بحث حول أحكام الوقف
مقدمة
صنف القانون 90-25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري الأملاك العقارية على اختلاف أنواعها ضمن الأصناف القانونية الآتية: الأملاك الوطنية، الأملاك الخاصة والأملاك الوقفية.
فالوقف نظام شرعي قائم بذاته وباب من أبواب الفقه الإسلامي يهدف إلى حبس العين على حكم الله تعالى والتصدق بثمارها على جهة من جهات البر، فهو نوع من الصدقات الجارية تنفع صاحبها بعد موته، تتظافر الجماعات في إعانة المعوزين وإقامة دور العبادة الخيرية به، فما كان ليعمر بيت المال بغير وقف.
ونظرا لاعتبار الأموال الوقفية جزء من الأملاك العقارية في الجزائر، كان من الضروري معرفة الوضعية القانونية لهذا الصنف من الملكية والأحكام التي تضبطها، كما يجب البحث في كيفية المحافظة عليها وحمايتها من جميع التجاوزات وكل أنواع الاستغلال والتصرفات المناقضة لإرادة المحبس.
ولعل عدم انسجام النصوص القانونية التي تعالجه بل وتناقضها في الكثير من الحالات مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء وقلة الكتابات لدى العديد من المؤلفين في هذا الموضوع الشائك رغم وجود ترسانة كبيرة من النصوص القانونية والتنظيمية المنظمة له وكذا الهيئات القائمة عليه، كل هذا دفعنا لمعالجة الموضوع. لذلك البحث فيه يكتسي أهمية بالغة وجملة كبيرة من الاعتبارات، لذلك اعتمدنا المنهج التحليلي الوصفي محاولين قدر الإمكان الجمع بين المعالجة النظرية الموضوعية مع استعراض أهم الأحكام الواردة في النصوص القانونية والتشريعية والتنظيمية المنظمة للأوقاف في الجزائر والهيئات القائمة عليه محاولين بذلك الإجابة على الإشكاليات القانونية التي يثيرها هذا الموضوع وتتمثل أساسا في: مفهوم الوقف وما مدى مشروعيته ثم أنواعه وخصائصه مع تحديد طبيعته القانونية وتبيان أهم الأركان التي يقوم عليها وشروط نفاذه وصولا إلى أحكامه وطرق إدارته.
الفصل الأول: ماهية الوقف
لقد تعرض فقهاء الشريعة الإسلامية الغراء إلى المقصود بالوقف وإلى فكرة خروج المال الموقوف من ذمة الواقف ودخوله في ذمة الموقوف عليهم أو بقاءه بلا مالك، لذا يجب التعرض لهذه الآراء الفقهية ثم تحديد موقف المشرع الجزائري فتعداد خصائصه لنصل إلى تمييزه عما يشابهه من التبرعات الأخرى كالوصية والهبة، محددين ذلك طبقا للأحكام الشرعية والقانونية الوضعية.
المبحث الأول: مفهوم الوقف
لإعطاء هذا العنصر حقه في الدراسة لابد من التعرض لهذا المفهوم من الجانب اللغوي، ثم معناه الاصطلاحي في الشريعة الإسلامية من خلال التعرض للآراء الفقهية المعرفة له وأخيرا معناه الاصطلاحي طبقا للقانون الوضعي.
المطلب الأول: التعريف الوقف
1- المدلول اللغوي للوقف: الوقف لغة يقابل الحبس والمنع والتسبيل فيقال وقفت الدار أو حبسها على مالكها ويقال وقفت الدابة أي حبسها على مالكها([1]).
2- المدلول الاصطلاحي للوقف: الثابت فقها أنه لم يرد تعريفا جامعا مانعا للوقف باختلاف نظرة فقهاء الشريعة إليه، حيث عرفه المذهب المالكي([2]):« حبس العين عن التصرفات التمليكية مع بقائها على ملك الواقف والتبرع اللازم بريعها على جهة من جهات البر ».
فمن خلال هذا التعريف يتضح أن المالكية لا يخرجون العين الموقوفة عن ملك الواقف بل تبقى على ملكه، لكنهم يمنعون التصرف فيها بالتصرفات الناقلة للملكية سواء بعوض أو بدون عوض، ويلزمه بالتصدق بمنفعتها ولا يجوز له الرجوع فيه([3]).
ويعرف المذهب الحنفي الوقف بأنه:« حبس العين على ملك الواقف والتصرف بمنفعتها على جهة من جهات البر في الحال أو في المآل »([4]).
فالوقف عند الأحناف لا يخرج المال المحبس عن ملك واقفه، بل يبقى في ملكه يجوز له التصرف فيه بكل أنواع التصرفات وإذا مات ينتقل إلى ورثته من بعده، وكل ما يترتب على الوقف هو التبرع بالمنفعة ويجوز الرجوع عنه في أي وقت([5]).
أما المذهب الشافعي والحنبلي فيعرفان الوقف بأنه:« حبس العين على حكم الله تعالى والتصدق بالمنفعة على جهة من جهات البر ابتداءً وانتهاءً »([6]). وأصحاب هذا الرأي يرون بأن الوقف يخرج المال الموقوف عن ملك واقفه بعد تمام الوقف ويمنعه من التصرف في العين الموقوفة، ويجعل ثمرته صدقة لازمة على الموقوف عليهم.
من خلال هذا يتضح أن فقهاء الشريعة اختلفوا في صفة التأبيد بالنسبة للأملاك الوقفية، وانطلاقا من ذلك يتأكد أن للوقف حكمين([7]):
1. حبس العين عن التملك ومنع التصرف فيها بصفة مطلقة باعتباره حق مؤبد لا يجوز الرجوع فيه أو بصفة مؤقتة ينشأ لمدة معينة.
2. صرف منفعة العين من المالك الأصلي إلى جهة من الجهات التي يبرزها، لذلك فإن الحبس يخضع لإرادة المحبس ولا يمكن إبطاله ما دام مؤسس على أحكام الفقه الإسلامي.
أما المشرع الجزائري فقد عرفه في نص المادة 213 ق.الأسرة بأنه:« حبس المال عن التملك لأي شخص على وجه التأبيد والتصدق »([8]). وورد تعريفه كذلك في نص المادة 31 من قانون 90-25 المتضمن قانون التوجيه العقاري وذلك بنصها: « الأملاك الوقفية: هي الأملاك العقارية التي حبسها مالكها بمحض إرادته ليجعل التمتع بها دائما تنتفع به جمعية خيرية أو جمعية ذات منفعة عامة سواء كان هذا التمتع فوريا أو عند وفاة الموصين الوسطاء الذين يعينهم المالك المذكور »([9]).
أما المادة 3 من قانون الأوقاف 91-10 ورد تعريفها في الشكل التالي:« الوقف هو حبس العين عن التملك على وجه التأبيد والتصدق بالمنفعة على الفقراء أو على وجه من وجوه البر والخير »([10]).
من خلال هذه المواد يتضح أن المشرع الجزائري أخرج العين الموقوفة من ملكية الواقف ولم ينقلها إلى ملكية الموقوف عليهم (م17 من قانون 91-10)، وبذلك يكون قد أخذ بالمذهب الشافعي الحنبلي وجعل من الوقف ذو طابع مؤسساتي ما دام أنه يتمتع بالشخصية المعنوية (م 5 من قانون 91-10) ([11]).
المطلب الثاني: خصائص الوقف
بالرجوع إلى قانون الأوقاف، قانون 91-10 المؤرخ في 27/04/1991 والمرسوم التنفيذي رقم 98-381 المؤرخ في 01/12/1998 المحدد لشروط إدارة الأملاك الوقفية وتسييرها وحمايتها، يتبين أن للوقف جملة من الخصائص يمكن تعدادها على الشكل التالي:
1- الوقف عقد تبرعي([12]): الوقف التزام تبرعي صادر بالإرادة المنفردة للواقف ينقل فيه حق الانتفاع بالعين الموقوفة من الواقف إلى الموقوف عليهم دون مقابل وذلك برا بهم أو ابتغاء لوجه الله.
2- الوقف حق عيني([13]): إذ لا يرد إلا على حق الملكية يكون بموجبه للموقوف عليه الانتفاع بمحل الوقف بشرط احترام إرادة الواقف، وإن كان جانب من الشراح يرى بأنه حق شخصي.
3- الوقف شخص معنوي([14]): مستقل تمام الاستقلال على الشخص المستحق له، له ممثل قانوني يتصرف باسمه ويمثله أمام القضاء وهو ناظر الوقف.
