دراسة و بحث حول الركن الشرعي للجريمة
يعبر عن الركن الشرعي في الجريمة بمبدأ “لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمن إلا بنص في القانون ” (المادة 1 ق.ع) ويهدف هذا المبدأ الى إقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع عن طريق توفير الحماية لكل من هذين المصلحتين، وبالقدر اللازم الذي لا يهدر إحداهما لفائدة الأخرى.
ويحقق مبدأ الشرعية الحماية لمصلحة الفرد عن طريق :
1 ـ منع السلطة من التحكم في حريات الأفراد، ومنع انتهاك حرياتهم .إذ يوجب هذا المبدأ بألا يعاقب الفرد على سلوك يأتيه إلا إذا كان هذا السلوك مجرما وقت إتيانه.
2 ـ بيان السلوك المعتبر جريمة ، الأمر الذي يمكن الأفراد من معرفة السلوك الإجرامي والسلوك المباح:أي معرفة الوجهة الاجتماعية المقبولة لممارسة نشاطهم في مأمن من المسؤولية الجنائية.
ويحقق مبدأ الشرعية الحماية لمصلحة المجتمع عن طريق :
1 ـ إضفاء الصبغة القانونية على العقوبة تجعلها مقبولة باعتبارها توقع تحقيق للمصلحة العامة .
2 ـ إسناد وضيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده .ويتكون مبدأ الشرعية من عنصرين أساسيين، وهما : وجود نص سابق يجرم الفعل قبل ارتكابه،وعدم توافر المشروعية في الفعل المرتكب ،ولنتكلم في كل من هذين العنصرين على التوالي ببعض من التفصيل.
1 ـ وجود نص سابق يجرم الفعل قبل ارتكابه
يقضي مبدأ شرعية التجريم بعدم جواز متابعة شخص عن فعل ارتكبه. وأنزل العقاب عليه بسببه ما لم يكن هذا الفعل مجرما بنص وقت ارتكابه ويشترط في النص التجريمي جملة من الشروط نوجزها في التالي:
أ ـ من حيث طبيعة النص التجريمي : يجب أن يكون النص التجريمي نصا تشريعيا : أي مكتوبا حتى يمكن للفرد معرفة الأفعال المجرمة والأفعال المباحة، ومن ثم توفير نوع من الاستقرار للنظام الجزائي ولذلك يستوجب مبدأ الشرعية اعتماد التشريع كمصدر وحيد للتجريم والعقاب، واستبعاد المصادر الأخرى .
ويفرض مبدأ الشرعية من المشرع بعض الالتزامات في سن للنص التجريمي ، ويتعلق بعضها بمصدر التجريم، ويتعلق البعض الآخر بمضمون التجريم .
أما فيما يتعلق بمصدر التجريم : فإن مبدأ الشرعية يجعل سياسة التجريم والعقاب من صلاحيات المشرع دون غيره من الهيئات الأخرى لضمان الحماية الكافية للأفراد ويلاحظ مع ذلك إذا كانت السلطة التشريعية تملك وحدها سن النصوص التجريمية فقد تتخلى عن سلطتها إلى السلطة التنفيذية بطريق مباشر، وإلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر.
ومن الأمثلة على تخلي السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص التجريمية إلى السلطة التنفيذية ما تقوم به هذه الأخيرة من ضبط وتحديد بعض الجرائم كمخالفات المرور، أو تدخلها عن طريق الإحالة في النصوص التجريمية الصادرة عن السلطة التشريعية في بعض الجنح الخاصة بقانون الأسعار.
ومن الأمثلة على تنازل السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص التجريمية إلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر،ما اصطلح على تسميته بالنصوص المفتوحة،إذ يخول المشرع للقاضي بموجب هذه النصوص سلطة تقديرية واسعة،ومن ذلك ما تنص المادة 58 من القانون رقم: 90 ــ 41 المؤرخ في 1990 /06 /02 ، والمتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي التي تعاقب على كل عرقلة لممارسة الحق النقابي.
وأما فيما يخص مضمون التجريم ،فإن مبدأ الشرعية يلقى هو الآخر على عاتق المشرع إلتزامات أهمها ما يلي :
1 ـ عدم الإفراط في التجريم والعقاب.
2 ـ الحرص على سريان النص التجريمي على المستقيل.
3 ـ توفر الوضوح في النص التجريمي ببيان أركان الجريمة ،تحديد العقاب على نحو يسهل للقاضي تطبيق هذا النص.
