” نحو تعديل تشريعي يقضي بتأجيل إعدام الأم المرضع “
إعداد
شيماء أحمد ,
رانده سعد
مراجعة
ولاء جاد الكريم
القاهرة في 10 نوفمبر 2009
تمهيد:
لطالما مثلت عقوبة الإعدام نموذجا صارخا لانتهاك حقوق الإنسان والاعتداء على أهم وأخطر حقوقه وهو الحق في الحياة , فهي عقوبة شديدة القسوة بالغة الخطورة , فحق الإنسان في الحياة من الحقوق التي لا يملك مخلوق المساس بها تحت أي ذريعة ، فالحياة وهبها الله تعالى وله وحدة الحق في انتزاعها .
ولعل ذلك ما دعي العديد من المواثيق الدولية إلى الدعوة إلى إلغاء هذه العقوبة , بل أن ذلك ما دعي بعض من الدول إلى إلغاء هذه العقوبة نهائيا أو القيام بتقييدها لقصرها على بعض الجرائم ذات الخطورة الخاصة ومن الجدير بالذكر أن كثير من المنظمات الدولية المهتمة بملف الإعدام تقر بعدم وجود علاقة بين تطبيق عقوبة الإعدام ومدى انتشار الجرائم في المجتمع وهو ما يشير ضمنا إلى أن العقوبة لم تحقق الردع المطلوب منها .
إلا أنه وبالرغم من الآثار السلبية العديدة التي تتولد عن هذه العقوبة التي تعد جريمة في حد ذاتها إلا أنه لا تزال كثير من الدول تطبقها وبصورة واسعة الأمر الذي يمثل في ذاته انتهاكا لكل الاعتبارات الإنسانية ، وما تسعى إليه المنظمات المعنية بهذا الأمر هو العمل على تضييق نطاق تطبيق العقوبة وتوفير الحد الأدنى من الضمانات اللازمة لتطبيقها .
ويصبح موضوع تطبيق عقوبة الإعدام أكثر قسوة وأعظم خطورة إذا تعلق بتأثير العقوبة على شخص آخر غير المنفذ في حقه العقوبة ,فما بالنا إذا كان هذا الغير هو طفل لم يرتكب أي جرم يستحق علية العقاب أو الحرمان من أي حق من حقوقه وأهمها على الإطلاق حقه في تلقى العناية الكافية في سنواته الأولى والتي يبنى علية حياته بأكملها فحق الطفل في الرضاع يثبت له بصفة تلقائية بمجرد الميلاد ولا يجوز لأي كان حرمانه من هذا الحق بالغ الأهمية .
ومن هنا كان اهتمام – ماعت – بالدعوة إلى محاولة إعطاء كل ذي حق حقه فإذا كان المجتمع قد قرر– وإهدارا للعديد من الاعتبارات – الانتقام من الأم بجرمها الذي ارتكبته ,فانه لا يجوز بحال مد هذا الانتقام ليؤثر على الطفل الذي لم يرتكب أي جرم يبرر الانتقاص من حقوقه ، فالأصل ألا يحرم الرضيع من أمه لجريمة لم يكن هو السبب فيها فإن كنا لم نستطع حتى الآن إلغاء هذه العقوبة فان تقييد نطاقها وقصر أثره على المجرم فقط يصبح ضرورة تفرض نفسها ، فهو ليس مطلبا وإنما هو حق يوفر تحقيقه العدالة في أدنى صورها .
وتهدف ورقة العمل التي بين أيدينا إلى عرض أهم الصكوك الدولية الداعية إلى إلغاء أو تقييد هذه العقوبة ثم للدول التي عملت على تحقيق ذلك وموقف مصر بصفة خاصة ثم نشرح موقف كل من الشريعة الإسلامية وعلماء النفس والتربية من هذا الأمر ،ثم نبرز توضيحا للدور الذي تقترحها مؤسسة ماعت لتبني حملة لإصدار تشريع يقضي بإعدام الأم الحامل .
