دراسة وبحث قانوني عن فلسفة القانون
القسم الأول: الأفكار النظرية الأساسية في فلسفة القانون
يَذهب الفقهاء إلى أن هيغل هو من استخدم للمرة الأولى هذه العبارة “فلسفة القانون” في مؤلفه الشهير “غروندلينيان فلسفة القانون”. بالتأكيد المقصود هنا الاستخدام الأكاديمي والنظري للعبارة، أو الوضعي، لأن فلسفة القانون بالمعنى الواسع، أي بمعنى المتفكرات التي تدعونا إليها حول العلاقة بين القانون والفلسفة فهي غابرة القدم. يمكن القول إنه مذ نشأت الفلسفة كان هناك فلسفة قانون. من المستحيل تصور فلسفة دون أخيها القانون لأن أي موضوع تتناوله الفلسفة (منذ ما قبل الفرس واليونان والمصريين) لا بد أن يدعو إلى التفكير في القانون.
هكذا نحن أمام معنيين لفلسفة القانون: المعنى الوضعي، الحديث، الضيق، والأكاديمي والمعنى الواسع، القديم، العام.
الباب الأول: الإشكاليات المطروحة
تساؤلات كثيرة تحيط فلسفة القانون وتتمحور جميعها حول موضوع فلسفة القانون. يمكن تقسيمها إلى قسمين:
قسم يطرح تساؤلات للوصول إلى تعريف مرض لفلسفة القانون كمادة، أي ما هي مكونات هذه المادة، ما الذي يميزها عن المواد والاختصاصات الأخرى وما هي ضرورتها. إنها مسائل تعريفية. وقسم آخر ينكب على تساؤلات أكثر جوهريةً: ما هي في العمق الظاهرة القانونية، ما هو جوهر القانون؟
الفصل الأول: أسئلة تعريفية
لماذا دراسة فلسفة القانون فيما هي لا تشكل حتى الآن في الجامعات مادة مستقلة؟ للإجابة على هذا السؤال نحاول بداية تعريف الفلسفة وعرض العلاقة بين الفلسفة والقانون ثم نحاول تصور مهام فلسفة القانون ودورها.
المبحث الأول: لماذا فلسفة القانون؟
الفقرة الأولى: ما هي الفلسفة؟
في البداية لنعرِّف العبارة. ماذا تعني الكلمة؟ الفلسفة في الاشتقاق اليوناني الأصلي تعني “حب المعرفة”. عمر عمل الفلسفة من عمر الإنسان. منذ القِدم القِدم والإنسان يمارس هذا النشاط الفكري الذي يصعب تحديده. لا أحد استطاع إيجاد تحديد واضح ونهائي للفلسفة لأن المسألة مرتبطة بفكر كل فيلسوف أو كاتب وبمنهجه. يمكننا اقتراح هذا التعريف: الفلسفة هي معرفة شاملة تطمح إلى تقديم تفسير شامل للعالم وللوجود الإنساني، كما هي أيضاً تساؤل بامتياز حول كافة أمور الحياة. أما أهدافها فهي بنظر البعض البحث عن الحقيقة، أو عن الخير بنظر البعض الآخر أو عن الجمال. وأيضاً عن معنى الحياة والسعادة. الفلسفة هي التفكر الدائم وعرض الأفكار على الآخرين المعارضين لأفكارنا بهدف إثارة الجدل. الفلسفة هي أيضاً خلق المفهومات وتحليلها.
الفقرة الثانية: لماذا الفلسفة
في العصور القديمة كانت المعارف مندمجة في بعضها البعض تحت إشراف أم العلوم ونعني الفلسفة التي كانت تمثل في آن العلوم الصحيحة والعلوم الإنسانية بمجملها: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، التاريخ، الجغرافيا، التربية، الشعر، أضف إلى ذلك قيم الجمال والحسن والأخلاق والعدل، الخ… كان ينبغي أن يلم الحكيم بكل هذا كي يدخل باب الفلسفة الملوكي.
الفقرة الثالثة: العلاقة بين الفلاسفة والقانون
لا يحب الفلاسفة لا القانون ولا العاملين في القانون لأنهم مثاليون يتطلعون إلى مدينة فاضلة لا نزاعات فيها ولا محاكم. هذا هو رأي فيلسوف القانون شارل برلمان: قلة نادرة هم الفلاسفة الذين يحفظون مكاناً لصيرورة صناعة وتطبيق القانون لأن الفلاسفة، تقليدياً، يبحثون في الحقيقة، في الكينونة، في الخير وفي العدل المطلق، وهكذا فهم يصبون إلى بناء منظومة نظرية ومثال اجتماعي يعفي البشر من اللجوء إلى التقنيات القانونية.
الفقرة الرابعة: القانونيون والفلاسفة
من الشائع أن الفلسفة بعيدة بامتياز عن مجال القانون، أي أن العاملين في القانون (قضاة، فقهاء ومحامون) نادراً ما يشعرون بالحاجة لبلورة أفكار فلسفية لدعم حججهم. ويُعتقد أن الانتماء الوضعي (الانتماء إلى المذهب الوضعاني) لكبار فقهاء القانون (جيز، دوغي، باتيفول..) كان يمنعهم من الإفراط في إدخال تحاليل فلسفية. ولكن إذا نظرنا إلى هذا الأمر بعمق لوجدنا أن الفلسفة ليست غائبة إطلاقاً عن مقاربتهم للقانون. سواء تمَّ التعبير عن ذلك صراحة أم لا فإن الفلسفة هي الحاضر دوماً في أي نص قانوني وفي أي مجال اختصاصي: قانون مدني، جزائي، تجاري. الفلسفة حاضرة في أي نص متعلق بالإفلاس ومفاعيله على سبيل المثال، بالقتل عمداً، بالقبول الضمني في العقود، الخ..
سواء في صياغة القاعدة القانونية أم في الأحكام الصادرة عن المحاكم مكان الفلسفة محجوز: أوليس العدل هو غاية القانون، وإن كانت مقاربته مختلفة من شخص لآخر.