ب ـ من حيث تطبيق النص التجريمي :
يحكم تطبيق النص التجريمي مبدأ تبعية القاضي للمشرع،وهي تبعية تحرم القاضي من التدخل ولو بطريق غير مباشر في سياسة التجريم.
إلا أن الملاحظ من الناحية العملية أن مبدأ تبعية القاضي للمشرع غير مطلق التطبيق بالنظر إلى ما للقاضي من سلطة تقريرية في تطبيق النص التجريمي على الوقائع المعروضة عليه تحقيق العدالة ،فيكون القاضي بذلك في مركز تقييم الإرادة المشرع. وتتجلى مظاهر السلطة التقريرية للقاضي في تطبيق النص التجريمي في مسائل ثلاثة وهي تكييف الوقائع،وتفسير النص التجريمي و صلاحيته في استبعاد هذا النص خدمة للشرعية،ولنعرض لهذه المسائل.
1 ـ تكييف الوقائع والجريمة : تنصب مسألة التكييف التي يتولاها القاضي على الوقائع والجريمة ،إذ يهدف تكييف الوقائع إلى البحث في مدى توافر التطابق بين الواقعة المرتكبة أو السلوك المرتكب مع الواقعة النموذجية أو السلوك النموذجي الذي يتضمنه النص التجريمي.
وتتجلى أهمية التكييف في أن ثبوت عدم التطابق بين السلوك المرتكب والسلوك النموذجي من شأنه أن يؤدي لزاما إلى استبعاد النص التجريمي، وتتجلى أيضا في أن ثبوت التطابق من شأنه أن يحدد العقاب والنظام الإجرامي، فالقاضي ملزم بتطبيق العقاب في حدود سلطته التقديرية .
2 ـ تفسير النص التجريمي : يقتضي مبدأ الشرعية أن تفسير النصوص تفسيرا يحافظ على التوازن بين مصلحة الأفراد ومصلحة المجتمع يضاف ألى ذلك أن خصوصية ذاتية قانون العقوبات تستلزم أن يخضع تفسير نصوصه لأساليب خاصة.
ويعتبر التفسير القضائي أهم تفسير للنص التجريمي، وهو تفسير يقوم به القاضي أثناء تطبيق النص التجريمي على الوقائع المعروضة عليه ويكاد يجمع الفقه والقضاء على أن تفسير النص التجريمي يجب أن يكون تفسيرا ضيقا لا يجيز التوسع. وهو التفسير الذي يدعمه مبدأ الشرعية مع مراعاة ارادة المشرع وقصده.
3 ـ صلاحية القاضي في إستيعاد النص التجريمي خدمة للشرعية: لا يكفي تطابق السلوك المرتكب مع السلوك النموذجي الذي يتضمنه النص التجريمي لقيام الركن الشرعي للجريمة، ذلك أن الركن الشرعي يتطلب علاوة على ذلك أن يكون النص التجريمي نفسه صالحا للتطبيق على السلوك المرتكب. وتتأكد هذه الصلاحية من خلال مراعاة الحدود الزمنية والمكانية لسريانه، وهذا ما يعبر عنه بالنطاق الزمني والنطاق المكاني لتطبيق النص التجريمي.
أما فيما يتعلق بالنظام الزمني للنص التجريمي فإن المشكلة تثور في حالة وقوع جريمة في ظل قانون ثم يصدر قانون جديد يعدل أو يلغي القانون القديم الذي إرتكب في ظله الجريمة. فلا خلاف في أن القانون الجديد يطبق على الواقعة اللاحقة لصدوره، ولكن الإشكال يبقى قائما بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على تالوقائع السابقة لصدوره . ويثير هذا الإشكال مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان .
ويقتضي مبدأ الشرعية عدم جواز متابعة فرد من أجل سلوك إرتكبه إلا إذا كان هذا السلوك مجرما بنص سابق على وقوعه. ويفيد هذا المبدأ عدم جواز تطبيق القانون الجديد على الوقائع التي سبقت صدوره.إلا أن هذا المبدأ لا يؤخر به على إطلاقه إذ يكاد يجمع الفقه والقضاء وما يرثهم في ذلك بعض التشريعات على جواز تطبيق القانون الجديد بأثر رجعي إذا كان أصلح للمتهم.وقد نص قانون العقوبات الجزائري في المادة الثانية منه على ذلك.
