الجرائم المالية في البورصات
(MARKET MANIPULATION الجريمة الأولى (جريمة التلاعب في السوق)
دراسة تحليلية مقارنة بين النظام السعودي و البريطاني
*إعداد: سلطان عبد السلام ابراهيم عبد السلام
تعد السوق المالية من إحدى المقومات الأساسية المعاصرة لمعرفة مدى تطورالدول، و مرءاة للنهضة الإقتصادية التي تعيشها البلدان، و ذلك لأن الشركات المساهمة (JOINT STOCK COMPANIES)أو غيرها بحسب الأنظمة و التي تطمح في جذب الأموال لزيادة رؤوس أموالها أو تسويقها لمنتجاتها أو لخدماتها عن طريق السوق المالية ستطمح في تطبيق الأنظمة بكل فعالية و كفاءة لتعكس صورة جيدة عنها و ذلك من أجل تنمية مدخرات مساهميها من خلال أدائها الفعلي و قوة و كفاءة مجالس إداراتها و موظفيها، مما يستدعيها إحاطة أعمالها بالسرية في مرحلة التفاوض لعقودها و اندماجاتها أو إستحواذ جزء منها و غيرها من المسائل قبل إكتمالها و إعلانها بشكل رسمي للجميع حتى يتمكن المسثمرون من الإستفادة من هذه الأخبار على حد سواء سواء كانت إيجابية أو سلبية، و لا يتحقق ذلك كله إلا إذا كانت هناك مستوى عال لتطبيق مبدأ الشفافية و الإفصاح (TRANSPERANCY AND DESCLOSURE)
. كما أنه في حالات كثيرة لا تكون للشركة مصلحة في ذلك، و إنما بعض مستثمريها أو المضاربين بأسهمها يقومون ببعض الأعمال المخالف للأنظمة و القوانين لتحقيق مكاسب بطرق غير شرعية و الإضرار بالآخرين.
و لما للجرائم المالية (FINANCIAL CRIMES) من أثر سلبي سلبي على الشركة و مساهميها بصفة خاصة و على السوق المالي و الإقتصاد بصفة عامة، مما يؤدي إلى عزوف المستثمرين في إدخار أموالهم و الإستثمار بطريقة كفؤة. و من هذه المقدمة الموجزة، نجد أن نظرية السوق الكفؤة و الفعالة (EFFICENT MARKET THEORY) والسعي الحثيث لتطبيقها يشوبها عدة شوائب بفعل هذه الجرائم.
و هذه الجرائم لها أربعة صور، التلاعب في السوق (MARKET MAIPULATION) ، التلاعب بناء على معلومات داخلية (INSIDER TRADING). غسيل الأموال و تمويل الإرهاب (MONEY LAUNDRYING AND TERROTIST FINANCE). تفادي الضرائب (TAX EVASION).
ففي الصورة الأولى تكون الجريمة بفعل المضاربين (SPECULATOS) الذين يهدفون إلى تحقيق مكاسب غير مشروعة عن طريق إضرار الآخرين، و ذلك إما عن طريق التلاعب بأنفسهم أو إشتراكهم مع الغير أو عن إفتعال الشائعات و ترويج التوصيات من دون وجود معلومات صحيحة يتم الإعتماد عليها. و كذلك في بعض الصور تقوم الشركة بذلك على ما سيأتي لاحقاً.
و تتحقق الصورة الثانية إذا كانت بفعل مجالس إدارات الشركات المساهمة أو بعض مدرائها التنفيذيين عند عدم أو ضعف تطبيق قوانين حوكمة الشركات (CORPORATE GOVERNANCE) التي تلزم بوجود جدران نارية (CHINEESE WALLS)تحول دون وصول المعلومات المهمة إلا لبعض الموظفين المطلعين الذين لابد أن يكونون ضمن قائمة معينة تحددها الشركة عند كل عملية خاصة بمهمة معينة.
و إذا حصلت مخالفة من هذ الفعل و تم التداول من المطلعين عليها أو تم تسريبها إلى غيرهم قبل الإعلان عن العملية للإستفادة بما لديهم و تحقيق منفعة، عندئذ تتحقق الصورة.
أما الصورة الثالثة فانها تكون عن طريق غسل الأموال و تمويل الإرهاب، حيث يهدف هؤلاء إلى جعل أموالهم التي تم الحصول عليها بسبب غير مشروع عن طريق المخدرات مثلاً و من ثم إدخالها إلى السوق المالية و تدويرها مع الأموال الأخرى و بالتالي تصبح مشروعة.
أما الصورة الرابعة و الأخيرة، فتتم عن طريق المتداولين الذين يقومون بالتهرب من دفع الضرائب المتمثلة في صفقات البيع و الشراء للأسهم و السندات، أو عند التسوية و المقاصة لإيداعها في الجهات الرسمية.
و سنخصص لمقالتنا هذه الصورة الأولى و هي جريمة التلاعب في السوق، على أن نناقشها من خلال محاور عدة تتمثل في تعريفها الذي نصت عليه المادة و تحليله،و كذلك أنواعه و أركانه و مصادره و المواد المتعلقة به في النظام السعودي و اللوئح التنفيذية مع مقارنتها بالنظام البريطاني المتقارب نوعاً ما.
كما سنذكر بعض الأمثلة و الحالات الموجودة في النظام الأمريكي. و أخيراً، سنقوم بتحليل بعض من قرارات هيئة سوق المال السعودي و بعض الأحكام التي نشرت في موقع الهيئة والتي لم تتضمن إلا نبذة عن الحكم و التي أصدرت من لجنة الفصل و تسوية المنازعات المالية مؤخراً.
وبما أنا سنخصص الحديث عن نظام السوق المالية السعودي، فلا بد لنا أن نعرف أن هذا النظام قد صدر بالمرسوم الملكي رقم 30 و بتاريخ 2/6/1424 هــ، كما أصدرت هيئة السوق المالية بعد إنشائها بمقتضى النظام المشار إليه لائحة سسلوكيات السوق بموجب قرارها رقم 1/11/2004م و بتاريخ 20/8/1425هـ الموافق 4/10/2004م.
و لقد نص نظام السوق المالية السعودي في الفصل الثامن في مادته التاسعة و الأربعين على جريمة التلاعب في السوق و قامت بتعريفها و إيراد بعض الحالات التي تمثلها، على الوجه التالي:
—
أ- يعد مخالفا لأحكام هذا النظام أي شخص يقوم عمدا بعمل أو يشارك في أي إجراء يوجد انطباعا غير صحيح أو مضللا بشأن السوق ، أو الأسعار ، أو قيمة أي ورقة مالية ، بقصد إيجاد ذلك الانطباع ، أو لحث الآخرين على الشراء أو البيع أو الاكتتاب في تلك الورقة ، أو الإحجام عن ذلك أو لحثهم على ممارسة أي حقوق تمنحها هذه الورقة ، أو الإحجام عن ممارستها .
ب- تضع الهيئة القواعد التي تحدد الأعمال والتصرفات التي تشكل مخالفات للفقرة ( أ ) من هذه المادة. وتحدد تلك القواعد الأعمال والممارسات المستثناة من تطبيق أحكام الفقرة ( أ ) من هذه المادة . وتشمل صلاحيتها المنصوص عليها في هذه الفقرة وضع القواعد، وتحديد الظروف والإجراءات الهادفة للمحافظة على استقرار أسعار الأوراق المالية المعروضة للجمهور ، والأسلوب والوقت الذي يتعين فيه اتخاذ هذه الإجراءات .
ج- يدخل في الأعمال والتصرفات التي تعد من أنواع الاحتيال التي تحظرها الفقرة ( أ ) من هذه المادة التصرفات الآتية :
1- القيام بأي عمل أو تصرف بهدف إيجاد انطباع كاذب أو مضلل يوحي بوجود عمليات تداول نشط مالية خلافا للحقيقة . ويدخل في تلك الأعمال والتصرفات على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
أ- القيام بعقد صفقات في أوراق مالية لا تنطوي على انتقال حقيقي لملكية تلك الأوراق المالية.
ب- القيام بإدخال أمر أو أوامر لشراء ورقة مالية معينة مع العلم المسبق بأن هناك أمرا أو أوامر بيع مشابهة من حيث الحجم والسعر والتوقيت قد أدخلت أو ستدخل من قبل طرف أو أطراف أخرى مختلفة لنفس الورقة المالية.
ج- القيام بإدخال أمر أو أوامر لبيع ورقة مالية معينة مع العلم المسبق بأن هناك أمرا أو أوامر شراء مشابهة من حيث الحجم والسعر والتوقيت قد أدخلت أو ستدخل من قبل طرف أو أطراف أخرى مختلفة لنفس الورقة المالية.
2- التأثير بشكل منفرد أو مع آخرين على سعر ورقة أو أوراق مالية معينة متداولة بالسوق ، عن طريق إجراء سلسلة من العمليات في تلك الورقة أو الأوراق المالية من شأنه أن يحدث طلبات فعلية أو ظاهرية نشطة في التداول، أو يحدث ارتفاعا أو انخفاضا في أسعار تلك الأوراق بهدف جذب الآخرين ، وحثهم على شراء أو بيع هذه الأوراق حسب واقع الحال.
3- التأثير بشكل منفرد أو مع آخرين بإجراء سلسلة من الصفقات كشراء أو بيع ، أو كليهما معا ، على ورقة مالية متداولة في السوق بهدف تثبيت أو المحافظة على استقرار سعر تلك الورقة ، بالمخالفة للقواعد التي تضعها الهيئة لسلامة السوق وحماية المستثمرين .
من خلال دراسة النص و تحليله من الناحية القانونية، نرى أن المنظم قد نص على المتلاعب في السوق و كذلك من يشاركه و المساواة فيما بينهما، حيث أن منشأ المخالفة هو إتيان الفعل أو الإمتناع عن الفعل (العمل الإيجابي أو السلبي)، و بالتالي فإن الإشتراك بالتلاعب له ثلاثة أشكال، و هي المشاركة بالإتفاق مع المخالف/المخالفين للقيام بأحد الأفعال المحظورة أو المشاركة بالتحريض كبث الشائعات أو التوصيات و غيرها للتأثير على سعر الورقة المالية، أو المشاركة بالمساعدة و ذلك عن طريق ما يعرف بالتدوير بين المحافظ أو التعامل بناء على معلومات غير صحيحة و غير مستقاه من مصادرها الأصلية و التي يروج لها المخالفون للتأثير على الأوراق المالية و ذلك إما بهدف التربح الشخصي أو لحساب الغير بطريقة غير مشروعة كالترويج لبعض المضاربين ذو التأثير و التعامل وفق ما لديهم من معلومات من المصادر ذاتها أو من بعض المصادر غير الرسمية كغرف الشات (CHATTING ROOMS) و المواقع المدفوع لها أجر كرويترز و الصحف عن طريق الكتاب المتعاونين معهم و كذلك المعلومات المنشورة على الإنترنت و غيرها.
