاء فيها:”عندما أعددنا المخطط الثلاثي الذي يعرف نهايته هذه السنة،فقد اتفقنا على إعطاء الأولوية للمشاريع ذات الفائدة الأكبر في ميدان الفلاحة والصناعة والسياحة دون أن ننسى تكوين الأطر التي تنقصنا” .
ومن بين النصوص التي تتوفر عليها الوظيفة العمومية المغربية، والتي تعتبر إطارا قانونيا للوضعية التي يتواجد فيها الموظف أثناء مشاركته في برامج التكوين المستمر، نجد المرسوم رقم 1841-57-2 الصادر بتاريخ 23 جمادى الأولى 1377 (16 دجنبر 1957)( ) ،والمتعلق بتعيين الأجور المنفذة للموظفين والمساعدين والطلبة الذين يتابعون تداريب أو دروسا لاستكمال التكوين،الذي يحدد مقادير التعويضات الممنوحة للموظفين المعنيين للمشاركة في تداريب سواء داخل الوطن أو خارجه، والذي يضع المعايير والشروط التي ينبغي توفرها قصد منح تلك التعويضات، بحيث ينص في فصله الأول “أن الموظفين والأعوان المعنيين لمتابعة تمارين أو دروس تكوين أو استكمال خبرة سواء ببعض المدارس لدى إدارة عمومية أو مؤسسة خاصة يستمرون في تقاضي الأجور المخولة لحالتهم في إدارتهم الأصلية، ويتقاضون بالإضافة إلى ذلك تعويضا يوميا عن التمرين إذا كان هذا التمرين أو كانت الدروس المتابعة تنظم خارج محل إقامتهم” – وللإشارة فإن ذلك المرسوم قد تم تغييره بموجب مرسوم رقم 828.75.2 بتاريخ 20 ذي الحجة 1395 موافق 23 دجنبر 1975 – .
إن الجهود المبذولة في ظل ذلك المرسوم كانت مرتكزة بصفة أساسية حول التكوين الأساسي الذي يغلب عليه الطابع الأكاديمي لتزويد المترشحين بالمعارف لشغل المناصب بقطاع الوظيفة العمومية.
كما أن مرسوم 16 دجنبر 1957 الخاص بتحديد أجور الموظفين والأعوان والطلبة الذين يتابعون تمارين تكوين أو دروس استكمال الخبرة، يتضمن فقط مقتضيات تتعلق بالتعويضات اليومية ولا يعطي للتكوين المستمر بعده الحقيقي المتمثل في تحديد الأهداف والوسائل اللوجيستيكية والمادية بالمقارنة مع التجارب المعمول بها في الدول الأخرى( ).
وقد ترتب عن ذلك غياب التنسيق بين القطاعات الإدارية وعدم ملاءمة مناهج وبرامج التكوين لمتطلبات التدبير العمومي الحديث، وقد أثبتت التجربة على أن الإدارات العمومية غالبا ما كان يتعذر عليها تعيين موظفيها لمتابعة برامج التكوين المستمر لعدة أسباب منها( ):
– غياب مقتضيات تنظيمية تتعلق برصد اعتمادات مالية (ضعف الموارد وتفاوت بين الإدارات بحيث يلاحظ بأن معدل الميزانية المخصصة للتكوين المستمر لا تتعدى %0,25 من كتلة الأجور في الوقت الذي تخصص فيه بعض المؤسسات العمومية من 3% إلى %5 لعمليات التكوين مستخدميها على غرار ما هو معمول به في الدول المتقدمة)؛
– الثقافة السائدة تجعل من التكوين المستمر عبئا إضافيا وليس استثمارا على المدى الطويل مما يحول دون المشاركة في البرامج المنظمة من طرف المؤسسات الوطنية أو الدولية رغم جودتها وفعاليتها.
لكن مع ذلك،يعتبر مرسوم 16 دجنبر 1957 بتعديلاته الثلاث نصا فريدا من نوعه،حيث يشير صراحة إلى استكمال التكوين، إلا أنه رغم تلك التعديلات التي أدخلت عليه، فإنه لم يحدد طرق تعيين الموظفين والأعوان المرشحين للمشاركة في دورات استكمال التكوين، لذلك ينبغي في نظرنا التصدي لتلك الثغرات القانونية وتداركها على الأقل لضبط معايير الاختيار.
كما أن ذلك المرسوم لا يتضمن ما يشير إلى الوضعية الإدارية والمادية المستقبلية للموظفين للمشاركة في دورات استكمال التكوين.
لذلك ،يتضح إذن أن ذلك النص لم يهتم بالجانب المتعلق بالوضعية المادية للمتكون والتي لها تأثير على نجاح التكوين المستمر،وبالتالي لم يضع العناصر الأساسية التي تسمح للموظف المتكون من استيعاب ما تحمله برامج التكوين المستمر في غياب هاجس الاستقرار المادي( ).
ثم إن المشرع أغفل البعد الحقيقي للتكوين المستمر في الإدارة العمومية، والمتمثل في تحديد الأهداف والوسائل وشروط اختيار المتكونين والحوافز، والتقييم والتتبع، مقارنة مع تجارب الدول الأخرى.الشيء الذي جعل المجهودات التي بذلت من طرف الإدارات،رغم فوائدها الإيجابية،تتم في غياب رؤى واضحة المعالم،وإستراتيجية مضبوطة مبنية على تحديد الحاجيات وضبط العمليات المرتبطة بتقويم نتائج التكوين مما تولد عنه اعتبار التكوين مجرد نشاط تطوعي واختياري غالبا ما كان يستعمل في غير موضعه( ).
ولقد ترتب على تزايد تدخلات الدولة بهدف رفع وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين، تضخم في عدد الأعوان بصفة ملحوظة، فأصبح من واجب الدولة رسم سياسة عامة لضمان حسن اختيار الموظفين، وتعيينهم، ورسم سياسة واضحة لمرتباتهم، وتقييم إنتاجهم، والسهر باستمرار على سلامة تطبيق تلك السياسة . و بالتالي، فقد تم تفعيل تلك السياسة عبر النظام الإداري، حيث تم في 24 فبراير 1958 تبني النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية. ذلك القانون الذي أعد مشروعه الأمين العام للحزب الشيوعي آنذاك ، شكل ثورة قانونية في مجال الوظيفة العمومية المغربية حيث مكن من إقرار وضعية قانونية نظامية وقارة، من حيث علاقة الموظفين بالإدارة، وقضى على التشريعات التي لا تتفق والمبادئ الأساسية الحديثة للتوظيف، كالمؤهلات العلمية والكفاءات والخبرة اللازمتين لتسيير إدارة الدولة بالفعالية المطلوبة .
إن مجرد إستقراء القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية المغربية المنظم بظهير 24 فبراير 1958، يتضح من خلاله أن المغرب يسير في نفس الاتجاه الذي سارت عليه الدول المتقدمة، وخصوصا فرنسا التي تأثر بها كثيرا . الشيء الذي أفضى إلى التشابه بين طبيعة التوظيف السائد في البلدين، ومنها:
1- التوظيف في ظل النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية يتم من طرف الإدارات المركزية التي تسهر على تطبيق قواعد شغل الوظائف العمومية. كالإمتحانات والمباريات بأنواعها الداخلية والخارجية من أجل تولية مناصب شاغرة، وفقا لقانون واحد وموحد، ولإجراءات التوظيف؛
2- التوظيف في النظام المغربي مطبوع بإهتمامه بشخص الموظف بذاته فيما يتعلق بمؤهلاته الدراسية وحقوقه ومركزه الوظيفي، وغير ذلك من الحقوق والواجبات؛
3- يتسم التوظيف في ظل النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بطابع الديمومة، وذلك تماشيا مع رغبة المشرع في خلق نوع من الإستقرار الوظيفي للموظفين العموميين؛
4- إن من مميزات التوظيف بالمغرب إرتكازه على الجانب المالي كما هو سائر في مختلف الدول التي تأخذ بالنظام المغلق في ميدان الوظيفة العمومية، وهذا يفيد إصباغ منصب الشغل بالصبغة المالية عوض تحديد المهام .