أولا: الصكوك الدولية وموقفها من إعدام المرأة المرضع بصفة خاصة :
عقوبة الإعدام هي – كما ذكرنا – عقوبة تنطوي على مخاطر جسيمة ولذلك فقد دعت الكثير من المواثيق الدولية إلى إلغاء عقوبة الإعدام, ومن هذه المواثيق:
1- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 : والذي بدأ العمل به في 23 مارس 1976 والذي ينص في مادته الأولى على أن: الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان وعلى القانون أن يحمى هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا ” ، وبالنسبة لموقف العهد من إعدام الأم الحامل فقد نصت الفقرة ( 5 ) على أنه ” لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفذ هذه العقوبة بالحوامل” .
2- البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، الذي يهف إلى إلغاء تطبيق العقوبة كلية وبالتالي فهو ينسحب على حالة الأم الحامل وغيرها من الحالات .
3- البروتوكول السادس الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان “اتفاقية إلغاء عقوبة الإعدام في زمن السلم” وهو ينطبق على كل الحالات بما فيها الأم المرضع
4- البروتوكول رقم 13 والملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. الذي يهف إلى إلغاء تطبيق العقوبة كلية وبالتالي فهو ينسحب على حالة الأم الحامل وغيرها من الحالات .
5- البروتوكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان . الذي يهف إلى إلغاء تطبيق العقوبة كلية وبالتالي فهو ينسحب على حالة الأم الحامل وغيرها من الحالات .
6- الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل لعام 1990 –والذي بدأ العمل به في 29 نوفمبر لعام 1999- والذي نص في مادته الثلاثين على أنه :”تتعهد الدول أطراف هذا الميثاق بتوفير معاملة خاصة للأمهات اللائي على وشك الولادة وأمهات الأطفال الرضع والأطفال الصغار وتضمن عدم إصدار حكم بالإعدام على مثل هؤلاء الأمهات “.
7- الميثاق العربي لحقوق الإنسان والمعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة 23 مايو 2004 ة ، تنص المادة 7 منه على أنه “لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام على امرأة حامل حتى تضع حملها ولا على أم مرضع إلا بعد انقضاء عامين على تاريخ الولادة ,وفى كل الأحوال تغلب مصلحة الرضيع”.
8- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 ديسمبر 2007 والذي دعي إلى وقف وتعليق العمل بعقوبة الإعدام والذي صوتت فيه الجمعية العامة بأغلبية 104 أصوات لقرار الإلغاء في مقابل 54 صوت, في حين امتنعت 29 دولة عن التصويت.
ثانيا:المواقف التي اتخذتها الدول المختلفة من مسالة تأجيل إعدام الأم المرضع:
إذا كانت المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بصفة عامة قد اجتمعت على ضرورة الحد من هذه العقوبة ,إلا أن دول العالم قد تباينت مواقفها ,من مجموعة تقر حق الإنسان في الحياة وعدم جواز الاعتداء على هذا الحق وبالتالي ألغت عقوبة الإعدام إلى مجموعة لا تزال متمسكة بتوقيعها:-
وقد بلغ عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام 91 دولة ومنها (ساحل العاج- السنغال –كندا – تركمنستان – بوتان – اليونان – تركيا – جيبوتي ) ، في حين ألغت 11 دولة عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم العادية ، و ألغت 32 دولة عقوبة الإعدام بصورة عملية ، أما الدول التي لا تزال تبقى على هذه العقوبة فقد بلغ عددها 63 دولة .
– أما بالنسبة لإعدام المرأة المرضع فنجد أن مواقف بعض الدول العربية والإسلامية منه كانت كالتالي :
* التشريع السوداني :
تضمن قانون تنظيم السجون ومعاملة النزلاء لسنة 1992 في مادته رقم 193الفقرة الثانية ” إذا تبين لمدير السجن قبل تنفيذ عقوبة الإعدام أن المحكوم عليها حبلى أو مرضع ، فعليه إيقاف تنفيذ العقوبة وإبلاغ ذلك إلى رئيس القضاء لإرجاء التنفيذ إلى ما بعد الولادة أو انقضاء عامين على الرضاعة إذا كان الجنين حياً “.
