بحث عن الحماية القانونية للأموال العامة

المقدمة

الحماية القانونية للأموال العامة في الدولة يعتبر من أهم الموضوعات التي تعمل على تحسين وتطوير الكيان الاقتصادي الإداري في الدولة.كما ان وظيفة الدولة الحديثة والمعاصرة ودورها في حياة المجتمع يختلفان عن وظيفتها ودورها في الماضي، فالدولة الحديثة لم تعد وظيفتها ودورها مقصورة على حفظ النظام العام فقط بل تعدت الى المساهمة في النشاط الاقتصادي ومشاركة الأفراد في ممارسة هذا النشاط باوجة عديدة ومختلفة.
تحتاج الدول أموال لكي يسهل على لمرافق الإدارية في الدول السير بانتظام لكي تحقق الصالح العام وخدمه الدولة والافراد0
فالمال العام هو الوسيلة لتحقيق الغرض بالشكل الدقيق 0
لذلك فان حماية الأموال العامة قانونا هي من اسما واهم الوسائل التي تحافظ
على استمرارية ود يمومه المرافق الاداريه في خدمه الصالح العام 0
وتبرز أهميه حماية الأموال ألعامه التي أولت التشريعات ألحديثه أهتمامآ خاصا بها ووضعت لها قواعد ونصوص مؤمن بقائها وتحقيق الغرض المقصود منها،الآن حماية هذه الأموال هي حماية الاقتصاد ألدوله وتجارتها0
ولا أدل على ضرورة الحماية القانونية للأموال العامة في اتجاه المشرع الدستوري المعاصر في كثير من الدول نحو تشديد إجراءات حماية المال العام
والتأكد على ضرورة المحافظة عليها وحسن استغلالها صونا لها من الضياع
والتبدد، لذلك اتجه التطور نحو جعل حماية المال العام ترتقي إلى مرتبة النص الدستوري، وان هذا الاتجاه قد جاء بة القانون العراقي المشرع العراقي قد نص على الحماية القانونية في صلب الدستور السابق الصادر في تموز 1970 المادة 12،15 وقانون أدارة الدولة للمرحلة الانتقالية في المادة( 16)
ويمكن القول بأنة قد اعتمدت في منهج البحث على تبيان منهج مقارن بالقوانين الأخرى ، وكذلك اعتمد على مناهج ليست حديثة عض الشيء وذلك لعدم وجود تطور في الاقتصاد العراقي وفي النظرية العامة الاقتصادية . كما أن مصادر هذا الموضوع مصادر نادرة وذلك لأنة لاوجود لتشريع خاص لحماية الأموال العامة أو أموال الدولة أو أموال الإدارة لذلك فأنها مبعثرة وموزعة بين مواد مختلفة في القانون الدستوري والقانون المدني والقانون الجنائي.
وسوف يكون بحثنا في هذا الموضوع مقسما إلى تمهيد مبينا عن حماية الأموال العامة تاريخا وبشكل موجز، وعن حماية الأموال العامة في الشريعة الإسلامية. ويقسم بعد ذلك الموضوع إلى مبحثين يتضمن ، الأول عن ماهية المال العام ويتضمن الثاني الحماية القانونية للأموال العامة مبينا فيه صور الحماية القانونية الثلاث الدستورية والمدنية والجنائية، تعقبها قائمة تبين بعض التوصيات مع التكلم عن مستقبل الحماية في العراق

تمهيد

ان الحماية القانونية للأموال العامة لها أصلها التاريخي حيث أن بعض الشرائع القديمة مثل شريعة حمو رابي والقانون الروماني قد عرفت التفريق بين نوعين من الأموال وأنها قد شددت عقوبة جرائم الاعتداء التي تقع على المال العام مما يدل على وجود حماية المال العام في تلك الشرائع.
وقد عرفت الشريعة الإسلامية المال العام ورتبت له الحماية اللازمة من أي تهديد ذلك أنة مال عام لجميع المسلمين ، وقد عرف المال العام في الشريعة بأنة (كل ما ثبت علية يد المسلمين في بلادهم، ولم يتعين مالكة بل هو للمسلمين جميعا).كما عرف بأنة( المال الذي لايدخل في الملك الفردي وإنما هو المصلحة العموم ومنافعهم)
فالإسلام اقر الملكية الجماعية واعترف بها بالنسبة الى الأشياء المشتركة التي تستدعيها حاجة الأمة. فقد جعل ملكية بعض الأشياء الأساسية عامة لان الأمة تحتاج إلية
ويتضح مما تقدم أن الشريعة الإسلامية أقرت مبدأ المساواة بين الناس في الانتفاع بالأموال العامة

المبحث الاول: ماهية المال العام

لكي تتمكن الإدارة من تسير مرافقها المختلفة وأداء واجباتها المتعددة فأنها تحتاج إلى أموال منقولة وغير منقولة لتنفق على اوجة أنشطتها المختلفة او لتستهلكها لهذا الغرض وهذه الأموال هي مايطلق عليها الأموال العامة أو أموال الدولة.
ومن اجل التعرف بدقة على مفهوم المال العام وتحديد نطاق الحماية المقررة له،لابد من تعريف المال العام وتحديد نطاقه وانواعة والمعيار الذي يميزه عن المال الخاص للدولة.
لذلك سوف نقسم هذا البحث الى مطلبين، نتناول في المطلب الأول تعريف المال العام ونطاقه وانواعة وهو بدورة ينقسم إلى ثلاث فروع يتناول الفرع الأول منة تعريف المال العام والفرع الثاني نطاق المال العام والفرع الثالث انواع المال العام، أما المطلب الثاني فسوف نبين فيه معيار الأموال العامة من الأموال الخاصة بشيء من الإيجاز

المطلب الاول: التعريف بالمال العام ونطاقة وانواعة

تعتبر الأموال العامة الوسيلة المادية التي تستعين بها الإدارة لأداء وظيفتها في تقديم الخدمات للجمهور ، في حين يمثل الموظفون الوسيلة البشرية .وتعددت عناصر المال العام وانقسمت محتوياته إلى عدة تقسيمات تتباين في هذا المطلب إلى تعريف المال العام ونطاقه وتحديد انواعة في ثلاث فروع متتالية.

