دراسة وبحث قانوني عن القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية
مقدمة:
يطبق على التصرفات القانونية إي العقود أو التصرف بإرادة منفردة و التي تكون محلا لتنازع القوانين بحيث تشمل على عنصر أجنبي كمحل الإبرام أو التنفيذ أو الموضوع أو الأطراف القانون الذي تختاره إرادة المتعاقدين ، أما شكلها فتخضع لقانون الشكل. و المراد بالتصرفات القانونية هنا ، تلك التي تتم بين الأحياء ، فلا تشمل الوصية ، كما أنها لا تشمل التصرفات القانونية المتعلقة بالأحوال الشخصية عموما.و مرت المواجهات التاريخية لقاعدة إخضاع العقد لقانون الإرادة بعدة مرحل أهمها:
– لقد أخضع فقه الأحوال الإيطالي القديم العقود موضوعا و شكلا إلى بلد إبرامها.
– أما الفقيه [curtius] فقد قال بإخضاع العقد لقانون بلد إبرامه على أساس أن إرادة الأطراف قد اتجهت ضمنا إلى اختيار هذا القانون.
– أما الفقيه لديمولان [ dumoulin ] فقد أكد على إخضاع العقد لقانون الإرادة . و في القرن التاسع عشر كاد أن يجمع الفقه على التسليم بقاعدة إخضاع العقد لقانون الإرادة.بالرغم من وجود بعض الانتقادات التي وجهت إلى هذه القاعدة إلا أنه لم تؤثر على استمرارية الأخذ بقانون الإرادة في مختلف دول العالم، فمنها التي نصت على الأخذ به بنص صريح في تشريعاتها كمعظم الدول العربية، و بعض الدول الأوربية ، و منها التي على الرغم من عدم النص على الأخذ به في تشريعاتها قد أخذت به محاكمها مثل فرنسا.
فما هو موقف المشرع الجزائري من القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية من حيث الموضوع و الشكل ؟
للإجابة على هذا السؤال اخترنا الخطة التالية و التي جاءت في مبحثين :
المبحث الأول :القانون الواجب التطبيق على العقود.
المطلب الأول : القانون الساري على الالتزامات التعاقدية.
المطلب الثاني: مجال تطبيق قانون العقد.
المبحث الثاني :القانون الواجب التطبيق على شكل التصرفات القانونية.
المطلب الأول : القانون الواجب التطبيق على شكل العقود.
المطلب الثاني: نطاق تطبيق القانون الذي يحكم شكل العقود .
المبحث الأول: القانون الواجب التطبيق على العقود
المطلب الأول: القانون الساري المفعول على الالتزامات التعاقدية
حالة تطبيق القانون المختار (قانون الإرادة):
حسب ما تنص عليه المادة 18 ق.م.ج ما قبل التعديل من القانون المدني الجزائري أن المشرع قد أعطى مطلق الحرية للإطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على عقدهما.
إلا انه بعد التعديل جاء في نص المادة 18 ق.م.ج يسري على الالتزامات التعاقدية القانون المختار من المتعاقدين إذا كان له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد.
س/ فهل للمتعاقدين مطلق الحرية في اختيار قانون أجنبي يسري على عقدهما؟
ج/ حتى يختار المتعاقدان قانون أجنبي يسري على عقدهما حسب المادة 18 يجب ان يكون له صلة حقيقية المتعاقدان أو محل إبرام العقد أو محل تنفيذه أو قانون موقع المال محل التعاقد (كصلة بالعقد).
لكن الواضح والأرجح هو الرأي الذي قيد اختيار المتعاقدان بتوافر صلة ما بين العقد أو المتعاقدان وبين القانون المختار. لأنه من غير المعقول أن يختار المتعاقدان لحكم عقدهما قانونا لا صلة له مطلقا بهما ولا بعقدهما دون أن يكون من وراء ذلك تحايل أي هروب من القانون الواجب التطبيق لأن الغش نحو القانون وسيلة يتبعها القانون الأجنبي.
