دراسة وبحث قانوني عن الغلط الجوهري و الغلط في القانون
مقدمة
الغلط هو وهم يقوم في ذهن الشخص فيصور له الأمر على غير حقيقته و يكون هو الدافع إلى التعاقد ، حيث هو تصور كاذب للواقع يؤدي بالشخص إلى إبرام تصرف ماكان ليبرمه لو تبين حقيقته ، فهو يصيب الإرادة عند إبرام التصرف ، و قد تعرضت نظرية الغلط لتطور محسوس خرج بها عن حدود النظرة التقليدية الجامدة إلى نظرية حديثة أوسع آفاقا و أكثر مرونة.
جاءت النظرية التقليدية من القانون الفرنسي القديم ،حيث تقسم الغلط بحسب تأثيره على صحة العقد ، إلى غلط يجعل العقد باطلان بطلانا مطلقا و هو ما يعرف بالغلط المانع .و غلط يجعله باطلا بطلانا نسبيا أي قابل للإبطال ، و غلط لا يؤثر في صحت العقد. لقد ذهب الفقهاء في هذا الوقت إلى التفسير للنصوص عن طريق العبارات أي التفسير الحرفي، إلا أن الفقه و القضاء اعترض غلى ذلك و تم اللجوء إلى الاعتماد على المعيار الذاتي الذي يتفق مع مبدأ سلطان الإرادة.و ذلك و بتسارع حركة القضاء و الاجتهادات الفقهية ،فظهرت النظرية الحديثة التي استعانة بهذا المعيار الجديد و هو المعيار الذاتي بدلا من المعيار الموضوعي ، حيث كان يأخذ بالغلط الجوهري على عكس المعيار الموضوعي الذي كان يقتصر على الغلط في مادة الشيء و الغلط الذي يقع في شخص المتعاقد أذا كان محل اعتبار و استبعد كل من الغلط في قيمة الشيء و الغلط في الشخص إذا لم يكن محل اعتبار ، الغلط في وصف لا يتعلق بمادة الشيء محل الالتزام و الغلط في الباعث إلا أن القضاء الفرنسي لم يأخذ بالنظرية التقليدية حيث وجدوا أن العبرة ليست في الغلط الواقع في مادة الشيء أو القيمة بل العبرة بأن يكون الغلط جوهريا .
فالعبرة من هذا المعيار بالأوصاف المعتبرة في نظر المتعاقد لا بالخصائص التي تكون مادة الشيء في ذاته و الملاحظ أن الفقه استبدل عبارة مادة الشيء بعبارة الصفة الجوهرية ، أي الصفة إلي اعتبرها المتعاقد في مادة الشيء ، و هذا المعيار ما هو في الواقع إلا نتيجة منطقية لمبدأ سلطان الإرادة ، فما دامت إرادة المتعاقد هي التي تنشئ الرابطة القانونية ، فيجب الأخذ بهذه الإرادة في حقيقتها و على وجهها الصحيح ، لا معيبة بما تأثرت به من لغلط أو من غيره من العيوب.
من هنا ينطلق بحثنا عن الغلط الجوهري و كيف يتم التأكد منه، و كان هذا الشطر الأول من بحثنا بالإضافة إلى معرفة الغلط في القانون و تجسيده مع ما يخدم النظام العام و كيف هو في كل من الفقه الإسلامي و النظام الإنجليزي ، و قد استعملنا الأسلوب التحليلي في انجاز هذا البحث ،لما له من دراسة و فحص و تدقيق لبعض القضايا و المواد عبر العديد من المصادر، لدلك ارتأينا تقسيم الحث إلى مبحثين أولهما يتعرض للغلط الجوهري و الذي يشرح صوره و مدى اتصال الغلط بالطرف الأحر و ما هي الآثار المترتبة عليه ، أما المبحث الثاني ففيه الغلط في القانون و الذي بدوره يحتوي على
الغلط في الواقع الذي يلازمه لتشابه معه و كيف يكون الغلط في القانون مع تواجد المبدأ القائم بذاته و هو مبدأ عدم الاعتذار بجهل القانون و الاستثناءات الواردة عليه ،بالإضافة إلى الغلط في كل من الفقه الإسلامي و النظام الإنجليزي .
المبحث الأول: الغلط الجوهري
الغلط الجوهري هو الدافع إلى التعاقد الذي يعيب الإرادة، و هنا نكون بصورة الأخذ بالمعيار الذاتي
أي انه يقوم على تقدير المتعاقد لأمر معين يبلغ في نظره درجة من الأهمية تكفي لأن تجعله يقدم على التعاقد أن وجد و يحجم عنه إن تخلف(1).فالغلط الواقع يجب أن يكون جوهريا ،و هذا ما نجده من دقة في الصياغة في النص القانوني للمشرع الجزائري في المادة 82 من القانون المدني فهنا يظهر اهتمام المشرع بتجنب الخلافات الفقهية في التحديد الكافي لمفهوم الغلط في القانون الفرنسي ،و ذلك من خلال إقرار عامل حماية الإرادة الفردية للمتعاقدين و المؤدية إلى معرفة الغلط كيفما كان . بالإضافة إلى حماية الأمن القانوني الذي بالضرورة يؤدي إلى إبطال العقد لغلط فيه . فاحذ المشرع الجزائري بالوسطية في هذين العاملين، رغم قسوتها إلا أنها لا تحرم الشخص الواقع في الغلط من الحماية الضرورية ، شريطة ان يكون الغلط جوهريا ،وهو يتخذ عدة صور (المطلب الأول)،بالإضافة إلى اتصال الغلط بالطرف الأخر(المطلب الثاني) أما بالنسبة للآثار التي تنتج عن الغلط فنذكرها في (المطلب الثالث)
المطلب الأول:صور الغلط.
