نصت المادة (34) من قانون الاثبات على ان انكار الخط او الامضاء او بصمة الابهام، لا يرد الا على السندات والأوراق غير الرسمية. والانكار، رخصة يمنحها القانون لمن يحتج عليه بسند عادي لاستبعاد حجية هذا السند مؤقتا، في الاثبات، دون حاجة الى سبيل الادعاء بالتزوير، وذلك الى ان يثبت صدور السند من الشخص المنسوب إليه (1). والانكار يجب ابداؤه في صيغة صريحة وحازمة تدل على اصدار المنكر على انكاره (2). فاذا ابرز المدعي سندا عاديا لاثبات دعواه، عرض على المدعى عليه، وله ان يقر بامضائه او بصمة ابهامه او خطه او ينكر، ويعتبر سكوته اقرارا، اما الوارث فيجوز له، بدى من الإقرار او الانكار، ان يدعي الجهل بالسند (م 39 / ثانياً). واذا اقر الخصم بعائديه بصمة الابهام في السند العادي ودفع بجهله مضمونه وعدم تسلمه مبلغه فيجب تكليفه بأثبات دفعه وعند عجزه منحه حق تحليف خصمه اليمين الحاسمة (3). واذا عجز المحتج بالسند عن الاثبات يكتفي من الخلف ان يحلف يمينا بانه لا يعلم ان الخط او الامضاء او البصمة تعود لسلفه (م 39 / ثالثاً) اثبت. فاذا حلف سقطت حجية السند وان نكل عادت له حجيته الكاملة (4). وللمحكمة سلطة واسعة للتحقيق من صحة السند عند الطعن فيه وذلك بإحالة السند الى التحقيق للمضاهاة، للتأكد من صحته، وان اجراء المضاهاة يتطلب التأكد من :-
1-ان ينكر من نسب إليه السند، خطه او امضاءه او بصمة ابهامه او ينكر ذلك من يقوم مقامه، او يدعي الوارث الجهل به.
2-ان يكون السند منتجا في الدعوى (م 40 اثبات)، اي مؤثرا على القرار الذي ستتخذه المحكمة، كان يكون السند عن مبلغ الدين المطلب به (5).
لذلك تتمتع المحكمة بسلطة تقديرية في عدم الاستجابة لطلب المنكر، اذا وجدت ان في ظروف الدعوى ما يكفي لتكوين قناعتها بصحة السند وان الانكار ليس الا مجرد وسيلة للكيد (6). ولا يؤخذ بدفع المدعى عليه المتعلق بسبب الدين، اذا كان قد انكر صحة توقيعه على السند موضوع الدعوى ابتداء للتناقض (7). وقد استقر العمل في القضاء العراقي على ان مجرد الانكار يحمل المحكمة على سلوك طريق المضاهاة (8). في حين قضت محكمة النقض المصرية، ان قاضي الموضوع غير ملزم بالالتجاء الى تحقيق الخطوط بطريق المضاهاة او بسماع الشهود او بكليهما، الا اذا لم تكف وقائع الدعوى مستنداتها لتكوين عقيدته في شأن صحة الخط او الامضاء، فان كانت كافية لتكوين هذه العقيدة جاز له ان يحكم بصحة الورقة او يحكم بردها وبطلانه، اذا ظهر له بجلاء او من ظروف الدعوى انها مزورة، وعليه ان يبين في حكمه الظروف والقرائن التي استبان منها ذلك (9). واذا قررت المحكمة اجراء المضاهاة فإنها تقرر ايداع السند في صندوق المحكمة بعد تثبيت حالته واوصافه والتوقيع عليه من القاضي او رئيس الهيئة (م 40 اثبات) اذا كانت المحكمة مشكلة من هيئة. والمضاهاة، هي مقارنة خط او امضاء او بصمة ابهام من نسب إليه السند، اذا انكره، مع امثاله من السندات او الأوراق التي اتفق عليها، والا فتجري على الخط او الامضاء او بصمة الابهام الموجودة على السندات الرسمية او السندات العادية التي اقر بها الخصم او على ورقة جرى استكتابه عليها امام المحكمة (م 48 اثبات) وتجري المضاهاة امام من قبل المحكمة او بواسطة خبير :
أولا – اجراء المضاهاة من قبل المحكمة : يفهم من نص المادتين (35 و 40) من قانون الاثبات، ان للمحكمة ودون الاستعانة بخبير، حق تقدير السند بإجراء التطبيق بنفسها وتكوين عقيدتها في صحة التوقيع. أما بالنسبة لبصمة الابهام، فنصت المادة (46) من قانون الاثبات، ان تجرى مضاهاة بصمة الابهام بواسطة الجهة الرسمية المختصة بالبصمات من ثلاثة خبراء تحت اشراف القاضي او رئيس تلك الجهة، وهي شعبة المستندات والوثائق بمديرية تحقيق الأدلة الجنائية. وقضت محكمة التمييز (ليس للمحكمة عند انكار المدعي عليه لتوقيعه على السندات ان تستمع، البينة الشخصية لاثبات صحة التوقيع، بل عليه اجراء المضاهاة بواسطة مديرية تحقيق الأدلة الجنائية)(10).