س/ هل يمكن الاعتداد بالإرادة الضمنية أو المقترحة للإطراف في حالة عدم وجود إرادة صريحة لهم ؟
إذا قارنا المادة 18 من القانون المدني الجزائري قبل التعديل مع المواد الأخرى في القوانين لوجدنا أنها لا تشمل الفقرة التي تقرر الاعتداد بالإرادة الضمنية للمتعاقدين في حالة عدم وجود إرادة صريحة لهما، خلافا على غيره من المشرعين العرب الذين يعتدون أيضا بالإرادة الضمنية مثل المادة 20 من القانون السوري “أو تبين من الظروف أن قانونا آخر هو الذي يراد التطبيق”.
إلا أنه بعد تعديل المادة 18 ق م ج أصبح القاضي يعتد بالإرادة الضمنية للمتعاقدين من خلال النظر في ظروف و حيثيات العقد.و جنسية و موطن المتعاقدين.
حالة عدم امكانية تطبيق القانون المختار :
قلنا انه يمكن للإطراف اختيار القانون الواجب التطبيق كأصل إذا كانت له صلة حقيقية بالعقد لكن في حالة عدم اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق على العقد فقد ذهب المشرع في هذه الحالة تطبيق القانون المشترك أو الجنسية المشتركة وذلك حسب المادة 18 ف.2 .
وقد قررت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 15/12/1910 بان قانون الجنسية المشتركة للمتعاقدين له الأفضلية ويأخذ الفقه الألماني بقانون الجنسية المشتركة متى كان المتعاقدان ألمانيان واشتراك المتعاقدان في الجنسية هو القرينة الأولى في القانون الايطالي، كما أن اتفاقية لاهاي المنعقدة في سنة 1955 بشأن بيع المنقولات المادية أخذت بقانون موطن البائع عند سكوت المتعاقدين01
وفي حالة عدم إمكانية ذلك يطبق قانون محل إبرام العقد.
حسب المادة 18 ق.م.ج فانه قانون بلد الإبرام لا يرجع إليه إلا في حالة عدم اتفاق أطراف العقد على قانون معين فيكون المشرع الجزائري قد جعل بذلك من مكان إبرام العقد ضابطا احتياطيا.
وقد كان قانون بلد الإبرام العقد عند الفقه الايطالي القديم هو القانون الذي يخضع له العقد سواء من حيث الشكل أو من حيث الموضوع.
ونلاحظ أن الدول التي لا تأخذ حاليا إلا بالإرادة كضابط للإسناد كفرنسا مثلا وقد اضطرت إلى اعتبار مكان إبرام العقد دليلا على الإرادة الضمنية وخاصة إذا إزالته عوامل أخرى كلغة العقد وموطن أو جنسية المتعاقدين ويتطلب تطبيق قانون مكان الإبرام تعيين هذا المكان.
ولا توجد أي صعوبة في تعيينه إذا كان المتعاقدين حاضرين بخلاف ما إذا كان التعاقد بين غائبين وفي هذه الحالة يقول الفقه بأن هذا التعيين يخضع لقانون القاضي على اعتبار أن تعيين محل إبرام العقد هو تفسير لقاعدة الإسناد في قانونه.
وعليه فإن مكان إبرام العقد وفقا لقانون المدني الجزائري بين غائبين هو المكان الذي يعمل فيه الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بخلاف ذلك م 67 ق.م.ج. ف3 .
01- علي علي سليمان, مرجع سابق ، ص 114
حالة العقود المتعلقة بالعقار:
وهو الاستثناء من الخضوع لقانون العقد: جاء في الفقرة 4 من المادة 14 “غير انه يسري على العقود المتعلقة بالعقار قانون موقعه” فالمشرع الجزائري يكون بهذه الفقرة يكون قد استثنى العقود المتعلقة بالعقار من الخضوع للقاعدة العامة الواردة في الفقرة الثالثة من نفس المادة والتي تقضي بخضوع العقود إلى مكان الإبرام إذا لم يتفق المتعاقدان إلى مكان آخر. ويطبق قانون موقع العقار بالنسبة للعقود المتعلقة به على جميع جوانبه.