ولعل من أهم تطبيقات القانون الأصلي للمتهم ما يلي:
1 ـ أن ينص القانون الجديد على تخفيض العقوبة مع الإبقاء على تجريم الفعل: هذه الحال يطبق هذا القانون على الجرم المرتكب قبل صدوره باعتباره الأصلح للمتهم شريطة أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل الحكم نهائيا على المتهم وفقا للقانون القديم.فإذا ما صدر حكم نهائي على المتهم في ظل القانون القديم فلا يطبق القانون الجديد ولو كان الأصلح للمتهم.
2 ـ أن يجعل القانون الجديد من الفعل الذي إرتكبه المتهم غير معاقب عليه:
أي مباحا، ففي هذه الحال يطبق هذا القانون بأثر رجعي باعتباره الأصلح للمتهم على الفعل الذي إرتكبه المتهم قبل صدوره،حتى ولو كان قد صدر في حقه حكما نهائيا وفقا للقانون القديم، وقبل صدور القانون الجديد.
وأما فيما يتعلق بالنظام المكاني للنص التجريمي : فيحكمه مبدأ أصلي وهو مبدأ إقليمية القانون الجنائي،ومبادئ إحتياطية وهي ميدأ عينية النص الجنائي ومبدأ شخصية النص الجنائي،ومبدأعالمية النص الجنائي،نتناولها فيما يلي لبعض من التفصيل.
1 ـ المبدأ الأصلي: مبدأ إقليمية القانون : تنص المادة 3 من قانون العقوبات على أن يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية، ويعني أراضي الجمهورية، وإقليم الدولة الجزائرية وفقا للمبادئ العامة في القانون الدولي العام الإقليم البري الذي تحدده الحدود السياسية للدولة،والإقليم البحري الذي يشمل المياه الإقليمية للدولة، والإقليم الجوي الذي يشمل طبقات الجو الذي يعلو الإقليمين البري و البحري للدولة ،وقد تولى قانون الإجراءات الجزائية بيان مكان وقوع الجريمة إستنادا إلى مبدأ إقليمية القانون بأن نص في المادة 586 منه على أن تعد مرتكبة في الإقليم الجزائري كل جريمة يكون عمل من الأعمال المميزة لأحد أركانها المكونة لها قد تم في الجزائر.
ونص في المادة 590 من قانون الإجراءات الجزائية على أن تختص الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجنايات والجنح التي ترتكب في عرض البحر على بواخر تحمل الراية الجزائرية أيا كانت جنسية مرتكبيها .وكذلك الشأن بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب في ميناء بحرية جزائرية على ظهر باخرة تجارية أجنبية.
ونص في المادة 591 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية على أن تختص الجهات القضائية الجزائرية بنظر الجنايات والجنح التي ترتكب على متن طائرات جزائرية أيا كانت جنسية مرتكب الجريمة . كما أنها تختص أيضا بنظر الجنايات أو الجنح التي ترتكب على متن طائرات أجنبية إذاكان الجاني أو المجني عليه جزائري الجنسية أو إذا هبطت الطائرة بالجزائر يعد وقوع الجناية أو الجنحة.
وإذا كان مبدأ أقليمية النص التجريمي يعني أن يخضع كل من أرتكب فعلا جرميا على أقليم الدولة يخضع لقانون العقوبات لهذه الدولة ولو لم يكن من رعاياها الذين يحملون جنسيتها، فأن هذا الميدأ يرد عليه إستثناء إذاكانت الجريمة صادرة ممن له صفة معينة تجعله غير خاضع لقضاء الدولة سواء أكان من المواطنين أو من الأجانب ومن الأشخاص المعينون فهذا الإستثناء هم عموما: رئيس الدولة وأعضاء المجالس النيابية ورؤساء الدول الأجنبية ورجال السلك الدبلوماسي.
2 ـ المبادئ الإحتياطية : وهي مبدأ عينية النص التجريمي، ومبدأ شخصية النص التجريمي ومبدأ عالمية النص التجريمي نعرضها في مايلي :
- أ ـ مبدأ عينية النص التجريمي : يقوم هذا المبدأ على وجوب سريان قانون الدولة على الجرائم التي ترتكب خارج اقليمها ، والتي تشكل إعتداء على مصالحها بصرف النظر عن جنسية مرتكبها وقد حدد المشرع الجزائري الحالات التي يطبق عليها قانون العقوبات الجزائري بصرف النظر عن جنسية مرتكبها ، بأن النص في المادة 588 من قانون الإجراءات الجزائية على أن كل أجنبي إرتكب خارج الإقليم الجزائري بصفة فاعل أصلي أو بشريك .
