المبادئ العامة للقانون

مقدمة
لكل علم من العلوم الطبيعية او الإنسانية ثوابت او بديهيات تكون بمثابة الأساس الذي تستند عليه مجمل معطيات ذلك العلم وهي نقطة انطلاق في البحث والدرس وإيجاد الحلول للإشكاليات التي يعنى بها ذلك العلم، واذا كان لعلمي الرياضيات والهندسة وغيرها من العلوم ثوابت وبديهيات فان علم القانون لا يخرج عن ذلك الإطار مع الفارق ، وعلى هذا النهج استقرت في علم القانون مجموعة من المبادئ العليا التي تستند عليها جل معطياته دونما حاجة لنص تشريعي ينص عليها. الا ان الفرق بين بديهيات القانون والعلوم الأخرى يستمد من الفرق بين طبيعة كل منهما ، ذلك ان بديهيات القانون قابلة للتطور وتحكمها عوامل النسبية ومتطلبات مواكبة الحياة المعاصرة فهي ثابتة من حيث الفكرة الأساسية ولكنه ثبات نسبي من حيث المضمون.
الفرع الاول
المقصود بالمبادئ العامة للقانون

لا يمكن حصر المباديء العامة في اطار حدود معينة ، لانها قابلة للخلق وللتطور بمرور الزمن .
ورغم إقرار جميع فقهاء القانون بالأهمية الكبرى لمبادئ القانون العامة باعتبارها تعبر عن حيوية النظام القانوني وأداة من أدوات تنميته وتطويره ، فانه لا يوجد اتفاق فقهي على تحديد المقصود منها .
ويذهب رأي الى ان المبدأ العام هو قاعدة القواعد القانونية ،بمعنى قابلته على الانطباق على قواعد قانونية أخرى بحيث تكون الأخيرة تطبيقاً للمبدأ العام ، واذا أخذنا المبدأ العام على هذا المعنى ، فإنها يصبح فكرة فنية المقصود منها وضع بناء منطقي متماسك للقواعد القانونية .
وعرفها الفقيه بيسكاتوري بأنها، مجموعة من المبادئ التي تستخدم في توجيه النظام القانوني ، من حيث تطبيقه وتنميته ، ولو لم يكن لها دقة القواعد القانونية الوضعية وانضباطها .
ونبه الفقيه ريبير الى ضرورة تحاشي تعريف المبادئ العامة للقانون ، وهو يعتقد ان المبادئ العامة يمكن التعرف عليها عندما تقع مخالفة لها ، فلئن كان من الصعب تعريف المبدأ الأساس في احترام الملكية الخاصة ، الا انه يمكن التعرف على المبدأ عند مصادرة الملكية دون مقابل وبطريقة تحكمية .
الفرع الثاني
مضمون المبادئ العامة للقانون
المبادئ القانونية ، اما ان تكون مكتوبة أو غير مكتوبة .
والمبادئ القانونية غير المكتوبة ، إنما تستقر في ذهن وضمير الجماعة ، تمليها العدالة المثلى وهي تستند الى المنطق والعقل والحدس وطبيعة الأشياء وقواعد العدالة والأخلاق ولا تحتاج الى نص يقررها ويمكن ان تستمد منها قواعد قانونية ملزمة يتعين الخضوع لها ، يعمل القاضي على الكشف عنها وتقريرها مستلهماَ اياها من روح التشريع ، فيعلنها من خلال احكامه معطياً إياها القوة الإلزامية . ومن ثم يتعين على الجميع احترامها والالتزام بها ، ويعد كل تصرف مخالف لها معيباً بعيب مخالفة القانون .
وكثيرا من مبادئ القانون العامة تحولت الى قواعد قانونية مكتوبة عندما يتبناها المشرع وهو بصدد سن التشريعات المختلفة .
ويتنوع مضمون المباديء العامة بحسب طبيعة المجال القانوني الذي تعمل فيه ، الا انه يمكن إرجاعها من حيث أساسها وجوهرها الى مبدأين أساسيين هما مبدأ الحريــة ومبدأ المســـاواة .
اولاً: المبادئ التي ترجع الى مبادئ الحرية
الحرية حق انساني اصيل ، واحترام حرية الانسان تشتق منه عقلاً ومنطقاً المبادئ التالية ولو لم يوجد نص تشريعي يقررها:
ـ مبدأ احترام الحقوق المكتسبة.