* التشريع اليمنى :
نصت الفقرة الأخيرة من المادة ( 532 ) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على ” إيقاف عقوبة الإعدام على المرضع والحبلى بصفة مؤقتة حتى تضع حملها أو تكمل رضاعتها عامين وتحبس إلى أن يحين وقت التنفيذ وتجد من يكفله بعدها “.
وأوجبت المادة (484) من قانون العقوبات اليمني بعدم تنفيذ الأحكام في العقوبات في أيام الأعياد الرسمية أو الأعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه ويوقف التنفيذ بالمرأة الحامل حتى تضع حملها والمرضع حتى تتم رضاعة ولدها في عامين ويوجد من يكفله وتحبس إلي حين أن يتم التنفيذ.
* التشريع الجزائري :
نص في المادة ( 155 ) منه على أنه لا تنفذ عقوبة الإعدام على الحامل أو المرضعة لطفل دون أربعة وعشرين شهرا.
* التشريع البحريني :
نص في المادة (334) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني ” يوقف تنفيذ عقوبة الإعدام على الحبلى إلى ما بعد ثلاثة أشهر من وضعها”.
* أما التشريع الليبي:
فيجعلها شهرين فقط ,حيث تنص المادة (436) من قانون الإجراءات الجنائية ” يوقف تنفيذ عقوبة الإعدام على الحبلى إلى ما بعد شهرين من وضعها” .
ثالثا: موقف المشرع المصري :
كانت جمهورية مصر العربية من الدول التي أبقت على عقوبة الإعدام، حيث يبلغ عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام لديها 105جريمة موزعة على القوانين المختلفة كالتالي:
* قانون العقوبات 44 جريمة .
* قانون الأحكام العسكرية 41 جريمة.
* قانون المخدرات 19 جريمة.
* قانون الأسلحة والذخائر جريمة واحده.
والملاحظ انه عدد هائل بالرغم من النصوص الدستورية التي تؤكد الحق في الحياة وضرورة صيانته ومن ذلك المادة 57 من الدستور المصري والتي تنص على أنه “كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم , وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع علية الاعتداء “.
**أما بالنسبة للمرأة المرضع المحكوم عليها بالإعدام فقد كان الأولى أن يكفل لها القانون حماية خاصة نظرا لأن الأمر أصبح متعلقا بحق الطفل الذي يجب أن يحصل على كامل حقوقه دون انتقاص وذلك وفقا للنصوص الدستورية التي تنص على ضرورة إتاحة الظروف المناسبة للطفل لكي ينشأ نشأة سوية ، ومن ذلك المادة رقم 10 من الدستور والتي تنص على أنه :”تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة ،وترعى النشء والشباب ، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم”.