4- الأملاك الوقفية تعفى من رسوم التسجيل والضرائب([15]): وذلك لكون الوقف يعد من أعمال البر والخير، غير أن هذا الإعفاء لا يمتد بطبيعة الحال إلى رسوم التوثيق.
5- الوقف عقد شكلي([16]): إذ لابد على الواقف إفراغ وقفه في ورقة رسمية لدى الموثق طبقا للمادة 41 من قانون الأوقاف 91-10، زيادة على ذلك يجب تسجيله وشهره لدى مصلحة الشهر العقاري وفقا للنموذج المحدد من المديرية العامة للأملاك الوطنية([17]).
6- الوقف تصرف لازم لصاحبه([18]): الأصل العام عدم جواز الرجوع في الوقف، إلا أن المشرع الجزائري في المادة 15 من قانون الأوقاف أجاز له الرجوع بشرط ذكره في عقد الوقف ذاته، كما أجاز للقاضي أن يلغي أي شرط من الشروط التي يشترطها الواقف إذا كان منافيا لحكم الوقف (اللازوم) (المادة 16 من قانون الأوقاف).
7- الوقف له حماية قانونية متميزة([19]): وهذا حفاظا على حرمته، إذ الأملاك الوقفية لا تكتسب بالتقادم وغير قابلة للحجز.
8- الوقف يخول للموقوف عليه حق الانتفاع فقط([20]): وهذا ما أكدته نصي المادتين 18 و23 من قانون الأوقاف. ويلاحظ في هذا الصدد أن حق الانتفاع الممنوح للموقوف عليهم يختلف عن حق الانتفاع المتعارف عليه في القواعد العامة، ذلك أن الأول يمكن أن ينتقل إلى الورثة إذا اشترط الواقف ذلك في عقده، فيكون لزاما على ناظر الوقف احترام ذلك على عكس الثاني الذي ينتهي بموت المنتفع([21]).
غير أن هناك جانب من الفقه الإسلامي يقر بإمكانية التصرف في الأملاك الوقفية بالإبدال والاستبدال بتوافر شرطين هما([22]):
– احتفاظ الواقف بذلك في وقفه.
– حالة الضرورة.
وهذا الحكم قد سار عليه المشرع الجزائري في نص المادة 16 من قانون 91-10 المتعلق بالأوقاف التي جاء فيها: « يجوز للقاضي أن يلغي أي شرط من الشروط التي يشترطها الواقف في وقفه إذا كان منافيا لمقتضى حكم الوقف الذي هو اللزوم أو ضار بمصلحة الوقف أو بمصلحة الموقوف عليه ».
المبحث الثاني: الوقف وغيره من التبرعات
يتشابه الوقف مع العديد من التصرفات التي تدخل في مصاف التبرعات والتي أكدت عليها أحكام الشريعة الإسلامية والقانون المدني الجزائري، ومن بين هذه التبرعات الهبة والوصية، لذلك سنحاول التمييز بين هذه المفاهيم.
المطلب الأول: الوقف والهبة
تتشابه الهبة مع الوقف في حرية الواهب في هبة ما أراد من أملاك للموهوب له سواء كانت منقولة أو عقارية([23])، كما أنه يشترط في الواقف والموقوف ما يشترط في الواهب والموهوب([24]) وتختلف عنه في الأمور التالية:
أ- الهبة عقد يتم بتطابق الإيجاب والقبول بخلاف الوقف الذي ينعقد بالإرادة المنفردة للواقف، حيث القبول فيه شرط لنفاذ الوقف إذا كان خاصا، أما إذا تخلف فلا يؤدي ذلك إلى البطلان وإنما يتحول الوقف الخاص إلى عام([25]).
ب- إذا كان محل الوقف مالا مشاعا وجب قسمته وهذا ما لا نجده في الهبة حيث يجوز هبة المال المشاع دون أي قيد أو شرط([26]).
ج- إذا كانت القاعدة العامة لكلا من الوقف والهبة عدم جواز الرجوع إلا أن الاستثناءات تختلف، إذ بالنسبة للوقف يجوز للواقف التراجع ما دام حيا، بخلاف الهبة التي لا يجوز الرجوع فيها إلا في حالة واحدة وهي حالة هبة الأبوين لأبنائهما([27]).
د- للموهوب له كامل الحرية في التصرف في الشيء الموهوب بخلاف الوقف الذي يخول للموقوف عليه حق الانتفاع فقط([28]).
هـ يستمد الوقف قوته القانونية من الشخصية المعنوية التي يتمتع بها، عكس الهبة التي تستمد قوتها القانونية من أرادة الطرفين([29]).
و- تتحول الهبة في مرض الموت إلى وصية في حين لا وجود لهذا الحكم الصريح في الوقف([30]).
المطلب الثاني: الوقف والوصية
إذا كان كل من الوقف والوصية تصرفان بالإرادة المنفردة يستلزم لقيامهما توافر الأركان الثلاثة من رضى، محل، سبب والشكلية في العقارات، ضف إلى ذلك أن الوقف في مرض الموت وصية([31])، إلا أن هناك جملة من الفوارق بينهما نوجزها على النحو التالي:
أ- يجوز الرجوع في الوصية إذا ما بقي الموصي حيا، بخلاف الوقف الذي يشترط ذكره في العقد([32]).
ب- الوقف ينتج كل آثاره القانونية بمجرد توافر أركانه بخلاف الوصية التي ترتد إلى ما بعد الموت([33]).
ج- محل الوصية يجوز أن يكون مالا منقولا أو عقارا، بخلاف الوقف الذي محله عقارا، وإن كان جانب من الفقه قضى بجواز وقف المنقول استثناءً([34]).
د- للواقف أن يحبس ما شاء من أمواله بخلاف الوصية التي حددت بالثلث، وما زاد عن الثلث يتوقف على إجازة الورثة([35]).
هـ للمنتفع في الوصية كامل الحرية في التصرف في الشيء الموصى به وذلك بعد وفاة الموصي، غير أن الأمر ليس على هذا النحو في الوقف إذ يمنح للموقوف عليهم الانتفاع دون حق الرقابة([36]).
و- الوقف معفى من رسوم التسجيل والشهر العقاري بخلاف الوصية([37]).
وأخيرا الوصية تستمد قوتها من الموصي والموصى له عكس الوقف الذي يتمتع بالشخصية المعنوية، فإذا نزعت ملكية عقار من الموقوف عليه، وكان وقفه عاما لا يستحق شيئا من التعويض وإنما يدفع مبلغ التعويض إلى السلطة المكلفة بالأوقاف لشراء عقار يماثله في القيمة والمنفعة طبقا لسعر السوق، على عكس الوصية، إذ مبلغ التعويض يدفع لأقرب خزينة الدائرة في الاختصاص الإقليمي باسم الموصى له باعتباره مالك العقار في هذه الحالة.
الفصل الثاني: أركان الوقف وشروط نفاذه
لقد سبق القول أن الوقف هو تصرف لازم لصاحبه، يشترط لقيامه جملة من الأركان ينبغي على المحبس احترامها لكي يعتبر وقفه صحيحا ومنتجا لآثاره، كما أن له شروط لنفاذه حتى يحتج به في مواجهة الغير.
المبحث الأول: أركان الوقف
حددت المادة 9 من قانون 91-10 المتعلق بالأوقاف أركان الوقف وهي أربعة: صيغة الوقف، الواقف، محل الوقف، والموقوف عليه.
المطلب الأول: الصيغة والواقف
يقصد بالصيغة في عقد الوقف الإيجاب الصادر عن الواقف المعبر عن إرادته الكامنة سواء بالكتابة، اللفظ أو الإشارة تدل دلالة واضحة لا تدع مجالا للشك([38])، ولهذا يشترط في الصيغة الشروط التالية:
1- أن تكون الصيغة تامة ومنجزة([39]): أي تكون دالة دلالة تامة غير مبهمة أو غامضة، وقد تكون صيغة الواقف في وقفه مضافة لأجل، أما إذا كانت معلقة على شرط احتمالي يمكن أن يتحقق في المستقبل كما يمكن أن لا يتحقق، فإن الوقف في هذه الحالة يعتبر غير نافذ وباطل.
2- أن لا تقترن الصيغة بما يدل على التأقيت([40]):
وذلك تطبيقا لنص المادة 28 من قانون الأوقاف التي تبطل الوقف إذا كان محددا بزمن، ولعل المشرع الجزائري في حكمه هذا أخذ برأي جمهور الفقهاء وإن كان المذهب المالكي يقر بجواز الوقف لمدة معينة([41]).
3- أن لا تقترن الصيغة بشرط باطل: وهي الشروط التي تخل بأصل الوقف أو بحكمه وهي نوعان: باطلة وفاسدة.
