التنزيل على ضوء قانون الأسرة الجزائري
مقدمة
أن الإنسان , منذ وجدت الخليقة تجاذبته نوازع خير و شر , باعتباره فردا في الأسرة و القبيلة والمجتمع فهو جزء من حركة المجتمع ولا نسجامه في هذه الحركة كان عليه أن يخضع هو وغيره ضمن هذه الحركة الى قانون معروف عرفا أو مسطور مثلما آل إليه تطور التشريع , فحبه للدنيا من تكاثر وتملك قد يطغيه ,وان نقص انه ذلك قد يهينه و بذلك جاء التشريعان الديني و الوضعي لكي ينظما ابتدائية إنسانية الإنسان ,حتى يتميز عن حيوانية الحيوان , و من باب
معالجة المال الذي سيصيبه فترة حياته أوحى إليه سبيل جمعه و سبيل ملكته قبل و بعد هلاكه رغم حبه الشديد له ,إلا أن الرابط الاجتماعي جعل منه الوارث و المورث ,الموصي و الموصى له ,الواهب و الموهوب له ,الخ ……. فكانت كل هذه الحالات توصف بأعمال البر و الإحسان ,و قد عاجها الشارع في شريعته و المشرع في تشريعه ,و أن من بين ما عالجته التشريعات و الفقه الإسلامي هو حالة الأحفاد الذين يموت مورثهم (والدهم ) في حياة جدهم أو جدتهم , ففي الجزائر و قبل صدور قانون الأسرة كان القضاة يعتمدون في أقضيتهم على اجتهادات مختلفة لائمة المذاهب الفقهية و كان على القاضي أن يبحث على أرجح الأقوال في حين لا يكون مرجحا عند آخرين , الأمر الذي أدى الى اختلاف أحكام المحاكم , استجابة لهذا الأمر الذي عان منه القضاة دهورا , صدر قانون الأسرة الجزائري سنة 1984 م معالجا مسالة التنزيل أخذا بأرجح الآراء التي تحقق المصلحة الاجتماعية تماشيا مع الدين الإسلامي الحنيف , وقد افرد المشرع لهذا الغرض , تحت الكتاب الثالث المعنون بالميراث , الفصل السابع المكون من أربع مواد :
الكتاب الثالث من قانون الأسرة
عنوانه :
الميراث :تعالج أحكامه من المادة 126 الى المادة 183اي 57 مادة أفرادها المشرع للإرث .
الفصل السابع من الكتاب الثالث من قانون الأسرة :
عنوانه :
التنزيل :تعالج أحكامه أربع مواد هي المادة 169 والمادة 170 والمادة 171
المادة 172:أن لا يكون الأحفاد قد ورثوا من أبيهم أو أمهم ما لا يقل عن مناب مورثهم من أبيه أو أمه .
يكون هذا التنزيل للذكر مثل حظ الأنثيين . و يلاحظ من تبويب ثروة و مال المورث من قبل المشرع في تقنينه لقانون الأسرة انه رغم أن قضية التنزيل كانت ضمن الانشغالات التي ناقشها الفقهاء و ابدوا آراءهم فيها في باب الأموال المتبرع بها كالوصية و الهبة والوقف ,إلا انه أبى إلا أن يفرد لها فصلا مستقلا عن تلكم التصرفات في أموال المورث أو الموصي أو الواهب الخ…. اقتناعا منه على أن الحفيد سواء كان ذكرا أو أنثى له الحق في الذمة المالية لجده أو جدته بمقدار نصيب مورثهم لو بقي حيا ,هذا من جهة و من جهة أخرى درءا للخلافات المشتتة في بطون المؤلفات , انسجاما و اختلافا , قطع أن التنزيل صورة من صور الحقوق الواردة على مال المورث باعتبار القرابة و الزوجية لا باعتبار وصية أو عمل خير و حسب …. أو وصية و اجبة كما كان يقضي بها أحيانا قبل صدور قانون الأسرة
و المواد تلك وضعت لتلافي حالة كثرت فيها الشكاوى و هي حالة الأحفاد الذين يموت إباؤهم في حياة أبيهم أو أمهم أو يموتون معهم ولو حكما كالغرقى و الهدمى و الحرقى , فإنما هؤلاء قلما يرثون بعد موت جدهم أو جدتهم لوجود من يحجبهم من الميراث مع أن أبائهم قد يكونون في عياله بموتهم واحب شيء الى نفسه أن يوصى لهم بشيء من ماله و لكن المنية عجلته فلم يفعل شيئا أو حالت بينه و بين ذلك مؤثرات و وقتية .