وهو لا يقتصر على حكم فقط الأثر العيني للعقل من حيث إنشاء الحق العيني أو نقله أو زواله، بل يمتد ليحكم أيضا الشروط اللازمة لانعقاده ولا يخرج عن نطاق تطبيقه سوى الأهلية اللازمة للانعقاد فهي تخضع وفقا للمادة العاشرة ق.م.ج لقانون الجنسية ويشكل العقد الذي تخضعه المادة 19 ق.م.ج للقوانين التي حددتها 01
المطلب الثاني: مجال تطبيق قانون العقد
لا يطبق قانون العقد على كل المسائل المتعلقة بالعقد فأهلية المتعاقدين تخرج عن نطاق تطبيقه إذ تخضع لقانون جنسية المتعاقد كما سبقت الإشارة، وان شكل العقد يخضع لقانون الشكل فعلى أي النواحي في العقد سيسري قانون الإرادة ؟
يرى بعض الفقهاء تجزئة العقد وإخضاع كل جزء فيه لقانون معين بينما تميل أغلبية الفقه إلى اعتبار العقد وحدة في كل أجزائه ويجب أن تخضع هذه الوحدة لقانون واحد.
فأمريكا تميل إلى التجزئة إما القضاء السويسري فكان يميل إلى التمييز بين تكوين العقد وبين آثاره ثم عدل عن هذا الرأي ، ويجيز القضاء في ألمانيا وفرنسا وانجلترا وايطاليا للمتعاقدين أن يختارا أكثر من قانون لحكم العقد أما المشرع العربي يرى وحدة عقد ووحدة قانون الذي يحكمه.
ومهما يكون من أمر فان أغلبية الفقه تجعل العقد بجملته خاضعا لقانون الإدارة ولذلك يحسن أن تستعرض أركان العقد وآثاره لمعرفة ما يخضع منها للإرادة وما لا يخضع.
الفرع الأول: أركان العقد
أولا: الرضا :
لا شك في أن تبادل الإيجاب والقبول بين المتعاقدين يخضع لقانون العقد إذا كان التراضي كافيا، أما إذا كان مطلبا في شكل معين فإن الشكل يخضع لقانون الشكل.
أما عيوب الرضا فقد اختلف الفقه فيها:
فرأى بارتان أنها تخضع لقانون الشخص باعتبارها تهدف إلى حماية إرادته ويفرق بعض الفقهاء بين عيوب الإرادة وعيوب الرضا من غلط، وتدليس وإكراه واستغلال، ليست عيوبا في الشخص نفسه ولكن في العقد وبذلك يخضع لقانون العقد إما عيوب الإرادة وعوارض الأهلية مثل نقص الأهلية ، الجنون، السفه، الغفلة تدخل في نطاق الأحوال الشخصية وتخضع لقانون الشخص.
ويرى آرمجون أن عيوب الرضا مسألة تكييف تخضع في هذه الحالة لقانون القاضي.
بينما يرى بعض الفقهاء إخضاع عيوب الرضا لقانون محل إبرام العقد إما في انجلترا وأمريكا وفي اغلب البلاد الأوربية يخضعونها لقانون الذي يحكم العقد إما في الجزائر فيعتبر الاستغلال عيبا في الشخص ويدخل في حماية ناقصي الأهلية .01
ثانيا: المحل:
يخضع محل العقد وشروطه من حيث كونه معينا أو قابلا للتعيين ، وممكنا ومشروعا، لقانون العقد ويرى نبوايه انه إذا كان محل العقد مالا غير العقار فانه يجب الرجوع إلى قانون محل هذا المال لبيان ما إذا كان قابلا أو غير قابل للتعامل فيه.