في هذا المطلب نستعرض على التوالي الغلط في مادة الشيء، الغلط في شخص المتعاقد، الغلط في الباعث،و الغلط في القيمة .
الفرع الأول:الغلط في مادة الشيء
جاء في المادة 1110 من القانون المدني الفرنسي إن عيب الرضا يكون واقع فقط في نوعين من الغلط : الغلط في مادة الشيء و في شخص المتعاقد. ففكرة وقوعه في مادة الشيء فهي المكونة لشيء و التي من خلالها يقع المتعاقد في الغلط ،و بالذهاب الى الفكرة الموضوعية التي تأخذ من (المادة) ألصفة الجوهرية بالتفكير في عناصرها. فالاجتهاد القضائي لم يتاخر عن فهم روح النص من خلال ما قصده المشرع ،اكثر من تركيزه على حروف المادة 1110 . فالمحاكم فهمو من الغلط في مادة الشيء الغلط على الصفة الخارجية لمادة اليء بشرط أن تكون محددة ،في حين قامو بدمج الغلط في مادة الشيء على الصفة الجوهرية(2) . حيث ان العبرة في تحديد الصفات الجوهرية لشيء هي التي
1 ـ عبد المنعم فرج الصده،نظرية العقد في قوانين البلاد العربية،دار النهضة العربية للطباعة و النشر،لبنلن،1984 ،ص234
2-F.Chabas, Leçons de droit civil, Obligation,9e édition ,Tome II ,1er volume, Montchrestien,France,p120
دفعت الى التعاقد فلولا هذه الصفات ما كان قد أقدم الشخص على التعاقد، و مثال ذلك اذا وقع مقاول في غلط طبيعة الأرض التي النزم باقامة بناء عليها كان البطال.(1) .
الفرع الثاني: الغلط في الشخص.
نصت المادة 82 3 قانون مدني جزائري:ً انه يعتبر الغلط جوهري بالأخص إذا وقع في ذات
المتعاقد أو في صفة من صفاته و كانت الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد ً . و الملاحظ هنا هو عدم اقتصار الأبطال للغلط ليس فقط في الشخص المتعاقد بل تعدى ذلك ضمن الصفة الجوهرية في الشخص عندما تكون هي الدافع للتعاقد ،و يكون الغلط جوهريا إذا كانت شخصيته محل اعتبار و يقع عادة في عقود التبرع و، و قد يقع في عقود المعاوضة و يقع في ذات المتعاقد كأن يهب شخص لأخر مالا معتقدا أن رابطة قرابة تربطه به ثم تبين أن هذه الرابطة غير موجودة ، ا وان يؤجر شخص سكنا لامرأة معتقد أن سلوكها حسن ثم يتبين أنها بغي(2).كذلك قضت محكمة النقض المصرية أنه لا يعتبر غلطا في صفة الشيء المبيع أن يقع خطأ في بيان حدود الأرض المبيع ما دامت نمرة الأرض في خريطة فك الزمام قد ذكرت صحيحة وكان يمكن تمييز الأرض و معرفتها من وراء ذلك.(3).
الفرع الثالث:الغلط في الباعث.
نستخلص من الغلط في الباعث الذي أدى بالشخص إلى التعاقد بمجرد ما يكون هذا الباعث
خارج على محل العقد ، و الذي لا ياخد بالحسبان صفة الشيء محل العقد ولا صفة الشخص. في حالة العكس نكون بصدد غلط إما بمادة الشيء أو شخص المتعاقد المؤدي إلى إبطال العقد، و المثال المساعد على فهم ذلك والتي يكون فيها قيام شخص بشراء سيارة متوقعا انه سيعمل بها و نفرض انه بعد مرور مدة اكتشف ان السيارة بها عيب او عطل يجعلها غير صالحة للاستعمال ،فله أن يبطل العقد في الباعث (4).
1 ـ رمضان أبو السعود، مصادر الالتزام، الطبعة 2، دار الجامعة الجديدة، مصر،2003 ،ص111
2 ـ عبد المنعم فرج الصدة،نفس المرجع،ص 238
3ـ عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،مصادر الالتزام ،المجلد الأول ، الطبعة الثانية،منشورات الحلبي الحقوقية، 2000 ، لبنان،ص 246
4-F.Terrè, Droit civil, les obligations,6e édition, Précis Dalloz ,France,1996,p179.
يعتبر الغلط في الباعث الدافع المؤدي إلى قابلية العقد للإبطال مادام المتعاقد لو لم يقع في هذا الغلط
ما ابرم العقد ، و مقتضى هذا إن الغلط في السبب منظورا إليه بالمعنى الحديث يؤدي إلى القابلية للإبطال ، و كان يقال قديما أن الغلط في السبب منظورا إليه بالمعنى التقليدية يؤدي إلى البطلان المطلق(1). و هذا الجزاء لا يترتب عند مخالفة قاعدة من قواعد السبب إلا إذا انطوت هذه المخالفة على مساس بوجود العقد وبالنظام العام و الآداب العامة.
الفرع الرابع: الغلط في القيمة.