المبحث الثاني: ما هي فلسفة القانون؟
الفقرة الأولى: مهام فلسفة القانون
نظرياً مهام فلسفة القانون هي ذات طابع أكاديمي وتنظيري spéculative، أي أنها تجهد للإمساك بغاية القانون وجوهره.
عملياً فلسفة القانون هي مستند يدعم حجج المشتغلين في القانون من قضاة ومحامين وفقهاء. وبالفعل فإن الخروقات الاجتهادية للقانون التشريعي تستند دوماً إلى مبادئ فلسفية. لقد اكتشف المشتغلون في القانون أن القياس القضائي ليس بكاف. لذا يلجأ هؤلاء إلى وسائل أخرى من مثل الهيرمينوطيقا وفن البيان.
الفقرة الثانية: ماهية فلسفة القانون
يعرض ميشيل تروبير للمقارنة بين “النظرية العامة للقانون” و”فلسفة القانون” لمحاولة كشف تحديد كل منهما. فيقول إن عبارة “النظرية العامة للقانون” ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر تحت تأثير الوضعانية والتجريبية وكردة فعل ضد فلسفة القانون كما كانت تمارََس حتى ذلك الحين. كان مؤيدو النظرية العامة للقانون ينتقدون فلسفة القانون التقليدية لطابعها المحض نظري. هكذا فإن فلسفة القانون هي مثالية أما النظرية العامة للقانون فهي عملية لأنها تعالج القانون كما هو، القانون الوضعي.
الفقرة الثالثة: فلسفة القانون والسوسيولوجيا
يرى البعض أن المادتين متمايزتان جداً: ففلسفة القانون تهتم بالمستوى النظري فيما السوسيولوجيا أو علم الاجتماع هي بحث تجريبي يقوم على الدراسات الميدانية والإحصائيات. لا يهتم علماء اجتماع القانون إلا بالواقع المادي الإجتماعي للقانون (أصداء قانون معين، ردات فعل الناس، آراء الناس جول مشروع قانون معين، الخ..) فيما فيلسوف القانون يرى إلى جوهر القانون، إلى عالم المفهومات concepts (جان كاربونييه). وأيضاً: علماء الاجتماع يحافظون على موضوعية في تحليل الأمور فيما فلاسفة القانون يطلقون أحكاماً قيمية (هذا الحكم عادل، ذاك الحكم ظالم).
الفقرة الرابعة: تيارات فلسفية وتيارات ضد-فلسفية
ثمة تيارات يُنظر إليها بما هي تندرج ضمن فلسفة القانون ولذا تتم دراستها كتيارات ضمن مادة فلسفة القانون. ولكن في الواقع تنقسم هذه التيارات إلى قسمين: بعضها يعلن موقفاً واضحاً ضد الفلسفة، أو لنقل يرفض إدخال الفلسفة ضمن مقاربته كالمدرسة الواقعية الأميركية والكلسنية التي ترفض إطلاق أي حكم قيمي على القانون القائم معتبرة أن أي مقاربة فلسفية تندرج ضمن إطار الميتافيزيقيا القانونية وأن العلم القانوني لا يمكن إلا أن يكون علماً للقانون الوضعي.
الفصل الثاني: الإشكاليات الجوهرية
ما هي المسائل الجوهرية التي تندرج ضمن عنوان فلسفة القانون. ثمة تياران: يُدرج البعض مسائل كثيرة ضمن فلسفة القانون من مثل تاريخ القانون، والسوسيولوجيا القانونية، المنطق القانوني، المعايير القاعدية، الفينومينولوجيا القانونية، الخ.. أما البعض الآخر (برونو أوبتي) فهو يفضل حصر مجال فلسفة القانون في مسائل جوهرية تشكِّلُ أساس فلسفة القانون ومبرر قيامها. رغبتنا في تعزيز مادة فلسفة القانون تجعلنا بالضرورة متعاطفين مع التيار الأول، بيد أننا نعتقد أن المنطق يفرض علينا اعتماد خيار التيار الثاني.
المبحث الأول: معيار القانون
الفقرة الأولى: صعوبة الخيار
ما هو معيار القانون؟ والمقصود ما هو معيار الشيء القانوني ؟ الصعوبة فائقة لأن القانون ليس بعالم مستقل ومعلَّب، بل هو عالم معقد مليء بالمعاني والقواعد شبه الآمرة (pre******ions) الأخلاقية والدينية والاجتماعية وحتى السياسية. وهذا طبيعي لأن القانون منظِّم اجتماعي. وهو كما قلنا ليس عالماً مستقلاً بل هو ينبثق من مفاهيم عديدة سياسية واجتماعية وأخلاقية.
الفقرة الثانية: القانون كمنظومة
هل يشكل القانون منظومة متناسقة وموحدة. يعترض البعض دافعين بأن القانون ليس أكثر من فن art يشتمل على قواعد غير متجانسة دوماً. والبعض الآخر يعترض حتى على مفهوم “النظام القانوني” فيرى أنه مجرد ابتكار تقني وأكاديمي يُسهِّل فهم القانوني ليس إلا.
المبحث الثاني: غاية القانون
إذا كانت فلسفة القانون تتميز بأمر معين فهو أنها تبحث عن غاية للقانون وكتابات أيهيرينغ Ihéring معروفة في هذا المجال. وهذه الغايات تتغير تبعاً لكل مدرسة: الغاية هي الفرد عند البعض، والجماعة عند البعض الآخر. الخير العام أم المصالح الخاصة؛ قوة الأمة أم تقدم الإنسانية؛ الثبات أم الحركة؛ الأمن أم العدالة. يمكن جمع هذه الغايات في ثلاث جعبات. نستثني من هذا البحث المدرسة الشكلية formaliste التي ينتهي البحث لديها عند القانون ذاته، أي أنها لا تهتم بالبحث على غاية معينة بل تحصر إهتمامها بالنص الذي أمامها وبضرورة تطبيق هذا النص.