وكذلك الأمر إذا كان عملا فيجب الرجوع إلى قانون محل تنفيذ العمل لبيان ما إذا كان جائزا أو غير جائز.02
ثالثا : السبب
السبب يخضع لقانون العقد غير انه إذا كان غير مشروع طبقا لقانون القاضي طبق القاضي قانونه استجابة لفكرة النظام العام في بلده وقد اختلف في العيب هل يعتبر عيبا في الشخص أو عيبا في العقد؟إذا اعتبر عيبا في العقد خضع لقانون العقد وإذا اعتبر عيبا في الشخص خضع لقانون الشخص.03
01 – علي علي سليمان, مرجع سابق ، ص 119
02 – أعراب بلقاسم ،القانون الدولي الخاص الجزائري،ج1 ، دار هومه، الجزائر،2003 . ص 318
03- علي علي سليمان, مرجع سابق ، ص 120
الفرع الثاني: آثار العقد
قانون العقد هو الذي يبين الأشخاص الذين ينصرف إليهم اثر العقد غير إن القانون يفرق بين تحديد مضمن الالتزامات التعاقدية وبيان طرق تنفيذها وكذلك تفسير العقد وأيضا أسباب انقضاء الالتزام01
أولا: القانون الواجب التطبيق على مضمون الالتزامات التعاقدية:
الأصل أن يكون القانون الواجب التطبيق هو قانون العقد لكن في بعض الحالات يمكن لأطراف العقد اختيار قانون آخر وفيما يلي بعض الأمثلة عن بعض الالتزامات التعاقدية:
الكفالة: يعتبر عقد الكفالة عقدا مستقلا عن العقد المنشئ للدين المكفول ولهذا فانه لا يخضع للقانون الذي تختاره إرادة الكفيل والدائن ، وإذا لم يصرح الكفيل والدائن بإخضاع الكفالة لقانون ما قامت قرينة بسيطة على أنهما أرادا إخضاع الكفالة للقانون الذي يخضع له للعقد الأصلي ويلاحظ أيضا أن القانون الجزائري يستلزم أن يكون عقد الكفالة ثابتا بالكتابة لكن الكتابة مطلوبة فيه للإثبات لا للانعقاد وبالتالي فهي كشكل تخضع لقانون المحل.
حوالة الحق : اصدر القضاء الفرنسي عدة أحكام بإخضاع حوالة الحق لقانون موطن المدين المحال عليه ولكن يمكن أن يتفق المحيل والمحال إليه على إخضاع عقد الحوالة بينهما لقانون آخر وكذلك نفس الشيء لحوالة الدين ولا يدخل في نطاق قانون العقد ما يطرأ على العقد من أوضاع
جديدة تعدل من أساسه فهذه الأوضاع تعتبر بعقود جديدة لا تخضع بالضرورة لقانون العقد المعدل بل تخضع للقانون الذي يجب تطبيقه عليها (المتفق عليه بين الطرفين)02
ثانيا: القانون الواجب التطبيق على طرق تنفيذ العقد
لما كان قانون العقد هو الذي يبين مضمون التزامات المتعاقدين فهو يقع عليه بيان طرق تنفيذها تنفيذا عينيا أو بمقابل وكيفية تقدير التعويض وما هو حكم شرط الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها.
01 – علي علي سليمان, مرجع سابق ، ص 120
01 – نفسه ، ص 122
ثالثا: تفسير العقد:
يخضع تفسيره كذلك لقانون العقد غير أن هناك رأيا يرى أن تفسير العقد مسألة واقع تخضع لقانون محل إبرام العقد وذلك لأن المتعاقدين قد يستعملان في عقدهما نفس المصطلحات المستعملة في قانون محل انعقاد العقد فينبغي حينئذ الرجوع إلى هذا القانون لتفسير تلك المصطلحات وانتقد هذا الرأي بأن هناك فقرا بين قواعد تفسير وهي مسألة قانون وبين معاني المصطلحات وهي مسألة واقع فإذا كان المتعاقدان قد استعملا مصطلحات مستعارة من قانون محل إبرام العقد فليس بالضرورة أن تخضع قواعد تفسير في قانون الإرادة لقانون محل انعقاد العقد.
