مقدمه
يحتل موضوع الارهاب حيزأ كبيرأ من اهتمام فقهاء القانون الدولي والقانون الجنائي لما تشكله هذه الظاهرة من خطر عظيم على المجتمع بما يخلفه من ضياع للامن وتدمير للمتلكات وانتهاك للحرمات وتدنيس للمقدسات وقتل وخطف للمدنيين الآمنيين وتهديد لحياة الكثير منهم .
وفي العراق بأخذ هذا الموضوع بعدأ اكثر اهمية بحكم معاناته من مختلف صور الجرائم الارهابية وتحت مسميات وذرائع مختلفة .
ولا شك ان البحث في المفهوم الارهاب يتطلب دراستها من جوانبها المختلفه غير ان دراستها هذه تقتصر على تحديد مفهومه باعتبارها ظاهرة قانونية على الصعيدين الدولي والداخلي .
وفي هذا البحث الموجز سنسعى الى بحث مفهوم الارهاب في الشريعة الاسلاميه والقانون الوضعي الدولي والداخلي ونحاول تمييز الارهاب من غيره من اعمال العنف المشروعهكأعمال المقاومه والكفاح المسلح .
وسنقسم الدراسه الى أربعة مباحث يتعلق المبحث الاول منها في تعريف الارهاب وتأريخه ونكرس المبحث الثاني لموضوع الارهاب في القانون الوطني اما المبحث الثالث فسنتناول فيه موضوع الارهاب في القانون الدولي واخيرأ ميزنا بين الارهاب ونشاط الكفاح المسلح واعمال المقاومه .
المبحث الأول
تعريف الإرهاب وتاريخه
اختلف الباحثين في تعريف الإرهاب وتاريخ ظهوره ,ومنهم من أهمل مسالة التعريف تلافيا”لصعوبته مكتفيا”ببحث ظاهرة الإرهاب وسرد خصائصها وصورها,بينما سعى البعض الى وضع تعريف محدد وجامع ,فكان إن برزت العديد من التعاريف التي تحوي على بعض عناصر الإرهاب والتي من الممكن أن تكون أساسا” في تحديد مفهوم هذه الظاهرة
المطلب الأول : تعريف ظاهرة الإرهاب
يأتي الإرهاب في اللغة العربية من الفعل (رهب ,يرهب,رهبة”)أي خاف ,ورهبه أي خافه والرهبه هي الخوف والفزع وهو راهب من الله أي خائف من عقابه ,وترهبه أي توعده (1)أما في القران الكريم فينصرف معنى الإرهاب إلى ما ورد في الآيات القرآنية التي تأتي بمعنى الفزع والخوف والخشية والرهبة من عقاب الله تعالى ,فقد ورد في قوله تعالى(واوفوا بعهدي أوف بعهدكم واياي فارهبون ).(2) وجاء (إنما هو اله واحد فإياي فارهبون) (3)وورد (انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا” ورهبا”) (4)
كما يأتي الإرهاب في القران الكريم بمعنى الردع العسكري فقد ورد (ترهبون به عدوا الله وعدوكم واخرين من دونهم) 0 (5)وجاء أيضا” (واستر هبوهم وجاءوا بسحر عظيم).(6)
أما في اللغات الأخرى فان الإرهاب يأتي بمعنى رعبterror وتعني خوفا”أو قلقا”متناهيا”أو تهديد غير مألوف وغير متوقع ,وقد اصبح هذا المصطلح يأخذ معنى جديد في الثلاثين عاما” الأخيرة ويعني استخدام العنف والقاء الرعب بين الناس.
والإرهابي هو من يلجا إلى العنف غير القانوني أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية سواء من الحكومة أو الأفراد والجماعات الثورية المعارضة (7)
وقد بلغت أهمية تعريف ظاهرة الإرهاب حدا” كبيرا”دفع الدول إلى إقامة المؤتمرات والندوات لتحديد مفهومه وعناصره ومسبباته وعموما” ظهر في هذا السبيل اتجاهان الأول الاتجاه المادي والثاني هو الاتجاه المعنوي أو الغائي :
أولا”:الاتجاه المادي في تعريف الإرهاب
يقوم الأساس المادي في تعريف الإرهاب على السلوك المكون للجريمة أو الأفعال المكونة لها وطبقا” لذلك يعرف الإرهاب بأنه عمل أو مجموعة من الأفعال المعينة التي تهدف إلى تحقيق هدف معين (8)
وقد قاد هذا لمفهوم إلى تعريف الإرهاب بالاستناد إلى تعداد الجرائم التي تعد إرهابية دون البحث في الغرض أو الهدف من العمل الإرهابي
وفي هذا الاتجاه يذهب (بروس بالمر )إلى أن الإرهاب قابل للتعريف فيما إذا كانت الأعمال التي يضمها معناه ,يجري تعدادها وتعريفها بصورة دقيقة وبطريقة موضوعية دون تمييز فيما يتعلق بالفاعل مثل الأفراد وأعضاء الجماعات السياسية وعملاء دول من الدول –(9).
ومن ثم ذهب أنصار هذا الأسلوب إلى الاكتفاء بتعداد الأعمال أو الأفعال التي تعد أر هابيه كالقتل والاغتيال والاختطاف واحتجاز الرهائن و أعمال القرصنة
ولا يخفى ما يكتنف هذا التحديد من قصور من حيث انه تجاوز عن أهم عنصر من عناصر الجريمة الإرهابية وهو الغرض أو الهدف السياسي كما إن التحديد الحصري لجرائم معينة على إنها إرهابية يؤدي الى خروج الكثير من الجرائم من دائرة الإرهاب لالشيء سوى إنها لم تذكر في ضمن هذا النوع من الجرائم متجاوزين عما قد يجلبه التطور العلمي والتكنولوجي من صور جديدة للجرائم الإرهابية .