ـ مبدأ عدم رجعية القرارات الادارية .
ـ مبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص .
ـ مبدأ حرية العقيدة والإرادة .
ـ مبدأ ان الأصل براءة الذمة ، ويتفرع عنه مبدأ ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة عادلة.
ـ الملكية الخاصة والحرية الفردية مكفولتان في حدود القانون .
ـ مبدأ ان لا تقييد للحريات العامة الا بقانون .
ـ مبدأ إتاحة دعوى قضائية لكل من تضررت مصالحه نتيجة قرار اداري معيب .
ـ مبدأ خضوع كل سلطة إدارية للرقابة ، ويتفرع عنه مسؤولية اعضاء السلطة التنفيذية امام البرلمان .
ـ مبدأ حق الدفاع في المحاكمات التأديبية .
ـ مبدأ ضرورة سير المرفق العام بانتظام .
ـ مبدأ بطلان التصرفات نتيجة الإكراه .
ـ مبدأ عدم جواز الالتزامات المؤبدة .
ـ مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق .
ثانياً: المبادئ التي ترجع الى مبادئ المساواة
ـ مبدأ مساواة المواطنين امام القانون .
ـ مبدأ مساواة المواطنين في الانتفاع من المرافق العامة .
ـ مبدأ المساواة في تحمل التكاليف والأعباء العامة .
ـ مبدأ المساواة بين الجنسين في الوظائف العامة .
ـ مبدأ المساواة في الضريبة .
ـ مبدأ المساواة في مباشرة الاعمال الاقتصادية .
ـ مبدأ المساواة في المعاملة .
ـ مبدأ حق الحياة لكل فرد .
ـ مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون.
ـ مبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان .
ـ مبدأ تفوق المعاهدة الدولية على القانون الداخلي .
ـ مبدأ ان الغلط الشائع يقوم مقام القانون.(1)

الفرع الثالث
المبادئ العامة للقانون وأحكام القضاء
يرجع الفضل في كشف واستنباط المبادئ العامة للقانون الى مجلس الدولة الفرنسي من خلال ما اصدره من احكام منذا انهيار الجمهورية الثالثة وهزيمة فرنسا في الحرب العالمية الاولى وسقوط دستورها ، وما رافق ذلك من اعتداء وتجاوز على الحريات العامة ، فتدخل مجلس الدولة للذود عنها من خلال نظريته في مبادئ القانون العامة ليحلها محل الدستور ، تلك المباديء التي رأى المجلس انها استقرت في ضمير الجماعة وتبقى قائمة فيه على الرغم من سقوط النظم او الوثائق الدستورية التي تقررها.
ومن الميزات الأساسية للمبادئ العامة للقانون إنها ، حسب الأصل ، لا تستمد قوتها الإلزامية من نص تشريعي مكتوب ، وعلى هذا النحو فان مجلس الدولة الفرنسي يؤكد في كل مناسبة بان المبادئ العامة للقانون واجبة التطبيق بون حاجة لنص تشريعي يقررها.
وحسب شراح القانون ورائدهم في ذلك الأستاذ ريفيرو (RIVERO ) ومن ثم الأستاذ جينو (JEANNEAU) في رسالته ( المبادئ العامة والأحكام القضائية والإدارية) فان مجلس الدولة الفرنسي قد لجأ الى اربع طرق وهو يستنبط او يستخلص المبادئ العامة للقانون وهي :
1ـ استنباط المبدأ العام م جوهر النظام القانوني وطبيعة الأشياء ومتطلبات العدل والإنصاف.
2ـ استنباط المبدأ العام من المعتقدات الراسخة في ضميرالامة.
3ـ استنباط المبدأ العام من روح نصوص قانونية معينة.
4ـ استنباط المبدأ من خلال تعميم نصوص تتعلق بحالات جزئية محددة.