كما أننا نجد أن المشرع المصري سمح للأم المحكوم عليها بالسجن بأن تحتفظ بطفلها عامين حيث نص قانون تنظيم السجون في مادته رقم 20 على أنه “يبقى مع المسجونة طفلها حتى يبلغ من العمر سنتين ،فإن لم ترغب في بقائه معها أو بلغ هذه السن سلم لأبيه أو لمن تختاره من الأقارب فإن لم يكن للطفل أب أو أقارب يكفلونه وجب على مدير السجن أو مأموره إخطار المحافظ أو المدير لتسلمه للعناية به خارج السجن في أحد الملاجئ وإخطار الأم المسجونة بمكانه وتيسير رؤيتها له في أوقات دورية على الوجه الذي تبينه اللائحة الداخلية “,
ومن النص نجد أن المشرع قد أعترف بحق الطفل في تلقى العناية الواجبة له في سنواته الأولى ،بل أن قانون الطفل وحرصا منه على تحقيق أكبر قدر من العدالة لهذا الطفل وحرصا على أن ينال العناية الكافية قد حث على أن تكون مدة بقائه تحت رعاية أمه أربع سنوات بدلا من عامين ، إلا أنه وبالرغم من كل هذه النصوص ،وبالرغم من جميع الاعتبارات يأتي قانون تنظيم السجون لينص في المادة 68 منه على أنه : ” يوقف تنفيذ عقوبة الإعدام على الحبلى إلى ما بعد شهرين من وضعها “
ومن عرض كل من النص العشرين والنص الثامن والستين تتضح المفارقة الغريبة والتناقض الشديد الذي وقع فيه المشرع المصري ,ففي حين يعترف بحق الطفل في إتمام الرضاع إذا كانت والدته محكوم عليها بالسجن ,فانه لا يسمح له بذلك حال ما إذا كان قد حكم عليها بالإعدام بالرغم من عدم وجود أي مبرر للتفرقة بين الحالتين ، حق الطفل ثابت له بمجرد ميلاده وبغض النظر عن أي مؤثرات لا دخل له فيها , وكأن القانون يعترف بنفس الحق حينا ويجحده حينا أخر .
فإذا كان الحق واحد وصاحبه هو نفس الشخص , فما بال المشرع إذا يضع تفرقة غريبة لا مبرر لها ,ألم يكن الأولى أن يساوى بين الحالتين فيمنح الطفل حقه في تلقى الرضاعة الكاملة في سنواته الأكثر خطورة ويؤجل إعدام أمه المحكوم عليها لحين إتمامه عامين الأولين كما سمح له بالبقاء معها لنفس العامين إذا كانت محكوم عليها بالسجن ؟
رابعا: موقف الشريعة الإسلامية من إعدام المرضع:-
لما كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول للتشريع في مصر وفقا للمادة 2 من الدستور والتي تنص على أنه:”الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ,ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”,فإنه لمن المهم بمكان الإشارة إلى موقف الشريعة الغراء من هذا الموضوع الشائك.
ومجرد النظر إلى تعاليم الشريعة يتضح لنا جليا أن الإسلام يؤيد وبصورة قاطعة فكرة تأجيل إعدام المرضع حتى إتمام الرضاع ، ذلك بأدلة مستمدة من أكثر من مصدر من مصادر التشريع بدءا بالقران ومرورا بالسنة الشريفة وأقوال الصحابة وصولا إلى المصالح المرسلة والقواعد الفقهية الثابتة .
أ- القرآن الكريم:
أن القران الكريم يؤكد على ضرورة إتمام الطفل لعامين رضاعا, قال تعالى “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين” كما قال “حملة وفصاله ثلاثون شهرا” .
ب- السنة النبوية الشريفة:
للرسول صلى الله علية وسلم من السنة الفعلية والقولية ما يؤكد ضرورة تأجيل إعدام المرضع لحين إتمام الرضاع , ومن ذلك الواقعة المشهورة باسم واقعة” المرأة الغامدية” والتي جاءت إلى الرسول صلى الله علية وسلم يطلب إقامة حد الزنا عليها وكانت حاملا ,فقال لها صلى الله علية وسلم”انتظري حتى تضعي ” فجاءته بعدما وضعت فقال لها”انتظري حتى ترضعيه “فلما جاءته وقد فطمت الولد وهو يمشى بجوارها وقد امسك بيده كسرة من الخبز يأكلها أمر بها فرجمت ، كما أنه صلى الله علية وسلم قد قال ” ليس للصبي لبن خير من لبن أمه “.
ج- أما من أقوال الصحابة :
فقد قال على ابن أبى طالب رضي الله عنة أنه قال (ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة علية من لبن امة) .