و لهذه الجريمة نوعان، النوع الأول ما يسمى بالسلوك الإستغلالي (ABUSIVE BEHAVIORAL) . أما النوع الثاني فيسمى بالمعلومات الغير صحيحة (FALSE INFORMATON).
و حتى ينطبق التكييف الصحيح لمصطلح جريمة التلاعب في السوق، فلابد من توافر ثلاثة أركان رئيسة، و في حالة عدم توافر أي منها عندئذ يسقط الوصف الجرمي، و هذه الأركان هي:
1. الركن الشرعي (القانوني): إذ لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص، و هذا يتبين من نص المادة التاسعة و الأربعين إذ و صفها بالإحتيال و التلاعب في السوق.
2. الركن المادي: و هذا مانصت عليه الفقرات أ و ج من المادة التاسعة و الأربعون، و لكون أن الفقرة ج قد نصت على حالات معينة على سبيل المثال و ليست على سبيل الحصر، فقد آثرت أن أتحدث أولاً على الفقرة أ و التي تتحدث بشكل عام على الجريمة كون أنني أردت إضافة حالات جديدة يمكن الإستئناس بها و تطبيقها على نص المادة كون أنها تشكل روح القانون، و هذه الحالات مأخوذة من النظام البريطاني و كذلك بعض الحالات الموجودة في النظام الأمريكي، و من ثم التحدث تفصيلياً عن كل حالة على حدة و المذكورة في الفقرة ج .
و لقد نصت الفقرة أ على مايلي (يعد مخالفا لأحكام هذا النظام أي شخص يقوم عمدا بعمل أو يشارك في أي إجراء يوجد انطباعا غير صحيح أو مضللا بشأن السوق ، أو الأسعار ، أو قيمة أي ورقة مالية ، بقصد إيجاد ذلك الانطباع ، أو لحث الآخرين على الشراء أو البيع أو الاكتتاب في تلك الورقة ، أو الإحجام عن ذلك أو لحثهم على ممارسة أي حقوق تمنحها هذه الورقة ، أو الإحجام عن ممارستها) كما نصت الفقرة ج على بعض التصرفات التي تعد إحتيالاً و تضليلاً و التي تحظرها الفقرة أ، و هذه الفقرة ج للتوضيح لها ثلاث صور (1،2،3) و الصورة 1 لها ثلاث فروع (أ،ب،ج). و لقد أرتأيت أن أورد الحالات التي يمكن الإستئناس بها في النظام السعودي قبل الولوج في معمعة الحديث و تشعباته حتى لا يتم الخلط من قبل القراء.
كما نصت الفقرة ج على مايلي: (يدخل في الأعمال والتصرفات التي تعد من أنواع الاحتيال التي تحظرها الفقرة ( أ ) من هذه المادة التصرفات الآتية …
1- القيام بأي عمل أو تصرف بهدف إيجاد انطباع كاذب أو مضلل يوحي بوجود عمليات تداول نشط مالية خلافا للحقيقة .
ويدخل في تلك الأعمال والتصرفات على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي…) ،و على هذا الأساس سنتحدث عن التصرفات التي لم يشر إليها المنظم و من ثم يمكن الإستئناس بها لمعرفة السلوكيات المتقدمة للمتلاعبين و من ثم مواجهتها بكل قوة عند وقوعها.
و كذلك إدراك مدى أهمية الإستئناس بالأنظمة الأخرى كالقانون البريطاني و مؤسساته القائمة كهيئة االخدمات المالية (FINANCIAL SERVICES AUTHORITY) و كذلك السوق اللندني للأوراق المالية (LONDON STOCK EXCHANGE).
إحدى هذه الصور تخص المدراء التنفيذيون في الشركات و ما يتقاضونه من علاوات و نسب من الأرباح (DIRECTOR’S BONUSES). فعندما تنتهي السنة المالية أو موعد مكافأتهم، فإنها تتحدد في بعض الأحيان قيمة مكافأتهم بناء على أداء سعر السهم، و بالتالي فإن المدير أو العضو أو الشخص المطلع يقوم بالتعامل في الورقة المالية بكثرة عند الإغلاق و من ثم بيعها في الأيام التي تليها، هذا مع التفرقة مابين تلاعب المدراء في السوق و بين تداولهم بناء على معلومات داخلية.
كذلك هناك صورة أخرى، و هذه الصورة خاصة بالشركة المساهمة ذاتها (العارض) عندما تريد الإستحواذ على شركة أخرى (الشركة المعروض عليها)، و يسمى هذا التلاعب و الإحتيال (TAKEOVER FRAUD) لجعل العرض ينجح أو يفشل، و ذلك بهدف إقناع مساهمي الشركة العارضة (BIDDER OR OFFEREE) أو جعل الشركة المعروضة عليها (OFFEROR OR TARGET)في حالة الإستحواذ العكسي بقبول العرض أو رفضه، ويتم التلاعب بالإستحواذ لجعل العرض يفشل بعدة طرق،
فمثلاً عندما تقوم الشركة العارضة أو مستشارها المالي بالمراهنة على الصفقة بالنسبة و السعر الأعلى مادياً على ما يتم شراءه (كالنسبة المستهدفة من الأسهم)، بحيث يجعل المساهمين الحاليين للشركة العارضة أقل رغبة لقبول العرض، أو بالعكس تماماً للشركة العارضة أو مستشارها المالي عندما تقوم بتخفيض نسبة العرض ماديا للأسهم أو النسبة محل الإستحواذ، مما يجعل مستندات العرض الخاصة بالشركة المعروض عليها أقل جاذبية.
و كذلك إذا قامت الشركة المعروض عليها أو مستشارها المالي برفع قيمة العرض مادياً و الخاص بالنسبة المحددة من أسهم الشركة العارضة مما يفشل الصفقة بين طرفيها. و
بالعكس تماماً هناك إحتيال و تلاعب لجعل العرض و الصفقة تنجح كما في حالة قيام الشركة المعروض عليها أو مستشارها المالي للمراهنة على أعلى سعر للورقة أو قيمة مبالغ فيها لسهم الشركة لإتمام الصفقة و ذلك لجعل مستندات العرض أكثر جاذبية للتمكن من أخذ موافقة مساهمي الشركة العارضة على الرغم أن الشركة لا تساوي هذه القيمة، أو عن طريق جعل مساهمي الشركة الشركة العارضة أكثر تقبلاً لقبول العرض عندما يقوم مسؤولي الشركة المعروض عليها أومستشارها المالي مع علمهم أن السعر المقدم للإستحواذ من الشركة العارضة هو أعلى من سعرها الحقيقي، عندئذٍ يقومون بإنزال السعر قليلاً لإنهاء الصفقة التي يتم التفاوض عليها عن طريق جعل مساهمي الشركة العارضة أكثر تقبلاً للعرض مما ينجح العرض كذلك.نستنج مما سبق أن الشركة العارضة أو الشركة المعروض عليها و مستشاريهم الماليين متى قاموا بهذه التصرفات، فإنها تعد تلاعباً بالسوق.
أما الصورة الثالثة فتخص الشركة المساهمة ذاتها المصدرة للأسهم و السندات عندما تقوم بتقييم المحافظ الإستثمارية الخاصة بها (PORTFOLIO EVALUATION)، فهي بحسب النظام تقومها أربع مرات في السنة (SEMI QUARTER)، فعندما تقوم بالتعامل و التداول النشط للمحفظة الإستثمارية لمخزوناتها التي يصعب تسييلها (ILLIQUED STOCKS) عند نهاية الربع (أي في آخر الأيام) قبل موعد التقييم، هذا سيؤدي إلى زيادة و تطوير الأداء و المظهر العام للمحفظة الإستثمارية و إعادة ذلك مثلاً عدة مرات عند الحاجة كإنخفاض الأرباح التشغيلية للشركة و نجاحها صورياً في إستثماراتها و أرباحها التشغيلية مما يعد تلاعباً بالسوق لكونها تصرفاً يوهم المساهمين للشركة أو بقية المتداولين أن الوضع المالي أفضل و ذلك بسبب تضخم أرباح الشركة في قوائمها المالية و إنعكاس ذلك على سعر الورقة المالية.
أما الحالة الأخيرة و هي التدوير بين المحافظ (WASH TRADES OR CIRCULAR TRADES). فهي موجودة في النظام السعودي، و بالإمكان أن يكون تلاعباً شخصياً أو جماعياً كشخصين أو أكثر كمجموعة و لايوجد إنتقال و تغيير فعلي لملكية الأوراق المالية عندما يكون هناك تدوير بإتفاق بين شخصين أو أكثر لإدخال أوامر شراء أو بيع مع العلم المسبق بأن هناك أوامر مشابه لنفس الورقة المالية قد أدخلت أو ستدخل لنفس الورقة المالية أما في حالة قيام المتلاعبين بإجراء سلسلة من العمليات من شأنها أن تحدث طلبات فعلية (إنتقال حقيقي لملكية الورقة المالية) أو طلبات ظاهرية نشطة، أو إحداث إرتفاع أو إنخفاض في الورقة بهدف جذب الآخريين للورقة أو المحافظة على إستقرار سعر تلك الورقة مما يؤدي إلى إستفادة المتلاعبين من ذلك، و هذا ما نصت عليه الفقرات الأخرى من المادة التاسعة و الأربعين من نظام السوق المالية السعودي.
و قبل التعرض إلى النظام السعودي، فإن هناك بعض الحالات و التي هي الآن حديث الساعة في جرائم التلاعب بالسوق خاصة في الأسواق الأمريكية و الخاصة بالتلاعبات المحاسبية (ACCOUNTING FRAUD)، حيث يعمد أعضاء مجلس الإدارة و مدرائها التنفيذيين بالإشتراك مع المحاسبين الماليين الداخليين للشركة على تضخيم القوائم المالية حتى تبدو جذابة و الإستفادة من ذلك لرفع قيمة سهم الشركة، و هذه الحالة تعرف بالمحاسبة الإبداعية (CREATIVE ACCOUNTING) و التي تهدف لتضخيم الأصول بطريقة يصعب كشفها عن طريق المراجعين الداخليين (INTERNAL AUDITORS).