وبما أن الموظف العمومي أصبح وجوده ضرورة حتمية في حياة الدولة، لكونه المفكر والمساعد الأيمن، والعامل المنفذ، فإن أهميته فرضت إصدار قوانين وتشريعات تقرر الشروط اللازمة لحسن إختيار وإنتقاء الموظفين ، لضمان أجودهم داخل الإدارة .
وبعد صدور ذلك النظام، تم إحداث جهاز إداري للوظيفة العمومية بموجب ظهير 14 يناير1959 ، يسهر على تطبيق مقتضياته، ويعمل على توحيد وتنسيق آليات التسيير الإداري، ويتكفل بمهام إصلاح وتحسين أساليب العمل الإداري .
وعليه، لم تقتصر سياسة المغربة على العنصر البشري، بل امتدت لتشمل كذلك النصوص القانونية التي تحكم الوظيفة العمومية بالمغرب. إذ شكلت خطوة ضرورية من أجل ضمان تسيير دواليب الدولة، وإخضاع الموظفين لنص موحد بدل النصوص العديدة والمتناثرة التي خلفتها الحماية.
كما جسد صدور ظهير 008-58-1 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 مظهرا من مظاهر استكمال سيادة المغرب، وتزكية استقلاله السياسي الذي حصل عليه سنة 1956، لأنه جاء كقاعدة لينظم العلاقات القانونية التي تربط الإدارة المغربية الفتية آنذاك، بمختلف الموظفين الذين تحتاج إليهم، للإشراف على تسيير مختلف أجهزتها الإدارية الحديثة. والذين كانوا من اللازم أن يخلفوا موظفي سلطات الحماية الفرنسية في تلك الفترة .
سبقت الإشارة، إلى أن الإصلاح الإداري تمثلت مظاهره الأولى في صدور ظهير 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والذي تمثل المشرع عند وضعه للنموذج الفرنسي . ومن أهداف ذلك النص القضاء على الاختلاف الذي كانت تعرفه الأوضاع النظامية للموظفين خلال عهد الحماية: (أطر مختلطة تخص الفرنسيين، وأطر خاصة بالمغاربة وأطر ملحقة بالإدارة المخزنية) .
وبالتالي، اهتمت الدولة بالتصدي لمشكلة تعويض الفراغ الإداري، وذلك بخلق نظام أساسي يهدف إلى تكوين الأطر ورفع مستواها المهني. حيث تم إحداث مراكز للتكوين الإداري بهدف إعطاء بعض الموظفين نوعا من التكوين الموجه، خاصة للتسيير بالنسبة للأطر المتوسطة والصغرى، كما اهتمت الدولة بتكوين الأطر العليا.
ولقد لعبت المدرسة الإدارية المغربية دورا كبيرا في تكوين الأطر العليا الإدارية،وبعثت الدولة في نفس الوقت عددا كبيرا من الأطر للخارج قصد التكوين .
ورغبة من وزارة التربية الوطنية في أن يتوفر رجالها على الكفاءة الكاملة، فقد نظمت تداريب تربوية، ورحلات دراسية، وتبادلات ثقافية دولية،وتجمعات لتحسين تكوين هؤلاء الموظفين داخل المغرب و خارجه.
وعليه، فقد تم تكوين 2837 معلما من ذوي الثقافة المزدوجة حتى يمكن تعويض الموظفين الأجانب الذين يعلمون اللغة الفرنسية، تنفيذا للخطة المتبعة قصد مغربة الإطارات.
لقد كان عدد الموظفين المغاربة سنة 1959 يشغلون 9044 من بين 12485 وظيفا، بينما كان عدد الوظائف التي يشغلها الأجانب 3341. وفي نفس السنة، تم تخصيص إدارات المدارس للمرشحين المغاربة وحدهم، بينما كان عدد إدارات المدارس الابتدائية التي كان يسيرها موظفون أجانب تبلغ 683 في سنة 1957، في حين أصبح عدد المديرين الأجانب لا يتجاوز 293 في سنة 1962 . ولقد نتج عن الزيادة الملموسة في عدد الموظفين إعطاء وجه جديد للوظيفة العمومية و لسياسة التوظيف، حيث وجدت الإدارة نفسها أمام ضرورة احترام المبادئ التي نص عليها النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،وتكييفها مع المعطيات الجديدة للتسيير الإداري.
وعليه،فقد تم اتخاذ عدة تدابير واعتماد عدة ظهائر ومراسيم ، للأخذ بعين الاعتبار ضرورة ضبط سياسة التوظيف بالإدارات العمومية .
وإن أهم ما يمكن تسجيله خلال تلك الفترة في ميدان الإصلاح الإداري، هو ما يسمى بـ “إصلاح نظام الأطر”، خصوصا وأنه على مدى الأربع سنوات التي تلت الاستقلال،لم يكن الاهتمام بالمستوى الثقافي أمرا إلزاميا عند التوظيف، لذلك كان لابد من التركيز على التكوين، وعلى بناء الهياكل القانونية للوظيفة العمومية.
ويبدو أن السيد أمحمد بوستة لم يستطع القيام بذلك الإصلاح، أو ربما واجه بعض الصعوبات، فقد وجه منشورا بتاريخ 11 غشت 1960 يطلب فيه من باقي الوزارات موافاة وزارته بمشاريع حول الأنظمة الأساسية لموظفيها.
لكنه لم يتلق أجوبة كافية، مما اضطر إلى توجيه منشورا جديدا بتاريخ 10 شثنبر 1960 ألح فيه على ضرورة الإسراع بتهيئ تلك المشاريع، مؤكدا أن وزارته اتخذت كل الإجراءات لإلغاء النظام الاستثنائي للتوظيف،والدخول ابتداء من 1 يناير 1961 في برنامج لإصلاح الهياكل الإدارية .
وإذا كانت الدولة تتجه نحو التدبير الجيد لمواردها البشرية،خصوصا بعد رحيل الأجانب، فكان عليها في المقام الأول أن تهتم بالمستوى الثقافي للموظفين لإقرار المباراة. لكن العكس هو الذي حصل، حيث تم إصدار مرسوم متعلق بالنظام الأساسي الخاص بأسلاك الإدارة المركزية والموظفين المشتركين بالإدارات العمومية ، الذي ألغى التوظيف الاستثنائي الذي قد أشار إليه، وأقر التوظيف بناء على المباراة دون مراعاة للمستوى الدراسي العالي في التوظيف، وهو بذلك يكرس دونية المستوى في تقلد الوظائف الإدارية.
إن المرسوم الجديد، جاء ليسن قاعدة يمنع فيها التوظيف الاستثنائي ويقرالمباراة كأسلوب جديد للتوظيف.في حين كان على المرسوم أن ينساق مع التوجهات الكبرى للدولة،ومع سياسة التوظيف المبنية على الكفاءة والخبرة،والتي أقرتها الدولة من خلال السياسات العامة
وعليه، فإن مختلف المبادرات الإصلاحية التي حدثت طوال الأربع سنوات الأولى للاستقلال، لم تحظ بالدعم الكافي نحو تنمية إدارية حقيقية بسبب غلو البيروقراطية السلبية، وتواضع نسبة الاستثمار في العنصر البشري العامل في الإدارة .