فالشرط الباطل: كقول الواقف:« وقفت أرضي على فلان مع الاحتفاظ بحق بيعها»، أما الشرط الفاسد: كقول الواقف:« وقفت أرضي على فلان على أن يتزوج فيها».
فعند الإمام أبي حنيفة الشرط الباطل يبطل معه الوقف إلا في حالة واحدة وفي حالة وقف المسجد حيث يصح الوقف ويبطل الشرط([42]).
أما المشرع الجزائري فإنه سوّى بين الشرط الفاسد والباطل فأقر بصحة الوقف وإسقاط الشرط، ووضع شرطا آخر لإبطالها وهي أن تكون الشروط متعارضة مع أحكام الشريعة الإسلامية وهو ما أقرته المادة 29 من قانون الأوقاف([43]).
فالحكم الذي جاء به المشرع الجزائري يعد منافيا للمنطق القانوني لذلك يجب تعديل نص المادة 29 ويقرر بطلان الوقف المقترن بشرط باطل وصحة الوقف وبطلان الشرط الفاسد مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار نص المادة 16 من قانون الأوقاف.
4- مدى اقتران الصيغة بالشروط الصحيحة: يستطيع الواقف أن يضع مجموعة من الشروط في وقفه بشرط أن تتماشى مع مقاصد الشريعة الإسلامية. وحسب فقهاء الشريعة الإسلامية هناك عشر شروط صحيحة متفق عليها يمكن للواقف أن يوردها([44]):
أ- الزيادة والنقصان: للواقف أن يزيد في الاستحقاق ما شاء من حصص للمستحقين أو ينقص ما شاء عنهم.
ب- الإعطاء والحرمان: وهو إعطاء بعض المستحقين غلة الوقف كلها أو بعضها لمدة معينة أو بصفة دائمة ومنع الغلة عن البعض الآخر.
ج- الإدخال والإخراج: الإدخال جعل غير المستحق مستحقا للعين الموقوفة عكس الإخراج الذي هو جعل المستحق أصلا بالعين الموقوفة غير مستحق لها.
د- الإبدال والاستبدال: الإبدال هو إخراج العين الموقوفة مقابل عين أخرى أو مبلغ نقدي شريطة أن لا تضر بحق الموقوف عليهم أما الاستبدال هو شراء بدل ليكون محل العين الموقوفة.
هـ التغير والتبديل: وذلك بجعل وقفه خيريا أو ذريا والعكس صحيح.
ومهما كانت الشروط التي يضعها الواقف في وقفه، فإنه لا يجوز له التراجع عنها إلا في حالة ما احتفظ لنفسه بحق الرجوع حين انعقاد الوقف وهذا ما أقرته صراحة المادة 15 من قانون الأوقاف([45]).
وأخيرا إذا كانت هذه الشروط ضارة بالعين الموقوفة أو تمس بمصلحة الموقوف عليهم وجب إسقاطها بحكم قضائي أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها محل الوقف (المادة 48 من قانون الأوقاف) ([46]).
أما الواقف فيقصد به الشخص المالك الذي أنشأ بإرادته المنفردة الوقف وجعل ملكيته من بعده غير مملوكة لأحد من العباد قاصدا إنشاء حقوق عينية عليها للمستحقين خاضعا في تنظيمه لأحكام الشريعة الإسلامية([47]). وقد اشترط فيه القانون شروط نعددها في النقاط التالية:
بما أن الوقف تصرف تبرعي يشترط في صاحبه الأهلية الكاملة وهي بلوغ 19 سنة كاملة عاقلا، غير مكرها، غير مجنونا أو معتوها([48])، لكن في مقابل ذلك نلاحظ أن المشرع الجزائري أتى بحكم خاص بالجنون المنقطع حيث أقر بصحة وقفه متى أثبت أنه حدث أثناء إفاقته وجمول عقله، وهذا ما أقرته صراحة نص المادة 31 من قانون الأوقاف آخذا بالقواعد الشرعية ومخالفا المادة 42 ق.م([49]).
كما يشترط أن يكون الواقف ممن يصح ترصف في ماله غير محجور عليه بدين (م 10)، إذ يجوز لأقاربه أو من له مصلحة أو النيابة العامة، وأمام المحكمة المختصة إقليميا استصدار حكم قضائي بالحجر طبقا للمادة 107 و108 ق.أسرة، ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد أغفل إلحاق ذي الغفلة بحكم السفيه([50]).
أما بالنسبة للواقف الصادر من الواقف في مرض الموت فله أحكام خاصة به مستمدة من الشريعة الإسلامية يتوقف على حجم الدين وإجازة الورثة.
وأخيرا يجوز جمهور الفقهاء أن يكون الواقف غير مسلم، كما يجيز الفقه الحنفي أيضا الوقف على النفس([51])، وهذا ما كان معمول به في الجزائر قبل صدور قانون الأوقاف، إلا أن المشرع استبعده بصدور قانون الأوقاف مسايرا بذلك المذهب المالكي الذي لا يجيزه، وحسنا فعل المشرع لأن الوقف على النفس ثم بعد موته على أبناءه يعتبر وصية من بعض الوجوه.
المطلب الثاني: الموقوفة عليه والعين الموقوفة
الموقوف عليه هو الجهة التي ترصد لها العين الموقوفة للانتفاع بها يشترط فيه القانون الشروط التالية:
1- أن يكون معلوما وموجودا وقت الوقف: أي يكون الشخص الموقوف عليه معلوما بتحديد شخصه وقت الوقف كأن يكون شخص طبيعي وهو الجاري به في كل الأحوال وقد يكون شخصا معنويا، وهذا بنص المادة 13 من قانون الأوقاف، كما أن نص المادة 6 من نفس القانون قد أقرت صراحة أن الوقف على الشخص المعنوي هو وقف عام.
فالشخص الطبيعي إذن يتوقف استحقاقه للوقف وجوده وقبوله وإن كان جمهور الفقهاء قد أجازوا الوقف على الجنين الذي هو في بطن أمه بشرط أن يولد حيا، أما الشخص المعنوي يشترط فيه أن لا يشوبه ما يخالف الشريعة([52]).
وإن كان المشرع الجزائري لم يتطرق إلى حكم الوقف على الجنين ومدى جواز الوقف على المعتوه والمجنون والسفيه وأصحاب الولاية عليهم، فهذا السكوت هو إحالة ضمنية إلى أحكام الشريعة الإسلامية حسب ما أكدته نص المادة الثانية من قانون الأوقاف التي تنص « على غرار كل مواد هذا القانون يرجع إلى أحكام الشريعة الإسلامية في غير المنصوص عليه ».
2- يشترط في الموقوف عليه أن يكون أهلا للتملك([53]): وهو شرط يتفق فيه كل فقهاء الشريعة الإسلامية وإن اختلفوا في مدى جواز الوقف على المعدوم والمجهول، فعند الحنفية الأمر سيان، غير أنهم يبطلون وقف المسلم أو الذمي على الكنيسة لانعدام القربة فيه، أما الحنابلة والشافعية يشترطون في الموقوف عليه أن يكون أهلا للتملك وقت إنشاء الوقف مع شرط الوجود الحقيقي للواقف وهو الأمر الذي لم يأخذ به فقهاء المالكية الذين أقروا بصحة الوقف سواء على الموجود أو المعدوم أو المجهول، وسواء كان صادرا من مسلم أو غير مسلم مع عدم إلزامية الوقف على الجنين حتى يولد حيا، فإن ولد ميتا ترجع العين الموقوفة للمالك أو إلى ورثته إذا مات.
محل الوقف هي العين الموقوفة وهو كل ما يحبس عن التملك ويتصدق بمنفعته، وحتى يصح المال أن يكون وقفا اشترط المشرع الجزائري جملة من الشروط أوردها في نص المادة 11 من قانون الأوقاف، وهي كالتالي:
أ- يشترط أن يكون مالا متقوما: وبالتالي يصح أن يكون محل الوقف عقارا أو منقولا أو حتى منفعة.
ب- يشترط في محل الوقف أن يكون معلوما ومعينا تعيينا منافيا للجهالة: ويقصد بالعلم كل الصفات والتعيينات التي تجعل الوقف معينا تعيينا تاما يمنع الجهالة فيه والتي لا تؤدي إلى نزاع في استفاء حقوق الموقوف عليهم.
ج- يشترط في المال الموقوف أن يكون مفرزا: إذا كان المشرع الجزائري قد أجاز وقف المال المشاع وذلك بموجب نص المادة 216 ق.أسرة غير أنه في مقابل ذلك اشترط قسمته المادة 11 ف2 من قانون الأوقاف « يصح وقف المال المشاع وفي هذه الحالة تتعين القسمة ». وإن كانت المسألة محل خلاف بين الفقهاء.