كما يذكر انه قد دخل رجل على الإمام على (كرم الله وجهه) واعترف بارتكابه السرقة وطلب توقيع حد السرقة عليه ،فخرج الإمام الحسن ولد الإمام على وعاد وفى يده صره من نقود بيت مال المسلمين فسلمها للسارق للقيام بمعيشته بعدما برر فعلته بالحاجة ، فقد رأى الإمام من عظمة الدين الذي يعتبر الحياة منحة إلهية لا يجوز المساس بها ما لم يره رجال الدين اليوم ، وبالتالي يمكن أن نقطع دابر الجريمة بوسائل أخري كما فعل إمام المؤمنين.
د- المصالح المرسلة:
من المعروف أن عدم تحمل الرضيع آثار العقاب على جريمة لا ذنب له فيها هو مصلحة لابد من مراعاتها في مطلق الأحوال ومهما كان الجرم الذي ارتكبته والدته ، وذلك بالإضافة إلى قاعدة اليسر في الإسلام والتي تؤيد المبدأ القائل أنه “لا ضرر ولا ضرار “فلا يجوز أن يضار الطفل بفعل والدته حيث لا ذنب له فيما ارتكبته من جرائم , ومن المؤكد أن الإسلام جوهرة الرحمة , أي رحمة بعد الرحمة بالصغير ؟
أما عن آراء فقهاء الشريعة الإسلامية في هذا الأمر فنجد أن المالكية يرون أحقية تنفيذ الحكم بعد الوضع مباشرة لان حق الله تعالى أحق أن يقضى ، وذلك في حين أن الحنفية قالوا أن الأمر يتعلق بأمرين : أن هناك حياه متحققة في الأم التي سوف تهدر كلما بقيت يوما مع الدفع دون الضرر فهي أولى عندي كمسلمة ثم إن عندي طفل لا يأخذ من أمه فقط مجرد الرضاعة التي قد يستعاض عنها بالرضاعة الصناعية أو جلب مرضعة تقوم بنفس الغرض ،وإنما يأخذ من أمه مع الرضاعة المشاعر والأحاسيس ووجدانية الأم الحقيقية.
كما يرى البعض انه يجب أن يحكم في كل حالة على أنها حالة فردية وليس حالة مجتمع بان يعمم القانون الحكم وإنما ينظر في بعض الحالات فيعجل بإعدام واحده يتوقع من وجودها الضرر على المجتمع بأن تمارس استغلالا لفترة الرضاعة أمورا تعد جرائم ضد القانون ،وأخرى يرجى خيرها أكثر من شرها فيؤجل إعدامها لحين إتمام الرضاع.
خامسا: تأجيل إعدام المرضع من وجهة نظر علماء النفس والتربية :
يرى علماء النفس أن اخطر مراحل الطفولة هي السنوات الست الأولى وخاصة أول عامين فغياب الأم خلالها يؤدى إلى اضطرابات نفسية للطفل بل قد يؤدى به إلى الفصام فدور الأم في هذه المرحلة يتعدى مجرد الإرضاع بهدف التغذية ,إذ له آثار نفسية عديدة ,فوجود الأم بجانب الطفل مراحله الأولى يؤدى إلى تلقيه الاهتمام الكافي وينمى ثقته بنفسه .
وقد أكد علماء النفس أن الطفل الذي يفقد أمه في العامين الأولين يكون عرضه للإصابة بالاكتئاب الشديد لحرمانه من الحب والحنان والسكن والطمأنينة تلك الأشياء التي يؤدى توافرها إلى بناء طفل قوى ذي شخصية سوية ونجد أن هذا المسلك من جانب العلماء هو مبدأ مستقر منذ زمن بن سينا والذي ذكر في كتابه (القانون):”أما كيفية إرضاعه فيجب أن يرضع ما أمكن بلبن أمه فانه يشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم ,أعنى طمث أمه فانه هو بعينه
كما انه قد ذكر في موسوعة صحة العائلة انه :”أن الأبحاث الطبية قد أظهرت أن للإرضاع مزايا عده ,لاشك أن الحليب الاصطناعي يشبه في تركيبه حليب الأم ,ومع ذلك فهو يفتقر إلى مكونات معينه توجد في حليب الأم ، فعلى سبيل المثال : يستطيع حليب الأم وقاية طفلك من أي التهابات كما يمنح جسمه المناعة ضدها ,كما أن تركيب حليب الثدي يتغير مع تغير حاجات الطفل ,في حين يظل تركيب الحليب الاصطناعي ثابتا لا يتغير .