و هنا نطبق المعيار الذاتي كغيره من الحالات ، فإذا وقع غلط جوهري في قيمة الشيء محل الالتزام بان يكون هو الدافع الى التعاقد ، فانه يعيب الإرادة فيجعل العقد قابلا للإبطال و من المقبول
إجماعا إن الغلط في القيمة لا يمكن ان يكون سببا للبطلان ذلك بانه يختلط مع الغبن ، فالغلط في القيمة أو الغبن يحددان بالفعل وضعا وحيدا ينظرا ليه في تفسيره النفساني او الموضوعي .فالثمن يناظر تقديما غير صحيح للموضوع و بذلك لا يتوافق مع القيمة الحقيقية لهذا الموضوع(2).و مثال الغلط في القيمة كان يبيع شخص سهما بقيمته الفعلية و هو يجهل ان هذا السهم قد ربح جائزة كبيرة ،إذن يكون له حينئذ ان يطلب بالإبطال.
لهذا السبب ذهب البعض إلى ان المقصود بالغلط في القيمة الذي يعيب الإرادة هو مجرد الغلط في تقدير قيمة الشيء ، أما إذا كان الغلط في القيمة راجعا إلى غلط في وصف جوهري في الشيء جاز فسخ العقد على هذا الأساس أو بتعبير القانون الأردني و الفقه الإسلامي بفوات الفرصة كما لو باع شخص قطعة أثرية و هو يجهل ذلك بثمن بخس لا يتناسب مع قيمتها (3).
1ـ جمال جمال سليمان،النظرية العامة للالتزام في القانون الجزائري ،الطبعة5 ،ديوان المطبوعات الجامعية ،2003 ،ص58
2 ـ جاك غستان، المطول في القانون المدني ،تكوين العقد،الطبعة 2 ،موفم للنشر،الجزائر،2005 ، ص 533
3ـ بودالي محمد،عيبا الغلط و التدليس في القوانين العضوية و الفقه الإسلامي،الجامعة الأردنية،1989
ص61
المطلب الثاني: اتصال الغلط بالطرف الأخر.
لقد دار جدال حول مسالة ما اذا كان من الواجب علم المتعاقد الأخر بالوصف الذي أعطاه الشخص الذي وقع في الغلط للشيء او الشخص و أن يعلم أن هذا الوصف كان دافعه للتعاقد اي هل يجب أن يكون الغلط معلوم ؟ وهذا ما اتخذته محكمة النقد الفرنسية إلى التأكيد على ضرورة حدوث نلك أي الغلط المعلوم و الذي يعرف بالغلط المشترك و هي من المسائل التي تثير ها نظرية الغلط التي تقود غالى التوفيق بين مصلحة المتعاقد الواقع في الغلط و مصلحة الطرف الأخر في العقد.
الفرع الأول: الغلط المشترك.
نصت المادة 120 من القانون المدني المصري( إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد إذا كان المتعاقد الأخر قد وقع مثله في هذا الغلط أو كان على علم بهي او كان من السهل عليه أن يتبنينه )(1) . و من خلالها يلاحظ أنه يجب أن يكون الغلط مشترك بين الأطراف و ذلك يهدف الى استقرار المعاملات و حتى لا يكون فيه من تفاجئ للمتعاقد بطلب الإبطال لغلط لا يعلم عنه أي شيء. بالإضافة الى حماية الطرف الذي يكون بعيدا عن الغلط بالإضافة الى تمكين الواقع في الغلط من التحلل من العقد و ذلك لمبدأ سلطان الإرادة الذي يرفض إلزام العقد بناء على إرادة معينة .
كما قال القضاء الفرنسي أن الغلط المشترك ما هو الا علم أحد المتعاقدين بالطابع الجوهري في الرضا الذي وقع المتعاقد بشأنه في الغلط ، و قد أسست المحاكم الإبطال عادة على أن الأسباب التي دفعت الشخص الواقع في الغلط الى التعاقد كانت معلومة من الطرف الأخر و قد أيد بعض هدا النظر بقوله أن الغلط لا يؤخذ بعين الاعتبار إلا (J.Ghestin) الفقهاء ذلك على رأسهم الأستاذ
اذا وقع على وصف متفق عليه (2)، و مثاله شراء شخص لصورة معتقد أنها من رسم فنان مشهور ثم تبين انها ليست كذلك ، فلا يستطيع أن يطلب الإبطال للغلط الا اذا كان البائع يعتقد أيضا أنها من رسم هذا الفنان.
1 ـ عبد المنعم فرج الصدة،نفس المرجع، ص 245
2 ـ بودالي محمد ، نفس المرجع ، ص79
الفرع الثاني:الغلط الفردي
الغلط الفردي يكون اذا علم المتعاقد الآخر بالغلط الذي وقع فيه المتعاقد الأول اذا عيبت ارادة واحدة للتراضي في هذه الحال فلا بأس بالتضحية بالمتعاقد الآخر حفاظا على استقرار المعاملات ، حيث يكون وجوب التعويض بالإبقاء على العقد . على ذلك يكون حق المشتري طلب إبطال البيع الخاص بالتحفة الأثرية اذا كان المتعاقد الآخر يعلم بأنها ليست كذلك ومع هذا لم ينبه المشتري الى ذلك و تركه يبرم العقد(1) . ولا يستقيم هذا التعليل الا اذا كان المتعاقد الآخر لا علم له بالغلط و ليس من السهل عليه أن يتبين هاما اذا كان عالما بالغلط و أنه هو الدافع الى التعاقد فلا حق له في الشكوى من ابطال العقد لابه سيئ النية ،و اذا لم يكن عالما بالغلط ولكن كان من السهل عليه أن يتبينه و أنه هو الدافع الى التعاقد فلا حق له كذلك من ابطال العقد لانه يكون مقصراً (2) .