الفرع الاول: تعريف بالمال العام

لكي يمكن أن نعرف المال العام بشكل دقيق لابد في البدء من التطرق بإيجاز لتعريف المال العام وتقسيماته بالنظر إلى مالكة نميز بين كل أنوع من أنواع وتحديد المقصود بة ، فالمال (0لغة) يعرف بأنة (ما ملكته من كل شيء) ( واصطلاحا) عرف بأنة ( كل شيء نافع للإنسان يصح أن يستأثر بة دون غيرة ويكون محلا للحقوق)
وفي هذا المجال يقول الأستاذ حسن كيره( أن مدلول المال يصدق على كل حق ذي قيمة مالية ،فكما يعد الحق العيني أصليا كان أو تبعيا مالا ، وقد عرف القانون المدني العراقي المال بأنة ( هو كل حق له قيمة مادية)
فالمال هو حق والحق هو السلطة أو ميزة يخولها القانون للشخص فيكون له بمقتضاه أن يقوم بأعمال معينة أذن المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان حقا أم عينا أم حقا من الحقوق الأدبية أو الفنية أو الصناعية.

وتقسيم الأموال إلى تقسيمات عديدة وما يهمنا منها هو تقسيم الأموال الى أموال عامة وخاصة بالنظر إلى مالكها وعلى الأخص المال العام لأنة موضوع بحثنا

فقد عرف المال العام بأنة (المال المملوك للدولة سواء كان مملوكا ملكية عامة تمارس علية الدولة سلطتها بصفتها صاحبة السلطة العامة، أو مملوكا لها ملكية خاصة ويخضع لقواعد القانون الخاص.
كما عرف بأنة( مجموعة من الأموال التي تعود إلى السلطة العامة) ويمكن أن نعرف المال العام بأنة( مجموعة الأموال المملوكة للدولة أو الأشخاص المعنوية العامة الأخرى). ويمكن أن نلاحظ على تعار يف الأموال مايلي:
• أن تعار يف الأموال العامة جميعها تشترط في المال العام أن يكون عائدا للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة لكي يعد مالا عاما
• تتوجه اغلب التعريفات نحو اشتراط تخصيص المال للمنفعة.
لذلك يمكننا مما تقدم أن نعرف الأموال العامة (الدومين العام) بأنها (الأموال المنقولة والثابتة المملوكة للدولة أو الأشخاص المعنوية العامة والتي تخصص للمنفعة العامة). نرى أن هذا التعريف يأخذ بالأدلة الراجحة فقها تبين الآراء المختلفة تجاه بعض المسائل المتعلقة بالمال العام

الفرع الثاني: نطاق المال العام

نشأت النظرية التقليدية للأموال العامة في فرنسا في القرن التاسع عشر حيث بدا التميز بين نوعين من الأموال المملوكة للدولة هي الأموال العامة والأموال الخاصة بعد أن أصبحت ممتلكات التاج ممتلكات الأمة في أعقاب الثورة الفرنسية.
وكان هذا التمييز بين الأموال العامة والخاصة للإدارة من بنات أفكار الفقه الفرنسي الذي ميز بين شروحاتة وتعليقاته على المواد (538) وما بعدها من القانون المدني الفرنسي بين الأموال العامة المخصصة للانتفاع العام وبين أموال الدولة الخاصة. وقد انتقلت فكرة التميز بين نوعين من أموال الدولة إلى الفقه الإداري العربي واخذ بها المشرع في بعض الأقطار العربية ومنها العراق ومصر.
فبالنسبة للقانون المصري فقد تضمنت المادة 87 من تقنينه المدني على ان:

  • 1. تعتبر أموالا عامة،العقارات والمنقولات التي للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص.
  • 2. وهذه الأموال لايجوز التصرف بها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم وقد تبنى المشرع العراقي في القانون المدني معيار تخصيص المال المملوك للدولة أو الأشخاص المعنوية العامة بالفعل أو بمقتضى القانون لتحديد نطاق الأموال العامة وتميزها من غيرها من أنواع الملكية للأخرى سواء كانت للإدارة أو للأفراد.

فقد نصت المادة (71) من القانون العراقي على مايلي:

  • 1. تعد أموالا عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة التي تكون لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون. أما الفقرة الثانية من هذا القانون فقد تضمن قواعد الحماية المقررة للأموال العامة.
  • 2. وهذه الأموال لايجوز التصرف بها او الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.
    أما المادة (72) من القانون المدني العراقي فقد بين كيفية أن تفقد الأموال العامة صفاتها. تفقد الأموال العامة صفاتها بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة وينتهي التخصيص بمقتضى القانون أو بالفعل أو بانتهاء الغرض الذي من أجلة خصصت تلك الأموال للمنفعة العامة.
    لذلك فأنة لغرض تحديد الأموال العامة تحديدا صحيحا فأنة ينبغي على الفقه هجر وترك التقليدية بين الأموال العامة والأموال الخاصة للدولة ويقترح تسميتها أموال الدولة مهما كانت طريقة الانتفاع بها وهي تشمل جميع ممتلكات الأشخاص المعنوية والقطاع الاشتراكي سواء كان لصالح الأفراد أو لتسيير الدولة أو الأشخاص المعنوية الأخرى,

الفرع الثالث: أنواع المال العام

اختلف الفقه في طرق تصنيف الأموال العامة.فذهب البعض إلى تصنيفها وفق للشخص العام المالك للمال(الدولة –المحافظة-البلدية) وذهب آخرون على أساس نوع المال إلى (بري –بحري- نهري –جوي) وقسمها البعض وفقا للغرض (حربي-ديني –خيري-جماهيري) وقسمها البعض إلى بحسب طبيعتها إلى أموال (طبيعية –صناعية- منقولة) وأكثر هذه التقسيمات وأفضلها شمولا بجميع أنواع المال العام هو تقسيماتها النوعية إلى (بري-بحري-نهري-جوي)

