بحث قانوني و دراسة حول ماهية شرط الميعاد القانوني

اعداد المحامي
محمد مصطفى عيادات

المقدمه

إن الحكومات القانونيه هي التي تخضع تصرفات الحكام والمحكومين فيها للاحكام القضائيه القائمه وسارية المفعول , ويبنى على ذلك أنه لا يجوز لاي سلطه أن تزاول اي نشاط سواء كان عاما أو خاصا إلا على مقتضى قواعد سبق وضعها , لهذا يتبين على الاداره العامه احترام القواعد القانونيه القائمه وسارية المفعول , وبذا يعد خضوع الاداره للقانون ضمانه أساسيه وجوهريه لحماية حقوق وحريات الافراد من تعسف واستبداد الفئه الحاكمه , فيجب أن يتم نشاط الاداره طبقا للقواعد القانونيه الموضوعه مسبقا بصوره مشروعه وديمقراطيه وليست تحكميه , وبهذا تعتبر المشروعيه صفه تطلق على كل ما هو متفق ومطابق للقانون .
ولما كان اسلوب الاداره في التواصل مع المتعاملين معا هو القرار الاداري الصادر بسلطتها المنفرده , فإن المشرع افترض قيام حالة تنازع ما بينها وما بين المتعاملين معها , وبالتالي درجت معظم الانظمه الحديثه على اتباع وسائل اداريه وأخرى قانونيه لحل هذا النزاع , فإما ان يتخذ الحل صفه اداريه وهو الاسلم لما تتمتع به الاداره من صلاحيه في سحب او تعديل او الغاء القرارات الاداريه غير المشروعه , أو ان يتبع اللجوء الى القضاء الذي يعتبر الضمانه الاساسيه لحماية مبدأ المشروعيه .
وان كان الجوء الى القضاء يترتب عليه توافر عدة شروط لكي يستطيع النظر في الدعوى وانصاف الحق فان دعوى الالغاء هي من أهم الوسائل القضائيه المتبعه في فضاء القضاء الاداري ولما ترتبه من مراقبة أعمال الاداره بما تتخذه من قرارات غير مشروعه .
من هذه الاشكاليه جاء موضوع هذا البحث الذي يقتصر على شرط من الشروط الواجب تحققها في قبول دعوى الالغاء و هو شرط الميعاد الفاصل بين صدور القرار واكتسابه الحصانه القانونيه , اذ يعتبر شرط الميعاد من الشروط الشكليه لقبول دعوى الالغاء حيث يعتبر من النظام العام الذي تستطيع المحكمه من تلقاء نفسها اثارته , ولا يجوز الاتفاق على مخالفته .
إذ ان صدور القرار من الجهه المختصه لا يعتبر من غير قيد زمني اذ ان الحكمه من تقصير هذا الميعاد يترتب عليه نتائج مهمه على صعيد استقرار الاوضاع والمعاملات الاداريه وكذلك استقرار المراكز القانونيه , مما يفيد الاداره والمخاطبين معها والقضاء الاداري على حد سواء.

ولاهمية هذا الشرط لقبول دعوى الالغاء فان المشرع قد ادرجه في نصوص قانونيه واضحه وذلك نكون أمام نص تشريعي وليس اجتهادا قضائيا فقد نص عليه قانون محمكة العدل العليا , كما يمكن الاعمال باي ميعاد تنص عليه اي قانون خاص .
ويعرف شرط الميعاد بصوره عامه بأنه الاجل أو المهله الزمنيه التي يحددها القانون لاجراء عمل معين بحيث إن انقضى هذا الاجل امتنع اجراء العمل .
وما أثار حفيظة الباحث للحديث عن هذا الشرط هو كثرة الملابسات الناجمه عن القرار الاداري وصوره التي تعتبر حلقة الوصل بين الاداره والمتعاملين معها وما ترتب على هذا الامر من امكانية تحصين القرارات الاداريه غير المشروعه بحجة فوات ميعاد الطعن مما يترتب على ذلك من انتهاك مبدأ المشرعيه الذي يعتبر من دعائم الدوله القانونيه .
ولهذا جاء هذا البحث في ثلاث مباحث تحدث الاول عن ماهية شرط الميعاد القانوني وطبيعته , وجاء في مطلبين . ثم كان المبحث الثاني عن بدء سريان ميعاد الطعن , وجاء في ثلاث مطالب . ثم كان المبحث الثالث عن امتداد ميعاد الطعن , الذي كان في مطلبين .
مستخدمين الاسلوب المنهجي العلمي مدعمين ذلك بأراء الفقهاء , وما استقر عليه احكام القضاء بما يخدم المطلوب .
الباحث

المبحث الاول : ماهية شرط الميعاد القانوني وطببعته

حرصا من المشرع على استقرار الاوضاع الاداريه والمراكز القانونيه حدد مددا معينه يتوجب على الطاعن الالتزام بها وهي من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفتها , فبعد فوات المده لا يقبل القضاء الطعن الموجه ضد القرارات الاداريه فتصبح محصنه بالالغاء, وللمحكمه ان تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى اذا ما رفع اليها الطعن في القرار الاداري بعد فوات هذا الميعاد وبذلك يوازي المشرع بين المصلحه الخاصه للطاعن في منحه الوقت الكافي للطعن في القرارات الاداريه , وبين الصالح العام بأن لا تبقى أعمال الاداره مهدده بالالغاء لاستقرار الاوضاع الاداريه .
وأغلب التشريعات الاداريه تلجأ الى تقليص مدة الميعاد وتقصيره لتستقر تصرفات الاداره في أقصر مده وتتحصن قرارتها في أسرع وقت , مما يؤدي الى استقرار الحقوق المكتسبه للافراد التي نجمت عن الاعمال الاداريه وهذا ما يتطلبه حسن سير المرافق العامه وتحقيق مقتضيات الصالح العام .

المطلب الاول : تعريف الميعاد القانوني

وقد عرف الميعاد بصوره عامه بانه الاجل أو المهله الزمنيه التي يحددها القانون لاجراء عمل معين بحيث اذا انقضى هذا الاجل امتنع عن اجراء العمل .
وعرف ايضا أنها الفتره الزمنيه التي يحق للشخص خلالها تقديم الدعوى لمخاصمة القرار الاداري .
وبالتالي فان تحديد المده هي عملية ضبط قانونيه منطقيه توازي بين المصلحتين الخاصه للافراد حيث تحث صاحب الشأن على التفكير بسرعه وتقدير جدوى الطعن الى القضاء , وهي كذلك تحقق المصلحه العامه اذ تستلزم الاسراع في استقرار المراكز القانونيه وعدم تركها مهدده بالالغاء الى مالا نهايه .

ويمكن لنا تعريف الميعاد القانوني بأنه المده الزمنيه المحدده تشريعيا والتي يحق لصاحب الشأن في خلالها تحريك دعوته القضائيه لمخاصمة القرار الاداري.

وبالتالي نكون امام عناصر مهمه لتحديد تعريف مدة الميعاد القانوني بحيث تشمل :
*- أنها مده زمنيه محدده بتشريع قانوني .
*- أنها حق لصاحب الشان أو من له مصلحه بمخاصمة القرار وليس منحه من الاداره .
*- أنه شرط من الشروط المتعلقه بالمواعيد والاجراءات فلا تنظر المحكمه بالدعوى بعد فوات المده أو انقضائها .
*- أن القضاء الاداري يتحقق من المده القانونيه لقبول الدعوى أو ردها قبل النظر في الموضوع الشأن ويعتبر من النظام العام فيحركه القاضي من تلقاء نفسه .
*- ان المده المحدده لتحريك الدعوى تكون ضد القرار الاداري مخاصمته على اعتبار أن المحكمه لا تنظر الى بمخاصمة القرارات الاداريه كاختصاص .

المطلب الثاني : طبيعة شرط الميعاد

استقر الفقه والقضاء على اعتبار شرط ميعاد الطعن القضائي شرطا متعلقا بالنظام العام فالقاضي الاداري له أن يتصدى لبحث مدى توافر هذا الشرط من تلقاء نفسه دون ان يطلب منه ذلك ولا يجوز الاتفاق على مخالفته فقضت محكمة العدل العليا بذلك بالقول ” انه تملك حق البحث في التباطؤ قبل اثارة هذه النقطه من الخصم , لان صفة الاستعجال الواجب توافرها في القضايا الاداريه هي أقرب ما تكون الى المهل المحدده للطعن بالاحكام القضائيه ” .
ويعتبر التقيد في مدة الطعن من النظام العام التي تثيره المحكمه من تلقاء نفسها وبهذا قضت في حكم لها بالقول ” وحيث أن التقيد بمدة الطعن المقرره لسماع دعوة الالغاء من النظام العام تثيره المحكمه من تلقاء نفسها , وحيث أقام المستدعي دعواه بعد مرور ستين يوما على تبليغه وعلمه اليقيني بقرار ترفيعه للدرجه الثالثه فتكون مقدمه بعد فوات الميعاد القانوني مستوجبة الرد شكلا ” .
ويترتب على انقضاء ميعاد الطعن القضائي اكتساب القرار الاداري حصانه قانونيه ضد رقابة الالغاء حتى ولو كان مخالفا للقانون , وتلتزم المحكمه الاداريه برد الدعوى شكلا إذا ما قدمت بعد انقضاء الميعاد القانوني وهي نتيجه متفق عليها حيث ورد في حكم لمحكمة العدل العليا بالقول ” وحيث أن المستدعيه علمت علما يقينيا بالقرار المطعون فيه بتاريخ تسفيرها في 771994 ولم تقدم هذه الدعوى إلا بتاريخ 351995 اي بعد مضي المده القانونيه للطعن المحدد بستين يوما من تاريخ علمها بالقرار. وعلى ذلك فان الدفع الذي أبداه مساعد رئيس النيابه العامه المبين سابقا وارد على القرار المطعون فيه مما يستوجب رد الدعوى شكلا لتقديمها بعد فوات الميعاد ” .
وبهذا فإن فوات الطعن القضائي يترتب عليه تحصين القرار الاداري , وكذلك يتحصن جميع القرارات والاجراءات الاحقه التي صدرت إسنادا إليه حتى ولو كانت مختلفه عنه , الا أن صاحب الشأن يحاول في بعض الاحيان تقديم طلب الى الاداره بعد فوات ميعاد الطعن بالقرار الاول بغية إحياء ميعاد الطعن من جديد الا أن محكمة العدل العليا قررت ان تقديم مثل هذه الطلبات لا تؤدي الى فتح ميعاد من جديد وذلك بالقول ” وعن الدفع الذي أثارته النيابه العامه الاداريه بأن ما طعن به المستتدعي ليس قرارا إداريا بالمعنى القانوني للقرار الاداري القابل لطعن بدعوى الالغاء فهو دفع غير وارد , لأن القرارالاداري القابل للطعن أمام محكمتنا في هذه الدعوى هو القرار الصادر عن المستدعي ضده برقم 43890 تاريخ 2991994 بفقدان المستدعي لوظبفته والذي أصبح الان قطعيا محصنا من الطعن , فكان على المستدعي أن يطعن فيه في حينه , أما القرار الضمني المطعون فيه والذي اعتبره المستدعي قابلا للطعن بدعوى الالغاء فلا يخرج عن كونه مؤكدا لذلك القرار لا يقبل الطعن . لانه لم يؤثر في المركز القانوني للمستدعي, ولم يحدث أي أثر من شأنه التغير في وضعه القائم . ولا يعتبر من عداد القرارات الاداريه القابله للطعن امام محكمة العدل العليا التي تحدث مراكز قانونيه معينه متى كان ذلك ممكنا وجائزا قانونيا , الامر الذي يكون معه الدفع مقبولا بعدم اختصاص محكمتنا للنظر في الطعن ”
الا أن انقضاء ميعاد الطعن بالالغاء لا يحول بين صاحب الشأن وبين تقديم دعوى الالغاء بسبب الاضرار التي نجمت عن القرار غير المشروع والذي تحصن بفوات الميعاد وتضمينها طلبات إلغاء . وهذه نتيجه منطقيه من حيث لا يملك القضاء الاداري الحكم بتعويض الاضرار التي لحقت بالشخص إذا تولى تقدير مشروعية القرار الاداري .

المبحث الثاني : بدء سريان ميعاد الطعن

إن الحكمه من تحديد ميعاد لرفع دعوى الالغاء ثثمثل في رغبة المشرع في استقرار الاوضاع الاداريه والمراكز القانونيه للافراد المترتبه على تللك القرارات , وعدم ترك باب الطعن في القرارات الاداريه مفتوحا لاجل غير محدد وأغلب التشريعات حددت مدة الطعن بوقت قصير تماشيا مع الحكمه المبتغاه في استقرار القرارات الاداريه الا اذا حدد قانون خاص ميعاد اخر لمدة الطعن فيكون هو الميعاد المحدد قانونيا على اعتبار قاعده ان الخاص يقيد العام , وغاية تحديد مدة الطعن أن توفق بين مصالح الافراد وتوفير الطمأنينه القانونيه في العلاقات المتصله بأعمال السلطات العامه من جهه , واستقرار الاوضاع الاداريه من جه أخري , اي التوفيق بين المصلحه الخاصه والعامه
وتختلف بداية سريان ميعاد الطعن القضائي باختلاف القرارات الاداريه فقد أقام المشرع الاردني التفرقه بين القرارات الصريحه والقرارات الضمنيه , وعلى هذا نصت الماده 12 من قانون محكمة العدل العليا على أنه :
أ- مع مراعاة أحكام الفقرتين ( ب,ج) من هذه الماده تقام الدعوى لدى المحكمه بإستدعاء يقدم اليها خلال ( 60 ) يوما من تاريخ تبليغ القرار الاداري المشكو منه للمستدعي أو من تاريخ نشره في الجريده الرسميه أو بأي طريقه أخرى غذا كان التشريع ينص على العمل بالقرار من ذلك التاريخ أو يقضي بتبليغه لذوي الشأن بتلك الطريقه .
ب- في حالة رفض الجهة المختصه اتخاذ القرار إمتناعها عن ذلك وفقا لما هو مبين بعد انقضاء ثلاثين يوم من تاريخ تقديم المستدعي طلبا خطيا لتلك الجهة لتتخذ ذلك القرار .
ج- تقبل دعوى الطعن بالقرارات الاداريه المنعدمه في أي وقت دون التقيد بميعاد .

من خلال هذا النص التشريعي نجد بان المشرع أقر بدايتين مختلفتين يبدأمن تاريخ حدوثما ميعاد الطعن في السريان وفرق بين القرار الصريح والضمني وهذا ما سنتناوله تباعا في مطلبين .

المطلب الاول : بدء سريان ميعاد الطعن بالقرارات الاداريه الصريحه

لا يشترط شكليه معينه في اصدار القرارات الاداريه الا اذا تطلب القانون ذلك , الا ان القرارت الصريحه هو التعبير الامثل لاصدار القرارات الاداريه لما لها أهميه بالنسبه للاداره والافراد المتعاملين معها ولبسط رقابة القضاء عليها بكل سهوله ويسر , ويبدأ الطعن بالقرارات الصريحه وفق نص الماده 12 من قانون محكمة العدل العليا المشار سابقا اما من تاريخ التبليغ , او من تاريخ نشر القرار في الجريده الرسميه , او باي طريقه اخرى يحددها تشريع خاص وهذا ما سنبحثه تباعا في الافرع التاليه :

الفرع الاول : التبليغ ( الاعلان )
يعتبر التبليغ الوسيله الطبيعيه لاعلام الافراد بالقرارات الاداريه الفرديه واحاطتهم بهذا القرار, ولا يوجد في قانون محكمة العدل العليا ما يشير الى طريقه محدده للتبليغ , فإذا لم ينص القانون على طريقه معينه للتبليغ جاز تبليغ القرار الاداري بأي طريقه . فقد يكون الاعلان عن طريق محضر او عن طريق موظف اداري اخر , أو بطريق البريد برساله مسجله او بالبريد الداخلي…. و ما يهم بالتبليغ لكي يبدأ معه مدة الطعن بالقرار الاداري هو التبليغ الفعلي وليس من تاريخ ارسال التبليغ أيا كانت وسيلته .
ولكي يرتب التبليغ أثره القانوني لبدء سريان الطعن لا بد أن يتم بصوره صحيحه وسليمه حتى وإن حدث خطأ مادي جوهري بشان التبليغ فإن هذا الخطأ يفقد الاعلان أو التبليغ قيمته القانونيه , فغير مقبول من الاداره اي حجه في سريان التبليغ وترتيب أثاره حتى ولو انها ادعت بأنها لا تعرف عنوان صاحب الشأن لتبليغه القرار الاداري . وفي هذا تقول محكمة العدل العليا في قرار لها بالقول ” إن مجرد كون الاعلان قد تضمن رقم العلامه التجاريه المطلوب تسجيلها وصنفت البضاعه التي ستستعمل عليها , فلا يكفي لاعتبار الاعلان قانونيا ما دام أن الاعلان قد أغفل اسم الشركه طالبة التسجيل وذكر أن الطالب هو شركه أخرى لا علاقة لها بالطلب ”
وفي حكم اخر لها تقول ” …… وعليه وحيث أن المستدعي تبلغ القرار المطعون به بتاريخ 882010 كما هو مبين من التبليغ المحفوظ بملحق الدعوى بتاريخ 2012
2010 فتكون هذه الدعوى مقدمه بعد فوات المده القانونيه ومستوجبة الرد شكلا ”