كما انه قد ثبت أن الأطفال الذين تلقوا الرضاعة الطبيعية يحققوا نتائج جيده في اختبارات التطور العلمي ,فالأحماض الدهنية الموجودة في لبن الأم تساعد على تطور دماغ الطفل بشكل سليم .
وذلك بالإضافة إلى فداحة الخطر الذي يمكن أن يحدث إذا تم إعدام المرضع بعد شهرين من الولادة فقط مما يدفع إلى الرضاعة الصناعية للطفل ويفقده قدرا من الرعاية الصحية والنفسية هو بأمس الحاجة إليه بل نخشى الإشارة إلى احتمال رفض اللبن الصناعي وما قد يؤدى إليه ذلك من خطر على حياته .
كما توصى الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال قليلي الأوزان بلبن الأم ذلك حيث منافع حليب الأم للأطفال الرضع الضعاف ,حيث أثبتت الدراسات أن لبن الأم يوفر الحماية الصحية بجانب الغذاء لأن :-
• لبن الأم ليس له مثيل من أنواع الألبان الأخرى , فقد جعله الله تعالى ملائما بحيث يوفر احتياجات الطفل يوما بعد يوم فهو في الأيام الأولى يحتوى على كميات كبيرة من البروتينات المهضومة والتي تساعد على تقوية المناعة
• كما انه يقلل من التعرض للنزلات المعوية والتهاب الجهاز التنفسي الذي يصيب الرضيع عن طريق القارورة حيث وجود المواد المضادة للميكروبات في لبن الأم .
• كما يحتوى لبن الأم على كميه كافيه من البروتين والسكر بنسب تناسب الطفل .
سادسا: دور منظمات المجتمع المدني :
لا احد يستطيع أن ينكر الدور الهام الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني والتي تتبنى كل ما يهم المجتمع من قضايا وتقوم بتحريكها وإثارتها وتساهم في تشكيل رأى عام وخلق نسق من الاتحادات التي تعمل بصوره منطقية خاضعة لمعايير منطقية وقواعد وشروط متفق عليها ، فهي آلية من أهم آليات الإصلاح وتطوير المجتمعات ،فوجودها يعنى وجود المشاركة السياسية والانتماء الوطني ،فلا وجود للدولة الديمقراطية دون وجود مؤسسات المجتمع المدني القادرة على التفاعل مع المجتمع ومعالجة مشكلاته وتقديم الرقابة والاستشارة والتوجيه ومتابعة خطط الدولة وبرامجها.
وانطلاقا من الأهمية القصوى التي احتلها موضوع عقوبة الإعدام بصفة عامة وإعدام الأم المرضع بصفة خاصة ،ذلك الموضوع الذي يشكل ضرورة إنسانية لا يمكن التغاضي عنها ، فقد بدأت هذه المنظمات في إطلاق حملات للتحفيز على إلغاء عقوبة الإعدام من خلال الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية المختلفة ,فهي أيقنت أن موضوع إلغاء عقوبة الإعدام يجب أن يكون في صدارة أولوياتها إيمانا منها بقدسية الحياة الإنسانية ، لذلك فقد نادت بالتضييق في عقوبة الإعدام إلى حد الوصول إلى إلغائها ووضع العقوبات البديلة لهذه العقوبة بحيث نفتح المجال لإعادة تأهيل المحكوم عليه وإعادة دمجه في المجتمع.