اولآ: المال العام البري: وشمل جميع الأموال المتعلقة بمرافق النقل والموصلات البرية كالطرق والشوارع فضلا عن مرافق توزيع المياه والكهرباء والغاز والمتاحف، المال العسكري لذلك فأنها تقسم إلى:
1. أموال عامة مدنية: وهي الأكثر شيوعا إذ تتضمن جميع الأموال ذات الصبغة المدنية فتشمل مرافق النقل البري كافة كالطرق العامة والسكك الحديدية وغيرها. وتشمل كل الأموال العقارية والمنقولة التي تخصص للمنفعة العامة كالمتاحف.
2. أموال عامة عسكرية: تعد وظيفة الدفاع من أهم الوظائف في الدولة، لذلك فان كل الأموال التي تستخدم في هذا المرفق تعد من الأموال العامة، وتشمل المنشات الحربية كافة بما تحتوي من تجهيزات وملحقات واستحكامات عسكرية وملحقاتها كافة.

ثانيا: المال البحري: ويشمل شواطئ البحار والمستنقعات والبحيرات المالحة والامتداد القاري والمنشاة الضرورية للملاحة البحرية ( الفنار-والمنار) وغيرها.

ثالثا: المال العام النهري: ويشما الأنهار وفروعها ومجاري المياه القابلة للملاحة ابتدءا من النقطة القابلة للملاحة إلى البحر والقنوات والموانئ النهرية ويتحدد هذا الخط من خلال تحديد متوسط مستوى النهر إثناء مدة طويلة من الزمن،ولا يؤخذ بنظر الاعتبار السنين التي تكون فيها العلو والانخفاض استثناءا، ويمكن القول أن المال العام النهري أما أن يكون طبيعيا كالأنهر وأما أن يكون صناعيا كالمصارف والمرافئ والأرصفة والمباني والجسور اللازمة للانتفاع بالنهر.

رابعا: المال العام الجوي: ويشمل كل توابع ارض الضرورية للحركة الجوية والمطارات والسيطرة على الملاحة الجوية أما فيما يتعلق بالفضاء الجوي، فيشمل الفضاء الجوي بعلو إقليم الدولة بالقدر الذي تصل إلية وسائلها الدفاعية.
وقد نص القانون المدني العراقي وفق المادة(71) أن المشرع العراقي قد توجه نحو النص على قاعدة هامة ضمنها المعيار المميز للمال العام، ولم يورد أمثلة لما يعد من الأموال العامة لان ذلك التعداد والأمثلة تؤدي إلى الوقوع في الخطأ أذا ما أخطا المشرع في التعبير ( وهذا ما وقع به ونقد علية القانون الفرنسي والقانون المصري القديم) الأمر الذي يؤدي إلى التزام القاضي بالأخذ بهذا الخطأ

المطلب الثاني: معيار التميز بين الأموال العامة والخاصة

أن الآراء الفقهية قد تباينت حول تحديد معيار معين لتميز الأموال العامة من الأموال الخاصة وتراوحت الآراء بين التطبيق لنطاق هذه الأموال أو توسيعها وتباينت التشريعات حول هذا الموضوع فبالنسبة للقانون الفرنسي لم يمرر المشرع الفرنسي معيارا واضحا يمكن الاستناد إلية لتميز الأموال العامة عن الأموال الخاصة وقد انعكس ذلك على القضاء الفرنسي تجاه هذه المسالة إذ كانت المحاكم سواء العادية منها أو الإدارية تكتفي بإبراز الصفات المتوافرة من كل حالة من دون أن تحدد معيارا عاما يمكن تطبيقه في جميع الحالات. وقد اعتمد المشرع الأردني في هذا المعيار في المادة (60) والقانون الليبي في المادة(87) مدني والسوري المادة(90) والسوداني المادة (70) واليمني المادة (120) أما فيما يتعلق بموقف المشرع العراقي فقد حسم معيار التخصيص بالمنفعة العامة للتميز بين الأموال العامة والخاصة وفق المادة (71) من القانون المدني العراقي الصادر سنة1951 وبذلك يكون المشرع قد اخذ بالمعيار السائد في الفقه الجديد وهو معيار التخصيص للمنفعة العامة
ويكون المال عاما أذا تحقق فيه شرطان:

1. أن يكون هذا المال مملوكا للدولة أو احد أشخاص القانون العام
2. أن يكون مخصصا لمنفعة عامة

ويرى جانب من الفقه الإداري العراقي أن المقصود بتخصيص المال للمنفعة العامة هو أن يكون المال مخصصا لخدمة الجمهور مباشرة كالطرق والجسور العامة والكتب في المكتبات أو مخصصة لخدمة مرفق عام كالمدارس والمحاكم العسكرية

المبحث الثاني: الحماية القانونية للأموال العامة

الأموال العامة كما سبق القول أموال مخصصة للمنفعة العامة وتخصيصها لهذا الغرض يقتضي أفرادها بأحكام خاصة تكفل حمايتها من كل اعتداء قانوني أو مادي يمكن أن يعطل تحقيق الغرض منها
ويضفي المشرع في مختلف دول العالم حماية خاصة للأموال العامة نظرا لكونها تعم لنفع المجتمع . كله ويتوقف على حمايتها وصيانتها استمرار عمل المرافق العامة بشكل منتظم لخدمة جمهور المواطنين. وتعدد صور الحماية فمنها ماورد في القانون المدني ومنها ما تضمنه قانون العقوبات ومنها ماورد في صلب الدستور وهذا متضمنة المشرع العراقي حيث جعل الحماية واجبة على الدولة وأفراد الشعب وسوف نبين هذه الحماية في ثلاث مطالب أولها الحماية الدستورية للأموال العامة والمطلب الثاني الحماية المدنية والمطلب الثالث سوف يخصص عن الحماية الجنائية أو الجزائية للمال العام موضحين موقف المشرع العراقي من صور الحماية الثلاث