” فالقوة الذاتية للمبادئ العامة للقانون لا تحتاج لنص وذلك بهدف احترام مبدأ المشروعية، ونراه يقرر في أحد أحكامه (ان الطعن لتجاوز السلطة متاح وممكن حتى بدون نص ضد كل قرار إداري وفقاً للمبادئ العامة للقانون وذلك بهدف احترام مبدأ المشروعية)
وقد استطاع مجلس الدولة الفرنسي ان ينشئ هذا المبدأ القانوني العام بأن قام بتعميم حكم هذه النصوص المتفرقة وأعطى لهذا الحكم طابع القاعدة العامة أو المبدأ العام الذي يعمل خارج هذه النصوص ليطبقه على كل قرار يتضمنه طابع الجزاء .
أما الأستاذ فيدل فيرى بشأن المبادئ العامة إن ( المبدأ العام لا ينشأ بطريقتي الابتكار والاختراع، إنما بطريق الاكتشاف بواسطة القاضي … ويأخذ كمثال مبدأ احترام حقوق الدفاع فهو حس وجهة نظره ( يتولد عن طريق الملاحظة ، من خلال نصوص عديدة تشريعية ولائحية تقرر حقوق الدفاع في فروض محددة. يجب ان نفترض ان هذه النصوص ليست سوى تطبيق على هذه الحالة أو تلك لمبدأ عام يمثل مصدرها جميعا ) . ويرى د. محمد رفعت عبد الوهاب انه ( يتمثل هذا الأسلوب في تعميم أحد الحلول أو أحد القواعد الجزئية التي قررتها نصوص متفرقة في حالات خاصة).
ومن احكام مجلس الدولة الفرنسي بشأن مبدأ حق الدفاع، ما جاء في حكمه بتاريخ 19 حزيران 1903 الذي عمم فيه حق الدفاع ، حيث قضى المجلس بأنه :
( إذا كان من سلطة رئيس الدولة إحالة الضباط غير الجنرالات إلى التقاعد بعد قضائهم ثلاثين عاماً في الخدمة فانه لا يستطيع أن يؤسس قراره على أسباب لها طابع العقوبة دون أن يسمح لصاحب العلاقة قبل اتخاذ القرار بتقديم كافة أوجه دفاعه )
ومعنى ذلك انه ليس للسلطة المختصة ان تعاقب فرداً إلا بعد اطلاعه على المخالفات المسندة اليه، وتمكينه من تحضير وسائل دفاعه . وحق الدفاع في هذا المجال هو حق أصيل أي ان لكل فرد ان يتمسك به ولو لم يوجد نص يخوله إياه . وينبني على ذلك ان الإخلال بحق الدفاع من شأنه ان يبطل إجراءات المحاكمة وبالتالي القرار المترتب عليه، لما يستتبعه من إهدار ضمانات الدفاع .
وكذلك حكمه في قضية أستاذ الفلسفة السنيور تيري، فقد عزله مجلس ليل الأكاديمي، وبعد تقديم استئنافه الثاني أمام المجلس الأعلى للتعليم العام أخطر السيد تيري رئيس المجلس انه يعالج في مصحة وان الأطباء منعوه من الحركة ، الا ان المجلس رفض تأجيل الجلسة رغم العذر القانوني على أساس ان الوقائع الثابتة تكفي لتبرير حكم أول درجة دون أي تغيير .
الا ان مجلس الدولة الفرنسي نقض الحكم وجاء في حيثيات النقض ان المجلس الأعلى قد حكم من دون ان يستمع للسنيور تيري من جديد.
وبتاريخ 26 تشرين أول سنة 1945 قرر مجلس الدولة وجوب احترام قرارات التطهير لمقتضيات مبدأ حقوق الدفاع ومما جاء فيه ( ينتج من المبادئ العامة للقانون الواجبة التطبيق حتى بدون نص أن أي جزاء لا يمكن أن يصدر مشروعاً بدون أن تعطى الفرصة لصاحب الشأن بتقديم أوجه دفاعه بصورة كاملة).
والجدير بالذكر انه في عـام 1905 ، واثناء مناقشة النواب الفرنسيون للترفيعات والعقوبات التأديبية في الادارات الفرنسية المدنية والعسكرية ، اكتشف النواب ان اضابير الموظفين وضباط الجيش تتضمن إشارة للاراء السياسية والمعتقدات ، ومن ذلك ان وزير الحرب الفرنسي يعتمد في نظام ادارته تصنيفين في بطاقتين إحداهما تخص ذوي السيرة الحسنة والأخرى تخص ذوي السيرة السيئة حسب وجهة نظره المبنية على أراء ومعتقدات الضباط.ولم يكن للمصنفين في البطاقة السيئة اية آمال بالترقية بل كانت تفرض عليهم إجراءات تأديبية في الغالب.
