المطلب الثاني : إنشاء محكمة عدل عربية:
The Establishment of an Arab Court of Justice
لم ينص “ميثاق جامعة الدول العربية” الذي تم التوقيع عليه من قبل ممثلي الدول العربية المستقلة في 22 آذار 1945، على إنشاء “محكمة عدل عربية” وذلك خلافاً لميثاق الأمم المتحدة. ولكن “ميثاق جامعة الدول العربية” تصور قيام “محكمة العدل العربية” في مادته التاسعة عشرة التي نصت على الأسباب الداعية إلى تعديله ومن ضمنها إنشاء “محكمة عدل عربية”، ولكن مثل هذا التعديل لم يتم حتى الآن رغم المحاولات العديدة لايجاد مثل هذه “المحكمة”. ومن ذلك مثلاً مشروع اللجنة المشكلة بقرار مجلس الجامعة رقم 316-د/12 وتاريخ 13/4/1950 الذي أتمته “الإدارة القانونية”، ومشروع اللجنة القانونية الدائمة للجامعة”. لعام 1964، ومشروع الدكتور مفيد شهاب الذي راجعه الدكتور حامد سلطان في 10/12/1973.( )
وبعد انتقال “جامعة الدول العربية” إلى تونس اتخذ مجلسها القرار رقم 3843 وتاريخ 28/6/1976 بشأن تطوير أساليب العمل في الجامعة وتعديل الميثاق والنظم الداخلية وبناء على هذا القرار دعا “الأمين العام للجامعة” مجموعة كبيرة من الخبراء العرب إلى ما سمي بـ “لجنة تطوير الجامعة وتعديل ميثاقها” وقد عقدت هذه اللجنة ولجانها المتفرعة عدداً من الاجتماعات في الفترة الممتدة بين الثالث والثاني عشر من شهر تشرين الثاني 1979.

وقد أفرد مشروع تعديل الميثاق المقترح للجامعة من قبل لجنة الخبراء خمس مواد لمحكمة العدل العربية، وتقوم على المبادئ التالية:
1-محكمة العدل العربية هي الهيئة القضائية الرئيسية للجامعة، وتباشر مهامها وفق النظام الأساسي الملحق بهذا الميثاق والذي يعتبر جزءاً منه.
2-يكون جميع أعضاء الجامعة أطرافاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية، ويتبلور اختصاصها الالزامي.
3-أحكام محكمة العدل العربية واجبة النفاذ.
4-لمحكمة العدل العربية المقترحة ولاية استشارية.( )
وقد عهدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى الأستاذ الدكتور محمد عزيز شكري بوضع مشروع النظام الأساسي للمحكمة لكي يعرض على لجنة الخبراء في دورتها التالية.
وكان المشروع الذي تقدم به الأستاذ الدكتور شكري في العاشر من شهر كانون الثاني 1980موضع نقاش الخبراء العرب الذين تقدموا بمشروع تبنته “الأمانة العامة للجامعة” ولا يخرج في خطوطه العريضة عن الخطوط العامة لمحكمة العدل الدولية مع محاولة لتعريبها شكلاً ومضموناً.( )

المطلب الثالث : محكمة العدل الإسلامية الدولية
تمهيد:
لم ينص “ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي” الذي أُبرم عام 1972 على إنشاء “محكمة عدل إسلامية” وذلك خلافاً لميثاق الأمم المتحدة. وبعد مضي حوالي عشر سنوات على نشأة “منظمة المؤتمر الإسلامي”، ظهرت الحاجة إلى إنشاء “محكمة عدل إسلامية”، ولذا اقترحت “الكويت” فكرة إنشاء هذه المحكمة في القمة الإسلامية الثالثة التي انعقدت في “مكة المكرمة” و”الطائف” عام 1981.( )
وصدر عن القمة الإسلامية الثالثة هذه القرار رقم (11/3-س (ق أ)، الذي يشير في ديباجته إلى أنه:
“انطلاقاً من إيمانه بقوله تعالى:
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً. (سورة النساء 59)
واستبشاراً ببداية القرن الهجري الخامس عشر، وثقة من المؤتمر بأن وجود هيئة قضائية إسلامية في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي من شأنه أن يعزز دور المنظمة ومكانتها ويسهم في تحقيق أهدافها، وإيماناً منه بأن تنقية الأجواء بين الدول الأعضاء في المنظمة هو ضرورة مُلحة من أجل تمكينها من المواجهة المشتركة لكافة الأخطار والتحديات التي يواجهها العالم الإسلامي…”