و بالعكس في حالة تخفيضها كما في حالة إعطاء المدراء مكافئة عند التلاعب بخيارات الأسهم (STOCK OPTION)، و معنى ذلك أن الإدراة في الشركة عندما تريد إعطاء أحد المديريين نسبة أو كمية من الأسهم أو علاوة لمكافئته فإنه يقوم بتزويير التواريخ و التلاعب بها حتى يتم إعطاءه نسبة أكبر بدون أن يعلم بها أحد من الغير ومن ثم تظهر في الكشوفات المالية على أنها أعطيت في وقت سابق مما يؤثر على مساهميها الحاليين بحيث يظهر في التقارير المالية على أنها خسارة، و لتوضيحٍ أكبر فإن خيار السهم يعني الحق في شراء السهم و ليس الإلتزام مستقبلاً بسعر محدد في يوم محدد يكون غالباً تاريخ التحويل القانوني للمكلية (GRANTED DATE). و هذا يسمى (CALL OPTION) ،
أما عكسه فهو الحق في البيع (PUT OPTION)، و من ثم إرجاع الملكية إلى يوم سابق (BACK DATING)عن طريق التزوير في المستندات الورقية في يوم كان يتداول فيه السهم بأقل سعر مما يجعل الشركة في وضع مالي أفضل حالياً في تقاريرها المحاسبية مما يجذب الموظفين الذين يريدون العمل لديهم و كذلك المستثمرين الجدد مثلاً و الذين لم يقرأو القوائم المالية السابقة. و يمكن إكتشاف التلاعب عن طريق التعرف عن تاريخ سعر السهم و كيف تم حساب ذلك، كون أن لجنة البورصة الأمريكية تتطلب الإفصاح عن خيارات الأسهم عند تقديم التقارير المالية لها، و للتعرف أكثر يكمن الرجوع على الرابط التالي:
www.sfgate.com/cgi- bin/article.cgi?f=/c/a/2006/07/22/BUGJ1K3JCL1.DTL.
إلا أن المنظم الأمريكي قد قاوم بشراسة هذه التلاعبات خاصة بعد إنهيار أحد أكبر الشركات الأمريكية في مجال الطاقة إنرون (INRON) و كذلك شركة ورلدكوم (WORLDCOM) بالإشتراك مع مكتب المحاسبة آرثر آند أندرسون عام 2002، و بعد ذلك قامت بإصدار قانونها المثير للجدل و المسمى ساربانس أوكسلي (SARBANES-OXLEY)، و هذا القانون بوجه عام يهتم بشكل عام بإحكام الرقابة المحاسبية على الشركات،و يعني هذا القانون الشركات الأمريكية و الأجنبية التي تتداول أسهمها في البورصة الأمريكية بحيث يجب عليها عمل تقارير سنوية للجنة البورصة و الأوراق المالية الأمريكية بخصوص ما يتعلق بالإجراءات الرقابية المحاسبية الداخلية، كذلك يحتوي النظام على جزاءات مدنية و جنائية في حالة عدم التطبيق، كذلك شهادة عن المراجعة الداخلية و زيادة الإفصاح المالي.
و هناك أحد الجوانب في هذا النظام صعب التطبيق مما يكلف الشركات كثيراً عند قيام المحاسبيين الخارجيين بمراجعة القوائم المالية و هذا القسم هو 404 و الذي لابد فيه أن يتأكد المراجع الخارجي أن الشركة قد أحكمت رقابتها الداخلية على الأنظمة المحاسبية التي تستخدمها، أي بمعنى آخر أن المصدر (الشركة) مطلوب منها أن ينشر المعلومات الخاصة بالتقرير المالي و أن يكون هناك تمركزاً أكبر على هيكل المراجعة الداخلية و الإجراءات الخاصة بالتقرير المالي، و هذا التقرير لا بد أن تقوم فيه الشركة التأثيرات على ما سبق.
أيضاً لا بد أن يقوم مكتب المحاسبة الخارجي بالشهادة على صحة الإجراءات في نفس التقرير و يقوم بتقويم ما تم عمله من ناحية الشركة. و هناك إتجاه لتفسير هذا الجزء من قبل لجنة البورصة الأمريكية لجعله أكثر مرونة في التطبيق، كما ذكر كريستوفر كوكس رئيس لجنة البورصة في موقعها (SEC) في إعلان منشور بتاريخ 5 يونيو لعام 2007م على أن التطبيق الكامل للقسم رقم 404 على الشركات الصغيرة و التي لها أسهم عامة لا تزيد عن 75 مليون دولار سيكون في مارس 2009 و ذلك لإعطائهم فرصة للتعامل مع الأوضاع الراهنة و كذلك التكاليف الباهظة لتوفير المعلومات المطلوبة.
و أحببت الإشارة إلى هذه النقطة لعدة أسباب منها ضعف التأهيل المحاسبي و الفني للمحاسبيين السعوديين و كذلك الأتعاب المادية القليلة التي يتقاضونها و التي لا تتعدى نسبتها 1 من 10000 تؤدي إلى إهمال التطبيق المحاسبي الإحترافي، مما يزيد من مستوى التلاعبات في الشركة و السوق المالي و يؤدي بدوره إلى هز ثقة المستثمريين و الهروب منها و بالتالي إنعدام الثقة مما يؤدي إلى خفض قيمة أسهمها كثيراً مما يؤدي إلى إفلاسها في النهاية.
أما بخصوص السوق البريطانية فلديهم مبدأ مختلف في تطبيق القانون على الشركة و هو التطبيق أو الشرح لماذا لم يتم التطبيق (APPLY OR EXPLAIN) . و لقد قرأت تقريراً حديثاً في جريدة الإقتصادية السعودية أن هيئة السوق البريطانية تتجه إلى فرض مزيد من القوانين الملزمة، مما يدعم النظرة الأمريكية و أنها الأصح. و في وجهة نظرنا أن المملكة عليها الكثير للوصول إلى هذا المستوى المتقدم و لكن تطبيق المعايير المحاسبية العالمية بجانب المعايير السعودية سيوفر بيئة أفضل مما يجعلنا نلحق بالركب بسرعة أكبر.
و بما أننا سنتحدث عن النظام بعد قليل، إلا أنني هنا وددت الإشارة و لو بشكل مبسط عما نصت عليه لائحة حوكمة الشركات من وجوب وجود أعضاء في مجلس الإدراة لا يقل عددهم عن إثنين من الأعضاء المستقلين (INDEPENDENT MEMBERS) (مع التفرقة بينهم و بين الأعضاء الغير تنفيذيين و الذين تكون لهم أو لشركتهم نسبة من الأسهم إلا أنهم لا يتولون مناصب قيادية في الشركة كالعضو المنتدب و مدراء الإدارات التنفيذية).
حيث أن هؤلاء الأعضاء ليست لهم مصلحة شخصية في الشركة كون أنهم ليس لديهم أي نسبة تملك في الأسهم و السندات (الأوراق المالية)، أضف إلى ذلك أن هؤلاء الأعضاء تكون وظائفهم في لجنتين مهمتين هما لجنة الترشيحات و المكافئات، و التي تقوم بتحديد المكافئات الخاصة بالأعضاء و كذلك الشروط التي يجب توافرها في المرشح بحيث تفترض فيه الكفاءة و المسؤلية. أما اللجنة الأخرى فهي لجنة المراجعة الداخلية، و هذه اللجنة هي لجنة المراجعة الداخلية، و هذه اللجنة تراقب و تضع السياسات المحاسبية و تراجع القوائم المالية، بحيث تضمن مصداقيتها، و المهم أن رئيس اللجنة يكون من الأعضاء الغير تنفيذيين و من المؤهلين تأهيلاً عالياً في الجوانب المالية و المحاسبية،
و العبرة من إيراد هذا الجزء هو أن هذه اللجنة تحد من التلاعبات المحاسبية و التي من الممكن القيام بها في ظل عدم وجود اللجنة، إلا أن المشاهد في الواقع العملي قلة الموارد البشرية المؤهلة لقيام بهذه الوظيفة، عليه نأمل من الشركات إستقطاب الكفاءات المؤهلة من القطاع الخاص من محاسبين قانونين و مستشارين مالين داخليين أو من الخارج و كذلك أساتذة الجامعات لتسريع عجلة التنمية الداخلية للشركات.
و بما أن الحالات الأخرى من المادة معروضة كما هو مشار له في النص القانوني آنفاً، آثرنا عدم التكرار و الخوض في دهاليز لائحة سلوكيات السوق، و التي وضحت الصور و الممارسات التي تعد تلاعبا و إحتيالاً و تضليلا.
و قد نصت المادة الثالثة من اللائحة من الفقرة ب على عدة حالات،الحالة الأولى و الثانية ثثمثل في إدخال أوامر شراء أو بيع مع العلم المسبق بأنه سوف يتم إدخال أوامر شراء أوبيع مشابهة أو مقاربة لبيع أو شراء الورقة المالية، و هذه الحالة قد أتينا بمثال لها وفق سياق الحديث. أما الحالة الثالثة و الرابعة تتمثل في حالة الشراء أو تقديم عروض لشراء الورقة المالية بأسعار تتزايد بشكل متتابع أو بنمط من الأسعار متتابعة التزايد، و على النقيض في حالة البيع.
و مثال لحالة الشراء قيام المخالف بإدخال أوامر لشراء أوراق مالية بسعر معين و لنفرض ثمانون ريالاً للسهم الواحد و بمقدار خمسة آلاف سهم، ثم قام بشراء ثمانية آلاف سهم بسعر اثنان و ثمانون ريالاً و كذا دواليك دون إعتبار للسعر المعروض بها بقية الأسهم (MARKET ORDER PRICE) و ذلك للإستحواذ على أكبر كمية و من ثم تصريفها بسعر عالي حتى يستطيع تحقيق المكاسب من ذلك.
أما الحالة الأخيرة و الخامسة فتحتوي على عدة صور (أربعة صور) يستطيع أن يقوم بها المخالف منفرداً أو أن يكون هناك أكثر من مخالف و متلاعب قد قاموا بالإتفاق فيما بينهم أو مشاركة المتلاعبين الآخرين مع المتلاعب الرئيسي بعد سماع الإشاعات أو كتابة أحدهم في الإنترنت على أحد المنتديات أو من خلال التدوير بين المحافظ الغير ظاهري أو من خلال تبادل المعلومات فيما بين الوسطاء، و بالتالي فإنه لا بد من الربط و جمع الأدلة و القرائن بكل وسئل الإثبات من قبل الهيئة أو من قبل المغرر بهم (المتداولون الآخريين) للمطالبة بالغرامة (الحق العام) و التعويض ( الحق الخاص). هذا مع الإشارة أنه لا بد من إثبات الخطأ و الضرر و العلاقة السببية حتى يتم التعويض.