وان كانت الاداره تتجه في أغلب الاحيان الى تبليغ القرار الاداري مكتوبا فإنه لا يمنع من أن يكون التبليغ شفويا وهذا ما جاء في قرار لمحكمة العدل العليا بالقول ” إن تبليغ القرارات الاداريه قد يكون تحريريا كما يصح أن يكون شفويا ” الا أن الثابت أن يكون التبلغ بالقرار كاملا حتى يؤدي الى علم صاحب الشأن بمحتوياته وأسبابه فيظهر فيه اسم الجهه صاحبة الاختصاص التي أصدرته وبلاغه الى صاحب الشأن شخصيا أو من ينوب عنه اذا كان ناقص الاهليه . وفي هذا قرار لمحمة العدل العليا بالقول ” لا يعتبر الكتاب المرسل من قبل مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي المتضمن ابلاغ المستفيد بقرار لجنة تسوية الحقوق التابعه لمؤسسة الضمان الاجتماعي مجريا لمدة الطعن ما لم يثبت استلام المرسل اليه للكتاب وتاريخ استلامه له ”

ونحن نرى أنه من باب استقرار الاوضاع القانونيه والاداريه أن يكون القرار نفسه مكتوبا وكذلك التبيغ فلا يتصور أن يكون القرار مكتوبا صريحا وان يكون التبليغ به شفويا , ولا نتصور كذلك ان يكون القر ار شفويا وان يكون التبليغ مكتوبا لان التبليغ يجب ان يحتوي على كافة محتويات القرار الا اذا اعتبرنا التبليغ هو ذاته القرار وهذا يدعو بالضروره الى الخلط بينهما وهما من كل الاوجه مختلافان فالتبليغ يعتبر امتداد القرار لكي يكتسب القطعيه فمع التبليغ يبدأ حساب مدة الطعن القانوني وليس ركنا أو عنصرا من عناصر القرار الاداري . ولان عبء الاثبات دائما ما يكون على الجهة التي أصدرت القرار ( الاداره ) فأن من المستحسن أن تصدر القرار وتبلغه بشكل مكتوب لتحقيق غاية القرار وتسهيل التعامل معه من قبل الاداره والافراد والقضاء لاستقرار الاوضاع الاداريه التي تستهدف بطبيعتها المصلحه العامه وهذا مايتحقق بتحرير القرارت الاداريه وتبليغها لانه من المتصور في التبليغات الشفويه اضافه الا ما ذكرناه أن يبقى باب الطعن في القررات التي لم يثبت تبليغه لاصحاب الشأن الى أجل غير معلوم غير مقيد بميعاد محدد لان العلم بالقرار الاداري من صاحب الشأن هو ما يبدأ معه احتساب المده القانونيه للطعن بالقرارت الاداريه . وهو ما نتمناه على المشرع النص به لتجنب الاجتهادات والاشكالات الناجمه عما ذكر .
ومن الممكن ان يكون التبليغ صحيحا وبشكله القانوني ومنتجا لاثاره اذا تم التبليغ الى صاحب الشأن أو وكيله القانوني ( كمحاميه ) , أو الى احد الزوجين , أو احد الابناء او من ينوب عنه . وهذا ما قضت به محكمة العدل العليه بالقول ” إن مجرد ارسال الاشعارات بالبريد المسجل الى عنوان المطلوب تبليغه لا يعتبر تبليغا قانونيا ما لم يثبت أن هذه الاشعارات قد سلمت اليه بالذات أو الى شخص ينوب عنه قانونا في استلام البريد المسجل فإذا ثبت أن المغلف الذي يحتوي على الاشعار أعيد بمحتوياته الى المسجل الذي أرسله ولم يسلم الى الشركه المطلوب تبليغها فإن هذا يعني أن الشركه لم تبلغ القرار ”

ونحن لا نرى اي صفه قانونيه للتبليغ الا اذا كان من ينوب عن صاحب الشان ممثله القانوني فقط لينتج اثاره ولا نحبذ التسهيل من قيمة التبليغ لاي شخص كان من افراد العائله او الازواج او الابناءاو حارس العماره , لانه في حقيقة الامر لا ينوبون عن صاحب الشان قانونيا الا اذا وردت انابه صريحه بذلك , وما دام انه بالامكان ابلاغ صاحب الشان ذاته فلا داعي لزعزة قيمة التبليغ والدخول بمتاهات الطعن به الى غير سواه , فمن المحتمل التنصل من التبليغ من قبل صاحب الشان فيما لو اتجهت نيته لذلك او تكون هناك خلافات مابين الشخص المراد تبليغه والمتبلغ عنه فاننا سنثقل كاهل الاداره و القضاء بالبحث في الدوافع النفسيه لللاشخاص وما يترتب عليه من عبء الاثبات , وهو ما يحيد بقيمة التبليغ عن الهدف منه في بدء سريان مدة الطعن القانوني . فاننا نأمل ان تتخذ الاداره كافة الاجراءات الاسلم للتبليغ الى صاحب الشان او من ينوبه قانونيا دون التوسع أو التساهل من قيمة التبليغ سيما ان الاداره لها من الوسائل الاجرائيه ما يكفي لتبلغ اصحاب الشان بالقرارات الاداريه .

الفرع الثاني : النشر
ويقصد به إعلام الجمهور بمحتويات القرار الإداري حتى يكونوا على بينة منه ,وهو الوسيلة الأكثر اتباعاً في القرارات التنظيمية لأنها تتضمن قواعد عامة مجردة تمس عدداً من الأفراد، وبذلك جاء قرار لمحكمة العدل العليا بالقول ” استقر اجتهاد محكمة العدل العليا على أن نشر القرار في الجريدة الرسمية يعتبر مبدأ ً لسريان مدة الطعن , ولا يصار إلى تبليغ القرار إذا تم نشره في الجريدة الرسمية لأن القانون افترض إطلاع العامة على ما ينشر في الجريدة الرسمية “…
والمقصود من النشر الجريدة الرسمية وليست الجريدة اليومية أو الإذاعات المحلية , إذ لا يعتبر نشراً لغايات القانون ,إذ لا بد من اتّباع تلك الشكليه المعنية الممثلة بنشر القرار في الجريدة الرسمية مالم ينص قانون على غير ذلك وبهذا تقول محكمة العدل العليا في قرار لها بالقول ” والمحكمة تجد أن المقصود من نشر القرار نشره في الجريدة الرسمية وليس نشره في الجرائد المحلية أو إذاعته من محطة الإذاعة الحكومية لأن القانون قد افترض اطلاع العامة على الجريدة الرسمية فالنشر فيها هو بحكم تبليغ القرار إلى الشخص بالذات، أما الوسائل الأخرى للنشر فهي لا تكون بمنزلة التبليغ إلى الشخص بالذات فقد لا يستمع المرء إلى الإذاعة وقد لا يطلع على جميع الجرائد المحلية “…
وقد لايكون النشر الوسيلة القانونية لإبلاغ صاحب الشأن بالقرار إذا نص تشريع خاص على وسيلة أخرى غير النشر ليعاد الى حساب مدة الطعن من تاريخ العمل بالقرار, من تاريخ هذه الوسيلة فإذا نص القانون على وسيلة معينة لإعلام ذوي الشأن بالقرار فيجب اتباعها، فإذا نص قانون خاص على وجوب نشر القرار في جريدتين محليتين فإن النشر في الجريدة الرسمية لا يغني عن تنفيذ ما نص عليه ذلك القانون من هذه الناحية، وهذا ما نصّت عليه المادة 12 فقرة أ من قانون محكمة العدل العليا بالقول
” أ- مع مراعاة أحكام الفقرتين (ب) و(ج( من هذه المادة تقام الدعوى لدى المحكمة باستدعاء خطي يقدم إليها خلال (60) يوماً من تاريخ تبليغ القرار الإداري المشكو منه للمستدعي أو من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أو بأية طريقة أخرى إذا كان التشريع ينص على العمل بالقرار من ذلك التاريخ أو يقضي بتبليغه لذوي الشأن بتلك الطريقة “..
وهذا ما أكدته محكمة العدل العليا في قرار لها بالقول “يجب نشر إعلان إيداع مخطط التنظيم التفصيلي للإعتراض في الجريدة الرسمية وفي جريدتين محليتين ويجب تبليغ هذا الإعلان إلى أصحاب الأراضي المشمولة بالمشروع وإن إجراءات النشر هذه هي من الإجراءات الجوهرية التي يترتب عليها البطلان ولا يكفي لغايات اطلاع ذوي الشأن على إعلان الإيداع نشره في الجريدة الرسمية فقط دون نشره في جريدتين محليتين وتبليغ ذوي الشأن”
فإذا نص القانون أو المشرع على اتباع وسيلة معينة للتبليغ فيعاد إالى تللك الوسيلة بإعتبار أن الخاص يقيد العام.
وإن كانت وسيلة النشر بالجريدة الرسمية متبعة كمبدأ عام بالنسبة للقرارات التنظيمية وهو الأصل،إلا أن القضاء الإداري قد أخذ بهذه الوسيلة لتبليغ القرارات الإدارية الفردية واحتساب مدة الطعن بها ,وبهذا تقول محكمة العدل العليا “على أن تاريخ نشر القرار الإداري في الجريدة الرسمية يعتبر بداية سريان الميعاد إذا كان النشر يتضمن فحوى القرار فإذا نشر القرار فلا يعاد إلى تبليغ صاحب الشأن لأن القانون افترض اطلاع العامة على النشر في الجريدة الرسمية ولا يقال أن النشر منحصر في القرارات الإدارية العامة دون القرارات الفردية لأن هذا القول لا يقيده نص الفقرة (ك)من المادة (10) من قانون تشكيل المحاكم النظامية الذي جاء مطلقاً والمطلق يجري على إطلاقه
وبهذا تكون محكمة العدل العليا قد أقرّت بوسيلة النشر في الجريدة الرسمية بالنّسبة للقرارات الفردية وأنّها تعتبر وسيلة تبليغ قانونية يبدأ سريان الطعن بها من تاريخ النشر طالما أن هذا النشر يكشف فحوى القرار بكامله بحيث يتسنى لصاحب المصلحة أن يحيط به بصورة تامة ويلم به إلماماً كاملاً.
ويقع عبئ إثبات النشر على عاتق الإدارة ما دامت تثير في الدعوى دفعاً مؤداه رد الدعوى شكلاً بداعي تقديمها بعد المدّة القانونية , باعتبار أن وسيلة إعلام ذوي الشّأن كان ثابتاً من خلال نشر القرار بالجريدة الرسمية.

الفرع الثالث : العلم اليقيني
لإعتبارات عملية بحته أضاف القضاء الإداري وسيلة العلم اليقين بالقرار الإداري لبدء سريان ميعاد الطعن القانوني وهي وسيلة تتحقق معها اطلاع أصحاب الشأن بمضمون القرار ومحتواه،فإن العلم بالقرار الإداري علماً يقيناً يحقق الغاية من النشر والتبليغ فتصبح شكلية النشر والتبليغ شكليّة مجردة من غايتها إذا ما احتجّ صاحب الشّأن بعدم قيام الإدارة بتبليغه القرار.
لأنّ العلم اليقيني يقوم مقام التبليغ بمضمون القرار الإداري وفحواه وهذا ما يؤكد أن القضاء الإداري قضاء إنشائي يتّدخل لرسم قواعد إدارية مستجدّة لسدّ الثّغرات التي قد تطرأ على ساحة التعاملات الإدارية.
فالعلم اليقيني وسيلة إعلام أصحاب الشّأن بالقرار الإداري كمبدأ قضائي على اعتبار أن نص المادة 12أ من قانون محكمة العدل العليا لم تنص إلا على وسيلتين للإعلام القرار الإداري لأصحاب الشأن وهي التبليغ والنشر في الجريدة الرسمية لاحتساب بدء ميعاد الطعن.
إلا أننا نرى بالرجوع إلى نص المادة 12أ من قانون محكمة العدل العليا أنها نصت على هذه الوسيلة بما تضمنته من مفردات دالة على وسيلة العلم اليقيني, حيث تنص المادة على ” تقام الدعوى لدى المحكمة باستدعاء خطي يقدّم إليها خلال 60 يوماً من تاريخ تبليغ القرار الإداري الشكو منه للمستدعي أو من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أو بأية طريقة أخرى إذا كان التشريع ينص على العمل بالقرار من ذلك التاريخ أو يقضي بتبليغه لذوي الشأن بتلك الطريقة “…
وبالتتابع مع مفردات نص المادة المذكورة نجد أنه اعتبرت وسيلة التبليغ والنشر أو أي طريقة أخرى بنص خاص بادءاً معه سريان مدة الطعن القانوني ثم جاء في ذيل المادة عبارة ” أو يقضي تبليغه لذوي الشّأن بتلك الطريقة “. هي ما تدل على وسيلة
إعلام القرار بالعلم اليقيني. على اعتبار أن وسيلة العلم اليقيني تفترض علم ذوي الشأن بمضمون القرار وهو الذي لا يمكن أن يتطرق اليه شك أنه قد تبلغ القرار.
وبما أن محكمة العدل العليا قد أقرت بأن المطلق يسري على إطلاقه فلا تتصور أن هذه العبارة هي خاصّة بما نصّ عليه تشريع خاص فقط , بل يمكن اعتبار عبارة )تبليغه لذوي الشّأن( هي ما يقصد بها طريقة العلم اليقيني إذا ما تحقّق غرضه من تبليغ القرار إلى صاحب الشأن حيث مفردات المادة السابقة الذّكر جاءت ابتداءً بذكر التبليغ ثمّ النشر ثم كرّرت أخيرا لذوي الشّأًن
.وعلى كل الأحوال فإنّ الهدف من هذه الوسائل هو حساب سريان ميعاد الطّعن فالغاية من ذلك تتحقق بأي من هذه الوسائل.فإذا كانت عبارة التبليغ يقصد بها تبليغ أصحاب الشّأن بالقرار الإداري الفردي وهي الأصل،وعبارة النّشر في الجريدة الرّسمية بالنسبة للقرارات التّنظيميّة فإن عبارة تبليغه لذوي الشّأن في ما يتحقّق معه علمه اليقّيني الّذي لا يدّعي مجالاّ للشّك بالقرار, وبالتالي نكون أمام نص تشريعي وليس إجتهاد قضائي وعلى ذلك يكون العلم اليقيني وسيلة قانونيّة لبدء سريان ميعاد الطّعن وهذا ما أكّدته محكمة العدل العليا في الكثير من قراراتها حيث تقول “إنّ العلم اليقيني يقوم مقام التّبليغ وعليه وحيث أنّ المستدعي كان يعلم بالقرار المشكو منه… وتقدّم بالدّعوى بعد مرور المدّة المقرّرة في المادّة 99أ من قانون نقابة المحامين رقم 11 لسنة 1972 وتعديلاته فتكون الدّعوى مستوجبة الرّد لتقديمها بعد الميعاد القانوني “…

إثبات العلم اليقيني

إنّ اعتبار العلم اليقيني بالقرار الإداري وسيلة ثالثة لحساب ميعاد الطّعن يترتب عليه قبول الدّعوى أو ردّها شككاً لفوات الميعاد حيث يقع عبئ الإثبات على جهة الإدارة مصدرة القرار كما هو شأن التّبليغ والنشر, فهي الخصم الّذي يدفع بعدم قبول الدّعوى شكلا ً لفوات الميعاد، فعجز الإدارة عن إثبات وسيلة العلم اليقيني بالقرار المشكو منه لصاحب الشأن ودفعه بخلاف ذلك وينكر علمه بتبليغه القرار ما يؤدي إلى قبول الدعوى ورد دفع الإدارة عدم قبول الدعوى لفوات الميعاد نتيجة ذلك العلم اليقيني وبهذا جاء قرار لمحكمة العدل العليا بالقبول ” وحيث أنّ النيابة العامة لم تثبت تبليغ القرار للمستدعين او نشره أو علمهم به علماً يقيناً فإنّ الدّعوى تكون مقدمة في فترة الميعاد “…
ولأنّ إثبات العلم اليقيني مسألة هامة جداً في تحديد ميعاد الطعن فإنّ القرار الواجب تبليغه لذوي الشأن يجب أن يكون منصبّاً على جميع عناصر القرار الإداري وشامل لجميع عناصر المركز القانوني الجديد للمدّعي
حيث جاء قرار لمحكمة العدل العليا بالقول ” لم نجد أنّ هناك ما يشير إلى أنّ المستدعي تبلغ القرار الطعين أو علم به علماً يقيناً بتاريخ محدّد وكل ما هناك كتاب صادر عن المستدعي ضدّه الثاني بتاريخ 9/5/1988 موجهاً إلى مساعدة للشؤون الإدارية والمالية يشعره بأنّه قرر تنزيل درجة المستدعي بعد أن وافق الوزير على تنسيبه وحيث تبيّن أنّ الدّعوى مقدّمة على العلم فتكون الدّعوى مقدّمة ضمن المدّة والدّفع غير وارد “.
ويمكن إثبات العلم اليقيني بالقرار من أي واقعة أو قرينه تفيد وتدل على علم صاحب الشأن بالقرار وأسبابه , ويتولى القضاء الإداري تقدير مدى تحقق واقعة العلم اليقيني بالقرار،ومن أمثلة الحالات الّتي أقرّت بها المحكمة لإعتبار العلم يقيناً الإقرار والخطابات المتبادلة بين الإدارة والأفراد، وتنفيذ القرار الإداري واستلام الراتب، وطبيعة القرار الإداري. وفي حكم لمحكمة العدل العليا تقول ” أن قيام المستدعي بتصوير ملفّه النقابي فإنّ ذلك يعد علماً يقيناً بالقرارين المطعون فيهما من ذلك التاريخ”

