بحث قانوني حول إصلاح الأضرار الناتجة عن الأعمال الإرهابية
إصلاح الأضرار الناتجة عن الأعمال الإرهابية و قواعد المسؤولية الإدارية
إعداد :الدكتور الدين الجيلالي بوزيد
أستاذ القانون المشارك –قسم القانون العام –كلية الأنظمة و العلوم السياسية
جامعة الملك سعود
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
عرف العالم موجة من أعمال العنف أحدثت الفزع و روعت الآمنين ،و تسببت في أضرار جسيمة في الأنفس و الممتلكات ،ووجد العالم نفسه أمام تحديات ليست سياسية فحسب و إنما اجتماعية أكثر استدعت البحث عن وسائل للوقاية و معالجة آثارها .بجميع انعكاساتها. فقد أضحى الإرهاب ظاهرة اجتماعية تستوجب وضع القواعد التي تحكمها،و استدعى ذلك العمل على عدة محاور، الأول معرفة أسباب الظاهرة حتى يمكن التصدي لها و الحد من آثارها الضارة، و الثاني معالجة أثارها سواء على المستوى الاجتماعي و النفسي أو على مستوى المادي بإصلاح الأضرار المادية التي لحقت الأشخاص و الممتلكات .
و لكون هذه الظاهرة تجاوزت الحدود الوطنية،أصبحت جريمة ضد النظام الدولي و مصالح الشعوب الحيوية و أمن و سلامة البشرية و حقوق و حريات الأفراد الأساسية . بل شكلت تحديا للمجتمع الدولي و تنظيمه المعاصر ،فكان لا بد من التعاون الدولي للتصدي لهذه الجريمة ،فتم إبرام العديدة من الاتفاقيات الدولية ابتداء باتفاقية لاهاي 1970(لقمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات ) و اتفاقية مونتريال 1971 ثم الاتفاقية الأوربية لمنع الإرهاب 1977 و في إطار الأمم المتحدة أقرت مجموعة من الاتفاقيات الدولية لمناهضة للإرهاب منها اتفاقية اخذ الرهائن عام 1979 و اتفاقية الأمم المتحدة لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل ،التي أقرتها الجمعية العامة بالقرار 52/146 عام 1997 و اتفاقية قمع تمويل الإرهاب التي أقرتها الجمعية العامة بالقرار 54/109 عام 1999 و دخلت حيز التنفيذ سنة 2001(مايو) . كما أوصت الجمعية العام بأن تضع الأمم المتحدة اتفاقية لتصدي للإرهاب بكافة أشكاله و أنواعه كما أوصت بأن تعمد الدول إلى سن التشريعات الملائمة .لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم
و على المستوى الإقليمي أبرمت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في سنة 1998. و اتفاقية أخرى في إطار المؤتمر الإسلامي سنة 1999 ،و اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الإرهاب و محاربته في الجزائر 1999.
كما أوصى مؤتمر القمة الاستثنائي الثالث بمكة المكرمة ( 5-6 ذو القعدة 1426) بدعم الجهود الرامية إلى وضع مدونة سلوك دولية لمكافحة الإرهاب ،و كذلك عقد مؤتمر دولي أو دورة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة لتأكيد التوافق الدولي على وضع إستراتجية متكاملة لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة .
أما بالنسبة لجهود المملكة العربية السعودية فكانت ظاهرة من منطلق الشرع الجنيف الذي نهى عن الإفساد في الأرض قال تعالى “ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين “فقد كان للمملكة العربية السعودية دورا بارزا في بلورة أحكام الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في مؤتمر القاهرة 1998 وقد انضمت المملكة إلى خمس عشر اتفاقية دولية تتصل بالإرهاب و تدابير معالجته من أهمها الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/12/1999 ،كما صادقت المملكة على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في 22/4/1998 .و كذا معاهدة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب ببوركينا فاسو في 2/7/1999 و اتفاقية الوحدة الأفريقية لمنع الإرهاب و مكافحته و المعتمد بالجزائر 14/7 1999 بالإضافة إلى الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب تم التوقيع عليها بالرياض 1424 هــ .
و الملاحظة العامة على هذه الاتفاقيات و القوانين الوطنية أن عالجت سبل الوقاية من الجريمة الإرهابية و تحديد الإجراءات الواجب إتباعها لمواجهة الأعمال الإرهابية ،لكنها لم تتضمن أحكاما تتكفل بضحايا الجريمة الإرهابية .
