نظام الحزب القائد :
يتسم هذا النظام بوجود عدة احزاب سياسية في الدولة متقاربة مع بعضها في المبادئ والاهداف ومتفقة على التعاون في ادارة شؤون الحكم تحت قيادة أقواها(1). وتتحقق الاولوية للحزب القائد لأنه يمتاز بأسبقية واضحة على منافسيه، فضلا عن ان مبادئه تمثل التجسيد الحقيقي لآمال وطموحات الجماهير(2).وقد ظهر هذا النظام بعد الحرب العالمية الاولى ، وتحديدا في اواخر عام 1917، بعد الاتفاق الذي تم بين كل من حزب العمال الاشتراكي الروسي –الذي اطلق عليه عام 1918 (الحزب الشيوعي الروسي)- والاشتراكيين الثوريين، وبعض الاحزاب البرجوازية للتعاون في ادارة شؤون الدولة، غير ان هذا الاتفاق لم يدم طويلا، ففي عام 1920 اعلن عن الغاء جميع الاحزاب السياسية ، وتبني نظام الحزب الواحد ممثلا بالحزب الشيوعي الروسي(3).ويجدر بنا في هذا الموضوع ان نميز بين كل من نظام الحزب الواحد، ونظام الحزب القائد، فبينما يحتكر الحزب الواحد العمل السياسي ولا يسمح بقيام احزاب الى جانبه ، نجد ان الحزب القائد لا يلغي وجود الاحزاب الاخرى بل يحاول التعاون معها والاتفاق على المسائل الجوهرية التي تهم افراد المجتمع كافة (4). فضلا عن ان الاخذ بنظام الحزب الواحد يضفي صفة الديكتاتورية على الحزب بسبب عزلة الحزب عن الجماهير وابتعاده عن اهدافها وطموحاتها، في حين يعد الحزب القائد نفسه جزءا من الجماهير بل هو طليعتها مما يضفي على الحزب طابع الانفتاح على الجماهير(5). وكثيرا ما كان اللجوء الى تطبيق نظام الحزب القائد وسيلة لفرض سيطرة احد الاحزاب على غيره او تصفية باقي الاحزاب او دمجها فيه للانتقال الى نظام الحزب الواحد ، وهذا ما حصل في كل من الصين ودول اوربا الشرقية التي اعتنقت الماركسية عقب الحرب العالمية الثانية(6).ولكي يتمكن الحزب القائد من ضمان استمراريته في الحكم يتعين ان تتوافر الثقة المتبادلة والرغبة الحقيقية للتعاون بينه وبين القوى السياسية المتحالفة(7). وتعد سوريا والعراق من الدول التي اخذت بنظام الحزب القائد، فبالنسبة لسوريا فقد مثل حزب البعث الحزب القائد فيها بعد التوقيع على ميثاق الجبهة الوطنية في 17/3/1972 من قبل ممثلي كل من حزب البعث والحزب الشيوعي السوري وحزب الاتحاد الاشتراكي العربي وحركة الاشتراكيين العرب(8) . وقد اشار الدستور السوري الصادر عام 1973 وبشكل صريح ، الى تبني نظام الحزب القائد حيث نصت م(8) منه على ان ((حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية ……)).
أما بالنسبة للعراق فان نظام الحزب القائد كان من الافكار التي بحثها واقرها حزب البعث في مؤتمره القومي السادس الذي انعقد عام 1963. وقد طبقت هذه الفكرة بشكل واقعي تمثل بصدور ميثاق العمل الوطني في 15/11/1971، الذي مهد لاعلان قيام ((الجبهة الوطنية والقومية التقدمية)) في 17/7/1973 عبر بيان مشترك اصدره حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي العراقي ، لتنضم اليها لاحقا الاحزاب الكردية ((الحزب الديمقراطي الكردستاني – الجناح التقدمي ، والحزب الثوري الكردستاني ، وحركة التقدميين الأكراد))(9) . واحتل حزب البعث المقبور موقعا متميزا في قيادة هذه الجبهة وهيئاتها مما اهله للقيام بدور الحزب القائد لباقي احزاب الجبهة الوطنية والقومية التقدمية(10) . وبصدور قانون الحزب القائد رقم (142) لسنة 1974 (11). فقد تجسد، من الناحية القانونية ، الاقرار لحزب البعث المقبور بدور الحزب القائد في العراق. وبعد الفراغ من بحث موضوع انواع النظم الحزبية ، وبيان كيفية نشأة كل نظام فضلا عن ايراد المزايا والانتقادات الموجهة الى كل منها، يمكننا القول بأنه لا يوجد ما يمكن تسميته بالنظام المثالي الصالح للتطبيق في كل مكان او زمان. وإن تبني أي نظام من النظم الحزبية لا يعتمد على تقليد تجارب الدول الاخرى، حتى وان كان ناجحاً فيها، لأن النظام الحزبي يتأثر بالعديد من العوامل ، لذلك ينبغي ان يكون النظام الحزبي ملائماً للبيئة السياسية والاجتماعية التي ينشأ فيها، وان يمثل التعبير الحقيقي لواقع التنظيمات السياسية الموجودة في الدولة. وان يكون اختيار هذا النظام الحزبي او ذاك من نتاج الارادة الشعبية الحرة سواء اكان ذلك عبر تدرج زمني يمتد من الماضي ويستقر في اذهان الجماعة السياسية فيصبح النظام الأفضل والأكثر ملاءمة لواقعها وظروفها ، ام يكون الاختيار بواسطة القنوات المعبرة عن ارادة الشعب وبأسلوب ديمقراطي كاللجوء الى المجلس النيابي ، ام اجراء استفتاء شعبي.