المطلب الأول: الحماية الدستورية للأموال العامة

لقد أدى تزايد أقدام الدولة على ممارسة النشاط الاقتصادي إلى اتجاه اغلب الدساتير المعاصرة نحو تخصيص فصل خاص على التنظيم الاقتصادي والاجتماعي للدولة، ويحتوي هذا التنظيم على القواعد التي تنظم الأموال العامة من حيث أنواعها وأهدافها وسبل حمايتها وأصبح من المألوف أن ندون الدساتير الحديثة في ديباجتها أو في صلب نصوصها المبادئ التي قوم عليها اقتصاد الدولة ولما ظهرت النظم الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي سابقا وغيرة من البلدان الاشتراكية ظهر الاهتمام بالأموال العامة باعتبارها القاعدة الأساسية من النظام الاقتصادي لتلك الدولة.

والأموال العامة هي أموال مخصصة للمنفعة العامة وتخصيصها لهذا الغرض يقتضي أفرادها بأحكام خاصة تكفل حمايتها من كل اعتداء قانوني أو مادي يمكن أن يعطل تحقيق الغرض منها. وما من شك في اتجاه المشرع الدستوري في الدولة ذات النظام الاشتراكي نحو توفير الحماية الدستورية للأموال العامة وقد وجد له مكانا بارزا على صعيد الدساتير العراقية ويلاحظ أن المشرع العراقي قد نص على توفير الحماية الدستورية في دستور عام 1964 الذي نصت مادته الحادية عشر على أن (للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب) على كل مواطن باعتبارها مصدر الرفاهية للشعب وقوة للوطن وقد تضمن دستور عام 1968 في المادة (16) على (أن للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب)

المطلب الثاني: الحماية المدينة للأموال العامة

القانون المدني باعتباره احد المصادر التي يستقي منها القانون الإداري ، وان الأموال العامة هي أموال تؤدي بالوصفة الأساسية للإدارة وهو تحقيق المنفعة العامة من خلال المرافق العامة الإدارية التي يتم تحويلها الأساسي من الأموال العامة
وان الإدارة أو السلطة التنفيذية تقوم بأعمالها في الإدارة الذي يتعلق بالأعمال الإدارية. وهي التي تتعلق بإدارة المرافق العامة في الدولة وان السلطة التنفيذية من متعلقاتها الوظيفية الإدارية هو الجزء الذي يتعلق بالأموال العامة للدولة وكذلك الأموال المملوكة لها ملكية خاصة وان القانون المدني يبين النظام القانوني الذي تخضع له هذه الأموال سواء من حيث التملك أو الانتفاع.
أي انه القانون الإداري يبين الأموال العامة والنظام القانوني لها وكيفية أدارتها والانتفاع بها إلى غير ذلك ويستقي القانون الإداري تلك الحماية والنظام القانوني للأموال العامة من القانون المدني باعتباره احد مصادر القانون الإداري

اولآ: عدم جواز التصرف في المال العام

من أهم مظاهر حماية الأموال العامة عدم جواز التصرف فيها، وهذه الميزة في المال العام نتيجة حتمية لازمة للقول بتخصيصه للمنفعة العامة ، آذ بدونها لايتحقق للانتفاع العام بالأموال العامة مايجب له من الثبات واستمرار فيمتنع تبعا لذلك على جهة الإدارة أن تنقل مالا عاما إلى ذمة احد الأفراد او إلى أشخاص القانون الخاص بشكل عام ،سواء ببدل أو بدونه الأبعد أن تجرده من صفته العامة.

ويعتبر هذا المبدأ في الواقع قيد واردا على حق الإدارة في التصرف في المال العام ،ابتغى المشرع فيه المشرع أن يكفل للانتفاع العام للأموال العامة ويجب له من ثبات واستقرار وهي وسيلة وقائية تحول دون التعدي على المال العام
ويعتبر هذا المبدأ في فرنسا من خلق الفقه والقضاء ،حيث لم يشر المشرع إلية فهو لذلك يجري مجرى المبادئ العامة التي تحكم الأموال العامة في الفقه والقضاء

ويقصد بهذا أخراج المال العام عن دائرة التعامل القانوني بحكم القانون، ومن ثم لايجوز للشخص الإداري نقل ملكية المال العام إلى احد الأفراد أو إحدى الهيئات والاكان تصرفه باطلا بطلانا مطلقا لتعلقه بالنظام العام. وقد نصت المادة (87) في الفقرة الثانية من القانون المدني المصري على هذا المبدأ ضمن مباىء او مظاهر الحماية المدنية للأموال العامة. وقد اقر القضاء الإداري في مصر حق الإدارة في التصرف بالمال العام أذا انطوى تصرفها على بنية تجريده من صفة العمومية فيه.

أما بالنسبة للقانون المدني العراقي فقد نص على هذا المبدأ في الفقرة الثانية من المادة (71) من القانون المدني العراقي (وهذه الأموال لايجوز التصرف بها) والنص على هذا المبدأ هو ضمان بقاء هذه الأموال في حوزة الإدارة وعدم خروجها من ذمتها إلى ذمة الأفراد أو الأشخاص القانون الخاص تحقيقا لأوجه المنفعة العامة المخصصة لها المال العام لذلك فان كل ما يؤدي إلى خروج المال العام من ذمة الإدارة الى ذمة الأفراد إلى تعطيل اوجة الانتفاع بالمال العام ويعرض المصلحة العامة للخطر.

