بحث ودراسة عن فعل المضرور و الاثار القانونية له
بسم الله الرحمن الرحيم
القانون الخاص
المصادر غير الإرادية
بحث قانوني
فعل المتضرر
في القانون المدني الاردني
اعداد الطالب:
وسام الحوامدة
بإشراف الدكتور
ياسين محمد الجبوري
2012
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
-الحمد لله رب العالمين ,والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
-لقد كانت ” المسؤولية التقصيرية “أو “المسؤولية عن الفعل الضار” -كما يشاء البعض أن يطلق عليها -هي من أهم صور العلوم الاجتماعية والقانونية, والتي ينظر اليها كمصدر من مصادر الالتزام الخمسة, ولعل أهميتها تتأتى من اتساع نطاق تطبيقاتها في الحياة العملية ،ومايترتب على تلك المسؤولية من أثار وعلى رأسها قيمة الضمان على محدث الضرر لما يصيب المضرور ،ذلك الضمان الذي يتمثل بوجوب جبر الضرر وتعويض المضرور عما يصيبه من ضرر .
-إلا ان فكرة التعويض ليست فكرة مطلقة بالرغم من اتساع القاعدة العامة القاضية بالتعويض إذ أن هناك استثناءات على تلك القاعدة متمثلة بالإعفاء من التعويض وبالنتيجة المسؤولية ،أوانقاص التعويض في العديد من الاحيان .
وفكرة التعويض في القانون المدني الاردني لعام (1976)وردت في المادة (256) بنصها :
(كل اضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر)
حيث أوجبت تلك المادة التعويض بناء على فكرة الضرر لا الخطأ وشملت به غير المميز بحيث يكون المسؤول بالمال –حسب القانون- مسؤولا عن التعويض او من مال الصغير.
ويهتم القانون المدني بالفعل الضار الذي يصيب المضرور ويرتب على ذلك قيام المسؤولية المدنية على الفاعل ،فأساس المسؤولية المدنية إعتداء على حق الغير المصان في ماله أو جسده أو حقه المعنوي ويتمثل فيها يسمى( بالخطأ المدني ) في الفقه الغربي ولاترد صورة محصورة للخطأ المدني ,إلا ان القانون المدني جعل مناط المسؤولية المدنية متحققا وقائما على الضرر ،لا على الخطأ إذ أن فكرة الخطأ أخذ بها القانون الفرنسي والقانون المدني المصري بما يتبع ذلك من اشتراك بالإدراك والتمييز لتحديد المسؤولية بناء على الخطأ .
-ولقد كانت المسؤلية التقصيرية تقوم على اركانها الثلاثة ,الخطأ والضرر والعلاقة السببية ,ولما كانت الدعوى ترفع على المدعى عليه ,فيقوم بدفعها إما بأن ينفي أحد أركان المسؤولية أو أن يدفع الدعوى لوجود السبب الأجنبي الذي يدعي المدعى عليه أنه هو من أحدث الضرر وبالتالي تنقطع علاقة السببية .
-ولقد تعددت الدفوع بالسبب الأجنبي حسب ما جاءت به المادة (261مدني اردني)حيث جاء فيها((اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشا عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يقض القانون او الاتفاق بغير ذلك)).
-وإن ما يهمنا في بحثا هذا مما سبق حالة (فعل المتضرر)كأحد حالات الدفع بالسبب الاجنبي والتي يؤدي ثبوتها إلى إعفاء المدعى عليه من الضمان أو التخفيف من مسؤوليته وبالتالي من قيمة الضمان المحكوم به في حالات سنتعرض لها بالتمحيص والتدقيق .
– وإن موضوع هذا البحث (فعل المتضررفي القانون المدني الاردني) وسبب اختياري لهذا العنوان هو التطور الواقعي والقانوني للحياة التجارية والصناعية وقطاع التأمين وللأحكام المنظمة للقوانين السير والمركبات مما يقتضي الإستزادة القانونية للمتخصصين وخصوصا إذا ما عرفنا أن حوادث السير وأضرارها المجتمعية تحصد الفكر القانوني والقضائي الاكبر في هذا الموضوع وبالتالي هذا البحث وراودتني نفسي بأن نزرع غرسة اولى في طريق هذا النوع من الأبحاث آملين -من الله -التوفيق وحسن الجزاء.
– وإنني كباحث في هذا العنوان كان إهتمامي على مشكلة البحث ولا تزال ,هي التوفيق بين نصوص القانون المدني الاردني في الفعل الضار في موضوع البحث (فعل المتضررفي القانون المدني الاردني) الذي يؤسس المسؤولية على “الإضرار”وليس “الخطأ”ولكننا سنرى على مدار البحث أن تطبيق أحكام الفعل الضار كان لابد أحيانا من الإعتراف أن “الخطأ” له مكانه في التطبيق القضائي الاردني وخصوصا عند توزيع المسؤولية أو الاشتراك فيها.
-وإن ايضا من مشكلات البحث أيضا أن القضاء الاردني استقر على عدم الاعتراف “بفكرة الاستغراق” في “فعل المتضرر”حسب أغلب احكامه مستندا الى ظاهر نصوص القانون المدني,وسنسعى إلى تحليل المشكلة وإظهار البدائل التي طبقها القضاء الاردني.
– وقد اتبعت منهج العلم التحليلي والواقعي والوصفي والمقارن- ما أمكن- لكتابة البحث مستندين لنصوص القانون كلما كان ذلك ممكنا وإلى أراء الفقه واراء الشراح في علم القانون والاستعانه بأمهات الكتب القانونية وبأبحاث سابقة قدمت للجامعات او المعاهد العلمية او ابحاث مقدمة لنقابة المحامين لنيل مرتبة الاستاذية مع اقتراح لحلول لتلك المشاكل إلا اننا بالأردن حقيقة نفتقد للمكتبات المتخصصة وخصوصا إذا اراد الباحث كتابة موضوع متخصص- فسيواجه حجرعثرة في هذا المقام لندرتها او عدم تخصصها مما استدعى بالباحثين -وانني منهم -الى محاولة الاجتهاد ما امكن ضمن المعايير القانونية المسموح فيها آملين أن نضيء بعملنا شمعة تضيء لمن خلفنا نور الظلام .