ومن مسبباته، النظرة إلى نفقات التعليم كعبء التي اقتضت شرعية التقليص من فرص الولوج إلى المستويات العليا. حيث تم خلق أسلاك دنيا في الوظيفة العمومية، شكلت أكثر من ثلثي المناصب في مجموعها. من هنا،لم تفرض المنظمات الإدارية هرميتها بشكل مستقل كما في النموذج الوبيري البيروقراطي، بل إن النظرة إلى التعليم كعبء ، هي التي فرضت تلك الهرمية المتميزة بتضخم كبير في القاعدة،على حساب المستويات الأخرى. ومعنى ذلك أن الإدارة ستشكو من تضخم في وظائف التنفيذ على حساب وظائف التصور والتخطيط ، نظرا لضآلة العنصر البشري اللازم للقيام بها
بعد وضع أول دستور سنة 1962، عرفت البلاد أول تجربة انتخابية تشريعية بتاريخ 7 ماي 1963 حيث تم انتخاب مجلس النواب، ثم مجلس المستشارين بتاريخ 4 أكتوبر 1963.
وقد اجتمع البرلمان لأول مرة بمقر كلية العلوم بالرباط يوم الاثنين 18 نونبر 1963 ، وانتخب بعد ذلك السيد عبد الكريم الخطيب رئيسا لأول مجلس نواب مغربي يتكون من 144 عضوا، في حين انتخب السيد لمفضل الشرقاوي رئيسا لأول مجلس للمستشارين يتكون من 128 عضوا .
وبتاريخ 11 يناير1964 تقدم السيد أمحمد باحنيني ببرنامج حكومته الذي استمر نقاشه أحد عشر يوما. وبحكم خصوصية تلك الفترة، فقد واجهت الحكومة مشاكل سياسية لا طائل لها،ناتجة في مجملها عن المواجهات التي عرفها أول برلمان مغربي .
فمن خلال نظرة مبسطة، يبدو أن الإدارة المغربية لم تحتل حظا كبيرا في أول برنامج حكومي، ذلك الوضع انعكس على الميزانية التي كانت تقشفية، وعلى المخطط الثلاثي الذي إرتكز بدوره على الفلاحة والسياحة وتكوين الأطر.
لكن، إذا تفحصنا ذلك البرنامج، فسنجده يتضمن بعض الإشارات والتلميحات إلى الإدارة، وجعلها في صف واحد مع القضاء، من خلال تصريح السيد امحمد باحنيني حين قال :”ولئن كانت المشاكل الإدارية تشغل بالنا، فللقضاء منزلة الصدارة في أنفسها…” .
في تلك الفترة لم يعمر برلمان بالمغرب مدة طويلة، إذ بدأ أعماله في 18 نونبر 1963 وأوقف على إثر إعلان حالة الإسثتناء يوم 7 يونيه 1965. أي أنه لم يدم سوى سنة ونصف، ناقش فيها ميزانيتي 1964 و1965 والتي عبرت الحكومة عن الإرادة التقشفية في برنامجها، خصوصا وأن العجز في الميزانية كان مرتفعا في سنة 1964 .
ولقد تقدمت حكومة السيد امحمد باحنيني بالمخطط الثلاثي(65-67) الذي لم يتضمن بدوره أية إجراءات تخص الإصلاح الإداري، باستثناء جانب تكوين الأطر الذي يهم التعليم بشكل مباشر، وله علاقة بالرغبة في تزويد الإدارة بأطر كفأة .
وعليه، وأثناء مرحلة المخطط الثلاثي سوف لا يتم توظيف المعلمين إلا في إطار المقاعد الشاغرة، عقب ذهاب بعض المعلمين أو نتيجة مغربة بعض الدروس، أو عند الانتقالات أو بسبب وفاة رجال التعليم، إذ بلغت عدد التوظيفات الجديدة 1800 توظيفا.
وامتاز المخطط الثلاثي بوضع سياسة ترمي إلى تحسين تكوين رجال التعليم،الذين يعملون في إطار التعليم
حتى تتقوى معلوماتهم ويرتفع من جراء ذلك مستوى التعليم الابتدائي. وعليه بلغ عدد المعلمين في المخطط الثلاثي ما يلي
لقد أكدت الوثيقة الدستورية، ولاسيما النصوص المتصلة بالسلطة التنفيذية على وضع الإدارة رهن إشارة الحكومة. وهو ما يوحي وضعها خارج الصراع السياسي،خصوصا وأن الفترة الموالية للاستقلال شهدت صراعا حادا على السلطة وعلى مراكز القرار والنفوذ.
ولتفادي استئثار أطراف النزاع بالإدارة التي قد تخل بالتوازنات الداخلية للنظام السياسي، فلقد تم وضعها تحت إشارة الجهاز التنفيذي الذي يعينه الملك لتمارس مهامها التنموية في حياد واستقلالية تامة .
إن الأوضاع السيئة التي آلت إليها البلاد في تلك الفترة، جعلت الإدارة المغربية السبب الرئيسي في عرقلة جهود التنمية، تلك الوضعية المزرية دفعت الملك الحسن الثاني رحمه الله إلى إصدار مجموعة من التوجيهات يوم 20 أبريل 1965 حول مختلف القطاعات وارتباطها بالتخلف أو النمو، ونجده قد تطرق إلى محور الإدارة حيث قال:”… كثر القيل والقال حول جهازنا الإداري الذي ألصقت به اتهامات مسيئة إلى سمعته، وبالتالي إلى سمعة البلاد… وبالإضافة إلى ما هو منصوص عليه في قانون الوظيفة العمومية من حقوق الموظف وواجباته، فقد وطدنا العزم على أن يسير جهازنا الإداري وفق المبادئ الآتية، ونتخذ التدابير المعروضة فيما يلي:
1- المغاربة سواء فيما يتعلق بالشروط المطلوبة لنيل الوظائف والمناصب العمومية. وهذا المبدأ الصالح قد اكتسى صبغة دستورية. واجتنابا لكل حيف أو محاباة يجب أن يباشر التوظيف عن طريق المباراة طبقا لما ينص عليه القانون…” .
وفي يوم 21 غشت 1965 صدر مرسوم ملكي ينظم اختصاصات وزارة الشؤون الإدارية، علما أنها ألحقت بالأمانة العامة للحكومة في تلك الفترة. إن المهم في ذلك المرسوم كونه أمد جهاز الشؤون الإدارية باختصاصات واسعة ترتبط بالإصلاح الإداري وفقا لما تضمنته التوجيهات الملكية الصادرة في هذا الإطار.
وبالفعل وبإرادة ملكية سامية فقد ترجمت تلك التوجيهات إلى نصوص قانونية، حيث تم إصدار مرسوم ملكي متعلق بسن النظام العام للمباريات والامتحانات الخاصة بولوج أسلاك ودرجات و مناصب الإدارات العمومية ، الذي أكد على أن التوظيف في الإدارات العمومية يجب أن يتم وفقا لشروط مضبوطة،وحدد نظام المباراة كقاعدة عامة لذلك، على أن تكون مفتوحة لجميع المرشحين بدون استثناء، ووفقا للشروط المطلوبة. أما التوظيف المباشر فيعتمد بصورة استثنائية لتلبية حاجيات الإدارة .