ثانياً – اجراء المضاهاة بواسطة خبير : نصت المادة (43) من قانون الاثبات على ان تجري المضاهاة تحت اشراف المحكمة بواسطة خبير او أكثر يتفق الطرفان على اختيارهم فان لم يتفقا عينتهم المحكمة. ويشترط ان يكون هؤلاء، خبراء فنيون في فحص الخط او الامضاء او بصمة الابهام، لكي يتمكنوا من البت في عائديه الخط او الامضاء او بصمة الابهام الى صاحب السند ام لا. وتجري المضاهاة بحضور الطرفين، وعند تخلف طالب المضاهاة او من نسب إليه السند رغم التبليغ، فيجوز اجراؤها بغيابه. (م 44 اثبات). ويجوز سماع الشهود الذين لهم علم بالسند موضوعه فيما يتعلق بأثبات الامضاء او بصمة الابهام، وكذلك يجوز سمع الشهود اذا كان الامضاء او بصمة الابهام قد وضحت بعض معالمها دون البعض الاخر (م 45 اثبات) وقضت محكمة التمييز (اذا قرر الخبراء ان طبعة الابهام على الورق لا تحتوي على مميزات واضحة وكافية لا جراء المضاهاة واعطاء الري بعائديتها فلا يجوز التعويل على شهادة الشاهدين اللذين وقعا على الورقة لأن ذلك يكون في حالة نقص معالم الابهام، لا انعدامها، وعلى المحكمة اعتبار المدعي عاجزا، عن الاثبات ومنحه حق تحليف خصمه اليمين)(11). ويقتصر الاثبات بشهادة الشهود على ان الخط او بصمة الابهام او التوقيع المنسوب الى الخصم المنكر، قد صدر منه ام لا، ولا ينصرف الى اثبات العقد وشروطه، وذلك احتراما للقاعدة العامة في الاثبات بعدم تمكين من يتمسك بسند انكره خصمه من ان يثبت بالشهادة في غير الأحوال التي يجوز فيها قانونا، بالنسبة للتصرف القانوني المدون بها)(12). (م 34 اثبات). اما الأوراق التي تجري عليها المضاهاة حسب نص المادة (48 اثبات) فهي : الأوراق التي اتفق الطرفان عليها، وهي تلك الأوراق التي يتفق عليها الطرفان لتكون اساسا للمضاهاة، كالعريضة المقدمة الى احدى الجهات الرسمية، وتتخذ بالاتفاق بين الطرفين، اساسا لمضاهاة التوقيع او بصمة الابهام، للسند الذي أنكره المدعى عليه (13)، وللمحكمة ان تقتصر المضاهاة على بعض الأوراق الصالحة للمضاهاة عليها (14). وفي حالة عدم اتفاق الخصوم على تعيين الأوراق التي تتخذ اساسا للمضاهاة، فتجري المضاهاة على النحو الآتي :
1-السندات الرسمية التي تحمل خط او امضاء او بصمة ابهام : تصلح السندات الرسمية مقياسا للتطبيق والمضاهاة، لان منكر السند، قد وقعها بامضائه او بصمها ببصمة ابهامه بحضور الموظف العام المختص او شخص مكلف بخدمة عامة وفي حدود سلطته واختصاصه (15). فمحضر التنفيذ المنظم من قبل الموظف المختص في حدود سلطته واختصاصه يعد من الأوراق الرسمية القضائية التي يصلح التوقيع الموجود فيها مقياسا للتطبيق (16).