ولكن إذ ما أرادت الإدارة التصرف في المال العام أو أجراء بعض التصرفات بالمال العام ينبغي لها أن تسلك احد الحالات التالية:
1. لجؤ الإدارة إلى التصرفات بالأموال العامة عن طريق تجريدها من صفة العمومية وأنها تخصيص المال العام على النفع العام أما عن طريق القانون أو بالفعل وهذا ما أشارت إلية الفقرة (ب) من المادة (71) من القانون المدني العراقي

ثانيا: عدم جواز الحجز على الاموال العامة.

عدم جواز الحجز على المال العام يراد به منع اتخاذ طرق التنفيذ الجبري بجميع صورة على هذه الأموال، فالهدف من الحجز على المال هو تمكين الدائن من استيفاء ماله بذمة المالك من دين بعد بيع مال المدين جبرا أذا امتنع هذا الأخير عن الوفاء، والإدارة إذ ترتب عليها دين أو التزام للأفراد فأنها يفترض فيها الملاءة أو ترتيب حقوق عينية عليها برهنها رهنا حيازيا أو تأمينيا.
ويعتبر هذا المبدأ نتيجة منطقية للمبدأ السابق ، فمتى تقدر أنة لايجوز التصرف في المال العام بما يتعارض مع تخصيصه للمنفعة العامة وجب القول كذلك بأنة لايجوز الحجز على المال العام

أما بالنسبة للقانون العراقي فقد نصت المادة (71 من القانون المدني العراقي…أو الحجز عليها او….) مشيرا الى انه الاموال العامة ولايمكن الحجز عليها أو رهنها ، أي لايمكن حجزها حجزا أو رهنا تأمينيا أو حيازيا.
وقد اشترطت المادة (1290) من القانون المدني العراقي أن يكون العقار المرهون رهنا تأمينيا مما يمكن التعامل أو يصح التعامل فيه أو بيعه وقد أوردت المادة 1328 من نفس القانون محكما مماثلا بالنسبة للراهن الحيازي وحيث أن الأموال العامة مما لايصح التعامل فيها أو بيعها بنص المادة (71) من القانون المدني العراقي ، فلا يجوز لذلك أن تكون محلا لتلك الحقوق ، والحكمة من هذا الحظر ظاهرة، فان الغاية من هذه الحقوق لتمييز أصحابها عن غيرهم من الدائبين عند بيع الأموال المحملة بها، وهذا الغرض غير محقق في الأموال العامة.

ثالثا: عدم جواز اكتساب المال العام بالتقادم

يراد بهذا المبدأ أن للاستناد الى وضع اليد على الأموال العامة مهما طالت مدته لايجدي في الادعاء باكتساب ملكيتها ، ويلاحظ أن هذا المبدأ يكون مقصورا على الإدارة وحدها فلا يجوز لغيرها التمسك به لأنة لايشرع الاالمصلحة الإدارة وحدها فلا يجوز لغيرها الاحتجاج به من اجل تمكينها باعتبارها صاحبة الولاية على المال العام من صيانة تخصيص هذه الأموال للنفع العام
وسيتبع ذلك أن حيازة المال العام لاتصلح سببا لقبول دعوى وضع اليد في نظر القانون لأنها ليست الاصيانة عارضة لاتحميها دعاوي وضع اليد كما أن أكمال هذا المبدأ موقوت بتخصيص المال للمنفعة العامة

ومن ثم ، لايجوز تملك هذا المال العام بالتقادم الااذا أزال تخصيصه . للنفع العام، اذ بانتهاء هذا التخصيص ، يدخل في نطاق المال الخاص ويأخذ بالتالي حكمة، وعندئذ يجوز تملكه بالتقادم المكسب للملكية متى توافرت شرائطه القانونية.
وهذه القاعدة تعد أهم وسيلة مقررة لحماية المال العام لأنها تضع علاجا ناجحا ضد أي اعتداء محتمل على المال العام. فللإدارة استرداد المال العام من يد الفرد مهما طالت مدة وضع يده علية وليس له الاحتجاج على الإدارة بدعوى تملكه للمال العام بالتقادم المكسب للملكية بموجب قواعد القانون المدني او بدعوى الحيازة في المنقول سند الملكية إذ كان المال من الأموال المنقولة . ويعتبر هذا المبدأ نتيجة حتمية لمبدأ عدم جواز التصرف، فما دامت للأموال العامة لايجوز التصرف فيها بنقل ملكيتها إلى الغير ، فأنة لايجوز كذلك ومن باب أولى اكتساب ملكيتها بالتقادم. وقد أكد هذا المبدأ في القانون العراقي بالإضافة إلى المادة 71 من القانون المدني في فقرته (ب)، قانون أصلاح النظام القانوني رقم 35 لسنة 1977 ، حيث أشار هذا القانون إلى وجوب التأكيد على خطر تملك الأموال العامة عن طريق الاستيلاء أو التقادم، وخطر تملك الأفراد مصادر للطاقة كمصادر المياه أو أعمال الري، ويلاحظ أن الحكم الذي اورتة المادة 71 من القانون المدني بشان عدم جواز تملك المال العام بالتقادم يقتصر أثرة على الأموال المملوكة ملكية عامة فقط دون أمولها الخاصة ، بمعنى أن أموال الدولة الخاصة يجوز اكتساب ملكيتها بالتقادم.

والواقع أن التوسع الحاصل في نطاق الملكية العامة يستلزم جعل خطر التملك بالتقادم شاملا لجميع أموال الدولة، وأموال القطاع الاشتراكي مادخل منها في الدومين الخاص، مما يقتضي ضرورة كفالة قدر مناسب من الحماية لهذه الأموال بخطر تملكها بالتقادم من اجل تمكنها من أداء وظيفتها الاقتصادية.
وقد أشار إلى ذلك المشرع المصري في هذا الخصوص حيث جعل هذا المبدأ شاملا في التطبيق على جميع أموال الدولة العامة منها والخاصة وخول الوزير المختص حق أزاله التعدي الواقع بشأنها أداريا، أي بطريقة التنفيذ المباشر دون حاجة بالالتجاء إلى القضاء.
ونرى أن حماية أموال الدولة وأموال القطاع الاشتراكي يقتضي للأخذ بهذا الحكم، وبمقتضاه لايجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو القطاع الاشتراكي أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم.