ولم تنتهي مسيرة الإصلاح عند ذلك المستوى،بل أقر إصلاح 1967 مبدأ الكفاءة المهنية بالنسبة للموظفين حتى يواصلوا تكوينهم، وأدخل قانون 1981 تغييرا على قانون 8 يوليوز 1963 ،والذي نص في فصله 21 مكرر على أنه يمكن استدعاء الموظفين الذي تمت ترقيتهم عن طريق جدول الترقي طبقا للمقتضيات السابقة للمشاركة في دورات استكمال الخبرة يتم تنظيمها بقرار لوزير الشؤون الإدارية يؤشر عليه وزير المالية .
ومنذ البداية الأولى للإصلاح،فقد تم وضع العديد من قواعد التوظيف، وذلك منذ سنة 1963 حيث صدرت العديد من النصوص المتعلقة بتنظيم الحياة الإدارية للموظفين. لكن القواعد المتعلقة بالتكوين المستمر لم تحظ بنفس الاهتمام الذي حظيت به قواعد التوظيف،ذلك أن المقتضيات الخاصة باستكمال التكوين تحتاج إلى قواعد قانونية تتضمن كافة الجوانب سواء ما يتعلق منها بالتنظيم أو التقييم أو تعيين الموظف للمشاركة في التدريب ودورات استكمال الخبرة( ).
مباشرة بعد إصلاح نظام الأطر بمقتضى المرسوم الملكي رقم 67-401 بتاريخ فاتح أبريل 1967،تطرق الحسن الثاني رحمه الله في خطاب العرش لسنة 1968 إلى النصوص الصادرة بخصوص إصلاح نظام الوظيفة العمومية وتوحيد قواعدها،ومما جاء في الخطاب :”…وتنفيذا لهذه النظم والقوانين، فقد شرعت وزارتنا في الشؤون الإدارية، في عملية إدماج الموظفين في الأسلاك الجديدة المنبثقة عن الإصلاح، متعاونة في ذلك مع وزارة المالية، ومختلف الوزارات التي يعنيها الأمر،وقد قطعت إلى الآن في هذا المضمار مراحل شاسعة، ولن تنصرم السنة الحالية حتى تكون العملية قد انتهت، أو أشرفت على الانتهاء” .
وعليه، فقد صدر المرسوم الملكي المتعلق بتحديد المقتضيات المطبقة على الموظفين المتمرنين بالإدارات العمومية رقم 68-62 وكذلك الوضعيات المطبقة عليهم.
إلا أن تلك المقتضيات لم يتم تطبيقها لعدم صدور القرار الذي ينص عليه ذلك الفصل وتم تحديد المقتضيات المطبقة على الموظفين المتمريين بالإدارات العمومية بواسطة المرسوم الملكي رقم 68/62 بتاريخ 19 صفر 1388 (17 ماي 1968) وقد شمل ذلك المرسوم كل الأوضاع التي يمكن أن يتواجد فيها الموظف داخل الوظيفة العمومية ونص الفصل الثالث منه على أنه :”لا يمكن ترسيم الموظف المتمرن إلا بعد قضاء تمرين تحدد مدته وكيفياته في النظام الأساسي الخاص بالسلك الذي يؤهل للترسيم فيه ويباشر التمرين في الرتبة الأولى من الدرجة ما لم تكن هناك مقتضيات نظامية مخالفة”. وتجدر الإشارة إلى أن هناك نصوص كثيرة تؤطر التكوين،إلا أن أغلبها عبارة عن نصوص مؤطرة لمؤسسات التكوين،وإما مذكرات ودوريات لا ترقى إلى المستوى المطلوب، كما أن جلها أصبح متجاوزا .
وبعد تعديل الفصل العاشر من ظهير 24 فبراير 1958، بمقتضى القانون رقم 99-75، والذي ينص على “تأسيس مجلس أعلى للوظيفة العمومية يختص بالنظر في جميع مشاريع القوانين الرامية إلى تغيير أو تتميم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية”، “كما يختص بالنظر في جميع القضايا ذات الطابع العام المتعلقة بالوظيفة العمومية المعروضة عليه من طرف الحكومة”، “ويكلف في هذا الإطار بـ:
2- إبداء رأيه حول توجهات السياسية الحكومية في مجال التكوين المستمر لموظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية”.
وفي هذا الإطار، لا يمكن أن ينكر أي كان أن هناك قضايا عديدة تهم الوظيفة والموظفين العموميين في حاجة إلى التشاور واستشارة مؤسسة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية،ومن أهمها قضايا التكوين المستمر.وبدون شك، فإن تحريك هذا المجلس سوف يعود بالنفع على الموظفين والإدارة.
لكن على الرغم من الإصلاحات المتتالية التي همت النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،تبين بحكم الممارسة أن بعض مقتضياته في حاجة للتحديث والمراجعة لجعلها مسايرة للتحولات التي عرفتها الإدارة على مستويات التكوين،والتشغيل وأخلاقيات المهنة،وتقييم الأداء والجمع بين الوظائف والنظام التأديبي( ).
والخلاصة حتى الآن، أن نصيب الاهتمام بالتكوين المستمر ضئيل في هذا المجال، لأنه لم ينبثق عن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية أي إجراء تنظيمي لتوضيح القواعد التي يرتكز عليها استكمال التكوين، مما جعل القانون الأساسي للوظيفة العمومية لم يكتمل بعد ويعاني من الغموض الذي يكتنفه ومن عجزه عن الإثارة والجذب( ).
وفي إطار هندسة منظومة موحدة للتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة، وفي إطار بلورة وتجسيد سياسة الإصلاح الإداري في جانبه المتعلق بالموارد البشرية، جاءت محاولة وزارة القطاعات العامة مع باقي الفعاليات القطاعية الأخرى لتنفيذ السياسة الحكومية في مجال إصلاح منظومة الموارد البشرية، وفي هذا الصدد تم صدور المرسوم المنظم للتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة الصادر بتاريخ 12 يناير 2006، إذن ما هي المستجدات التي أتى بها المرسوم؟ وكيف تمت مقاربة سياسة إصلاح منظومة التكوين المستمر من خلال ذلك المرسوم؟
الفرع الثاني: المقاربة الجديدة للتكوين المستمر بالإدارة العمومية على ضوء مرسوم 12 يناير 2006.
يتضمن المرسوم المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة أربعة فصول، ويمكن تقسيم محتويات ذلك المرسوم إلى فكرتين أساسيتين.
فالأولى تهم مجال أو نطاق التكوين المستمر،والثانية تتعلق بمسألة تنظيم التكوين المستمر.وهكذا يشمل الفصل الأول من المرسوم المتعلق بالتكون المستمر مقتضيات عامة تضمنها مادة واحدة كان لها أهميتها في تحديد الإطار والمدلول العام للتكوين المستمر في الإدارة العمومية، حيث نصت المادة الأولى من المرسوم على أن التكوين المستمر،يشمل موظفي الدولة وأعوانها دون موظفي المؤسسات العامة والجماعات المحلية. وبالتالي فإن مجال تطبيق ذلك المرسوم ينحصر في موظفي الدولة وأعوانها، مما يعني أن واضع ذلك المرسوم جسد سياسة الدولة في مجال إصلاح منظومة التكوين المستمر على المستوى المركزي، تاركا للجماعات الترابية والمؤسسات العمومية فرصة إعداد تصورات محلية على مستوى التكوين المستمر لفائدة الموظفين المحليين وموظفي المؤسسات العامة. وهكذا فإن مقتضيات ذلك المرسوم تمتد لكل موظف عمومي أو عون من أجل الاستفادة من برامج التكوين المستمر شكلا ومضمونا، نظريا وتطبيقا( ).