إزاء ذلك اتجه جانب من الفقه إلى تحديد صفات معينة للجرائم الإرهابية لتمييزها من غيرها وعدم الاكتفاء بالتعداد الحصري (10)ومن تلك الصفات على سبيل المثال:
1-إن الأعمال الارهابيه تتصف بأنها أعمال عنف أو تهديد به 0 و أضاف البعض إلى هذه الصفة ,إن يكون العنف غير مشروع وفي ذلك يقول ((يورام دينستن))((أنا اعتبر الإرهاب على انه عمل عنف غير قانوني )) (11)
2-أن يتضمن هذا العنف أحداث الرعب أو التخويف ,وتقوم بهذا الدور الإداة أو الوسيلة المستخدمة في العمل الإرهابي
3-إن يكون هذا العنف منسقا”أو منضما”ومستمرا”0وعلى ذلك فعمل الاغتيال الذي لا يكون جزء” من نشاط منظم لايعد إرهابيا”
وأيا”كانت محاولات هذا الاتجاه في تطوير مذهبة فقد ظل بعيدا”عن المحتوى الأساسي للإرهاب والذي يتجلى في الطابع السياسي للجريمة الارهابية رغم محاولات بعض الدول لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية القبول بهذا التعريف .
فقد ذهب وفد الولايات المتحدة في الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بالإرهاب وطرق معالجته إلى اقتراح تعريف ظاهرة الإرهاب على إنها ((كل شخص يقتل شخصا” أو يسبب له ظررا” جسديا” بالغا”أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخصا” قام أو حاول القيام بذلك ))(12)
ثانيا”:الاتجاه المعنوي في تعريف الإرهاب
يركز هذا الاتجاه في تعرف الإرهاب على أساس الغاية أو الهدف الذي يسعى إليه الإرهابي من خلال عمله. غير إن أنصار هذا الاتجاه يختلفون في طبيعة هذه الأهداف فهناك أهداف سياسية وأخرى دينية وثالثة فكرية وهكذا فهل يتعلق الإرهاب بهدف من هذه الأهداف بالتحديد باعتباره الركن المعنوي للجريمة الإرهابية ؟
استقر الرأي الغالب على القول بان الركن المعنوي في الجريمة الإرهابية يتجلى في غاية الإرهاب ذاته وهو توظيف الرعب والفزع الشديد لتحقيق مآرب سياسية أيا” كان نوعها 0(13)
وفي ذلك يعرف الدكتور شفيق المصري الإرهاب بشكل عام باعتباره ((استخدام غير شرعي للقوة او العنف أو التهديد باستخدامها بقصد تحقيق أهداف سياسية)).(14)
غير إن هذا التعريف يشكل نوع من التطابق بين الجريمة السياسية والأعمال الإرهابية وهو أمر غير مقبول لما يقود إليه ذلك من تخفيف للعقوبة وعدم إمكان تسليم المجرمين 0(15)فإذا كان الغرض السياسي عنصرا”مهما”في الجريمة الإرهابية فهو ليس المعيار الوحيد في تميزها
إزاء ذلك ذهب البعض إلى التركيز على عناصر أخرى في التعريف منها استخدام الوسائل القادرة على أحداث حاله من الرعب والفزع بقصد تحقيق الهدف أيا” كانت صورته سياسيا”أو دينيا”أو عقائديا”أو عنصريا”,وفي هذا إخراج للجريمة السياسية والتي يمكن أن تحصل دون اللجوء إلى العنف
وفي ذلك يكتب الدكتور إمام حسانين عطا لله ((إننا نشايع الرأي الذي يرى إن الإرهاب هو طريقة أو أسلوب فهو سلوك خاص وليس طريقة للتفكير أو وسيله للوصول إلى هدف معين ويؤيد ذلك إن المقطع الأخير من كلمة Terrorisme بالفرنسية Isme تعني النظام أو الأسلوب – فالإرهاب على ذلك هو الأسلوب أو الطريقة المستخدمة والتي من طبيعتها إثارة الرعب والفزع بقصد الوصول إلى الهدف النهائي. (16)
ونرى إن هذا التعريف مقبول إلى حد كبير فهو يتضمن العناصر الواجب مراعاتها في تحديد مضمون الأعمال الإرهابية وتمييزها عما قد يختلط بها من أفعال أخرى.
على انه من المهم التأكيد على أن تكون أعمال العنف تلك ، أعمالا”غير مشروعه لتميز الفعل الإرهابي عن أعمال العنف المشروعة كأعمال المقاومة والكفاح المسلح.
ومن ثم يمكن تحديد عناصر تعريف الجريمة الإرهابية فيما يلي:
1-العنف غير المشروع0(17)
2-التنسيق والتنظيم
3-أن يؤدي العنف إلى خلق حالة الرعب والفزع 0
4-أن يهدف العمل إلى تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو عقائدية أو عنصرية بعيدة عن الغايات الفردية
ويستوي أخيرا”أن يمارس هذا العنف المنسق وغير المشروع من الأفراد أوالمؤسسات أو الدولة مادامت قد اجتمعت فيه العناصر المذكورة الأخرى
المطلب الثاني :تاريخ ارهاب
بدا الإرهاب مع بداية البشر توارثوه جيلا” بعد جيل فمنذ الخليقة والإنسان يعيث في الأرض فسادا” وسفكا” للدماء ولعل ذلك ما دفع الملائكة إلى القول ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)) (18)
الخطاب والإمام علي بن أبي طالب(ع)والحسن بن علي(ع)على يد الخوارج وهي جماعة إرهابية منظمة كانت تهدف إلى تحقيق غايات سياسية
كما انتشر في بعض مراحل التاريخ العربي ما يمكن أن نطلق عليه بإرهاب الدولة والذي تجلى بأعمال القتل والسبي أبان الحكم الأموي ,كما عرف عن الحجاج بن يوسف الثقفي انه كان يعرض جثث المقاتلات من الخوارج عارية في الأسواق لردع النساء من الانضمام اليهم0(19)
أما الإرهاب بمعناه الحديث فلم يظهر إلا في المجازر التي أعقبت الثورة الفرنسية والتي أدت إلى قتل اكثر من أربعين ألف انسان(20)والأعمال الإرهابية التي قامت بها العصابات الصهيونية في فلسطين ومجازر الصرب في كوسوفو والبوسنة والتي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين0 وتنتشر في الوقت الحاضر العديد من التنظيمات الممولة بشكل جيد والقادرة على التخطيط والتنسيق فيما بينها لتكون خصما” للدول الكبرى والتي تستخدم الخطاب الديني في حشر المؤيدين لها
المطلب الثالث الإرهاب والشريعة الإسلامية
عرف التاريخ الإسلامي صور من الجرائم الإرهابية ورصد لها اشد العقوبات ولعل جريمتي البغي والحرابة أقرب صور الجرائم الى الأعمال الإرهابية ونجد أن من المناسب البحث في مضمون هاتين الجريمتين
أولا”:جريمة البغي:
جريمة البغي هي جريمة سياسية تقترف ضد السلطة بناء”على التأويل السائغ والتأويل السائغ يقابل في القانون الباعث السياسي فالتأويل قد يكون سائغأ وقد يكون فاسدأ ، وكذلك الباعث قد يكون دنيئا”وقد يكون شريفا” (21)
وقد فرق الفقهاء بين البغي بحق والبغي بغير حق والذي ينبغي وصفه بالجريمة و أوجبوا الوقوف مع البغاة إذا كانوا على حق وكان الإمام جائرا”
إما إذا كانوا على باطل وكان تأويلهم غير سائغ فيجب حرب البغاة إذا اجتمعوا في مكان معين ليس لان فعلهم يكون جريمة ولكن لردهم الى رشدهم لذلك لايجب قتالهم إلا إذا بدئوا القتال (22)
مصداقا”لقوله تعالى ((وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ,فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا أن الله يحب المقسطين ,إنما المؤمنون أخوه فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون))(23)
وقد اشترط الفقهاء أن يكون الخروج بقصد عزل الإمام غير العادل ، ومن ثم تقترب هذه الجريمة من الجريمة السياسية في القانون الوضعي مما يستدعي تخفيف العقاب فيها والامتناع عن تسليم مرتكبيها .