2-السندات الادية المكتوبة بخط المقر نسبتها له او توقيعه عليها او المبصومة ببصمة ابهامه: اذا اقر الخصم بالسند العادي، فان هذا الإقرار بمثابة قبول منه بإجراء المضاهاة على هذا الجزء من السند (17). وتعد قائمة المزايدة من السندات الصالحة لا جراء المضاهاة (18).
3-اذا عجز المدعي عن تقديم مقياس للمضاهاة مع اصل السند الذي أبرزه، واعتمده لإثبات دعواه وطلب استكتاب خصمه المنكر، او طلب استكتابه استجابت المحكمة لطلبه، ويستكتب الخصم امامها من خط او توقيع او بصمة ابهام، وما يملي على الخصم المذكور يجب ان يكون مطابقاً لما يحويه السند الذي انكره ذلك الخصم، ويتخذ مقياسا للمضاهاة، ثم يقابل ما كتبه المنكر على السند المبرز وتجري عليه المضاهاة (19). وعلى الخصم الذي ينازع في نسبة السند إليه ان يحضر بنفسه للاستكتاب لأخذ نموذج من خطه او امضائه او بصمة ابهامه في الموعد الذي تحدده المحكمة فان امتنع عن الحضور بغير عذر جاز الحكم بثبوت نسبة السند إليه. (م 49 اثبات). وذلك لتفادي علل تعطيل الدعوى والحيلولة دون تعنت الخصم وتمرده عن الحضور، ويعتبر المرض عذرا لعدم الحضور لأخذ نموذج التوقيع (20). ويذكر ان السند العادي، اذا كان منسوبا للمدعى عليه الغائب، ولم يتمكن المدعي من اراءة مقياس للتطبيق، جاز في هذه الحالة، اصدار الحكم معلقا على الاستكتاب والنكول عن اليمين عند الاعتراض حتى ولو كان المدعى عليه قد حضر بعض جلسات المرافعة (م 41 اثبات). وللطرفين ان يطلبا اعادة المضاهاة اذا قدما سببا يبرر ذلك (م 47 اثبات) فاذا وجه الخصوم طعونا تستوجب الاعادة سواء كانت هذه الطعون شكلية متعلقة بالإجراءات، اذا كانت جوهرية، او كانت موجهة الى اعمال الخبراء، وحينئذ تعيد المحكمة اجراء المضاهاة اما بواسطة خبراء جدد او بواسطة الخبراء أنفسهم، اذا لم تكن الطعون الموجهة تمنع من اجرائها ثانية من قبلها (21). واذا جرت المضاهاة بمعرفة خبير، فعليه ان يحرر محضراً يوضح فيه ما ظهر له من نتيجة الفحص ويوقع عليه مع من حضر من الطرفين وتعطى صورة منه لمن يطلبه منهما بعد تصديق المحكمة عليه. (م 50 / أولاً اثبات) ويترتب على انكار السند الاثار الآتية :
1-رجوع المنكر عن انكاره : للمنكر ان يرجع عن انكاره قبل اجراء المضاهاة وفي هذه الحالة لا يحمك عليه بالغرامة المنصوص عليها في المادة (51) وهي لا تقل عن ثلاثة الاف دينارا، الا اذا ثبت للمحكمة انه لم يقصد بإنكاره الا مجرد الكيد لخصمه او عرقلة الفصل في الدعوى. (م 52 اثبات) فاذا ثبت سوء نية المنكر بأنه يقصد بإنكاره تأخير حسم الدعوى او الكيد لخصمه فان على المحكمة ان تحكم عليه بغرامة لا تقل عن ثلاثة الاف دينارا تستحصل تنفيذا مع عدم الاخلال بحق المتضرر في طلب التعويض، اما اذا ثبت بعض ما ادعاه فلا يحكم عليه بشيء. (م 51 اثبات).