وينظم التكوين المستمر حسب ذلك المرسوم في مقرات الإدارة العمومية، ومؤسسات التكوين والتعليم والبحث العمومي،ومؤسسات القطاع الخاص،ومؤسسات أجنبية في إطار اتفاقيات التعاون.
وكما هو معلوم،فالتكوين ليس هدفا في حد ذاته،بل هو وسيلة للقضاء على السلبيات التي تعرقل تنمية الإدارة وإصلاحها كدعامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وقد تم توضيح الأهداف التي يرمي إليها التكوين المستمر في الإدارات العمومية في المادة الأولى من المرسوم وهي كالتالي( ):
– تأهيل الموظفين والأعوان بتلقينهم تكوينا نظريا قصد إعدادهم لمزاولة المهام المطابقة لهذا التكوين؛
– استكمال خبرة الموظفين والأعوان استجابة للتطورات التقنية والتحولات التي تعرفها الإدارة العمومية؛
– تحسين كفاءات وخبرات الموظفين والأعوان قصد تمكينهم في إطار إعادة الانتشار أو الحركية من ولوج مناصب تتطلب مؤهلات جديدة أو لمزاولة أنشطة مهنية مختلفة؛
– إعداد الأطر العليا لتولي مهام التصور والتأطير والتدبير والتوجيه بالإدارة العمومية.
إن هذه المادة تؤكد مرة أخرى أن التكوين يتوجه إلى كل الموظفين،وهذا سيفتح المجال أمام الجميع للاستفادة من التكوين،ومما سيؤدي لا محالة إلى الرفع من مستوى الإدارة العمومية،إذا تم التطبيق في إطار من المساواة والشفافية،وقد دلت التجربة على أن النصوص تظل أهميتها متوقفة على التطبيق السليم، والذي يهدف إلى المصلحة العامة أولا وأخيرا.
كما نجد وضعية الموظفين والأعوان أثناء التكوين المستمر أخذت حيزا كبيرا من المرسوم الخاص بالتكوين المستمر لفائدة موظفي الدولة حيث يتضمن الفصل الثالث خمس مواد حاول فيها المشرع التطرق إلى جل الأوضاع التي يمكن أن يتواجد فيها الموظف أثناء مشاركته في البرامج التكوينية، ويعتبر ذلك الاهتمام ضمانة للموظف الذي يخضع للتكوين، خصوصا وأن المادة الثامنة تؤكد أنه: “يعين موظفو وأعوان الدولة لمتابعة التكوين المستمر من طرف رئيس الإدارة لتلبية حاجيات الإدارة ويستمرون في هذه الحالة في تقاضي:
– الأجور المطابقة لوضعيتهم النظامية؛
– التعويضات المرتبطة بمزاولة المهام العليا….”
كما ألزمت المادة التاسعة الموظفين والأعوان على ضرورة حضور الدورات التكوينية والأنشطة المنظمة لفائدتهم واعتبرت كل تغيب دون مبرر مقبول،إخلالا بواجباتهم المهنية يعرضهم للعقوبات التأديبية النظامية الجاري بها العمل”.
ولا يمكن أن ينظم التكوين المستمر إلا بعد موافقة رئيس الإدارة تأسيسا على حاجيات القطاع. أما مدة التكوين فيستنتج من مقتضيات المرسوم أنها تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وستة أشهر،أما مدة التكوين المستمر الذي يختتم بالحصول على دبلوم أو شهادة فهي غير محددة في المرسوم المذكور،وتخضع لعدة شروط من قبيل موافقة رئيس الإدارة،ولجنة تنسيق التكوين المستمر في حالة تجديد طلب التكوين للمرة الثانية،وعدم توفر التكوين بالمغرب وقضاء الموظف العمومي أربع سنوات كخدمة فعلية، والتزامه بخدمة الإدارة لمدة تقل عن ثمان سنوات بعد حصوله على الدبلوم أو الشهادة، وإرجاع المبالغ التي استفاد منها جزئيا أو كليا أثناء التكوين في حالة عدم وفائه للتعهد أو الالتزام( ).
إن الموظف أو العون العمومي مطالب أثناء فترة التكوين المستمر بالانضباط سلوكيا وإداريا،وكذلك بالحضور الجدي لفترات التكوين وإعداد تقرير حول دورات التكوين.وهذا التنظيم ينطبق كذلك على الموظف الملحق الذي يقترح من طرف الإدارة الملحق بها.
وتجدر الإشارة إلى أن الموظف أو العون الذي يستفيد من برامج التكوين المستمر يبقى في وضعية نظامية إدارية ومالية تجاه الادارة.
لقد شكل إخراج المرسوم المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي الدولة وأعوانها إلى حيز الوجود لبنة أساسية تضاف إلى مسلسل الإصلاح في إطار المؤسساتي والقانوني،وهو- أي المرسوم-يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الكبرى التي تندرج في إطار تنمية العمل الإداري أو الفعل الإداري للموظف أو العون العمومي كيفما كان موقعه في الهرم الإداري المركزي.
ويمكن إجمال تلك الأهداف فيما يلي :
– نسخ المقتضيات القانونية المتعلقة بالموظفين والأعوان ضمن هذا المرسوم بدل مرسوم 1841-57-2 الذي كانت مقتضياته تمتد إلى الطلبة؛
– إمكانية تصحيح الانحرافات الوظيفية أثناء العمل الإداري؛
– الاتجاه نحو تطوير القدرات التدبيرية للموظف أو العون انسجاما مع مفهوم الاحترافية المهنية؛
– تقديم الخدمات الإدارية للمرتفقين أو طالبي الخدمة بفعالية ونجاعة واقتصاد؛
– تحقيق المردودية وإنتاجية متواصلة ومستمرة للجهاز الإداري يراعي التطورات العامة التي يعرفها المغرب؛
– المساهمة في تنمية الموارد البشرية من خلال تنمية مهارات وكفاءات الموظفين منهجيا وبيداغوجيا وإداريا في أفق أن تصبح الإدارة أداة لتحقيق التنمية الشاملة.
إلا أن تفعيل مقتضيات المرسوم المتعلق بالتكوين المستمر رقم 1366-05-2 سيتم من خلال إعداد قرار يحدد إستراتيجية التكوين المستمر يعرض على المجلس الأعلى للوظيفة العمومية،وذلك باقتراح من لجنة تنسيق التكوين المستمر على أنه لا يمكن أن تعد القطاعات الوزارية مخططاتها للتكوين المستمر إلا بناء على إستراتيجية التكوين المستمر.
ومن جهة أخرى،فإن تفعيل ذلك المرسوم سيتم عبر إعداد قرار إحداث لجنة تنسيق.ويمكن القول أن هذين الإجراءين هما البوابة لتطبيق مقتضيات المرسوم،ويهدف قرار الإستراتيجية إلى رصد أو تحديد التوجهات العامة التي ستحكم عملية التكوين المستمر،فهو أي القرار مطالب بتبني الخطوط الكبرى لأية عملية تكوينية،أي من المفروض أن يراعي القضايا أو العناصر التالية:
– خصوصيات الحاجيات في مجال التكوين المستمر؛
– الفئات المستهدفة من الموظفين والأعوان؛
– مجال لتكوين المستمر، المدة الزمنية المخصصة للتكوين والمؤسسات التي سيجري فيها التكوين؛
– إمكانية عقد اتفاقيات في إطار الشراكة ما بين الوزارات لتطوير التكوين المستمر؛
– متابعة وتقييم التكوين المستمر؛
– إعداد الحصيلة المالية البيداغوجية للتكوين المستمر.