الصورة الأولى و هي إدخال أمر أو أوامر لشراء أو بيع ورقة مالية بهدف وضع سعر مسبق التحديد للبيع أو العرض أو الطلب، فمثلاً إذا كان سعر الورقة المالية خمسون ريالاً، و قام المخالف بوضع أمر للطلب بسعر خمسة و خمسين ريالاً دون إعتبار لأسعار العرض و الطلب وذلك بقصد دفع السعر لأعلى مما يغرر المتداولين للتداول و الشراء في السهم ممن غير وجود معلومات جوهرية تؤثر في أداء السهم من خلال إعلاناتها الرسمية في موقع تداول (السوق المالية السعودية).
أما الصورة الثانية و الخاصة بتحقيق سعر إغلاق مرتفع أو منخفض للبيع أو العرض أو الطلب (PUMP AND DUMP SCHEMES) أي أساليب التجميع و التصريف، فالمقصود بها قيام المخالف ببيع الورقة المالية بحدها الأقصى أو أقل من النسبة المحددة للإرتفاع أو الإنخفاض (10%) أو شراءها بأقل من السعر المعروض بها لحظة التداول، من خلال طلب/عرض كميات كبيرة كمائة ألف سهم في شركة عدد أسهمها عشرة ملايين سهم أو عن طريق وضع أمر مخفي بكمية كبيرة (HIDDEN ORDER).
و بالتالي التجميع أو التصريف للأسهم و التربح الغير المشروع من الصفقة، و في الصورة الثالثة فتكون عن طريق إدخال أوامر في الورقة المالية بهدف إبقاء سعر البيع أو العرض أو الطلب ضمن مدى مسبق التحديد، فالمقصود منها هو جعل سعر الورقة المالية ضمن نطاق محدد يضمن للمخالف تحقيق الإستفادة، فمثلاً إذا كان النطاق السعري للسهم ما بين ثمانية و سبعون و ثمانون وربع الريال (أفضل خمسة أوامر حسب نظام التداول الجديد على أن توكن كل زيادة بربع ريال) و قام المخالف بشراء كمية كبيرة من الأسهم بسعر ثمانون ريالاً،
مما يمكن من إيجاد حركة نشطة في سعر السهم تدفعه للأعلى بفعل الطلبات الأخرى من المتداوليين الآخرين فيصبح سعر السهم إثنان و ثمانون، و من ثم يقوم بالشراء في الأيام التالية بسعر أربعة و ثمانون ليدفع السعر لأعلى إلى ستة و ثمانون ريالاً، و عندما يكون هناك بيع من قبل المتداولين الآخريين بسعر ستة و ثمانون ريال، يقوم عندئذ بالشراء أو إدخال أوامر شراء بسعر ستة و ثمانون ريال حتى يقوم بإبقاء السعر ضمن مدى مسبق التحديد و هو ما بين إثنين و ثمانون إلى ستة و ثمانون، و هذا الفرق مكسباً عن كل سهم من ثلاثة إلى أربعة ريالات. أما الحالة الأخيرة في تتعلق بإدخال الأوامر دون وجود نية لتنفيذها، فمثلاً إذا كان لدى المتلاعب كمية من الأسهم في شركة ما، فيقوم بإدخال الأوامر بالشراء أو البيع قبل فترة (أي في فترة السماح بوضع الأوامر(الفترة الأولى)، و من ثم قبل بدء التداول يقوم بسحب الأوامر أو إلغائها كون أن الهدف منها التضليل و إيجاد حركة تداول نشط للسهم و من ثم الإستفادة من ذلك عن طريق تصريف الأسهم بسعر أعلى في حالة البيع و العكس في حالة الشراء.
لقد ناقشنا آنفاً المحور الأول من الجرائم التي تشكل تلاعباً في السوق و هي جريمة السلوك الإستغلالي، أما المحور الثاني فسيتركز الحديث عن جريمة إعطاء و تقديم معلومات غير صحيحة و خاطئة (FALSE INFORMATION) .
و ما يتداخل معها في المعنى و هو مصطلح الإشاعة (GOSSIP OR RUMOR)، و الفاصل المشترك بينهما هو إختلاق غير الحقيقة و الواقع سواء أكان حدثاً في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، أما الفاصل الغير مشترك من وجهة نظري أن البيان هو الخبر الرسمي الذي يصدر من الشخص المسؤول عن شركته المساهمة أو مستشارها المالي (FINANCIAL ADVISOR) سواء كان تصريحاً إيجابياً شفاهة أو كتابة ببيان ملزم بالتصريح عنه أو كان تصريحاً سلبياً عن طريق إغفال التصريح ببيان ملزم بالواقعة الجوهرية و إن لم متعمداً، حيث يجب أن يتخذ الشخص أو المستشار الحيطة و الحذر و العناية المهنية كون أنه شخص غير عادي(PROFESSIONAL) و مرتبط بالشركة إرتباطاً وثيقاً، و فيما يخص الشائعة فتكون من قبل أي شخص سواء كان مضارباً (SPECULATOR) أو مستثمراً (INVESTOR) أو صحفياً (JOURNALIST) و غيرهم. و لكون هذان المصطلحان المشار إليهما آنفاً مرتبطان إرتباطاً وثيقاً بمصطلحي الشفافية (TRANSPERANCY) و الإفصاح (DESCLOUSURE) فلا بد من توضيحهما.
فالشفافية تعني أن الشركة و أعضائها من خلال هياكلها الإدارية (ORGNIZATIONAL INSTRUCTION) لا بد أن تكون شفافة في تعاملاتها مع الغير أو مع مساهميها و ذلك عن طريق تطبيق حوكمة الشركات (CORPORATE GOVERNANCE) بفعالية و التي تهدف إلى وصول المعلومة سواء كانت جوهرية أو غير جوهرية إذا وجد أو تطبيق ماهو غير متطلب (BEYOND) من النظام مما يعكس كفاءة الشركة في تعاملاتها.
أما الإفصاح فهو ما تتطلبه الجهات الرسمية كهيئة السوق المالية أو السوق المالية من الشركة المصدر ISSUER ) ( أو المتعهد بالتغطية أو مستشاريهم كالمحاسب الخارجي (EXTERNAL AUDITOR) و المحامي وفق الأنظمة و اللوائح، بحيث إذا لم تفصح عنها فانها تصبح مخالفة مما يستوجب إيقاع غرامة من الجهة المشرفة كهيئة السوق المالية.
و نضرب على ذلك أمثلة، فإذا إذا تأخرت الشركة عن إصدار قوائمها المالية عن الموعد المحدد، عندئذ تعتبر مخالفة، و كذلك الإفصاح لهيئة السوق المالية و السوق المالية عند تغيير نسب حصص الملكية للمستثمريين قصيري أو طويلي الأجل التي تتجاوز حداً معيناً،
أوحصص الملكية الخاصة بأعضاء مجلس الإدارة و كبار التنفيذيين في الشركات، و ذلك بهدف تحقيق المساواة و العدالة في حصول الجميع على المعلومة في وقت واحد للإستفادة منها مما يوجد مبدأ تكافؤ في الفرص دون البعض الآخر. و كما ذكرنا سابقاً أن التلاعب في السوق لا يتم فقط عن طريق المتداولين (المستثمرين قصيري و طويلي الأجل)، و إنما من خلال المصدر (الشركة المساهمة) و التي تقوم بطرح أو قد قامت بطرح أوراقها المالية في السوق، و على ذلك فإن مخالفة القواعد الرئيسة لمتطلبات الإفصاح يعد تقصيراً و إهمالاً أو تعمداً من المصدر نتيجة لتقديمه معلومات غير صحيحة مما تعد تلاعباً في السوق كون أن المتداولين لم يتخذوا القرار الإستثماري الصحيح لعدم وجود المعلومات من مصدرها الرئيس.
تجدر الإشارة أن الشركة لها متطلبات للإفصاح قبل طرحها للتداول و بعده، فمثلاً عند تحول الشركة من شركة ذات مسؤولية محدودة أو من شركة مساهمة مغلقة إلى شركة مساهمة عامة، فيجب أن تكون قد قامت بنشر قوائمها المالية في عدد محدد من الصحف المحلية أو الرسمية لمدة ثلاث سنوات متتالية ما لم يكن هناك إستثناء من هيئة السوق المالية.
أما بعد الطرح للتداول فتكون الشركة مطالبة بنشر إعلاناتها متى تطلب النظام ذلك كنشر التقارير المالية كالربع سنوية (التقاريرالأولية) و السنوية (النهائية) و كذلك الأخبار و الصفقات و العقود الرئيسية متى تم المصادقة و التوقيع عليها من مجلس الإدارة متى كانت في حدود صلاحياته و سلطاته أو بعد موافقة الجمعية العمومية العادية أو غير العادية بحسب الحالة و كذلك صفقات الإندماج و الإستحواذ، و سيأتينا لاحقاً مصطلح المعلومة الجوهرية و الذي يقصد به أنها المعلومة التي تؤثر في إتخاذ القرار الإستثماري و يتأثر بها السهم إرتفاعاً و إنخفاضاً.
على كل فإن نظام السوق المالية قد نص في مادته الخامسة و الأربعون وجوب تقديم الشركة للهيئة و السوق المالية التقارير المحاسبية الربع الثانوية و السنوية، على أن تتضمن حساب الميزانية العمومية (BALANCE SHEET) و حساب الأرباح و الخسائر (PROFIT AND LOSS ACCOUNT-INCOME STATMET) و قائمة التدفق النقدي (CASH FLOW STATEMENT) ، و لكنه لم يتضمن قائمة التغير في حقوق المساهمين و الملاك، إذ أن هذه القائمة ضرورية للمستثمر في الشركة و الغير كون أنه يستطيع أن يعرف من خلالها مدى تمسك الشركاء أو المساهمين الحاليين بما يملكونه من حصص و كذلك من هم المستثمرون الإستراتيجيون في الشركة. كما نصت القرة ب من نفس المادة على معلومات يجب أن يتضمنها التقرير السنوي، و منها مايلي:
1) وصفاً كافياً للشركة المصدرة و طبيعة عملها و أنشطتها،فمثلاً الشركة في نظامها الأساسي (ARTICLES OF ASSOCIATION) يجب أن يتضمن المعلومات التفصيلية و الكافية عن كل ما يخصها، و العبرة من إيراد ذلك هو تذكير المساهمين الحاليين و المستقبليين و كذلك الجمهور و لإطلاعهم على المعلومات الأساسية لتكوين فكرة عن الشركة، فمثلاً شركة ما تقوم بنشاطات غير بترولية و بتروكيميائية كإنتاج مشتقاته كالبلاستيك و البروبلين و الإيثيلين و البولي إيثلين و البوليمر و غيرها من المنتجات الكيميائية.