وكان نتيجة فاعلية منظمات المجتمع المدني أن توقفت معظم الدول عن إصدار أحكام بالإعدام في القضايا المعروضة على محاكمها ومن هذه الدول “تونس وفلسطين والجزائر ولبنان والمغرب” كما قامت هذه المنظمات بتكوين عدد من الائتلافات في مختلف دول العالم ليكون هدفها الأساسي هو إلغاء عقوبة الإعدام وذلك كالتحالف الإقليمي لمناهضة عقوبة الإعدام والائتلاف الكونغولي لمناهضة عقوبة الإعدام بمدينة لوس أنجلوس لعام 2004 والائتلاف الدولي لمناهضة عقوبة الإعدام بروما 2002 ، بالإضافة إلى عدد من الائتلافات العربية كالائتلاف التونسي والائتلاف المغربي والائتلاف الجزائري والائتلاف الفلسطيني .
وانطلاقا من الأهمية الخاصة التي يوليها مركز ماعت لموضوع إلغاء عقوبة الإعدام فقد قام بالعديد من التقارير والدراسات وورش العمل التي تعمل على مناهضة عقوبة الإعدام إلى أن تم إعلان تأسيس التحاف المصري لمناهضة عقوبة الإعدام في ختام ورشة العمل التي عقدها مركز ماعت بالتعاون والتنسيق مع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي ومركز عمان لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 20 يونيه 2007 كما عقد عدد من الموائد المستديرة التي تهدف إلى وضع ضوابط لعقوبة الإعدام .
ونظرا للأهمية الخاصة والخطورة الشديدة المتعلقة بإعدام المرآة المرضع فان ماعت يدعو مؤسسات المجتمع المدني المصرية بان تولى أهمية خاصة لهذا الموضوع ،بحيث تقوم على التنسيق فيما بينها بما يمكنها من العمل وفقا لخطة مشتركة مبنية على تكامل الجهود وتوزيع الأدوار والمسؤوليات ،والعمل على إصدار التقارير المتخصصة وحملات الضغط المنظمة وتنظيم حملات مركزة لتأجيل إعدام الأم المرضع.
خاتمة الدراسة والتوصيات المقترحة
يتضح من كل ما سبق مدى أهمية تأجيل عقوبة الإعدام على المرأة المرضع حتى إتمام الرضاع, فذلك مبدأ من أهم المبادئ التي يجب أن تكون محور أولويات الهيئات التشريعية في الدورة البرلمانية القادمة ,فهو حق تؤيده كل المواثيق الدولية والدساتير المختلفة كما تقره الشريعة الإسلامية ويوصى بها علماء النفس والتربية ,فحق الطفل في الرضاعة الطبيعية إنما هو – كما سبق القول- العدالة في ابسط صورها.
إلا أن هناك رأى يرى أن هذا التعديل يشجع بعض السيدات على ارتكاب جرائم القتل ففي الخيانة الزوجية قد تتفق الزوجة مع صديقها على قتل الزوج وعندما تفكر أنها لن تعدم قبل عامين في حالة حملها ربما قد يشجع هذا هؤلاء السيدات على الانحراف ، بالإضافة إلي أن إقامة الحد حق لله أولا وللمقتول ثانيا وللمجتمع ثالثاً فالجانية تتوب لإسقاط حق الله وتعدم لإسقاط حق المقتول وحق المجتمع.. فهي لو تابت فهناك حق غائب هو حق المقتول وحق المجتمع.. ولو عفي أهل القتيل يبقي حق المجتمع وحق الله ولذلك وجب عليها التوبة قبل تنفيذ العقوبة لتكون العقوبة كفارة ويري هذا الرأي تنفيذ العقوبة في نفس يوم ارتكاب الجريمة إذا كانت المرأة غير حبلي وإذا كانت كذلك تؤجل لشهرين فقط كما هو منصوص عليه في القانون لأن ذلك يعد ردعًا لكل من ترتكب مثل تلك الجرائم وكل من يزهق روح الضحية أو يتعدي حدود الله.