إن قرار الإستراتيجية لا يشرك قطاعات وزارية كبرى،ويقتصر فقط على وزارة تحديث القطاعات العامة رئيسا والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر والمالية وقطاع التكوين المهني والتربية الوطنية أعضاء،مما قد يعرقل عمل اللجنة إذا رفضت باقي القطاعات الأخرى التعاون بمرونة وسهولة مع مقتضيات المرسوم الجديد الذي يعبر في العمق عن إستراتيجية الدولة في الإصلاح الإداري،وبالتالي في إصلاح منظومة الموارد البشرية ومنها منظومة التكوين المستمر.
فكيفما كانت صياغة القرار ودرجة مشاركة القطاعات الوزارية الأخرى في بلورته،فإن الهدف منه هو تسهيل الميلاد القانوني لذلك المرسوم المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي الدولة، لأن محتوى أو مضمون المرسوم قد اتفقت عليه جميع القطاعات الوزارية في الاجتماعات المخصصة لذلك،أو عبر قنوات العمل الحكومي بدءا بالمجلس الحكومي ومرورا بالمجلس الوزاري الذي يترأسه الملك وانتهاء بنشره بالجريدة الرسمية تحت رقم 1366-05-2 بتاريخ 12 يناير 2006 وتنحصر مهمة تلك اللجنة من خلال مقتضيات المرسوم الجديد في:
– تقديم اقتراحات لملاءمة المخططات القطاعية للتكوين المستمر مع إستراتيجية التكوين؛
– تقييم حصيلة التكوين المستمر وإعداد تقرير في الموضوع ترفعه إلى السلطة الحكومية المكلفة بتحديث القطاعات العامة؛
– النظر في التقارير السنوية للقطاعات الوزارية المتعلقة بالتكوين المستمر.
وتجتمع اللجنة مرة كل سنة بدعوة من رئيسها،وهي محدثة لدى وزارة تحديث القطاعات العامة باعتبارها رئيسا للجنة،وبالإضافة إلى أعضاء بقوة القانون، فإنه يمكن أن يستدعي على سبيل استشارة خبراء للمشاركة في أشغالها.
إن إحداث تلك اللجنة سواء لإعداد الإستراتيجية أو السهر على تتبع أو مراقبة المخططات القطاعية الأخرى من حيث انسجامها مع الإستراتيجية يعبر عن الانسجام والتناغم بين أعضائها وتوحيد الرؤى والتصورات المنهجية للعمل في ذلك المستوى من الجانب المالي أو الجانب البشري أو في الجانب البيداغوجي( ). ونشير في هذا الصدد، أن المرسوم لم يجعل من نظام التكوين المستمر للموظفين أمرا إجباريا يدخل في إطار واجبات العمل الإداري، حيث يلاحظ أن استكمال التكوين بالوظيفة العمومية، يعتبر أمرا اختياريا ترجع المبادرة فيه إلى المرشحين أنفسهم، ويتضح ذلك من خلال المواد التي تضمنها المرسوم.
كما يفهم من مواد المرسوم التي تشير إلى التكوين المستمر، أن هذا الأخير ما هو إلا دورة رهينة بفترة زمنية معينة يمكن إجراؤها عند الضرورة في حين التكوين المستمر،بحيث هو عملية مسترسلة ومنتظمة وهادفة لإحداث تغيرات في سلوك الموظفين وتنمية مهاراتهم.
وعلى العكس من ذلك نجد أن بعض الدول لجأت مبكرا إلى جعل استكمال التكوين أمرا إلزاميا مثلا في الولايات المتحدة نجد أن المرسوم الرئاسي رقم 48-113 بتاريخ 20 أبريل 1967 يلزم الإدارة بالنهوض باستكمال الخبرة. وفي فرنسا نجد أن قانون 16 يوليوز 1971، ومراسيمه التطبيقية، يجعل من التكوين المستمر واجبا وطنيا وفي المملكة العربية السعودية نجد أن قرار مجلس الوزراء رقم 274 بتاريخ 20 شتنبر 1964 ينص في المادة الأولى “على أن تكوين موظفي الخدمة المدنية جزء من واجبات العمل”.
المبحث الثاني: الإطار المؤسساتي للتكوين المستمر بالإدارة العمومية المغربية
لقد قام المغرب بإنشاء عدة مؤسسات للتكوين الإداري كما فعلت ذلك أغلب الدول السباقة لهذا المجال فكان أول ما قام به هو إنشاء المدرسة الوطنية الإدارية كأول لبنة في مجال التكوين ليتوج هذا المسار بالمعهد العالي للإدارة سنة 1999.
الفرع الأول – المدرسة الوطنية الإدارية
لقد أنشئ ذلك الجهاز لأول مرة تحت اسم المدرسة المغربية الإدارية في 8 مارس 1948 وقد عرفت تلك المدرسة عدة إصلاحات، ففي سنة 1958 عرفت تغييرا استهدف الرفع من مستوى التكوين وذلك بتمديد الفترة الدراسية للسلك المتوسط (سنتان) المفتوح لحملة الباكالوريا، وإحداث سلك عالي (سنة واحدة) يلجأ إليه الحاصلون على إجازة جامعية كما عرف إصلاحا آخر سنة 1960 همت القانون المنظم .
وفي سنة 1972 هم الإصلاح تعديل الاسم لتعرف بعد ذلك المدرسة الوطنية للإدارة العمومية (ENAP) إلا أن أهم تغيير عرفته تلك المؤسسة هو ما قامت به حكومة التغيير (التناوب) من خلال مرسوم 10 ماي 2000 والذي حاول إعطاء مفهوم جديد للتكوين الملقى على عاتقها، فقد أصبحت مهامها تنحصر في تكوين أطر التخطيط وأطر الإدارة والتدبير وخاصة في مجالات الإدارة العامة والديبلوماسية والاقتصادية والمالية العامة. بحيث أن التدريب غدا يعتمد بالخصوص على العلوم والتقنيات الإدارية ومناهج التدبير الحديثة، ويلخص حسن الحلبي أهم الإصلاحات التي عرفتها المؤسسة في السنوات الآتية : 1958 – 1962 – 1965 – 1966- 1972 .
وأخيرا فإن تلك المؤسسة أصبحت تنظم دورات خاصة بالتكوين المستمر وندوات وتداريب لتحسين وتحيين التقنيات الإدارية وتهيئ برامج التكوين الإدماجي لصالح الشباب المثقف. من أجل هذا، فإن نظامها الجديد أصبح يعتمد على أربع أسلاك:
– السلك العادي للتكوين في مجال التدبير الإداري:وهو مفتوح في وجه الطلبة حاملي دبلوم السلك الأول من التعليم الجامعي، والموظفين العاملين في الإدارات العمومية أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية والمندمجين في السلم 8 أو 9 شريطة أن يكونوا قضوا على الأقل 4 سنوات في العمل؛
– السلك العالي للتدبير الإداري: ويقبل فيه المترشحون الناجحون في مباراة فريدة يشارك فيها الموظفون المنتمون إلى الإطار المرتب في سلم الأجور رقم 10 أو أطر مماثلة والمتوفرون على اقدمية لا تقل عن 4 سنوات.
– السلك الإعدادي: قصد إعطاء تكوين تكميلي في مجال العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية وذلك قصد تقوية معلومات المترشح وتمكينه من اجتياز المباراة لولوج السلك العادي الخاص بالتدبير الإداري أو السلك العالي في نفس المجال.