2-ثبوت صحة الانكار : اذا ثبت صحة انكار الخط او الامضاء او بصمة الابهام، قامت المحكمة باستبعاد السند العادي الذي تم انكاره مع دراسة امكانية تحريك الدعوى الجزائية ضد الطرف الذي قدم السند الذي كان يشوبه فعل ينطوي تحت أحكام قانون العقوبات.
3-ثبوت صحة السند : اذا ثبتت صحة السند فان حجته تثبت نهائيا، الا ان ذلك لا يمنع من الطعن فيه بالتزوير اذا كان في ذلك مجال ويحكم على المنكر بغرامة لا تقل عن ثلاثة الاف دينارا تستحصل تنفيذا ولا يخل ذلك بحق المتضرر في طلب التعويض، اما اذا ثبت بعض ما ادعاه فلا يحكم عليه بشيء (م 51 اثبات).
________________________
1-مرقس، الأدلة الخطية ص247. عبدالرحمن العلام، شرح قانون المرافعات المدنية، ج2 بغداد 1972 ص539.
2-نقض مصري 28/3/1968 الطعن رقم 276 لسنة 33 ق. القاعدة الذهبية 123 ص50 الموسوعة الذهبية.
3-قرار محكمة استئناف منطقة البصرة بصفتها التمييزية المرقم 119 / تب. / 1980 في 3/7/ 1980 مجلة الوقائع العدلية، العدد (28) 1980 ص498.
4- حسين المؤمن ج3 ص340.
5-مرقس، الأدلة الخطية ص258. العلام ص541.
6-النداوي، شرح ص116.
7-قرار محكمة التمييز المرقم 1153 / م2 / 83 – 84 في 16 / 5/ 1984 مجموعة الأحكام العدلية، الأعداد (1-4) 1984 ص88.
8-حسين المؤمن، ج3 المحررات ص27 والقرارات القضائية التي يشير إليها.
9-نقض مصري 15 / 6 / 1981 الطعن رقم 233 ص49 ق. أنور طلبة، ص352 – 353. وانظر القاعدة (122) الطعن رقم 290 لسنة 34ق جلسة 30 / 11 / 1967، الموسوعة الذهبية ص49 – 40.
10-القرار المرقم 1491 في 13/12/1972. النشرة القضائية. العدد الرابع 1973 ص351.
11-القرار المرقم 212 / هيئة عامة / 1973 في 15 / 7 / 1973، النشرة القضائية، العدد الثالث 1973 ص289.
12-محمد عبد اللطيف ص337.
13-الاستاذ ضياء شيت خطاب، الوجيز في شرح قانون المرافعات المدنية، بغداد 1973 ص240. حسين المؤمن ج3 ص460.
14-الصوري ج1 ص460.
15-العبودي، أهمية السندات العادية ص 123.
16-قرار محكمة التمييز المرقم 100 / ح3 / 1969 في 29/2/1969. قضاء محكمة التمييز، المجلد السادس ص130.
17-محمد عبداللطيف ص343.
18-القرار التمييزي المرقم 193 / ح / 1965 في 6 / 5 / 1965 المشاهدي قسم الاثبات ص21.
19-الصوري، ج1 ص463. عبدالجليل برتو. شرح قانون اصول المرافعات المدنية والتجارية، بغداد 1957 ص290.
20-عبد الرحمن العلام ج2 ص561 وقرار محكمة التمييز المرقم 44 / ح3 / 1971 في 18 / 1 / 1971 المشار إليه.
21-المصدر السابق ص546.
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
انكار السندات والأوراق غير الرسمية