-كما وقد آثرنا ان نربط التحليل الفقهي بواقع القضاء بالاردن (والاجتهاد القضائي كمصدر للقانون المدني)من خلال توريد ما أمكن من اجتهادات محكمة التمييز في الاردن وتطبيقات القضاء وربطها بموضوع البحث ,ولقد آثرت أن يكون متن الاجتهاد القضائي جزء لايتجزأ من بحثي لاثراء الناحية العملية من جهة ومن جهة اخرى وضع القارىء الكريم الى أن محكمة التمييز في العديد من قراراتها قد نحت منحى آخر في تطبيق القانون وتفسيره وتأويله.
-ولقد أشرنا الى “العرف” القانوني والقضائي وما استقرت عليه الاجراءات القضائية -كمصدر للقانون المدني معلقين على مدى توافق هذا العرف مع اصول القانون.
وبناء على ما تقدم فإنني سوف أقسم بحثي هذا((فعل المتضررفي القانون المدني الاردني) –إن شاء الله- إلى ثلاثة مباحث رئيسية :
سأتناول في “مبحث تمهيدي ” السبب الاجنبي وأثره على المسؤولية ويتضمن مفهوم السبب الاجنبي في مطلب أول ,وحالات السبب الاجنبي قانون في مطلب ثاني ,وأثر تدخل السبب الاجنبي على المسؤولية في مطلب ثالث .
وفي المبحث الثاني سأتناول فعل المضرور كسبب من اسباب الإعفاء من المسؤولية,
وسنقسمه الى مطلب أول : قيام المضرور بإحداث الضرر .
ومطلب ثاني : استغراق أحد الفعلين للفعل الاخر
وفيه نبحث لحالتين :
اولهما :حالة اذا كان احد الفعلين يفوق كثيرا في جسامته الفعل الاخر وسنعرض لحالتي:
أ- التعمد ب- رضا المضرور كحالة اعفاء.
وثانيا :حالة اذا كان أحد الفعلين هو نتيجة للفعل الاخر .
وفي المبحث الثالث : سنتناول أحكام المسؤولية المشتركة :
وسنتناول فعل المضرور كسبب لإنقاص التعويض والتخفيف من المسؤولية.
المطلب الاول : توزيع التعويض بين المضرور والمدعى عليه حسب نسبة خطأهم.
والمطلب الثاني :اذا لم يتبين للقاضي نسبة خطأ كل من المضرور والمدعى عليه.
والمطلب الثالث : الضرر المتقابل .
والمطلب الرابع :رضا المضرور.
وفي المطلب الخامس :اثر اجتماع قوة قاهرة مع فعل المدعى عليه.
ثم ننتهي إلى الخاتمة والتوصيات وقائمة بالمراجع .
“مبحث تمهيدي “
المبحث الاول السبب الاجنبي وأثره على المسؤولية
تمهيد:
-إن نهج المشرع الاردني في تحديد نطاق المسؤولية المدنية قد جاء متشددا بإقامته للمسؤولية على فكرة الضرر لافكرة الخطأ ,وهو بذلك ينتهج منهجا مخالفا للقانون الفرنسي والقانون المصري اللذان أقاما المسؤولية المدنية على فكرة الخطا .
ولم يجادل الفقهاء حتى أواخر القرن التاسع عشر في وجوب توافر الخطأ كركن في المسؤولية التقصيرية غير انه لما كان في استلزام الخطأ الرجوع على الفاعل بالتعويض مما قد يؤدي الى ضياع حق المضرور إذا عجز عن اثبات الخطأ أونسبة الخطأ كما هو موضوع هذا البحث مما ادى الى ظهور وتطور العديد من النظريات الغربية للتخفيف على المضرور كطرف ضعيف.
ونلاحظ أيضا ان المشرع الاردني ونهجه في ذلك نهج معظم التشريعات العربية قد خفف من مبدأ اطلاق المسؤولية المدنية والضمان بشأنها ,إذا أعفى المدعى عليه من المسؤولية المدنية في حالات منها السبب الاجنبي.
المطلب الاول : مفهوم السبب الأجنبي
-يعرف بعض الشراح السبب الاجنبي :”كل فعل او حادث معين لاينسب إليه(للمدعى عليه)ويكون قد منع وقوع العمل الضار مستحيلا ”
والسبب الاجنبي الذي يعدم رابطة السببيية كما نصت المادة (261):
((اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشا عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يقض القانون او الاتفاق بغير ذلك)).
وسنعرض كلا من هذه الاسباب في المطلب الثاني.
مطلب ثاني : حالات السبب الاجنبي
أولا- القوة القاهرة أو الحادث الفجائي و الآفة السماوية:
القوة القاهرة و/أو الحاث الفجائي تعبيران يدلان على شيءْ واحد ذلك ان القوة القاهرة هي الحادث الذي يستحيل دفعه ,أما الحادث الفجائي فهو فهو الحادث الذي لايمكن توقعه, فتتوزع بينهما الخصيصتان وهما استحالة الدفع وعدم امكان التوقع تجبر الشخص على الاخلال بالتزام قانوني وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء رغم المحاولات العديدة لوضع الفوارق بينهما .
وسنعرض كلا من الشرطين :
1-عدم امكانية التوقع .:
يجب أن تكون القوة القاهرة او الحادث الفجائي غير ممكن التوقع فإذا أمكن توقع الحدث حتى لو استحال دفعه لم تكن قوة قاهرة أو حادث فجائي ,أي بمعنى أن يكون الحادث غير مستطاع التوقع لا من جانب المدعى عليه فحسب بل من اشد الناس يقظة وتبصر بالامور, فالمعيار هنا موضوعي لا ذاتي فالمعيار يكتفى فيه بالشخص العادي بل يتطلب ان يكون عدم الامكان مطلق لا نسبي(7).
2-واستحالة الدفع :
-يجب ايضا ان تكون القوة القاهرة او الحادث الفجائي مستحيل الدفع فإذا امكن دفع الحادث حتى لو استحال توقعه لم يكن قوة قاهرة او حادث فجائي فإذا امكن دفع الحادث حتى لو استحال توقعه , لم يكن قوة قاهرة او حادث فجائي ويجب ان يكون الحادث من شأنه ان يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة لا نسبية للمدين وحده بل استحالة الى اي شخص يكون في موقف المدين وهذا هو الذي يميز بين نظرية القوة القاهرة ونظرية الحوادث الطارئة التي تعني ان تنفيذ الالتزام اصبح مرهقا لامستحيلا (7).