– السلك الخاص بالتكوين المستمر .
الفرع الثاني : المعهد العالي للإدارة
لقد تدارك جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني النقص الحاصل في مجال التكوين فبادر إلى إنشاء المعهد العالي للإدارة كلبنة مهمة في صرح التكوين بتاريخ 20 يونيو 1996 قصد تكوين الأطر العليا للإدارة من خلال قانون 99-78 .ويعهد إلى المعهد كما تنص المادة 2 من القانون المذكور سلفا، بتكوين أطر سامية لفائدة الإدارات العليا والجماعات الترابية وأطر القيادة بالمؤسسات العليا ،كما يساهم في التكوين المستمر لفائدة الأطر العليا التابعة للإدارات والهيئات المشار إليه سلفا، وفي إنجاز الأبحاث المتعلقة بالميدان الإداري وبمجال تدبير الهيئات العليا، ومن أجل تحقيق ذلك، فإنه بإمكان المعهد أن يقيم علاقات تعاون مع أي هيئة عمومية أو خاصة، وطنية أو أجنبية تهتم بمجال التكوين والبحث .
وتجدر الإشارة إلى أن المعهد مؤسسة عمومية يقضي تسييرها وجود هيئات إدارية تشرف على تدبير نشاطها في نطاق من الاستقلالية الإدارية والمالية وهذه الهيئات هي مجلس الإدارة والمدير.
وبدون شك، فإن إنشاء المعهد من هذا المستوى إنما يدل على أن المغرب في حاجة ماسة إلى مؤسسة إدارية من مستوى رفيع تكون مهمتها تخريج أطر عليا كفاءة لتقلد مهام سامية كمهمة سفير أو مدير مؤسسة عمومية في الوقت الذي كان التكوين يتجه نحو الأطر الوسطى فقط، ولم نتمكن بعد من معرفة دور المعهد في الرفع من مستوى التكوين ما دام أنه لم يبدأ في تجربته إلا مع مطلع سنة 2004، وما لا شك فيه فإن السنوات المقبلة كفيلة بأن تبين بوضوح مدى مساهمته في سياسة التكوين.
وجدير بالإشارة إلى أن هاتين المؤسستين كفيلتين بالرفع من مستوى التكوين داخل جميع الوزارات، رغم أن هناك مؤسسات تابعة لكل وزارة على حدى تتولى تكوين أطرها الخاصة، وهذا سنوضحه في خلال معاهد ومدارس ومراكز بعض الوزارات على سبيل المثال :
الجدول رقم03: بعض المؤسسات المتدخلة في سياسة التكوين بالمغرب
أنظر النسخة المرفقة
ثم هناك مؤسسات أخرى تساهم في هذا الميدان ولو بصفة غير مباشرة مثل الصحافة، الحزب، الأسرة، التنشئة الإدارية ثم الجامعة.هذه الأخيرة التي تساهم بإعداد الكفاءات البشرية المتخصصة في فروع العلوم والمعرفة ومسايرة التطورات العصرية، فمهمة الجامعة لم تعد مقصورة على تلقين الطلبة المعلومات النظرية والتطبيقية، بل لا بد من التوجه إلى المجتمع في سد حاجته بالكوادر الإدارية لتساهم في التنمية عن طريق إعداد وتنمية القوى العامة في الجهاز الإداري .
الفرع الثالث : مدرسة استكمال تكوين الأطر
أحدثت تلك المدرسة بمدينة القنيطرة ابتداء من أكتوبر 1964 ،وهي تعمل تحت وصاية وزارة الداخلية، وقد مهدت عدة ظروف لإنشاء تلك المدرسة وخاصة الدورات التدريبية التي كانت تقوم بها الوزارة. ونتيجة لنجاح تلك الدورات التكوينية ،صدر المرسوم الملكي المؤرخ في 27 شتنبر 1965 الذي بموجبه أحدثت والتي يشتمل التكوين بها على تعليم إداري ودروس في التدريب العسكري، ويشتمل التدريب بها على سلكين للتكوين،السك العادي ويشترط للالتحاق به الحصول على الإجازة أو دبلوم المدرسة الوطنية وقد أحدثت ذلك السلك سنة 1965، ونتيجة احتياج وزارة الداخلية لأطر عليا للتقرير والتسيير إضافة إلى الأطر المكونة في السلك المحدث سنة 1965 صدر مرسوم بتاريخ 12 ماي 1980 أنشئ بموجبه سلك عالي بمدرسة استكمال تكوين أطر وزارة الداخلية وتشمل الدراسة بهذا السلك على تكوين نظري تطبيقي وعسكري ويلزم الطلبة بإعداد رسالة ومناقشتها للحصول على الدبلوم ، وإلى جانب هذه المؤسسات، نجد المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي والتقني ومؤسسات التكوين التربوي والثقافي والمؤسسات العسكرية والتي يصعب الحديث عنها في بحث من هذا الحجم إلا أن هذا لا ينقص من قيمتها ومساهمتها في النهوض بالقطاع الإداري.
خــاتــمــة:
يعد التكوين الإداري من ضمن العناصر الأساسية لتدبير الموارد البشرية، وحلقة رئيسية لتحقيق إستراتيجية التنمية الإدارية والنهوض بالعنصر البشري على مستوى الإدارة الجماعية، وجعله يستجيب لكل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المحيط المحلي. ومن المؤكد أن العنصر البشري هو المحرك الأساسي لكل تغيير، لهذا فإن أي عملية للإصلاح الإداري ترتبط وترتكز على تأهيل الفرد والرفع من كفاءته المهنية، وتكوينه على التقنيات الحديثة بالشكل الذي يخوله أن يقوم بمهامه على أحسن وجه في فترة زمنية قياسية.
المراجع:
-الكتب:
– عبد القادر باينة: “الموظفون العموميون بالمغرب”، دار توبقال للنشر، سلسلة أعمال قانونية، الطبعة الأولى، سنة 2002، ص 42.
– حسن الدوري، دور المعاهد الإدارية والجامعات في التنمية، المجلة العربية للإدارة، القاهرة، مصر، ص 77.
– حسن الحلبي، الخدمة المدنية في العالم، الطبعة الأولى، منشورات عويدات، بيروت، 1981.
-علي سدجاري، الدولة والإدارة بين التقليد والتحديث، دار المناهل للطباعة والنشر، الرباط، 1994.
– أحمد الخطيب وآخرون: البحث والتقويم التربوي، دار المستقبل للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى، 1985، ص83.
-عبد الرحمان الشقاوي:التدريب الإداري والتنمية، معهد الإدارة العامة، الرياض، الطبعة الأولى، 2005، ص 83.
– نادر أبو شيخة: إدارة الموارد البشرية، دار صفاء، عمان، الطبعة الأولى، 2000 ، ص 264.
– رضوان بوجمعة: الوظيفة العمومية على درب التحديث، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى،2003، ص 53.
– بوعلام السنوسي: قانون الوظيفة العمومية التابعة للدولة –الجماعات المحلية- البرلمان- والوظيفة العمومية المؤقتة، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، سنة 2008، ص 35.
-عبد العزيز الرماني: الإصلاح الإداري بالمغرب، أربعون سنة من الوعود والمشاريع، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 38-39 ماي، غشت 2001، من ص 69 إلى ص 87، ص 12.
– محمد الكشبور: المركز القانوني للموظف في القانون الجنائي والخاص، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، عدد 21، سنة 1989،ص 54.