تعريف التنزيل :
أن المادة 169 من قانون الأسرة الجزائري الصادر بتاريخ 1984 قد عرفت التنزيل :من توفي وله أحفاد و قد مات مورثهم قبله أو معه وجب تنزيلهم منزلة أصلهم في التركة “و قيدها بشروط سوف نتعرض لامهما .وكما سبقت الإشارة إليه , فان التنزيل في القانون الجزائري جعله المشرع في منزلة الميراث , قاطعا الطريق على الاجتهادات الفردية التي أضاعت حقوقا كثيرة لعدم الانتباه تارة للأزمنة التي شرعت لها و الأمكنة , وأخرى للتحجر الذي كالما حاربه المجددون في بداية القرن العشرين مثل العلامة الشيخ محمد عبده و جمال الدين الأفغاني و غيرهما كالشيخ عبد الحميد بن باديس و الشيخ البشير الإبراهيمي …..الخ ممن أعطوا أراء متجددة متناسبة مع ما تجدد من اقضية في عصرهم دون أن يتنكروا لمجهودات سابقيهم ,أو يخالفوا الشريعة الغراء .
أصحاب التنزيل :
يجب التنزيل حسب القانون لفرع الولد الذي يموت في حياة أبيه أو أمه سواء كان موته طبيعيا أو حكما , فانه على كل من الجد أو الجدة إن ينزل حفدته ما كان يستحقه ابنه (والدهم )من تركة ميراثا لو كان حيا عند موته .
و يجب تنزيل فرع من مات مع أبيه أو أمه في وقت واحد و لو حكما كما لو غرقا معا او هدم عليهما بيت فماتا أو احترق بنار في وقت واحد أو ماتا معا في ساحة القتال و لم يعلم السابق منهما ,و اوجب المشرع تنزيل الفرع بشرائط منها إلا يزيد قدر نصيب هذا الولد على ثلث التركة و لو كان ميراثا أكثر من ذلك
و قد نص المادة 170 من قانون الأسرة على ذلك بصيغتها التالية :”أسهم الأحفاد تكون بمقدار حصة أصلهم لو بقي حيا على أن لا يتجاوز ذلك ثلث التركة “
في هذا الباب لم يتعرض المشرع في قانون الأسرة الى أولاد البطون وهم الذين ينتسبون الى الميت بأنثى , و الطبقة الأولى من هؤلاء هم أبناء البنات الصلبيات للمتوفي ,و إذا كان من أولاد الظهور , وجبت له مهما نزلت طبقته ما لم يتوسط بين الفرع و اصله وأنثى .
كما قيد المشرع أو اشترط أن لا يكون الأحفاد وارثين للأصل جدا كان أو جده أو كان قد أوصى لهم أو أعطاهم في حياته بلا عوض مقدار ما يستحق بهذه الوصية , فان أوصى لهم أو لأحدهم بأقل من ذلك وجب التنزيل بمقدار ما يتم به نصيبهم أو نصيب احدهم من التركة .
يفهم من هذا , أن المشرع قد أورد قيودا على التنزيل و اشترط أن لا يكون المنزل منزله أبيه الميت , وارثا للأصل جدا أو جده (في هذه الصورة , الابن يكون الوارث الأصلي بالعصبة أي لا يرث معه آخرون ) أو أن الجد قد أوصى لهم أو أعطى لهم في حياته بلا عوض مقدار قيمة التنزيل , فان أوصى لهم أو لأحدهم بأقل من ذلك , وجب التنزيل بمقدار نصيبهم في التركة , أي أن ليس للمنزل الاختيار بين قيمة الوصية أو قيمة التنزيل بل يجري التساوي في القيمة أن كان التنزيل اقل من الوصية و العكس لم ينص عليه المشرع . و العوض يقصد به أن لا يكون الميت قد أعطى الفرع بغير عوض قدر ما يجب له بالتنزيل عن طريق تصرف أخر كأنه يهبه بدون عوض أو يبعه بيعا صوريا .
كما اشترط و قيد المشرع عملية التنزيل “بان لا يكون الأحفاد قد ورثوا من أبيهم أو أمهم ما لا يقل عن مناب مورثهم من أبيه أو أمه ” و هنا يتشابه الأمر قياسيا مع الوصية فإذا ورث الأحفاد و الدهم و لم يكن الإرث اقل من منابه من أبيه أو أمه فلو كان اقل لا ستكمل من مال جدهم من مناب والدهم كما لو كان حيا .
ختم المشرع الفصل السابع المخصص للتنزيل بالفقرة الثانية من المادة 172 من قانون الأسرة و أورد انه : ” و يكون هذا التنزيل للذكر مثل حظ الأنثيين “
اعداد المستشار محمد بن سالم المحامي العام لدى المحكمة العليا
مقال هام عن التنزيل على ضوء قانون الأسرة الجزائري
اين يتم تصحيح اسم الجد الذي نزل الحفيد في عقد توثيقي لسنة 1969 علما ان الجد والحفيد متوفيان وشكرا