المطلب الثالث: الحماية الجنائية للأموال العامة

يقصد بحماية المال العام عن طريق التشريع الجنائي، تلك التي تقررها التشريعات الجنائية عن طرق التعدي المادي من جانب الأفراد على المال العام ، وما يتبع ذلك من توقيع عقوبات جنائية في حالة وقوع التعدي.
وقد تناولت التشريعات المختلفة موضوع الحماية الجنائية في قوانينها المتعددة وذلك لضرورة حماية الأموال العامة جنائيا ولوضع عقوبات جزائية على الأفراد الذين يقومون بهذا الاعتداء على الأموال العامة وتخريبها. فقد تناول المشرع الفرنسي (المشروع الجنائي) جرائم العدوان على المال العام في المواد (166-176) من المبحث الثاني في الفصل الرابع من قانون العقوبات، الذي يحمل عنوان “الجرائم المخلة بالشرف والجنايات والجنح التي يرتكبها الموظفون العموميون أثناء تأدية وظائفهم.
اما المشرع الجنائي المصري فقد تناول جرائم العدوان على المال العام في الباب الرابع من الكتاب الثاني في قانون العقوبات في المواد من (112-119) الذي يحمل عنوان (اختلاس المال العام والعدوان علية).
وقد أولى المشرع المصري اهتماما كبيرا بالحماية الجنائية للمال العام فبالإضافة إلى النصوص الجزائية الواردة في قانون العقوبات والقوانين الأخرى، اتجه نحو وضع تشريعات جنائية خاصة لحماية المال العام ليواجه بها حالات التعدي الواقعة علية من قبل الأفراد العاملين أو من قبل العاملين في الدولة أو الموسسات القطاع العام. أما الحماية الجنائية في التشريع العراقي جانبا مهما في نصوصه لحماية الأموال العامة، وهي متناثرة ما بين قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وتشريعات أخرى. ويلاحظ ان المشرع الجنائي العراقي قد شدد من حماية المال العام في القانون المذكور وذلك لخلاف الحال في قانون العقوبات الملغي الذي كان ساري المفعول سنة 1964

وقد تناولت المواد في قانون العقوبات العراقي في مواضع عدة، الجرائم التي تقع على المال العام فافرد المشرع الفصل الثاني من الباب السادس كمن الكتاب الثاني من قانون العقوبات الحديث عن صور عديدة للجرائم التي تقع من الموظف العام او من في حكمة على المال العام الذي يحمل عنوان الاختلاس، كما تحدث في الفصل الثالث من الباب نفسه عن صور أخرى للجرائم التي تقع على المال العام من الموظف العام أو من في حكمة تحت عنوان “تجاوز الموظفين حدود وظائفهم”.

وقد أولى المشرع في قانون العقوبات عناية خاصة لجرائم الاختلاس الواقعة من قبل الموظف أو المكلف بخدمة عامة، بخصوص أموال الدولة نظرا لمساس هذه الجرائم بالاقتصاد الوطني ويتضح ذلك من نص المادة 316 منة التي نصت على أن (يعاقب بالسجن كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته فاستولى بغير حق على مال أو متاع أو ورقة مثبتة لحق أو غير ذلك مملوكا للدولة أو لإحدى المؤسسات أو الهيئات التي تسهم الدولة في حالها بنصيب لو سهل ذلك لغيرة). فمن نص هذه المادة تظهر حماية المال العام جنائيا وذلك عند استغلال الموظف العام وظيفته لغرض الاستيلاء على أموال الدولة التي تحت يده، وخاصة بأنة تلك الأموال سهل استيلاءها من قبل الموظف لأنها أصلا تحت يده ، فيستغل مركزة ويحول الأموال إلى ماله الخاص ويحرم المجتمع والأفراد من المصلحة التي تبغي لهم من هذه الأموال.

ولاشترط أن يكون المال العام أو الشيء موضوع الاختلاس أو استيلاء ذا قيمة كبيرة بل تقع الجريمة ولو كان ذلك المال تافها ، وذلك أن المشرع لها لم يحدد قيمة الأمتعة أو الأموال أو الورقة المثبتة لحق ما أو شيء أخر وهذه العبارة الأخيرة تتسع لتشمل جميع ما يمكن تصوره من أفعال يأتيها الموظف أو المكلف بخدمة عامة تقع منة استيلاء على أموال أو أمتعة أو أوراق ومهما كانت قيمتها.وتقديرا لخطورة جرائم الأموال العامة في مرحلة التنمية الاقتصادية فقد فرض المشرع في قانون العقوبات بالنص على وجوب رد الأموال موضوع هذه الجرائم أورد قيمة ماحصل عليه الجاني من منفعة أو ربح.

كذلك نصت المواد(340-341) على عقوبة الموظف التي تختلف في كون كانت الجريمة عمديه فيعاقب حسب المادة (340) بالسجن مدة لأتزيد على سبع سنوات أو بالحبس أذا ارتكب الفعل عمدا ويعاقب حسب نص المادة (341) بالحبس مدة لأتزيد على ثلاثة سنوات أو بالغرامة لأتزيد ثلاثمائة دينار إذا ارتكب الفعل خطا أي بصورة غير عمديه.