-الاطروحات والرسائل والبحوث:
-عبد الإله فونتير: الوضعية النظامية للأساتذة الباحثين بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس أكدال، السنة الجامعية 1992ص 13.
– الرامي الكماني: دور التكوين الإداري في تنمية العنصر البشري بالوظيفة العمومية المغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية الحقوق، الرباط، 1996/1997، ص 13.
– ثريا أشملال، عقلنة تدبير الموارد البشرية في قطاع الوظيفة العمومية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية الحقوق، أكدال، الرباط، 1996/1997.
– عبد العلي السبيبي، التكوين المستمر للموظفين العموميين في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق، الرباط، آكدال، 2002-2003.
– محمد بن التهامي: الوظيفة العمومية المغربية بين وحدة الدور والهدف، وتعدد الأنظمة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2000، ص87.
– نسرين بوخيزو: التكوين المستمر وتنمية الموارد البشرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام،كلية الحقوق، طنجة، 2005/2006، ص 20.
– عبد الله ركانة، موحى وخويا، أحمد بناني: نظام التوظيف بالمغرب، أسسه النظرية، مؤثراته، شروطه، أساليبه، بحث لنيل دبلوم السلك العادي، المدرسة الوطنية للإدارة، السنة الدراسية 1988-1989، ص 46.
– محمد علاوي، عبد الرحيم البخاري: الوظيفة العمومية بين نظام المهنة الدائمة ونظام التشغيل، بحث لنيل دبلوم السلك العادي، المدرسة الوطنية للإدارة، السنة الدراسية 1988-1989، ص 20.
– محمد سيبويه، حسن مناش، عبد الإله التبال: أساليب التوظيف والتنمية الإدارية، بحث لنيل دبلوم السلك العادي، المدرسة الوطنية للإدارة، السنة الدراسية 1986-1987، ص 14. وللمزيد من الاهتمام يرجى العودة إلى:
– نعيمة الجوهري، جميلة شينان: سياسة التوظيف والإصلاح الإداري – دراسة مقارنة-، بحث لنيل دبلوم السلك العادي، المدرسة الوطنية للإدارة، السنة الجامعية 1986-1987.، ص 44.
-الحاج شكرة: التوظيف في النظم الإدارية الحديثة و في الفكر الإداري الإسلامي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال، السنة الجامعية 1999-2000، ص 48.
-عبد الكريم الحسناوي: تأثير التكوين المستمر على الأداء الفعلي للموظف العمومي – وزاراة الاقتصاد والمالية نموذجا – ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الأول بسطات، السنة الجامعية 2008 – 2009،ص1.
– المقالات
– التقرير التركيبي، تأهيل الموارد البشرية وتطوير أساليب تدبيرها، أعمال المناظرة الوطنية للإصلاح الإداري بالمغرب، المجلية المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 68، سنة 2002، ص91.
– أعبيرة عبد الغني، “المقاربة الجديدة للتكوين المستمر بالإدارة العمومية المغربية على ضوء المرسوم الصادر بتاريخ 12 يناير 2006″، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 71، نوبر-دجنبر 2006، ص122.
– محمد بلمحجوب: إشكالية التغيير في الوظيفة العمومية بالمغرب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة 1996، ص140.
– محمد قهوي: عوائق الإصلاح السياسي الإداري في اقتصاد الوظيفة العمومية المغربية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد18 – يناير – مارس 1997، ص
– محمد يحيا: الدمقراطية و سؤال التنمية الإدارية؟ المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 65 نونبر –دجنبر 2005، ص 22.
– النصوص القانونية:
– القانون رقم 99-78 المتعلق بإحداث المعهد العالي للإدارة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 6 يناير – فبراير 2001، ص 170.
– ظهير رقم 1.58.008 صادر في 4 شعبان 1377/ (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الجريدة الرسمية عدد 2372.
– لقد تم تعديل النص الأصلي لظهير 24 فبراير 1958 بالنصوص التالية:
– ظهير شريف رقم 039-63-1 بتاريخ فاتح مارس 1963 (ج.ر. عدد 2729 بتاريخ 15 مارس 1963، ص 573
– مرسوم ملكي رقم 65-138 بمثابة قانون بتاريخ 8 يونيو 1966 (ج.ر. عدد 2798 بتاريخ 15 يونيو 1966 ص 1135)
– مرسوم ملكي رقم 67-354 بمثابة قانون بتاريخ 26 يونيو 1967 (ج.ر. عدد 2863 بتاريخ 13 شتنبر 1967 ص 2094).
– مرسوم ملكي بمثابة قانون رقم 68-710 بتاريخ 17 دجنبر 1968 (ج.ر. عدد 2930 بتاريخ 25 دجنبر 1968 ص 3068)
– ظهير شريف 119-91-1 بتاريخ 15 أكتوبر 1991 بتنفيذ القانون رقم 90-28 (ج.ر عدد 4123 بتاريخ 6 نونبر 1991)
– ظهير شريف رقم 125-88-1 بتاريخ 10 شتنبر 1993 بتنفيذ القانون رقم 87-19 (ج.ر عدد 4225 بتاريخ 20 أكتوبر 1993)
– ظهير شريف رقم 125-94-1 بتاريخ 2 مارس 1994 (ج.ر. عدد 4246 بتاريخ 16 مارس 1994)
– ظهير شريف رقم 2-25-1 بتاريخ 26 يناير 1995 (ج.ر عدد 4223 بتاريخ 8 فبراير 1995)
– ظهير شريف رقم 165-97-1 بتاريخ 2 غشت 1997 (ج.ر. عدد 4518 بتاريخ 18 شتنبر 1997)
– ظهير شريف رقم 341-00-1 بتاريخ 26 دجنبر 2000 (ج.ر. عدد 4866 بتاريخ 18 يناير 2001)
– الجريدة الرسمية عدد 2360 جمادى الثانية 1377، (17 يناير 1958)، ص 196.
– مذكرة تقديم لمشروع المرسوم المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفين وأعوان الدولة، ص132.
– مرسوم رقم 345/262 بتاريخ 8 يوليوز 1963 ج ر عدد 2648 بتاريخ 26 يوليوز ،1963 ص 1785.
– المرسوم 1366-05-2 بتاريخ 12 يناير 2006، الجريدة الرسمية، عدد 5386.
المراجع بالفرنسية:
– Redoune Boujemaa, Le fonctionnaire marocain, édition Al Madariss, Casablanca, p 145.
– Halaoui (s), Meziane Belefgih, Quel formation pour l’ENAP, n° 20-21 juillet, décembre 1997, p 208.
– Abdelhamid ELGADI, Ingénierie et évaluation d’une action de formation,Imprimerie RABAT Net Maroc, 2ème édition 2006, P123.
– Renaud Sainsaulieu:sociologie de l’entreprise, presse de science politique et Dalloz, Paris, 1997, p 65.
– Bernard (J.L) et Le moine (c), traité de psychologie et des organisation, éd dunod, 2000, p.103.
– Omar Mouddani: l’évolution du processus d’adaptation de la fonction publique marocaine aux fins de développement, édition de la faculté de Rabat, 1984, page 15 .
النسخة المرفقة
الإطار_القانوني_والمؤسساتي__للتكوين_المستمر_بالوظيفة_العمومية_المغربية.pdf الإطار القانوني والمؤسساتي للتكوين المستمر بالوظيفة العمومية المغربية.pdf (775.05 ko)
دراسة قانونية هامة في الإطار القانوني والمؤسساتي للتكوين المستمر بالوظيفة العمومية