الفقرة الأولى: العدل
ولكن ما هو العدل بالضبط وهل من تعريف وضعي يوافق عليه الجميع. يُنظر إلى العدل تبعاً للمفكر، للإيديولوجيا التي ينتمي إليها. يُكوِّنُ الليبرالي نظرة معينة والاشتراكي أخرى.. المتدين له نظرته تختلف بصورة عامة عن نظرة الملحد؛ الاشتراكي الجماعي والاشتراكي الفرداني لهما نظرتان مختلفتان.
الفقرة الثانية: الفرد كغاية
بخاصة منذ القرن الثامن عشر غدت حماية الفرد هدفاً من الأهداف الأساسية لفلسفة القانون. الإنسان هو قبل المجتمع، لا العكس. مهمة القانون الأساسية هي ضمان الحفاظ على الإرادة الحرة للإنسان: يصبح العقد القاعدة الوحيدة المقبولة “كل ما ينبثق عن عقد هو عادل وصحيح” .
الفقرة الثالثة: الجماعة كغاية
الفكر الجماعي له أيضاً جذوره في الماضي الغابر. ألا يتكلم أفلاطون وأرسطو على الفرد في المدينة والانسجام في المدينة. لقد أكد الفلاسفة القانونيون الرومان أولوية مفهوم المنفعة العامة على المصالح الخاصة. وهل نجهل أهمية البعد الجماعي في الفكر المسيحي والإسلامي.
الباب الثاني: الإجابات
الإجابات كثيرة ومتنوعة على الأسئلة التي طرحناها في الباب الأول. منذ نشأة البشرية وفي كل حقبة ثمة إجابات على هذه الأسئلة، بشكل أو بآخر. إذا كانت القاعدة القانونية وسيلة للتنظيم المجتمعي فإن الإنسان لجأ إلى هذه الوسيلة وبالتالي “قدَّم إجابات” بصورة عفوية ومنذ أقدم العصور. كما نعرف أن الحياة الحيوانية لها قواعدها ذات الصرامة المذهلة أحياناً.
الفصل الأول: التيار المثالي
لنعد إلى الإشكالية الأساسية التي تطرحها فلسفة القانون: ما هو القانون؟ كيف ينظر الإنسان إلى القانون وماذا ينتظر منه؟ ما هو دور الطبيعة والعقل؟ يمرُّ عرضُنا بالضرورة بالالتباس الذي يلف مفهوم العقل والطبيعة.
يمكن أن يُنظر إلى العقل إما كقيمة ذات أهمية عالمية تعكس نمطاً معرفياً يحكم نشاط الفكر والعالم، إما كمكوِّن من مكونات طبيعة الإنسان تسمح لهذا الأخير الوصول إلى الحقيقة وإلى العدالة، وتنظيم المجتمع والتحليل حسب القوانين التي تحكم السلوك الإنساني.
المبحث الأول: اليونان والرومان
الفقرة الأولى: الفلسفة اليونانية
لا يجب المزج بين القانون والعدالة. العدالة فكرة والقانون ثمرتها. العدالة قبل القانون وهي متفوقة عليه. العدالة مرتبطة بالأخلاق أما القانون فهو جملة قواعد قانونية ومحاكم وقضاة.
الفقرة الثانية: القانون الروماني
يبدو أن سيشرون هو فيلسوف القانون دون منازع في هذه الحقبة. ولكن ثمة سجال لمعرفة إذا ما كانت كتاباته تستوحي من الرواقية أم من أرسطو.
الفقرة الثالثة: الفلسفة المسيحية والإسلامية
التيار الفلسفي الأول في الفكر المسيحي يتمثل في فكر أغسطينوس (القرن الرابع)، الذي لا يرى إلى القانون إلا عبر الكتاب المقدس: القوانين الأرضية لا تهم لأن لا عدالة دون الانتماء إلى الله.
أما الفكر الإسلامي فهو أعطى الكثير في فلسفة القانون ولاسيما في موضوع التفسير القانوني وتقنياته. ينبغي وضع مؤلف كبير في موضوع الغبن الذي يلحق بفلسفة القانون الشرقية المسيحية والإسلامية في الكتابات الغربية.
الفقرة الرابعة: الإنسان محل الله
سوف يشهد القرن السابع عشر حلول الإنسان محل الله. القانون الإلهي يخلي مكانه للقانون الإنساني وتحل أوامر البشر محل أوامر الله.
الفقرة الخامسة: الكانطية والقانون
لم يحظ كانط في المجال القانوني بالشهرة التي حظي بها في المجال الفلسفي رغم كتاباته العديدة في القانون. وبالفعل فإن كانط هو فيلسوف منظِّر أكثر منه صاحب خبرة قانونية. ويتضح هذا الأمر من تمييز كانط بين عمل العامل في القانون والعامل في الفلسفة.
الفصل الثاني: التيار الوضعي
إن ما يميز التيار الوضعي (أو الوضعانية) بمختلف مدارسه هو موقفه المعادي للمثالية، للعقلانية وللطبيعانية. هو يرفض التجرد الذي يميز الاتجاهات المثالية. كما يرفض مبدأ العالمية وفكرة أن يكون العدل كمفهوم جوهر القانون. يعتبر الوضعيون أنه لا يمكن تناول القانون إلا من زاوية معطيات خارج العقل والطبيعة: المقصود هنا أن التيار الوضعي لا يأخذ من العقل إلا شقه التجريبي ومن الطبيعة إلا شقها القابل للَّمس والمحسوسية. في المذهب الوضعي وحده القانون المطبَّق عملياً هو الذي يكون موضوع للعلم.
المبحث الأول: الوضعانية الشكلانية
ثمة ثلاثة فروع من الوضعانية الشكلانية: الوضعانية الشرعانية والوضعانية التحليلية والوضعانية القاعدية. الوضعانية الشكلية هي الأقل تعقيداً: فهي تعني بصورة عامة أن النظام القانوني في بلد معين وفي زمن معين يتشكل من قواعد قانونية قائمة ويحب احترام وتطبيق هذه القوانين. من غير المفيد إذا الذهاب أبعد من النص القانوني والبحث عن معان أخرى مخفية أو غير واضحة.