وسيان ان تكون استحالة التنفيذ مادية او معنوية ,فإذا استحال على المدين معنويا تنفيذ الالتزام كما لو كان مغنيا وتعهد بإحياء حفلة غنائيا فمات عزيز عنده يوم الحفلة وكان لذلك في نفسه اثر بالغ يستحيل معه ان يقبل على الغناء كان الحادث قوة قاهرة والقاضي هو صاحب السلطة التقديرية فما اذا كان هناك استحالة معنوية ام لا .
فالحرب قد تكون قوة قاهرة بما ينجم عنها من احداث وازمات اقتصادية مازالت مستحيلة الدفع غير متوقعة ,فالذي يجب توقعه ودفعه ليس هو الحرب ذاتها وماخلفها من حوداث واضطرابات ,و كما تنطوي حوادث السيارات على قوة قاهرة او حادث فجائي كما اذا انفجرت الة او انكسرت عجلة او انزلقت السيارة في ارض لزجة او بهر السائق نور خاطف والمهم ان يتوفر شرطا استحالة التوقع واستحالة الدفع .
-اثر القوة القاهرة او الحادث الفجائي :
إذا كانت القوة القاهرة او الحادث الفجائي هو السبب الوحيد في وقوع الضرر انعدمت علاقة السببية ولا تتحقق المسؤولية طبقا لنص المادة (261 مدني).
وخير مثال على ذلك لو تساقطت الثلوج بكثافة وتراكمت على مدخل بيت وادت الى انهياره على سيارة جار وتضررت تلك السيارة فإن صاحب البيت غير مسؤول عما لحق بالسيارة من ضرر لان تهدم المدخل نتيجة افة سماوية لايد له فيه.
ثانيا : فعل الغير
فعل الغير لامحل للكلام فيه لوضوح حكمه بأن لايقع من المدعى عليه خطأ ما ثابت او مفترض وانما يتبع الضرر فعل الغير .وبالتالي يكون الغير هو الذي باشر الضرر وتقع عليه مسؤولية تعويض المضرور فإذا كان فعل الغير هو السبب الوحيد في احداث الضرر كان هو وحده المسؤول مالم يكن الضرر قد وقع من قبيل قوة قاهرة او حادث فجائي فلا يكون مسؤولا اما اذا كان لفعل المدعى عليه وفعل الغير شأن في احداث الضرر معا ,واستغرق فعل احدهما الاخر اذا كان فعل متعمد او كان المسؤول هو الذي دفع بارتكاب فعل الاخر, فتنطبق في هذه الحالة القواعد العامة كما سيأتي لاحقا , وسبب تعرضنا لها انه في حالة الاشتراك أو في الاستغراق سيطبق القاضي قواعد اشتراك المضرور او الاعفاء للمدعى عليه.
ثالثا : الدفاع الشرعي
نصت المادة 262 من القانون المددني الاردني انه من احدث ضررا وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه او ماله او نفس الغير او حاله كان غير مسؤول على ان لا يجاوز قدر الضرورة والا فأصبح ملزما ( بالضمان بقدر ماجاوزه),وهذه الاخيرة التي تهمنا في موضوع بحثنا , حيث ستطبق قواعد الاشتراك او الاستغراق اذا تبين وجود خطأين او تجاوز لحدود الدفاع الشرعي فتطبق على المدافع في حدود التجاوز نسبة الضمان وفق القواعد التي سنذكرها.
فالدفاع الشرعي عن النفس والمال يبيح التعدي ويجعله مشروعا بشرط ان تتوافر شروط الدفاع الشرعي وهي :
1-ان يكون هناك خطر حال على نفس المدافع او ماله او نفس الغير او مال الغير اذا كان عزيز عليه الى درجة كبيرة ويكفي ان يكون قد وقع الاعتداء بالفعل وعلى ان يكون تقديره هذا مبني على اسباب معقولة .
2-ان يكون ايقاع هذا الخطر عملا غير مشروع فليس لمن القي القبض عليه بطريق قانوني ان يقاوم رجال الشرطة بحجة الدفاع الشرعي (13)
3- ان يكون دفع الايذاء بالقدر اللازم دون مجاوزة او افراط فمن إذا جاوز الشخص حدود الدفاع الشرعي يسأل مسؤولية مخففة, لان فعله يقابل فعل من جانب المعتدي وذلك وفق قواعد المسؤولية او الفعل المشترك .
4- ان لا يكون في امكان هذا الشخص درء الاعتداء على النفس او المال بأي وسيلة اخرى مشروعة كالاستعانة برجال الامن .
رابعا: حالة تنفيذ امر صادر من الرئيس
وهو ما نصت عليه المادة 262-2 من القانون المدني الاردني . ومع ذلك (لايكون الموظف العام مسؤول عن عمله الذي اضر بالغير اذا قام به بأمر من رئيسه متى كانت اطاعة هذا الامر واجبة عليه او كان يعتقد انها واجبة واقام الدليل على اعتقاده بمشروعية العمل الذي وقع منه وكان اعتقاده بمشروعية العمل الذي وقع منه وكان اعتقاده مبنيا على اسباب معقولة وانه راعى في عمله جانب الحيطة والحذر )
فإطاعة امر صادر من الرئيس يجعل الفعل عمل مشروعا بشروط ثلاثة :
1- ان يكون من صدر منه الفعل موظفا عاما(13).
2-ان يكون من صدر له امر بتنفيذ هذا العمل من رئيسه ولو غير مباشر فإطاعته واجبة بل يجب ان يعتقد ان طاعة الامر ذاته الذي صدر اليه من الرئيس واجبة فإذا اصدر الرئيس امرا غير واجب الطاعة فلا يجوز للمرؤوس تنفيذ هذا الامر والاكان تعديا تترتب عليه مسؤولية الموظف .
3-ان يثبت الموظف امرين اولهما :انه كان يعتقد مشروعية الامر الذي نفذه وان هذا الاعتقاد مبنيا على اسباب معقولة لامجرد الظن وثانيهما :انه راعى في عمله جانب الحيطة .
-وبهذه الشروط يكون تنفيذ الموظف لامر غير مشروع عملا مشروعا لايوجب مسؤوليته وان كان يوجب بطبيعة الحال مسؤولية الرئيس الامر…او المتبوع وهو السلطة التابع لها.