_________________________________
1- د. شمران حمادي، الاحزاب السياسية والنظم الحزبية، المصدر السابق، ص224.
2- موريس ديفرجيه، المصدر السابق، ص262.
3- د. شمران حمادي، المصدر نفسه ، ص227-228.
4- د. حسان محمد شفيق العاني، المصدر السابق، ص80.
5- د. صالح جواد الكاظم و د. علي غالب العاني، المصدر السابق، ص148.
6- ينظر: نص م (6) من الدستور البولوني الصادر عام 1952، ونص م(4) من الدستور التشيكوسلوفاكي الصادر عام 1960.
لمزيد من التفصيل ينظر: د. سليمان محمد الطحاوي: السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة، المصدر السابق، ص591.
7- د. شمران حمادي، الاحزاب السياسية والنظم الحزبية، المصدر السابق، ص231.
8- د. امين اسبر ، تطور النظم السياسية والدستورية في سوريا ، بيروت: دار النهار للنشر، 1979، ص42.
9- لمزيد من التفصيل ينظر: عواد عباس عبد الأمير، بنية النظام السياسي العراقي 1968-1989، اطروحة ماجستير ، كلية العلوم السياسية ، جامعة بغداد، 1991، ص53-59.
10- ميثاق العمل الوطني. منشورات وزارة الثقافة والاعلام، السلسلة الوثائقية (21)، بغداد: دار الحرية للطباعة، 1973، ص20.
11- الوقائع العراقية ، ع (2405)، السنة 17، 1974، ص6.
نظام الاحزاب المتعددة :
يستلزم هذا النظام وجود اكثر من حزبين سياسيين تتنافس فيما بينها، بحيث لا يستطيع أي منهما ان يتولى الحكم الا بالاشتراك مع الاحزاب الاخرى (1) .وقد ارتبط مصطلح (( التعددية ))(2).بظهور وانتشار المبادئ الديمقراطية ، فتعدد الاحزاب يساعد جمهور الناخبين على تكوين وتنظيم آرائهم السياسية ، فضلا عن صيانة حقوق وحريات الافراد من خلال منع الحكومات من الاستبداد بوجود معارضة تتزعمها احزاب منظمة(3) .ولعل كثرة التناقضات الايديولوجية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الواحد قد ساهم في تكوين احزاب سياسية جديدة فضلا عن انقسام كل من الاحزاب القائمة الى حزبين او اكثر بسبب اختلاف الاهداف او وجهات النظر المتعلقة بالقضايا السياسية(4).ولا يمكننا ان نغفل اثر النظام الانتخابي على هذا النظام الحزبي لان اعتماد طريقة التمثيل النسبي او طريقة الاغلبية المطلقة مع الاقتراع على دورين يؤدي الى تعدد الاحزاب، فطريقة التمثيل النسبي تكفل حصول كل حزب على مقاعد في البرلمان تتفق مع ما حاصل عليه من اصوات ، وهذا يضمن للاحزاب الصغيرة وجودها واستقلالها في مواجهة الاحزاب الكبيرة، كما تؤدي هذه الطريقة الى عدم ضياع صوت الناخب في حالة التصويت الى احد الاحزاب الصغيرة(5).وقد ساهم نظام التمثيل النسبي في (ايطاليا) بدور بارز في تعزيز التعددية الحزبية مما جعلها احدى ابرز الدول في هذا المضمار(6) .اما بالنسبة لطريقة الأغلبية المطلقة مع الاقتراع على دورين فان الاخذ بها يفضي الى تعدد الاحزاب ، لان اشتراط الاغلبية المطلقة يؤدي غالبا الى اعادة الانتخاب ، ففي الدور الاول يتقدم كل حزب لخوض الانتخابات بشكل مستقل وهذا يتيح له التعرف على مركزه في الدائرة الانتخابية، فاذا ما جاء الدور الثاني يتسنى لكل حزب ان يتحالف مع الاحزاب التي تماثله في الاهداف والمبادئ للظفر بالمقاعد المتبقية(7) .