و دون الخوض في إشكالية تعريف الجريمة الإرهابية ،و التي لا زالت تشكل نقطة ضعف في مواجهة الظاهرة نؤكد أن الجريمة الإرهابية هي نوع من العنف تقترن بالرغبة في إحداث الذعر و التوريع و أكتفي هنا بتعرف مجمع الفقه الإسلامي برابطة العام الإسلامي الذي عرف الإرهاب بأنه “العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول ،بغيا على الإنسان :دينه و دمه و عقله و ماله و عرضه .و يشمل صنوف التخويف و الأذى و التهديد و القتل بغير حق ،و ما يتصل بصور الحرابة و إخافة السبيل و قطع الطريق .و كل فعل من أفعل العنف أو التهديد ،يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ،يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر .و من صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بإحدى المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة ،أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر .فكل ذلك من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه و تعالى عنها “و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين .” –
و بما أن موضوعي هو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة الإرهابية سأكتفي ببيان أحكام المسؤولية التقليدية و بيان مدى إمكانية إسناد مسؤولية الأضرار التي يخلفها الفعل الإرهابي إلى سند يمكن الضحية من الحصول على تعويض يخفف من معانات الضحايا.
المبحث الأول
أساس المسؤولية التقليدية للدولة
لقد أصبح من أهم واجبات الدولة الحديثة توفير الأمن للمواطن و حمايته من الجريمة بكافة الوسائل ،بل أصبح من واجب الدولة تعويض ضحايا الجريمة الذين حالت الظروف دون حصولهم على تعويض من الجاني ،لإعساره أو كونه غير معروف ،فالتعويض في مفهومه الحديث أصبح يستند إلى مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة و ما يترتب على ذلك من إحساس الضحية بالعدل .
و نشير هنا إلى أن مسؤولية الدولة،في الغرب،على خلاف المسؤولية الفردية ، لم يكن مسلما بها ،و تم الاعتراف بمسؤولية الدولة على مراحل تاريخية ، و يعزى التطور ،في مجال و أساس المسؤولية، إلى تغيير النظرة إلى أطراف العلاقة في المسؤولية ،ففي البداية كان ينظر إلى مسؤولية الدولة بنوع من التردد و الريبة ،و زكى هذا الاتجاه ،النظرية التي كانت ترى أن الخطأ هو دائما خطأ الشخص الطبيعي واعتبر شرط الآدمية من شروط المسؤولية و بعد الاعتراف بمسؤولية الدولة وفق ضوابط معينة تحول الاهتمام إلى المتضرر و اقتضى ذلك تحولا في أساس المسؤولية فلم يعد الخطأ كافيا لتغطية جميع صور المسؤولية فظهرت نظرية المخاطر ثم تبلورت بموازاتها نظريات أخرى أهمها مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة .
غير أن التطور في مجال إصلاح الضرر تجاوز هذه الأسس كلها وبدأ البحث عن أساس يمكن أن يستند إليه تعويض المتضرر خارج أركان المسؤولية التقليدية و حل مصطلح الضحية محل مصطلح المضرور أو المتضرر،و يرجع ذلك إلى تحول نظام المسؤولية جزئيا من نظام قانوني إلى نظام أخلاقي ،و من مبدأ الفردية إلى اجتماعية المخاطر .. و يتجه العمل في العصر الحديث على التوسع في المسؤولية على محاور عدة، ليغطي أكبر قدر ممكن من الأضرار ،فهناك اتجاه لتوسع في فكرة الخطأ و ابتداع أنواع جديدة من الخطأ فظهرت فكرة الخطأ المفترض و مبدأ المسؤولية الموضوعية ،و يوازي هذا الاتجاه سعي إلى التضييق من أسباب الإعفاء من المسؤولية ،و محاولة تأسيس المسؤولية على أساس اجتماعي بدلا من الأخلاقي .
لقد أصبح التعويض من مسؤولية الكيان الاجتماعي الذي يتدخل عن طريق الأنظمة الاجتماعية أو الذمم الجماعية و أدى هذا إلى تنوع صور العلاقة بين المضرور و تلك الأنظمة ،على تدخل ذمة الجماعة في علاقة التعويض بين المسؤول و المضرور ،إنما يتم لحماية المضرور قبل كل شيء و لا يستند إلى فكرة الخطأ أو الذنب الأخلاقي .غير أن هذا التحول كان في حاجة إلى أساس قانوني يستند إليه مبدأ تحمل الدولة عبء التعويض عن الجريمة عامة و الجريمة الإرهابية خاصة .