رابعا: القانون الواجب التطبيق على أسباب انقضاء الالتزام
إن قانون العقد هو الذي يبن أسباب انقضاء الالتزام وما يتطلبه كل سبب من شروط لصحته ويستثنى من المقاصة والتقادم.
فبالنسبة للمقاصة فإنها لا تثير أية مشكلة لما تكون قضائية أو اتفاقية ذلك انه إذا كانت قضائية فان قانون القاضي هو المختص لان الأمر متعلق بسلطة القاضي في سد النقص في الشروط اللازمة لوقوع المقاصة وإذا كانت اتفاقية فإنها تشكل عقدا جديدا مستقلا فتخضع لقانون العقد.
أما إذا كانت مقاصة قانونية موجودة بنص القانون فان الأمر يختلف بشأنها فإذا كان الدينان خاضعان لنفس القانون فإن هذا القانون هو الذي يطبق عليها وأما إذا كان الدينان خاضعين لقانونين مختلفين فان هناك عدة حلول مقترحة والراجح منها هو الذي يقول بعدم قبول المقاصة في الحالة التي يجيز فيها القانونان معا لأن المقاصة لا تؤدي إلى انقضاء أحد الدينين وإنما تؤدي إلى انقضاء الدينين معا.
أما في التقادم المسقط فيميل الفقه الغالب إلى تطبيق قانون العقد لأنه يتعلق بموضوع العقد محل النزاع ومن شأن تطبيق قانون العقد على التقادم المسقط حماية الدائن من مفاجئة سقوط دينه وفقا لقانون لا ينتظر اختصاصه.01
01 – أعراب بلقاسم ، مرجع سابق. ص 319
خامسا: القانون الواجب التطبيق على البطلان والإبطال والفسخ
إذا ترتب البطلان على تخلف ركن من أركان العقد خضع للقانون الذي يخضع له هذا الركن وإذا ترتب الإبطال على تخلف شرط الأهلية أو على عيب من عيوبها خضع الإبطال لقانون الشخص مع ملاحظة الاستثناء الوارد في المادة 10 ق..م.ج.
أما إذا ترتب الإبطال عن عيب من عيوب النص فان الإبطال يخضع لقانون العقد ويخضع الفسخ لعدم تنفيذ الالتزامات والدفع بعدم تنفيذها لقانون العقد.01
المبحث الثاني : القانون الواجب التطبيق على شكل التصرفات القانونية.
سبق و أن قلنا أن فقهاء مدرسة الأحوال الإيطالية القديمة لم يفرقوا بين شكل العقد و موضوعه من حيث القانون الواجب التطبيق عليهما ، فقد أخضعوهما معا لقانون واحد هو قانون محل إبرام العقد . و لم تتم التفرقة بينهما حتى جاء الفقيه الفرنسي ديمولان في القرن السادس عشر و قال بإخضاع العقد لقانون إرادة المتعاقدين . فأصبحت بذلك قاعدة خضوع العقد لقانون محل الإبرام قاصرة على شكل التصرف دون موضوعه.
و قد أخذت معظم دول العالم حاليا بهذه التفرقة بين شكل العقد و موضوعه من حيث القانون الواجب التطبيق عليهما.
و بعد أن أشرنا في المبحث السابق للقانون الواجب التطبيق على موضوع العقد و نطاق تطبيقه .نستعرض في هذا المبحث القانون الواجب التطبيق من حيث الشكل مع تحديد تطبيقه.
المطلب الأول: القانون الواجب التطبيق على شكل العقود
تنص المادة 19 من القانون المدني الجزائري على ما يلي : تخضع التصرفات القانونية في جانبها الشكلي لقانون المكان الذي تمت فيه.