ويعد الانتخاب بالاغلبية المطلقة النظام المفضل في فرنسا ، حيث يتنافس مرشحو الاحزاب المختلفة على مقاعد الجمعية الوطنية في الدور الاول ، وقد اشترط قانون الانتخاب الصادر عام 1966 حصول المرشح على الاغلبية المطلقة على ان لا يقل عدد الاصوات التي يحصل عليها عن ربع الناخبين المسجلين في جداول الانتخاب فإن لم تحسم الانتخابات يصار الى اجراء جولة انتخابية ثانية(8) .ويمتاز نظام الاحزاب المتعددة بكونه يضمن التعبير الحقيقي عن ميول واهداف جميع الاتجاهات السياسية في الدولة من خلال فسح المجال امام جميع الاحزاب السياسية لشغل المقاعد في المجلس النيابي .ولكن هذه الميزة مثلت محور الانتقادات الموجهة الى هذا النظام. فتعذر حصول احد الاحزاب على الاغلبية المطلقة داخل البرلمان يؤدي الى ضعف الحكومة وعدم استقرارها مما يفضي الى قيام الحكومات الائتلافية التي سرعان ما تتفكك بسبب اختلاف اهداف الاحزاب المتحالفة(9) .وما يدل على صحة هذا الرأي كثرة الأزمات الوزارية في الدول التي تتبنى النظام البرلماني ، وتتعدد الاحزاب فيها ، اما بالنسبة للدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي فان مركز رئيس الدولة يزداد قوةً وتأثيراً في الميدان السياسي بمواجهة البرلمان الذي يكون مفككاً وضعيفاً بسبب توزيع مقاعده بين الاحزاب المختلفة(10) .
______________________________
1- د. شمران حمادي. النظم السياسية ، ط4 ، بغداد: مطبعة الارشاد، 1975، ص151.
2- لمزيد من التفصيل حول مفهوم التعددية ينظر: د. رياض عزيز هادي ، المصدر السابق، ص63-75.
3- د. عبد الحميد متولي. الوجيز في النظريات والانظمة السياسية، ط1، القاهرة: دار الفكر العربي ، 1959، ص602. كذلك : حسين جميل. حقوق الانسان في الوطن العربي، سلسلة الثقافة القومية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1986، ص77-79.
4- د. محمد كاظم المشهداني. النظم السياسية ، الموصل: مطابع دار الحكمة، 1991، ص234.
5- د. الشافعي ابو راس، المصدر السابق ، 267-268.
6- توجد في ايطاليا حاليا الاحزاب الآتية: الديمقراطي المسيحي، والشيوعي الايطالي، والحركة الاشتراكية الايطالية، والليبرالي، والجمهوري ، والاشتراكي الديمقراطي ، والاشتراكي ، والوحدة البروليتارية، والراديكالي. ينظر: د. نعمان احمد الخطيب، المصدر السابق ،ص485.
7- د. سليمان محمد الطماوي . النظم السياسية ، المصدر السابق ، ص263-264.
8- تنقسم الاحزاب السياسية الفرنسية الى محورين: اليمين ويضم حزب التجمع من اجل الجمهورية (الحزب الديغولي) ويتزعمه (جال شيراك) الرئيس الفرنسي الحالي والمنتخب عام 1995، وحزب الاتحاد الديمقراطي الفرنسي، بينما يمثل محور اليسار كل من الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي. ينظر: د. عبد الغني بسيوني عبد الله، المصدر السابق، ص317. كذلك: د. ابو اليزيد علي المتيت، المصدر السابق، ص124-128.
9- د. محمد كاظم المشهداني ، المصدر السابق، ص234.
10- د. الشافعي أبو راس، المصدر السابق، ص386.
المؤلف : ميثم حنظل شريف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري والقانوني للاحزاب السياسية في العراق
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
مقال يشرح نظام الحزب القائد ونظام الأحزاب المتعددة في القانون