الفرع الثالث:الغلط و حسن النية
اذا وقع المتعاقد في غلط جوهري و كان المتعاقد الآخر يعلم أو يستطيع أن يعلم بوقوعه في الغلط ثبت له الحق في التمسك بإبطال العقد و هذا الحق كغيره من الحقوق يخضع للرقابة فلا يجوز التعسف في استعماله.
كما أشار المشرع المصري في القانون المدني و ذلك في المادة 124 1: (ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقتضي به حسن النية). فيعد هذا النص تطبيقا من تطبيقات نظرية عدم جواز التعسف في استعمال الحق، و بناء على ذلك لا يجوز التمسك بالإبطال اذا كان من شأنه تحقيق مصلحة غير مشروعة (3)، و مثال ذلك لو أن قبل حوالة حق لم يحن موعد استحقاقها لاعتقاده أنه مضمون برهن ، ثم تبين له أن المنزل المرهون كان قد احترق ، فعرض عليه المحيل أن يرتب رهنا على عقار له ضمانا للوفاء بالحق المحال ، فان هذا الشخص لا يجاب لطلب الإبطال لان هذا الطلب يتعارض مع ما يقتضي به حسن النية.
1 ـ رمضان أبو السعود،نفس المرجع،ص118
2 ـ عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،مصادر الالتزام ،المجلد الأول ، الطبعة الثانية،منشورات الحلبي الحقوقية، 2000 ، لبنان،ص260
3 ـرمضان أبو السعود، نفس المرجع،ص120
الفرع الرابع:موقف المشرع الجزائري (1)
الملاحظ أن المشرع الجزائري لم يورد نصا في هذا الشأن على عكس ما قدمه المشرع المصري و هو ما يعد تقصيرا في التقنين الجزائري و الواضح أن سكوت المشرع عند النصوص الحالية لا يسعف في شيء ،فيس من السهل إثبات توافر الغلط المشترك ، فمن الصعب مثلا أن نثبت أن (زيد) و هو المتعاقد الواقع في الغلط قد أخد بعين الاعتبار هذا الوصف أو ذاك على أنه جوهري ،و لا يقل عن ذلك صعوبة إثبات (عمر) و هو المتعاقد الثاني كان يعلم أنه كذلك، فإذا لم يتوصل الطرفان إلى تفاهم فإننا لا يمكن أن نجزم ببرهان لتحديد هذه النقطة إلا بوضع قرينة واقعية تقوم على الوصف المأخوذ بعين الاعتبار و الظروف اللابسة لإبرام العقد.
المطلب الثالث:آثار الغلط الجوهري
الغلط كعيب في الرضا يؤدي إلى ظهور أثار على العقد فقد يكون العقد باطلا كما قد يكون قابل للإبطال غير أنه يترتب على الأول و على الثاني بعد تقرير بطلانه أثر واحد هو زوال العقد ، و لكن قبل تقرير ذلك وجب إثبات الغلط الواقع.
الفرع الأول:إثبات الغلط.
يعد الغلط واقعة قانونية ،و كغيره من الوقائع القانونية فانه يتم إثباته بجميع طرق الإثبات خاصة القرائن،على سبيل المثال غلاء الثمن للشيء المبيع يسمح بافتراض أن المشتري قد اقتنى لوحة لفنان مشهور و ليست نسخة(2). و يعتبر شرط الإثبات من شروط الإبطال للغلط، فلم يتطرق المشرع اليه في مواد بل تركه ليستخلص من المبادئ العامة للإثبات و الشخص الضحية هو الذي يدعي بابطال العقد كما أن القواعد العامة تضع على عاتقه عبء الإثبات ، اذ هو صاحب المصلحة في التحرر من الإلتزام الباطل و عليه أن يثبت الواقعة التي تسمح له بذلك و يجب عليه اثبات أ برهان مايلي:
أولا: أن رضاه كان محددا بعلم مؤكد و ثانيا: أن الطرف الآخر علم أو وجب علة أن يعلم و ثالثا:أن هذا العلم كان مخالفا للحقيقة(3).
1 ـ أنظر بودالي محمد،نفس المرجع،ص85
ـ 2F.Chabas, op.cit, p173.
3- M.Planiol et G.Ripert, Traité Pratique de Droit Civil Français, 2e édition, Tome VI, Librairie Générale de droit et Jurisprudence, France, 1952, p225.
و بحسب القانون المدني الجزائري فان المتعاقد ضحية الغلط مكلف بإثبات :
أولا: أن الغلط الذي وقع فيه جوهري أي أنه جسيم، و ذلك بإثبات أنه علق رضاه على الوصف الجوهري لهذا العنصر، و الذي لم يوجد في الواقع و لكن وجوده المفترض كان دافعه للتعاقد.
ثانيا: أن يثبت المتعاقد أن هذا الغلط كان دافعه للتعاقد. إلا أن مسألة إثبات الغلط تعد صعبة المنال ما دام الإثبات ينصب على أمر نفسي و ليس مادي.
الفرع الثاني:البطلان النسبي.
لقد قدم المشرع الجزائري للمتعاقد الواقع ضحية الغلط الجوهري الحق في إبطال العقد للغلط و ذلك ما جاءت به المادة 81 من القانون المدني و التي نصت علىيجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله).
كذلك ما ورد في المادة 99 من نفس التقنين إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد،فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق) حيث أن القانون أعطى الحق بحماية الشخص الذي وقع في الغلط أين يملك الحق في طلب الإبطال خصوصا أن المتعاقد الأخر لا يستطيع أن يتمسك بالغلط الذي وقع فيه المتعاقد معه من اجل الحصول على إبطال العقد للغلط.(1).
الغلط الجوهري و الغلط في القانون
الفرع الثالث:حق التعويض.