لم يتطرق المشرع الجزائري إلى مدى جواز وقف المال المرهون والمال المنقول غير أنه تطبيقا لنص المادة 222 ق.أسرة نجد أن فقهاء الشريعة اختلفوا في تحديد جواز أو عدم جواز وقف المال المرهون، فالحنفية أجازوا وقف المال المرهون إذا وفى الراهن بالدين صح الوقف أما إذا لم يوفي به وجب إبطال الوقف حماية لحق الدائن السابق على الوقف([54])، وخالفهم في ذلك جمهور الفقهاء الذين نفوا نفيا قاطعا وقف المال المرهون إلا في حالة إجازة المدين أو الدائن([55])، فالشافعية أجازوا ذلك شريطة أن يكون المدين موسرا([56])، أما الحنابلة تشددوا في ذلك وقضوا بعدم صحة وقف العين المرهونة التي هي بيدي الدائن إلا إذا أذن به فيصح الوقف ويفسخ الرهن([57])، بينما المالكية أجمعوا بين الرأيين السابقين وأجازوا وقف العين المرهونة شريطة وجود إذن الدائن وكان المدين موسرا([58])، ويفسر سكوت المشرع الجزائري في ضبط مدى جواز وقف المال المرهون على أنه رفضا باعتبار الوقف غير قابل للتصرف وأن الرهن يعد تأمينا عينيا يمكن أن يؤدي إلى التصرف في المال الموقوف بالبيع استيفاء للدين الذي تقرر التأمين العيني ضمانا لأجله([59]).
ومن القضايا التي ما زالت إلى يومنا هذا تثير نوعا من اللبس والغموض قضية مدى جواز وقف المنقول باعتباره عرضة للتلف وبالتالي تنعدم فيه صفة التأبيد والبقاء، مسالة اختلف فيها الفقهاء فأقر الحنفية وقف المنقول إذا كان صالحا للبقاء([60]).
بالرجوع إلى النصوص القانونية المنظمة للأوقاف في الجزائر، نستشف أن التشريع الجزائري أجاز وقف المال المنقول بصراحة المادة 11 من قانون 91-10 والمادة 205 ق.أسرة ومن جهة أخرى يشترط في الوقف صفة التأبيد. إذا يبقى السؤال مطروحا حول حكم الوقف الذي يقع على المنقولات غير الصالحة للبقاء.
د- يشترط في محل الوقف أن يكون مشروعا: ما دام أن الوقف يقصد به التبرع والتصدق للتقرب من الله U، فالقاعدة المتعارف عليها عند فقهاء الشريعة الإسلامية « لا تبرع ولا صدقة بعين محرمة شرعا ».
هـ أن يكون الوقف مملوكا للواقف وقت وقفه ملكا باتا لازما: أي أن يكون المال المحبس مملوكا ملكية مطلقة للواقف.
المبحث الثاني: شروط نفاذ الوقف
في حالة توافر كل أركان الوقف وسلامتها من عيب يكون مخالفا لمقاصد الشريعة الإسلامية ينعقد الوقف صحيحا، غير أنه لا يكون نافذا في مواجهة الغير إلا منذ تاريخ تسجيله إذا تعلق بعقار أو منقول أو منافع وشهره لدى المحافظة العقارية المختصة إقليميا إذا تعلق الوقف بعقار ثم الوقوف على استحقاق الوقت.
المطلب الأول: تسجيل وشهر عقد الوقف
تطبيقا لنص المادة 44 من قانون الأوقاف، كل وقف سواء كان عقارا أو منقولا يكون خاضعا للتسجيل كقاعدة عامة وذلك أمام مفتشيات التسجيل المختصة إقليميا ولا تعفى من الرسوم إلا ما كان منها وقفا عاما، وإن كان المشرع الجزائري في تسبيبه لهذا الإعفاء كان على أساس عبارة « لكونها عملا من أعمال البر والخير ».
أما عقد الوقف الوارد على عقار، فلا يمكن الاحتجاج به في مواجهة الغير إلا عن طريق إشهاره تطبيقا لنص المادة 15 و16 من الأمر 75-74 والمادة 41 من قانون الأوقاف.
وتظهر أهمية الشهر في حماية المال الوقفي من كل أشكال التعدي، ضف إلى أنه وسيلة قانونية تمكن الدولة من بسط رقابتها، وتدعيما لذلك أكدت المادة 41 السالفة الذكر على ضرورة إحالة نسخة من عقد الوقف المشهر إلى السلطة المكلفة بالأوقاف وحددت التعليمية رقم 00287 النموذج([61]).
المطلب الثاني: استحقاق الوقف([62])
يراد بالاستحقاق الشخص الذي يثبت له الحق في المال الموقوف، ووقت الاستحقاق (الارتزاق الفعلي في غلة الوقف) يثبت للموقوف عليه وقت انعقاد الوقف صحيحا، أما عن أسس تحديده فقد حددت المادة 13 ذلك، فقد يكون التحديد بالاسم الشخصي أو بالعلامة الخارجية (الوجود وقت الوقف لا وقت الغلة) أو بالوصف، وإذا كان ممكن الزوال فالعبرة بالاستحقاق يكون وقت ظهور الغلة لا يوم الوقف.
وعموما القاعدة العامة في التحديد تكون بالألفاظ التالية([63]):
للأولاد: صلب الواقف ذكورا أو إناثا.
للقب: الذكور دون الإناث.
للقرابة: ذوي الأرحام.
الأهل: أصحاب العصبات
في سبيل الله: أصحاب السبيل، المستحقين للزكاة، جنود الله، وكل من يدخل في مقامهم.
أما عن مسألة إسقاط حق الاستحقاق، فبالرجوع إلى نص المادة 19 من قانون الأوقاف تنص « يجوز للموقوف عليه في الوقف الخاص التنازل عن حقه في المنفعة ولا يعتبر ذلك إبطالا لأصل الوقف ». وعليه أجازت المادة التنازل في منفعة الوقف وجعلت المادة 21 هذه المنفعة ضمانا للدائنين وهو أمر لا يستقيم شرعا ولا قانونا لأن الواقف دون غيره هو الذي يحدد شروط الاستحقاق ومداه ونصيب كل واحد، وعلى الموقوف عليه تنفيذ ذلك دون مناقشة، بل الأكثر من ذلك الدولة مطالبة باحترام إرادة الواقف وتجسيدها.
الفصل الثالث: أنواع الوقف وطرق البحث عنه
تطبيقا لنص المادة 31 من قانون التوجيه العقاري يتضح أن الأملاك الوقفية هي الأملاك العقارية التي حبسها مالكها بمحض إرادته ليجعل التمتع بها دائما تنتفع به جمعية خيرية أو ذات منفعة عامة سوء أكان هذا التمتع فوريا أو عند وفاة الموصين الوسطاء الذين يعينهم المالك المذكور، مما يوضح أن الوقف نوعان، كما أن نظام الأوقاف في الجزائر يمتد إلى العهد العثماني باعتباره كان يشكل ظاهرة اجتماعية إسلامية غير أن هذه المؤسسة تأثرت أثناء الاحتلال الفرنسي بسبب المحاولات العديدة لإبعاده وبعد رحيله زادت السلطة آنذاك في الاعتداء عليه من خلال الأمر 71-73 المتضمن قانون الثورة الزراعية والمرسوم 83-352 الذي يسن إجراءات إثبات التقادم المكسب وإعداد عقد الشهرة المتضمن الاعتراف بالملكية([64]).
وبسبب هذه الوضعية وبسبب العدد الكبير جدا للأملاك الوقفية في الجزائر والتي تقدر بحوالي 2600 ملك وحسب تكثيف طرق البحث عن الأملاك الوقفية([65]).
المبحث الأول: أنواع الوقف
تطبيقا لنص المادة 6 من قانون 91-10 المؤرخ في 27 أفريل 1991 يتضح أن الوقف نوعان: وقفا عاما وآخر خاصا.
المطلب الأول: الوقف العام([66])
الوقف العام هو ما حبس على جهات خيرية من وقت إنشائه ويخصص ريعه للمساهمة في سبيل الخيرات وهو قسمان:
• وقف يحدد فيه مصرف معين لريعه، فيسمى وقفا عاما محدد الجهة ولا يصح صرفه على غيره من وجوه الخير إلا إذا استنفد.
• وقف لا يعرف فيه وجه الخير الذي أراده الواقف، فيسمى وقفا عاما غير محدد الجهة ويصرف ريعه في نشر العلم وتشجيع البحث فيه وفي سبيل الخيرات.