هذا بالإضافة إلى الجرائم التي تقع من قبل الموظف العام على المال العام بحكم وظيفته وللعقوبات عليها في القانون العقوبات، فلقد نص هذا القانون على الجرائم التي تقع من غير الموظف على الأموال العامة وتخريبها أي التي تقع من المواطنين أو الإفراد أو غيرهم ومن هذه المواد التي ذكرها القانون المذكور المادة (352) التي نصت”يعاقب بالحبس مدة لأتزيد على سنة وبغرامة لأتزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من افسد مياه بئر عامة أو خزان مياه أو أي مستودع عام للمياه أو أي شي أخر من قبيل ذلك معد لاستعمال الجمهور بحيث جعلها اقل صلاحية للغرض الذي تستعمل من أجلة أو تسبب بخطئه في ذلك”.
عالجت المادة (353) موضوع الاعتداء على المرافق العامة للماء والكهرباء والغاز أو غيرها من المرافق العامة وجعلت عقوبة هذا الاعتداء السجن مدة لأتزيد على سبع سنوات أو الحبس.

كذلك المادة(355) التي قضت تجريم كل تخريب أو أتلاف متعمد بطريق عام أو مطار أو جسور أو قناطر أو سكة حديدية أو نهر أو قناة صالحين للملاحة وتكون عقوبة هذا الفعل الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين.
ويلاحظ بصدد الحماية التي أوجدها قانون العقوبات الجديد رقم 111 لسنة 1969 أن المشروع لم يفرق بين أموال الدولة العامة وامولها الخاصة وإنما بسط حمايته على جميع أموال الدولة مادخل منها في الدومين أو الدومين الخاص ويظهر ذلك حين عالج المشرع في هذا القانون الاعتداء على الأحوال العامة عن طريق جريمة للسرقة وفقا لنص الفقرة (11) من المادة (444) فقد اعتبر ظرفا مشددا في السرقة حين يكون المال المسروق مملوكا للدولة أو أحدى المؤسسات العامة أو أحدى الشركات التي تساهم فيها الدولة في مالها بنصيب، دون أن يفرق في ذلك بين الأموال العامة والأموال الخاصة.

والعلة في التشديد أن أموال الدولة المخصصة لمنفعة وصالح جميع أفراد المجتمع وبذلك يتطلب توفير الحماية الجنائية لها بما يتناسب ووظيفتها العامة في المجتمع، فمن يختلس أموال تعود إلى الدولة أو احد مؤسساتها أو أحدى الشركات التي تساهم فيها الدولة في مالها بنصيب ، دون أن يفرق في ذلك بين الأموال العامة والأموال الخاصة. والعلة في التشديد أن أموال الدولة المخصصة لمنفعة وصالح جميع أفراد المجتمع وبذلك يتطلب توفير الحماية الجنائية لها بما يتناسب ووظيفتها العامة في المجتمع، فمن يختلس أموال تعود إلى الدولة أو أحدى مؤسساتها أو أحدى الشركات التي تسهم فيها الدولة بنصيب رأس المال يعتبر كأنة اعتداء على جميع أفراد المجتمع “لان أموال الدولة هي أموال المجتمع فمن يعتدي عليها بالاختلاس يضر بكل فرد من أفراد المجتمع.

ولقد هيا المشرع العراقي الحماية الجنائية للمال العام خارج نطاق قانون العقوبات، وبصورة خاصة تلك الحماية التي أوجدتها قوانين للتأميم الصادرة عام 1964 وعام 1972، وقد رتب المشرع العراقي في هذه القوانين عقوبات شديدة لحماية وسائل الإنتاج المستعملة لصالح الشعب تتلاءم مع أهمية هذه المشاريع والدور الجوهري الذي لعبة بالنسبة للاقتصاد الوطني ،يظهر ذلك واضحا في نص المادة العاشرة من القانون رقم 99 لسنة 1964 حيث تقول (يعاقب بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة كل من قام بأعمال تخريبية ضد أي شركة أو مؤسسة من المؤسسات التي يشملها هذا القانون)
وقد ذكرت الحماية الجنائية في القانون رقم 69 لسنة 1972 بشان حماية الثروة النفطية التي تعتبر من الأموال العامة التي تساهم في تطوير اقتصاد الوطن. وكذلك في القانون رقم 229 لسنة 1970 الخاص بصيانة الثروة النفطية والمواد الهايدروكربونية الطبيعية ولقد هيا المشرع في هذا القانون الحماية الجنائية للحالات السليمة المتعارف عليها في الصناعة النفطية، ولقد امتدت سياسة المشرع في توفير الحماية الجنائية إلى مصادر الثروة الطبيعية في المادة الخامسة عشر من قانون الري رقم 6 لسنة 1962.

مما تقدم تبين لنا أن الحماية الجنائية للأموال العامة في التشريع العراقي مذكورة في مواد مختلفة من قانون العقوبات يشكلا ضمنيا وفي قوانين أخرى، ولأجل ذلك نرى أن المحافظة على أموال الدولة من التبديد والضياع والتخريب تقتضي قيام المشرع العراقي بإصدار تشريع خاص لحماية الأموال العامة يكون قائما على أساس توافق الجرائم التي ترتكب ضد الأموال العامة ، بحيث يؤدي ذلك إلى زيادة العقوبة زيادة كبيرة، وما من شك في أن تبني المشرع العراقي لهذا الاتجاه يؤدي إلى توفير الحماية للازمة للأموال العامة بما ينسجم والتحولات الاشتراكية التي يشهدها العراق، والتي يستلزم التأكيد على أهمية صيانة الأموال العامة باعتبارها أموال الشعب ،يشكل التفريط بها أو الإساءة استغلالها جريمة خطيرة ضدا لجماعة وضد الدولة.