في جناية أو جنحة ضد سلامة الدولة الجزائرية أو تزييفا لنقود أو أوراق مصرفية وطنية متداولة قانون بالجزائر تجوز متابعته ومحاكمته وفقا لأحكام القانون الجزائري إذا ألقي عليه القبض في الجزائر، أو حصلت الحكومة على تسليمه لها .
- ب ـ مبدأ شخصية النص التجريمي: يقوم هذا المبدأ على وجوب سريان قانون الدولة على من يحمل جنسيتها ولو ارتكب جريمة خارج إقليمها .
ويميز المشرع الجزائري في تطبيقه لمبدأ شخصية النص التجريمي بين أن تكون الواقعة المرتكبة من طرف الجزائري في الخارج جناية أو جنحة ، بأن خص كلا منهما بنص خاص . بأن نص في المادة 582 من قانون الإجراءات الجزائية فيما يخص الجناية على أن كل واقعة موصوفة بأنها جناية معاقب عليها من القانون الجزائري في خارج إقليم الجمهورية يجوز أن يتابع ويحكم فيها في الجزائر .غير أنه لا يجوز أن تجرى المحاكمة أو المتابعة إلا إذا عاد الجاني إلى الجزائر ولم يثبت أنه حكم عليه نهائيا في الخارج وأن يثبت في حالة الحكم بالإدانة أنه قض العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو حصل على العفو العام .
ونص في المادة 583 من قانون الإجراءات الجزائية فيما ينص بالجنحة على أن كل واقعة موصوفة بأنها جنحة سواء في نظر القانون الجزائري أو في نظر تشريع القطر الذي ارتكب فيه يجوز المتابعة من أجلها والحكم فيها في الجزائر إذا كان مرتكبها جزائريا.ولا يجوز أن تجرى المحاكمة أو يصدر الحكم إلا بالشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة .582 وعلاوة على ذلك فلا يجوز أن تجرى المتابعة في حالة ما إذا كانت الجنحة مرتكبة ضد أحد الأفراد الأبناء على طلب النيابة العامة بعد إخطارها بشكوى من الشخص المضرور أو ببلاغ من سلطات القطر الذي ارتكب الجريمة فيه.
ج ـ مبدأ عالمية النص التجريمي : يقوم هذا المبدأ على وجوب سريان قانون الدولة التي يلقى فيها القبض على المجرم بصرف النظر عن جنسيته ومكان إرتكاب الجريمة بإعتبارها تمس الجماعة الدولة ، وتشكل بالتالي إعتداءا على مصلحة مشتركة لكل الدول بما في ذلك الدولة التي تم فيها القبض على المتهم .ولا يوجد في القانون الجزائري ما يفيد أن المشرع الجزائري قد تبنى هذا المبدأ شأنه في ذلك شأن معظم التشريعات المقارنة.
فنص في المادة 39 من قانون العقوبات على أن لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به
القانون، وإذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع على النفس أو عن الغير أو عن المال مملوك للشخص أو للغير يشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الإعتداء .
ونص في المادة 40 من قانون العقوبات على أن يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع ، القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفاع إعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو المنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيئ منها أثناء الليل .والفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقة أو النهب بالقوة .
يستافد من نص المادتين 39 و 40 من القانون العقوبات أن المشرع الجزائري حصر أسباب الإباحة فيما فيما يأمر به القانون أو يأذن به وفي الدفاع الشرعي ، نعرضهما فيما يلي :
* أمر القانون أو إذنه : يقصد بأمر القانون جميع النصوص التشرعية علاوة على اللوائح في حالات معينة، ويتخذ بتقيد أمر القانون بشكل التنفيذ المبابشر لأمر القانون .ومثال ما يتضمنه قانون الصحة نصوص توجب على الطبيب التبليغ على حالة مرض معدى ، ولا يعد هذا التبليغ جريمة افشاء أسرار المهنة المعاقب عليها بنص المادة 301 من قانون العقوبات . وتتخذ تنفيذ الأمر الصادر من سلطة مختصة ، ومثاله أن يقوم الموظف المختص بتنفيذ حكم الإعدام بناء على أمر السلطة المختصة . فتنفيذحكم الإعدام لا يعد جريمة قتل طبقا لأحكام المادة 254 وما يعدها من قانون العقوبات .