ولقد حصرت المادة 8 من قانون الأوقاف 91-10 الأملاك الوقفية العامة، غير أن هذا التعداد جاء عاما مطلق العنان جامعا غير مانعا.
المطلب الثاني: الوقف الخاص
وهو ما يحبسه الواقف على عقبة من الذكور والإناث أو على أشخاص معينين ثم يؤول إلى الجهة التي يعينها الواقف بعد انقطاع الموقوف عليهم([67]). ولقد كان يستعمل في الماضي القريب كذريعة لحرمان الإناث من حق الإرث وهو ما سهل من انتشار ظاهرة الأوقاف الخاصة على العقب من الذكور دون الإناث وإن كان هذا يعتبر من الناحية الشرعية ظلما وتحايلا على نظام المواريث لما فيه من تشبيه بأهل الكفر([68]) لقوله تعالى: ﴿ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ﴾[الأنعام:139].
وهناك العديد من الفقهاء وحتى شراح القانون ممن يقرون بعدم شرعية الوقف الخاص لماله من مخالفات ثابتة لتعاليم الدين خاصة إذا تعلق بعقبة الذكور فقط، وهناك فريق آخر يقول أن تعدد العقب في الوقف من ذكور وإناث سوف يجعل لا محالة نصيب المستخدمين ضئيلا مما يؤدي إلى إهماله([69]). أما المشرع الجزائري فنص على ضرورة الأخذ بالوقف الخاص بصراحة نص المادة 6 من قانون 91-10 وإن كان أورده على سبيل الجواز في يد الواقف دون أن يضبطه بشرط عدم جواز تفضيل الذكور على الإناث أو الإضرار بالورثة تطبيقا للقاعدة الإسلامية « درء المفاسد أولى من جلب المصالح ».
كما وضع المشرع الجزائري شرطا لصحة الوقف الخاص وهو قبول الموقوف عليهم حسب ما أكده في نص المادة 7 من قانون الأملاك الأوقاف.
المبحث الثاني: طرق البحث عن الأملاك الوقفية
من أجل تكثيف البحث عن الأملاك الوقفية أصدرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف سلسلة من المذكرات والمناشير:
• مذكرة رقم 35 المؤرخة في 23/10/1994 المتعلقة بكيفية البحث عن الأملاك الوقفية.
• منشور رقم 56 مؤرخ في 5/8/1996 المتعلق توسيع الاهتمام بالأملاك الوقفية.
• مراسلة رقم 175-98 المؤرخة في 25/8/1998 المتضمنة تسهيل عملية البحث عن الأوقاف.
وبالرجوع إليها يمكن حصر هذه الطرق في نوعين:
المطلب الأول: الأرشيف([70])
يوجد قسم هام جدا من الأرشيف يساعد في البحث عن هذه الأملاك الوقفية سواء بالنسبة لأرشيف الدول لتي احتلت الجزائر كتركيا وفرنسا أو الأرشيف الوطني.
المطلب الثاني: المصالح المعنية([71])
ومنها مصالح أملاك الدولة والمحافظات العقارية حيث السجلات القديمة لشهر الممتلكات زاخرة بهذه الأملاك، كما قام وزير الداخلية والجماعات المحلية بإصدار مراسلة رقم 175-98 إلى محافظة الجزائر الكبرى وجميع الولاة قصد تسهيل البحث عن الأوقاف ووثائقها، كما قامت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بإصدار إعلان يوم 22/8/1998 بالجرائد الوطنية التمست فيه من جميع الجهات المعنية مراجعة مصالح الوزارة قبل إجراء أية معاملة عقارية وخاصة مع أراضي المجهول، كما يجب الاتصال بمصالح وزارة الفلاحة لأن مجموعة كبيرة من الأرضي الفلاحية الوقفية قد تم تأميمها بموجب قانون الثورة الزراعية، وفي هذا الصدد صدرت المذكرة رقم 35 عن وزارة الشؤون الدينية والمذكرة الوزارية المشتركة بين وزارة الشؤون الدينية ووزارة الفلاحة بتاريخ 11/1/1992.
الفصل الرابع: تسوية الأملاك الوقفية
لقد تعرضت الأراضي الموقوفة إلى عدة انتهاكات من طرف الخواص والمؤسسات العمومية، وذلك بسبب الفراغ القانوني الموجود غداة الاستقلال([72])، وبعد فشل قانون الثورة الزراعية وصدور دستور جديد سنة 1989 المعدل والمتمم سنة 1996 والذي نص في المادة 52 منه على حماية الأملاك الوقفية والاعتراف بها، أصبح من الضروري تحرير الأوقاف من كل يد وضعت عليها، ولهذا السبب بادرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى التكفل بالمسألة فنص في قانون الأوقاف في المادة 38 منه على ضرورة استرجاع هذه الأملاك([73]).
المبحث الأول: استرجاع الأراضي الوقفية
بموجب المادة 38 من قانون الأوقاف، وبموجب قانون التوجيه العقاري عمد المشرع الجزائري إلى تسوية وضعية الأراضي الوقفية التي شملتها عملية التأميم سواء كانت أرض موقوفة على مؤسسة ذات مصلحة عمومية أو نفع عمومي أو موقوفة وقفا خاصا وذلك عندما لا يستغل الموقوف عليهم الأرض بصفة شخصية ومباشرة أو عندما تتجاوز الملكية الزراعية الموقوفة حدود الملكية الخاصة. واعترافا من المشرع الجزائري بالخطأ التشريعي الذي وقع فيه نص في قانون الأوقاف على حق الاسترجاع، غير أنه في مقابل ذلك حدد له شروط وإجراءات([74]).
المطلب الأول: الشروط([75])
تطبيقا لنص المادة 38 المذكورة أعلاه يتضح أن شروط الاسترجاع كالتالي:
1- ثبوت الوقف بإحدى الطرق الشرعية والقانونية: وقرينة إثبات ذلك تكون على عاتق الموقوف عليه إذا تعلق الأمر بالوقف الخاص أو الجهة المكلفة أصلا بإدارة وتسير الأملاك الوقفية في حالة انعدام الموقوف عليه الشرعي.
2- أن تكون العين سليمة وقائمة وقت طلب الاسترجاع: إذ إذا استحالت عملية الاسترجاع كأن تتحول العين الموقوفة عن طبيعتها الأصلية فتصبح عمرانية أو عرضة للضياع والاندثار، فإنه في هذه الحالة يتم التعويض عينا.
المطلب الثاني: الإجراءات([76])
متى توافر هذين الشرطين تتقدم الجهة الموقوفة عليها أو السلطة المكلفة بالأوقاف طلبا صريحا إلى الوالي المختص إقليميا مصحوب بكل الوثائق الدالة من دون التقيد بالميعاد المحدد بستة أشهر الموالية لإصدار قانون التوجيه العقاري وهذا ما أكدته المادة 40 من قانون الأوقاف. وبعد قبول الطلب تتكفل لجنة ولائية متساوية الأعضاء تضم ممثلي من مختلف الإدارات المعنية حيث تصدر قرارها بالطرق المقررة قانونا.
المبحث الثاني: آثار الاسترجاع
بالرجوع إلى المنشور الوزاري رقم 011 بتاريخ 6/1/1992 وقانون التوجيه العقاري وقانون الأوقاف يمكن أن نستخلص الآثار التالية:
المطلب الأول: زوال حق الملك([77])
من الآثار القانونية الهامة الناتجة عن قرار الاسترجاع هو زوال حق ملكية الدولة على الأراضي الموقوفة وانتقال حق الانتفاع بالأرض محل الاسترجاع إلى الموقوف عليه ابتداءً إذا كان موجودا أو إلى السلطة المكلفة بالأوقاف وذلك باعتبارها الجهة الوصية، وتتم عملية الاسترجاع دون مقابل أو تعويض للموقوف عليهم على ما فاتهم من كسب أو خسارة باعتبار أن الدولة غير مسؤولة عن أعمال السيادة والتأميم عمل سيادي بالدرجة الأولى.
المطلب الثاني: تحويل حق الانتفاع إلى إيجار([78])
حسب نص المادة 6 من الأمر 95-96 المتضمن التوجيه العقاري ينقلب حق الانتفاع للموقوف عليهم على الأراضي المسترجعة لهم إلى مستأجرين، وفي حالة عدم موافقتهم، فإنه يتم تعويضهم من قبل الدولة نقدا أو عينا حسب اختيارهم([79]).
وقد جاء المنشور الوزاري رقم 011 بحلول بين أراضي الوقف العام وأراضي الوقف الخاص منها:
• إذا فقدت الأرض طبيعتها الفلاحية أو نزعت للمنفعة العامة وجب التعويض عينا.