الفقرة الأولى: الوضعانية الشرعانية
لا يجب أن يهتم العامل في القانون إلا بالقاعدة القانونية المرفقة بعقوبة والتي وضعتها السلطات السياسية. لكن الفكرة الأساس المستخلصة من هذا المفهوم هي أن النظام القانوني كامل وتالياً يمكننا إيجاد أي حل لأي نزاع في النصوص القائمة.
الفقرة الثانية: الوضعانية التحليلية
ابتكر هذا المفهوم القانوني الإنكليزي أوستن Austin الذي أدخل منظومة عقلانية في القواعد القانونية وهذه العقلانية ليست عقلانية محتوى النصوص إنما تماسكها الشكلي. يدرس أوستن وبصورة تحليلية القانون الوضعي مُركِّزاً على الطريقة المنطقية الوصفية .
يستخدم أوستن للوصول إلى هدفه المنهج المقارن عبر المقارنة بين مختلف المنظومات القانونية الوضعية والبحث عن العلاقات المنطقية القائمة بينها.
الفقرة الثالثة: الوضعانية القاعدية أو المعيارية The normativist positivism
تمثل الوضعانية القاعدية تعميقاً للوضعانية المفهومية التي لا ترى إلا إلى الدولة كمعيار لإصدار القاعدة القانونية. أما الوضعانية القاعدية فقد أتت تركِّز على البحث عن شروط صحة القاعدة القانونية. هانس كلسن هو أب هذه النظرية. يحاول كلسن أساساً بلورة أبستيمولوجيا قانونية، أي نظرية للمعرفة القانونية. “النظرية الصافية للقانون” تقوم بتحليل القواعد القانونية بصرف النظر كلياً عن أي معايير أخرى مثل الأخلاق والقانون الطبيعي والميتافيزيقيا والوقائع الإجتماعية والتاريخية.
الفقرة الرابعة: الوضعانية المنطقية
– هارت
خارج إطار أي اعتبار ميتافيزيقي أو خارج قانوني تحاول الوضعانية المنطقية بناء علم قانوني تسود فيه صرامة المنطق (الصرامة في الفكر واللغة). القانوني هارت Hart يمثل هذه المدرسة.
– برلمان Perelman
أسَّس شارل برلمان نظرية منطقية وضعانية بكل معنى الكلمة ترتكز إلى المنطق القانوني في المحاججة. استنتج برلمان “أن موضوع القانون ليس كما في العلوم الوضعية معرفة الحقيقة بل تحقيق نظام مجتمعي عادل قدر الإمكان”.
المبحث الثاني: الوضعانية الواقعية
هذا المنحى من التفكير هو أقرب إلى الوضعانية الفلسفية منه إلى الوضعانية القانونية لأنه يرى أن الوسط الاجتماعي هو المكان الذي ينبغي أن نبحث فيه عن القواعد القانونية (الأعراف والعادات..) وعن روحية المشترع وخاصة عن مدى ملاءمة التطبيق القانوني مع احتياجات المجتمع. ليس القانون سوى منتج اجتماعي، ظاهرة اجتماعية. وكل ربط بين القانون والأفكار المثالية مثل القانون الطبيعي والعدالة والعقل ليست سوى ظاهرة ملحقة. في هذا الخط يمكن وضع مدارس كبيرة من مثل أفكار بنتام (الفلسفة المنفعية) وإيهرينغ (ليس القانون إلا تمثيلاً للمصالح المحمية) وطبعاً كارل ماركس الذي يرى في القانون الوضعي مجرد ترجمة للمصالح الاقتصادية للطبقة الحاكمة (وضعانية اجتماعية sociological positivism ).
الفقرة الأولى: الوضعانية السوسيولوجية
أبُ الوضعانية السوسيولوجية دون أدنى شك هو مونتسكيو. يؤسس لهذا النهج في مؤلفه “روح القوانين”. شيئان يميزان القانون: النسبية (القانون يتبدل تبعاً للظروف) والحتمية: يخضع القانون لما يشبه قانون السببية، فإن هو إلا نتاج أسباب موضوعية متعلقة بالوسط الاجتماعي. كذا مجتمع يعطي كذا قانون. نلاحظ هنا التقارب بين مونتسكيو وماركس.
– السوسيولوجيا القاعدية The normative sociology
هي تمثل طموح السوسيولوجيا في إيصال نتائج أبحاثها إلى البرلمانات وإصدارها في تشريعات. تُطرح هنا بالكامل إشكالية الكينونة وواجب الكينونة the sein and the sollen ولكن يبقى أن نتائج هذه الأبحاث ليست دوماً ذات مصداقية عليا. ثم تبقى إشكالية مفتوحة على مصراعيها: إلى إي مدى ما تقوله وتفعله غالبية الناس هو الصحيح؟ وهل إذا أثبتت الوقائع الإحصائية، على سبيل المثال، أن غالبية اللبنانيين يتفهمون أن يرتشي الموظف اللبناني بسبب ضعف راتبه، فإن ذلك يجب أن يؤدي إلى ضرورة تشريع الرشوة؟
الفقرة الثانية: النظريات الأمير كية الشمالية
أميركا هي معقل الأمبيرية والبراغماتية. كان من الطبيعي أن تنشأ حركة قانونية ترفض الدوغماتية الأوروبية وتطالب بضرورة أن يعكس القانون الواقع الاجتماعي والحياة الحقيقية للناس.
فكانت أولاً مدرسة الاجتهاد السوسيولوجي والتي يأتي منظروها من المحاكم ومن الجامعات، أي أساتذة وقضاة. لا يكون القانون فعالاً إن لم يكسب انتماء الناس له، ثم إن على القانون أن يتبدَّل تبعاً للتحولات الإجتماعية.