-ومايقال في اطاعة امر الرئيس يقال ايضا في اطاعة امر القانون فيكفي ان يعتقد الموظف العام بحسن نية انه قام بالعمل تنفيذا لما امرت به القوانين او لما اعتقد انه يدخل في اختصاصه وان اعتقاده مبنيا على اسباب معقولة وانه اقدم عليه بعد التثبت والتحري وان لايكون انحرف به عن السلوك المألوف للرجل العادي في مثل ظروفه .
-ومن الصور العملية لاطاعة اوامر الرئيس اذا اصدر مدير بنك ما اوامره ونتج عن ذلك ضياع اموال البنك فهو ليس من الاوامر التي يتوجب على المرؤوس اطاعتها لانه امر غير مشروع وعدم مشروعيته ومخالفته للقوانين والانظمة والتعليمات المصرفية لاتخفى ولاتنطلي على موظف البنك كما يكون الموظف مسؤولا عن قيمة الحوالات التي وقع على استلامها بأمر من رئيس مجلس الادارة ومدير البنك العام بالقيام فيه ضياع لاموال البنك والهدر بها .
ولكن ما يهمنا في موضوع بحثنا هذا ان سقوط أي شرط من الشروط السابقة أو التمادي فيه أو تجاوزه ,يعني تطبيق مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع بين الموظف والهيئة التي يعمل لديها الموظف وسيكون في حال التجاوز الموظف مسؤول ايضا مع الهيئة التي يعمل لديها مما يقتضي تطبيق اعمال الخطأ المشترك وهو موضوع بحثنا .
خامسا: فعل المضرور
-وهو موضوع بحثا الجوهري والاساسي وسنتكلم فيه في مبحث ثاني وثالث .
مطلب ثالث:
أثر تدخل السبب الاجنبي على المسؤولية عموما
-نصت المادة (261مدني اردني) على (كان غير ملزم بالضمان)وهذا واضح إذ تنقطع علاقة السببية بين الاضرار والضرر وبالتالي تنتفي المسؤولية المدنية.
المبحث الثاني : فعل المضرور كسبب من اسباب الإعفاء من المسؤولية
المطلب أول قيام المضرور بإحداث الضرر :
-قد يقع الضرر بفعل المضرور نفسه فالمضرور هو الذي الحق الضرر بنفسه سواء اكان الفعل المنشأ للضرر بخطأ منه أوبغير خطأ منه.
فاذا وقع فعل من المضرور كخطأ ثابت او مفترض فلا مسؤولية على المدعى عليه وهذا امر واضح كل الوضوح لالبس فيه ولا غموض ,وماعلى قاضي الموضوع إلاتقدير البينة التي قدمها المدعى عليه واثبت من خلالها ان (المضرور المدعي) هو الذي الحق الضرر بنفسه وبالتالي لا يحق له المطالبة بالتعويض .
-وانه وفقا لقواعد الاثبات العامة فإن عبء اثبات خطأ المضرور يقع على المدعى عليه ,
لأنه دفع لدعوى المدعي ,والمدعى عليه مكلف باثبات الدفع لانه سينفي مسؤوليته أويخففها.
-إلا ان هذا مشروط بشرط مفاده -أن يكون الفعل(الخطأ) الذي وقع من المضرور هو الذي أدى الى وقوع الضرر- اما اذا كان العكس كذلك فلا يعفى المدعى عليه من مسؤولية فعله اذا كان خطأه هو السبب في الضرر .
-وهنا قد يكون فعل المضرور هو السبب الوحيد للضرر الذي اصابه , كما لوألقى شخص بنفسه عمدا تحت عجلات سيارة يقودها صاحبها مراعيا انظمة السير فدهسته السيارة فمات ففي هذه الحالة ,لامسؤولية على سائق السيارة لأن المضرور كان المتعمد والقاعدة لفقهية القانونية اذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم الى المباشر وهذا ايضا ما أخذ به الفقه الاسلامي بقواعد الضمان فالمنتحر مباشرا وسائق السيارة متسبب .
-والإضرار بالمباشرة يلزم الضمان ولا شرط له واذا وقع بالتسبب فيشترط التعدي او التعمد او ان يكون الفعل مفضيا الي الضرر ,وبهذا أخذ المشرع الاردني المادة 257 مدني .
-ومن الواضح جدا ان المشرع الاردني قرر مبدأ خاصا بعلاقة السببية بمعنى انه اذا لم توجد رابطة السببية بين الفعل والضرر لايكون الشخص الذي وقع منه الفعل مسؤولا وتنتفي علاقة
السببية اذا وجد السبب الاجنبي ,وفعل المضرورأحد هذه الاسباب, لأن هذا الضرر يكون متصلا بشخص معين ولكن فعل هذا الشخص هو السبب في حصوله.
وهذا يفيد بان المشرع الاردني جعل الفعل مسالة وعلاقة السببية مسألة اخرى (19).
-ويعد فعل المتضرر من قبيل القوة القاهرة اذا تحققت شرائطها :
1-بأن كان غير متوقع .
2-ولا يمكن دفعه بالنسبة للمدعى عليه .
-ومناط اعفاء المدعى عليه من المسؤولية في هذه الحالة هو عدم احداثه الضرر للمضرور اذا انهدم ركن من اركان قيام المسؤولية التقصيرية وهو ركن الضرر اذا ان الضرر وان وقع فعلا من قبل المدعى عليه ,فإن الضرر غير منسوب اليه بل على العكس من ذلك فإن المضرور هو الذي احدث الضرر لنفسه ولا مجال في هذه الحالة لرجوع المضرور على مرتكب الفعل بالتعويض ,وذلك لانه لايجوز له ان ينسب الضرر لذلك الشخص مادام هو الذي احدثه وباشره بنفسه ,وفي ذلك عدالة اذ انه لايجوز له ان ينسب الضرر لذلك الشخص مادام هو الذي احدثه وباشره لنفسه وبنفسه, وفي ذلك عدالة اذ انه لا يجوز للمضرور ان يطلب التعويض في حالة احداثه الضرر بنفسه ,فإذا مافعل ذلك فإنه يكون كمن يطلب ان يثرى على حساب الغير دون سبب وتثور للسطح مئات القضايا من حوادث سيارات مفتعلة لاستغلال قبض التعويضات من شركات التامين دون حق أو من مؤسسات الضمان الاجتماعي أو لغايات التقاعد أو استلام بدل عجز ورواتب معلولية من الجيش .