المطلب الثاني: بدء سريان ميعاد الطعن بالقرارات الضمنيّة والسلبيّة

تنص الفقرة (ب) من المادّة12 من قانون محكمة العدل العليا بالقول ” في حالة رفض الجهة المختصّة اتّخاذ القرار أو أمتناعها عن ذلك وفقاً لما هو مبيّن في المادّة (11) من هذا القانون تبدأ مدة الطعن المنصوص عليها في الفقرة أ من هذه المادة بعد انقضاء 30 يوم من تاريخ تقديم المستدعي طلباً خطيّاً لتلك الجهة لتتخذ ذلك القرار”.
وبالرجوع إلى نص المادّة 11 من نفس القانون فنصّت على ” يعتبر في حكم القرار الإداري رفض الجهة المختصّة إتخاذ القرار أو امتناعها عن اتّخاذه إذا كان يترتب عليها اتّخاذه بمقتضى التشريعات المعمول بها”.
فالقرار الضمني يعني ذلك القرار الّذي يرتبه المشرّع على سكوت الإدارة عن البت في طلبات الأفراد خلال فترة زمنية معيّنة بالرّفض أو القبول.
ولهذا يتوجّب لإعتبار القرار ضمنيّاً عدة شروطوهي:-
1- تقديم الطلب من قبل صاحب الشّأن إلى الإدارة حتى تتّخذ قرارها وبهذا تقول محكمة العدل العليا ” عدم وجود طلب للإجابة على التقاعد المقدّم إلى مجلس نقابة المحامين بالتاريخ المذكور في الدّعوى يفيد عدم وجود قرار ضمني بالرفض”.
2- سكوت الإدارة عن الإفصاح وهو شرط لازم فسكوت الإدارة أساس هذا القرار ونتيجته وبهذا تقول محكمة العدل العليا ” يعتبر قراراً ضمنيا بالرفض عدم بت مجلس نقابة المحامين بالطلب المقدّم من المستدعي لإحالته على التقاعد”.
3- مضي المدة القانونية المحددة في القانون على التزام الإدارة جانب الصّمت أو سكوتها عن البت في الطلب المقدّم إليها وفي هذا قضت محكمة العدل العليا في قرار لها بالقول ” فإنّ عدم اتّخاذ قرارا بالرّفض أو القبول رغم مرور المدّة المنصوص عليها في قانون محكمة العدل العليا يعتبر قراراً ضمنيّاً بالرفض”.
من خلال تعريف القرار الضمني وتلك القرارات القضائية يتبين أن سكوت الإدارة عن اتخاذ قرارها بالرّفض أو القبول يعتبر قراراً ضمنيّاً تسري عليه حساب مدة الطعن بعد انقضاء 30 يوم من تاريخ تقديم المستدعي طلباً خطيّاً للإدارة لإتخاذ قرارها كما نصّت على ذلك 12ب من قانون محكمة العدل العليا السابقة الذّكر.
إلا أنّنا نرى خلطا كبيراً بين القرار الضمني الّذي تسري عليه حساب مدّة الطّعن القانوني ويتحصّن بعد مرور المدّة المقرّرة وبين القرار السّلبي الّذي لا يتحصّن بفوات ميعاد الطّعن ولا يترتّب عليه مدة معيّنة لسريان الطّعن به نتيجة للخلط النّاتج عن نص المادّتين – 11 -12 من قانون محكمة العدل العليا ولما يترتب على هذا الخلط من نتائج هامّة في حساب سريان الميعاد كان لا بد لنا من تعريف القرارا السلبي وأوجه التشابه والفرق ما بين القرار الضمني والسلبي والنتائج والاٌثار المترتّبة على كل من القرارين مما يستدعي توضيحهما في مطلب واحد.

التعريف بالقرار السلبي

حيث يعتبر القرار سلبيّاً في حالة امتناع الإدارة عن إصدار القرار الواجب عليها إصداره طبقاً للقانون.
أو هو التّعبير عن موقف سلبي للإدارة فهي لا تعلن عن إرادتها للسير في اتجاه أو آخر بالنّسبة إلى موضوع الأمر الواجب عليها اتّخاذ موقف بشأنه. وبهذا تقول محكمة العدل العليا في قرار لها.
” إنّ الموقف السّلبي الّذي تتخذه الإدارة بالاحتجاج عن اتّخاذ إجراء معيّن ألزمها القانون اتّخاذه يعتبر قراراً إدارياً سلبيّا مستمرّاً لا يتقيّد الطعن فيه بميعاد دعوى الإلغاء مادام أن المشرع لم يحدد ميعاداً لاتّخاذ الإجراء أو الموقف”.

ولتحقق القرار السلبي يستوجب عدة شروط هي:-
1- رفض الإدارة أو امتناعها عن إصدار قرار ألزمها القانون إصداره.
2- القرار السلبي بالامتناع يقوم على أساس السلطة المقيّدة لجهة الإدارة لكنها اتّخذت موقفا سلبيّاً بعدم إصدارها القرار أو عدم إجابة طلب المستدعي في اتّخاذ القرار.
3- عدم تحديد ميعاد معيّن للإدارة لإصدار قرارها أي أن لايكون القانون قد حدّد مدة معيّنة للإدارة لإصدار القرار.
ولأن القرار الضمني يتشابه إلى حد ما مع القرار السلبي في عدة أمور الّتي دعت إلى هذا الخلط سواء بالتشريع أو القضاء فإننا نعرض أوجه الشبه كما نعرض أوجه الإختلاف ما بين القرارين لما يترتب على نتائج وآثار كلاً منهما.

الفرع الاول : أوجه الشّبه بين القرار الضّمني والقرار السّلبي
1- كلاهما يكون بناءً على طلب مقدّم من صاحب الشّأن إلى جهة الإدارة لاتّخاذ قرارها.
2- كلا القرارين يعبر عن صمت وسكوت الإدارة عن اتّخاذ موقفها من القرار.

الفرع الثاني : أوجه الإختلاف بين القرار الضمني والقرار السّلبي
1- إن القرار الضمني يستند إلى واقعة أو حالة سكوت تلزمها الإدارة ، بينما القرار السلبي ينشأ عن موقف رفض أو إمتناع من جانب الإدارة عن اتّخاذ القرار.
2- القرار الضمني قد يكون بالرفض أو القبول بحسب ما يقضي به النّص القانوني، أما القرار السلبي فيكون بالرّفض دائماً.
3- سكوت الإدارة في القرار الضّمني أمر مشروع بينما هو غير مشروع في القرار السلبي.
4- يرتبط القرار الضّمني بالسّلطة التّقديريّة للإدارة، أما القرار السلبي بالسلطة المقيّدة للإدارة.
5- يرتبط القرار الضّمني بمدة معيّنة يحدّدها المشرع ويترتّب على فواتها تحصين القرار بينما لا يرتبط القرار السلبي بمدة محدّدة فهو قرار مستمر.
6- يجوز الطّعن بالقرار الضّمني بالتّعويض بينما لا يجوز ذلك بالقرار السلبي.

الفرع الثالث : النتائج المترتبه على الفرق بين القرارات الضمنيه والسلبيه
من خلال توضيح أوجه التّشابه والإختلاف بين القرار الضّمني والسلبي فإننا نورد بعض الملاحظات على هذا الخلط الناتج من المادة 11 والمادّة 12 من قانون محكمة العدل العليا وما ترتب على ذلك من قرارات وأحكام قضائية بهذا الشّان:-
أولاً:- بالرجوع إلى نص المادّة 11 من قانون محكمة العدل العليا المشار إليها سابقاً نجد بأنّ هذا التعريف مقتصر عن القرار السّلبي على إعتبار أنّ سلطة الإدارة مقيّدة بإصدار القرار بنص قانوني وأنّ رفضها اتخاذ القرار أو سكوتها عن اتخاذه هو ما يترتب عليه نتيجة رفض القرار وليس قبوله لأنه في حال اتخاذ الإدارة موقفاّ من القرارينقلب معه القرار الى صريح سواء بالقبول أو الرفض ويخرج من حالة السلبية.
ثانياً:- أنّ عبارة اتخاذ القرار في المادة (11) من قانون محكمة العدل العليا يعني بالضرورة إفصاح الإدارة عن إرادتها بالقرار سواء قبولاً أو رفضاً وهو ما يخرج موقف الإدارة السلبي الّذي دائماً ما يكون صمتها الامتناع عن اتخاذ القرار ولهذا نفضّل استعمال عبارة( امتناع الإدارة فقط )دون ذكرعبارة اتّخاذ القرار كما هو منصوص عليه في المادّة (11) لأنّ الإمتناع يحقق فكرة سلبية القرار في حالة صمت وسكوت الإدارة لمدّة غير محدّدة.
ثالثاً:- وبالرجوع إلى نصّ المادّة 12 من قانون محكمة العدل العليا السّابقة الذّكر نجد بأنّ حساب سريان مدة الطّعن القانوني تبدأ بعد انقضاء 30 يوماً من تاريخ تقديم المستدعي طلباً خطيّاً لتلك الجهة لتتّخذ ذلك القرار. وهذا لا يتصوّر إلاّ بالقرارات الضمنيّة التي تحدد بمدة معيّنة أوجبها القانون على صمت الإدارة للتّعبير عن محتوى القرار بالقبول أو الرّفض كما نصّ عليه القانون وليس كما تقصده الإدارة لأنّ سكوتها عن اتّخاذ موقفها من القرار في خلال هذه المدّة إلى حين انتهائها يرتب المشرع على هذا السّكوت موقف الإدارة سواء قبولاً أو رفضاً وهذا لا يتصور بالقرارات السّلبية التي لا تتقيّد بميعاد معيّن ولا يترتب على صمتها إلا اعتبار القرار مرفوض دون أن يحدّد لها المشّرع مدّة معيّنة.

رابعاً:- إنّ القرار الضّمني تنتج آثاره بعد إنقضاء المدّة المعيّنة التي نصّ عليها القانون وعندها تظهر إدارة المشّرع من هذا القرار على صمت الإدارة عن اتّخاذه سواء بالقبول أو الرّفض . وبالتالي لا يتصّور حساب مدّة الطّعن إلاّ إذا كان المشّرع يرتب على سكوت الإدارة الرّفض ومعه تتضّح مصلحة الطّاعن باللّجوء إلى القضاء للطّعن بذلك القرار. فكيف يتصوّر إذاً تقديم المستّدعي طلباً خطياًّ للإدارة للتتّخذ قرارها وهو بالأصل محدد بالقانون. فإذا كانت سلطة الإدارة تقديريّة فيما يتعلق بالإفصاح عن إرادتها باتّخاذها لهذا القرار أو صمتها عن اتخاذه بينما تصبح سلطتها مقيدة بعد مرور المدّة المحددّة بالقانون حينما يفرض القانون على صمت الإدارة بعد انقضاء المدّة شكل القرار وبالتالي لا تستطيع الإدارة الرّجوع عن هذا القرار وإبداء موقفها منه لأنّ المشّرع هو من رتّب على هذا السّكوت شكليّة القرار.

وبناءً عليه لا نرى بأنّ الطاعن يجب عليه تقديم طلب الإدارة لإتخاذ القرار ما دام أن الشرع يرتب شكلية القرار بعد انقضاء تلك المدة وبالتالي فإن طريق الطاعن يكون أمام القضاء الإداري باللجوء إلى الطعن بالقرار لتبدأ ميعاد الطعن ال 60 يوم من تاريخ انتهاء المدّة المحددّة بالقانون عن صمت الإدارة وسكوتها عن اتّخاذ موقفها من القرار. ومثال على ذلك إذا تقدّم الموظّف بطلب استقالته إلى الإدارة وصمتت الإدارة عن الرد فيعتبر مرور ثلاثين يوم على تقديم الموظف لطلبه قراراً ضمنيّاً بالرفض ومعه تبدأ حساب مدّة ال 60 يوم للطّعن بذلك القرار أمام القضاء الإداري. وإذا ما حدّد المشّرع مدّة معيّنة على صمت الإدارة تبدأ حساب ميعاد الطّعن من تاريخ انتهاء المدّة إذا كان يترتّب على صمتها الرّفض وليس القبول , وبهذه الحالة لسنا بحاجة إلى تقديم استدعاء من قبل صاحب الشّأن إلى الإدارة حتى تفصح عن موقفها ما دام أن المشّرع رتّب على هذا الصّمت شكليّة القرار سواء قبولاً أو رفضاً. وعلى هذا جاء في أحكام متعددة لمحكمة العدل العليا التي تعزز هذه الفكرة بالقول ” إنّ عدم اتّخاذ أي قرار بالرّفض أو القبول رغم مرور المّدة المّنصوص عليها في قانون محكمة العدل العليا فيعتبر قراراً ضمنيّا بالرّفض…”
وفي حكم آخر لها تقول ” لأن المجلس لم يصدر قراراً بشأنه خلال مدة 90 يوم فيعتبر ذلك رفضاً من الجهة المختصّة بإتّخاذ القرار أو إمتناعها عن اتخاذه مما يشكل قراراً إدارياً بالرّفض يمكن الطّعن فيه أمام محكمة العدل العليا “.
وعلى كل ما سبق وذكرناه من هذا الخلط بين القرارات الضمنية والسلبية الناتج عن تعريف المادة (11) من قانون محكمة العدل العليا وتطبيقاتها فإننا نتمنّى على المشرع الكريم إزالة هذا الغموض بضرورة تعديل نص المادة على أن تصبح كما يلي ” يعتبر في حكم القرار الإداري امتناع الجهة المختصّة عن إصدار القرار إذا كان يترتّب عليها إصداره بمقتضى التّشريعات”.

وبهذا يتحقّق معه مفهوم القرار السّلبي الذي دائما ما يكون امتناع الإدارة عن الإفصاح عن إرادتها في إصدار القرار, الذي دائما ما يترتب على هذا الإمتناع الّرفض.ولهذا فإنّ عبارة اتّخاذ القرار ليس في محلّها لأنّها تعبير إيجابي عن سلوك الإدارة فقد تتّخذ الإدارة القرار بالرّفض أو القبول. وهو لا يمكن تصورّه في القرار السّلبي الذي نتيجته الّرفض بناءً على صمتها وسكوتها عن الإفصاح عن قرارها بينما تعني عبارة إصدار القرار محصوراً بشكله السّلبي وهو صدور القرار من الإدارة بالرّفض وعليه فإن معنى سلبية القرار تتحقق سواء أصدرت الإدارة قرارها صراحةً بالرفض أو أنها صمتت عن إصدار القرار مما يعتبر سكوتها عن إصدار القرار رفضاً كذلك. لأن القرار السّلبي دائما ما يكون نتيجة الرفض.
ولإزالة الغموض المتولّد عن المادة 12/ ب من قانون محكمة العدل العليا فإنه يجب إزالة عبارة ” وفقاً كما هو مبيّن في المادة 11″ على اعتبار أن المادة 11 هي تعريف القرار السّلبي الذي لا يتقيّد بمدة معيّنة وعدم وضع مدة سواء 30 يوم أو غيرها لحساب مدة الطّعن بالقرارات الضمنيّة لأنه كما أوضحنا سابقاً أن مرور المدة المحدودة بالقانون وانقضائها هو ما يبدأ معه حساب مدة الطّعن بالقرار الضّمني إذا رتب على سكوت الإدارة الرّفض.
وبهذا يصبح نص المادة 11 في حالة رفض الجهة الختصة اتخاذ القرار أو امتناعها عن ذلك يبدأ مدة الطعن المنصوص عليها في الفقرة أ من هذه المادة بعد انقضاء المدة المعينة بالتشريعات لإتخاذ الإدارة قرارها .