انقسم الفقه حول مسألة استحقاق التعويض عن الغلط ،مما أدى إلى ظهور عدة آراء ، فمنهم من قال بأن حق الشخص الواقع في الغلط يقتصر على طلب الإبطال و أنه ليس له الحق في التعويض و اشترط البعض للحكم بالتعويض توافر خداع الطرف الآخر ليبرر الحكم بالتعويض و ذلك تأسيسا لسوء النية ، أما الرأي الأخير فجمع بين إمكانية الحكم بالتعويض و الحكم بالإبطال و هو الرأي الراجح.
فضلا عن الإبطال الكلي أو الجزئي يسمح للضحية الحصول على التعويض اذا كان هذا الإبطال
1ـ بودالي محمد،نفس المرجع،ص80
نتج عن ضرر( تفويت الفرصة أو ربح…) بشرط إثبات الخطأ من الطرف الأخر (1). أي يقوم الحكم بالتعويض على أساس المادة 1382 من القانون الفرنسي الخاص بالمسؤولية عن الفعل الضار.
الفرع الرابع: تقادم دعوى الإبطال.
يرى بعض الُشراح أن دعوى الإبطال لا تخضع لمدة معينة مثلما هو الأمر بالنسبة لدعوى ضمان العيوب الخفية إلا أن هذا الرأي انتقد على أساس أن تقادم دعوى الإبطال للغلط أمر يقتضي استقرار المعاملات . حيث أن المادة 1304 مدني فرنسي نصت على أن تقادم دعوى الإبطال للغلط بعشر سنوات إلا إذا نص القانون على تقادمها لأخل أقل من ذلك على أساس أن تبدأ هذه المدة من يوم اكتشاف الغلط و قد وضعت المادة 101 مدني جزائري طريقة حسابية مزدوجة لتقادم التصرفات التي تشوبها عيوب الرضا إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك (2)،و المدة المعينة للتقادم هي عشر سنوات تسري من اليوم الذي يكتشف فيه الغلط.
1-M.planiol et G.Ripert, op.cit., p227
2 ـ بودالي محمد ،نفس المرجع،ص93
المبحث الثاني:الغلط في القانون
رأينا سابقا أن القانون الروماني لم يكن يعترف بالغلط في القانون لأنه غلط غير مغتفر في نظره وهو نفس المبدأ الذي تبناه القانون الفرنسي القديم ،حتى جاء الفقيه دوما فاقر وجوده مادام السبب الوحيد في التعاقد ، فيصبح العقد قائما على سبب غير صحيح و منذ ذلك الحين أصبح الغلط في القانون كالغلط في الواقع من شانه أن يبطل العقد (فلا يجوز الاعتراض على هذا )، و هو ما جاء به القضاء فلا يجوز الاعتراض عليه و الاحتجاج بالقاعدة :« لا يعذر احد بجهل القانون » ، لان تطبيق هذه القاعدة لا يكون إلا بالنسبة للقوانين المتعلقة بالنظام العام التي يلتزم بها جميع الأشخاص(1).
المطلب الأول : الغلط في الواقع و الغلط في القانون:
الغـــــلط في الواقع ينصب على ظرف من ظروف التعاقد كمادة الشئ محل العقد و كشخصية المتعاقد، ويكون الغلط في القانون توهم قاعدة قانونية على خلاف حقيقتها ، ومثال ذلك كموت امرأة دون أولاد فيعتقد زوجها أن القانون يفرض له الربع في تركتها و يبيع حصته فيها مدفوعا بهذا الاعتقاد وهو خاطئ ،لان القانون يفرض له نصف التركة .(2) كـــــــذلك في فرنسا أين أجازت المحاكم الغلط في القانون بمناسبة التنازل عن حقه في الميراث، و للغلط في القانون نفس مجال و شروط الغلط في الواقع ، ونشير إلى انه لا يجب أن يقع الغلط في القانون على مسالة ثار حولها الجدل لان الشك في التفسير يخلق مخاطرة تمنع الأخذ بالغلط كعيب من عيوب الرضا فقد نصت محكمة النقض المصرية بهذا انه « لا يجوز الاحتجاج على فساد الرضا التمسك بأنه بني على حصول غلط في القانون ، إلا إذا كان الغلط قد وقع في حكم منصوص عليه صراحة في القانون أو مبهم عليه من القضاء »(3).
الفرع الأول : التمييز بين الغلط في الواقع و الغلط في القانون
الغـــــلط في القانون له نفس المجال و الشروط الغلط في الواقع، وذلك من خلال:
* يجب أن يكون جوهريا : اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن الغلط المحمول على نتائج قانونية لا اتفاقية ، أي بمعنى الالتزامات التي تنشا لأحد الأطراف لا تكون جوهرية
* من جهة أخرى لا يجب أن يكون الغلط يوصل إلى مستوى يعترض القانون لأنه عدم التأكد من التفسير يخلق احتمال يمنع من اعتبار الغلط من عيوب الرضا . (4).
1 )انظر بودالي محمد ، نفس المرجع ، ص 36
2 ) انظر صبري السعدي ، نفس المرجع ، ص 174
3 ) انظر بودالي محمد ، نفس المرجع ، ص39
4) F . chabas op. cit .p172
بالإضافة أن الغلط في القانون كذلك لا يستبعد مبدأ حسن النية و آثاره القانونية و ما يعد لبطلان العقد كما هو الحال في الغلط في الواقع.(1) و لكن حتى تؤدي إلى الإبطال أن تتحد وتجتمع مع نفس الشروط لهذا الأخير.