فقد قرر بناء على ذلك إنشاء المحكمة، كما تقرر الدعوة إلى عقد اجتماع لخبراء من الدول الأعضاء لوضع نظام أساسي لها.
ولما انعقدت القمة الإسلامية الخامسة في “الكويت” في كانون الثاني (يناير) 1987، كان مشروع النظام الأساسي للمحكمة ضمن جدول أعمالها، وقررت الموافقة عليه بقرارها رقم 13/5-س الذي جاء فيه أن مؤتمر القمة:
-يوافق على مشروع نظام المحكمة المعتمد على أساس الولاية الاختيارية لاحكامها.
-يقرر أيضاً إضافة فقرة رابعة “الفقرة د” للمادة الثالثة من “الميثاق” يكون نصها:
“محكمة العدل الإسلامية الدولية وتؤدي مهامها وفقاً لنظامها الأساسي الملحق بهذا الميثاق الذي يعد جزءاً متمماً له”.
ودعا القرار الدول الأعضاء إلى التصديق على نظام المحكمة وتعديل الميثاق وإيداع وثائق تصديقاتها إلى الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

تأسيس المحكمة ومقرها:
“محكمة العدل الإسلامية الدولية” هي الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، تقوم على أساس الشريعة الإسلامية، وتعمل بصفة مستقلة، وفقاً لأحكام “ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي” وأحكام “النظام الأساسي لمحكمة العدل الإسلامي الدولية” (المادة الأولى).
ويقع مقر المحكمة في مدينة الكويت، ولكن يمكن للمحكمة عند الضرورة، أن تعقد جلساتها وأن تقوم بوظائفها في أية دولة عضو في المنظمة (المادة الثانية).

الحصانات والامتيازات:
يعقد الأمين العام للمؤتمر الإسلامي مع دولة المقر اتفاقاً ينظم العلاقة بين المحكمة ودولة المقر، وتراعى فيه القواعد الدولية للحصانات والامتيازات. (المادة العاشرة (ب))
أما في الدول الأعضاء فتتمتع المحكمة وأعضاؤها وموظفوها بالحصانات والامتيازات المقررة بموجب “اتفاقية حصانات وامتيازات منظمة المؤتمر الإسلامي لعام 1976”. (المادة العاشرة(آ))
وتنعقد المحكمة في دورة مستمرة لا تنقطع إلا مدة العطلة القضائية. كما تحدد المحكمة مواعيد العطلة القضائية ومدتها (المادة الثانية عشرة).

اللغات الرسمية لنظام المحكمة:
حُرِّر النظام الأساسي لمحكمة العدل الإسلامية الدولية” باللغات الرسمية الثلاث لمنظمة المؤتمر الإسلامي وهي: العربية والانكليزية والفرنسية، وكلها متساوية في حجيتها، وعند الخلاف حول تفسير أو تطبيق “النظام” تكون اللغة العربية هي المرجع (المادة الخمسون).

تعديل نظام المحكمة:
يتم تعديل “النظام” بنفس الطريقة التي يُعدَّل بها “ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي” (المادة الثامنة والأربعون (أ))
اللائحة الداخلية للمحكمة:
تضع المحكمة لائحتها الداخلية، ويجوز أن تنص اللائحة الداخلية على خبراء بالمحكمة دون أن يكون لهم حق التصويت (المادة التاسعة عشرة).

تشكيل المحكمة واختيار القضاة:
تشكل هيئة المحكمة من سبعة قضاة ينتخبون من قبل المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية لمدة أربع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، وتقوم هيئة المحكمة بانتخاب الرئيس ونائبه من بين أعضائها (المادة الثالثة(أ)).
ويشترط لانتخاب عضو في المحكمة أن يكون مسلماً عدلاً من ذوي الصفات الخلقية العالية ومن رعايا إحدى الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، على ألا يقل عمره عن أربعين عاماً، وأن يكون من فقهاء الشريعة المشهود لهم، وله خبرة في القانون الدولي، ومؤهلاً للتعيين في أرفع مناصب الإفتاء أو القضاء في بلاده (المادة الرابعة).

الوظيفة القضائية للمحكمة:
والمقصود بذلك هو الفصل في المنازعات التي يعرضها عليها أطراف النزاع.
وقد حددت المادة الواحدة والعشرون أطراف النزاع الذين يحق لهم التقاضي أمامها كما يلي:
أ-الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي هي وحدها صاحبة الحق في التقاضي أمام المحكمة.
ب-لسائر الدول الأخرى أن تلجأ إلى المحكمة للنظر في الدعاوى التي تكون أطرافاً فيها بشروط يضعها مؤتمر وزراء الخارجية، على أن تقبل هذه الدول اختصاص المحكمة، وتعلن التزامها مسبقاً بما تصدره من أحكام في هذه الخصوص.
وفيما يتعلق بولاية المحكمة، فقد حددت المادة الخامسة والعشرون القضايا التي يجوز عرضها على المحكمة لتفصل فيها بحكم قضائي على النحو التالي:-
أ-القضايا التي تتفق الدول الأعضاء المَعْنِيّة في “منظمة المؤتمر الإسلامي” على إحالتها إليها.
ب-القضايا المنصوص على إحالتها إلى المحكمة في أية معاهدة أو اتفاقية نافذة.
حـ-تفسير معاهدة أو اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف.
د-بحث أي موضوع من موضوعات القانون الدولي.
هـ-تحقيق واقعة من الوقائع التي إذا ثبتت كانت خرقاً لالتزام دولي.
و-تحديد نوع التعويض المترتب على خرق أي التزام دولي ومدى هذا التعويض.