– لقد جاءت المادة (264) من القانون المدني الاردني بحكم استثنائي وذلك فيما يتعلق بالاعفاء من التعويض في حالة اشتراك المضرور في احداث الضرر او الزيادة فيه وفي ذلك خروج على القاعدة العامة التي قررتها المادة (261) عندما حصرت الاعفاء من المسؤولية في حالة قيام المضرور بإحداث الضرر كاملا الافي حالة اشتراكه بفعله في احداث الضرر او الزيادة فيه
وجعل المشرع في نص المادة (264) الامر جوازيا للمحكمة في الاعفاء من المسؤولية وبالتالي عدم الحكم بالضمان على عكس ماجاء في المادة (261) حيث جعل الامر الزاميا على المحكمة بالحكم بالاعفاء في حالة قيام المدعى عليه باثبات قيام المضرور بإحداث الضرر .
المطلب ثاني : استغراق أحد الفعلين للفعل الآخر
فإذا استغرق احد الفعلين الفعل الاخر ,لم يكن للفعل المستغرَق من أثر ، فإذا كان فعل المدعى عليه هو الذي استغرق فعل المضرور, كانت مسؤولية المدعى عليه كاملة ولايخفف منها فعل المضرور ، أما اذا كان فعل المضرور هو الذي استغرق فعل المدعى عليه فإن مسؤولية هذا الاخير ترتفع لانعدام رابطة السببية .
-ومن الجدير بالذكر –وكما جاء في اجتهاد محكمة التمييز –في هامش الصفحة السابقة-أنها أنكرت تطبيق فكرة إستغراق أحد الخطأين للخطأ الآخر ,وعليه إعتمدت المحكمة فكرة توزيع الخطأ حسب جسامة الخطأ ,رغم أن المحكمة وفي قرارات سابقة قد أقرت فكرة الاستغراق(28) في قرارات كان تاريخها أقدم من القرار السابق ,وإنني أرى أن محكمة التمييز تجاوزت ما إستقر عليه الفقه من تأصيل لفكره الاستغراق من جهة ومن اعتراف الفقه الاسلامي بفكرة الاستغراق كون القانون المدني الاردني لايأخذ بالخطأ كركن في أركان المسؤولية ,وفي القرار السابق إعتراف بطرقة أو بأخرى بالخطأ…كركن ,ولكن يدافع رأي المحكمة عن نفسه بأن القانون المدني الاردني لم يورد نصا على فكرة الاستغراق وأنه يجب الالتزام بالنص .
ويستغرق احد الفعلين الفعل الاخر في حالتين :
الحالة الاولى :
-إذا كان أحد الفعلين يفوق كثيرا في جسامته الفعل الاخر وان يكون الفعل شاذا وغريبا وفاحشا وغير اعتيادي
-ومن الجدير بالذكر ان القضاء الفرنسي لايشترط ان يكون الفعل خطأ, بل قد يكون فعلا شاذا وغير اعتيادي ,فقد نفت محكمة النقض المسؤولية عن سائق تفاجأ بشخص ممدد على الطريق على الشارع العام فدهسه!…..وهذا الحل مقبول في الفقه الاسلامي فيكون دم المضرور هدرا(33).
وبالنتيجة لايمكن تصور أن الفعل الاشد يستغرق الفعل الأخف الا في صورتين :
أ- اذا كان احد الفعلين عمدي :
وهنا يكون احد الطرفين وهوالمدعى عليه او المضرور اراد احداث الضرر متعمدا ، اما الاخر فلم يصدر منه فعل متعمد وهنا يبرز دور الإرادة والذي يتقدم على الفعل الضار.
-فإذا كان المدعى عليه هو الذي احدث الفعل المتعمد تحققت مسؤوليته ووجب عليه كامل التعويض عن الضرر الذي احدثه حتى لو كان فعل المضرور غير المتعمد له دخل في احداث الضرر لان فعله هذا لم يكن الا ظرفا استغله المدعى عليه لاتمام قصده من الضرر ,.
ومثال ذلك : ان يتعمد سائق السيارة دهس رجل مكفوف البصر يسير في الطريق بدون مرشد ,فلا يجوز له في معرض الدفاع عن نفسه ان يدعي بان المضرور سار بالشارع دون قائد وهو كفيف فيكون قد تحقق الخطأ,ذلك ان السائق قد تعمد دهس المضرور ولم يكن خطأ مكفوف البصر الا ظرف استغله السائق في انفاذ نيته .
أما إذا كان المضرور قد تعمد الحاق الضرر بنفسه ,هنا يستغرق فعله فعل المدعى عليه وارتفعت مسؤوليه المدعى عليه لانعدام رابطة السببية .
ومثال ذلك: ان شخصا اراد الانتحار فرمى بنفسه امام سائق مسرع بسيارته تجاوز فيها حدود السرعة ,فهو وحده الجاني على نفسه ولا يجوز له ان يدفع بسرعة السائق لان تعمده الانتحار هو وحده الذي يوجب المسؤولية وما وقع من السائق لا يعدو ظرفا استغله المضرور لتنفيذ قصده ويعتبر المنتحر مباشر والسائق متسبب.(33)
ب- رضا المضرور كسبب للاعفاء من التعويض :
-لم يرد في نصوص القانون المدني الاردني مايشير الى افراد حكم لمسألة رضا المضرور – بشكل مباشر- إلا ما جاء في المذكرات الايضاحية للقانون المدني ,وجعل ذلك سببا من اسباب الاعفاء من المسؤولية على العكس من بعض القوانين العربية , التي نصت على جعل رضا المضرور بإحداث الضرر به سببا لاعفاء محدث الضرر من التعويض .
ومنهج القانون المدني الاردني في هذا الامر هو منهج مجرد اذا لايعقل ان نفتح الباب لأخذ رضا المضرور بما وقع به من ضرر سواء بماله او بجسمه او كان ضررا أدبيا وذلك لأن مثل هذا السلوك هو سلوك شائن , ولا يخلو الامر هنا من مسألتين :
أولا: فعدم مطالبة المضرور بالتعويض ابتداء لايمكن القول معه بأن حقه ثابت فيه, وان من ارتكب الفعل او من يزعم انه ارتكب الفعل بأنه محدث الضرر .