و يجوز أيضا أن تخضع لقانون الوطن المشترك للمتعاقدين أو لقانونهما الوطني المشترك أو للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية.
01- علي علي سليمان, مرجع سابق ، ص 121
و لقد أخذ المشرع الجزائري في هذه المادة بالقاعدة التي أخذت بها معظم قوانين دول العالم، و هي قاعدة خضوع العقد من حيث شكله لقانون محل الإبرام.
و الخلاف الموجود حول هذه القاعدة لا يتعلق بالأخذ بها أو عدم الأخذ بها ، و إنما بمدى إلزاميتها.فهناك دول تعتبرها إلزامية مثل إسبانيا و الأرجنتين و الشيلي و البرتغال ،و هناك دول أخرى تعتبرها اختيارية مثل ألمانيا و إيطاليا و النمسا و المجر و السويد و النرويج و معظم الدول العربية ، و إنجلترا و فرنسا. 01
أما بالنسبة للجزائر إذا تمعنا في المادة 19 ق م ج قبل التعديل نجد أن المشرع يفرق بين الحالة التي يكون فيها المتعاقدان مختلفي الجنسية و الحالة التي يكونان فيها متحدي الجنسية،لأنه بعد أن قال بأن العقود تخضع من حيث شكلها لقانون بلد إبرامها قال بأنه يجوز أن تخضع للقانون المشترك للمتعاقدين، مما يفيد أنه إذا لم يكن هناك قانون وطني مشترك بين التعاقدين فإن قانون بلد الإبرام هو الذي سيطبق.
و لقد قال الأستاذ أعراب بلقاسم بان المشرع الجزائري قد جعل هذه القاعدة إلزامية في حالة اختلاف المتعاقدين في الجنسية و اختيارية في حالة تمتعهما بنفس الجنسية .
و على كل حال سواء اعتبرنا هذه القاعدة اختيارية أو إلزامية فإنه مما لا خلاف فيه أنه قد فرضتها الاعتبارات العملية و هي التيسير على المتعاقدين ذلك أنه لو ألزمنا المتعاقدين بإتباع الشكل الذي يفرضه قانون جنسيتهما أو قانون موطنهما لوقعا في حرج كبير إذ قد يجهلان الشكل الذي يقرره كل من هذين القانونين ، و إذا لم يجهلا هذا الشكل فقد يتعذر عليهما مباشرته في بلد إبرام تصرفهما . و يكفي هذه الاعتبارات كما يقول الأستاذ عز الدين عبد الله للأخذ بهذه القاعدة ، فهي أساسها الذي تنهض عليه دون الحاجة إلى البحث عن أساس نظري. و بها يكتفي فقهاء القانون الخاص المعاصرون. 02
01 – أعراب بلقاسم ، مرجع سابق. ص 323
02 – نفسه. ص 324
المطلب الثاني : نطاق تطبيق القانون الذي يحكم شكل العقود.
هناك أشكال كثيرة ، منها المقررة لانعقاد التصرف ، و منها المقررة لإثباته ، و منها الخاصة بشهر التصرف ، و منها المكملة للأهلية . فلا بد إذن من تحديد من بين هذه الأشكال التي تخضع لقانون الشكل. 01
أولا: بالنسبة للشكل المطلوب لانعقاد التصرف كأن يشترط المشرع مثلا لصحة العقد الكتابة الرسمية، فقد انقسم الفقه إلى فريقين:
ا-يرى الفريق الأول بأن الشكل المطلوب لانعقاد التصرف يعتبر من الأمور المتعلقة بالموضوع، لأن غرض المشرع من فرضه هو حماية رضا المتعاقدين.
فهو بذلك يتعلق بجوهر العقد مما يتعين استبعاد إدخاله في مفهوم الشكل.
و لقد أيدت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري هذا الري . فقد جاء فيها ما نصه :[ و يراعى أن اختصاص القانون الذي يسري على الشكل لا يتناول إلا عناصر الشكل الخارجية .أما الأوضاع الجوهرية في الشكل و هي التي تعتبر ركنا في انعقاد التصرف كالرسمية في الرهن التأميني* الرسمي* فلا يسري عليها إلا القانون الذي يرجع إليه الفصل من حيث الموضوع ].