فهذا يعتبر النشاط الرئيس للشركة (CORE BUISNISS) و مايتداخل معها من الأنشطة المتعارف عليها و التي تخدم النشاط الرئيس من أجل تحقيق ربحية للشركة كشراء و بيع الأراضي لإقامة المصانع و كذلك الإندماج و الإستحواذ على الشركات المماثلة لها في النشاط. أما الأنشطة الفرعية كالإستحواذ على شركات ليست مماثلة و لاتعمل في نفس النشاط أو تخصيص جزء من رأس المال في الشركة للإستثمار في الأوراق المالية، فإنه يعد خارجاً عن إختصاصها، ما لم يتضمن النظام الأساس على ذلك و جواز القيام بذلك و هل ذلك يعد من صلاحيات مجلس الإدارة إتخاذ القرار بذلك بمفردها بموجب صريح النظام و إلا عد تصرفاً باطلاً ما لم يعرض أولاً على الحمعية العمومية و أخذ موافقتها حتى يصبح التصرف جائزاً.
2) أما المعلومات التي تتعلق بأعضاء مجلس الإدارة و مدرائها التنفيذيين ( كالمدير التنفيذي و المدير المالي ) و كبار الموظفيين ( كمدير المبيعات و مدير شئوون الموظفين و مدير تقنية المعلومات و غيرهم ممن لهم تأثير في قرارات الشركة بحكم وظيفتهم ) و كبار المساهمين أو المستثمرين.
و العبرة من إيراد هذا النص في متطلبات الإفصاح، هو أن هذه المعلومات مهمة جداً في إتخاذ القرار الإستثماري بالنسبة للجميع، كون أن مؤهلاتهم لمن هم في داخل الشركة و خبراتهم التراكمية أو عدم وجوها يعني الكثير، أيضاً فإن معرفة حصص الملكية الخاصة بالمدراء التنفيذيين(EXECUTIVE DIRECTORS) أو أعضاء مجلس الإدارة الغير تنفيذيين (NON EXECUTIVE MEMBERS) مهمة، بحيث تمكن المستثمر من معرفة ما إذا كان هناك تعارض في المصلحة (CONFLICT OF INTEREST) بين العضو و الشركة. حيث أن العضو متى كان يعمل في مجال منافس أو له مصلحة مع الشركة نفسها لابد أن يأخذ تصريحاً من الجمعية العمومية يجدد كل سنة.
أما بخصوص كبار المساهمين و المستثمرين الذين تتعدى نسبة ملكيتهم خمسة في المائة فأكثر و نسبة تغير ملكيتهم، فإنها تعطي المستثمر ثقة في الشركة بأن الشركة جيدة مما يؤدي بإحتفاظهم مدة أطول للسهم و لاتعاني من صعوبات مالية مثلاً.
3) أما في الفقرة الثالثة و التي تستوجب قيام الشركة بتقويم إدارة الشركة المصدرة للتطورات الحالية والمتوقعة ، وأي احتمالات مستقبلية يمكن أن تؤثر بصورة مهمة على نتائج أعمال الشركة أو وضعها المالي ، حسب ما تنص عليه القواعد الصادرة عن الهيئة.
فإنها فقرة ممتازة كونها تساعد المحللين و المستثمرين على إتخاذ قرارات مناسبة، فمثلاً إذا كان هناك إنخفاض حاد في أسعار العقارات بشكل عام كأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة و كانت الشركة تملك عدداً من العقارات من قبل أو أن الشركة تعمل في مجال الرهن العقاري أو أن الشركة هي بنك يستثمر في الأوراق المالية العقارية أو كما حصل في المملكة من إلزام الشركات المساهمة بإعادة تقييم محافظها الإستثمارية بعد هبوط المؤشر و تبيان ذلك التغيير في القوائم المالية و عدم تقييمها قبل الأزمة و ذلك لإعطاء صورة صحيحة عن الوضع المالي للشركة.
أما بخصوص التطورات المتوقعة و الإحتمالية، فيمكن إعطاء أمثلة قانونية، فإذا كانت هناك دعوى مرفوعة ضد الشركة من قبل الغير و لم يتم الفصل بها بعد، و كانت القيمة الإجمالية تبلغ أكثر من عشرة بالمائة من رأس مال الشركة، فلابد أن تقوم الشركة بإعلان ذلك في السوق المالية يوم رفع الدعوى فوراُ و تذكير المساهمين بذلك في التقارير المحاسبية، و في المقابل إذا كانت الدعوى مرفوعة من الشركة ضد أحد الموردين أو الغير لتحصيل مستحقاتها أو أن الطرف الآخر لم ينفذ كل العقد وقد قامت بدفع تلك المبالغ من قبل، فلابد من القيام بنفس الفعل السابق، كون أن هذه الديون ستكون في خانة الخصوم، و بالتالي فإنه في حالة صدور حكم لمصلحة الشركة سيكون هناك تغيير في القائمة المالية.
هذا و لكون بعض المعلومات سرية و غير معلنة لحد الآن، فإنه يفتح المجال لعدم الشفافية في سعر سهم الشركة كون أنه بالإمكان أن يحصل تلاعب في السوق أو إستغلال المعلومات و التعامل بناء على معلومات داخلية بعكس ما هو حاصل من تضييق للخناق على هؤلاء في الأنظمة المقارنة كالنظام البريطاني و الأمريكي.
أخيراً، نرى في النظام أن الهيئة لا تتحمل أي مسؤلية في حالة وجود معلومات خاطئة أو مضللة أو عدم وجودها، و يقع ذلك على عاتق الشركة مما يعد تلاعباً منها في السوق نتيجة المعلومات الخاطئة التي قدمتها، و على ذلك يمكن للمتضرر اللجوء للجنة الفصل في الأوراق المالية و المطالبة بالتعويض. قبل أن نختم الحديث في هذا الجانب، نود أن نشير إلى أن نشرة الإصدار متى وجد فيها معلومات غير صحيحة أو قامت بإغفال بعض المعلومات في نشرة الإصدار، فإن الشركة تكون مسؤولة أمام الغير إلا ما كان يخص الغير الذين تم تحديدهم في نشرة الإصدار و بموافقتهم الخطية كالمحاسب و المحامي و المهندس و غيرهم فتقع ضمن نطاق مسؤليتهم.
هناك جانب آخر جدير بالبحث و الخوض فيه و هو الإعلانات التي تصدرها الشركة، فالشركة لا بد أن تقوم و تفصح عن جميع المعلومات الخاصة بالحدث و الخبر الجوهري وفقاً للقواعد و التعليمات الخاصة بإعلانات الشركات الصادرة من هيئة السوق المالية لا سيما الإعلانات الخاصة بالنتائج المالية، و توصيات مجلس الإدراة بشأن زيادة رأس المال أو خفضه، و الدعوة لعقد إجتماع الجمعية العمومية العادية و الغير عادية و قرارات أي منهما في حال إنعقاده، و إن لم تفصح الشركة و تقوم بتطبيق التعليمات بطريقة حرفية عالية كفؤة ( أي لا تؤدي إلى وجود فهم خاطئ للإعلان)، عندئذ يقع على عاتقها المسؤولية.
نود أن نوضح نقطة و هي أن بعض الشركات تقوم بنشر إعلانها الخاطئ أو الغير الكامل، و من ثم تقوم بنشر إعلان لاحق تقوم فيه بالتوضيح بصورة أكبر أو تصحيحه، إذ في هذه الفترة قد يكون هناك متضررون، عليه نتمنى أن تقوم الشركات بتعيين موظفين ذو كفاءة عالية و متخصصين في نشر الإعلانات و لديهم خلفية نظامية. و في الحقيقة فإن معظم إعلانات الشركات في المملكة ليس فيها أدنى متطلبات الشفافية و الإفصاح.
4) الركن المعنوي: حتى يتم إثبات قيام المخالف بفعل أو إمتناعه عن القيام بالفعل، فلا بد من توافر النية الجرمية و ذلك من أجل إثبات فعل العمد على الشخص الطبيعي و المعنوي، و الركن المعنوي يتألف من شقين هما العلم و الإرادة.
و لتوافر الإرادة فلا بد أن يعلم المخالف و المتلاعب أن إتيانه الفعل أو إغفاله عن القيام بعمل يعتبر مخالفة و جريمة في نظر القانون و أنه غير مشروع و إتجاه إرادته إلى إحداث الفعل، أما الشق الثاني و المتعلق بالعلم فجب أن يعلم المتلاعب أنه فعله غير مشروع بموجب النظام، هذا و تجدر الإشارة إلى أن الشخص الطبيعي و المعنوي لا يعذر بجهله بالقانون طالما تم نشره في الجريدة الرسمية.
و بإستعراض النصوص القانونية لمعرفة ماهو الركن المعنوي في جريمة التلاعب في السوق المتمثل في في صورة إستغلال السوق (ABUSIVE BEHAVIOR)، نرى أن المادة التاسعة و الأربعون قد تطلبت توافر النية الجرمية و توافر العمد، و أما التصرفات الغير عمدية فلا تندرج ضمن العمليات المجرمة، و يظهر ذلك جلياً في ثنايا الفقرات المتعلقة بهذه المادة، و هذه الحالات قد جاءت عل سبيل المثال و ليست على سبيل الحصر و الهدف من ذلك كما ذكرنا إمكانية إدخال الجرائم المستحدثة ضمن نطاق التجريم، فالمادة التاسعة و الأربعون في الفقرة ج نصت على ثلاث حالات.
الفقرة الأولى نصت على ثلاث حالات (أ،ب،ج)، و قد تم إيراد كلمة القيام بعقد صفقات في الفقرة أ، و يفهم من ذلك أن تأكيد النية الجرمية يقوم على التكرار الذي يؤكد التلاعب، أما إذا قام المتداول بعقد صفقة واحدة في أوراق مالية لا تنطوي على إنتقال حقيقي للملكية من محفظة خاصة به إلى أخرى تابعة له أو لغيره بهدف ضمها، عندئذ لا تعد تلاعبا.
أما الفقرات ب و ج، فإنها إشترطت توافر العلم المسبق في حالة البيع/ الشراء و أن هناك أوامر سيتم إدخالها، و يتم الكشف عن ذلك عن طريق التأكد من أن العمليات المتقابلة من حيث أنها متشابهة من حيث الحجم و السعر و التوقيت. و على ذلك فإن الإختلاف في إحدى الحالات السابقة لا يعتبر جريمة، و كذلك إذا ما تمت مرة واحدة و ليست بشكل يبعث الشبهات. الحالة الثانية فهي كذلك تتطلب التكرار سواء من المتلاعب نفسه عند التأثير منفرداً أو من عدة متلاعبين عن طريق إجراء سلسلة من الصفقات من شأنها أن تحدث طلبات فعلية أو ظاهرية….