واعتبر ذلك فضيحة للحكومة التي واجهت النقد من الشعب ومن الأحزاب السياسية، فاقترح احد النواب نصاً لمنع تكرار ذلك مستقبلاً الذي أصبح فيما بعد نص المادة 65 من قانون 22 نيسان 1905. التي نصت على انه ( كل الموظفين المدنيين والعسكريين وكل المستخدمين والعمال في جميع الإدارات العامة لهم الحق الاطلاع الشخصي والسري على كل الأوراق والوثائق التي يتكون منها ملفهم قبل اتخاذ إجراء تأديبي ضدهم).
وللقضاء الإداري دور بارز في ترسيخ مبادئ القانون العامة التي أعلنها في العديد من إحكامه ، ومما جاء في حكم للمحكمة الإدارية العليا في مصر ( انه وان كانت نصوص القوانين الخاصة بالتأديب لا تشتمل على أحكام تفصيلية لسير الدعاوى التأديبية ونظام المحاكمات والشرائط التي تتوافر في الهيئات التي تتولى الفصل، إلا انه ليس معنى ذلك ان الأمر يجري فيها بغير أصول وضوابط، بل يجب استلهام هذه الضوابط وتقريرها في كنف قاعدة أساسية كلية، تصدر عنها، وتستقي منها الجزئيات والتفاصيل، وهي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان لذوي الشأن).
ومن المبادئ المستقرة في احكام محكمة القضاء الإداري المصري انها تقضي دائماً بوجوب توفر الضمانات الأساسية في الإجراءات القضائية والتأديبية على حد سواء .
أي انه ليس للسلطات المختصة ان تعاقب موظفاً إلا بعد اطلاعه على المخالفات المسندة اليه، وتمكينه من تحضير وسائل دفاعه . وحق الدفاع في هذا المجال هو حق أصيل أي ان لكل فرد ان يتمسك به ولو لم يوجد نص يخوله إياه . وينبني على ذلك ان الإخلال بحق الدفاع من شأنه ان يبطل إجراءات التحقيق والمحاكمة .
وجاء في حكما اخر لها ( إذا بان ان التحقيق الذي قام عليه القرار المطعون فيه، لم يسمع فيه دفاع المدعى بعد توجيه تهم محددة اليه، فأخل بذلك بأهم الضمانات الواجب توافرها في المحاكمة الموظفين لدى توقيع الجزاءات عليهم، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه الذي قام على مثل هذا التحقيق الذي أهدرت فيه تلك الضمانات الأساسية وهي عدم الإخلال بحق الدفاع توفيره للموظف قبل توقيع هذا الجزاء الشديد عليه ….) .
ويذهب مجلس شورى الدولة اللبناني في حكم له الى انه ( ان عدم تبليغ أحد الفرقاء أمر وصول أوراق مطلوبة من إحدى وزارات الدولة، فلم يتح له إمكانية الاطلاع عليها وممارسة حق الدفاع العائد لها، يشكل سبباً من أسباب إعادة المحاكمة، لأن إجراء معاملة التبليغ هذه التي يتوقف عليها حق الدفاع هو من المراسم الجوهرية المقررة للتحقيق والواجب مراعاتها.
كما وقضى بأن ( المحاكمة التأديبية إنما وجدت لتمحيص جميع مستندات الملف ومناقشتها ومناقشة الوسائل التي يدلي بها المحال على التأديب واستماع الشهود بحال وجودهم ومواجهة الواحد مع الآخر عند الاقتضاء وتمكين المحال من مناقشتهم وكل ذلك يتصل بحق الدفاع الذي أقرته المبادئ العامة وكرسته القوانين الوضعية).
وبصدد احترام مبدأ احترام الحقوق المكتسبة جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 124 لسنة 1988( المباشرة بتنفيذ رخصة البناء دون مخالفة مضمونها يمنع السلطة من اخضاع الترخيص لأي تغيير أو تعديل في شروطه.)