وهو ما استدعى الفقهاء المسلمين إلى تعريف البغاة بأنهم (( الخارجون على الإمام الحق بغير الحق فلو خرجوا بحق فليسوا بغاة )) بينما ذهب آخرون إلى القول بأنهم (( هم الخارجون على إمام ولو غير عادل بتأويل سائغ ولهم شوكه )) . (24)
ومن ثم لايمكن النظر إلى الجرائم الإرهابية باعتبارها جريمة بغي وان كان لبعض مرتكبيها أرائهم وتأويلاتهم فخطف الطائرات والقرصنة البحرية واحتجاز الرهائن وطلب الفدية وقتل المدنيين وترويعهم لا يهدف إلى عزل الإمام غير العادل خاصه إذا ما اتخذ عملهم بعد دوليا لا يتناسب مع وصف البغي والذي يستدعي أن يكون داخل الدولة بحكم استهدافه عزل الإمام الجائر .
ثانيا: جريمة الحرابة
تعد جريمة الحرابة من ابشع الجرائم التي ورد النص عليها في التشريع الإسلامي ووضعت لها شروط خاصة وأركان خاصة لا تتحقق إلا بوجودها لجسامة العقوبة المترتبة عليها والتي ورد النص عليها في القرآن الكريم (( أنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي
في الدنيا ولهم في الاخره عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فعلموا أن الله غفور رحيم )) .(25)
والحرابة في اللغة مصدر مشتق من فعل حارب يحارب . ولهذا الفعل عدة معان منها أن الحرب بمعنى القتل وبمعنى المعصية وحارب الله إذ عصوه كما يأتي الحرب معنى سلب . (26)
وفي اصطلاح الفقهاء تعرف بأنها ( خروج جماعه أو فرد ذي شوكه إلى الطريق العام بغية منع المسافرين أو سرقة أموال المسافرين أو الاعتداء على أرواحهم)(27) وعرفها الحنفية بأنها ( الخروج على المارة على سبيل المغالبة على وجه يمنع المارة من المرور وينقطع الطريق ) . في حين عرفها الشافعية بأنها البروز لآخذ المال أو قتل أو إرهاب ويضيف بعضهم أن يكون ذلك مكابرة أو اعتمادا على الشوكة مع البعد عن الغوث.(28)
أما الشيعة الأمامية فأن المحاربة عندهم هي تجريد السلاح برأ وبحرا ليلا ونهارا لإخافة الناس في المصر وغيره وعد السارق محاربا إذا اقترف جريمة السرقة مع استعمال السلاح (29)
في حين وسع الظاهرية معنى الحرابة ليشمل كل مفسد في الأرض وحجتهم في ذلك أن آية المحاربين جعلت كل مفسد في الأرض محاربا والحكم مطلق يجرى على اطلاقة ما لم يرد حكم يقيده . (30)
ومن مجموع هذه التعريفات يمكن القول بأن فقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم يجمعون على أن الخروجلاخافة الناس في الطريق أو لاخذ أموالهم أو قتلهم أو جرحهم هو من قبيل الحرابة .
وأذا ما آجرينا مقارنه بين هذه الأفعال والصور المعاصرة من الجرائم الإرهابية نجد انهما يتفقان من حيث توافر العنصر النفسي ونشر الرعب أو الخوف وقد تقدم أن الشافعية عرفوا الحرابة بأنها البروز لآخذ المال أو إرهاب . كما اشترط الفقهاء تجريد السلاح والمكابرة بالاعتماد على الشوكة والمغالبة وهو ما ينطبق على اكثر العمليات الإرهابية في الوقت الحاضر لاسيما أعمال القرصنة البحرية وخطف الطائرات حيث يمتنع الغوث ويتم استخدام السلاح أو التهديد به لنشر الرعب بين المسافرين .
وعلى ذلك نجد أن جريمة الحرابة في الشريعة الإسلامية هي الصورة المقابلة للجريمة الإرهابية في التشريع الوضعي وقد حرص الإسلام على ضمان أمن واستقرار المجتمع باعتبار هذه الجريمة من الكبائر ورصد لها أشد العقوبات لما في قطع الطريق وقتل الناس وإرهابهم من إشاعة للفوضى والرعب واخلال خطير للنظام العام (31)
المبحث الثاني
الإرهاب في القانون الوطني
تتجه التشريعات الجنائية في مختلف دول العالم نحو معالجة مشكلة الإرهاب غير إن اغلبها يقف عاجزا عن وضع تعريف محدد لهذه الظاهرة ويكتفي بالنص على أفعال معينه تمثل صور من الجرائم الإرهابية يتم إخضاعها لنظام قانوني خاص لمواجهة أثارها الخطيرة على المجتمع وردع مرتكبيها .