لم تقر التشريعات الغربية حق ضحايا الجريمة في التعويض إلا ابتداء من منتصف القرن العشرين ،و عندما تفشت جرائم الإرهاب فتح النقاش من جديد حول مصير ضحاياها و ظهرت الحاجة إلى إصدار قوانين جديدة تعالج الظاهرة فما هو الأساس الذي استندت فما هو الأساس الذي استندت إليه هذه المسؤولية ؟
لقد قامت المسؤولية التقليدية على ثلاثة أركان و هي :الخطأ ،الضرر و علاقة السببية و بعد التوسع و التطور الذي عدل في أركان المسؤولية أصبحت المسؤولية في مجالات معينة مبنية على ركنين فقط و هما الضرر و علاقة السببية بين الضرر و الفعل الضار(العام ) المولد للضرر.
و حتى يتحمل الضرر الشخص العام (الدولة ) التعويض لا بد من إثبات العلاقة بين نشاطها و الضرر أي إثبات الخطأ المرفقي .
والسؤال هو هل يمكن اعتبار حدوث العمل الإرهابي نتيجة الخطأ المرفقي ؟.وهل يمكن مسألة الدولة دون خطأ عن حدوث الفعل الإرهابي أو ما يسمى بالمسؤولية الموضوعية استناد إلى الضرر فقط.؟
و يجب أن نشير هنا الى أننا في هذا البحث لن نتعرض لقواعد تعويض المتضررين من الجريمة بوجه عاما ،بل سنقصر بحثنا على الجريمة الإرهابية .
إن أساس المسؤولية التقليدية ، حتى في المسؤولية بدون خطأ أو المسؤولية الموضوعية ،يبدو مشكوكا في صلاحيته لإسناد المسؤولية عن الأعمال الإرهابية ،ففي النظرية التقليدية سواء على أساس الخطأ أو المخاطر لا بد من تكون هناك صلة بين الضرر و النشاط العام فإذا انعدمت فلا مجال للكلام عن المسؤولية
لقد قامت المسؤولية في البداية على أساس الخطأ و الذي يهمنا هنا هو الخطأ المرفقي الذي ينسب فيه التقصير إلى الشخص العام أي الدولة ،فهل يمكن اعتبار حدوث الأعمال الإرهابية نوع من الخطأ المرفقي الذي يمكن أن يحرك مسؤولية الدولة ؟. قبل الإجابة على هذا السؤال نعرف الخطأ المرفقي .
لقد كان هناك خلاف كبير بين فقهاء القانون حول الإقرار بوجود الخطأ المرفقي ثم تعريفه ،و هل يمكن أن ينسب إلى الشخص الاعتباري خطأ؟
في مجال المسؤولية المدنية استقر العمل على إمكانية نسبة الخطأ إلى الشخص الاعتباري ،على عكس الجانب الجنائي الذي تأخر كثيرا حتى نهاية القرن العشرين و تم إقرار مسؤولية الجنائية للأشخاص العامة (العامة أو الخاصة) .-عدا الدولة –
تعريف الخطأ المرفقي :
يعرف الخطأ بأنه الإخلال بالتزام قانوني
غير أن تعريف الخطأ المرفقي لم يكن أمرا سهلا و تنبع الإشكالية من أن الذي يتصرف باسم الشخص الاعتباري و يصدر منه السلوك الموجب للمسؤولية هو دائما الشخص الطبيعي و عليه لا بد من رسم الحدود بين الخطأ الذي ينسب إلى الشخص الطبيعي(الموظف ) أو الخطأ الشخصي و الخطأ الذي ينسب إلى الشخص الاعتباري و كانت هناك عدة محاولات لتعريف كل من الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي و نكتفي بهذا الصدد بالحديث عن الخطأ المرفقي .
– يعتبر الخطأ مرفقيا إذا كان الموظف يعتقد أنه يؤدي وظيفته وقت ارتكاب الخطأ ،و يعتبر الخطأ شخصيا إذا كان الموظف يستعين بالوظيفة كأداة لتحقيق خطئه .
– معيار الغاية : و حسب هذا المعيار يكون الخطأ مرفقيا إذا كان الموظف يهدف إلى تحقيق هدفا أو غرضا مشروعا من الأغراض التي تدخل في اختصاصات الوظيفة . و يعتبر خطأ شخصيا إذا كان يهدف إلى تحقيق غرضا (شخصيا ) أجنبيا عن الوظيفة.