أما الحالة الأخيرة فتهدف إلى تثبيت الأسعار أو المحافظة على إستقرار سعر تلك الورقة و هي كالحالة الثانية تتطلب التكرار.أما الصورة الثانية و المتمثلة في المعلومات الخاطئة فلا تتطلب التكرار في رأينا كون أن المادة التاسعة و الأربعون لم تتعرض لذلك و إنما نصت على الصورة الأولى فقط و كذلك إعتمادها على مواد قانونية أخرى لم تشر إلى ذلك.
و بعد أن تعرفنا على ماهية جريمة التلاعب في السوق، و كذلك إستعرضنا أركانها الرئيسة، بقي لنا التعرف على كيفية تطبيق القواعد القانونية من خلال تطبيقاتها القضائية على القضايا التي عرضت على المحكمة المتمثلة بلجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية (COMMITTEE OF RESOLUTION FOR SECURITIES DISPUTES) و كذلك بعض القرارات التي إتخذتها هيئة سوق المال السعودي.
و للأسف فإن عدم نشر الأحكام القضائية المالية ساهم في إيجاد بلبلة في الأوساط القانونية خاصة و المستثمرون في السوق بصفة عامة، كون أن ما نشر هو فقط عبارة عن إعلانات في موقع الهيئة تتضمن ملخص الحكم أو القرار. و حيث أن عدم الدقة في نشر ملخص الحكم أو القرار المتخذ من هيئة السوق قد يؤثر بشكل سلبي على السوق بالرغم أنه من المفترض أن يرفع كفاءة السوق و تطبيقاً أعلى لمبدأ الشفافية مما ينعكس على طمأنينة المتداولين و تركهم السوق عند إحساسهم بالنقيض و أن النظام لا يطبق على الجميع.
كذلك فإن ما أقدمت عليه هيئة السوق المالية في الآونة الأخيرة من التشهير بالمخالفين لهو خطوة متقدمة تحسب لها، وإن كنا نرى أنه لا يحق لها ذلك كون أن التشهير عقوبة تبعية و لا بد أن ينص بها في صلب الحكم و أن تضاف هذه العقوبة بناء على تعديل في نظام السوق المالية ضمن قائمة العقوبات الأخرى التي بإمكان لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية إيقاعها على المخالفين كما نصت المادة الثامنة و الخمسون من نظام السوق المالية، و أن ينشر هذا الخبر بعد اخذ هذه الموافقة من اللجنة، عندئذ تكون الإجراءات صحيحة.
كذلك فإن وضع أسماء الشركات التي تم التلاعب فيها و تواريخ الأيام التي فيها ذلك، يمكن المستثمر الذي تداول بناء على هذه على هذه المعلومات الغير صحيحة أن يطالب بالتعويض، و أنصح المتداولين بحفظ سجلات عند التداول بناء على توصيات أو إرتفاعات أو إنخفاضات في السوق، و أسماء الشركات مما يمكنه لاحقاً من المطالبة بحقه الخاص من المتلاعب نفسه إذا علم بذلك أثناء المحاكمة أو إذا قام برفع دعوى على الهيئة عند قيامها بتوريد تلك المبالغ لحسابها الخاص كون أنه حق له و ليس للهيئة، و أن الهيئة لها الأحقية في تحصيل الغرامات من المخالفات فقط كون أنها تمثل الصالح العام، كذلك على المتداول أن يتقدم إلى اللجنة لإثبات أنه قد تعامل في تلك الفترة و أنه يريد معرفة العمليات التي قام بها عن طريق محفظته المالية و هل إنتقلت إلى محفظة المخالف عن طريق طلب يوجه من قبل اللجنة إلى السوق المالية السعودية (تداول)، عندئذ يستحق التعويض وفق ما ستقدره اللجنة.
مع الإشارة إلى أن نص المادة الثامنة و الخمسون تساعد المتضرر في حالة إدراكه الحقائق التي جعلته يعتقد أنه ضحية مخالفة، عندئذ عليه إيداع شكوى خلال سنة و من ثم الرفع للجنة (هنالك نص المادة الخامسة و العشرون فقرة هـ التي تنص على وجب إيداع شكوى قبل الإحالة إلى اللجنة و في حالة عدم حل الشكوى بمشاركة الهيئة خلال تسعين يوماً، عندئذ ستقوم الهيئة بإعطاءه إخطاراً لإحالة دعواه إلى اللجنة و يعتبر يوم إيداع الشكوى يوم بدء سريان الدعوى)، و بأي حال من الأحوال لا يمكن سماع دعواه أمام اللجنة بعد مرور خمسة سنوات من وقوع المخالفة ( التقادم المسقط).مع التذكير بأن النظام الجديد للتداول لا يسمح للغير بمعرفة رقم المحفظة الإستثمارية التي تقوم بشراء أو بيع الأسهم خلافاً للأنظمة المقارنة و هذا يدعم وجهة نظرنا السابقة الذكر.
و بعد العرض الذي قد قمنا به آنفاً، سنرى كيف تعاملت هيئة السوق المالية قبل الإنهيار الكبير الذي حصل في السوق المالية السعودية في فبراير 2006 م و بعده، و الهدف من ذلك تطوير و رفع كفاءة الجهاز بحيث تكون هناك شفافية أكبر في التعامل مع المتداولين، كذلك التركيز على وجود رابطة و علاقة قوية بين القانون و ما يسمى بالإقتصاد النفسي و الذي يؤثر على سلوكيات المتداولين من خلال قلة فهمهم الصحيح لروح القانون، حيث أن المتداول لا بد أن يعرف كيف يتم تطبيق القانون و ماهي فائدته في طرح الثقة على السوق و سنرى المقصود من ذلك جلياً لاحقاً.
كما سنناقش موضوع التدرج في إصدار العقوبات من قبل الهيئة و هل هي كانت في صالح السوق المالية، أم أن عدم تطبيق النظام بحرفية قبل الإنهيار عندما كان السوق في حالة إرتفاع، و هل أن حالة الإنخفاض في قيم التداول و كذلك المؤشر قد ساعد الهيئة في تطبيق القانون. أم أن الخلط الذي قامت به و عدم تفسير القرارات التي أصدرتها قد ساعد في نزول السوق بسرعة مخيفة، إذ بنظرنا أن أي قرار متخذ أو سيتم إتخاذه لا بد أن يفسر من ناحية قانونية و إجتماعية و إقتصادية و كذلك ما هي أبعاده الحالية و المستقبلية، و بالتالي سيقوم عندئذٍ بتوعية المستثمرين بماهية القانون، و سنترك لكم بناء آراء متعددة لإثراء هذا الموضوع.
ففي أول إعلان للهيئة بتاريخ 1/10/2005م، قامت الهيئة بإيقاف التعامل مع الحسابات الإستثمارية لإثنين من المتداولين بناء على القرار رقم (1- 101- 2005)، بحيث لا ينفذ لهما أوامر بيع و لاشراء لمدة ثلاثين يوماً و ذلك بناء على نص المادة الخامسة/أ ، و ذلك لتوافر معلومات موثقة لإجراءهما عمليات بيع و شراء بمبالغ كبيرة بقصد إيجاد إنطباع غير صحيح عن أسعار بعض أسهم الشركات غير المدرجة، و كذلك إحالتهم إلى اللجنة،
الهدف من عرض هذا الخبر أن الهيئة في إعلاناتها اللاحقة لم تشر إلى ما تم حيالهما حتى الآن، مما ساعد في إيجاد بلبلة و معرفة حتى الآن لماذا لم يشر إلى ذلك، أيضاً فلمعرفة أن المادة التاسعة و الأربعون لا تعطي الهيئة الحق في التنازل عن الحق العام بحيث لابد أن ترفع ذلك للمحكمة و ذلك على عكس المادة الخمسون و التي تعطي الهيئة صلاحية التفاوض مع المتداولين بناء على معلومات داخلية بعدة شروط و سنشير لها في مقال لاحق بإذن الله.
أضف إلى ذلك إلى أن إستئناس الهيئة بالمادة الخامسة فقرة( أ ) أعطى الهيئة صلاحيات مطاطة لحماية المستثمرين، إذ لم يذكر في نص المادة أن الهيئة لها الأحقية في الإيقاف، و بالتالي فلا بد من وجود مادة نظامية تحدد فترة الإيقاف للمحفظة الإستثمارية صراحة، بحيث يجب إحالة المخالف للجنة في هذه الفترة أو رفع الإيقاف في حالة عدم وجود أدلة أو إعترافات من قبل المتداول و لايكون فيها أدنى شك (WITHOUT REASONABLE DOUBT) و كذلك وجود مادة تنص على إمكانية طلب المتداول التعويض من الهيئة في حالة ثبوت البراءة، كما هو منصوص في نظام الإجراءات الجزائية و التي تعطي هيئة التحقيق والإدعاء العام فترة أقصاها ستة أشهر و من ثم إما الإفراج عنه في تلك الفترة أو إحالته إلى المحكمة و ذلك بهدف توفير الضمانات الأساسية للمتهم.
الخبر الثاني كان بتاريخ 3/10/2005، أي بعد الخبر الأول بيومين، و كان هذا الخبر هو من اكثر الأخبار إثارة كون أن الهيئة تقول أنها ستقوم بفرض غرامات قدرها 183 مليون ريال، و لم نعرف حتى الآن ما هو مصير تلك الأموال، مع التوضيح أن الدعوى بالحق الخاص تسقط خلال خمسة سنوات كما أوضحنا آنفاً، و بالتالي فإن الكشف عن هذه التلاعبات قد بدأ يتضاءل مما ينعكس على المتداولين المتأثرين سلباً، مالم تقم الهيئة بتوزيعها على المتضررين كما تفعل لجنة البورصة الأمريكية، و نعود للقرار فنجد أنه قد تم الإشارة إلى نص المادة التاسعة و الأربعون و المادة الثالثة من لائحة سلوكيات السوق. و سنرى لاحقاً في آخر إعلان كيف كان هناك توضيح أكبر.