المطلب الأول الإرهاب في التشريعات المقارنه
وتتطرق في هذا المطلب إلى بعض التشريعات الاجنبية والعربية والتي عالجت موضوع الارهاب
اولآ : الإرهاب في التشريع الفرنسي
لم يفرد المشرع الفرنسي قانون خاص لمكافحة الإرهاب ، إنما عالج هذه المسألة ضمن نصوص قانون العقوبات وحدد أفعالا معينه مجرمة أخضعها لقواعد اكثر صرامة باعتبارها جرائم إرهابية إذا اتصلت بمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام بصورة جسيمه عن طريق التخويف والترويع . (32)
وبموجب القانون رقم 86/1020 لعام 1986 عرف المشرع الفرنسي الإرهاب بأنه ((خرق للقانون ، يقدم عليه فرد من الأفراد ، أو تنظيم جماعي بهدف أثارها اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب )) . (33)
ثانيا:الإرهاب في تشريع الولايات المتحدة الأمريكية .
تربط تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب بالأفراد فحسب والاتجاه الفقهي السائد يذهب الى تعريف الإرهاب بأنه نشاط موجه ضد شخص من أشخاص الولايات المتحدة يمارس من قبل فرد ليس من مواطني الولايات المتحدة أومن الأجانب المقيمين فيها بصورة دائمة . (34)
وقد سن المشرع الأمريكي عدة قوانين لمكافحة الإرهاب منها قانون مكافحة اختطاف الطائرات عام 1971 .(35) كما من الكونغرس جزاءات تفرض على البلدان التي تعاون الارهابيين أو تحرضهم أو تمنحهم ملاذا في عام 1976 . (36)
وقد عرفت وزارة العدل الأمريكية عام 1984 إلارهاب بأنه سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف . بينما ذهب مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى تعريفه بأنه عمل عنيف أو عمل يشكل خطرأ على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دوله . (37)
غير أن المشرع الأمريكي لم يتعامل مع الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة حتى صدور قانون عام 1996 ثم توالت القوانين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وخاصة فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب .
ثالثا// الإرهاب في التشريع المصري
لم يعالج التشريع المصري الإرهاب بوصفة جريمة مستقلة ولم يضع لها قواعد موضوعية أو إجرائية خاصة حتى صدور القانون
رقم 97 في تموز 1992 الذي عرف الإرهاب في مادته الثانية بقوله (( يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون استخدام القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، بهدف الإخلال
بالنظام العام او تعريض سلامة المجتمع وامنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو اللقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة ، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لاعمالها . أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين و اللوائح )) . (38)
ويبدو من هذا التعريف ان المشرع المصري قد توسع في تعريف الإرهاب فشمل العديد من الأفعال التي قد تقع تحت معناه المتعارف عليه فهو على سبيل المثال تجاوز عن عامل التأثير النفسي أو الرعب المجتمع على اشتراطة كصفه مميزة للجرائم الارهابية فشمل بالاضافة اليه ايذاء الاشخاص وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو امنهم للخطر والحاق الضرر بالبيئه وبالاتصالات الخ . وهي بمجملها قد تشكل جرائم عادية تحفل بها التشريعات الجنائية .
رابعأ: الارهاب في التشريع السوري
كان التشريع السوري من اقدم التشريعات العربية التي تناولت موضوع الارهاب باعتباره جريمه مستقله . فقد عرفت المادة 304 من قانون العقوبات لعام 1949 الارهاب بقولها (( يقصد بالاعال الارهابية الافعال التي ترمي الى ايجاد حالة ذعر ، وترتكب بوسائل كالادوات المتفجرة ، والاسلحة الحربية والمواد الملتهبة ، والمنتجات السامة أو المحرقة ، والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها ان تحدث خطرأعامأ)) .
وقد عاقب القانون بشدة على اقتراف هذا النوع من الجرائم أو التأمر لارتكابها كما عاقب بالاعدام فيما اذا نتج عنها تخريب أو افضت الى موت انسان (39) .
وفي المادة 306 من ذات القانون عاقب المشرع المنظمات الارهابية وامر بحلها ومعاقبة مؤسسيها والاعضاء المنتمين اليها.
المطلب الثاني// الارهاب في التشريع العراقي
تناول المشرع العراقي الارهاب من حيث انه عنصر من عناصر بعض الجرائم المعاقب عليها كجريمة التأمر لتغيير مبادىء الدستور الاساسية او الاعتداء على النظم الاساسية للدولة او الاعتداء على الموظفين والمواطنين .
فقد ورد في المادة (200/2 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969((يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات أو الحبس كل من حبذ أو روج ايأ من المذاهب التي ترمي الى تغيير مبادىء الدستور الاساسية أو النظم الاساسية الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من النظم الاساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة أو الارهاب او اى وسيلة اخرى غير مشروعة ملحوظأ في ذلك )) . وورد في المادة (365) (( يعاقب بالحبس أو الغرامة أو باحدى هاتين العقوبتين من اعتدى أو شرع في الاعتداء على حق الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الارهاب أو التهديد أو اية وسيلة اخرى غير مشروعة )).
كما نصت المادة 366 على انه (( …يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار من استعمل القوة أو العنف أو الارهاب أو التهديد أو اية وسيلة اخرى غير مشروعة ضد حق الغير في العمل أو على حقه في ان يستخدم أو يمتنع عن استخدام أي شخص )) .
ومن الجدير بالذكر ان تعبير الجرائم الارهابية قد ورد في الفقرة ( أ- ه ) من المادة 21 من قانون العقوبات العراقي في سياق تعداد الجرائم الارهابية التي لا تعد سياسية ولو كانت قد ارتكبت بباعث سياسي ولكن القانون لم يعرف هذه الجرائم ولم يأت بامثله تطبيقية لها ونرى انه وان لم يكن من واجب المشرع ايراد التعاريف فان من واجبه تجريم الارهاب بوصفه جريمه مستقله قائمة بذاتها لازال العراق يعاني من الكثير من صورها من قبيل القتل والاختطاف والابتزاز والتخريب .