ويقصد بإذن القانون ترخيص القانون لصاحب الحق في أن يستعمل حقه . ويشترط في ممارسة الحق كسبب إباحة، وجود الحق مهما كان مصدره،وأن يلتزم صاحب الحق في استعماله لحقه حدود هذا الحق ، وتمثل قيود الحق في ممارسة الحق بواسطة صاحبه ، وأن تكون الأفعال التي أتاها لازمة لممارسة الحق ، وأن يتوفر صاحب الحق في استعماله حسن النية.
* الدفاع الشرعي : ويقصد بالدفاع الشرعي استعمال قدر لازم من القوة لرد إعتداء حال غير مشروع على النفس أو المال ولا يتحقق الدفاع الشرعي إلا بتوافر شروط في العدوان وشوط في فعل الدفاع .
أما الشروط الخاصة بالعدوان أي الخطر أن يكون حالا بألا يكون إحتماليا أو منذرا بخطر مستقبلا، وأن يكون العدوان أو الخطر غير مشروع ، ويعتبر الخطر غير مشروع إذا كان يهدد بإعتداء على حق يحميه نص تجريمي ، فلا دفاع شرعي إذاكان الفعل مباحا .وأن يقع العدوان أو الخطر على حق يحميه ونص تجريمي ويستوي في ذلك أن يكون العدوان على النفس والمال..
وأما الشروط المتطلبة في فعل الدفاع الذي يتمثل في اتيان المعتدى عليه سلوك لصد الخطرالذي يهدد الحق الذي يحميه النص التجريمي ، وأ، يكون فعل الدفاع لازما لصد الخطر من جهة، ومتناسبا معه من جهة أخرى.
ويكون فعل الدفاع لازما لردء العدوان أو الخطر إذا وجد عدوان وقت الدفاع، وكأن هذا الفعل هو الوسيلة الوحيدة لصد العدوان، ويكون فعل الدفاع متناسبا مع العدوان إذا كان متناسبا مع جسامته، ذلك أن ممارسته ضد الدفاع الشرعي مرهونة بإلتزام حدوده والإخراج المدافع عن دائرة المباح وسقط في دائرة المخطور ويقع على عاتق من يتمسك بالدفاع الشرعي عبءإقامة الدليل على قيامه.
الفصل الثالث : نمادج من الجرائم .
تخصيص هذا الفصل لدراسته نماذج من الجرائم تثمثل أساسا في جريمة إختلاس الموظف العام لأموال عمومية ، و جريمة الرشوة ، و جريمة إصدار شيك بدون رصيد ، على أنّ تخصص لكل منها قسما مستقلا .
المبحث الأول : جريمة إختلاس الأموال العمومية .
تنص المادة 119 من قانون العقوبات على أنه ” يتعرض القاضي أو الموظف أو الضابط العمومي الذي يختلس لأو يبدد أو يحتجز عمد و بدون وجه حق أو يسوق أموالا عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقودا أو أموالا منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها:
1 ـ للحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة أو المبددة أو المحتجزة أو المسروقة أقل من 100.000 د ج .
2 ـ للسجن من سنتين إلى عشر سنوات إذا كانت القيمة التي تعادل أو تفوق مبلغ 100.000 د ج و تقل عن 300.000 د ج .
3 ـ للسجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا كانت القيمة أو تفوق مبلغ 300.000 دج ، و تقل عن 1000.000 دج .
4 ـ للسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا كانت تعادل أو تفوق مبلغ 1.000.000 دج و تقل عن 3.000.000 دج.
5 ـ للسجن المؤبد إذا كانت القيمة تعادل مبلغ 3.000.000 دج أو تفوقه.
6 ـ للحكم بالإعدام إذا كان إختلاس أو تبدير أو حجز أو سرقة الأموال المشار إليها أعلاه من طبيعتها أن تضر بمصالح الوطن العليا.
و يتعرض كذلك للعقوبات المنصوص عليها أعلاه كل شخص تحت أية تسمية و في نطاق أي إجراء يتولى و لو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدوون أجر و يسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات الإقتصادية العمومية أو أي هيئة أخرى خاضعة للقانون الخاص معهد بإدارة مرفق عام ، يختلس أو يبدد أو يحتجز عمدا و بدون وجه حق أو يسرق أموالا عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقاماها أو وثائق أو سندات أو عقودا أو أموالا منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها .
يستفاذ من نص المادة 119 ق ع أنّ إختلاس الأموال العمومية أو الخاصة من طرف الموظف العمومي أو من في حكمه يكون جنحة إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة أقل من 100.000 دج ، و يكون جناية إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة تزيد عن هذا المبلغ و في الأحوال الأخرى المنصوص عليها في هذه المادة .