ب- بينما يرى فريق ثاني من الفقه بأن الشكل المطلوب لانعقاد العقد يدخل في مفهوم الشكل ، و بالتالي فإن قانون محل إبرام التصرف هو الذي يرجع إليه في بيان لزوم الشكل من عدمه و القول بخلاف ذلك يتنافى مع فكرة التيسير التي تقوم عليها قاعدة خضوع التصرف لقانون محل إبرامه.
و يعتبر الرأي الثاني هو الراجح فقها. وقد أخذت به محكمة النقض الفرنسية في عدة أحكام لها ، و من هذه الأحكام حكمها الذي قضت به بصحة الهبة الحاصلة في كندا في الشكل العرفي بين فرنسي على أساس أن القانون الكندي يقبل الهبة في هذا الشكل مع أن المادة 931 من القانون المدني الفرنسي تستلزم فيها الرسمية .
و يستثني أصحاب هذا الرأي من الخضوع لقانون الشكل لما يشترط القانون إجراء الشكل أمام موثق معين مثل ما تشترطه المادة 2128 من القانون المدني الفرنسي من إجراء الرهن الرسمي على عقار في فرنسا لدى موثق فرنسي .
و بالتالي وفقا لهذه المادة لا يمكن للفرنسيين في الخارج إبرام عقد رسمي على عقار موجود في فرنسا في الشكل المحلي و لو كان الشكل الرسمي.02
01 – أعراب بلقاسم ، مرجع سابق. ص 324
02 – نفسه. ص 326
ثانيا : بالنسبة للشكل المطلوب لإثبات التصرف:
فإنه يدخل بلا خلاف في مفهوم الشكل ، و بالتالي فإن القانون الذي يحكم الشكل هو الذي يرجع إليه لمعرفة لزوم أو عدم لزوم شكل معين لإثبات التصرف. 01
ثالثا : بالنسبة للأشكال المطلوبة لإشهار التصرفات المتعلقة بالأموال :
فإنها لا تخضع لقانون الشكل : و إنما تخضع لقانون موقع هذه الأموال ، إذ أن الغرض من هذه الأشكال هو إعلام الغير و حماية و استقرار المعاملات المالية.
رابع : بالنسبة للأشكال المكملة للأهلية :
هي عبارة عما يلزم اتخاذه من إجراءات حتى يتمكن ناقص الأهلية أو نائبه من مباشرة التصرف القانوني ، مثل ضرورة حصول ناقص الأهلية على إذن لمباشرة تصرف معين ، و وجوب حصول الزوجة على إذن زوجها لمباشرة التجارة في بعض التشريعات ، ووجوب حصول الوصي على إذن للتصرف في أموال القاصر …..إلخ.
فهذه الأشكال كلها ترتبط ارتباطا وثيقا بموضوع التصرف الذي يراد إجراءه. و لذلك فإنها لا تخضع لقانون الشكل و إنما للقانون الذي يحكم موضوع التصرف ذاته. 02
01 – أعراب بلقاسم ، مرجع سابق. ص 326
02 – نفسه. ص 327
الخاتمة
من خلال ما رأينا في هذا البحث نستنتج أن القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية من الناحية الموضوعية يخضع في الأصل لقانون الإرادة، لكن أورد المشرع الجزائري الاستثناءات المذكورة في المادة 18 من القانون المدني الجزائري ، وفي حالة العقود المتعلقة بالعقار تطبيق قانون موقعه.
أما من الناحية الشكلية فإن القانون الواجب التطبيق عليها هو قانون محل الإبرام كأصل واستثناءا يجوز تطبيق قانون الموطن المشترك للمتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك أو القانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية.
بحث قانوني كامل حول القانون الواجب التطبيق على الإلتزامات التعاقدية