المبحث الثالث
الإرهاب في القانون الدولي
ذهب الجانب الغالب من فقهاء القانون الدولي الى تجنب تعريف الارهاب على اعتبار ان في البحث عن تعريف لهذه الظاهرة مضيعةللوقت والجهد ومن الواجب التركيز على الاجراءات الفعاله لمكافحته . وهو ما اكدته الامم المتحدة في 29/12/1985 عندما ادانت الجمعية العامة جميع اشكال الارهاب واغفلت تعريفه وهو ما فعله البروتوكولان المظافات لمعاهدة جنيف سنة 1949 ، 1977 والمؤتمر الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المسجونين المنعقد في هافانا 1990 وكذلك مؤتمر الامم المتحدة التاسع المنعقد في القاهرة سنة 1995 .
غير ان هناك اتجاه أخر من الفقهاء يذهب الى ضرورة تعريف ظاهرة الارهاب على اعتبار ان هذا الامر يتعلق بالشرعية الجنائية التي تطلب تحديدأ للافعال موضوع التجريم(40) .
ونوضح في هذا المبحث موقف القانون الدولي من الارهاب .
المطلب الأول // الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب
تأخر الجهد العربي في مكافحة الارهاب حتى عام 1994 (41) عندما دعى مجلس وزراء العرب الى ضرورة وضع ستراتيجية امنية عربية لمكافحة الارهاب وصياغة اتفاقية عربية مشتركة لمكافحة التطرف وتم تأجيل مناقشة المشروع الى الاجتماع في 11/11/1995 الذي اصدر قرارا يقضي بتعميم مشروع الاتفاقية على الدول الاعضاء لدراسته وابداء الاراء والمقترحات لعرضها في الاجتماع في الثاني عشر من نوفمبر 1996 وفي ابريل 1998 ابرمت الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب والتي تتكون من ديباجة واربعة ابواب وتحتوي 42 مادة .
وفي المادة الاولى من الاتفاقية عرف الارهاب بانه (( كل فعل من افعال العنف أو التهديد به ايا كانت بواعثه أو اغراضه ، يقع تنفيذأ لمشروع اجرامي فردي أو جماعي ، وبهدف القاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بأيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أوامنهم للخطر أو الحاق الضرر بالبيئة أو باحد المرافق أو الاملاك العامة أو الخاصة ، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها ، أو تعريض احد الموارد الوطنية للخطر )) .
كما أوضحت المادة الاولى في الفقرة الثانية منها بان الجريمه الارهابية هي الجريمة أو الشروع فيها التي ترتكب لغرض ارهابي في اى من الدول المتعاقدة أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها ، وعلى ان تعد من الجرائم الارهابية الجرائم المنصوص عليها في المعاهدات الدولية عدا ما استثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة أو التي لم تصادق عليها .
وقد قررت الاتفاقية العربية نزع الصفة السياسية عن بعض الجرائم حتى لو ارتكبت بدافع سياسي (42) . غير انها اكدت في المادة الثانية على انه (( لاتعد جريمة ارهابية ، حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الاجنبي والعدوان من اجل التحرير وتقرير المصير ، وفقأ لمبادىء القانون الدولي ولا يعتبر من هذه الحالات كل عمل يمس بالوحدة الترابية لاي من الدول العربية )) .
المطلب الثاني// الاتفاقات الدولية
اعد المجتمع الدولي الكثير من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالارهاب منها ما تم ابرمه في عهد عصبة الامم ولعل الاتفاقية جنيف لمنع ومقاومة الارهاب عام 1973 كانت اول محاولة على المستوى الدولي وقد دعت الى انشاء محكمة جنائية دولية تنظر في قضايا الارهاب وعرفت الاعمال الارهابية بانها الوقائع الاجرامية الموجهة ضد دولة وهدفها او طبيعتها هو اثارة الرعب لدى شخصيات محددة في مجموعات أوفى الجمهور وعلى أي حال فان هذه الاتفاقية لم تصبح نافذة المفعول لعدم تصديقها الا من دوله واحدة . (43)
وقد اعقبت هذه الاتفاقية العديد من المعهدات الدولية الخاصه باشكال محددة من الارهاب منها اتفاقية طوكيو الخاصة بالجرائم والافعال التي تركت على متن الطائرة والموقعة بتاريخ 14/9/1963 واتفاقية لاهاي بشأن مكافحة الاستيلال غير المشروع على الطائرات والموقعه بتاريخ 26/12/1970 واتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الاعمال غير المشروعة والموجهة ضد سلامة الطيران المدني الموقعة في 23/9/1971 والبروتكول الملحق بها الموقع في مونتريال في 10/5/1984 واتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار 1982فيما يتعلق بالقرصنه البحرية واتفاقية مكافحة العمليات الارهابية بواسطة المتفجرات بتاريخ 15/12/1997 التي نصت على انه ((يرتكب جريمة كل شخص يقوم عمدأ وبصورة غير مشروعة على تسليم أو وضع أو تفجير قذيفة قاتلة في مكان عام او ادارة رسمية ،منشأت عامة ، وسيلة نقل أو بنية تحتيه بقصد التسبب بوفاة اشخاص أو اضرار مادية بالغة الخطورة لايقاع التخريب والحاق خسائر اقتصادية جسيمة والارتكاب أو محاولة الارتكاب أو الاشتراك أو التدخل)).
كما جاء في اتفاقية منع تمويل الارهاب التي تبنتها الجمعية العامة للامم المتحدة في 9/12/ 1999 ((يشكل جرمأ قيام أي شخص بأنه وسيلة وبصورة غير مشروعة وقصدأ بجميع الاموال بهدف استعمالها مع العلم لارتكاب جرم من جرائم الارهاب وكل عمل يرمي الى قتل او جرح مدني وشخص لايشترك في اعمال حربية )). (44)
غير انه وبالرغم من كثرة وتشعب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالارهاب بقيت مهمة تحديد المقصود بالارهاب في القانون الدولي محل الاختلاف الاراء بين القانونيين الا أن المتفق عليه هو ضرورة اتخاذ الخطوات الجادة في سبيل مكافحة الارهاب وفي هذا السبيل أنشأت الجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1996 لجنه خاصة بالارهاب مهمتها اعداد اتفاقية الدولية ملزمة لمكافحة الارهاب ومنع معاقبه أي نشاط ارهابي . (45)
المطلب الثالث// القرارات الدولية
صدرت العديد من القرارات الدولية عن الجمعية العامة للامم المتحدة تتضمن ادانة اعمال الارهاب او اشكال معينة منه لاسيما مجال خطف الطائرات 1971 وخطف الديبلماسيين 1973 . (46) كما دعت الجمعية العمومية للامم المتحدة في قرارها المرقم 49/60 في 9/12/1994 جميع الدول ومجلس لامن ومحكمة العدل الدولية والوكالات المتخصصة لتطبيق اعلانها المتعلق باجراءات ازالة الارهاب الدولي الملحق بقرارها ذاته وقد تضمن هذا الاعلان ادانه كامله لاعمال الارهاب بكل اشكاله ومظاهرة بما في ذالك الاعمال التي تكون الدولة متورطة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر .
ووجوب احالة القائمين بالاعمال الارهابية الى العدالة من اجل وضع حد نهائي لها سواء كان مرتكبوها افراد عاديين او موظفيين رسميين او سياسيين وقد اكد الاعلان على ضرورة التعالون بين جميع الدول من اجل تعزيز مبادىء الامم المتحدة واهافها وتوفير السلام والامن الدوليين وتعديل واستحداث القوانيين الداخلية للدول بما يتلائم مع هذه الاتفاقيات .
المبحث الرابع
تمييز الإرهاب من نشاط الكفاح المسلح واعمال المقاومة
كثيرا” ما يخلط مفهوم الارهاب بأنشطة حركات التحرر مما يستلزم التمييز بينهما احتراما للانشطة التي تساهم في تقرير مصير الشعوب واستقلالها وعدم السماح للدول والانظمة المستعمرة ان تتذرع بمواجهة الارهاب في القضاء على هذه الحركات وابادتها .
والتاريخ حافل بالمجازر التي نفذتها الدول الاستعمارية وراح ضحيتها الاف المقاومين ونشطاء حركات التحرر . فقد تميزت الفترة التي صاحبت الحرب العالمية الثانية بأنتشار حركات المقامة لمواجهة الاحتلال النازى لاسيما في فرنسا .
ففي عام 1939 واستنادأ لاحكام محكمة لاهاي لم يتمتع بصفة المحاربين غير حركات المقاومة المنظمة واستغلت المانيا النازية هذه الثغرة وأعتبرت افراد المقاومة ارهابيين واعدمت كل من وقع في قبضتها .(47)
هذا وتبدوا مشكلة التمييز عسيرة في بعض المواقف تجاه حركات التحرر والمقاومة فالذين يؤيدون هذه الحركات يرون أن انشطتها كافة لاسيما تلك التي تتسم بالعنف تعد وسيلة مشروعة لانتزاع حقوق الشعوب ونيل مطالبها . بينما يرى الجانب الاخر ان انشطة هذه الحركات حتى تلك التي لاتتسم بالعنف غير مشروعة واعمالآ ارهابية . ازاء ذلك نجد ان من المناسب البحث في مفهوم حركات التحرر أو المقاومة .
المطلب الأول
مفهوم حركات التحرر الوطني
من الصعب وضع تعريف جامع لمفهوم حركات التحرر الوطني غير ان بعض الفقهاء سعى في هذا المجال فقد ذهب الدكتور صلاح الدين عامر الى القول بأن اعمال المقاومة الشعبية المسلحة (( عمليات القتال التى تقوم بها عناصر وطنية من غير افراد القوات المسلحة النظامية دفاعا عن المصالح الوطنية أو القومية ضد قوى اجنبية سواء كانت تلك العناصر تعمل في اطار تنظيم يخضع لاشراف وتوجيه سلطة قانونية أو واقعية أو كانت تعمل بناء”على مبادرتها الخاصة سواء باشرت هذا النشاط فوق الاقليم الوطني أو من قواعد خارج هذا الاقليم )) (48)
غير ان من الفقهاء من وضع عناصر معينة مميزة لحركات التحرر الوطني من غيرها من الحركات الانفصالية او الإرهابية ,ومن هذه العناصر:
1-ان الهدف من حركات التحرير الوطني هو تحقيق التحرر .
2- وجود الاراضي الداخلية او الخارجية التي تسمح للحركات ان تباشر عملياتها العسكرية بمعنى ان توجد مناطق محررة تقيم عليها مؤسساتها الادارية والتعليمية والعسكرية .(49)
3- ان يتعاطف الشعب مع حركات التحرير والمقاومة وتلقى دعما وتأيدا واسعا من المواطنين .
4- يجب ان تتسم اهداف حركات التحرير بدافع وطني يتجاوب ويتلائم مع المصلحة الوطنية العليا وهوما يميز حركات التحرير عن الاعمال التي تستهدف مصلحة خاصة لبعض الفئات من المواطنين أو تنافس أو تناحر للسيطرة على السلطة أو فرض فلسفة معينة . أو الحرب من اجل انفصال اقليم معين أو جزء من الدولة ,ومن الجدير بالذكر ان القانون الدولي يبيح لرجال المقاومة اللجوء الى كل الوسائل الممكنه لانهاك قوات الاحتلال ومنها بطبيعة الحال الحق في استخدام العنف كما يمكن ان تكون المقاومة مدنية لاعسكرية .
المطلب الثاني :الاعتراف الدولي بشرعية أنشطة حركات التحرير
أن المقاومة الشعبية للاحتلال ظاهرة حفل بها التاريخ وميزة تتباها بها الشعوب العريقة . وقد احترم المجتمع الدولي هذا الحق في اكثر من مناسبة . فقد اكدت اتفاقية لاهاي وجوب معاملة اعضاء حركات المقاومة المنظمة كأسرى حرب في حال اعتقالهم(50)
وفي الثلاثين من تشرين الثاني عام 1970 اصدرت الجمعية العامه للامم المتحدة قرارها المرقم 2672 والذي شجب انكار حق تقرير المصير ، ولاسيما على شعبي جنوب افريقيا وفلسطين )).
وقد تضمن هذا القرار لاول مرة احترم شرعية كفاح شعوب الرازحة تحت الهيمنة الكولونيالية والاجنبية ، والمعترف بحقها في تقرير لاسترداد هذا الحق باي وسيلة في حوزتها (51)
وفي التاسع من كانون الاول اكدت الجمعية العامة للامم المتحدة على وجوب معاملة المشاركين في حركات المقاومة كأسرى حرب عند القاء القبض عليهم ، وفقأ لمبادىء اتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف 1949 (52)
كما اكتسب هذا الاعتراف بعدا جديدا عندما دعت الجمعية العامة في قرارها المرقم 2787عام 1971 جميع الدول المخلصه لمثل الحرية والسلام ان تقدم الى هذه الشعوب جميع مساعداتها السياسية والمعنوية والمادية .