أما الخبر الثالث بتاريخ 9/10/2005 الذي قامت فيه الهيئة بإصدار قرارها رقم (1-104-2005) و بتاريخ 9/10/2005 ، و المتضمن توجيه السوق المالية بإيقاف التعامل مع الحسابات الإستثمارية الخاصة بأحد المستثمرين الذي قام بتملك حصة كبيرة من الأسهم في إحدى الشركات بما مقداره أكثر من خمسة بالمائة مما يوجب عليه إبلاغ الهيئة عند الوصول إلى هذه النسبة في المدة المحددة بناء على نص المادة 30 من لائحة التسجيل و الإدراج، ولم يقم بإبلاغهم إلا بتاريخ 30/8/2005م، و كذلك في شركة أخرى و قام بالإعلان بتاريخ 1/10/2005م،
و من ثم قام المخالف بالتصريح لإحدى الصحف السعودية في اليوم التالي…. مما حث المستثمرين على الشراء، و من ثم قام في الأيام التالية ببيع نسبة كبيرة من أسهمه في الشركتين، و إستندت الهيئة في قرارها على المادة التاسعة و الأربعون و كذلك المادة الثالثة من لائحة سلوكيات السوق و المادة الثلاثون من لائحة الإدراج والتسجيل كما أشرنا آنفاً، و من ثم قام في الأيام التالية ببيع نسبة كبيرة من أسهمه في الشركتين، و إستندت الهيئة في قرارها على نفس المواد المشار إليها في الخبر الثاني. و من خلال تحليلنا لهذا القرار نرى أنه جيدجداً و لكن كان ينقصه توعية المتضررين بالرغم من إشارتها إلى الشركات التي وقعت فيها المخالفات بممارسة حقوقهم المشروعة خلال الفترة من 2/10/2005 إلى 8/10/2005 و المطالبة بالتعويض، و كذلك لا ننكر ضعف الشفافية الإستثمارية و سياسة القطيع في ذلك الوقت.
و من هنا سنبدأ الحديث عن الأحكام القضائية الصادرة من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية و كذلك إستعراض القرارات الإدارية اللاحقة الصادرة من الهيئة لإكمال الصورة العامة عن جريمة التلاعب في السوق.
ففي 2/6/2006م تم الإعلان في موقع الهيئة بأنه قد صدرت ثلاث قرارات من اللجنة ضد ثلاثة من المتلاعبين (لم تقم الهيئة بنشر تواريخ صدور القرارات و رقم القرارات حتى يمكن الإعتماد عليها من قبل المستثمرين المتضررين و كذلك المختصين، كذلك لم تقم الهيئة بذكر هل تم الإعتراض على هذه الأحكام أم لا، إذ لا يحق لها التعويل على ذلك إلا حين صدور قرار نهائي غير قابل للطعن فيه، و أخيراً لا نعرف ماذا حصل حتى الآن لتمكين المستثمرين المتضررين للمطالبة بحقوقهم) بتغريمهم بمبالغ كبيرة وصلت إلى مائة و تسعة و ستون مليون ريال و منعهم من العمل في الشركات المساهمة لمدة ثلاث سنوات، هذا و قد نص القرار (الحكم) على الشركات التي وقعت فيها المخالفة فقط و لم ينص على متى تم حدوث هذه التلاعبات،
و برأينا أن هذا القرار الجرئ على مخالفة المادة المادة التاسعة و الأربعون هو قرار كارثي في ذلك الوقت و ذلك بسبب ضعف صيغة الإعلان، و بالتالي قد ساعد بشكل كبير في حصول الإنهيار الكبير للسوق و ذلك لعدم وجود رؤية محددة و مخططة و مسبقة بشكل واضح عن كيفية نشر الإعلانات الخاصة بالمخالفات المالية سواء كانت من إدارة المتابعة و التنفيذ بالهيئة أو إدراتها القانونية، كذلك عدم الإستئناس بالإعلانات المنشورة في موقع هيئة الخدمات المالية البريطانية SERVICES AUTHORITY) (FINANCIAL أو من موقع لجنة البورصة و الأوراق المالية الأمريكية (SECURITIES AND EXCHANGE COMMISSION) على الرغم من باعهما العريق في التعامل مع مثل هذه الحالات، خاصة و أن النظام السعودي مقارب لحد كبير إن لم يكن كلياً للأنظمة المشار إليها.
و بتاريخ 5/2/2006م قامت الهيئة بإصدار إعلان عن إقامة دعوى ضد أحد المكاتب التي تقوم بإصدار التوصيات بغير ترخيص نظامي، مما يعتبر مخالفة للائحة الأشخاص المرخص لهم، و حيث أن المخالف قد قام بنشر التوصيات بإسم المكتب العائد له في الصحف المحلية، و كذلك قيامه بإرسال التوصيات على الهواتف النقالة مقابل إشتراك مادي بحيث يحضهم على البيع والشراء في السوق، و حيث أن هذا الإعلان قد تم الإشارة فيه إلى قرار الهيئة رقم 4-126-2006 لإقامة دعوى إتجاهه، و كذلك الإشارة و لأول مرة إلى صدور قرار لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية رقم (14/ل/د/1/2006) لعام 1427هـ و المتضمن إقامة الحجز التحفظي على الحسابات البنكية العائدة لصاحب المكتب لحين إتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق العقوبات النظامية بحقه.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن القرار قد يكون مستعجلاً كما في هذه الحالة بشرط توافر عدة شروط كتجنب ضرر وقع فعلاً أو من المحتمل وقوعه على وجه التأكيد، و كذلك وجه الإستعجال و السرعة. عليه فقد أحسنت الهيئة صنعاً في هذا الإعلان، كون أنه يمكن المستثمرين الذين قاموا بالتعامل مع هذا المكتب و الضرر الذي وقع عليهم من مقاضاته.
إلا أنه لا بد لنا أن نعرف ما إذا كان صاحب المكتب مستثمراً في محافظ إستثمارية عائدة له و ماهي أرقام حساباتها الإستثمارية، و هل كان يستفيد من التوصيات التي يقدمها لصالحه الخاص بحيث لا ينطبق عليها وصف المشورة و إنما الترويج للإشاعات كون أنها لا تقوم على سند و تحليل علمي صحيح تؤدي بالتالي لمشورة صحيحة يتم الأخذ و الإستئناس بها.
عموماً كان يجدر أن يكون في الإعلان إشارة إلى مخالفة صاحب المكتب المواد المتعلقة بلائحة الأشخاص المرخص لهم و كذلك نص المادة التاسعة و الأربعين و المادة الثامنة من لائحة سلوكيات السوق المتعلقة بترويج الإشاعات و التي لا تشترط فيها أن تكون من المصدر نفسه (الشركة) و إنما من أي شخص كما هو عليه الحال في هذه الحالة كون أنها تحث الآخرين على الشراء و البيع في الأوراق المالية.
و بعد إستعراض الإعلانات السابقة التي تم تحليل كل منها بشكل منفصل عن الآخر، هنا نجد ان الإعلانات إما تخص مخالفاً واحداً أو أن الهيئة قامت بإتخاذ الإجراءات و القرارات بحيث تجعل القارئ للإعلانات في حالة عدم يقين و شك حيال ما تم إتخاذه، و لنلقي نظرة على هذه الإعلانات التي تم نشرها بتاريخ 14/2/2006 (إعلانان) – 21/2/2006 -23/2/2006 – 9/4/2006.
إذ ذكرت الهيئة بتاريخ 14/2/2006 في إعلانها الأول أنها بصدد تسريع إجراءات التحري و التحقيق في نشاطات عدد من المتداولين و التي تشكل خطراً على سلامة السوق و ضرر على المستثمرين للكشف عن أي تعاملات تعد إحتيالاً و تضليلاً، و من ثم إتخاذ الإجراءات اللازمة وفقاً للنظام.
و نرى أن الإعلان قد جاء متأخراً كون أنه على الأقل كان من الأفضل أن ينشر قبل أسبوع أو ثلاثة أيام و ذلك من أجل جعل المستثمر يتوقع صدور قرارات خلال الأيام المقبلة و إن لم يكن ذلك الوقت مساعداً لعمل ذلك من وجهة نظر الهيئة. إلا أن قيامها في نفس اليوم بنشر إعلان آخر عن إيقاف التعامل مع أحد الحسابات الإستثمارية لأحد المتداولين قد سبب نوعاً من عدم التوازن مما إنعكس سلباً على المتداولين.
نعود إلى الإعلان الثاني الذي تم الإشارة فيه إلى قرار الهيئة رقم (1-137-2006) و بتاريخ 15/1/1427هـ الموافق 14/2/2006م و الذي نص فيه إلى إيقاف التعامل مع الحسابات الإستثمارية لأحد المتعاملين بحيث لا ينفذ له أوامر شراء في أسهم الشركات المدرجة في السوق، و ذلك لثبوت إجراءه عمليات بيع و شراء بمبالغ كبيرة مما يعد من الممارسات التي تنطوي على إحتيال و غش و تدليس و تلاعب، هذا و لم يشر في الإعلان حينه على المواد التي تم مخالفتها و لا أسماء الشركات التي وقعت فيها المخالفة و ذلك بعكس ما سنراه في الإعلانات اللاحقة،
كذلك فمن وجهة نظرنا الشخصية أن قرار المنع من الشراء دون البيع هو قرار غير صائب، كون أنه يؤدي إلى إمكانية تصريف المخالف بما قام بشرائه مسبقاً بأسعار مختلفة و من ثم فإن بيعه بنفس السعر أو بأقل لربما لن يمنعه من تحقيق مكاسب ضخمة، كذلك فإن عدم قيام الهيئة في إعلانها بنسبة تملك الشخص في الشركات و هل تعدت الخمسة بالمائة أم لا و الإفصاح بذلك للسوق المالية و المستثمرين، و أخيراً لم يبين أن الشخص لا بد أن يقوم بإبلاغ الهيئة في حالة نقص الملكية.
و من هنا نرى أنه يجب على الهيئة نشر أسماء المستثمرين و شركات الوساطة من خلال السوق المالية و هل هم مستثمرون قصيري الأجل أم طويلي الأجل كما هو هو مبين في أحد النماذج المعدة من الهيئة لهذا الغرض.أما الإعلان الثالث بتاريخ 21/1/2006م و المتضمن قرار الهيئة رقم (1-140-2006) و بتاريخ 22/1/1427هـ و الذي تم فيه إبراز المواد النظامية التي تم التأسيس عليها و كذلك إسم الشركة التي تمت فيها المخالفة هو أمر حسن يحسب لهيئة،
مضافاً إلى ذلك أن المخالف قد قام ببث التوصيات عبر الإنترنت عن طريق المنتديات بهدف التأثير على سعر سهم الشركة، إلا أن الهيئة ذكرت أولاً أنها وجهت تداول بإيقاف التعامل مع الحسابات الإستثمارية العائدة للمخالف، بحيث لا ينفذ له أوامر شراء، إلا أنها في آخر الإعلان ذكرت بأنه سيتم التأكد من عدم تعامله مع السوق بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ هل معنى ذلك أن عدم التعامل فقط يدل على منع المخالف من الشراء فقط أو البيع و الشراء معاً، مضافاً إلى ذلك هل معنى ذلك أن المخالف لا يستطيع البيع إلى الغير و التربح من ذلك أو أن بإمكانه البيع لفئة معينة من الغير والإستحواذ على أكبر نسبة و من ثم الشراء منهم مرة أخرى إذا أراد ذلك.