وبنفس المعنى ما جاء في قراره رقم 127 لسنة 1987ان ( قرار الإدارة بسحب الترخيص بعد انقضاء مهلة الشهرين على صدوره مستوجب الإبطال لمخالفته مبدأ الحقوق المكتسبة.) وجاء في حيثيات القرار (… وبما أنه اذا كان قرار تمديد الترخيص رقم 10/86 تاريخ 7/11/1985 قانوني فكان على المستدعى ضدها أن تعمد الى سحبه ضمن مهلة الشهر التالية لصدوره، وطالما أنها لم تفعل فقد نتج عن القرار المذكور حقا مكان المستدعي باستكمال شروط الترخيص بالإنشاء لغاية انتهاء المدة المحددة في قرار التمديد المذكور التي تنتهي في 7/11/1986.وبما أن القرار المطعون فيه، بإلغائه قراري الترخيص والتمديد قبل انقضاء المدة القانونية المحددة لاستكمال شروط الترخيص، يكون مخالفا للقضاء ومستوجبا الإبطال .)
وجاء في قراره رقم 131 لسنة1992 ( اذا كان الترخيص للمؤسسة المصنفة او عدمه متروك لتقدير الإدارة، فعدم فتح المجال لصاحب الحق المكتسب بتصحيح وضعه في مهلة معينة مخالف للقانون.وبما أنَّ منح الترخيص أو رفضه بإنشاء مؤسسة مصنفة هو من اختصاص الإدارة الاستنسابي (التقديري) تمارسه تحت رقابة هذا المجلس القضائية.
وبما أنَّه لا يقفل محل مصنف إلا بعد إنذار صاحب الحق المكتسب بالاستثمار بوجوب تلافي المحاذير والتقيد بالشروط القانونية وإعطائه مهلة لذلك يمكن الإدارة بعد انقضائها أنَّ تعمد الى إقفال المحل المصنف إذا لم يزل صاحب الحق بالاستثمار المحاذير ولم يتقيد بالشروط القانونية.
وبما أنَّه إذا كان الترخيص أو عدمه متروك لاستنساب الإدارة تمارسه تحت رقابة هذا المجلس القضائية فعدم فتح المجال لصاحب الحق المكتسب بتصحيح وضعه وتجهيز مؤسسته بحيث يصبح إنتاجها مطابقاً للشروط القانونية المفروضة لهذا الإنتاج هو مخالف للقانون.
وبما أنَّ قراري المحافظ رقم 180 ورقم 187 بإقفال مؤسسات المستدعين دون إمهالهم لتسوية أوضاعهم ورفض وزارة الاقتصاد طلبهم تعديل ترخيص تمهيداً لتسوية هذه الاوضاع تكون مخالفة للقانون ومستوجبة الإبطال. لذلك.)
وبصدد عدم جواز رجعية القرارات الادارية جاء في قراره رقم 136 لسنة 1987 ( عدم جواز تضمين المرسوم الاشتراعي مفعولا رجعيا ما لم تفوض السلطة المشترعة صراحة بذلك. وبما انه اذا كان في الأصل ووفق المبادئ العامة لا تطبق القوانين بمفعول رجعي ما لم تحتوي أحكاما صريحة أو ضمنية على ذلك. كما أنه لا يجوز أن ينص المرسوم الاشتراعي على مفعول رجعي له ما لم تفوض السلطة المشترعة صراحة بذلك – وهذا التفويض لم يحصل بموجب القانون ….. فسخ القرار المستأنف والحكم مجددا بتصديق التكليف المعترض عليه وتضمين المستأنف ضده الرسوم والمصاريف القانونية ).