لكننا نعتقد أن هذا الرأي يحتاج إلى بعض المراجعة , ذلك انه إذا صدر القانون الذي يمد المهلة إلى عامين لن يكون به مجال للمماطلة أو التحايل على القانون فنحن هنا أمام امرأة محكوم عليها بعقوبة وهى في السجن وهنا ليس إلغاء لحكم الإعدام ولكنه فقط مجرد تأجيل لفترة مجددة ثم ينفذ .
وانه في حالة صدور هذا القانون فهو يتفق مع الناحية الإنسانية والدينية ليس من اجل الأم فهنا المشرع لا يأخذه بها شفقة أو رحمة ولكن كل الهدف مصلحة الطفل الصغير الذي لم يجن شيئا وهنا يصبح لدينا مجني عليه ثان غير المجني عليه في القضية والذي أضير من المتهمة فإعدام الأم بعد شهرين فقط يعنى إعدام الطفل معنويا ونفسيا سواء ذهب لأسرتها أو لإحدى دور الرعاية كما أن وجوده مع أمه لتلك الفترة لن يكسبه منها مساوئ أو سلوكا غير سوى وكل ما سيحصل عليه حب وحنان ورعاية واحتواء وليس أخلاقا ، وهذا التأجيل ليس إلغاء للحكم الصادر من القضاء وإنما سينفذ الحكم بعد مهلة عامين.
كما أن هناك فارقا بين تأجيل الحكم لشهرين أو لعامين وهو ليس إلغاء لحكم الإعدام أو براءة ولكن هي فترة لكي يحصل فيها الرضيع على رعاية مناسبة من أفضل إنسان بالنسبة له ، ذلك بالإضافة إلى أننا نرى انه وبالعكس من ذلك قد يكون في التأجيل عقابا معنويا اشد بالنسبة للام التي تحرم من وليدها بعدما تكون قد تعلقت به لمده عامين ,فالتأجيل إذا ليس به أي تشجيع للمرأة وليس مكافأة لها وإنما هو مراعاة لمصلحة الصغير وحرصا على حقه في الحياة .
** ولكل هذه الأسباب فإننا نوصى بالتالي :
1- القيام بحملة واسعة النطاق يكون هدفها الحد من نطاق عقوبة الإعدام بصفة عامه تشمل علماء الدين والقانون والمحامين والقضاة والأجهزة الحكومية المعنية ،وذلك بالعمل المشترك بين كل منظمات المجتمع المدني المصري والإعلام .
2- فتح حوار مستمر مع الجهات التشريعية لدفعهم نحو إقرار تعديل تشريعي مقتضاه تأجيل إعدام المرأة المرضع حتى إتمام فترة الرضاع .
3– العمل على حث الدولة المصرية على التصديق على الميثاق العربي لحقوق الإنسان وتعديل التشريع الداخلي بما يتناسب مع المواثيق الدولية المتعلقة بهذا الموضوع.
4- حث المجتمع المدني على تنظيم مبادرات محلية وندوات وموائد مستديرة وأنشطة مختلفة بهدف تحسين اتجاهات المجتمع فيما يتعلق بأثر وفعالية تطبيق عقوبة الإعدام في مصر، ودعم الحكومات والجهات ذات العلاقة وتشجيعها على التقدم نحو إلغاء عقوبة الإعدام وطرح عقوبات بديلة .
5- ضرورة تبنى رجال الدين والأزهر لحملة للضغط على المشرع المصري من اجل تعديل التشريع الخاص بإعدام المرضع .
6- التعاون بين منظمات المجتمع المدني والهيئات المعنية مثل المجالس القومية ( للمرأة –حقوق الإنسان –للطفولة والأمومة ) من اجل صياغة مقترح قانون لتأجيل إعدام الم
ضرورة تأجيل إعدام المرأة المرضع كحق إنساني