– هولمس Holmes
التوقعات لما ستفعله المحاكم عملياً، ولا شيء أكثر، هذا ما يعتقد هولمس أنه القانون ولا شيء أخر . ترتكز حياة القانون على التجربة، لا على المنطق، ترتكز على معرفة التاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد. بنظر هولمس عمل المحاكم هو الأساس. فهي التي تقوم بدور ترجمة طموحات ومصالح الجماهير الشعبية في قواعد قانونية.
الفصل الثالث: التيارات الأخرى
برونو أوبتي يُدرج ضمن هذا العنوان التيارات المتعددة التي رفضت التقسيم التقليدي بين التيار الوضعي والتيار المثالي إما لاعتبار أن هذا التقسيم لم يعد ملائماً لإعطاء صورة صادقة للظاهرة القانونية وإما لطرح نوع من المزيج بين الاثنين تبعاً للثقافات والميول والحقبة الزمنية. هذه المقاربة الأخيرة التي ننزع إلى اعتمادها تصبو إلى بلورة قواعد مشروع قانوني حديث.
المبحث الأول: الإنسانوية القانونية
الفقرة الأولى: تعريف
ندرج في هذا الإطار جملة من المفكرين القانونيين الذين يرفضون التقسيم الصارم والمصطنع برأيهم بين المثالية والوضعانية. كأننا بالمنتمين لهذا التقسيم يعتمدون تحديداً أحاديا للإنسان البشري. الإنسان هو روحاني؛ الإنسان هو مادي؛ الإنسان هو كذا. فيما الحقيقة أكثر تعقيداً لأن الإنسان مزيج من المثالية والمادية، هو روح وجسد. من هنا دقة مُهِمة فلسفة القانون: على فلسفة القانون تناول هاتين الوجهتين المثالية والمادية بآفاق إنسانية، من أجل إرساء توازن دقيق بين واجبات الناس وحقوقهم، بين مصالحهم الذاتية والمصلحة العامة..
الفقرة الثانية:الانتقائية
– فرانسوا جيني François Geny
هو الأكثر شهرة بأعماله الانتقائية. بحث جيني عن رؤية كاملة للقانون، ما جعله يبرز وجهتين في عمل القانوني: المُعطى والمَبني.
الفقرة الثالثة: ما يتجاوز الوضعانية
– ريبير Ripert
يخلص المفكر القانوني الفرنسي الكبير ريبير إلى الاستنتاج بأن تراجع القانون يعود سببه إلى فقدان القيم الأخلاقية التي تتفوق على القواعد القانونية. ولكن في البداية كان ريبير وضعياً بامتياز ومن هنا نقده للمفكر جيني وللقانون الطبيعي معلناً التزامه المذهب الوضعاني وضرورة الفصل بين القانون والأخلاق.
– جان دابين Jean Dabin
يندرج أيضاً ضمن هذا المفهوم المفكر دابين الذي يرى من ناحية أن الدولة المعاصرة تحتكر خلق القواعد القانونية والتي يجب تطبيقها إكراهياً ومن ناحية ثانية يرى في أن جوهر القانون يقع خارج القانون الدولاني: إنه يتجاوز الوضعانية، خارق للوضعانية إذا صحت ترجمة عبارة transpositif.
الفقرة الرابعة: المؤسساتية
– موريس هوريو Maurice Hauriou
فقيه كبير في القانون العام. ترك موريس هوريو أثراً هائلاً ولكن متناقض. وهذا التناقض لا يفلت منه إلا بقدرته الخاصة على التوليف. هو ينتمي بحسب قوله إلى الوضعانية المسيحية وفكره مزيج من القانون الطبيعي والفردانية والسوسيولوجيا.
المبحث الثاني: الفينومينولوجيا القانونية
الفينومينولوجيا هي منهج فلسفي أراد أن يقطع مع المنهج المجرد السائد في القرن العشرين وأن يعود إلى الملموس كي يستطيع الوعيُ عبر الحدس مقاربة الأشياء في صفائها الظاهري للإمساك بجوهرها.
المبحث الثالث: الفكر الشمالي الأمريكي المعاصر
على طول القرن العشرين لم يهتم الأمريكيون إلا بالوقائع القانونية، أي أنهم لم يعيروا أي اهتمام لقيم وغايات القانون. “القانون في ساحة العمل law in action هذا ما يهُم. إنه موقف ضد شكلاني anti-formalist ابتعد عن النص كي يلتصق بالواقع.
جون رولز John Rawls
في مؤلفه الأساسي “نظرية العدل، 1971 يحاول رولز حل معضلة المعضلات الكامنة في ضرورة التوفيق بين الحرية الفردية والعدالة الإجتماعية. فهو بين الاشتراكية والليبرالية الإجتماعية يختار الإجتماعية الديمقراطية the social-démocracy. بنظره، النظام الأفضل هو الذي يدمج أفضل ما يكون قيمَ الحرية والمساواة. برونو أوبتي يعتبر أن في ذلك عودة إلى منظري القرن الثامن عشر من أمثال ستيوارت ميل ولوك وروسو وكانط.
دووركن Dworkin
لروناد دووركن مؤلفان أساسيان: “النظر إلى القانون برصانة Taking law seriously، ترجمة فرنسية، دار PUF،1995 ؛ وإمبراطورية القانون Law’s Empire، ترجمة فرنسية عن دار PUF، 1994 ، عبر السياسة والقانون والأطيقا أراد دووركن أن يبرر ويبرز مفهوماً مثالياً عن القانون والسياسة المعاصرين يرتكز على أولوية ألذات.
المبحث الرابع: التيار الأطيقي
ما يفاجئ في هذا الأمر أن العودة إلى الأطيقا وقيمها تمت في عصر تهيمن عليه الوضعانية بفعل هيمنة التكنولوجيات والعلم. أسباب هذه العودة يجب البحث عنها في واقعة أن كل شيء في عصرنا الحديث أصبح عرضة للاتجار به. يحاول التيار الأطيقي التصدي لذهنية السيطرة سواء في السلطة السياسية أم في الطبيعة أم بصورة عامة في الحياة.