الخاتمة

واجهنا في هذا البحث موضوع الحماية القانونية للأموال العامة واتضح لنا من خلال ذلك أهمية هذه الدراسة ولاسيما بعد التطور البالغ واتساع وظيفة الدولة الاقتصادية. وبالنسبة لوسائل الحماية القانونية للأموال العامة فقد وجدنا أن التطور في وظيفة الدولة أدى إلى ارتقاء حماية المال العام الى مرتبة النص عليها في الدستور فأصبحت نتيجة لذلك مبدأ دستوريا تبنته الكثير من التشريعات والدساتير المعاصرة، وذلك يعكس الأهمية الكبيرة والدور الخطير للأموال العامة ، باعتبارها اداةالدولة ووسيلتها الأساسية في مباشرة نشاطاتها الاقتصادية، وقد أدى ذلك التطور إلى انعكاساته البينة على صعيد التشريع العادي ولاسيما التشريع الجنائي ، ويبدو ذلك واضحا في التشديد في بعض مواد القوانين التي تنص على الحماية الجنائية للأموال العامة نظرا لخطورة هذا التعدي على الأموال العامة ومساسها بكيان الدولة، وكذلك اعتبار جميع أموال العامة والخاصة خاضعة لهذه الحماية. وتقديرا لخطورة الأموال العامة وحمايتها في العراق وخاصة في المرحلة الراهنة وان العراق لازال في مرحلة التطور الاقتصادي،آذ أنة من المستحسن ان يكون هناك قانون خاص او أي شكل تشريعي أخر يبين الحماية القانونية الكاملة للأموال العامة،كذلك يبين ما يعتبر من الأموال العامة وأموال الدولة ويضع معيارا يميز الأموال العامة عن الأموال الخاصة ويضع قاعدة عامة آذ ما انطبقت على أي مال في الدولة ما يعتبر مالا عاما من دون الرجوع إلى نصوص القوانين المقارنة أو القانون المدني أو قانون العقوبات الالغرض اعتبارهم كمصادر الاستقاء القواعد الأساسية لهذا القانون،وكذلك الوضع في القانون إشكال التصرف المشروع في تلك الأموال والجهة التي تقوم بة وأساليب ادارتة ومعاينته وتطويره، والنص كذلك على أشكال الاعتداء على تلك الأموال والعقوبات التي تكون مناسبة مع شكل الاعتداء أو الفعل أو مع نوع المال الذي اعتدى علية والجهة التي تدير تلك الأموال وعائديتة ومدى ضرورته للنفع العام والمجتمع. ونحن نرى تشديد تلك الحماية وخاصة الجنائية وتوسيع نطاقها وتقدير التعويضات المدنية المناسبة،لأنة الأموال العامة تحمل من الضرورات والمميزات التي تستحق من اجلها ان وضع قانون خاص لحماية الأموال العامة والوقاية من الاعتداء عليها.

المحامي
حسين عكلة الخفاجي
كاتب وباحث

المراجع:

الكتب والبحوث والرسائل:-

• د.محمد عبدالغفار الشريف زكاة المال العام، مجلة الحقوق الكويتية ،العدد 14 لسنة 1998
• د.بدران ابو العيينين بدران,الشريعة الاسلامية , تاريخها ونظرية الملكية والعقود مؤسسة الشبان الجامعة الاسكندرية
• د.محمد علي صنبولة ,الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة دار بور سعيد للطباعة الاسكندرية 1974
• الطاهر احمد الراوي ,,ترتيب القاموس المحيط على طريق المصباح المنير واساس البلاغة دار الكتب العلمية بيروت 1979
• د. محمد كامل مرسي , الاموال , الرغائب 1935
• د.سعد عبدالكريم مبارك شرح القانون المدني العراقي ,الحقوق العينية الاصلية دار الحرية للطباعة بغداد 1973
• د.رفيق محمد سلام , الحماية الجنائية للمال العام دار النهضة العربية
• د.محمد عبدالحميد ابوزيد ,حماية المال العام, دار النهضة العربية القاهرة 1978
• د.السنهوري المرجع السابق
• محمد فاروق عبدالحميد, المركز القانوني للمال العام, ديوان المطبوعات الجامعية ,الجزائر1984
• د.علي محمد بدير د.عصام البرزنجي ,د.مهدي ياسين السلامي ,مبادىء واحكام القانون الاداري,مديرية الكتب للطباعة والنشر بغداد 1993
• علاء يوسف اليعقوبي, حماية الاموال العامة في القانون الاداري, رسالة ماحستير قانون,جامعة بغداد1977
• ماهر صالح علاوي الجبوري, القانون الاداري(جامعة الموصل مطبعة التعليم العالي1989)
• د.عبد المنعم فرج الصدة ,مبادىء القانون ,دار النهضة,بيروت 1982
• د.توفيق حسن فرج ,الاصول العامة للقانون ,الدار الجامعية للطباعة والنشر بيروت1989
• د.محمد زهير جرانة,حق الدولة والافراد على المال العام ,القاهرة 1943
• د.سليمان الطحاوي, مبادىء القانون الاداري الكتاب الثالث دار الفكر العربي 1973
• د. فؤاد العطار , القانون الاداري, دار النهضة العربية الطبعة الثالثة 1977
• د.ماهر الجبوري,القانون الاداري,المصدر السابق
• د.ماهر عبد شويش , شرح قانون العقوبات (القسم الخاص) , مديرية دار الكتب الموصل 1988
• المصادر بالغة الاجنبية:
• Gyr cambier .Droit Admimis Tratif,ferdimand lareieirs,Bruxelles,
• Jeande SO Rivero,op.cit,p.213
• Co depenal, Editions Dalloz,1992
• V.proudon:Traite dudomain public 1833

• القوانين:

1. قانون ادارة الدولةللمرحلة الانتقالية (العراقي)2004
2. الدستور العراقي لسنة1970
3. القانون المدني العراقي (40) لسنة1951
4. قانون العقوبات العراقي رقم (83) لسنة 1969
5. قانون المرفعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969
6. قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم (32) لسنة 1986
7. القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948
8. قانون العقوبات المصري رقم (58) لسنة 1937
9. قانون الادعاء العام رقم (58) لسنة 1979
10. قانون اصلاح القانوني رقم 35 لسنة 1977
11. القانون رقم 35 لسنة 1972 بشان حماية الاموال العامة في مصدر
12. قانون الري العراقي رقم (6) لسنة 1962

دراسة متعمقة و بحث قانوني عن الحماية القانونية للأموال العامة في الدولة