مقال بعنوان سوء الصياغة القانونية في التعديلات الدستورية

د. نوفان العجارمة
بعد نقاش طويل خرجت التعديلات الدستورية إلى حيز الوجود، بعد توشيحها بالإرادة الملكية السامية، بعد إقرارها من مجلسي النواب و الأعيان، وقد تم نشرها في الجريدة الرسمية في العدد رقم (5117) الصادر بتاريخ 1/10/2011.

ولان النص الدستوري ليس غيره من النصوص، فصياغة هذا النص تتطلب كتابه بطيئة ، تؤدي إلى إيجاد نصوص جامعة مانعة ، بعيدة عن الغموض ، واضحة في عبارتها قاطعة في دلالتها. فالدستور منارة تسير على هديها جميع سلطات الدولة ، فوضوح الرؤية تؤدي إلى الوصول إلى الهدف بكل سهولة ويسر .

و أقول – وبكل أمانة- أن مشروع الذي تقدمت به الحكومة كان متقدما في صياغته الفنية على ما اقره مجلس النواب و أيده فيه مجلس الأعيان، و الذي كان يعمل – أي مجلس الأعيان- ضمن حيز زمن ضيق جدا.
وبعد التأمل في قراءة نصوص الدستور المعدل ، وجدت أن بعض النصوص صيغت- من قبل مجلس النواب الكريم- بطريقة لا تخلوا من الغموض ، الأمر الذي دعاني إلى كتابة هذا المقال . مبينا ما يلي :

1.المادة (42) : تنص على (( لا يلي منصب الوزارة ، وما في حكمها إلا الأردني ..))، أن عبارة وما في حكمها جاءت غامضة غير واضحة، فهل المقصود من كان في حكم الوزير من حيث الراتب ؟ أم من حيث طريقة التعيين ؟ أم من حيث المهام و المسؤوليات ؟ أم من حيث درجة الارتباط مع رئيس الوزراء ؟؟ الأمر يحتاج إلى تفسير.

2.المادة (57) : أن عبارة (اثر صدور قرار الإحالة عن مجلس النواب) الواردة في تلك المادة ، جاء زائدة ومن باب لزوم ما يلزم ، لان المادة (56) بينت أن مجلس النواب هو صاحب الولاية في إحالة الوزير إلى النيابة العامة .

3.المادة (59/1) : أن دقة الصياغة التشريعية تحتم ذكر عبارة (دون غيرها ) بعد عبارة (تختص المحكمة الدستورية ) بحيث يكون النص كالتالي : تختص المحكمة الدستورية دون غيرها …الخ ، و الهدف من ذلك حتى نقفل باب الاجتهاد في مسالة تصدي المحاكم على اختلاف أنواعها لموضوع الرقابة على دستورية القوانين بالإضافة إلى المحكمة الدستورية ، لان النص الدستوري لم يكن قاطعا في دلالته ، بحيث يقصر الاختصاص في الرقابة على دستورية القوانين على المحكمة الدستورية دون غيرها .

4.المادة (60/2) : ذكر النص عبارة (وعلى المحكمة أن وجدت أن الدفع جدي تحيله المحكمة التي يحددها القانون ) أن عبارة ( الدفع الجدي) عبارة غامضة غير محددة المفهوم ، فكل من يقدم دفعا ويدفع عنه رسما يعتبر دفعا جديا بنظر القانون ؟؟ ولكل من يقدم دفعا ويتابع هذا الدفع يعتبر كذلك دفعا جديا بنظر القانون ؟؟ فهل هذا هو المقصود ؟؟

5.المادة (61/1/ج): النص لم يساوي بين القضاة والمحامين، حيث تطلب خبرة في القاضي تصل إلى 25 عاما ، في حين تطلب خبرة لدى المحامي تصل إلى 15 عاما ؟؟ أيضا عبارة (ومن احد المختصين) الواردة في تلك المادة يكتنفها نوعا من الغموض ، فهل المقصود أن يكون محاميا و بنفس الوقت من احد المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان ؟؟ أم عبارة (احد المختصين) مستقلة عن كلمة (المحامين) وإذا كان هذا هو المقصود كان ينبغي أن يكون النص كالتالي : .. المحاماة أو من ومن احد المختصين).