المطلب الثالث : الاستثناءات الوارده على ميعاد الطعن بالقرارات الاداريه

إن تحديد مدة محددة لإكتساب القرارات الإدارية قطعيّاً نافذة بمواجهة الأفراد بعد صدورها هي مدة محددّة بالقانون ما يتحقق معه استقرار الأوضاع القانونية والإدارية، فإذا ما انتهت المدة المحددة ولم يلجأ فيها أصحاب الشّأن إلى القضاء الإداري للطّعن بالقرار المشكو منه يترتب على ذلك تحصين القرار الإداري ضد الإلغاء ويسري عليه معاملة القرارات السلمية ولا يملك بعدها الشّخص قانوناً تقديم دعوى الإلغاء ضد هذه القرارات المحصّنة وقد قضت محكمة العدل العليا بذلك بقولها ” إنّ مدة الطّعن بالقرارات الصّادرة عن مجلس نقابة المحامين بالقضايا التأديبيّة هو 30 يوم من تاريخ التّبليغ حسب ما نصّت عليه المادة 3 من قانون نقابة المحامين رقم 22 لسنة 1972 وتعديلاته، وعليه فإنّ تقديم المستدعي دعواه بعد هذه المدة يستوجب الرّد شكلاً”.
وهذا ما يعتبر أصلاً في تحصين القرارات الإدارية من الإلغاء فيترتب على فوات الميعاد القانوني سقوط حق الشخص في مخاصمة القرارات وإكتسابه لحصانة قانونية ضد الرقابة القضائية.
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإن هناك بعض الإستثناءات الواردة على هذه القاعدة إذ يبقى مجال الطعن في بعض القرارات الإدارية غير مقيدة لمدة معينة وبعضها يتعلق بالإستثناءات المتعلقة بالقرارات الإدارية الفردية والبعض الآخر يتعلق بالقرارات الإدارية العامة (التنظيمية)

الفرع الأوّل : الاستثناءات الواردة على ميعاد الطعن بالقرارات الإدارية الفردية.
والقرارات الفرديه هي التي تخاطب شخص أو أشخاص محددين بأسمائهم وذواتهم وتستنفذ مضمونها بمجرد تطبيقها.
وأجاز القضاء الإداري في بعض القرارات الإدارية الفردية الطعن بها دون التقيد بميعاد معين وتخرج عن قاعدة شرط الميعاد القانوني وهي تشمل بما يلي:-

أولا: القرارات الإدارية المنعدمة
عرفت محكمة العدل العليا القرار المنعدم بالقول ” القرار المنعدم كما استقر عليه الإجتهاد هو القرار المشوب بعيب جسيم بحيث يفقده خصائص القرار الإداري وينحدر به إلى درجة الإنعدام، كأن يكون صادراً عن فرد عادي أو هيئة غير مختصة أصلاً بإصداره أو أن يصدر من سلطة في أمور هي من إختصاص سلطة أخرى، أو عن موظف ليس من صلاحيته أو من واجبات الوظيفية إصداره”.
وعليه فإذا ما صدرقراراً بتلك الشكلية فلا يكتسب حصانة قانونية ضد الإلغاء ويحق للأفراد أصحاب الشأن الطعن به دون التقيد بميعاد طعن معين حيث أن هذه القرارات مشوبة بعيب جسيم من عدم المشروعية وبهذا قضت محكمة العدل العليا في قرار لها بالقول ” استقر الفقه والقضاء الإدارين على أن القرار المنعدم لا يتقيد الطعن فيه بميعاد وهو القرار المشوب بعيب جسيم بحيث يفقده خصائص القرار الإداري وتنحدر به إلى درجة الإنعدام”.
ومما تجدر الإشارة إليه هو توضيح الفرق بين القرار المنعدم والقرار الباطل , حيث يقصد بالقرارات الإداريه الباطله هي القرارات التي يصيبها عيب من عيوب القرار الإداري غير المشروعة الذي لا يصل حد الجسامه فيرتب القرار الباطل الآثار القانونيّة ما دام قائماً ولم يسحب أو يحكم القضاء بالغائه , وتسري عليه المدة القانونيّة التي تسري على القرارات السليمه فيتحصن القرار الباطل بعد مضي المدّة إذا لم يطعن به ومن أمثلته صدور قرار من الوزير في شأن من اختصاص أمين عام الوزارة أو العكس. وقد قضت محكمة العدل العليا بذلك بالقول” لا يرد القول أنّ القرار المطعون فيه منعدم لأنّه صدر عن جهة غير مختصّة نائب المحافظ وليس المحافظ إذ وعلى فرض صحة ذلك فإن القرار المنعدم هو الذي يصدر عن سلطة بصورة الغصب كأن تصدر السّلطة التّشريعية أو القضائيّة أو من شخص عادي ليس من إختصاصه إصدار القرارت الإدارية، أما صدوره عن نائب المحافظ فإن عدم الإختصاص في هذه الحالة من النّوع البسيط الّذي لا يشكل اغتصاباً جسمياً للسّلطة ولا يجعل القرار منعدماً “.

ثانيا : القرارات الإدارية السلبية (المستمرة)
وتعرف القرارات السّلبية بأنّها امتناع الإدارة عن إصدار قرار إداري يوجبها القانون إصداره وهو ما نصّت عليه المادّة 11/ من قانون محكمة العدل العليا حيث اعتبرت رفض الإدارة عن اتّخاذ قرار أو إمتناعها عن اتّخاذه إذ كان يترتب عليها اتّخاذه بمقتضى التّشريعات المعمول بها. إلا أنّنا وبالعودة إلى قرارات محكمة العدل العليا نجد بأنها قد خلطت بين القرارات الضمنيّة والسلبيّة وهو ما أشرنا إليه في مطلب سابق وتتجنّب الحديث عنه لتجنّب التّكرار. ففي حكم لها تقول ” يعتبر في حكم القرار الإداري رفض الجهة المختصّة بإتخاذ القرار أو الإمتناع عن اتّخاذه إذا كان يترتب عليها اتّخاذه بمقتضى التّشريعات المّعمول بها بأحكام المادة (11) من قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992 ويترتب على ذلك سريان مدة الطّعن المنصوص عليها بالمادة 12/ب/ من ذات القانون انقضاء 30 يوم من تاريخ تقديم المستدعي طلباً خطيّاً لتلك الجهة”.
وإن كان لا بد من توضيح أنّ القرارات السّلبيّة هي دائما ما تكون بالضّرورة رفض جهة الإدارة أو إقناعها عن اتخاذ قرار كان القانون يفرض عليها ذلك , بينما القرارات الضمنيّة هوسكوت الإدارة عن البت في طلبات الأفراد بالرّفض أو بالقبول في مدّة معيّنة وبعد انقضاء تلك المدّة يعتبر القرار رفضاً أو قبولاً على حسب النّص القانوني فهو يتقيّد بميعاد الطّعن حسب نص المّادة 12/ ب من قانون محكمة العدل العليا.
فالقرار السّلبي إذاً هو امتناع الإدارة عن اتّخاذ قرار كان يجب عليها اتّخاذه ولا يرتب القانون أي صفة لا بالقبول أو بالرّفض وهو لا يتّقيد بميعاد طعن معيّن مادامت الإدارة رافضه أو ممتنعه عن اصدار القرار.
وتجدر الاشاره الا أن القرارات السلبيه دائما ما تكون مستمره فسكوت الاداره أو امتناعها عن اتخاذ موقفها من القرار هو الحالة التي تعطي للافراد حق الطعن بهذا القرار في أي وقت دون التقبد بميعاد ما دامت الإدارة ممتنعة عن اتخاذ القرار فالإستمراريّة تتجدّد أثر القرار بإستمرار طلب صاحب الشّأن من الإدارة باتّخاذ موقفها من القرارطالما انها لم تحسم امر القرار بأي موقف.
وهذا ما أخذت به محكمة العدل العليا في قرار لها بالقول “….. لهذا فإنّ القرار يعتبر من القرارت السلبيّة التي تبقى قائمة ومستمرة طوال امتناع الإدارة عن التّرخيص لتعبئة المشروبات الغازيّة في عبوات معدنيّة وعليه فإن ميعاد رفع الدّعوى يظل في هذه الحالة مفتوحاً ما دام أن إجراءات المستّدعي ضدّه بالموضوع ما زال جاريه فعلاً”.
وكثيرة هي تطبيقات القرارات السلبيّة المستمّرة ومن الأمثلة عليها قرار المَّنع من السَّفر، وقرارات شطب اسم أحد المتعهِّدين من سجل الموردين ورفض جهة الإدارة تنفيذ الأحكام القضائيًّة بالمطالبات الماليَّة سواء في حالة أن يكون الفرد العادي هو صاحب الإستحقاق المالي، أو أن تكون الإدارة هي صاحبة الإستحقاق المالي.

ثالثا : القرارات الصّادرة استناداً لصلاحيّة مقيّدة
ويقصد بالصّلاحيّة المقيّدة هو” الحالة التي يتعيّن فيها على الإدارة اتّخاذ قرار إداري دون أن يكون لها دور في التّقدير أو التّأثير على مضمون هذا القرار فهي ملزمة بممارسة صلاحيّتها واتّخاذ قراراتها على النَّحو والشًّكل الّذي حدَّده القانون”.
وجاء في قرار لمحكمة العدل العليا بالقول ” استقّر الإجتهاد على أنّ للإدارة الحق في سحب قرارها المخالف للقانون أو إلغائه في أي وقت عند ممارستها سلطتها المقيّدة لأنّ تصرفات الإدارة صادرة بناءً على سلطة مقيّدة تكون مشروطة وقانونيّة هذه التصرفات، فإذا أخطأت الإدارة في تطبيق القانون أو استبان لها فيما بعد أنّ تصرفّها كان خاطئاً أو مخالفاً لنص القانون فلها سحب القرار أو إلغائه دون التقيّد بميعاد”.
إلاّ أنَّه يجب الإشارة أنَّ القرار الصَادر عن صلاحيَة مقيَدة والَذي لا يتقيّد بميعاد الطّعن هو القرار الصّادر خلافاً للشكليه التي نصّ عليها القانون فيفقده صفة المشروعيّة ويبقى ميعاد الطّعن به مفتوحا على اعتبار أنَّه قرار معيب بشكليّة صدوره وبعدم إلتزام الإدارة بما نصّ عليه القانون في إصدار القرارات الإداريّة الّتي كان يجب اتّباعها بمقتضى السّلطة المقيّدة اتخاذ مثل هذه القرارات، فلا يجوز سحب القرارات الإدارية السّليمة أو الباطلة إذا قضت مدّة الطّعن القانوني، وبهذا جاء قرار لمحكمة العدل العليا بالقول ” استقرّ الفقه والقضاء على عدم جواز سحب القرار الإداري السّليم في أي وقت كما لا يجوز سحب القرار الباطل إذا اكتسب حقاً للغير إلاّ إذا تم السّحب أو الالغاء خلال مدّة الطّعن وذلك لكي تستقر المعاملات الإدارية ولكي لا تكون عرضة للتغيّر والتبديل مدة طويلة “.
وبالتّالي يجب التفريق بين القرار السّليم الصّادر بمقتضى القانون والتي تتقيد به الإدارة فيتحصّن بعد مرور المدّة القانونيّة وبين القرار الصادرعن سلطة مقيّدة ومخالفاً لما يتطلّبه القانون الذي لا يتقيّد به ميعاد طعن محدّد، ويتولّى القضاء الإداري تحديد الطبيعه القانونيه للصّلاحية المقيّدة من خلال تدقيقها في القرار والقانون النّاظم لأعمال السّلطة وصلاحيتها في إصدار القرار.

رابعا : ظهور المّصلحة بعد انقضاء ميعاد الطّعن
قد يتأخّر إكتشاف صاحب الشأن لمصلحته في طلب إلغاء أحد القرارات الفردية إلى ما بعد فوات ميعاد الطعن فيه لتعذر إدراك هدف الإدارة الحقيقي منه.
أي تكون المّصلحة في رفع الدّعوى موجودة أصلاً ومنذ صدور القرار إلاّ أنّ ظهورها قد تأخّر بفعل الإدارة التي أخفت هدفها الحقيقي من إصدار القرار وعليه وتحقيقاً للعدالة ولكي لا يتحصّن القرار الإداري بفوات الميعاد فقد أجاز القضاء الإداري في مثل هذه الحالة رفع دعوى أمام القضاء خلال 60 يوم من تاريخ ظهور المّصلحة بعد أن كانت خافيه. ويقع عبئ إثبات المصلحة على صاحب الشأن ويثبت تحققها من تاريخ علمه بها. وقد تظهر المصلحة بسبب وجود دعوى إخرى معروضة على القضاء ولا تظهر المّصلحة إلا عقب صدور الحكم القضائي في هذه الدعوى. وعندئذ يتم حساب ميعاد الطّعن من تاريخ صدور هذا الحكم. ولم نجد في تطبيقات محكمة العدل العليّا هذه الحالة إلا أن هناك الكثير من تطبيقاتها على وجود المصلحة المشروعة المحققّة والمحتملة.
ونحن من جانبنا لا نرى أن هذه الحالة من حالات الإستثناءات على تحصين القرارات الإدارية بفوات ميعاد الطّعن كما هي الحالات السابقة , إذ نجد في الحالات السابقة الذّكر أنها جاءت إستناداً على ميعاد الطعن القانوني دون التقيّد بأي وقت ما دامت أن هذه القرارات لا تتحصّن بقوات الميعاد فالقرارات المنعدمة يجوز الطّعن بها في أي وقت متى حركها صاحب الشأن وكذلك القرارات المستمرة والصادرة بناءً على صلاحيه مقيّدة .

بينما في هذه الحاله فإن القرار قد يتحصّن مرة أخرى فيما لو ظهرت المّصلحة ولم يلجأ صاحب الشّأن إلى القضاء للطّعن بها ونجد ظهورها يتقيّد بميعاد جديد هو ال 60 يوم من تاريخ إكتشافها وظهورها. وهي حالة يمكن إدراجها ضمن حالات الانحراف با ستعمال السلطة التي ترد على ركن من أركان القرار الإداري في إثبات حالة التّعسف لأن الإدارة هي الّتي تلجأ إلى إخفاء هذه المّصلحة عمدا بنيّتها المسبقة وفي حال ظهورها واثباتها يجوز الطّعن بها أمام القضاء لكن ضمن مدة الطّعن القانونيّة المحدّدة سابقاً. وعلى هذا لا نرى من جانبنا أن هذه الحالة هي من الحالات الإستثنائيّة الواردة على ميعاد الطّعن القانوني.

الفرع الثاني : الاستثناءات الواردة على ميعاد الطّعن بالقرارات الإدارية العامة (النّظيميّة)
فالإدارة تلجأ إلى إصدار قرارات تنظيميّة لا تختّص بفئة معيّنة من الأفراد فالقرارات التّنظيميّة تعني القرارات التي تصدرها الجهات الإداريّة المختلفة وتتضّمن قواعد عامة مجردّة تطبّق على كل من تتوافر فيه شروط معيّنة يحددّها القرار التّنظيمي.
فهي تخاطب أشخاص محددين بصفاتهم لا بذواتهم فهي تشبه القوانين من الناحية الموضوعية , ولهذا تسمى (بالتشريعات الفرعية) لصدورها عن السلطية التنفيذية إلا أنها تبقى وفقاً للمعيار الشكلي قرارات إدارية تخضع للرقابة القضائية ويطلق على القرارات التنظيمية اللوائح أو الأنظمة كما يسميها المشرع الأردني (الأنظمة المستقلة، الانظمه التنفيذيه ,القوانين المؤقتة) حيث جاء في قرار لمحكمة العدل العليا بالقول بهذا الشّأن ” القرارات الإدارية سواء كانت تنتظيمية تضع قواعد عامة موضوعة تسري على جميع الأفراد المحددين بصفاتهم وليس بأشخاصهم وهم الذين تنطبق عليهم الشروط التي وردت فيها “.
وإن كانت الحكمة من إصداره هذه الأنظمة هو حاجة المرفق العام إليها وتحقيق المّنفعة العّامة بما تتطلّبه الظّروف والأحوال الإداريّة المستعجلة والّلازمة لإدارة المرافق العامّة بانتظام واضراد وتجنّب بطء العمليّة التّشريعية وذلك لسّد الثّغرات الطّارئة على تلك الأحوال المتجّددة إلا أن صدور مثل هذه الأنظمة ليس عبثاً وليس مطلقاً بل تتقيّد الإدارة حين لجوئها لإصدارها هذه الأنظمة إلى قيد تشريعي وقيد زمني ونجد سندها في الدستور الأردني في المّادة 31 والمّادة 45 والمّادة 120 و 121 وغيرها من المواد التي تعطي للإدارة أن تصدر هذه الأنظمة وفق لشروط مقيدة ومعينة. وتخضع هذه الأنظمة بمختلف أنواعها إلى رقابة القضاء الإداري فقد أحدث المشّرع الأردني في قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992 تغيّراً نوعيّاً بشأن إختصاصها بالنّظر بمشروعيّة الأنظمة وذلك في نصّ المّادّة 9بند 6-7حيث نصّت المّادة 96
” الطّعون التي يقدّمها أي متضرر بطلب إلغاء أي قرار أو إجراء بموجب أي قانون يخالف الدّستور أو أي نظام يخالف الدّستور أو القانون” . كما نصّت المادة 97 أيضاً بالقول ” الطعون التي يقدمها أي متضرر بطلب وقف العمل بأحكام أي قانون مؤقّت مخالف للدستور أو نظام مخالف للقانون أو الدّستور “.

ومن تطبيقات محكمة العدل العليا بهذا الشأن نجد أنها لم تأخذ بإلغاء الأنظمة الإدارية المخالفة للقوانين أو الدستور بل قضت بوقف العمل بالنظام إذا كان غير مشروع دون إلغائه على الرغم من أن نص المادة 96واضح بنية المشرع في تقديم دعوى أصلية مباشره لإلغاء مثل تلك الأنظمة غير المشروعة.
إلاّ أن فوات ميعاد الطّعن القانوني يتحصّن معه النّظام من الطّعن به ابتداءً , إلا أن القضاء الإداري قد أوجد طريقاً غير مباشر تؤدي ألى إحياء مدة الطّعن من جديد وشلّ آثار تطبيق الأنظمة من خلال طريقة الدّفع الفرعي بعدم المشروعيّة، فيما لو تقدّم من له مصلحة بالطّعن بالقرارالإداري الصّادرعن نظام مخالف للدّستور أو القانون ويمسّ هذا القرار الفردي بمركز الطّاعن القانوني فله أن يلجأ إلى دعوى الإلغاء دون التقيّد بميعاد الطّعن ويطلب من المحكمة وقف تنفيذ العمل به بالنّسبة إليه فقط دون أن يسري الطّلب على إلغاء النّظام التّنظيمي بكامله. ويبقى لكل من له مصلحة بذلك أن يتمسّك بهذا الحكم ليس بعدم مشروعيّة القرارالصّادر من الإدارة فهو قرار كامل الأركان ولا يرد أي دفع بعدم مشروعية سوى أنه صادر بناءً على نظام غير مشروع ومخالف للدّستور أو القانون. وفي هذا جاء قرار لمحكمة العدل العليا بالقول ” إن المستدعيين لا يطلبان من المحكمة إلغاء المّشروع التّفصيلي حتّى يقال بأن هذا الطلب غير جائز بعد اكتساب المشروعية الدرجة القطعية وإنما يطلبان إلغاء قرار اللّجنة المستدعى ضدّها المتضمّن إنشاء بناء على أرضهما المحاذية لشارع… أي أنّهما يطلبان عدم الأخذ به دون التصدي لإلغائه ولهذا فإن طلبهما هذا مسموع بقطع النظر عن اكتساب المّشروع التّفصيلي درجة الثّبات وذلك عملاً بما استقرّعليه الفقه والقضاء الإدارييّن من أنه يجوزالطّعن في قرارتنظيمي عام بمناسبة تطبيقه تطبيقاً خاصّاً على أشخاص بذواتهم دون التصدي لفوات الميعاد بالنّسبة لذلك القرارالعام ما دام أنّ الطّعن قد وجه صحيحاً وفي الميعاد بالنّسبة للقرار الثّاني الخاص”.
وعليه فإن تحصين النّظام من الطّعن القضائي لفوات الميعاد لا يمنع القضاء الإداري من تقدير مشروعيته لاحقاً وبصفه متكررّة في كل مرّة يصدر قراراً فرديّاً تطبيقاً لذلّك النّظام .