• يحول المستفيدون الشاغلون لمساكن أو محلات مشيدة على أراضي وقفية إلى مستأجرين.
• المنشآت والتجهيزات الثابتة المحدثة في الأراضي موضوع الاسترجاع جزء من العين الموقوفة تسوى حالات النزاع بين المستفيدين والموقوف عليهم عن طريق التراضي أو الجهات القضائية.
الفصل الخامس: تسيير الأملاك الوقفية
نظرا لطبيعة التعبدية والاجتماعية للأملاك الوقفية حظيت هذه الأخيرة بحماية خاصة بما يضمن لها حسن تسييرها وإدارتها، وإن كانت قد تضاربت المذاهب الفقهية في مسألة الولاية على الملك الوقفي ويفترض في أية جهة يؤول إليها الملك الوقفي أن تقوم برعايته واستغلاله.
المبحث الأول: إدارة الأملاك الوقفية
لقد اختلف فقهاء الشريعة الغراء في مسألة الولاية على الملك الوقفي مما يستوجب توضيح ذلك، ثم تبيان موقف التشريع الجزائري.
المطلب الأول: ولاية الملك الوقفي
أسند الإمام أبو حنيفة الولاية ابتداء للواقف ثم لمن يليه من بعده وإذا أثبت عدم وجود الخلف ومات الواقف، فإنها تسند للقاضي([80]). وهو الرأي الشبيه إلى حد كبير برأي المالكية الذين أسندوا الولاية للواقف واعتبروها غير مضرة ما لم تتعارض مع شروط الحيازة([81])، أما الشافعية فلا يقرون بثبوت الولاية للواقف إلا إذا اشترطها في عقده أو تثبت لغيره في حالة ما إذا حدد ذلك الواقف، أما إذا لم يشترط الواقف لنفسه أو لغره فإن الولاية تكون للقاضي بدون منازع([82]).
أما المشرع الجزائري فقد حصر أصحاب الولاية في الوقف بنص المادة 16 من المرسوم التنفيذي 98-381 المؤرخ في 1/12/1998 بقوله:
1. الواقف أو ما نص عليه عقد الوقف.
2. الموقوف عليهم أو من يختارهم إذا كانوا معينين محصورين راشدين.
3. ولي الموقوف عليهم إذا كانوا معينين محصورين غير راشدين.
4. كل شخص من أهل الخير والصلاح إذا كان الموقوف عليه غير معين أو غير محصور وغير راشد، ولا ولي له.
المطلب الثاني: ناظر الوقف([83])
أخذت الجزائر بفكرة التسيير المركزي واللامركزي للأملاك الوقفية فقامت بإحداث لجنة الأوقاف لدى الوزير المكلف بالشؤون الدينية أوكلت لها مهمة الإدارة والحماية على المستوى الوطني، كما اعتمدت من جهة التنظيم اللامركزي وذلك في شكل نظارة الشؤون الدينية على مستوى الولاية العامل تحت رقابة الوكيل المكلف بالأوقاف، أما عملية التسيير المباشر أوكلت إلى ناظر الوقف.
المبحث الثاني: إيجار الأملاك الوقفية
باعتبار أن مبالغ الإيجار تعتبر أحد الموارد الهامة للوقف نظمت المادة 30 من المرسوم التنفيذي 98-381 طرقه وآثاره.
المطلب الأول: طرق إيجار الأملاك الوقفية
طبقا لنص المادتين 225 و23 من المرسوم يتم الإيجار بطريقتين:
1- عن طريق المزاد([84]): يعتمد على المزايدة حتى يعطي الحق لجميع الأفراد في استئجار مثل هذا النوع من الأملاك دون استثناء، وتجرى المزايدة تحت إشراف ناظر الشؤون الدينية باعتباره المسؤول الأول ويشاركه في ذلك مجلس سبيل الخيرات، ويتم الإعلان عليه في الصحافة والطرق الأخرى المتعارف عليها قانونا وذلك قبل عشرين يوما من إجراءها، وينعقد على أساس دفتر شروط نموذجي يحدده الوزير، وتطبيقا لنص المادة 22 من المرسوم حدد السعر بإيجار المثل بعد إجراء الخبرة، وعند الضرورة يجوز تأجيره بـ4/5 إيجار المثل ويحتوي دفتر الشروط على مدة الإيجار والشروط العامة والخاصة المفروضة على المستأجر.
2- بالتراضي([85]): أقرها المشرع الجزائري في المادة 25 في حالات كاستعماله لنشر العلم أو في سبيل الخيرات ويتطلب وجود ترخيص من الوزير المكلف بعد استشارة لجنة الأوقاف وقد أحال القانون 01-07 في تنظيمه للمسألة للقانون المدني والتجاري.
المطلب الثاني: آثار إيجار الأملاك الوقفية([86])
بمجرد المصادقة على الشروط والأركان، يصبح المستأجر مدينا للملك الوقفي ويلتزم باحترام إرادة الواقف، وفي حالة وفاة المستأجر ينفسخ الإيجار قانونا ويعاد تحريره وجوبا لصالح الورثة الشرعيين للمدة المتبقية. أما إذا توفي المؤجر يعاد تحرير العقد كذلك وجوبا للمستأجر الأصلي، لكن يمكن مراجعة الشروط عند نهاية السنة أو عند تجديده، ولم يحدد المشرع إيجار الأراضي الفلاحية وأحل الأمر إلى تنظيم لاحق.
الفصل السادس: استثمار وتنمية الأملاك الوقفية
لقد حدد المشرع الجزائري تطبيقا لنص المادة 26 من قانون الأوقاف طرقا لاستغلال واستثمار وتنمية الأملاك الوقفية، وذلك إما على المستوى الداخلي وبتمويل ذاتي من طرف أشخاص طبيعية أو معنوية أو بواسطة تمويل وطني في إطار تنفيذ السياسة الوطنية للجزائر أو عن طريق تمويل خارجي في إطار تنفيذ اتفاقيات دولية مشتركة تحدد فيها الآليات والميكانيزمات الفعالة لتسيير وإدارة الأملاك الوقفية، مع العلم أن استغلال واستثمار وتنمية الأملاك الوقفية تتنوع بتنوع الملك الوقفي.
المبحث الأول: استثمار الأملاك الوقفية
تستثمر الأملاك الوقفية تبعا لطبيعة الأرض سواء كانت أرض زراعية، صالحة للبناء، مبنية أو بور.
المطلب الأول: استغلال الأراضي الوقفية الزراعية والمشجرة
لقد حدد المشرع طرق استغلال واستثمار هذا النوع من الأراضي لدافعين:
• العدد الهائل منها.
• استغلال هذه الأراضي يعد امتدادا للوظيفة الاقتصادية والاجتماعية مثلها مثل الأراضي الفلاحية([87]).
وتطبيقا لنص المادة 4 و26 مكرر1 تستغل بإحدى العقود التالية:
1- عقد المزارعة([88]): تبناه المشرع الجزائري في المادة 26 مكرر 1 حيث عرفه بأنه عقد يقصد به إعطاء الأرض للمزارع الاستغلال مقابل حصة من المحصول يتفق عليها عند إبرام العقد، ويتميز عقد المزارعة بالخصائص التالية:
• شخصية المزارع محل اعتبار.
• الأجرة حصة معينة من المحصول.
• إيجار عن طريق المشاركة في استغلال الأرض.
• طبيعة الأرض زراعية عراء أو مغروسة بالأشجار.
• تنتج محصولا زراعيا دوريا.
أما بالنسبة لانتهاء عقد المزارعة، فإنه ينتهي بانتهاء المدة المتفق عليها أو بوجود أسباب طارئة وذلك بموت المستأجر أو لحاجة المؤجر إلى الأرض أو المزارع لم يحسن زراعتها، أو عدم تمكين المستأجر من الانتفاع بها وهنا يكون المؤجر مخل بالتزاماته التعاقدية.
عقد المساقاة([89]): هي إعطاء الشجر بمختلف أنواعه وما يدخل في حكمه كالنخيل لمن يقوم بسقيه مع القيام بسائر الأعمال، وقد عرفه المشرع الجزائري في نص المادة 26 مكرر 1 بالقول:« عقد يقصد به إعطاء الشجر للاستغلال لمن يصلحها مقابل جزء معين من ثمره».
ومن الشروط الأساسية المتطلبة فيه ما يلي:
• أن يكون النخل أو الشجر معلوما عند إبرام العقد تجنبا للغرر.
• جواز المساقاة في الأصل: أخذ العامل نصيبه من الأرض والشجر معا.