يورغن هابرماس
يشكك هابرماس في إمكانية القواعد القانونية الحصول على مشروعية بمجرد الارتكاز على الشرعية والعقلانية. إن استخدام القواعد القانونية كمجرد أدوات واختزالها في كونها أوامر صادرة عن المشرِّع ينزع عن القانون كل مشروعية.
القسم الثاني:في التطبيق
في هذا القسم سوف ندرس إلى أي مدى تَحملُ النظريات التي تمَّ عرضها في القسم الأول وقعاً على أرض الواقع، في الممارسة.
الباب الأول: وقع الوضعانية القانونية
لقد فرضت الوضعانية القانونية نفسها لدى غالبية العاملين في القانون. فهي التي تعكس أفضل ما يكون الوضع الحالي لمؤسساتنا وقواعدنا ومناهجنا. ولكن لا يجب أن ننكر أن ازدياد أهمية الوضعانية يعود بدوره إلى الجهد الفلسفي والنقاشات الفلسفية القانونية، ومن ضمنها النقاشات ذات المحتوى الطوباوي.
فلسفة القانون
الفصل الأول: الوضعانية الشكلية
يمكن القول إن الوضعانية الشكلية وجدت تطبيقاً لها في النظام القانوني، أي في الإواليات المؤسساتية التي يعمل ضمنها المجتمع المدني. تتمحور الوضعانية الشكلية حول مفهومين هما القواعدية the normativism والشرعانية legalism .
المبحث الأول: القواعدية
تسلسل القواعد القانونية: الدستور هو القاعدة القانونية العليا التي تنبثق عنها كل المنظومة القانونية والسياسية للبلاد. نقرأ في أحد قرارات المجلس الدستوري الفرنسي أن “القانون الصادر عن البرلمان لا يعبر عن الإرادة العامة إلا ضمن احترام الدستور”.
الفقرة الأولى: مفهومة concept دولة القانون
دولة القانون هي الدولة التي تخضع للقانون، كغيرها من الرعايا. وهي تخضع للقواعد القانونية التي وضعتها بذاتها. دولة القانون هي عكس النظام القانوني حيث الحكم لا يخضع إلا لإرادته ويمارس سلطاته بتسلط وتفرد.
الفقرة الثانية: النظام القانوني ما فوق الوطني
– القانون الدولي
أكثر فأكثر يحتل القانون الدولي مكانة أساسية ولا أعتقد أن المفكرين والسياسيين والعاملين في القانون كانوا يتصورون هذه المكانة التي وصل إليها القانون الدولي ودور الأمم المتحدة وذلك في جميع الميادين (حقوق الإنسان، إلزامية القواعد، القانون الجزائي الدولي، الخ ).
– القانون الأوروبي
يمثل القانون الأوروبي (معاهدة روما) خطوة متقدمة بل فريدة على مستوى الإنسانية في القرن الواحد والعشرين. لقد وصل إلى درجة من القواعدية normativité لم يعرفها سابقاً تاريخ الإنسانية وذلك بفعل الإعمال المباشر للقواعد الأوروبية في كافة الدول الأوروبية دون ضرورة إتباع أصول معينة لإعمال هذه القواعد (ما عدا حالة التوجيهات).
المبحث الثاني: الشرعانية the legalism
رغم أن القانون التشريعي فقد كثيراً من أهميته فإن الوضعانية الشرعانية لا تزال تحتفظ بأهميتها لأن القانون لا يزال يحتل مركزاً رئيسياً.
الفقرة الأولى: تراجع القانون
فيما كانت القوانين محدودة العدد منذ عشرين سنة أصبحت لا تُحصى في أيامنا هذه. وفيما كانت تصدر في عدد متواضع من الصفحات (قانون العمل اللبناني بأكمله لا يتجاوز الثلاثين صفحة) فقد غدت تمتد على صفحات لا تنتهي (أنظر حجم الجريدة الرسمية اللبنانية الآن مقارنة بالمراحل السابقة).
الفقرة الثانية: الشرعانية المنهجية
المهمة الأساسية للعاملين في القانون تكمن في ضرورة تفسير النصوص القانونية، وتحديداً القانون. .
الفصل الثاني: الوضعانية الوقائعية
إن طفرة القوانين والأنظمة والنصوص القانونية الناتجة عن طغيان الشرعانية والقواعدية لم تمنع بروز اهتمام متزايد بالقانون في الواقع، “على الأرض”، أي البحث عن النتائج العملية وعن فعالية القوانين والعلاقة مع الاقتصاد، كل هذا أدى إلى تعزيز الوضعانية الوقائعية، سواء في القانون الداخلي أو الدولي.
المبحث الأول: القانون الداخلي
من الملاحظ أن المجالس النيابية والإدارات العامة تستند أكثر فأكثر قبل إصدار القوانين والأنظمة إلى معطيات علم اجتماعية ومعايير إقنصادية ونتائج دراسات ميدانية في مختلف الاختصاصات (سيكولوجيا، طب، بيئة ).
الفقرة الأولى: التشريع السوسيولوجي
في الستينيات برزت خطورة الفارق الشاسع بين النص القانوني وواقع الحال وراحت تتزايد الكتابات في السوسيولوجيا القانونية حيث لمعت أسماء فقهاء من مثل جان كاربونييه Jean Carbonnier ساهموا في بلورة تيار سوسيولوجي تشريعي (لاسيما في القانون المدني)، ما يعني أن القوانين، قبل إصدارها، ينبغي أن تستند إلى المعطيات التي توفرها لها السوسيولوجيا.
الفقرة الثانية: التشريع الاقتصادي
منذ بداية القرن العشرين برز مفهوم أو مفهومة the concept القانون الاقتصادي the economic law ولو أن الفقهاء لم يكونوا متفقين على معنى العبارة. أمثلة عديدة تدلل على أهمية هذا المفهوم الجديد.