وتنطبق الشّروط الشّكلية الخاصّة بملائمة الدّعوى الواردة في قانون محكمة العدل العليا على لائحة الدّعوى المقدّمة لمخالفة الأنظمة الإداريّة باستثناء الطلبات وإذ يتعيّن أن تتمثّل طلبات المستدعي في وقف العمل بالنّظام المّطعون به كليّاً أو جزئيّاً وليس إلغائه , وأن يتقيّد صاحب المصلحة بميعاد ال 60 يوم من تاريخ صدور هذا القرار الفردي بناءً على النّظام المخالف للدّستورأو القانون وإلاّ اعتبر أنّ ميعاد الطّعن قد فات بالنّسبة للقرار وليس للنّظام. وتتشدّد المحكمة بذلك حيث قضت في حكم لها بالقول ” وحيث أنّ الطّعن المقدّم من المستدعين قد انصبّ على دستوريّة نظام الخدمة المدنية رقم (1) لسنة 1998 والطلب بإلغائه كما هو ثابت بلائحة الدّعوى والمرافعات والطّلبات الأخيرة فيها الواردة بالطّعن في النّظام والمطالبة بإلغائه ممّا يخرجه عن دائرة إختصاصنا وفقاً لأحكام المّادّة المشار إليها الأمر الّذي يبني عليه عدم اختصاص محكمة العدل العليا بالنّظر بهذا الطّعن مما يستوجب رد الدّعوى”.
وبهذا نجد أنّه ووقفا للحالات السّابقة فإن الطّعن بالقرارات الصّادرة عن الإدارة بناءً على نظام تنفيذي مخالف للدّستور أو القانون يعتبر استثناء على مدّة الطّعن القانونيّة , حيث يستطيع صاحب الشّأن بالطّعن بعدم دستورية قانون مؤقت بدعوى أصليّة مباشرة إلى المحكمة ولكن للطّلب بوقف العمل في القانون المؤقت دون الطّلب بإلغائه. أو عن طريق الدّفع الفرعي بطلب الإمتناع عن تطبيق القرار الصّادر بناءً على نظام مخالف للدّستور أو القوانين كلما مسّ ذلك القرار مركز الفرد القانوني.

وعلى ذلك نرى أن النصّ بهذه الكيفيّة من وجوب الطّعن بالقرار الصّادر بناءً على قانون أو نظام مخالف للدّستور أو القوانين وليس بإلغائه، فيه نوع من عدم تحقيق العدالة القانونيّة وفيه خروج على مبدأ المشروعيّة إذ الحمكمة من هذه التّشريعات هو استقرار الأوضاع الإداريّة والقانونيّة ضمن حدود مبدأ المشروعيّة للتّحقيق غاية المصلحة الجماعيه ومصلحة الأفراد على السّواء. وبهذا فإنّ النّص على ذلك يعني قبول المشّرع بمخالفة الإدارة الواضحة لقاعدة دستوريّة أو قانونيّة وهو فيه خروج عن قاعدة التدرّج الهرمي للقوانين وسموّها ممّا يعطي مجالا للإدارة بعدم إحترام تلك القاعدة ويعطيها حرية أكثر وأكبر في إصدار ما تراه مناسباً لمصلحتها على حساب مصلحة الأفراد وهذا فيه تناقض واضح وخروج صريح على مبدأ المشروعية الّذي يحمي تلك المصلحتين.

وأخيراً نشير إلى التّعديل الأخير الّذي طرأ على المادّة (94) من الدّستور الأردني الصّادر بتاريخه 1/10/2011 والّذي قلص من صلاحيّة السّلطة التّنفيذية بإصدار القوانين المؤقّتة حيث ألغى عبارة ( عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد) ونصّ على حالة ما إذا كان المجلس منحلاً وهو تقيّد واضح لصلاحيات السّلطة التّنفيذيّة بإصدار القوانين المؤقّتة وقيّدها كذلك بظروف عدّة من حيث القيد المكاني والزّماني، وأضاف عليها قيداً يستحق الثّناء والتّقدير وهو عند عرض القانون المؤقّت على مجلس الأمّة في أوّل إجتماع يعقده وعلى المجلس البت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالتها. وفي حال رفض أو إنقضاء المدّة المنصوص عليها في هذه المّادة ولم يبث المجلس بها وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلان نفاذها فوراً.
وهو تعديل جدير بالإشارة إليه لما له من إيجابيّات على صعيد تقنين صدور القوانين في حالة غياب المجلس بسبب إنحلاله فقط وإذ تنمنّى على مشرّعنا الكريم أن تخضع كافة الأنظمة الإداريّة إلى مراقبة القضاء الإداري بدعوى الإلغاء وليس وقف العمل بها لأنّ الآثار المترتّبة على الإلغاء تختلف إختلافاً كلياً عن آثار وفق العمل بالقانون أو النّظام غير المّشروع لأنّ الغاية بالأساس هو حماية مبدأ المشروعيّة فما بني على باطل فهو باطل فمن باب واستقرار الأوضاع الإداريّة والقانونيّة إلغاء النّظام وليس وقف العمل به.

المبحث الثالث : امتداد ميعاد الطّعن

إنّ الحكمة من تحديد ميعاد الطّعن هو استقرار المعاملات الإدارية وصدورها في مدّة قصيره إلاّ أنه في بعض الحالات ولمصلحة المراكز القانونيّة وأصحاب الشّأن فإنّ الشرع قد أعطى لهؤلاء فرصة امتداد الطّعن في بعض حالات محددّة وظروف خاصة في رفع الدّعوى حتى بعد فوات ميعاد الطّعن وهذه الحالة يمكن أن تكون موقّفة لمدّة الطّعن أو قاطعة لها إنما يكون الفرق بينهما أنّ حالة وقف مدّة الطّعن يترتب عليها استكمال المدّة المتبقيّة بعد زوال سبب الوقف واحتساب المدّة المتبقيّة ضمن مدة الطّعن بينما يكون حالات الإنقطاع في زوال المدّة السّابقة وبدء ميعاد جديد للطّعن.
وهذا ما سنتحدّث عنه تباعاً في المطلبين التاليين.

المطلب الأوّل:- حالة وقف ميعاد الطعن (القوة القاهرة)

وبما استقر عليه الفقه في أغلب تعريفات القوة القاهرة بأنها ” حادث مفاجئ أو عذر قهري خارج عن إداردة الشخص يمنع صاحب المصلحة من رفع دعواه إلى القضاء” .
فعند ظهور مثل هذه الظّروف الخارجة عن إرادة صاحب الشّأن فإن المشّرع يمنحه مهلة إضافيّة مساوية لمدّة القوّة القاصرة ومن أمثلتها حالة وقوع حرب، أو كارثة طبيعية، أو أي فعل يلحق بصاحب الشّأن ظرفاً يحول دون استعمال حقّه في الطّعن كالحبس أو الإعتقال أو المرض… ومن تطبيقات محكمة العدل العليا بهذا تقول ” تغيّب الموظف عن أعمال وظيفته بسبب توقيفه من قبل قاضي الجزاء يعتبر قوّة قاهرة ذلك أنّ الغياب بسبب القوّة القاهرة يكون خارجاً عن إرادة الموظّف ولا يشكل سبباً غير مشروع “.
فالقضاء هو الّذي يتولّى التّحقّق من توفّر حالة القوّة القاهرة من عدمها مستخلصاً ذلك من ظروف كل قضيّة أو حالة . وفي حالةقبولها يعطي صاحب الشّأن مدة مماثلة لمدة القوّة القاهرة.

المطلب الثّاني:- حالات انقطاع ميعاد الطّعن

عند تحققّ الحالة القاطعة يؤدّي إلى زوال المدّة السّابقة وبدء ميعاد طعن جديد ولا تحسب المدّة المتبقيّة وتعتبر كأنها لم تكن، وتلك الحالات هي :-
التظلّم الإداري، تقديم الدّعوى إلى محكمة غير مختصّة، طلب المساعدة القضائيّة، اعتراض جهة إداريّة على القرار خلال المدّة، رد الدّعوى لتغيّب المستدعي لعذر غير مشروع .

الفرع الأول:- التظلّم الإداري
تصدّى جانب من الفقه إلى تعريف التظّلم الإداري بإعتباره وسيلة لفض المنازعات الإداريّة فعرّفه البعض ” صدور قرار معيب (أو غير ملائم على الأقل في نظر ذي المصلحة( فيتقدّم أحد الأفراد ممّن يمسهم إلى الجهة التي أصدرته أو إلى جهة رئاسيّة طالباً سحبه أو تعديله .
وعرف أيضاً أنه طلب يتقدّم به صاحب الشّأن الى الإدارة لإعادة النّظر في قرار إداري يدعي مخالفته للقانون.
وعلى إختلاف التّعريفات فإنّها تدور حول فكرة واحدة وهي أنّ التّظلّم الإداري يقدّم إلى مصدر القرار نفسه أو الجهّة الرئاسية بغية استقرار قرار أكثر اتفاق مع القانون على اعتبار وجود نزاع ما بين الإدارة و الإفراد المتعاملين معها، وعليه لا يمكن اعتبار الطلبات التي يقدمها صاحب الشأن تظلّماً إداريّا إذا لم تتضمّن تحديداً واضحاً ودقيقاً لموضوع النّزاع القائم ويتوجّب على صاحب الشّأن أن يبرز في تظلّمه موضوع النزاع القائم مع الإدارة بصورة واضحة لا غموض فيها.
وتكمن أهميّة التظلم الإداري على صعيد الإدارة ذاتها وأهميّة للأفراد والمتعاملين معها وكذلك على الصّعيد القضائي, فمن خلاله تستطيع الإدارة مراقبة مشروعيّة أعمالها وإكتشاف أوجه الخلل أو القصور التي تتعرض لها بإصدار القرارات الإدارية التي تنعكس إيجابيّا على سير المرافق العامّة كما أنّ حسم المنازعات إداريّاً يحافظ على أسرار الإدارة وتبقى ضمن محيطها الطبيعي وكذلك يعتبر التظلم الإداري وسيلة غير مكلفة ماليّاً للأفراد ,ولا تخضع لشروط شكليّة قاسية كشروط إقامة دعوى الإلغاء فتستطيع الإدارة إلغاء أو محي القرار بطريقة وديّة وبسيطة فتتحقق الصورة الإيجابية بعلاقة الإدارة مع الأفراد لبناء جسور الثّقة بينهما وهو بالتأكيد يقلّل من عدد الطّعون المقّدمة إلى القضاء الإداري وتخفيف العبئ عن كاهله لينصرف إلى النّظر في الطّعون التي لم يتوصل الطرفان بها إلى حل. فرقابة القضاء هي رقابة مشروعيّة بينما الإدارة تستطيع أن تعدّل القرار أو تلغيه بمجرد عدم ملائمته.
والتظلم الإداري قد يكون وجوبيّاً بنص القانون فيلزم المشّرع صاحب الشّأن في حالات محدّدة بالّلجوء إلى الجهة الإدارية بتظلّم إداري قبل الّلجوء إلى القضاء وهو ما أخذ به المشّرع الأردني، وقد يكون جوازيّاً أو إختياريّاً بحيث يملك صاحب الشّأن حرية تقديمه أو عدمه حسبما يراه محققا لمصلحته.

إنّ الفقه والقضاء الإدارييّن لم يضعا معياراً للتمييّز بين نوعي التظلّم، إلاّ أن إرادة المشّرع الذي يضع القاعدة القانونيّة ويتولّى صياغيتها هو الّذي يحدّد ما إذا كان التظلّم وجوبياً أم جوازياً. وذلك من خلال العبارات الدالة على ذلك بالقول(يجب تقديم التظلّم،أوجوب تقديم التظلّم ) فيعتبرعند ذاك تظّلماً وجوبياً كما نصّ عليه القانون. وقد تكون إرادة الشّرع صريحه باعتبارالتظلّم جوازيّاً كالقول (يجوز أو يحق تقديم التظلّم” أو أن يسكت عن النّص وعندها يعتبرالتظلّم جوازيّاً. ومن أمثلتها ما نصّت عليه الفقرة أ من المادة 47 من نظام الهيئة التّدريسيّة في الجامعة الأردنية حيث نصّت على” لرئيس القسم أن يوقّع عقوبة التنبيه ويجوز لمن وقعت عليه أن يستأنف القرار بذلك.
ولهذا فإن الأصل في التظلم أن يكون جوازياً إلا إذا نص القانون على غير ذلك. وهذا الأمر يتطلب بحثه وقراءته بشكل دقيق لما يحتمله من أوجه كثيرة مختلفة وما يترتب عليه من نتائج هامة نتطرق للحديث عنها كما سيأتي .

موقف القضاء الإداري من التظلّم الإداري :-

بالرّجوع إلى قرارات محكمة العدل العليا نجد أنها تتجه إلى حدّ بعيد أو جازم بالأخذ بالتظلّم الوجوبي كقاطع لميعاد الطّعن حيث جاء في بعض أحكامها بالقول ” إنّ الإعتراض الذي يقطع المدّة هو الإعتراض الذي ينظّمه القانون “.
وفي قرار آخر لها قالت ” التظلّم الذي يقطع المدّة هو التظلّم المنصوص عليه قانونا “.
ومن تطبيقاتها كذلك بما قالت ” إنّ التظلّم الإداري الّذي يقطع ميعاد الطّعن هو التظلّم الذي يقدم ضد قرار قابل للتظلم منه، أي أنه يجب أن يكون هناك نص في القانون يجيز التّظلّم إلى الجهة الّتي أصدرت القرار أو إلى الجهة التي تملك سحب القرار أو تعديله أو إلى الجهات الرّسمية إذا كانت هي المرجع”.
من هذه الأحكام وغيرها الكثير بهذا الشّأن يتّضح بأنّ اتُّجاه محكمة العدل العليا الأخذ بالتظلّم الوجوبي لاعتباره قاطعاً لمدّة الطعن القانوني .
إلا أنه وفي أحكام أخرى لها قد أخذت بالتظلّم الجوازي ومن تطبيقاتها ما قالت” يجوز الإعتراض على القرارات الصّادرة عن أي مجلس إلى المجلس الذي يعلوه تسلسلًا ويكون القرار الصّادر عن المجلس المعترض إليه قراراً قطعيّاً غير قابل للطّعن أمام أي جهة أخرى. يفهم من هذا القرار أن الإعتراض بموجب المادّة السّابقة هو إعتراض جوازي متروك لخيار ورغبة من له حق الإعتراض وليس اعتراضا وجوبياً يشترط لقبول الطّعن في القرار لدى هذه المحكمة سبق إتباع الإعتراض لدى الجهة الأعلى تسلسلاً, اما إعتبار القرار قطعيّاً فذلك لغايات التظلّم الإداري وليس لغايات الطّعن أمام محكمة العدل العليا .ومن هذا نخلص إلى أن قرار الطّعن هو قرار إداري نهائي قابل للطّعن أمام محكمة العدل العليا وعليه يكون الدّفع غير وارد وحقيقا بالرد.”