وفي قرار مهم تقرر فيه اقرار الحق لصاحبته رغم مرور مهلة المراجعة المقررة قانوناً وقد استند المجلس في قراره الى مبدأ مساواة المواطنين امام القانون ، باعتبار ان هذا المجلس قد أصدر عدة قرارات عائدة لموظفي هم في وضع مشابه لوضعها، حسبما جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 152 في27/5/1992
وملخص القضية ان المستدعية الأكاديمية اللبنانية وتخرجت منها حاملة شهادة جامعية، وانه وعرضت شهادتها على لجنة المعادلات التي قررت أنَّ شهادتها هي شهادة جامعية رسمية، وانه كان على وزارة التربية أنَّ تصنفها برتبة وراتب أستاذ تعليم ثانوي في الدرجة الاخيرة ، وجاء في حيثيات القرار (أن رفض الإدارة تصحيح وضعها مخالف لنص المادة 44 المشار اليها ومشوب بعيب تجاوز حد السلطة فيقتضي إبطال قرار الرفض وإعلان حقها بالتصنيف وفاقاً لأحكام هذه المادة. 2- أنَّه يقتضي تصحيح وضع المستدعية على أساس مبدأ المساواة، باعتبار ان هذا المجلس قد أصدر عدة قرارات عائدة لموظفي هم في وضع مشابه لوضعها، وأن مبدأ المساواة واجب التطبيق حتى بالنسبة لمن انقضت مهل المراجعة بحقهم.)

ومن القرات المهمة لمجلس شورى الدولة اللبناني ، ماجاء بصدد اغفال القانون الجديد الاشارة الى الاحكام الانتقالية بالنسبة للحالات التي اكتملت في ظل القانون القديم الا ان الاجراءات الادارية لم تكتمل الا بعد نفاذ القانون الجديد ، جاء في قراره رقم 129 لسنة 1986انه ( بالنسبة للمستدعي في انه بعد ان انهى دروسه الثانوية اختار كمهنة له التحاليل الطبية وبدأ دروسه للحصول على الشهادات والخبرات التي يفرضها القانون الذي كان مرعي الاجراء في ذلك الوقت، وهو قانون مزاولة المهن الطبية الصادر بتاريخ 26/12/1946، واتم تلك الدروس والخبرات، واصبح بوضع قانوني يؤهله لقطف ثمار جهوده والحصول على اجازة فتح مختبر طبي في ظل القانون ذاته، فاذا بقانون جديد، هو قانون تنظيم المختبرات الطبية الخاصة، يصبح ساري المفعول ويعدل الشروط الواجب توفرها في طلب الحصول على اجازة لفتح مختبر طبي. وبالنسبة للادارة في ان المستدعي لم يكمل تقديم المستند الذي يثبت انه يحمل شهادة البكالوريا – القسم الثاني أو ما يعادلها الا بتاريخ لاحق لدخول قانون تنظيم المختبرات الطبية الخاصة حيز التنفيذ وان الإدارة وجدت نفسها بالتاريخ الذي كان مفروضاً ان تتخذ فيه قرارها في شأن طلب المستدعي امام احكام القانون الجديد الذي يفرض في طالب الحصول على إجازة لفتح مختبر طبي شروطاً جديدة غير متوفرة في المستدعي. وبما ان المشترع (المشرع) يأخذ عادة هذه الحالات بعين الاعتبار ويلحظ صراحة في القوانين التي يتخذها أحكاما انتقالية تسمح، خلافاً لقاعدة شمولية مفعول القوانين الجديدة، باستمرار خضوع بعض الأوضاع أو النتائج المترتبة عليها لأحكام القانون السابق الملغى أو المعدل صراحة أو ضمناً، وذلك كلما كان الأمر يتعلق بتحقيق النتائج المفروض ترتبها عن الأوضاع التي استكملت مقوماتها في ظل القانون السابق وكان بين تلك الاوضاع والنتائج المترتبة عنها ارتباط وثيق يجعل منها وحدة غير قابلة للتجزئة. وبما ان عدم لحظ قانون 17/1/1979 صراحة، احكاماً انتقالية للحالات المماثلة التي يمكن ان تنشأ بسبب صدورها لا يعني بشكل اكيد ان المشترع اراد عن قصد عدم رعاية تلك الحالات باحكام انتقالية خاصة تسمح بتحقيق النتائج المترتبة عنها، لا بل ان العكس هو المفترض، أي ان المشترع يقر ضمناً اعتماد مثل هذه الاحكام، لانه لا يعقل ان يطلب مثلاً من طالب قضى السنوات الطوال في دراسة الطب وفق منهاج يقرره قانون معين ويولي من يستكمله حق الاشتراك بامتحان الكولوكيوم لممارسة مهنة الطب، ان يقضي مجدداً سنوات عديدة في دراسة الطب وفق منهاج جديد لمجرد صدور قانون جديد يفرض هذا المنهاج كشرط للاشتراك في امتحان الكولوكيوم.