وفي الثامن عشر من كانون الاول عام 1983 اعتبرت الجمعية العامة النزاعات المسلحة التى تنطوي على كفاح تشنه الشعوب على الهيمنه الاستعمارية والانظمة العنصرية (( نزاعات مسلحة دولية )) ضمن الاطار الذي تحدده اتفاقيات جنيف ، وبالتالي ينطبق وصف المتحاربين وفقأ لهذه الاتفاقيات على الافراد المشاركين في النظال المسلح ضد الهيمنه .
ازاء ذلك ايد المجتمع الدولي هذا الاتجاه ولاقى ترحيبأ في مختلف الدول بحكم انه الواجب ومن الدول التي ايدته ببريطانيا واللولايات المتحدة الأمريكية قد نصت الأخيرة في تشريعاتها على ثورات الهروب أو انتفاضات الحروب WarRebellions فقد ورد في المادة العاشرة من قانون الحرب البرية الامريكية (( ليس لمحارب الحق في ان يعلن انه سيعامل كل من يقبض عليه ضمن القوات المسلحة لجماعات الشعب الثائر في وجه العدو معملة الشريك في عصابة لصوص أو معاملة اللص المسلح )) . (53)
المطلب الثالث :انواع الكفاح المسلح
ميز فقهاء القانون الدولي بين ثلاثة انواع من النزاعات المسلحة : النزاعات المسلحة الداخلية والنزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية :
أولا”النزاعات المسلحة الداخلية
يقصد بهذا النوع من النزاعات الحروب الاهلية . وقد نصت المادة الرابعة الفقرة الثانية من البروتكول الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف لعام 1949 والمتعلق بضحايا النزاعات غير الدولية الواقعة بين القوات المسلحة التابعة لدولة ما وقوات مسلحة منشقه عنها ، أو جماعات نضامية تحت قيادة مسؤولة عن جزء من لاقليم ,على منع اعمال الارهاب ضد الذين لايشركون مباشرة في العمليات العدائية0
وقد عد القانون الدولي المشتركين في مثل هذه النزاعات محاربين ينطبق عليهم وصف اسرى حرب غير انه اعتبر الاعمال التي يمارسها احد الطرفين ضد الاشخاص الذين لايشتركون مباشرة أو الذين يكفون عن الاشتراك في العمليات الحربية اعمالآارهابية .(54)
ثانيا”النزاعات الدولية المسلحة
يقصد بالنزاع الدولي المسلح الحرب التي تندلع بين دولتين مستقلتين وجيشيين نظاميين وتخضع الحرب الى قانون أو اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وهنا تظهر الاعمال الارهابية في ثلاثة صور :
1-جرائم الحرب
2-جرائم ضد الانسانية
3-جريمة ابادة الجنس البشري
ويظهر الارهاب في هذه الجرائم من خلال لجوء العسكريين الى العنف المسلح غير المشروع وخرق قواعد القانون الدولي المتعلقة بحماية المدنيين أو تلك النصوص المتعلقة بحماية المنشأت
الثقافية من التدمير والاتلاف والسرقة وحماية المنشأت التي تحوي قوى خطرة كالسدود والجسور والمحطات النووية الوارد النص عليها في المادة 46 من البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق
باتفاقيات جنيف لعام 1949 والنصوص المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب وعدم تعذيبهم الواردة في المادة في المادة 12 من الاتفاقية الاولى والثانية لعام 1949 .
ثالثا”النزاعات المسلحة غير الدولية
يقصد بهذه الفئة من النزاعات تلك التي تقوم عادة بين جيش نظامي أو اكثر في مواجهة حركات التحرر وطني أو حركات ثورية خارج اقليم دولتها أوداخله .(55)
وهنا تكون حركات التحرر تحت حماية وسلطات القانون الدولي ويسري عليها ما يسري على النزاعات المسلحة من احكام شريطة التقيد باحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية 0وهنا لابد من القول بأن القواعد التقليدية لقانون الحرب كانت تميز بين فئتين من الناس المحاربين الذين تتكون منهم القوات المسلحة, وغير المحاربين الذين يمثلون السكان المدنين
واثير النقاش حول السكان المدنيين وما اذ1 كان يمكن الاعتراف لهم بصفة المحاربين. عالج القانون الدولي هذه لمسألة من خلال تقسيم هؤلاء الى فئتين :
الأولى / تتعلق بهبة الشعب في وجه العدو بناءا على دعوة حكومتهم وانظمامهم الى التنظيمات العسكرية النظامية التي تنشبها الدولة للدفاع عن الوطن أو انظمامهم طوعأ بناءا على شعوره الوطني وحملهم للسلاح للتصدي للغازي .
والثانية / تتعلق بفصائل المتطوعين أو قوات التحرير وهي التي تتكون من افراد يشتركون طوعأ في العمليات الحربية دون ان يكونوا من وحدات الجيش النظامي وفيما يلي نبين وجة نظرالوثائق والاتفاقيات والمواثيق لهاتين الفئتين المقاومتين .
1-اتفاقيات لاهاي 1970
اعترفت المادة الثانية من اللائحة الملحقة بأتفاقية لاهاي بصفة المحربين للسكان المدنين الذين يندفعون في مقاومة المعتدي دون ان يكون لهم الوقت في تنظيم صفوفهم . وعرفت الشعب القائم أو المنتفض في وجه العدو (( مجموعة المواطنين من سكان الاراضي المحتلة الذين يحملون السلاح ويتقدمون لقتال العدو ، سواء كان ذلك بأمر من حكومتهم أو بدافع من
وطنيتهم أو واجبهم )) . ومن ثم اعترت هذه لاتفاقية هؤلاء المواطنين من قبيل القوات النظامية تنطبق عليهم صفة المحاربين شريطة ان يتوافر فيهم شرطين :
ا حمل السلاح علنا”
ب التقيد بقوانين الحرب واعرافها
أما فيما يتعلق بالملشيات والمتطوعين من قوات التحرير فقد عالجت امرهم المادة الاولى من اللائحة الملحقة بالاتفاقية الرابعة للعام 1907 والتى تمنح افراد هذه الملشيات صفة المحارب النظامي ، اذا توافرت فية الشروط الاربعة التالية :
ا ان يكونوا تحت أمرة شخص مسؤول .