شروط التظلم الإداري القاطع لميعاد الطعن

أن ما يترتب على التظلم الإداري هو قطع ميعاد الطعن المنصوص عليه في قانون محكمة العدل العليا ال60 يومأو بما يحدده تشريع خاص ويترتب عليه بدء ميعاد سريان جديد للطعن ولكي يكون التظلم الإداري منتجا لآثاره لا بد من توافر بعض الشّروط اللازمة للعمل به وهي:
1 يجب أن يقدّم التظلّم الإداري ضد قرار قابل للتظلّم.
حينما تتدخل إدارة الشرع بإضفاء صفة القطعية على القرار الإداري فلا ينتج التظلم آثاره. وتكون إدارة المشرع صريحه بذلك بالنص على قطعية القرار الإداري كما في نص المادة (11) من نظام تأديب الطلبة في الجامعة الأردنية حيث نصّت ” تكون جميع القرارات التأديبيّة نهائيّة باستثناء العقوبات المنصوص عليها في الفقرات ط، ي، ك من المادة 4 من هذا النّظام”.
وبناء عليه يتعيّن على الشّخص أن يلجأ إلى القضاء الإداري مباشرة للطعن بالقرارات التي قرّر الشّرع استيعاد التظلّم بشأنها فلا يؤدي التظلّم إلى قطع الميعاد حيث أكدت على ذلك محكمة العدل العليا في قول لها” وحيث أن المادة 14ب من نظام العلاوات الفعلية رقم 2 لسنة 1977 نصّت على أن قرارتها بهذا الشأن غير خاضعة للإعتراض فيكون الإعتراض المقدّم لها بواسطة معالي وزير الصّحة غير قانوني ويكون قرارها بردّه متفقاً مع أحكام المادة المذكورة ولا يعطيه تفويته للميعاد بإعتراضه حقا بقطع أو توقيف مرورالزمن للطّعن”.
2- يجب تقديم التظلم الإداري بعد صدور القرار .
إنّ القرار الإداري القابل للطّعن هو القرار الثّاني الصّادر من جهة الإدارة المختصّة فلا يجوز الطّعن بالإجراءات الإعداديّة أو التحضيرية أو التمهيديّة لإصدار القرار الإداري.
3- يجب أن يقدّم التظلّم الإداري خلال مدّة الطّعن القانوني.
إنّ مدّة الطّعن المحددة في قانون محكمة العدل العليا بالنسبه للقرارات الصريحة هي60 يوم) وفي القرارات الضمنيّة 30 يوم كما نص المادّة 12أ من قانونها فإذا ما انقضت هذه المدّة المحدّدة قانوناً فأنّ القرار يتحصّن ويصبح غير قابل للطّعن فإنّ تقديم التظلم الإداري بعد فوات ميعاد الطّعن لا يؤدي إلى قطع الميعاد أو إحيائه حتى ولو أقدمت الإدارة على إعادة بحث الموضوع مجدّداً وفي حال نص تشريع خاص على مدة معينة فيتقيّد بها الطّاعن سواء بالتظلّم أو رفع الدّعوى.
وفي حال تقديم التظلم ضمن المدّة القانونيّة فإما أن تقرّر الإدارة رفض هذا التظلم كليّاً أو جزئيًّا وبهذا يعدّ هذا الرفض قراراً صريحاً في تأكيد القرار الأوّل ولا يفتح ميعاد جديد ويلجأ الطاعن إلى القضاء بالطعن بالقرار الأول وليس التوكيدي لأنه لم يغير من أركان أو غاية القرار. واستقر قضاء محكمة العدل العليا على عدم قبول الطّعن بالقرارات التوكيدية.
4- يجب أن يكون التظلّم الإداري حقيقيّاً ومجدياً
بأن تكون العبارات الواردة في التظلم واضحة المعاني والمدلول وأن تكون صياغتها دقيقة وغير مبهمة في تحديد القرار والجهة التي أصدرته، ومقدّم التظلم نفسه وطلباته والإدّعاءات التي يستند إليها, فلا يعتبر تظلماً إداريّاً الطلب المقدم إلى الإدارة إذا اقتصرت طلباته على بيان أسباب الإجراء التإديبي أو طلبه استرحام من العقوبة أو الإحتجاج على إصدار القرار فقط.
5- يجب تقديم التظلم الإداري إلى الجهة المختصة.
فمن يملك إصدار القرار يملك تعديله أو سحبه أو إلغاءه. فيجب أن يقدم التظلم إلى من يملك الرّد عليه. فإذا أقرّ الشرع تحديد الجهة المختصّة بنظر التظلّم الإداري فيتوجب تقديم التظلم إلى تلك الجهة المختصة سواء كانت جهة ولائيّة أو رئاسيّة، فإذا تم بغير ذلك فلا ينتج التظلم آثاره بقطع ميعاد الطّعن.
تلك هي الشروط الواجبة في التظلم الإداري بنوعيه لكي يكون منتجاً لآثاره إلاّ أنّ التظلم الإداري لا يقطع ميعاد الطّعن إلاّ مرّة واحدة فقط وهو ما استقرّعليه الفقه والقضاء الإداريّين فلا يحق لصاحب الشّأن أن يقدم تظلّما رئاسيّاً بعد تقديمه تظلّماً ولائيّاً في نفس الوقت أو تقديمه تظلمّين ولائيّين متتاليّين فقد قضت محكمة العدل العليا بهذا الشّأن بالقول” ….. إذ إن تكرار التّظلمات لا يبقي باب الطّعن فيها مفتوحا”.

صور القرارات الاداريه المتعلقه بالتظلم الاداري

أولاً :- إنّ الحكمة من التظلم الإداري كما أوردناه سابقاً يتحقّق لكافّة الأطراف سواء الإدارة نفسها, أو الأفراد المتعاملين معها ,وكذلك القضاء الإداري.
إلاّ أنه يجب الإشارة إلى أن التظلم الإداري وبنظر الباحث هو حق دستوري أقرّته المادة (17) من الدّستور الأردني بالنّص” للأردنيين الحق في مخاطبة السّلطات العامّة فيما ينوبهم من أمور شخصيّة أو في ما له صلة بالشّؤون العامّة بالكيفيّة والشروط التي يعيّنها القانون.”
فهذا الحق الدستوري يسري على كافة القوانين والأنظمة بناءً على قاعدة سمو الدستور في تدرج الهرم القانوني فنرى بأنّ التظلم الإداري حق للأفراد في مواجهة القرارات التي تصدرها الإدارة وليست منحة منها , ولا خلاف على تفتين التصرفات إذا ما رأى الشارع ضرورة لذلك دون الإنتقاص من الحقوق الدّستورية, فلا بد من أن يكون التظلّم في كافة الأحوال جوازياً حتى يتسنى لصاحب الحق اللجوء إلى الإدارة أو إلى القضاء حسب ما تتطلب المصلحة وفي حالة النص على التظلم أصبح وجوبيّاً ولا بد من العمل به قبل اللّجوء إلى القضاء. وهنا يثور التّساؤل هل يعتبر القرار الإداري الذي يتطلّب المشّرع التظلم به إداريّاً قراراً نهائيّاً ؟
وعلّة هذا التّساؤل هو في شكليّة قبول دعوى الإلغاء فالقضاء الإداري لا ينظر إلا في القرارات الإداريّة النهائيّة فإذا ما لجأ الطاعن إلى القضاء دون التوجّه إلى التظلم الإداري فإن دعواه سترد شكلًا لنقص شكلي في قبول الدّعوى (فهوضرورة التظلم ابتداء( وهنا نجد بأنّ القضاء قد تطلّب شرطاً شكليّاً آخر على تعريف القرار الإداري غير الذي أقرته في تعريفها للقرار, خاصة إذا ما رفضت الإدارة التظلم الإداري فهي غير ملزمة بالرّد عليه وإذا ما أصرت على قرارها وأجابت الرد فيكون قراراً توكيداً غير قابل للطّعن.
ثانياً:- في محاولة طرح كافة حالات صدور القرارات الإداريّة والمقرونة بالتظلم بها سواء وجوبيّاً أو جوازيّاً فإنّنا نجد الكثير من الملاحظات الهامّة الواجب ذكرها لما له تأثيرعلى حساب مدّة الطعن بتلك القرارات وذلك كما الآتي:-
الحالة الأولى:- حالة التظلم الوجوبي على قرار إداري صريح ورد الإدارة عليه أو سكوتها عن الرد
بحسب نص المادة 12أ من قانون محكمة العدل العليا بأن يتقدّم صاحب الشّأن برفع دعوى الإلغاء خلال المدّة المنصوص عليها في المّادّة أو في أي تشريع خاص ينص على مدّة معيّنة.
وكذلك التظلم الإداري يجب أن يقدم خلال تلك المدة وإلا تحصّن القرار من الطعن الإداري والقضائي, وفي حالة تقديم التظلم خلال المدّة القانونيّة يبدأ حساب مدة الطعن الجديدة من اليوم الثاني لإعلان هذا القرار لصاحب الشّأن على حسب ما ذهبت إليه محكمة العدل العليا في قرار لها بالقول ” إن التظلم الذي يقطع ميعاد الطعن القضائي هو التظلم الذي يقع ضد قرارات إدارية قابلة للتظلم فيها أمام الجهات الإدارية نفسها… فإنّ المدّة الواجب رفع الدّعوى فيها تبدأ من اليوم التّالي لإعلان هذا القرار لصاحب الشّأن”.
يتضح من هذا القرار أن حساب المدّة الجديدة يبدأ من اليوم التالي لإعلان هذا القرار لصاحب الشأن .لكن لم يوضح القرار ولا يوجد نص تشريعي يحدد المدة الواجب على الإدارة رد التظلم المقدّم إليها والإجابة عليه. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يميّز القرار إعلام صاحب الشأن بهذا الرد هو الوسيلة المعتبره لحساب مدة الطعن فإن كانت تلك الوسيلة معتبره في القرارات الإدارية. فماذا لو كان القرار الإداري تنظيميّاً؟ فلا يستطيع إعلام صاحب الشأن به بوسيلة النشر في الجريدة الرّسمية كما هو مقرر لإعلام أصحاب الشأن بالقرارات التنّظمية.
ولكي نستطيع حصر حالات التظلم الوجوبي على قرارات الإدارة الصريحة وردها على هذا التظلم أو سكوتها عن الرد لا بد من ذكر كل مسألة على حدىً لتوضيح الحالة وإبداء الملاحظات عليها باعتبارها قاطعة لمدة الطعن القانوني.
1- تقديم تظلم وجوبي على قرار إداري صريح ورد الإدارة عليه.
في حال غياب نص تشريعي على تحديد مدة الرّد من قبل جهة الإدارة على التظلم المقدّم إليها فإنّنا نستطيع القول .أنّه يجب عليها أن ترد على التظلم خلال 60 يوم من تاريخ تقديم صاحب الشأن تظلمه إليها ويبدأ حساب مدة الطعن الجديدة من اليوم التالي لتاريخ إعلان صاحب الشّأن بهذا الرد.
فيكون الطاعن له مدة 60 يوم للتظلم ويكون للإدارة 60 يوم للرّد على هذا التظلم وذلك لتحقيق الغاية من تقصير مدة الطعن لاستقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونيّة لكي لا تبقى مفتوحة إلى أجل غير معلوم.
2- تقديم تظلم وجوبي على قرار إداري صريح وسكوت الإدارة عن الرد.
في هذه الحالة يتقدم صاحب الشأن بتقديم تظلم إلى جهة الإدارة خلال مدة الطعن ولا ترد الإدارة على هذا التظلم. وهنا نرى على عكس ما ذهب إليه الدكتور علي خطّار شطناوي من اعتبار رفض الإدارة الطلب على تظلم إداري قرار ضمني بالرفض واعتبار مدة 30 يوم لحساب مدة الطّعن للقرارات الضمنيّة وذلك لعدة إعتبارات أوّلها- أنّ القرار الصّادر من الإدارة هو قرار صريح تسري عليه مدّة الطّعن بالنّسبة للقرارات الصريحة. وثانيها- أنّ رد الإدارة على التظلّم أو سكوتها عن رد لا يعتبر قراراً إدارياً جديداً لأنه لا يغيّر أو يعدّل من مضمون القرار, لأن الإدارة تعيرعن موقفها تجاه القرار فإما أن تلغيه أو تسحبه أو تعدّله فتحقّق بذلك مصلحة الطّاعن ,أو أن تؤكد قرارها أو ترفض النظر بالتظلم فلا تكون إلاّ أمام قرار توكيدي للقرار الأول فهوغير قابل للطعن به. فيبقى القرار الإداري صريحاً تسري عليه مدة الطعن المنصوص عليها.
إلاّ أنه في حالة سكوت الإدارة عن رد التظلم يبدأ حساب مدة الطعن وعلى حسب رأينا من اليوم التالي لإنهاء مدة ال 60 يوم من تقديم صاحب الشّأن تظلمه للإدارة على إعتبار تحديد مدة للإدارة للرّد على التظلم الإداري الوجوب
وبذلك نستطيع ضبط عمل الأفراد والإدارة على حد سواء, وتحديد مدة معقولة ومنطقيّة للقرار حتى لا تبقى المراكز القانونيّة والأوضاع الإداريّة في حالة من الإرتباك وعدم الإستقرار وتحصين القرارت بعد إنتهاء تلك المدّة.
الحالة الثانية:- حالة التظلم الوجوبي على قرار إداري ضمني ورد الإدارة عليه أو سكوتها عن الرد.
فقد تصدر القرارات الإدارية بشكل ضمني إذا لم يتطلب المشّرع شكلاً معيناً لإصداره فماذا لو صدر القرار ضمنيّاً وكان يرد عليه تظلم وجوبي…؟
ولتوضيح ذلك لا بد من طرح تلك المسألتين على النحو التالي :-

1- تقديم تظلم وجوبي على قرار إداري ضمني وسكوت الإدارة عن الرد.
فالقرار الضمني على حسب نص المادة 12أ يبدأ حساب الطعن به بعد انقضاء 30 يوم من تاريخ تقديم المستّدعي طلباً خطياً لتلك الجهة لتتّخذ قرارها. وفي حالة التظلم الوجوبي على هذا القرار متى تبدأ حساب مدة الطعن الجديدة؟
فهل يعتبر تقديم طلب الإستدعاء إلى الإدارة لتوضيح رأيها من القرار تظلماً إدارياً ؟ وإن كان غير ذلك فهل من المعقول أن يتقدم صاحب الشأن إلى جهة الإدارة بطلب استدعاء لتوضيح رأيها من القرار واتخاذه ثم بعد انقضاء تلك المدة بعد ردّها على الطلب يستطيع صاحب الشأن أن يتقدم بتظلم إداري موجه إلى الإدارة على إعتبار أن القرار أصبح قرارا ضمنيّاً بالطعن.
وهل نستطيع القول أنه لا يجوز التظلّم بالقرارات الإداريّة الضمنيّة.
كل هذه الأسئلة لم نجد لها نصوصاً تشريعيّة تنظّمها ولا حتى قرارات قضائيّة تحكمها. ولذلك نستطيع القول أنّه لا بد من التّفريق بين طلب الإستدعاء المقدّم إلى الإدارة من قبل صاحب الشّأن للتتّخذ الإدارة موقفها من القرار. وبين طلب التظلّم ,لأن الإفتراض الأوّل ينصّب وينحصر في موقف الإدارة من قرارها في أن يخرج بشكل صريح أو يبقى ضمنيّاً بعد انتهاء المدّة القانونيّة ,فالعبرة في الإستدعاء الأول هو إستدعاء موجّه إلى الإدارة لكي يدرك صاحب الشّأن موقف الإدارة من القرار, بينما التظلّم ينصّب على إلغاء القرار على اعتبار أنّه غير مشروع ومصلحة الطّاعن أن يلغي أويعدل القرار من الإدارة فهو موجّه إلى القرار أكثر ما هو موجّه إلى الإدارة. وعليه فيمكن حساب مدّة الطّعن الجديدة بعد انقضاء 30 يوم من تاريخ تقديم المستدعي التظّلّم الإداري وليس من تاريخ تقديم المستدعي طلباً خطيّاً للإدارة لإتّخاذها القرار، فالعبرة من قطع مدّة الطّعن وحساب مدة جديدة أخرى هو التظلّم الإداري وليس الإستدعاء الموجّه للإدارة بالقرار الضّمني لتتّخذ قرارها. لأنّ القول بغير ذلك يؤدي إلى رد القضاء دعوى الإلغاء شكلا الموجّه إليه من قبل صاحب الشّأن بعد انقضاء مدة الطعن القانوني لفوات الميعاد .
ولهذا فأنّ مدة 30 يوم الأولى تكون للقرار الضّمني من جهة الإدارة ومدة ال 30 يوم الثّانية تكون لتقديم التظلّم الوّجوبي وبعدها نبدأ حساب مدّة ال 60 يوم المقررّة في نص المادة 12أ من قانون محكمة العدل العليا.

2- تقديم تظلّم وجوبي على قرار إداري ضمني ورد الإدارة صراحة عليه.
في حال ردّت الإدارة على القرار خلال المدّة المّنصوص عليها في القانون فيخرج القرار من شكليّة السلبيّة ) الضمنيّة( ليصبح بذلك قراراً إداريّاً صريحاً تسرى عليه المدّة الّتي ذكرناها سابقاً. ويبدأ حساب الطّعن من اليوم التالي لتاريخ إعلام صاحب الشّـأن برد الإدارة سواء بالقبول أو الرّفض. لأنّ الإفصاح عن رفض الإدارة قبول الطّلب يعتبر قراراً صريحاً بالرّفض وليس قراراً ضمنيّاً بالرّفض لأنّ القرار الضّمني من أهم شروطه هو سكوت الإدارة وصمتها عن اتّخاذ موقفها من القرار فيبقى في دائرة القرار الضّمني ومرور المدّة المعيّنة قانونياً على هذا الصّمت.
الحالة الثّالثة:- حالة التّظلم الجوازي على قرار الإدارة الصّريح أو الضّمني ولأنّ محكمة العدل العليا لم تأخذ بالتظلّم الجوازي كقاطع لمدّة الطّعن على الرغم من أنّه في بعض أحكامها اتّجهت نحو الأخذ به كما أوردناه سابقاً, إلا أننا سنحاول طرح بعض الملاحظات حول هذا الأمر وموقف القضاء من ذلك على اعتبار أنّ الآثار المترتبة على التظلّم الجوازي سواء بالقرارات الصريحه أو الضمنيه واحدة .
1- أنّ التّظلّم الجوازي هو الأصل في المعاملات الإدارية وأن التظلّم الوجوبي استثناء على ذلك. فكيف نعطي قيمه للاستثناء على حساب الأصل.
2- في بعض الحالات نصّ القانون صراحة على حق أصحاب الشّأن في التّظلّم وهو (الحق الجوازي) فإما أن يعمل به الطّاعن أو يلجأ مباشرة إلى القضاء ,ومن المعروف اذا نصّ القانون على أمر معيّن يصبح قاعدة قانونيّة, فكيف يمكن لنا القول بأنّ ما نصّ عليه في عبارات تحتمل وجهتين من التعامل أنه جوازي على الرّغم من ورودها ينص تشريعي. فالعبرة في النّص القانوني وليس في الألفاظ. وعلى حسب رأينا أنّه ما ينص عليه القانون فهو وجوبي وما لم ينص عليه فهو جوازي حتى ولو استعملت ألفاظ دالّة عليه مثل يجوز أو يحق. ودليلنا على ذلك أنه وبالرّغم مما نصّ عليه القانون لم يأخذ به القضاء على اعتبار جوازية الألفاظ ونحن نرى بالمطلق أن تبقى الأصل في المعاملات الحرية ما لم ينص القانون على تقيدها. فلا يجوز القول أنّه منصوص عليها في القانون لكنها جوازية. وهذا ما نأمله على مشرعنا الكريم من ضرورة النظر إلى هذا الأمر بنظره قانونية سليمة توافق ما بين الألفاظ والمضمون أو الغاية منه. وإذا ما سلمنا جدلاً بذلك وأنّ النّص على جوازية التظلم يبقيه في دائرة التظلّم الجوازي. فهل نستطيع القول أنه ما لم ينص علي المشرع يكون تظلّماً وجوبيّاً على اعتبار مفهوم مخالفة القاعدة القانونية فيكون التّظلّم جوازي في حالة وجود نصّ يجيز أو يحق لصاحب الشّأن التظلّم ,وفي حالة عدم النّص يعتبر التظلّم وجوبي وهو بالتّأكيد قلب الإستثناء على الأصل إلاّ أننا ما نراه في النصوص والتّطبيق القضائي ما يدعونا إلى القول بذلك.
3- إنّ النّظر إلى غاية وهدف التظلّم وما يترتب عليه من نتائج و لكافّة أطراف العلاقة سواء الإدارة أو الأفراد أو القضاء. فإنّه وبهذا التميّز بين التظلّم الوجوبي والجوازي يخرج هذا الهدف من مضمونه. وأصبح التّظلم الوجوبي الّذي تحقق معه غاية صاحبه أدنى قوة وأقل ميّزة من التّظلم الجوازي لأنّه قد يحرم الطّاعن من الإلتجاء إلى القضاء وفي حالة جهله أو قلّة خبرته في الأمر مما يترتّب على ذلك رد الدّعوى شكلاً إذا ما تظلّم أو انقضت المدّة القانونيّة للتظّلم. بينما في التظلّم الجوازي يحق لصاحب الشّأن أن يلتجأ إلى الإدارة بتظلّم إداري أو أن يلتجأ إلى القضاء بدعوى قضائيّة في آن معاً. وهنا لم نقلب الاستثناء على الأصل بل قلبنا الوسيلة على الهدف والغاية. فنحن نرى ضرورة الأخذ بكلا التظلّمين سواء الجوازي أو الوجوبي لإتحادهما بالغاية والهدف مع التّأكيد على ضرورة التظّلم دون اعتباره شكليّة واقعية لقبول الدّعوى أو ردّها فيتعامل القضاء مع نوعي التظلّم بطريقة واحدة لا فرق بينهما. فإن كان لا بد من الأخذ بالتّظلّم الجوازي كقاطع لمدّة الطّعن فإنّه لا بد أيضاً من عدم إشتراط التظلّم الوجوبي شكليّة لقبول الدّعوى أو ردّها, لتحققّ الغاية الأساسيّة من هذا التظلّم ولكافّة أطرافه.