فــــالقاعدة إذن أن الغلط في القانون حكمه حكم الغلط في الواقع، فهو يجعل العقد قابلا للإبطال إذا كان جوهريا بحيث دفع إلى التعاقد و ذلك على تفصيل ما ذكرناه سابقا ، و هذا مالم يقض القانون بغيره ،و هو ما نصت عليه المادة 122 من القانون المدني المصري .
الفرع الثاني: موقف المشرع الجزائري :
ونلاحـــــــــظ بالنسبة للمشرع الجزائري انه اخذ بفكرة الغلط في القانون، وذلك من خلال المادة 83من القانون المدني الجزائري: « يكون الغلط قابلا للإبطال الغلط في القانون إذا توافرت شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين 81 – 82 ما لم ينص القانون على غير ذلك ».
إلا أن البعض تساءل فيما إذا لم تكن هذه المادة في تناقض مع المادة التي جاءت صريحة بمنع الاعتذار بجهل القانون وذلك في المادة 84 فقرة 2 من الدستور الجزائري لعام 1989 و التي تقصد بشكل بسيط أولئك الذين يبتغون التهرب من تطبيق قواعد القانون الآمرة و بشكل خاص في القانون الجنائي، مما يؤدي إلى تعريض النظام الاجتماعي للخطر.
المطلب الثاني: مدى عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
وحتى ندرس ذلك يجب أن نناقش مسالتين: نطاق القاعدة من حيث مصدر القواعد القانونية و بالإضافة إلى نطاق المبدأ بالنسبة للقواعد الآمرة و المكملة.
فمن حيث مصدر القواعد القانونية فهي قد تتغير ، فقد تكون قواعد من التشريع ، العرف أو من الدين ، ومنه فلا يجوز الاحتجاج بجهلها ، فبالنسبة للتشريع فهو ينشر في الجريدة الرسمية و يصبح نافدا بوصوله إلى المكان المعين أين يصبح في متناول الجميع وهذا ما جاء في المادة 84 فقرة 1 من دستور 86 الجزائري ، والتي تعتبر مجرد حيلة قانونية لان الجميع يعلم انه يستحيل في الواقع معرفة كل القانون (2) ، أما بالنسبة للقواعد الآمرة و معها المكملة فهذا سنتناوله في فرع خاص في هذا البحث .
ـ 1M . lanid et G .Ripert. Op. cit. p 215
2ـ انظر بودالي محمد ، نفس المرجع ، ص 38
الفرع الأول: الاستثناء من القاعدة
لكـــــــل قاعدة استثناء و استثناء هذا المبدأ يكمن في كون المشرع لا يكلف بالمستحيل، كحدوث قوة قاهرة حالت دون وصول الجريدة الرسمية إلى منطقة أو إقليم معين في الدولة نتيجة احتلال العدو لمنطقة ما أو نشوء حرب أو وقوع زلزال و غيرها من الظروف التي يستحيل معها علم الأفراد بالتشريع و يكون ذلك العذر جائر إلى حين زوال السبب
كذلك بالنسبة لجهل الأجنبي بأحكام تقنين العقوبات للدولة التي نزل بها منذ مدة وجيزة أين يصبح على علم أو يفترض فيه العلم بالقانون منذ يومه الثالث من تاريخ و صوله للبلد، بحيث إذا ارتكب أي جرم أو مخالفة لا يعد ممن يعتذر بجهل القانون
كذلك بالنسبة للجهل بتشريع غير جنائي يتوقف عليه تقرير المسؤولية الجنائية كما جاء في المادة 223من قانون العقوبات اللبناني : « لا يمكن لأحد أن يحتج بجهله الشريعة الجزائية أو تأويله إياها تأويلا مغلوطا فيه ، غير انه يعد مانعا للعقاب
1– الجهل أو الغلط الواقع على شريعة مدنية أو إدارية يتوقف عليها فرض العقوبة » (1)
الفرع الثاني: القواعد الآمرة و المكملة
و بتســـــــاؤلنا ما إذا كان الاعتذار بجهل القانون على القواعد الآمرة يصح ، فأصحاب هذا الرأي يرون انه يجوز الاتفاق على مخالفتها و استبعاد ما تقضي به بما فيها من أحكام قانونية تعتبر من النظام العام أين يصبح عدم تطبيقها إذا أفسح المجال للاعتذار بها.(2)
أمــــــا بالنسبة للقواعد المكملة فتأخذ نفس حكم القواعد الآمرة، لأنها قواعد قانونية يتوفر فيها عنصر الجزاء و الإلزام ، بالإضافة إلى أن القول بإباحتها لا يستقيم مع طبيعتها من كونها لا تطبق إلا
في حالة سكوت المتعاقدين عن استبعادها ،فقد يكون سكوتهما راجعا إلى جهلهما بها ومع ذلك لا يقبل منهما الإفلات من حكمها بحجة هذا الجهل لأنه يتحقق شرط تطبيق القاعدة بالسكوت ، و منه إذ تم استبعاد القاعدة من الاعتذار بجهلها لأدى ذلك إلى نتيجة غير مقبولة تتمثل في فراغ ما وجدت هذه القاعدة لسده . (2)
1ـ انظر محمد سعيد جعفور ، مدخل إلى العلوم القانونية ، دار هومة ، الجزائر ، 2004 ، ص226
2ـ انظرمحمد جعفور ، نفس المرجع ، ص222
الفرع الثالث : إبطال العقد لغلط في القانون