ثانيا : هي ان المضرور يتنازل عن حقه في التعويض بعد ثبوت ذلك الحكم بحكم قضائي قطعي فهو في هذه الحالة يتنازل عن حق ثابت له ,وهو اذ يستعمل ذلك الحق فلا مجال ايضا للقول بانه قد رضي بإلحاق الضرر فيه .
-وإن هناك المئات من القضايا التي تعرض على المحاكم من افتعال بعض المرتزقة حوادث مرورية ويدعون على الابرياء وخصوصا النساء وبأنهم قاموا بدهسهم ليقبضوا تعويضات مالية مجزية ولكن القضاء وقف موقفا حازما تجاه من تسول له نفسه بذلك.
الحالة الثانية :
حالة إذا كان أحد الفعلين هو نتيجة للفعل الاخر:
-اذا كان فعل(خطأ) المضرور هو نتيجة لفعل المدعى عليه بأن استغرق الفعل الثاني الفعل الاول واعتبر فعل المدعى عليه هو وحده الذي احدث الضرر وتكون مسؤوليته كاملة عن التعويض بناء على إنتفاء علاقة السببية بين الفعل (الخطأ)التبعي والضرر .
ومثال ذلك: أن يرتكب المريض خطأ في علاج نفسه ويضر بنفسه بتناوله لدواء خاطىء, وكان ذلك بناء على بناء على استشارة خاطئة من الطبيب فإن خطأ الطبيب يستغرِق خطأ المريض لان خطأ المريض ناتج عن خطأ الطبيب ,ويسأل الطبيب عن كامل التعويض.
أما اذا كان فعل المدعى عليه ناتج عن فعل المضرور هنا سيستغرق فعل المدعى عليه فعل المضرور نفسه .
-ويمكن تطبيق نظرية السبب المنتج الفعال في الحالات المشابهة على فعل الطبيب ,وان خطا المضرور كان نتيجة عارضة وخطأ عارض ,,مما يشكل مسؤولية الطبيب,وفي الفقه الاسلامي قد يقدم المتسبب على المباشر اذا كانت المباشرة مبنية على التسبب ,,كمن شهد على اخر زورا فهو متسبب والقاضي والجلاد مباشرين فلولا التسبب ماحصل الضرر .
ومثال ذلك:
ما اذا دهس احد المارة من سائق واثبت السائق ان عابر السبيل قد قطعه فجأة ودون مراقبة الشارع وكان هذا السبب الوحيد للاصابة .فيكون قد اثبت ان الخطأ المفروض في جانبه وهو ليس الا نتيجة لفعل المضرور نفسه وهنا تنعدم علاقة السببية بين فعل السائق والضرر اذا تبين بالخبرة والبينات أن فعل المضرور هو الفعل المنتج للضرر .
المبحث الثالث : أحكام المسؤولية المشتركة
تمهيد
فعل المضرور وإشتراكه بالخطأ كسبب لإنقاص التعويض والتخفيف من المسؤولية
-رأينا في المبحث السابق أسس الاعفاء من المسؤولية التقصيرية والحالات القائمة عليها وسوف نبحث في هذا المبحث الانقاص من التعويض, فإذا إشترك في احداث الضرر فعلان(يوصف كل واحد منهما انه خطأ مستقل) ,كان للضرر سببان ,أحدهما فعل المدعى عليه والثاني فعل المضرور, وتوزع المسؤولية حسب جسامة الخطأ .
فإذا تحقق ان وقع من المدعى عليه فعل (خطأ)ومن المضرور فعل اخر (خطأ) وكان لكل من الفعلين شأن في احداث الضرر وجب ان نعرف الي أي حد سيؤثر خطأ المضرور في المسؤولية التي نجمت عن فعل المدعى عليه ، وخصوصا إذا بقي كل من الفعلين مستقل عن الفعل الاخر فتكون منهما فعلا مشتركا أدى إلى ضرر واحد.
المطلب الاول : توزيع التعويض بين المضرور والمدعى عليه حسب نسبة خطأهما:
– نصت المادة 265من القانون المدني:( اذا تعدد المسئولون عن فعل ضار ، كان كل منهم مسئولا بنسبة نصيبه فيه وللمحكمة ان تقضي بالتساوي او بالتضامن والتكافل فيما بينهم)… وهنا تقرر المذكرة الايضاحية ((حالة إمكان تعيين محدث الضرر من بين من وقع منهم الفعل ضار رغم تعددهم ,وإمكان تحديد نصيب كل منهم في احداثه ,وفي هذه الحالة لايسأل كل منهم إلاعن الضرر الحادث بخطئه ولا يسألون البته على وجه التضامن ويعتد القاضي بجسامة الخطأ من كل منهم ونصيب هذا الخطأ في احداث الضرر)) .
المطلب الثاني -اذا لم يتبين للقاضي نسبة خطأ كل من المضرور والمدعى عليه :
هنا على القاضي أن يحكم بينهم بالتساوي مناصفة إذا كانوا اثنين او بحصص متساوية إذا كانوا اكثر من ذلك . وهنا قررت المذكرة الايضاحية((..وقوع الفعل الضار من اشخاص متعددين دون ان يكون بالوسع تعيين من احدث الضرر الحقيقي من بينهم او تحديد نسبة مساهمة كل منهم في احداثه وفي هذه الحالة لايكون ثمة تعدي عن تقرير التضامن بينهم جميعا ويكون هنا نصيب كل منهم بالتساوي)).
والاصل ان كلا الفعلين يعتبر سببا في احداث الضرر اذ لولاه ما وقع الضرر ,ويسأل كل واحد منهما بقدر ما احدثه من ضرر وقد تكون المسؤولية بالتساوي بينهما .فيكون مثلا المدعى عليه مسؤولا عن نصف التعويض والمضرور مسؤولا عن النصف الاخر .
وهذا يوافق ايضا ما جاء بالفقه الاسلامي انه لو رمى عشرة اشخاص شيئا بالمنجنيق فعاد وقتل احدهم ..وهنا يخصم عشر التعويض(الدية)لان المقتول اشترك بالفعل….لانه مباشر فيهدر عشر ديته لانه فاعل اصلي .