الفرع الثّاني: تقديم الدّعوى إلى محكمة غير مختصّة
إنّ الأنظمة اّلتي تأخذ بالقضاء المزدوج قد يتم فيها تقديم دعوى إلى محكمة غير مختصّة ,وإذا ما حصل ذلك وقدّم الطّاعن دعوته إلى محكمة غير جهة الإختصاص فإنّ مدة سريان الطّعن القانوني تنقطع ويستمر هذا الإنقطاع حتى صدور حكم بعدم الإختصاص واكتسابه الدّرجة القطعيّة، فحينها يسري ميعاد طّعن جديد يبدأ من تاريخ صدور حكم المحكمة بعدم الإختصاص.
وحكمة هذا القضاء لا ترجع إلى أنّ رافع الدّعوى قد كشف عن رغبته في مهاجمة القرار المطعون فيه، ولكن إلى أن الدعوى في هذه الحالة هي بمثابة تظلّم قدّم في الميعاد.
وبالتّالي يسرى على هذا الأمر ما يسري على التظلّم الإداري من خلال النّصوص الناظمه له في تحديد مدّة الطّعن ,أي أنه يشرط لقبول أو قطع مدة الطّعن في هذه الحالة أن يتقدّم الطّاعن بدعواه إلى محكمة غير مختصّة ضمن المدّة المحدّدة قانوناً للطّعن وأثناءها, وإلا ردت الدّعوى شكلاً. ولا بد كذلك للطّاعن من أن يبيّن جهة الإدارة التي أصدرت القرار سواء ولائيه أو رئاسيّة وهو بصدد مخاصمتها، ويطلب إلغاء القرار أو تعديله وأن يصل إلى الإدارة طلب المدّعي وإلا فلا يكون له أثراً قياساً على التّظلّمات الإدارية المقدّمة إلى جهة الإدارة غير المختصة فينظر إلى هذا الأمر ليس على أساس واقعة رفض الدعوى إلى محكمة غير مختصّة، ولكن على اعتبار المستمد من كون الجهة الإداريّة قد وصلها طلب المستدعي في الميعاد. وعليه لا يجدي رافع الدّعوى أن يتظلّم إلى الإدارة مّرة أخرى بل يجب عليه أن يرفع دعواه إلى المحكمة المختصّة مباشرة قياساً على أن التظلّم لا يقطع المدّة إلاّ مرة واحدة.
وبهذا نصّت محكمة العدل العليا بالقول ” كان على المستدعي أن يطعن بالقرار السّابق ضمن المدّة القانونيّة والذي من شأنه التأثير في المركز القانوني للطّاعن إذ أنّ تكرار التّظلّمات كما هو الحالة في هذه الدّعوى لا يبقي باب الطّعن مفتوحاً “.
وفي التطبيق العملي لا نجد لهذا الأمر شأناً كبيراً إذ أن معرفة الجهة المصدرة القرار الإداري غالباً ما تكون واضحة وإن توزيع الإختصاص القضائي منصوص عليه في القانون وإذا ما حدث ذلك فعلاً فإن الشّروط الواجب في ذلك يجب اتباعها ومن الأحكام النّادرة في هذا الشّأن فقد قضت محكمة العدل العليا في قرار لها بالقول ” أنّ المستدعي لم يتباطئ في تقديمه لطلبه مدّة تؤدّي إلى اعتباره أنّه أهمل ما يعتبره حقاً له في مراجعته محكمة العدل العليا خاصة بعد أن تبيّن أنّه أمضى قسماً من هذهالمدّة في مراجعة المحكمة المركزيّة لفسخ قرار التّحكيم ” .

الفرع الثّالث: طلب المساعدة القضائيّة.
قد يلجأ الطاعن إلى محكمة العدل العليا بإعفائه من رسوم رفع دعوى الإلغاء. مما يترتب على قبول هذا الطلب قطع ميعاد الطعن وحساب مدة جديدة له، إلا أننا لا نجد بشريعات أو أحكام القضاء الأردني وعلى اختلاف أنواعها واختصاصاتها مصطلح الإعفاء من الرسوم بل تأخذ المحكمه بمصطلح تأجيل الرسوم ولهذا سيكون حديثنا حول طلب تأجيل رسوم الدعوى، فنصت المادة (16) من قانون محكمة العدل العليا بالقول ” يستوفى عند تقديم الدعوى إلى المحكمة الرسم الخاص بدعاوى محكمة العدل العليا المنصوص عليه في نظام رسوم المحاكم “.
وكما نصت المادة 13أ من نفس القانون على ” … لا تسمع الدّعوى لدى المحكمة إلاّ إذا كان استدعائها موقّعاً من محامي استاذ مارس المحاماه بهذّه الصّفة لمدّة لا تقل عن خمس سنوات أو عمل في وظيفة قضائيّة لمدّة مماثلة قبل ممارسته للمحاماه “.
إنّ هذين النّصين يعتبران شرطان شكليّان لقبول دعوى الإلغاء أمام محكمة العدل العليا وعليه فإنّ ما يقطع مدّة الطّعن في القرارات الإداريّة واحتساب مدّة جديدة هو أن يتقدّم محامي صاحب الشّأن بطلب تأجيل الرّسوم القضائيّة ,وفي حالة موافقة المحكمة على ذلك فإنّ مدّة سريان الطّعن تنقطع ليبدء معها سريان ميعاد الطّعن الجّديد من تاريخ رفض المحكمة طلب المستدعي وهذا الأمر لا خلاف عليه، لكن في حالة قبول المحكمة طلب المستدعي بالتّأجيل فهل يبقى ميعاد سريان الطّعن مفتوحاً إلى حين دفع الرسوم أو تبدأ في حساب المدة من تاريخ قبولها الطلب؟
وفي حالة قبول طلب المستدعي بتأجيل الرّسوم فهل تبقى المحكمة بمنأى عن النّظر في الدّعوى شكلاً أو مضموناً إلى حين دفع الرّسوم كما هو متّبع في نظام رسوم الحاكم أو كما أشار إليه قانون محكمة العدل العليا.
إذا كانت الحكمة من قطع ميعاد الطعن القانوني في طلب تأجيل الرسوم هو تفادي سقوط حق صاحب الشأن في رفع دعوى الإلغاء إذا لم يستطيع دفع الرّسوم ,وانقضاء مدّة الطّعن القانوني فمن باب العدالة التي يتوخاها القضاء الإداري أن يراعي ظروف وأحوال أصحاب الشّأن وكما يرى الدّكتور سليمان الطّماوي إن عدم رضاء المتظلّم من القرار الإداري كافية لوقف الميعاد إذ قد تراجع جهة الإدارة نفسها وتنصف المتظلّم وتكفيه مؤونة التقاضي, فإنّه من باب الأولى الإعفاء من الرّسوم في الدّعوى للفقر أوضح أثراً وأبلغ في إفادة المعنى.

وبالرّجوع للاحكام النّاظمة لهذا الشّأن في قانون محكمة العدل العليا نرى وكما أشرنا سابقاً أنّها لا تأخذ بمبدأ الإعفاء الكلّي من الرّسوم بل ترجع إلى ما قرّره نظام رسوم المحاكم وهو بالتّالي لا يمكن للمحكمة أن تصدر قرارها وتنظر في الدّعوى إلاّ بعد دفع الرّسوم و تبقى القضيّة معلّقة على دفع الرّسوم. فكيف يمكن إذاً الحديث عن أنّ هذا الطّلب في تأجيل الرّسوم يقطع مدّة الطّعن. فالأصل أنّ قضاء محكمة العدل العليا هو قضاء مشروعيته والخصم في الدعوى القرار الإداري وليس أطراف الدعوى. فمن باب حماية مبدأ المشروعيّة أن تنظر المحكمة في الدّعوى وتصدر قرارها وحكمها في القضيّة المعروضة أمامها. فلو افترضنا أن المستدعي يطعن بقرار إحالته على التقاعد لوصوله سن التقاعد القانونيوطعن بهذا القرار وأثبت أنه لم يصل بعد إلى سن التّقاعد القانوني فهل تبقى الدّعوى مقدّمة إلى حين دفع الرّسوم التي ربما لا يستطيع الطّاعن دفعها إلى مدّة طويلة مما قد تنتهي مصلحته من الطّعن، إضافة إلى ذلك إن اشتراط توكيل محامي للنّظر بالدّعوى أمام محكمة العدل العليا وفي هذا الشّأن تحديداً قد يجعل صاحب الشأن في حيرة وارتباك بين الدّفع للمحامي أتعابه أو دفع الرّسوم القضائيّة. فمن باب أولى الدفع للخزينة العامة وإجابة طلب المستدعي صاحب الشّأن مباشرة دون اشتراط رفعها من محامي. وأن يكون الإعفاء كليّاً من دفع الّرسوم بدلاً من التّأجيل للنّظر في الدّعوى حماية لمبدأ المشروعيّة واستقرارا للمراكز القانونية كمبدأ عام. فتنظر المحكمة الدّعوى وتبحث عن الظروف الشكليه أو الموضوعية الأخرى لرد الدّعوى أو قبولها.
وعلى أي حال فإنّنا نجد بالواقع العملي أنّ إشكاليّة دفع الرّسوم لا تثير صعوبات كثيرة خاصّة أنّ لدى محكمة العدل العليا صلاحيّة في تقدير الرّسوم يبيّن حد أدنى و أعلى ,فإذا ما رأت ظروف الطّاعن بعد تقديمه طلب التّأجيل والتّأكد من حالته الماديّة أن يقدّر الحدّ الأدنى من الرّسوم وتتفادى المحكمة والطّاعن هذه الإشكاليّة.

الفرع الرّابع : رد الدّعوى لتغيّب المستدعي لعذر غير مشروع.
حيث تتطلّب هذه الحالة أن يتقدّم الطّاعن برفع دعوى أمام القضاء الإداري في مدة الطّعن القانونية وخلالها. وفي أثناء النّظر بالدّعوى قد يتغيّب المّستدعي عن حضور جلسة أو جلسات المحكمة فترد الدّعوى لهذا التّغيّب ويبدأ ميعاد طعن جديد من تاريخ تبليغ المّستدعي رد الدّعوى لتغيّبه.
لم تأخذ هذه الحالة إهتمام فقهاء القانون الإداري ولم يعتبرها البعض حالة قاطعة لميعاد الطّعن كما دلّل على ذلك الدّكتور نوّاف كنعان من خلال نص المادة 23 من قانون محكمة العدل العليا وفي حكم لها بالقول ” يستفاد من أحكام المادّة (23) من قانون محكمة العدل العليا ……….لأنّ إقامة الدّعوى وردّها لا يقطع التقادم وعليه فإقامة المستدعين دعوى جديدة بعد مضي المدّة القانونيّة يجعلها مردودة شكلاً ولا يغيّر من ذلك أنه سبق للمّستدعي أن أقام دعوى سابقة ردّت شكلاً لغيابه لأن إقامة الدّعوى وردّها لا يقطع مدّة الطّعن “.
وبالرّجوع إلى نص المّادة 23 من قانون محكمة العدل العليا تقول
” أ- إذا لم يحضر المستدعي أمام المحكمة في الموعد المحدّد للمباشرة في النّظر في دعواه أو تخلّف عن حضور أي جلسة من جلسات المحكمة فيها دون عذر مشروع تقبله المحكمة فتقرّر المحكمة ردّها على أنّه يحق لذلك الشّخص تقديم دعوى جديدة.
ب- إذا لم يحضر المستدعي ضده في أي جلسة من جلسات المحكمة في الدّعوى دون عذر مشروع فترى محاكمته فيها بصورة غيابيّة على أنّه يحق له أن يحضر جلسات المحكمة التّالية وإبداء الدّفوع القانونيّة لا الواقعيّة “.
وبالنّظر إلى هذه المادّة نكون أمام أمرين الأوّل في حالة تغيّب المستدعي عن حضور أي من جلسات المحكمة بدون عذر مشروع فإنّ الدّعوى ترد ويحق لصاحب الشّأن رفع دعوى جديدة بعد ذلك. إلاّ أنّه كيف يتصوّر تقديم العذر المشروع وقد ردّت الدّعوى لهذا التغيّب دون أن تنتظر المحكمة تقديم المستدعي دفوعه القانونيّة في جلسة ثانية, فهي دائماً ما ترد المحكمة الدّعوى بمجرّد تغيّب المستدعي عن حضور الجلسات. ممّا يضّطّر بالمستدعي رفع دعوى جديدة من تاريخ علمه برد الدّعوى. وهذا على عكس الحالة الثانية الّتي نصّت عليها المادة في الفقرة (ب)التي تعطي لتغيّب المستدعي ضده (لإدارة) عن حضور جلسة من جلسات المحكمة فرصة ثانية لتقديم دفوعها القانونيّة وتجري محاكمتها غيابيّاً لكن دون رد الدّعوى وتحميل الإدارة عبئ رفعها مرّة أخرى. فالمحكمة دائماً ما تفترض تغيّب المستدعي ضدّه لعذر مشروع وتستمر في نظر الدّعوى وإن أصدرت حكماً غيابيّاً بحقّها.
ونحن نرى ابتداءً حالة الغلو والتّحايز في النّص بين أطراف الدّعوى , حيث افترضت دائماً تغيّب المستدعي ضدّه بعذر مشروع حيث تستمر المحكمة في نظر الدّعوى إلى حين إبداء دفوعه القانونيّة, فيما نفترض على الأغلب أنّ تغيّب المستدعي لعذر غير مشروع إذ كان بإمكانه تقديم عذره مسبقاً أو إنابة محامي غيره وإن كان هذا التّغيّب لعذر مشروع فإنّه وبكلتا الحالتين ترد الدّعوى ولا تستمر المحكمة بنظرها لتقديم المستدعي تلك الدّفوع القانونيّة الّلازمة لإثباته مشروعيّة تغيبه وهذا فيه تميّز واضح ومحاباة لجهة الإدارة المستدعي ضدّه على حساب المستدعي الّذي غالباً ما يكون الطرف الأضعف علماً بأنّ كل القوانين النّاظمة لعلاقات الأفراد مع بعضهم أو مع الإدارة تنحاز للطّرف الأضعف في الدّعوى وهذا ما يتحقّق معه مبدأ العدالة والمساواة المنصوص عليها كقاعدة دستوريّة سامية لا يجوز لأحد من كان تجاهلها على الرّغم من أنّ السّلطة القضائيّة هي أفضل ضمانة وحماية لمبدأ الفصل بين السّلطات, ثمّ هي أفضل وسيلة لإنصاف الحقوق وتحقيق العدل.
وعلى الرّغم من ذلك وبالرّجوع إلى بعض أحكام محكمة العدل العليا نجد لها تطبيقات لإحتساب مدة طعن جديدة في حالة رد الدّعوى لتغيّب المستدعي. ومن هذه التطبيقات قرار لها بالقول ” استقرّ الإجتهاد على أنّ المدّة القنونية الّتي يتوجّب على المستدعي الذي ترد دعواه للغياب أن يتقيّد بها هي مدّة جديدة تبدأ من تاريخ تبليغه قرار رد الدّعوى للغياب وبناء على ذلك فإنّ علم وكيل المستدعي برد دعوى موكّلة للغياب كما هو ثابت من الإستدعاء المقدّم منه بذات تاريخ إسقاط دعوى موكّلة وتقديم الدّعوى الثّانية بعد مرور ستين يوماً من تاريخ علمه برد الدعوى يوجب رد دعواه شكلاً “.
وفي حكم آخر لها في هذا الصّدد تقول ” أعطت المادّة 23أمن قانون محكمة العدل العليا الشّخص الّذي رُدّت دعواه للغياب أن يقيم دعوى جديدة ، فقد استقرّ إجتهاد محكمة العدل العليا على أّنّ المدّة القانونيّة التي يتوجب على المستدعي الّي رُدّت دعواه للغياب أن يتقيّد به هي مدّة جديدة تبدأ من تاريخ تبليغه قرار رد الدّعوى للغياب وحيث أنّه لا يوجد في أوراق الدّعوى ما يفيد أنّ المستدعي قد تبلغ قرار الدّعوى فتكون دعواه مقدّمة على العلم ومقبوله شكلاً من حيث المدّة “.
من هذه الأحكام التي تعتبر حديثه نسبياً نجد بأنّ المحكمة قد اعترفت بمنح المستدعي مدة جديدة لإقامة دعوته في حالة غيابه ليبدأ معها حساب مدّة الطّعن من جديد على أن تكون كلتا الدّعوتين مرفوعتان في خلال مدة الطّعن القانونيّة فيجب رفع الدّعوى الأولى خلال مدة ال60 يوم المقرّرة في نص قانون المحكمة وفي حال رد الدّعوى فيبدأ حساب مدّة الطّعن الجديدة ال60 يوم من اليوم التالي لعلم المستدعي برد الدّعوى للتّغيُّب وإذا قدّمت بعد ذلك الموعد فإنّ دعواه تُرد لفوات ميعاد الطّعن ,وهذا ما يدلل على أنّ حالة رد الدّعوى لغياب المستدعي هي من ضمن الحالات القاطعة لميعاد الطّعن القانوني لما لها من خصائص متشابهة من حالات قطع المدة ولذات الاهداف والغايات التي أقرّتها العدالة القانونيّة والقضائيّة لتطبيق حالات قطع الميعاد حيث أنّ النتيجة من كل هذه الحالات هو بدأ سريان طعن جديدة أمام القضاء الإداري.