ومضــــمون هذا الاستثناء هوان بعض الفقهاء أن تمكين القانون المتعاقد الواقع في غلط في القانون من إبطال العقد، يعتبر خروجا على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون ، فاعتبروا الحماية التي ينبغيها القانون لهذا المتعاقد حينئذ منطوية على استثناء هذا المبدأ و عدم التسليم بهذا الاستثناء لان إبطال العقد لغلط في القانون ليس فيه خروج على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل في القانون ، بل هو وسيلة لتدعيمه فمن يطلب إبطال العقد لوقوعه في الفانون لا يقصد التهرب من أحكام القانون التي وقع الغلط فيها ، بل انه في الحقيقة يطالب بتطبيق هذه الأحكام، فالوارث الذي يجهل قواعد الميراث و يقع في غلط في قدر الحصة التي تفرضها له ، ثم يطالب بإبطال عقد البيع الذي ابرمه تحت تأثير هذا الغلط ، لا يمنع الحكم له بالإبطال من خضوعه لقواعد الميراث التي كان يجهلها ، بل تظل سارية في حقه فيحصل على نصف التركة لا ربعها .(1)
المطلب الثالث : الغلط في القانون في الفقه الإسلامي و النظام الانجليزي
يخـــــــــتلف الغلط بصورة عامة من مجتمع لآخر أو بالأحرى من تقنين لدولة معينة عن الأخرى فلكل كيفية تقديره و لكل معايره الخاصة التي يعتمد عليها في تقديره لذلك، سنتطرق إلى كل من الفقه الإسلامي و رؤيته للغلط ، والفقه الانجليزي خاصة في الجانب القضائي
الفرع الأول : الغلط في القانون في الفقه الإسلامي (2)
أولا أن البحث عن الغلط في الفقه الإسلامي يتوجب الاستفهام فيما إذا كان يوجد نظرية الغلط فيه ، في الواقع ظهر اتجاهين في ذلك فجهة أيدوا وجودها ،في حين ذهب البعض إلى إنكار نظرية الغلط في الفقه الإسلامي
فبــــالنسبة للمؤيدين فقد تطرقوا لعدة نقاط نذكر منها: بالنسبة للغلط في الشخص فهو لا يؤثر في العقد إلا إذا كان الشخص محل اعتبار و هو موجود في الفقه الإسلامي كما هو موجود في الفقه الغربي، حيث إذا وقع ذلك الغلط في ذاتية الشخص أو في صفة جوهرية فيه فانه يكون للطرف الآخر الذي وقع في الغلط حق الفسخ كما هو الحال في عقد الزواج
1ـ انظر محمد جعفور ، نفس المرجع ، ص 226
2ـ انظر بودالي محمد ، نفس المرجع ،ص 100
كــــــذلك بالنسبة للغلط في جنس الشئ و ذلك باعتقاد احد المتعاقدين الشئ المتعاقد عليه من جنس معين فإذا به من جنس آخر كبيع ماسة فإذا به زجاج ، فيكون هذا الاختلاف في الجنس وهو ما يمنع بانعقاد العقد ، وبالتالي بطلان العقد
كما أن الفقه الإسلامي لم يتعرض إلى الغلط في القيمة إلا عن طريق الغبن و أن اغلب المذاهب لا تعتد بالغبن و لو كان فاحشا إلا إذا صاحبه تدليس ، وهو بذلك يضحي باحترام الإرادة في سبيل استقرار التعامل وهو نفس الشئ بالنسبة لأكثر القوانين الغربية
أمــــــــا بالنسبة إلى الرأي المعارض لنظرية الغلط في الفقه الإسلامي ، فرأوا أن الفقهاء المسلمين لم يتناولوا الغلط باعتباره عيبا يشوب الرضا ، بل باعتباره أمرا نفسيا تلقائيا لا يتماشى مع ما يسود الشريعة الإسلامية من نزعة موضوعية ، فبالنسبة إلى الاختلاف في الشخصية فان ثبوت خيار الفسخ يرجع إلى اعتبارات أخرى تختلف باختلاف كل حالة ، فبالنسبة للزواج فان خيار الفسخ عند انتفاء الكفاءة لا يعود إلى فكرة الغلط ،و إنما إلى ضرورة حماية المرأة من زواجها من رجل لا يساويها كفاءة ، و تطرقوا كذلك بالنسبة إلى اختلاف الجنس، فهنا لم يلجا فقهاء المسلمون إلى فكرة الغلط المانع لإبطال العقد أي لم يلجا إلى التراضي للوصول إلى انعدامه كما هو الحال في القانون المعاصر ، ولكنهم أبطلوا العقد تأسيسا على انعدام محل الالتزام مرتكزين على أن في حالة اختلاف الجنس، فان العقد لا ينعقد أصلا لان العاقد قد قصد شيئا في حين هذا الشئ غير موجود في الحقيقة .
أمـــــــــا بالنسبة للغلط في القيمة فهو يقع غير مؤثر في الفقه الإسلامي ، فالذي يهتم به الفقه هو الغبن بل انه كأصل عام لا يهتم بالغبن المجرد ، و إنما يتطلب أن يجيئ هذا الغبن وليد التدليس .
الفرع الثاني :الغلط في القانون في النظام الانجليزي
قــــــام النظام الانجليزي أو النظام الانجلو ساكسوني في معالجته إلى الغلط و غيره من المسائل القانونية على مستويين و هما :على مستوى قواعد القانون العمومي و الأخرى على مستوى قواعد العدالة ، حيث تثور مسالة الغلط في النظام الانجليزي إذا ما دخل في العقد احد المتعاقدين أو كلاهما على اثر سوء تفاهم أو عدم فهم ، فيطرح التساؤل إلى أي مدى يسمح فيه بالقول بان العقد ناقص أو معيب على أساس أن المتعاقدين لو علما بحقيقة الوقائع ما كان ليبرما العقد؟ . فمن أثار الغلط في القانون العمومي انه يجعل العقد باطلا .