المبحث الثاني: القانون الدولي الخاص
لم يكن القانون الدولي الخاص يوماً بعيداً عن الاهتمام بالمنفعة الخاصة، أي بالأهداف الآنية التي يجب أحياناً منحها الأولوية على مفاهيم القانون الوضعي. رغم الانتقادات الموجهة لهذا المنحى فإن القانون الدولي الخاص الحديث غدا يمنح الأولوية دون تردد للنتائج الملموسة عبر تعزيزه لمفهوم الوظائفية.
الباب الثاني: وقع المثالية القانونية
تكمن المثالية في التطبيق العملي للقانون في مطارح كثيرة نذكر الأكثر أساسية:
أحياناً القانون نفسه، وبصورة خاصة المشترع، يدمج في تعريفاته ومفاهيمه أفكاراً ومبادئ مثالية وهكذا يقال إنه تمت قوننة أو وضعنة المثالية.
يستنجد القاضي أحياناً بمفاهيم مثالية لتعزيز حججه.
أخيراً للفقه دور رئيسي في تشييد عمارات مثالية انطلاقا من نصوص حيادية وذلك بهدف تطوير التفسير القانوني بالاتجاه المثالي الذي ينتمي إليه هذا أو ذاك الفقيه.
الفصل الأول: الاستناد إلى القانون الطبيعي
مبدئياً حجبت الوضعانية القانونية القانونَ الطبيعي واستناده إلى طبيعة واحدة لا تتحرك. فقد بدا القانون الطبيعي بعيداً جداً عن الواقع. ولكن يجب الإقرار بأن العاملين في المجال القانوني يرجعون أكثر فأكثر ومن حين لآخر للقانون الطبيعي ربما لأنهم يرون حدود الشرعانية الشكلية ويكتشفون أن القانون الطبيعي يبقى قانون القوانين رغم صعوبة الإمساك به على المستوى التقني.
المبحث الأول: النصوص
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن للعام 1789
يُذكرُ عادة في مقدمة النصوص المؤسسة لاسيما بعد أن أدخله المجلس الدستوري الفرنسي في الكتلة الدستورية. هكذا فقد اكتسبت ديباجة الدستور قوة دستورية ما فوق تشريعية من منظور القاضي الدستوري، طبعاً لا من منظور القاضي العادي الذي ينبغي أن يُعمل القانون حتى لو كان غير دستوري. وفي لبنان لحق القاضيالدستوري بهذا المسار التقدمي في قرارات عديدة لا سيما في العام 1997 خول دورية الإنتخابات البلدية.
القانون المدني
كانت تنص المادة الأولى من مشروع القانون المدني الفرنسي للسنة الثامنة على ما يلي: “ثمة قانون عالمي وثابت هو مصدر جميع القوانين الوضعية”. وفي حالة الغموض كانت تنص المادة 14 على أن القاضي يصبح وزير العدالة ويعمل قانون العقل reason الثابت والأبدي.
المرحلة المعاصرة
يرى الفقيه جان كاربونييه أن نظرية القانون الطبيعي هي التي بررت الإبطال مع مفعول رجعي للمرسوم الفرنسي الصادر في 9 آب 1944 الذي أصدرته حكومة فيشي والذي سمح بمحاكمة مجرمي حرب. فالقانون الوضعي لم يكن ليحاكم على هذه الجرائم عندما ارتُكبت فيما القانون الطبيعي يعاقب فاعليها بالتأكيد. كذلك في ما يخص قانون 26 كانون الأول 1964 الفرنسي الذي يعتبر أن الجرائم ضد الإنسانية “غير قابلة للتقادم بطبيعتها”.
المبحث الثاني: الاجتهاد
الفقرة الأولى: قانون العائلة
ارتكزت بعض القرارات إلى القانون الطبيعي كي تمنح حق زيارة الطفل، لأن هذا الحق هو “حق طبيعي يلازم العلاقة الأبوية والأمومية”.
الفقرة الثانية: الحق في محاكمة عادلة
في قرار مدني فرنسي قديم وخارج إطار أي نص فرض مبدأ احترام حق الدفاع نفسه في الدعاوى المدنية. فالدفاع، تقول المحكمة في هذا القرار، هو حق (قانون) طبيعي، لأنه لا يمكن الحكم على أحد الأشخاص دون توجيه اتهام إليه والسماح له الدفاع عن نفسه.
الفقرة الثالثة: قانون العلاقات الدولية الخاصة
– القانون الدولي الخاص
كغيره من فروع القانون الوضعي القانون الدولي الخاص لا يستند إلا في ما ندر إلى القانون الطبيعي. ولكن أشار البعض إلى التقاطع بين أهداف القانون الطبيعي وأهداف القانون الدولي الخاص إذ إن هذا الأخير يصبو أيضاً إلى غايات عالمية وجامعية (توحيدية).
– قانون التجارة الدولية
القانون التجاري الدولي مدعو هو أيضاً للنهل من مفاهيم قانونية عامة وجامعة لإيجاد حلول توحيدية للنزاعات التجارية.
الفصل الثاني: دخول الإنصاف في المجال القانوني
مبدئياً الإنصاف يندرج في موضوع مقابل للقانون. لا يشكل الإنصاف قاعدة قانونية، بل هو قاعدة أدبية، معنوية، تصحيحية، ليس إلا. ففي مشروع القانون المدني الفرنسي للعام الثامن بعد الثورة نقرأ “أن القاضي، في غياب قانون دقيق، يحكم بالإنصاف. الإنصاف هو عودة القانون الطبيعي..”.
المبحث الأول: القانون الداخلي
الفقرة الأولى: القانون المدني
لقد كرَّس القانون المدني والقضاء في نصوص وقرارات عديدة الإنصاف كقاعدة قانونية مستقلة وليس وحسب كقاعدة بديلة أو ملطِّفة.
ففي القانون المدني اللبناني (قانون الموجبات والعقود) نقرأ في المادة 221 (تحت عنوان مفاعيل العقود): أن العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين. ويجب أن تُفهم وتُفسر وتُنفذ وفاقاً لحسن النية والإنصاف والعرف.