يراجع في هذا الشأن: Roubier, Le Droit Transitoire, Conflit des lois dans le temps, 2em ed. p. 351 . وبما ان المستدعي استكمل كما هو ثابت من اوراق الملف، في ظل قانون سنة 1946، مقومات الوضع الذي يؤهله للحصول على اجازة فتح مختبر طبي، بما في ذلك شهادة نهاية الدروس الثانوية التي نالها سنة 1968 والتي اعتبرت معادلة للقسم الثاني من شهادة البكالوريا اللبنانية بموجب قرار لجنة المعادلات ذي المفعول اعلاه، فانه يكون من حقه وفقاً للمبدأ الآنف الذكر ان يستفيد من النتائج المترتبة عن هذا الوضع والمرتبطة به ارتباطاً وثيقاً والمتمثلة بالحصول على اجازة فتح مختبر طبي وفق احكام قانون سنة 1946 وفي الحدود التي يفرضها هذا القانون وبما ان كل ما ادلى به خلاف ذلك يكون في غير محله القانوني ويقتضي معه رد جميع الاسباب والمطالب الزائدة والمخالفة.,….. يقرر المجلس بالاجماع …. ابطال قرار وزارة الصحة الضمني موضوع المراجعة، والقول بحق المستدعي استناداً لما تقدم بالحصول على اجازة فتح مختبر طبي وفاقاً لاحكام قانون سنة 1946 وفي الحدود التي يفرضها هذا القانون ورد المطالب الزائدة والمخالفة.)
……………..
الهوامش:
1ـ الغلط الشائع يقوم مقام القانون ، مبدأ قانوني مهم وراسخ تاريخياً ، متفرع من نظرية الاوضاع الظاهرة ،التي تستند الى مبدأ امن واستقرار المعاملات في المجتمع ، فاذا شاعت فكرة مغلوطة بين الناس وترتب عليها نشوء قواعد سار عليها افراد المجتمع ونظموا شؤونهم ومصالحهم على اساسها فانها تصبح كالقاعدة القانونية ، فان جاء احدهم وخرج على تلك القاعدة ، استحق الجزاء المترتب على مخالفة القانون ولا يقبل منه احتجاجه بانها قاعدة مغلوطة. ومن تطبيقات ذلك ما نصت عليه المادة (384) مدني عراقي ، من اعتبار الوفاء للدائن الظاهر مبرئاً لذمة المدين ، واعتبار تصرفات الوارث الظاهر صحيحة ونافذة في مواجهة الوارث الحقيقي ،فاذا وضع شخص يده على تركة متوفي باعتباره وارثاً وتصرف باموال التركة للاخرين حسني النية باليع او الاياراو الاعارة ، ثم تبين انه ليس بوارث ،في هذه الحالة تبقى التصرفات التي اجراها صحيحة الا ان للوارث الحقيقي الرجوع عليه، ومن تطبيقات حماية الوضع الظاهر قاعدة ( الحيازة في المنقول سند الملكية ).

ـ ـ ـ ـ ـ
بغداد في 24/2/2009
المصادر:
ـ د. مالك دوهان الحسن،المدخل لدراسة القانون،ج1،بغداد.
ـ د. عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية ،ج1،القانون.
ـ د. عبد المجيد الحكيم ، الوسيط في نظرية العقد ،ج1، في انعقاد العقد،1968.
ـ د. سمير تناغو، النظرية العامة للقانون،1973.
ـ د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية ،1976 .
ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني العدد الرابع سنة 1989.
ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني العدد السادس سنة 1991 و1992.
ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني العدد الرابع سنة 1989.
ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني العدد الثالث سنة 1987 – 1988.
ـ د. محمد أحمد رفعت ،المبادئ العامة للقانون كمصدر للمشروعية في القانون الإداري،القاهرة،الدار الجامعية للطباعة والنشر.
ـ د. عبد المجيد الحكيم ، الوسيط في نظرية العقد ،ج1، في انعقاد العقد،1968، 18ـ ـ د. سمير تناغو، النظرية العامة للقانون،1973.
ـ د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، 1976.

اعادة نشر بواسطة لويرزبوك

بحث و دراسة قانونية حول المبادئ العامة للقانون