ثم بحثت المادة السادسة والعشرون من النظام الأساسي للمحكمة في قبول الاختصاص الإلزامي للمحكمة من قبل الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد أجازت الفقرة (أ) من هذه المادة للدول الأعضاء في المنظمة أن تصرح، دونما حاجة إلى اتفاق خاص، بأنها تقر للمحكمة بولاية جبرية للفصل في المنازعات القانونية مثل تفسير أحكام الشريعة الإسلامية وتفسير المعاهدات وموضوعات القانون الدولي، التي تنشأ بينها وبين أية دولة تقبل الالتزام نفسه، ويجوز أن يكون التصريح المشار إليه آنفاً غير مقيد، وقد تحدد الدولة نطاق هذا القبول من الناحية الزمنية كأن يسري التصريح حتى تاريخ معين يجدد بعده، أو يبدأ من تاريخ معين، كما قد تحدد النطاق الموضوعي بأن تقرر شموله لقضايا معينة أو عدم شموله لقضايا بعينها، وقد تشترط الدولة في تصريحها مبدأ المعاملة بالمثل، أو تستبعد المنازعات التي تثور مع دولة معينة، ويودع التصريح لدى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتقضي الفقرة (ب) من المادة (26) بأن تفصل المحكمة في كل نزاع يقوم حول ولايتها.

وقد حددت المادة السابعة والعشرون من “النظام الأساسي للمحكمة” القانون الواجب التطبيق من قبل المحكمة كما يلي:-
أ-الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي الذي تستند إليه المحكمة في أحكامها.
ب-تسترشد المحكمة بالقانون الدولي والاتفاقات الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف، أو العرف الدولي المعمول به، أو المبادئ العامة للقانون، أو الأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية، أو مذاهب كبار فقهاء القانون الدولي في مختلف الدول.
وفيما يتعلق بإلزامية الحكم، فقد نصت المادة الثامنة والثلاثون أنه لا يكون للحكم قوة الإلزام إلا على أطراف الدعوى وفي النزاع الذي فصل فيه.
كما قضت المادة التاسعة والثلاثون بأن يصدر الحكم قطعياً غير قابل للطعن، وعند الخلاف على مفهوم الحكم ومدى تنفيذه، تتولى المحكمة تفسيره بناء على طلب من أحد الأطراف،وفي حالة امتناع أي طرف في القضية عن تنفيذ الحكم يحال الموضوع إلى مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي.

الوظيفة الإفتائية للمحكمة:
لمحكمة العدل الإسلامية الدولية أن تفتي في المسألة القانونية غير المتعلقة بنزاع معروض عليها، وذلك بطلب من أية هيئة مخولة بذلك من قبل المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية (المادة الثانية والأربعون).
ويستفاد من هذا النص أن الدول الأعضاء لا يمكنها طلب الرأي الاستشاري من المحكمة. وقد أعطت المادة الثالثة والأربعون للدول التي تتأثر بطلب الرأي فرصة التعبير عن نفسها خلال مراحل بحث الرأي المطلوب.
وتصدر فتاوى المحكمة في جلسة علنية يُبلِّغ موعدها إلى الأمين العام وجميع الدول الأعضاء في “منظمة المؤتمر الإسلامي” وكذلك الهيئات الدولية المعنية (المادة الرابعة والأربعون(أ)).
وتسترشد المحكمة في إصدار فتاواها بما تراه صالحاً للتطبيق من أحكام النظام الأساسي لمحكمة العدل الإسلامية الدولية (المادة الخامسة والأربعون).
ومن الطبيعي أن تستند المحكمة في إصدار فتاواها إلى الشريعة الإٍسلامية ومصادر القانون الدولي المعددة في المادة 27 (ب) من النظام الأساسي للمحكمة.

الوظائف الدبلوماسية والتحكيمية للمحكمة:
يجوز لمحكمة العدل الإسلامية الدولية أن تقوم -عن طريق لجنة من الشخصيات المرموقة، أو عن طريق كبار المسؤولين في جهازها- بالوساطة والتوفيق والتحكيم في الخلافات التي قد تنشب بين عضوين أو أكثر من أعضاء “منظمة المؤتمر الإسلامي” إذا أبدت الأطراف المتنازعة رغبتها في ذلك، أو إذا طلب ذلك مؤتمر القمة الإسلامي أو المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية بتوافق الآراء. (المادة السادسة والأربعون).

نشر الأحكام والفتاوى:
يتولى مسجّل المحكمة جَمْعَ أحكام المحكمة وفتاواها وكذلك أوامرها ثم نشرها في مجموعات متتالية.
وللمحكمة تكليف مسجلها نشر أية مجموعات أخرى من أوامر ومحاضر ووثائق قدمت إليها. (المادة السابعة والأربعون).

بحث عن مشكلة المنازعات الدولية وحلولها القانونية – الجزء الثالث