الفقرة الثانية: القانون العام
القانون الإداري هو بامتياز قانون اجتهادي. في غياب النص، أمام نص غامض وحتى في حالة وجود نص حاول القاضي الإداري دوماً إنصاف المستدعين بما له من سلطة تقدير ودون الوقوع في مخالفة واضحة للقوانين. هذا ما فعله القاضي اللبناني في قرار “الياس غصن” عندما منح الأولوية عبر تفسير جريء وتوسعي “جدا” لمبدأ “ضرورة أن يكون في مقدور الأفراد دوماً إمكانية مراجعة القضاء”. مفهوم الإنصاف و”رفع الظلم” هو في أساس اتخاذ هذا الموقف ولو أن الشورى لم يستخدم عبارة إنصاف.
المبحث الثاني: القانون الدولي
في السنوات الأخيرة نزع القانون الدولي إلى جعل مبدأ الإنصاف قاعدة قانونية قائمة بذاتها فيما كان هذا المفهوم في السابق خارج القانون يقوم بدور المساعد والمصحح ليس إلا.
المبحث الثالث: قانون المحاكمة
الفقرة الأولى: المحاكمة العدلية
– مبدأ الحق في محاكمة عادلة
يشكل مبدأ الحق في محاكمة عادلة أكثر فأكثر المحور الأكثر أهمية في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وغدا يفرض نفسه على السلطات التشريعية والتنفيذية للدول الوطنية. تنص المادة السادسة من هذه الاتفاقية على ما يلي: “لكل شخص الحق في أن تُسمع قضيتُه إنصافاً équitablement أو بالإنصاف والعدل، بصورة علنية وفي مهلة معقولة من قِبَل محكمة مستقلة وحيادية مشكَّلة بقانون؛ تقرر هذه المحكمة بشأن الحقوق والواجبات ذي الصفة المدنية لهذا الشخص أو بشأن مشروعية أي اتهام جزائي موجه ضده”.
الفقرة الثانية: الدعوى التحكيمية
في الدعوى التحكيمية يحتل الإنصاف أيضاً مكانة مهمة. في الفقه هدف المحكِّم هو البحث عن الحل الأكثر عدالة وليس الحل الأكثر توافقاً مع القانون.
الفصل الثالث: المفهومات القانونية المشرّجة بمحتوى مثالي كبير
ثمة مفهومات قانونية لا تحمل سوى ميزات تقنية، أي أنها لا تحمل مرتكزات فلسفية معينة ولكن ثمة أخرى تحيل مباشرة إلى تيارات وأفكار فلسفية محددة.
المبحث الأول: مفهومات أساسية
نعرض هنا لبعض المفهومات الأساسية المشرَّجة بالمثالية القانونية حتى ولو أنها تغيرت تبعاً للتطورات في البلدان المعنية.
الفقرة الأولى: الملكية
– العصور القديمة
في اليونان القديمة كما في روما لم يعالج هذا الموضوع بمقاربات فلسفية قانونية مسهبة وعميقة. أفلاطون كان يؤيد شيوعية الملكية في مدينته الفاضلة وأرسطو يدافع عن الملكية الخاصة.
– الفكر المسيحي
يُرجع البعض مفهومة الملكية إلى الجذور المسيحية حيث آباء الكنيسة المسيحية اعتبروا أن الأرض هي تقدمة الله للبشر، لكل البشر ولكن في الوقت نفسه وبصورة لا تخلو من المفارقة كانوا يرون أن توزيع الأرض متروك للأباطرة والملوك. أما كي يكون التوزيع أكثر إنسانية فهذا الأمر مرتبط ليس إلا بالشفقة والإحسان.
– مدرسة القانون الطبيعي
في الأصل، يقول فقهاء القانون الطبيعي (غروسيوس) أن الملكية ليست حقاً طبيعياً لأن المشاعة هي النمط الطبيعي ولم تنشأ الملكية إلا لأن الناس أرادوا ذلك.
– القانون المدني
الملكية هي الدعامة الأساسية للقانون المدني اللبناني والفرنسي ومعظم الدول العربية (مصر، الأردن، الجزائر.
الفقرة الثانية: العقد
سادت في العقود مفاهيم ميكانيكية وشكلانية ومنفعية.. يمكن الجزم بأن مفاهيم فلسفية مثالية عديدة حكمت نظرية العقود سواء في الشريعة الإسلامية أو في المفهوم الغربي.
المبحث الثاني: المفهومات الجديدة
الفقرة الأولى: حقوق الشخصية
في أوائل القرن العشرين نشأ مفهوم حقوق الشخصية بالصيغة الحديثة، أي بمحتوى محدد: حقوق الشخصية هي الحق في الحياة، في الاسم، في الكمال الفيزيائي physical integrity أو حماية الجسم الفيزيائي، الحق في الصورة وحماية الحياة الخاصة، والحق في الحفاظ على الشرف والكرامة. يمكن بالتالي مقاضاة كل من ينتهك هذه الحقوق. ومن الواضح أن تأكيد هذا المفهوم يندرج في إطار فلسفة قانونية مثالية.
الفقرة الثانية: حق الكاتب على أثره الأدبي أو الفني
ثمة تطور حصل على هذا المستوى: فيما في السابق كان يُعتبر حق الكاتب حقاً على ملكية بكل معنى الكلمة، أما اليوم فلم يعد هذا الحق إلا نسبياً.
الفقرة الثالثة: مفهوم “المعقولية”
أكثر فأكثر يتم الاستناد إلى هذا المفهوم: على سبيل المثال لم يعد مقبولا أن تتأخر المحاكم في إصدار الأحكام أكثر من مدة معقولة (سنتان أو ثلاثة). ثمة قضايا أمام الشورى اللبناني تنتظر النظر بها منذ ثلاثين سنة.
الفقرة الرابعة: حقوق “الإنسانية”
في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية برز حق جديد هو حق الإنسانية وجرى دمجه ضمن المنظومة القانونية مع توجه واضح لمقاربة إنسانية قانونية للأمور لا تخلو طبعاً من التشريج المثالي.
بحث قانوني هام حول فلسفة القانون