• نصيب العامل في الشجر معلوما بالنصاب.
• بدل عناية الرجل العادي.
• تحمل لمالك ما على الأرض من خراج أو ضريبة.
وتنتهي المساقاة بفسخ العقد أو عجز العامل أو وفاته قبل بدأ عملية البذر، أما إذا مات العامل بعد البذر فلورثته أن ينوبوه.
المطلب الثاني: استغلال الأراضي الوقفية العاطلة
تطبيقا لنص المادة 26 مكرر 2 من القانون 01-07 يمكن استغلالها بعقد الحكر.
فالحكر حق عيني يخول للمحتكر الانتفاع بأرض موقوفة بالبناء عليها أو بالغرس أو بأي غرض آخر مقابل أجرة معينة، فالحكر هو حق متفرع عن الملكية، تكون رقبة الأرض لجهة الوقف أما الانتفاع للمحتكر([90]). فحق الحكر يختلف عن الانتفاع من عدة وجوه، فهو يكون دائما مالا عقاريا، باعتباره أنه لا يرد إلا على أرض موقوفة وهو لا ينتهي حتما بوفاة المحتكر عكس الانتفاع، ضف إلى الانتفاع أقل نطاقا من الحكر([91]). كما يختلف حق الحكر على حق المستأجر إذ أن هذا الأخير حق شخصي ولو كانت العين المؤجرة عقارا، وأخيرا كل الأحكام المتعلقة بالحكر مستمدة من الشريعة وإن كان حق غير مرغوب فيه مما جعل المشرع الجزائري يحد من انتشاره ويضيق من نطاقه([92]).
ويشترط لانعقاد عقد الحكر ما يلي([93]):
• أن تكون الأرض المحكرة أرضا موقوفة.
• وجود ضرورة أو مصلحة تدعو إلى التحكير.
• لابد من تحديد مدة الحكر في العقد ذاته.
• لابد من تحديد أجرة الحكر في العقد ذاته (دفع مبلغ يقارب قيمة الأرض الموقوفة وقت إبرام العقد).
ومن الآثار المرتبة على عقد الحكر حق المحتكر على الأرض، وكذلك ملكية ما يحدثه من بناء أو غراس ومن التزاماته الوفاء بالأجرة، جعل الأرض صالحة للاستغلال ورد كل تعد عليها، كما له أن يتصرف في حق الحكر وهذا بأي تصرف ناقل للملكية (المادة 26 مكرر 2) لكن مع مراعاة أحكام المادة 25 من قانون الأوقاف « كل تغيير يحدث بناء أو غرسا يلحق بالعين الموقوفة ويبقى الوقف قائما شرعا مهما كان نوع ذلك التغيير ». وينقضي عقد الحكر بانقضاء الأجل المحدد في العقد أو بموت المحتكر قبل عملية البناء والغرس أو زوال صفة الوقف على الأرض أو صدور قرار إداري بإنهائه، وينتهي أيضا بأسباب ترجع إلى القواعد العامة كاتحاد الذمة، هلاك الأرض أو عدم الاستعمال.
المطلب الثالث: استغلال الأرضي الوقفية المبنية أو القابلة للبناء
تطبيقا لنص المادة 26 مكرر 5، 6 من القانون 01-07 المؤرخ في 22 ماي 2001 يمكن أن تستغل بإحدى الطرق التالية:
عقد المرصد([94]): عقد يسمح بموجبه للمستأجر الأرض بالبناء فوقها مقابل استغلال إيرادات البناء، وله حق التنازل عنه باتفاق مسبق طيلة مدة استهلاك قيمة الاستثمار مع مراعاة أحكام نص المادة 25 من القانون 91-10.
عقد المقاولة([95]): أقره المشرع الجزائري في الفقرة الأولى من المادة 26 مكرر 6 من القانون 01-07 وأخضعه لأحكام المواد من 549 إلى 570 من القانون المدني.
عقد المقايضة([96]): تطبيقا للفقرة 2 من المادة 26 مكرر 6 من القانون 01-07 يمكن أن تستغل أو تستثمر الأملاك الوقفية بعقد المقايضة حيث يتم بموجبه استبدال جزء من البناء بجزء من الأرض مع مراعاة مصلحة كل من الواقف والموقوف عليه ومع مراعاة أحكام المادة 24 من القانون رقم 91-10 المتعلق بعدم إجازة تعويض العين الموقوفة أو استبدالها بملك آخر إلا في حالات محددة.
المطلب الرابع: استغلال الأراضي الوقفية المبنية المعرضة للاندثار والخراب
طبقا لنص المادة 26 مكرر 7 من لقانون رقم 01-07 يمكن أن يستغل هذا النوع من الأملاك الوقفية بإحدى الطريقتين التاليتين:
1- عقد الترميم([97]): إعادة بناء وتصليح البنايات المعرضة للخراب والاندثار وهذه العملية لا تحتاج إلى رخص صريحة إلا إذا تعلق الأمر بالواجهات الخاصة بالمحلات والسكنات وتقوم السلطة المحلية المختصة بمنحها.
2- عقد التعمير([98]): وحددته المادة 26 مكرر 7 وذلك عن طريق إعادة بناء العقارات المبنية المعرضة للخراب والاندثار.
المبحث الثاني: تنمية الأملاك الوقفية العامة
يمكن تنمية هذا النوع من الأملاك الوقفية العامة عن طريق تحويل الأموال المجمعة إلى استثمارات منتجة وذلك باستعمال مختلف أساليب التوظيف الحديثة([99]).
المطلب الأول: القرض الحسن([100])
تلجأ إليه السلطة المكلفة بالأوقاف وذلك من أجل إقراض المحتاجين قدر حاجتهم على أن يعيدوه في أجل متفق عليه (المادة 26 مكرر 10 من القانون 01-07). غير أن المشرع الجزائري لم يحدد معاييره وهذا ما قد يترك السلطة المكلفة بالأوقاف تتعسف وتستعمل طرق المحاباة في منحه.
المطلب الثاني: الودائع ذات المنافع الوقفية([101])
وهي التي تمكن صحب مبلغ المال ليس في حاجة إليه لفترة معينة من تسليمه للسلطة المكلفة بالأوقاف في شكل وديعة يسترجعها متى شاء، وتقوم بتوظيف هذه الوديعة مع ما لديها من أوقاف.
المطلب الثالث: المضاربة الوقفية([102])
وهي نوع من صيغ الاستثمار يتم بموجبها استعمال بعض ريع الوقف في التعامل المصرفي والتجاري من قبل السلطة المكلفة بالأوقاف ويكون هذا التعامل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
الفصل السابع: حماية الملاك الوقفية
امتدادا لما قيل لخصية الوقف أنه عقد تبرعي من نوع خاص، فإنه كذلك يتمتع بحماية قانونية متميزة، فارتأى المشرع وضع نصوص خاصة تقرر حمايته وهذا حفاظا على حرمته ودوره الاقتصادي والاجتماعي([103])، فبسط الحماية الثلاثية المقررة للأملاك الوطنية عليه كنوع من الحماية المدنية معززا حماية الأملاك الوقفية بحماية جزائية ذات طابع ردعي.
المبحث الأول: الحماية المدنية
إن حظر التصرف، الحجز والتقادم تسري على الأملاك الوقفية لذلك نحلل حظر التقادم والتصرف في هذه الأملاك في المطلب الأول ثم حظر القسمة الامتلاكية في المطلب الثاني.
المطلب الأول: حظر التقادم
ما دام أن الوقف ليس ملكية لأحد ويتمتع بالشخصية المعنوية فبالنتيجة لا يمكن تملكه بوضع اليد ولأن ذلك يتعارض وحبسه في أوجه البر والإحسان([104])، ومبدأ حظر التقادم المكسب يسري على الوقف العام والوقف الخاص، غير أن الغرفة العقارية للمحكمة العليا قد ذهبت في أحد قراراتها إلى عكس ذلك بقولها أن الحبس الأهلى خاضع للتقادم متى توافرت شروطه عملا بنص المادة 828 من القانون المدني حفاظا على استقرار المعاملات([105]).
المطلب الثاني: حظر القسمة الامتلاكية
لم يورد المشرع الجزائري نص خاص يسمح بقسمة أموال الحبوس، وباستقراء نصوص مواد قانون الأوقاف 5، 17، 18 نستشف أن ملكية المال الموقوف تنتقل إلى الله I، ويبقى حق الانتفاع ملكا الجهة الموقوف عليها، فلا يجوز إذن قسمة الأموال الموقوفة قسمة امتلاكية لأنها تتنافى مع أحكام الوقف الذي لا يمكن أن يكون محل تمليك أو دعوى ملكية.