ومن خلال التمحيص للنص المذكور(265مدني) ووفق ما ورد في المذكرة الايضاحية للقانون المدني الاردني صفحة (304و305)سيبدو لنا ان هذا النص يقرر :
أ-مبدأ التضامن بين من يشتركون في احداث ضرر معين عند رجوع المضرور عليهم والتضامن مقرر بنص القانون ولا يجوز للقاضي الخروج لان الصياغة التشريعية تحرم القاضي من انشاء حالة تضامن او الاعفاء منها .
ب-مبدأ المساواة في المسؤولية بين من وقع منهم الفعل الضار ,وللقاضي ان يعدل في نصيب كل واحد منهم في التعويض حسب تقديره للظروف عن طريق الخبرة.
وإذا دفع التعويض احد المسؤولين بكامله او اكثر من حصته الواجبة كان له حق الرجوع على الباقين المدينين به وفق القواعد العامة .
– وهنا يبدو للسطح في إشكال تطبيق نصوص القانون فالمادة (265مدني )تقضي بإشتراك كل من ساهم في وقوع الضرر ولكن هل يعتبر المضرور اذا ساهم بخطأه أيضا شريك في المسؤولية بموجب هذا النص ايضا ام يطبق نص المادةالمادة 264
((يجوز للمحكمة ان تنقص مقدار الضمان او ان لا تحكم بضمان ما اذا كان المتضرر قد اشترك بفعله في احداث الضرر او زاد فيه))وفي الحالتين يوجد خطأ أصلي من المضرور .
-وان محكمة التمييز الاردنية في العديد من قراراتها قررت ان الدفع الذي يقدمه المدعى عليه هو دفع معتبر ان كان له اساس بالدعوى ,وان اهمال المحكمة هذا الدفع قد يثير شبهه الحرمان حقوق الدفاع واعتبرته محكمة التمييز نقطة قانون تجيز لها نقض الحكم.
المطلب الثالث : الضرر المتقابل
-يثور السؤال لوأن الضرر الذي يسببه شخصان لبعضهما البعض بسبب خطأ مستقل فكل شخص مباشر للضرر وكل شخص مضرور ؟
-ولقد ثار في هذا الجواب رأيان في الفقه الاسلامي الحنيف:
أ- كان رأي الامامين ابو حنيفة وصاحباه واحمد ابن حنبل أن كل واحد منهما مسؤول عن كامل الضرر الذي يصيب الشخص الاخر …
ب-أما الامامين مالك والشافعي فقد ذهبا الى انه تجب نصف الدية اذا ما اصطدم فارسان ببعضهما البعض وقتل كل منهما الاخر ….كون كل منهم اشترك بالفعل والضرر وان كل واحد منهم مات بفعل غيره وفعل نفسه …وقد رجح الاستاذ مصطفى الزرقا الرأي الثاني وهذا المذهب الذي ذهبت اليه محكمة التمييز الاردنية.
المطلب الرابع : رضا المضرور
يكون رضا المضرور كما قد بحثنا سبب من اسباب الاعفاء الكامل للضرر وقد يكون سببا يجعل المسؤولية مخففة او مشتركة بين المضرور والمدعى عليه ,وهذا ما أكده الفقه الاسلامي .
واذا كان احد الفعلين هو رضى المضرور بما وقع عليه من الضرر في بعض الاحوال القليلة جدا(45)….وهنا يرى الفقه انه يجب ان يرتقي رضاء المضرور الى درجة الخطأ,فإنه من شأنه التخفيف من مسؤولية المدعى عليه ,وفقا لاحكام الخطأ المشترك (كما لو قبل المضرور ركوب السيارة مع علمه بأن السائق ثمل)وهي مخالفة لقانون السير الاردني الذي يمنع قيادة المركبة تحت تأثير المشروبات الروحية او المخدرات ,ويرى بعض الشراح ان رضاء المضرور بالضرر قد يصل الى حد استغراق خطأ المدعى عليه كما لو قبلت امرأة بالغة معاشرة رجل معاشرة غير مشروعة برضاها ,,فإنها لاتستطيع مطالبته بتعويض ما؟؟
-ورضا المضرور بالضرر- منزلة وسطى -بين إرادته وتوقعه (علمه)إلحاق الضرر بنفسه ولكنه لايريده, و يقع ذلك في المبارزة الرياضية فكل من المتبارزين قد رضي مثلا أن يضرب أو يجرح, ولكنه لا يريد لنفسه الضرر وقد يعلم المضرور بالضرر ولكنه لا يرضى به , فمن اشترك في احدى الالعاب الرياضية يعلم بما عسى ان ينجم من ضرر عن هذه اللعبة, ولكن لايمكن القول بأنه رضي بهذا الضرر الابقدر ماتنطوي عليه اللعبة في العادة من أخطار .
– وان القضاء بالاردن ايضا اعتبر المساعدة المفاجئة او بعض التصرفات البطولية سبب لتخفيف المسؤولية عن المدعى عليه ,واعتبرته اشتراكا في الفعل .
-ولقد فرق الفقه بين رضاء المضرور بالضرر وبين علمه به فركوب زيد السيارة مع سائق يتوقع فيه الجميع ان السيارات قد تتعرض لحادث ولكن زيد لايقبل بالضرر! وعليه العلم دون القبول لايعتبر خطأ.
ولقد قررت محكمة النقض المصرية ان جلوس المضرور في مكان غير آمن ارتضاه لنفسه في السيارة القلاب ,مما ادى الى سقوطه ,رضاء منه بالمغامرة مما يجعله مشتركا بالخطأ .
المطلب الخامس -أثر اجتماع قوة قاهرة مع فعل المدعى عليه
لقد تأثر الفقه في الاردن برايين :
أ-يذهب هذا الرأي ان المسؤولية تقع كاملة على محدث الضرر إذا اشترك خطأه مع تصادف حصول قوة قاهرة وهذا ما اكدته محكمة التمييز الاردنية والقضاء الفرنسي لفترة طويلة وهي تقترب من فكرة الفقه الاسلامي ان المباشر ضامن وان لم يتعد او يتعمد ,وان الفقه الاسلامي في مواقفه الفقهية المتعددة اختلف ايضا حسب المذهب ,وأتي بمثال :أنه لو اشعل احدهم نارا وحملت ريح عاصفة جمرة لتحرق مالا لجاره ,,فأخذ رأي ان الريح مباشرة ولا ضمان ,,وأخذ رأي بأن صاحب النار يضمن ,وإن قاعدة المباشرة خرج عليها بعض الفقه بأن المباشر قد يكون مباشرا ظاهرا كمن تحمله الريح العاصفة على اخر فيقتله وهنا اعتراف بالسبب الاجنبي.