غــــــــــير أن هذه القاعدة ليست مطلقة لعدم ملائمتها مصالح التجارة ، حيث يتم السماح بتنفيذ العقود الظاهرة ،(1) أما في قواعد العدالة فان للغلط مفهوم أوسع غير أن اثر اقل قسوى.
1ـ انظر بودالي محمد ، نفس المرجع ، ص100
إن الجزاء الذي رتبته المحاكم على الغلط يتراوح مابين البطلان في الغالب و القابلية الإبطال الذي تمارسه محاكم العدالة عن طريق طرق العلاج التي استعملتها كالتصحيح و الإلغاء و رفض التنفيذ ومن تم تمتعها بسلطة تقديرية واسعة في فرض الجزاء.
و فـــــي الأخــــــير نستخلص انه نصت المادة 81 من القانون المدني الجزائري على انه:« يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب
إبطاله »، ونصت المادة 82 أيضا على انه:«يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة، بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد و لو لم يقع في هذا الغلط ».
ومــــــن خلال المواد السابقة نجد أن المشرع الجزائري قد تبنى النظرية الحديثة في الغلط بحيث اخذ بمعيار الغلط الجوهري الدافع إلى التعاقد، وبالتالي حتى يكون فيه الإبطال وجب توافر كل من كون الغلط جوهريا و أن يتصل بالمتعاقد الطرف الأخر بالغلط.
وبتــــــــطرقنا إلى الفقه الإسلامي و النظام الانجليزي ، فالملاحظ عن هذا الأخير انه لا توجد نظرية عامة و متكاملة لفكرة الغلط كما هو الحال في النظام اللاتيني ، وهي في هذا يقترب من فكرة الغلط في الفقه الإسلامي التي وجدت متناثرة في الكتب دون أن تلم كل تلك الاجتهادات في نظرية موحدة.
قائمة المراجع:
*المراجع بالغة العربية
1ـ القانون 05 ـ 10 المؤرخ في 20 يونيو 2005 ،الخاص بالقانون المدني، منشورات بيرتي،الجزائر ، 2008/2009
2ـ بودالي محمد،عيبا الغلط و التدليس في القوانين العضوية و الفقه الإسلامي،الجامعة الأردنية، الأردن ،1989 .
3ـ جاك غستان،المطول في القانون المدني،تكوين العقد،الطبعة الأولى،المؤسسة الجامعية للنشر و التوزيع ، لبنان 2000
ـ4ـ رمضان أبو السعود،مصادر الإلتزام،الطبعة الثالثة،دار الجامعة الجديدة للنشر و التوزيع ، مصر ، 2003
5ـ صبري السعدي،الواضح في شرح القانون المدني الجزائري،النظرية العامة للإلتزام،الطبعة الرابعة،دار الهدى،الجزائر،2007/2008
6ـ عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد،مصادر الإلتزام،المجلد الأول،الطبعة الثانية،منشورات الحلبي الحقوقية،لبنان،2000
7ـ عبد المنعم فرج الصده،نظرية العقد قي البلاد العربية و الفقه الإسلامي،دار النهضة العربية للطباعة و النشر،لبنان،1984
8ـ علي علي سليمان،النظرية العامة للإلتزام في القانون المدني الجزائري،مصادر الللإلتزام، الطبعة الخامسة ،ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر،2003
*المراجع بالغة الفرنسية:
-9François Chabas , Leçons de droit civil,9eme édition Tome II, Premier volume , Montchrestien ,France.
-10François Terré ,Droit civil ,les obligations,6eme édition, Précis ,Dalloz,1996 , France.
-11Marcel Planiol et G.Ripert, Traité pratique de droit civil Français, 2eme édition, Tome VI, Librairie générale de droit et de jurisprudence, 1952, France.
الفهرس
الغلط الجوهري و الغلط في القانون
المقدمة
المبحث الأول: الغلط الجوهري
• المطلب الأول: صور الغلط.
الفرع الأول: الغلط في مادة الشيء
الفرع الثاني: الغلط في الشخص
الفرع الثالث: الغلط في الباعث
الفرع الرابع: الغلط في القيمة
المطلب الثاني: اتصال الغلط بالطرف الأخر
الفرع الأول: الغلط الفردي
الفرع الثاني: الغلط المشترك
الفرع الثالث: الغلط و حسن النية
الفرع الرابع: موقف المشرع الجزائري
المطلب الثالث: آثار الغلط الجوهري
الفرع الأول: إثبات الغلط
الفرع الثاني: البطلان النسبي
• الفرع الثالث:تقادم دعوى الإبطال
الفرع الرابع: حق التعويض
المبحث الثاني: الغلط في القانون.
المطلب الأول:الغلط في الواقع و الغلط في القانون
الفرع الأول: التمييز بينهما
الفرع الثاني: موقف المشرع الجزائري
المطلب الثاني: مدى عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
الفرع الأول: الاستثناء من القاعدة
الفرع الثاني:القواعد الآمرة
الفرع الثالث: إبطال العقد لغلط في القانون
المطلب الثالث: الغلط في القانون في الفقه الإسلامي و القضاء الانجليزي
الفرع الأول:الغلط في الفقه الإسلامي
الفرع الثاني: الغلط في القضاء الانجليزي
• الخاتمة
قائمة المراجع
الفهرس
بحث قانوني كبير حول الغلط الجوهري و الغلط في القانون
ممكن معرفة مصدر ومراجع هذه الملعومات