الخاتمه

خلصنا في هذا البحث الى ان شرط الميعد القانوني لقبول دعوى الالغاء هو من النظام العام ومن الشروط الاجرائيه المتعلقه بالمواعيد القانونيه التي تنص عليه التشريعات لتحصين القرارات الاداريه من الطعن بها .
وتطرقنا الى أهم النصوص القانونيه الناظمه لشرط الميعاد والاحكام القضائيه المتعلقه بالموضوع .
وان اهم ما ركز عليه البحث هو توضيح وعرض صور كافة أنواع القررات الاداريه الصادره عن الاداره وما يترتب عليها من نتائج هامه على صعيد الاداره والافراد والقضاء .
وان كانت هناك الكثير من الملاحظات المتعلقه بعمل الاداره والنصوص الناظمه لهذه الاعمال فكان من اولها النص على ثلاث صور لاعلام القرار الاداري , علما بانها جميعا تندرج ضمن وسيله واحده وهي علم المخاطب بالقرار سواء كان باسلوب التبليغ , أو النشر , أو العلم اليقيني . وعند الحديث عن التظلم الاداري الوجوبي والجوازي , حاولنا عرض كافة الاشكاليات التي يمكن ان تثار اثناء العمل بها , وما تمخض عن هذا من وجود فوارق كبيره بين المضمون والتطبيق وخاصة فيما يتعلق بالخلط الواضح ما بين القرارات الضمنيه والسلبيه وما يترتب على هذا الخلط من نتائج هامه وتكاد تكون سلبيه على كافة الاطراف , وخاصة المتضرر من القرار .
وكما تحدثنا عن الاستثناءات الوارده على ميعاد الطعن القانوني سواء تعلق بالقرارات الاداريه الفرديه والتنظيميه , وما تمنيناه على مشرعنا الكريم من ضرورة اخضاع كافة القرارات التنظيميه الى مراقبة القضاء الاداري بصوره مباشره وأصليه . وان توسع المحكمه من اختصاصاتها لمراقبة كافة اعمال الاداره حماية لمبدا المشروعيه .
كما كان الحديث ايضا عن حلات امتداد ميعاد الطعن التي منها مايتعلق بوقف المده , ومنها ما يتعلق بقطعها مع توضيح الفارق بينهما وما يترتب على ذلك من نتائج .
ولهذا حاولنا جاهدين المام الموضوع من كافة جوانبه سواء كانت القانونيه والقضائيه والفقهيه والاجتهاديه . موضحين رأينا كلما تطلب الامر ذلك . والله المستعان
الباحث

التوصيات

1- أنه من باب استقرار الاوضاع القانونيه والاداريه نرى أن يكون القرار نفسه مكتوبا وكذلك التبيغ فلا يتصور أن يكون القرار مكتوبا صريحا وان يكون التبليغ به شفويا , ولا نتصور كذلك ان يكون القر ار شفويا وان يكون التبليغ مكتوبا لان التبليغ يجب ان يحتوي على كافة محتويات القرار الا اذا اعتبرنا التبليغ هو ذاته القرار وهذا يدعو بالضروره الى الخلط بينهما وهما من كل الاوجه مختلافان فالتبليغ يعتبر امتداد القرار لكي يكتسب القطعيه فمع التبليغ يبدأ حساب مدة الطعن القانوني وليس ركنا أو عنصرا من عناصر القرار الاداري . ولان عبء الاثبات دائما ما يكون على الجهة التي أصدرت القرار ( الاداره ) فأن من المستحسن أن تصدر القرار وتبلغه بشكل مكتوب لتحقيق غاية القرار وتسهيل التعامل معه من قبل الاداره والافراد والقضاء لا.

2- لا نرى اي صفه قانونيه للتبليغ الا اذا كان من ينوب عن صاحب الشان ممثله القانوني فقط لينتج اثاره ولا نحبذ التسهيل من قيمة التبليغ لاي شخص كان من افراد العائله او الازواج او الابناءاو حارس العماره , لانه في حقيقة الامر لا ينوبون عن صاحب الشان قانونيا الا اذا وردت انابه صريحه بذلك , وما دام انه بالامكان ابلاغ صاحب الشان ذاته فلا داعي لزعزة قيمة التبليغ والدخول بمتاهات الطعن به الى غير سواه , فمن المحتمل التنصل من التبليغ من قبل صاحب الشان فيما لو اتجهت نيته لذلك او تكون هناك خلافات مابين الشخص المراد تبليغه والمتبلغ عنه فاننا سنثقل كاهل الاداره و القضاء بالبحث في الدوافع النفسيه لللاشخاص وما يترتب عليه من عبء الاثبات , وهو ما يحيد بقيمة التبليغ عن الهدف منه في بدء سريان مدة الطعن القانوني . فاننا نأمل ان تتخذ الاداره كافة الاجراءات الاسلم للتبليغ الى صاحب الشان او من ينوبه قانونيا دون التوسع أو التساهل من قيمة التبليغ سيما ان الاداره لها من الوسائل الاجرائيه ما يكفي لتبلغ اصحاب الشان بالقرارات الاداريه .
3- نتيجة للخلط بين القرارات الضمنية والسلبية الناتج عن تعريف المادة (11) من قانون محكمة العدل العليا وتطبيقاتها فإننا نتمنّى على المشرع الكريم إزالة هذا الغموض بضرورة تعديل نص المادة على أن تصبح كما يلي ” يعتبر في حكم القرار الإداري امتناع الجهة المختصّة عن إصدار القرار إذا كان يترتّب عليها إصداره بمقتضى التّشريعات”.
وبهذا يتحقّق معه مفهوم القرار السّلبي الذي دائما ما يكون امتناع الإدارة عن الإفصاح عن إرادتها في إصدار القرار, الذي دائما ما يترتب على هذا الإمتناع الّرفض.ولهذا فإنّ عبارة اتّخاذ القرار ليس في محلّها لأنّها تعبير إيجابي عن سلوك الإدارة فقد تتّخذ الإدارة القرار بالرّفض أو القبول. وهو لا يمكن تصورّه في القرار السّلبي الذي نتيجته الّرفض بناءً على صمتها وسكوتها عن الإفصاح عن قرارها بينما تعني عبارة إصدار القرار محصوراً بشكله السّلبي وهو صدور القرار من الإدارة بالرّفض وعليه فإن معنى سلبية القرار تتحقق سواء أصدرت الإدارة قرارها صراحةً بالرفض أو أنها صمتت عن إصدار القرار مما يعتبر سكوتها عن إصدار القرار رفضاً كذلك. لأن القرار السّلبي دائما ما يكون نتيجة الرفض.
ولإزالة الغموض المتولّد عن المادة 12/ ب من قانون محكمة العدل العليا فإنه يجب إزالة عبارة ” وفقاً كما هو مبيّن في المادة 11″ على اعتبار أن المادة 11 هي تعريف القرار السّلبي الذي لا يتقيّد بمدة معيّنة وعدم وضع مدة سواء 30 يوم أو غيرها لحساب مدة الطّعن بالقرارات الضمنيّة لأنه كما أوضحنا سابقاً أن مرور المدة المحدودة بالقانون وانقضائها هو ما يبدأ معه حساب مدة الطّعن بالقرار الضّمني إذا رتب على سكوت الإدارة الرّفض.
وبهذا يصبح نص المادة 11 في حالة رفض الجهة الختصة اتخاذ القرار أو امتناعها عن ذلك يبدأ مدة الطعن المنصوص عليها في الفقرة أ من هذه المادة بعد انقضاء المدة المعينة بالتشريعات لإتخاذ الإدارة قرارها .
4 أن النصّ على وجوب الطّعن بالقرار الصّادر بناءً على قانون أو نظام مخالف للدّستور أو القوانين وليس بإلغائه، فيه نوع من عدم تحقيق العدالة القانونيّة وفيه خروج على مبدأ المشروعيّة إذ الحمكمة من هذه التّشريعات هو استقرار الأوضاع الإداريّة والقانونيّة ضمن حدود مبدأ المشروعيّة للتّحقيق غاية المصلحة الجماعيه ومصلحة الأفراد على السّواء. وبهذا فإنّ النّص على ذلك يعني قبول المشّرع بمخالفة الإدارة الواضحة لقاعدة دستوريّة أو قانونيّة وهو فيه خروج عن قاعدة التدرّج الهرمي للقوانين وسموّها ممّا يعطي مجالا للإدارة بعدم إحترام تلك القاعدة ويعطيها حرية أكثر وأكبر في إصدار ما تراه مناسباً لمصلحتها على حساب مصلحة الأفراد وهذا فيه تناقض واضح وخروج صريح على مبدأ المشروعية الّذي يحمي تلك المصلحتين.
5- أن التظلم الإداري هو حق دستوري أقرّته المادة (17) من الدّستور الأردني بالنّص” للأردنيين الحق في مخاطبة السّلطات العامّة فيما ينوبهم من أمور شخصيّة أو في ما له صلة بالشّؤون العامّة بالكيفيّة والشروط التي يعيّنها القانون.”
فهذا الحق الدستوري يسري على كافة القوانين والأنظمة بناءً على قاعدة سمو الدستور في تدرج الهرم القانوني فنرى بأنّ التظلم الإداري حق للأفراد في مواجهة القرارات التي تصدرها الإدارة وليست منحة منها , ولا خلاف على تفتين التصرفات إذا ما رأى الشارع ضرورة لذلك دون الإنتقاص من الحقوق الدّستورية, فلا بد من أن يكون التظلّم في كافة الأحوال جوازياً حتى يتسنى لصاحب الحق اللجوء إلى الإدارة أو إلى القضاء حسب ما تتطلب المصلحة وفي حالة النص على التظلم أصبح وجوبيّاً ولا بد من العمل به قبل اللّجوء إلى القضاء.
6- لا بد من التّفريق بين طلب الإستدعاء المقدّم إلى الإدارة من قبل صاحب الشّأن للتتّخذ الإدارة موقفها من القرار. وبين طلب التظلّم ,لأن الإفتراض الأوّل ينصّب وينحصر في موقف الإدارة من قرارها في أن يخرج بشكل صريح أو يبقى ضمنيّاً بعد انتهاء المدّة القانونيّة ,فالعبرة في الإستدعاء الأول هو إستدعاء موجّه إلى الإدارة لكي يدرك صاحب الشّأن موقف الإدارة من القرار, بينما التظلّم ينصّب على إلغاء القرار على اعتبار أنّه غير مشروع ومصلحة الطّاعن أن يلغي أويعدل القرار من الإدارة فهو موجّه إلى القرار أكثر ما هو موجّه إلى الإدارة. وعليه فيمكن حساب مدّة الطّعن الجديدة بعد انقضاء 30 يوم من تاريخ تقديم المستدعي التظّلّم الإداري وليس من تاريخ تقديم المستدعي طلباً خطيّاً للإدارة لإتّخاذها القرار، فالعبرة من قطع مدّة الطّعن وحساب مدة جديدة أخرى هو التظلّم الإداري وليس الإستدعاء الموجّه للإدارة بالقرار الضّمني لتتّخذ قرارها. لأنّ القول بغير ذلك يؤدي إلى رد القضاء دعوى الإلغاء شكلا الموجّه إليه من قبل صاحب الشّأن بعد انقضاء مدة الطعن القانوني لفوات الميعاد . ولهذا فأنّ مدة 30 يوم الأولى تكون للقرار الضّمني من جهة الإدارة ومدة ال 30 يوم الثّانية تكون لتقديم التظلّم الوّجوبي وبعدها نبدأ حساب مدّة ال 60 يوم المقررّة في نص المادة 12أ من قانون محكمة العدل العليا.
7- هناك حالة غلو وتّحايز في النّص بين أطراف الدّعوى , حيث افترضت دائماً تغيّب المستدعي ضدّه بعذر مشروع حيث تستمر المحكمة في نظر الدّعوى إلى حين إبداء دفوعه القانونيّة, فيما نفترض على الأغلب أنّ تغيّب المستدعي لعذر غير مشروع إذ كان بإمكانه تقديم عذره مسبقاً أو إنابة محامي غيره وإن كان هذا التّغيّب لعذر مشروع فإنّه وبكلتا الحالتين ترد الدّعوى ولا تستمر المحكمة بنظرها لتقديم المستدعي تلك الدّفوع القانونيّة الّلازمة لإثباته مشروعيّة تغيبه وهذا فيه تميّز واضح ومحاباة لجهة الإدارة المستدعي ضدّه على حساب المستدعي الّذي غالباً ما يكون الطرف الأضعف علماً بأنّ كل القوانين النّاظمة لعلاقات الأفراد مع بعضهم أو مع الإدارة تنحاز للطّرف الأضعف في الدّعوى وهذا ما يتحقّق معه مبدأ العدالة والمساواة المنصوص عليها كقاعدة دستوريّة سامية لا يجوز لأحد من كان تجاهلها على الرّغم من أنّ السّلطة القضائيّة هي أفضل ضمانة وحماية لمبدأ الفصل بين السّلطات, ثمّ هي أفضل وسيلة لإنصاف الحقوق وتحقيق العدل.
8- ضرورة توسيع اخنصاص محكمة العدل العليا للنظر بكافة الطعون تالمقدمه من الفراد وعلى كافة صور القرار الاداري وخاصة القرارت التنظيميه , مع تأكيدنا علة ان يكون القضاء الاداري على درجات أسوة بالدول الاخرى لا سيمل وان القضاء الاردني هو قضاء مزدوج , وذلك لما سيتحقق معه من تحقيق العداله القانونيه التي هي غاية المجتمع الديمقراطي .

قائمة المراجع والمصادر

قائمة القوانين والانظمه:
– الدستور الاردني سنة 1952
– قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992
– نظام الهيئه التدريسيه في الجامعه الاردنيه رقم 25 لسنة 1997
– نظام تأديب الطلبه في الجامعه الاردنيه رقم 42 لسنة 1979
– قرارات محكمة العدل العليا
– مجلة نقابة المحامين الاردنيين

قائمة المؤلفات والكتب :
– إعاد علي حمود القيسي – القضاء الاداري وقضاء المظالم – دار وائل للنشر – الطبعه الاولى – 1999
– حمدي القبيلات – القانون الاداري – الجزء الثاني – دار وائل للنشر – الطبعه الاولى – 2010
– خالد خليل الظاهر – القضاء الاداري – قضاء الالغاء – قضاء التعويض – دائرة المكتبه الوطنيه – الطبعه الاولى – 1999
– فهد عبد الكريم أبو العثم – القضاء الاداري بين النظريه والتطبيق – دار الثقافه للنشر والتوزيع – الطبعه الاولى – 2005
– سليمان محمد الطماوي – القضاء الاداري – الكتاب الاول – قضاء الالغاء – دار الفكر العربي – 1976
– ماجد راغب الحلو – القضاء الاداري – دار المطبوعات الجامعيه – الاسكندريه – 1985
– مازن ليلو راضي – القضاء الاداري – دراسة الاسس ومبادئ القضاء الاداري في الاردن – دار قنديل للنشر والتوزيع – الطبعه الاولى – 2005
– علي خطار شطناوي – موسوعة القضاء الاداري – الجزء الاول – دار الثقافه للنشر والتوزيع – الطبعه الاولى – 2004
– نواف كنعان – االقضاء الاداري دار الثقافه للنشر والتوزيع والدار العلميه للنشر والتوزيع – الطبعه الاولى – الاصدار الاول – 2002
– نواف كنعان – القانون الاداري – الكتاب الثاني – دار الثقافه للنشر والتوزيع – الطبعه الاولى – الاصدار السابع – 2010

بحث قانوني و دراسة حول ماهية شرط الميعاد القانوني