و يشترط لتحقيق جريمة إختلاس الموظف للأموال العمومية الشروط التالية :
1 ـ أن يكون الفاعل موظفا أو من في حكمه : و قد حددت الفقرة السابعة من المادة 119 ق ع الأشخاص الذين يعتبرون في حكم الموظف و الذين تسري عليهم نفس الأحكام .
و يجب أن تتوافر صفة الموظف أو من في حكمه في الفاعل حتى يمكن نسبته الجريمة إليه ، فلا تقوم الجريمة إذا إنتفت عن الفاعل صفة الموظف العام أو من في حكمه ، أو أن يكون المال قد دخل في حوزته بدون أن يكون لوظيفته شأن في تلك الحيازة كأن يكون الفاعل موظفا عاما و لكن لا شأن له بحيازة أموال لحساب الدولة ، و يرتبط تحديد توافر صفة الفاعل كموظف مختص أو من في حكمه يوقف إرتكاب فعل الإختلاس .
2 ـ أن يقع إختلاس أو بتبدير أو إحتجاز بدون حق أموالا عامة أو خاصة التي تمثل في الواقع الفعل المادي للجريمة . و يقصد بالإختلاس أو السرقة إنتزاع حيازة المال من المجني عليه دون رضاه خلسة أو بالعنف و التصرف فيه تصرف المالك بملكه ، و يقصد بالتبدير التصرف في المال بأي وجه من أوجه التصرفات سواءا كان تصرفا قانونيا كالبيع أو تصرفا ماديا بإستهلاك المال أو بإتلافه.
و يستوى أن يقع الإختلاس أو التبدير أو الإحتجاز على المال العام و هو الأصل أو على المال الخاص و هو الإستثناء ، أو على وثائق و سندات و عقود.
3 ـ أن تكون الأموال العامة أو الخاصة قد سلمت للموظف العام أو من في حكمه بمقتضى وظيفته أو بسببها : أي لابد من قيام علاقة سببية بين حيازة الموظف العام أو من في حكمه للمال و بين وظيفته كان يتسلم الموظف المال بمقتضى قوانين الوظيفة ، أو كانت وظيفته تسمح له بإستلام المال كمصادرة رجل الأمن الأشياء المتحصلة من جريمة : لإغذا استولى الموظف العام على مال عام بدون أية صفة تجعله صاحب حق في الإستيلاء على المال ثم تصرف فيه فلا يعد تصرفه إختلاسا و إنما سرقة عادية لا تطبق عليها المادة 119 ق ع.
4 ـ القصد الجنائي :
تعتبر جريمة الإختلاس جريمة عمدية في جميع صورها ، و من ثم يجب أن يكون الموظف على علم بأنّ المال عام أو خاص و مع ذلك اتجهت إراته إلى إختلاسه و حجزه أو بتبديره.
و يكاد يجمع الرأي أن القصد العام القائم على العلم و الإرادة يكفي لتحقق الركن المعنوي أو القصد الجنائي في صورة إحتجاز المال بدون وجه حق ، في حين يتطلب لتحقق القصد الجنائي الخاص فيما عدا ذلك من صور هذه الجريمة من إختلاس و تبدير أن تتجه بنية الموظف إلى تملك
المال أو الشئ الذي بحوزته ، فإذا ما تخلق القصد الخاص : أي فيه التملك ، فلا تقوم جريمة الإختلاس، و مثاله أن يستولي الموظف على المال لمجرد إستعماله ثمّ رده أو لمجرد الإنتفاع به .
و قد سبقت الإشارة إلى أنّ العقوبة المقررة لجريمة إختلاس الموظف العام للأموال العمومية أو الخاصة تختلف بإختلاف المبلغ المختلس و الذي يتحدد على أساس وصف الجريمة أنها جنحة أو جناية، و المستقر عليه في إجتهاد قضاء المحكمة العليا إذا لم يكن المبلغ المختلس معروفا تعين
ندب خبير لتحديده للتمكن من إعطاء الوقائع الوصف القانوني الصحيح و من معرفة ما إذا كانت الجريمة المرتكبة جنحة أو جناية ، و من المستقر عليه أيضا في هذا الإجتهاد أنّ القانون لا يتطلب لقيام جريمة الإختلاس حصول شكوى من الإدارة إنتصاب المؤسسة التي يعمل بها طرف مدني لأنّ ذلك لا يكون ركنا من أركان هذه الجريمة .
دراسة و بحث حول الركن الشرعي للجريمة