6.المادة (61/2) : ( صيغة اليمين) الأصل أن نقول اليمين التالية ، ولا نقول يمينا هذا نصها فهذا التعبير غير مستخدم في التشريعات الأردنية ولا حتى في الدستور الأردني ، فصيغة اليمين التي وضعت لكي يحلفها قاضي المحكمة الدستورية منقولة حرفيا عن صيغة اليمن التي يحلفها الوزير (وفقا لأحكام المادة 43) من الدستور، مع أن مهمة القاضي تختلف كثيرا عن مهلة الوزير ؟؟ إضافة إلى ذلك تم ذكر عبارة ( وان اخدم الأمة ) و لا اعرف ما المقصود بالأمة طالما أن المادة (1) من الدستور بينت أن (الشعب الأردني) جزء من الأمة العربية ، فهل المقصود أن القاضي الدستوري يخدم الأمة العربية ؟؟ وأخيرا، أن أهم أمر يجب أن يقسم عليه القاضي الدستوري هو أن يحكم بالعدل، وهذا الأمر كان غائبا – ومع كل أسف- عن القسم الدستوري .

7.المادة (67/2) : تنص على ( تنشا بقانون هيئة مستقلة تشرف على العملية الانتخابية النابية وتديرها في كل مراحلها ، كما تشرف على أي انتخابات أخرى يقررها مجلس الوزراء ) هذا النص لم يكن محكما في صياغته ، لان إدارة الانتخابات تستغرق و تشمل (عملية الإشراف)، فكلمة (تشرف) جاءت لغوا ، إضافة إلى ذلك أن عبارة (كما تشرف على أي انتخابات أخرى يقررها مجلس الوزراء) جاءت عامة و مطلقة بحيث يوحي النص بان كل انتخابات يقررها مجلس الوزراء يجب أن تخضع لإشراف (الهيئة المستقلة)، أي أن سلطة مجلس الوزراء مقيدة وليست تقديرية، في حين كان الهدف من النص منح مجلس الوزراء مرونته بحيث يقرر كل حالة على حدة.

8.المادة( 71/1) : انطوت على سوء صياغة وتكرار غير مبرر لعبارة ( الدائرة الانتخابية). الأصل أن تقول لكل ناخب أن يقدم طعنا … الخ

9.المادة( 71/2) : انطوت على سوء صياغة فكلمة (أما) زائدة و لا مبرر لها ، نقول : تقضي المحكمة برد الطعن …. الخ .

10.المادة( 71/5) : انطوت على سوء صياغة، إذا كانت المحكمة تحدد هوية الفائز وفقا لمنطوق الفقرة (2) من تلك المادة ، فلماذا تقوم المحكمة ببطلان الانتخابات في تلك الدائرة ؟؟ الأصل إذا شاب الانتخابات البطلان ولم تستطيع المحكمة أن تحدد هوية الفائز عندها تعطى المحكمة صلاحية إبطال الانتخابات .

11 المادة (75/3) : انطوت على سؤ صياغة حيث جاء النص كالتالي : إذا حدثت أي حالة من حالات عدم الأهلية المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة لأي عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أثناء عضويته أو ظهرت بعد انتخابه أو خالف أي عضو أحكام الفقرة (2) من هذه المادة تسقط عضويته حكما ويصبح محله شاغراً على أن يرفع القرار إذا كان صادراً من مجلس الأعيان إلى جلالة الملك لإقراره))
والسؤال : إذا كانت العضوية تسقط حكما فهل هناك مبرر لصدور قرار عن مجلس الأعيان ؟؟ وإذا كانت عضوية العين تسقط حكما بموجب الدستور فلما يرفع الأمر إلى جلالة الملك من اجل إقراره ، فهل هل هناك سلطة تقديرية لجلالة الملك في مثل هذه الحالة ؟؟

12.المادة (94) : انطوت على سوء صياغة حيث حدد النص الحالات التي تجيز للحكومة إصدار قوانين مؤقتة وهي( لكوارث العامة و حالة الحرب والطوارئ.)) فكلمة الطوارئ تستغرق (الكوارث العامة و حالة الحرب) فيتم عادة إعلان الطوارئ في حالة الكوارث العامة و الحروب . كذلك وردت عبارة ( لم يبت بها ) والأصل أن نقول( لم يبت فيها ) لان الحديث عن القوانين .

13.المادة (112/1) : انطوت على سوء صياغة لان كلمة (نفس ) زائدة نقول (تسري عليها الإحكام المتعلقة) ولا نقول (تسري عليها نفس الإحكام المتعلقة ).

14.المادة (128/2) : تنص على : أن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه ، وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات )) و السؤال : ثلاث سنوات من أي تاريخ ؟؟ متى تبدأ مدة الثلاث سنوات؟؟ أن دلالة العبارة تقول نفاذ أحكام هذا الدستور؟؟ ولكن كان ينبغي على مشرعنا الجليل أن لا يترك هذا الأمر للاجتهاد ؟؟

مقال بعنوان سوء الصياغة القانونية في التعديلات الدستورية