عليه تمنيت أن تقوم الهيئة بتوضيح هذه الكلمات المؤثرة في قراراتها المقبلة. و بخصوص إعلانها الرابع بتاريخ 23/2/2006م المتضمن نفس الأحداث السابقة في القرارات المشار إليها آنفاً، إلا أنها ذكرت بأنه سيتم التأكد فقط من تعامل المخالف غير المباشر دون المباشر، و هكذا الحال نفسه مع الإعلان الصادر بتاريخ 9/4/2006م.
و هناك إعلان قد من المستحسن الحديث عنه و المؤرخ بتاريخ 1/3/2006م و المتضمن نفي الهيئة عما قيل في إحدى الصحف المحلية من أن الهيئة السوق المالية تعفو عن بعض المضاربين الموقوفين، و أنه ليس له أساس من الصحة، و هذا الإعلان جيدجداً كون أن الهيئة تمثل الصالح العام و لايمكن لها العفو عن المضاربين و المخالفين لنص المادة التاسعة و الأربعون لكون أن الضرر ليس ضرراً خاصا و إنما عاماً يضر بسمعة السوق المالية.
آخر الإعلانات التي تم إصدارها في عام 2006م أصدر بتاريخ 13/2/2006م، و الذي لم يحدد المخالفات التي قام بها المخالف و الذي تسميته والتشهير به لأول مرة، ولكن الإحتمال الأكبر أنه قد قام بمخالفة المادة التاسعة و الأربعون، و هذا القرار قد إكتسب الصفة القطعية بعد أن قامت لجنة الإستئناف بتأييد الحكم الذي أصدرته اللجنة الإبتدائية ، و هذا الإعلان رغم أهميته إلا أنه لم يتضمن رقم الحكم و تاريخه و متى تم تأييد الحكم، كذلك لم يتضمن أشكال و أنواع المخالفات التي إرتكبها كما ذكرنا، مضافاً إلى ذلك انه تم إلزام المخالف بدفع المكاسب التي حققها و البالغة أكثر من ثمانية و ثمانين مليون ريال، و فرض غرامة و قدرها مليونين و أربعمائة ألف ريال. هذا يعني أن المخالف قد إرتكب مخالفات عديدة تصل إلى أربعة وعشرين مخالفة، كون أن الهيئة تستطيع طلب إيقاع الغرامة على المخالف في كل مخالفة ما بين حدها الأدنى و الأعلى (10000-100000ريال).
و هذا الحكم جيد، و لكن يطرح هنا التساؤل نفسه، هل قام المخالف بالمخالفات لوحده أم مع غيره، و هل كانت في شركة أو عدة شركات، و هل قام بإعطاء توصيات أو ترويج إشاعات ضرت بالمستثمرين الآخرين…إلخ.
كما في حينها بعد صدور القرار النهائي في موقع الهيئة ظهر في إحدى وسائل الإعلام محامي المدعى عليه (المخالف) و قد أقر بمخالفة موكله الأنظمة و اللوائح، إلا أنه ذكر أن الخلاف مع الهيئة على كيفية تقدير الهيئة للمكاسب التي حققها موكله، وفي رأينا أنه ربما كانت المخالفات متقاربة مما جعل الهيئة تقوم بحسابها منذ أن قام بالتصرفات التي تعتقد أنها مخالفة لنظام السوق المالية و من ثم الأرباح التي قام بتحقيقها، و لكن لو كان لدى المخالف أسهم متعددة في الشركات التي تمت فيها المخالفات قبل إرتكابه الفعل و من ثم قام بتصريف كمية أكبر من الكميات التي قام بشرائها في وقت إرتكاب المخالفات، عندئذ فهل تم الخلط بين الأسهم المملوكة قبل وقوع المخالفات و عند إرتكاب المخالفات معاً، مما يجعل المدعى عليه يعارض طريقة حساب الهيئة حتى بعد إكتساب الحكم الصفة القطعية.
أما الإعلان الأخير الذي سنعرج عليه، فكان بتاريخ 30/6/2007م الموافق 9/5/1428هـ، فكان الأفضل من حيث الصياغة القانونية، إذ تضمن أغلب الملاحظات التي أوردناها آنفاً في هذا المقال، و كانت القضية واضحة المعالم، إذ أن المخالفين بينهم علاقة قرابة، كذلك الوسطاء كانوا يعملون في بنك واحد مما يشير إلى عدم وجود جدران نارية فاعلة بين الوسطاء و مخالفتهم صريح النظام (مع العلم أن الهيئة لها الحق في الطلب من البنوك و مكاتب الوساطة ما لديهم من سجلات صوتية بين الوسطاء و عملائهم لوجوب إحتفاظ الشخص المرخص بها لمدة ثلاث سنوات و في حالة عدم وجودها عند التفتيش من قبل الهيئة أو طلبها فإنها تستطيع إيقاع غرامة عليه، أما المستندات الورقية فلا بد أن يحتفظ بها لمدة عشر سنوات).
و في الحكم تم منع المخالفين من العمل في الشركات المساهمة لمدة ثلاث سنوات، و تم فرض غرامة عليهم مقدارها 150000 ألف ريال على كل مخالف من المتلاعبين (إثنان).
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيفية تقدير الغرامات من قبل اللجنة و من ثم فإن معرفة متى يتم تشديد الحكم او تخفيفه و هل يتم إحتسابه على قلة أو كثرة المخالفات أمر مهم (في القانون الجنائي يتم التشديد مثلاً في حالة العود). مما يجعلنا نأمل في نشر الأحكام لتحقيق الردع العام و الخاص و كذلك للتحليل.
أما الشق الثاني فهو متعلق بالوسطاء (إثنان) و الذين تم فرض غرامات مختلفة عليهم و إلغاء ترخيص أحدهما و تعليق ترخيص الآخر لمدة سنتين، مما يجعلنا ندرك أن أحد الوسطاء كان خطأوه أكبر من الآخر، أي أنه هو الذي قام بتلقي الأوامر من المخالف أولاً ومن ثم قام بتنفيذ الأوامر و هو على علم مسبق أو يعتقد بأنها ستكون مخالفة للنظام مما أوقعه في مخالفة المادة الحادية عشر من لائحة سلوكيات السوق و لم يقم بواجبه المتمثل برفض تنفيذ الصفقة و توثيق ظروف و أسباب قراره كتابة و من ثم إشعار الهيئة بذلك خلال ثلاثة أيام، كما أنه ربما قد قام بحث الوسيط الآخر على تمرير الصفقات المخالفة.
أخيراً، فإننا نود أن هيئة السوق المالية و السوق المالية السعودية على سعيهم الحثيث لتطبيق الأنظمة و تحقيق الشفافية و الإفصاح في المعاملات، ونشير أيضاً أن هذه الجرائم تتطور مع الأزمان، و أن النظام الجديد سيحل الكثير من المشاكل و الأسباب التي تحدث المخالفات و تسهيل الكشف عليها، إلا أنها لن تنتهي حيث أن التلاعبات ستكون أصعب مما كانت عليه سابقاً.
و لكن ما كنا نتحدث عنه لم يكن عن جوانب مالية أو إقتصادية بحتة، و إنما كان يتحدث عن تطبيق القانون على أرضية الواقع و الإحتراف في ذلك، إذ أن القانون واضح و صريح و لكن لا بد من إظهار كيفية تطبيق روح القانون مما يؤثر بشكل إيجابي على السوق المالية و يجعله بيئة جاذبة للإستثمارات على الصعيدين المحلي و العالمي.
نخرج من هذا البحث بعدة توصيات نوجزها على الشكل التالي:
1. تأهيل أعضاء لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، الإدارة القانونية، إدارة المتابعة و التنفيذ التأهيل القانوني المناسب من حيث الإبتعاث للدراسة في الخارج في مجال التخصص و كذلك التدريب في الهيئات و البورصات العالمية.
2. تكثيف الدورات للأعضاء المشار إليهم أعلاه و الخاصة باللغة الإنجليزية بشكل عام، و من ثم أخذ دورات متخصصة في المصطلحات الخاصة بالإدارة المالية، الإقتصاد،المحاسبة، و بعد ذلك أخذ دورات مكثفة لا تقل عن أربع دورات في السنة في مصطلحات القانون المالي، كون أن معظم المراجع باللغة الإنجليزية.
3. ظهور المسؤلين في الإدارة القانونية بشكل دوري على الإعلام، و الشرح للمستثمرين عن كيفية تطبيق النظام ولوائحه التنفيذية و رأي الهيئة فيها، إذ تعتبر غامضة و صعبة الفهم بالنسبة للمستثمرين. مع علمنا أن الهيئة قد قامت بتنظيم حلقات قام بعض المحامين بشرح اللوائح الأساسية بشكل عام.
4. الإستعانة بالمحامين و المستشارين القانونين المحليين و الدوليين لتنظيم دورات داخلية لموظفي الإدارات المعنية، و ما إذا كانت هناك ثغرات في النظام و كيفية التعامل معها.
5. دعم الهيئة للأبحاث المختصة بعملها و أنظمتها من قبل أعضائها أو الغير و ذلك بقصد تطوير نظامها القانوني.
6. الإستعانة و الإستفادة من تجارب هيئة الخدمات المالية البريطانية و لجنة البورصة و الأوراق المالية الأمريكية قبل إصدار إعلاناتها المقبلة و المتعلقة بالإجراءات التي ستتخذها الهيئة، على سبيل المثال النظر في الإصدارات القانونية LEGAL RELEASES في موقع SEC و المتضمن كيفية عرض الهيئة للقرار الذي تم إتخاذه، و آراء المسؤلين فيها، و ماهو تأثيره على السوق حالياً و مستقبلياً، كذلك مع وجود لوائح الإدعاء المقدمة من قبلهم ضد المخالفين مما يشكل أساساً صلباً عند الإعتماد عليها.
7. إيجاد حلول بالنسبة للرواتب الممنوحة لأعضاء لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية و جهازهم الإداري الذي يضم عدداً من المستشارين، و التنسيق مع مجلس القضاء الأعلى لإبقاء الرواتب و المميزات الممنوحة لهم كما هي بعد إنتقالهم للعمل في المحاكم التجارية، إذ أنها ستؤثر بالفعل في جلب الكفاءات القانونية الكفؤة النادرة إذا ما تم مساواتهم بالآخرين.
8. نشر الأحكام القضائية (القرارات) النهائية الصادرة من اللجنة الإبتدائية بعد إستنفاذ مدة الطعن فيها و اللجنة الإستئنافية، و ذلك من أجل مساعدة المتخصصين و المستثمرين على تحليلها و معرفة المبادئ الراسخة في النظام السعودي.
9. تفعيل ثقافة المعرفة القانونية في الشؤون المالية من قبل جميع المتخصصين.
بحث قانوني مفصل يدور حول الجرائم المالية في البورصات(دراسة تحليلية مقارنة)