أما إذا كانت القسمة استغلالية، فقد اختلف الفقهاء بشأن ذلك فيجيز الحنابلة القسمة لأنها تشكل حافزا لمن اختصوا بنصيب معين أن يعملوا على إصلاحه وتنميته شأن المالك في ملكه([106]).
أما المالكية والشافعية وبعض الحنفية، فالقسمة عندهم لا تجوز لأن ذلك يؤدي إلى ضياع المال الموقوف وإخراجه عن الغرض الذي حدده الواقف والذي يجب السهر على احترامه([107]).
المبحث الثاني: الحماية الجزائية
أقر المشرع حماية جزائية للأملاك الوقفية سواء في قانون الأوقاف الجزائري نوردها في المطلب الأول أو في قانون العقوبات نحللها في المطلب الثاني.
المطلب الأول: الحماية المقررة في قانون الأوقاف([108])
من أجل المحافظة على الأملاك الوقفية ضد أي إخفاء أو استغلال بطريقة مستترة أو تدليسية نصت المادة 36 من قانون الأوقاف:« على أنه يتعرض على شخص يقوم باستغلال ملك وقفي بطريقة مستترة أو تحايلية أو يخفي عقود وقف أو وثائقه أو مستنداته أو يزورها إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون العقوبات.
المطلب الثاني: الحماية المقررة في قانون العقوبات([109])
إن جميع النصوص الواردة في قانون العقوبات والمتعلقة بالجرائم الواقعة على عقار كالمادة 386 المتعلقة بجنحة التعدي على الملكية العقارية أو المادتين 406 و407 المتعلقتين بجنحة التخريب العمدي للعقارات يصلح تطبيقها على العقارات الموقوفة، لأن هذه النصوص تجرّم واقعة الاعتداء على العقار بغض النظر عن صنفه، وبالنتيجة يكفي لقيام الجريمة بكافة أركانها أن يتم الابتداء على عقار.
الخاتمة:
من خلال هذه الدراسة يتضح جليا أن الوقف مورد هام يؤدي منافع اجتماعية واقتصادية وثقافية كثيرة لذا يجب تنظيم طرق استغلاله واستثماره وتنميته حتى لا يكون محلا للغصب والنهب والضياع، لذا يجب إعادة التفكير في تحديد الأتاوى المفروضة على الأملاك العقارية مع ضرورة تشجيع عمليات الاستثمار وذلك بفتح المجال على مصراعيه للقدرات الوطنية وحتى الدولية وذلك من خلال الاستعانة بالتجارب التي أجرتها بعض الدول العربية.
الاشكالات القانونية للوقف
نصل في نهاية المطاف إلى استخلاص بعض الإشكالات القانونية التي توصلنا إليها من خلال هذه الدراسة والتي يمكن إجمالها في النقاط التالية:
– فيما يتعلق بتعريف الوقف الوارد في نص المادة 03 من القانون 91-10 المتعلق بالأوقاف، كان من الأجدر على المشرع الجزائري حتى يكون التعريف جامعا أن يوضح نوعي الوقف من وقف عام وخاص، وذلك بإضافة عبارة ” في الحال ” أو ” ابتداءً ” لقصد الوقف العام، وعبارة ” المآل ” أو ” انتهاءً ” لقصد الوقف الخاص في الابتداء وينتهي عاما.
– أقر المشرع الجزائري حماية جزائية للأملاك الوقفية وتشدد فيها إلى درجة عقوبة السجن المؤبد، إلا أن الغرامة المالية المفروضة على الجاني تبقى قيمتها رمزية، بالنظر إلى قيمة الأملاك الوقفية المالية والاجتماعية والتعبدية في نفس الوقت، لذلك فالمشرع مطالب بوضع أحكام خاصة منفصلة عن الجنايات والجنح المتعلقة بالأموال المبينة في قانون العقوبات.
– وقع المشرع الجزائري في تناقض صارخ مع قاعدة عدم إمكانية الأملاك الوقفية للتصرف والتي أكدتها نصوص المواد 17، 23، 18 من قانون الأوقاف، حيث أنه من جهة يقر أن حق الموقوف عليهم لا يتعدى حق الانتفاع فقط ومن جهة أخرى يقر بإمكانية التصرف، وهذا ما ورد ذكره في نص المادة 22 من قانون الأوقاف.
– من خلال نص المادة 31 من قانون الأوقاف، يتضح أن المشرع الجزائري أخذ بالقواعد الشرعية الموجودة في الفقه الإسلامي الذي أجاز تصرفات المجنون الذي جنونه متقطع لإمكانية تكليفه، ومن جهة أخرى نجده يخالف القواعد العامة الموجودة في القانون المدني، خاصة المادة 42 منه، حيث أن صفة الجنون جاءت مطلقة دون تمييز بين الجنون الكامل والمتقطع والتي نصت على أنه « لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون ».
– تنص المادة 10 ف2 من قانون الأوقاف على أنه « … أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه في ماله غير محجور عليه لسفه أو دين ». يلاحظ أن نص هذه المادة قد سقط منها حكم الشخص المغفل، فكان من الأجدر على المشرع الجزائري إلحاقه بالمادة أو إسقاط كل من حكم السفيه وذي الغفلة من المادة المذكورة أعلاه.
– لم يتطرق المشرع الجزائري إلى مسألة وقف المال المرهون والوقف الذي يقع على المنقولات غير الصالحة للبقاء.
– لم يتوسع المشرع الجزائري في الشروط المتعلقة بالموقوف عليه، مما تمخض عنه العديد من التساؤلات القانونية كحكم الوقف على الجنين.
– لم يشر المشرع الجزائري صراحة على مدى جواز الوقف على النفس، وإن كان من الأجدر توضيحه والتأكيد عليه، لما له من أهمية بالغة، باعتباره عاملا محفزا يشجع القدوم عليه.
– لم يكن المشرع الجزائري حاسما لمسألة الوقف على الذكور دون الإناث.
– بالرجوع إلى نص المادة 29 من قانون الأوقاف، نلاحظ أن المشرع الجزائري سوّى بين الشرط الباطل والشرط الفاسخ المقترن بالصيغة، فأقر بصحة الوقف وإسقاط الشرط، ويعد ذلك منافيا للمنطق القانوني، لذلك يجب تعديل نص هذه المادة، حيث يجب التمييز بين الشرطين، ويقرر بطلان الوقف المقترن بشرط باطل، أما الوقف المقترن بالشرط الفاسد فيتقرر بشأنه صحة الوقف وبطلان الشرط، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار في هذا التعديل حكم نص المادة 16 من قانون الأوقاف.
– بالنسبة إلى حالات إنهاء مهام ناظر الوقف بالإسقاط أو الإعفاء، لم يفرق المشرع الجزائري بين الآثار الإدارية المترتبة عن كل حالة على حدى، فيما إذا كانت تقتصر فقط على إنهاء المهام، أم أن هناك عقوبات إدارية لاحقة عن كل حالة.
– من حالات صدور قرار بإسقاط ناظر الوقف من مهامه: إذا أثبت أنه يضر بشؤون الملك الوقفي أو بمصلحة الموقوف عليهم، وما يلاحظ على عبارة الضرر جاءت عامة، دون أن يحدد المشرع في صلب نص القانون درجة قوته ونوعه.
كذلك، إذا تبين أن ناظر الوقف قد ارتكب جناية أو جنحة لم يحدد المشرع الجزائري نوع الجناية أو الجنحة ومكان ارتكابها، وفيما إذا كانت خارج فترة إدارته وتسييره للملك الوقفي أو بمناسبته.
– لم يحدد المشرع الجزائري عند تنظيمه لإيجار الأملاك الوقفية الطريقة التي يتم بموجبها إيجار الأراضي الوقفية الفلاحية.
– إن طرق تنمية الأملاك الوقفية طرقا كلاسيكية قديمة لا تتماشى واقتصاد السوق العقاري الجزائري.
– لم يضبط المشرع الجزائري معايير تنمية الأملاك الوقفية، مما يجعل السلطة قد تتعسف وتستعمل أسلوب المحاباة.
– لم يضبط المشرع الجزائري مسألة الأتاوى المفروضة على الأملاك الوقفية التي لا تزال تستغل بدينار رمزي رغم تغير الاقتصاد الجزائري وانخفاض قيمة الدينار.
– عم إشراك القدرات الوطنية، ولما لا الاستعانة بتجارب الدول العربية لاضطلاع الوقف بوظيفته الاقتصادية على أفضل وجه.
بحث متعمق حول أحكام الوقف في الفقه الإسلامي