ب ان يحملوا علامه مميزة ثابتة يمكن تبينها عن بعد .
ج ان يحملوا السلاح علنأ
د ان يراعوا في عملياتهم قوانين الحرب واعرافها .
2- اتفاقيات جنيف لعام 1949
اصرت الدول الاستعمارية عند وضع هذه الاتفاقيات على ايراد عبارة حركات المقاومة المنظمة بغية تضييق الخناق على الثورات المسلحة ضد سلطات الاحتلال وقد اكدت المادة 44 من البروتكول الاول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف 1949على ضرورة توافرشرطي وضع اشارة مميزة وحمل السلاح علنا”للاستفادة مما يقره القانون الدولي من حماية .
ولا يخفى ما فيى هذه الشروط من اجحاف بحق المقاومة والتي يتسم نشاطها غالبا بالسرية كما ان حمل السلاح علنا” لم يعد امرا”معقولا في عمليات الحروب الحديثة .
لذلك وجد الكثيرون ان الشرطين المتعلقين بالشارة المميز وحمل السلح علنا” لم يعد يشكلان قيدين واجبي الاحترام وقد تفهمت المحاكم المنشأة بعد الحرب العالمية الثانية هذه الصعوبات فأتخذت موقفأ لينأ تجاه حركات المقاومة التي لم تلتزم كليأ بهذه الشروط . (56)
الخاتمة
بعد ان تطرقنافي هذا البحث الموجز الى مفهوم ظاهرة الارهاب في القانون الدولي والداخلي وتطرقنا الى ما قد يختلط بهذا النشاط من اعمال اخرى لاسيما تلك النشاطات المتعلقة بأعمال الكفاح المسلح والمقاومة تخلص الى النتائج التالية :
اولآ// تجنب الاتفاقات الدولية وضع تعريف محدد للمقصود للاعمال الارهابية واعتمدت اسلوب تعداد بعض الجرائم وعتبرتها ضمن مفهوم الارهاب ونرى ان هذا الاسلوب يتناقض مع مبدأ اسلوب تعدد الجرائم يبيح التلاعب من حيث خروج الكثير من الجرائم من دائرة الارهاب الا لشئ سواء أنها لم تذكر في ضمن هذا النوع من الجرائم متجاوزين عما قد يفرزه المتطور من جرائم ارهابية جديدة
ثانيأ//ان التشريع الجنائي العراقي لم يعلج الجريمة الارهابية بأعتبارها جريمة مستقلة ولم يسعى الى تحديد لمقصود بها ونرى ان في ذلك نقص جوهري في التشريعيجب تلافيه لما تتطلبه معالجة الارهاب من اخضاعها الى نظام قانوني خاص لمواجهة أثارها الخطيرة على المجتمع وردع مرتكبيها .
ثالثأ// من المهم تمييز نشاطات الكفاح المسلح عن الجرائم الارهابية والحق في المقاومة وتقرير لمصير وفقأ لمبادئ القانون الدولي غير أن ذلك لايسمح مطلقأ لتفسير الانتهاكات التي تقوم بها بعض المليشيات والعصابات على اعتبار انها اعمال مقاومة لمخالفتها للمستقر في الاتفاقات والمواثيق الدولية من شروط الاعمال الكفاح المسلح خاصه ما يتعلق بأحترام تقاليد الحروب وأعرافها وعدم الاعتداء على المدنيين ومن لايشاركون مباشرا أو يكفون عن الاشتراك في العمليات الحربية .
فالاعتر اف بشريع المقاومة في القانون الدولي لايتضمن حتمأ الا اعتراف بشيعة نشاطاتها لاسيما تلك التي تتعلق بقتل المدنيين وخطفهم وتدمير الممتلكات وكل ذلك يعد في ضمن العمليات الارهابية .
الهوامش
1-ابن منظور المصري – لسان العرب – المجلد الاول بيروت للطباعه والنشر 1995-ص1374
2-(40) سورة البقرة
3- (51) سورة النحل
4-(90) سورة الانبياء
5-(60) سورة الانفال
6-(116) سورة الاعراف
7-د. امام حاسنين عطا الله – الارهاب البنيان القانوني للجريمه – دار المطبوعات الجامعية 2004-ص97
8-بريان جنكيز – اشار اليه د- أحمد جلال عز الدين – الارهاب والعنف السياسي – كتاب الحرية رقم 10 مارس 1986 – ص26
9- وداد جابر غازي – الارهاب واثره على العرب – مجلة العرب والمستقبل – تصدرها الجامعة المستنصرية – السنه الثانية أيار 2004 – ص55
10-د- امام حاسنين عطا الله – المصدر السابق – ص110
11- وداد جابر غازي – المصدر السابق – ص55
12-د. صالح عبد القادر صالح – قراءه في كتاب الارهاب السياسي – بحث في اصول الظاهرة وابعادها الانسانية للدكتور ادونيس الفكره – صحيفة الرأي العام . Info @ rayaam.net
13-د. فكري عطا الله عبد المهدي – الارهاب الدولي – المتفجرات – دار الكتب الحديث 2000 –ص13
14-د. هيثم المناع – الارهاب وحقوق الانسان – دراسة مقدمه الى مجلة
التضامن المغربية Intenet Explorer.
15-د. علي حسين الخلف والدكتور سلطان عبد القادر الشاوي – المبادئ العامهفي قانون العقوبات 1982 – ص298 وما بعدها
16-د. امام حسانين عطا الله – المصدر السابق ص123 وفي ذات الاتجاه .
د- محمد مؤنس محب الدين – الارهاب والعنف السياسي – مجلة الامن العام عدد 94 السنه 24 يوليو 1981 – ص274 .
17- د- فكري عطا الله عبد المهدي – المصدر السابق – ص14 .
18-(30)سورة البقره .
19- د- هيثم المناع – المصدر السابق – ص1 .
—
20- وداد جابر غازي – المصدر السابق – ص56 .
21- د- احمد الكبيسي والدكتور محمد شلال حبيب – المختصر في الفقه الجنائي الاسلامي – بيت الحكمه 1989 – ص157 .
الإرهاب والمقاومة في دراسة مقارنة بين القانون والشريعة