ب- ولقد ذهب رأي آخر أن تدخل واشتراك خطأ المدعى عليه مع القوة القاهرة يجب أن يقرأ مع فكرة الإستغراق و/او السبب المنتج الفعال -ولقد قررت محكمة التمييز الاردني في دعوى سيارة قامت سيارة اخرى بصدمها وجرها بقوة لتصدم سيارة ثالثة ان السيارة الاولى صحيح انها مباشرة للضرر الاانها كانت أله صماء متحركة ومدفوعة بفعل السيارة الثانية وعليه تكون السيارة الثانية هي المسؤولة عن جبر الضرر للسيارتين ,,ونحن نرفع لها القبعات لهذا الاجتهاد.
على ان اجتماع خطأ المضرور مع القوة القاهرة يطبق عليه فكرة مدى نسبة كل خطأ المتسبب بالنسبة للقوة القاهرة على ان تخصم مساهمة القوة القاهرة في حدوث الضرر ولكننا نرى انه قد تصدف حالات قد نطبق فيها فكرة الاستغراق اذا كانت القوة القاهرة هي السبب المنتج والفعال للضرر وأن خطأ المتسبب عارض.
وفي نهاية هذا المطلب لابد لنا من الاشارة إلى ان المحاكم بالاردن وكما سبق وأن ورد في متن قرارات محكمة التمييز بالهوامش السابقة قد قررت وإستقرت على أن الحكم الجزائي يعقل المدني في ما يتعلق بخطأ المدعى عليه وخصوصا إذا ماتمت الادانه ,ويصعب عليه مناقشة نسبة الخطأ لديه بعد صدور القرار الجزائي القطعي ,,وأن ذلك يعتبر عنوانا للحقيقة رغم أن الكثير من المظلومين ظاعت حقوقهم بسبب عرف محلي يقوم على إقناع المشتكى عليه بأن يعترف بالجرم –وخصوصا في مخالفات السير-وبأن يقول (بأنه مذنب)مما يضر موقفه بالدعوى المدنية في حال الخطأ المشترك .
ولقد استقر القضاء بالاردن على الإستعانه بالخبرة لهدفين :
1- تقدير نسبة خطأ كل طرف بالدعوى ومدى جسامة كل خطأ وأثره على مقدار التعويض.
2- تقدير قيمة التعويض وتوزيعه بين الطرفين حسب خطأ كل منهما .
الخاتمة
توصلنا في بحثا هذا الى تحديد الحالات التي يتم اعفاء محدث الضرر بموجبها من التعويض ,وكذلك الحالات التي يتم بموجبها الانقاص من ذلك التعويض .
ونجد ان المشرع الاردني قد انتهج منهجا تشريعيا هو الاقرب للعدالة في مثل هذه الحالات ,الا اننا لاحظنا انه وفي المادة 246من القانون المدني قد اعطى الصلاحية للمحكمة لتحديد معايير توزيع التعويض وفي ذلك عمومية يخاف منها مجافاة العدل في تطبيق القانون وقد حاولنا استعراض العديد من قرارات محكمة التمييز والتطبيقات العملية لها آملين ان نكون قد قدمنا توضيح وتبسيط لفكرة قانونية لطالما كانت شائكة على الدارسين القانونين.
التوصيات
1- وضع آلية واضحة لتوزيع الخطأ والضرر وآلية انتخاب الخبراء وتوزيع المهام بينهم ….
2- فتح مكاتب متخصصة للخبراء وفتح سجل خاص بوزارة العدل للخبراء المحلفين المتخصصين لدعاوى التعويضات من السادة القضاة السابقين واساتذة الجامعات والمحامين ورجال السير .
3- تعديل النصوص التشريعية حماية للمضرور من تشابك النصوص التي اشرنا اليها.
المراجع:
الدكتور ياسين الجبوري –شرح القانون المدني الأردني –الجزء الأول مصادر الحقوق الشخصية مصادر الالتزامات دارسة مقارنة
الدكتور عبد الرزاق السنهوري –الوسيط الجزء الأول مصادر الالتزام دار إحياء التراث ،بيروت
الدكتور سليمان مرقس –المسؤولية المدنية في تقنينات البلاد العربية –القسم الأول الأحكام العامة لسنة 1971
الدكتور محمود جلال حمزة –العمل غير المشروع باعتباره مسصدرا للالتزام –القواعد العامة –القواعد الخاصة لسنة 1985.
الدكتور أنور سلطان –مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني ط1 1987
المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني 2000 الجزء الأول
الدكتور محمد وحيد الدين سوار –النظرية العامة للالتزام –منشورات جامعة دمشق 1992-1993
الدكتور عدنان السرحان والدكتور نوري خاطر –مصادر الحقوق الشخصية مكتبة دار الثقافة ،عمان 2009
الدكتور عبد القادر الفار –مصادر الالتزام -2006دار الثقافة. مرجع عام
المحامي جمال دغمش –الفعل الضار –بحث مكتبي
الدكتور محمد المنجي –دعوى تعويض حوادث السيارات طبعة اولى93منشئة المعارف
الفهرس
رقم الصفحة الموضوع
2-4
مقدمة البحث
خطة البحث
5 مبحث تمهيدي ”
المبحث الاول
السبب الاجنبي وأثره على المسؤولية
5 المطلب الاول :
مفهوم السبب الأجنبي
6 مطلب ثاني :
حالات السبب الاجنبي قانونا
7 اثر القوة القاهرة او الحادث الفجائي
9 مطلب ثالث:
أثر تدخل السبب الاجنبي على المسؤولية
10 المبحث الثاني :
فعل المضرور كسبب من اسباب الإعفاء من المسؤولية
12 استغراق أحد الفعلين للفعل الآخر
14 رضا المضرور كسبب للاعفاء من التعويض
15 أحكام المسؤولية المشتركة
17 الضرر المتقابل
18 رضا المضرور
19 اثر اجتماع قوة قاهرة مع فعل المدعى عليه
21 الخاتمة والتوصيات
22 المراجع
23 الفهرس
دراسة عن فعل المضرور و الاثار القانونية له