-يكون الخطأ مرفقيا إذا كان مرتبطا ماديا و ذهنيا بالمرفق العام .
الملاحظ على هذه المعايير كلها أن حاولت أن تضع حدودا فاصلة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي و لكنها لم تفلح و ترك الأمر لتقدير القاضي و له أن يستعين بهذه المعايير فيما يراه منصفا .
و ما ينبغي التنبيه إليه أن الشخص الاعتباري ، من حيث المبدأ ،لا يملك إرادة واعية و لا يمكن أن ينسب إليه الخطأ ،كما أن الوظيفة هي مجموعة اختصاصات يحددها القانون و الموظف العام عندما يتصرف في حدود هذه الاختصاصات فلا مسؤولية عليه و لا خطأ ،لكنه إذا خرج عن هذه الاختصاصات فيعتبر ذلك خطأ منه يستوجب مسؤوليته الشخصية . كما يمكن أن يتحمل المرفق العام مسؤولية التعويض إذا كان الفعل الضار بواسطة وسائل المرفق العام .
لكن الأمر ليس دائما بهذه البساطة ،فكثيرا ما يتصرف الموظف بناء على اجتهاد منه في غياب النص و تقديرا منه أن ذلك من مقتضيات وظيفته ،و يخدم المصلحة العامة ،كما أن الموظف قد يتصرف بناء على أوامر صادرت من رؤسائه ،أو أن المرفق نفسه قد لا يوفر ما يلزم لأداء الخدمة المطلوبة و لا ينسب التقصير إلى الموظف بل للمرفق كحال مرفق الصحة و الدفاع المدني ..و بعبارة أخرى إن إمكانية فصل خطأ الموظف عن خطأ المرفق من الأمور الدقيقة و الصعبة و للخروج من هذه الإشكالية استقر عمل الفقه و القضاء على ما يلي :
أولا :وضع صور يكاد يكون الإجماع على أنها تمثل حالات الخطأ المرفقي
ثانيا :يمكن أن يشترك الخطآن في إحداث الضرر و يترك للقاضي سلطة تحديد نسبة المشاركة
ثالثا:يمكن تحريك الدعوى على الشخص الاعتباري لضمان تعويض الضحية و على هذا الأخير الرجوع على الموظف في حالة ثبوت خطئه .
و نتعرض لهذه العناصر بنوع من التفصيل
صور الخطأ المرفقي :
يكون الخطأ مرفقيا إذا نسب فيه الخطأ إلى الشخص الاعتباري ،المرفق العام ،غير أن الفقه لم يفلح في تحديد معيار للخطأ المرفقي فعمد إلى تحديد صور يكمن القول فيها أن الخطأ يرجع للمرفق و هي :
-أداء المرفق للخدمة بصورة سيئة :و الصورة هنا أن المرفق أدى الخدمة لكنها على وجه سيء مما تسبب في ضرر للغير ،و من المؤكد أن المرفق أدى الخدمة عن طريق موظفيه و بسلوك ايجابي ،و يرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى التنظيم السيئ للمرفق مثل ذلك انفجار أنابيب المياه في الشارع العام ، إصابة شخص بعيار ناري أثناء مطاردة الشرطة لأحد المجرمين ،إهمال حراسة حيوانات تابعة للإدارة .اعتقال أحد المواطنين دون استصدار قرار بذلك .عدم فعالية أدوات مرفق مكافحة الحرائق .
كما أن التنظيم لا يشمل الأعمال المادية فقط بل أيضا الأعمال القانونية فاللامشروعية الأعمال الإدارية تشكل أبرز الأخطاء المرفقية التي يمكن أن تحرك دعوى المسؤولية ضد الجهة الإدارية ..
-المرفق لم يؤد الخدمة :في هذه الصورة ينسب إلى المرفق عدم أداء الخدمة ،والفرض هنا أن النظام يلزم المرفق بأداء الخدمة و لا تتمتع الإدارة بأية سلطة تقديرية ،كما أن عدم الأداء لا يرجع إلى امتناع الموظف فحسب و إنما إلى عدم تقديم الخدمة، من ذلك الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية ،عدم التدخل للقبض على شخص مختل عقليا رغم إخطار الإدارة بحالة الشخص .إهمال الإدارة في إصلاح طريق عام أو وضع الإشارة اللازمة .،رفض تجديد رخصة .
-المرفق يتباطأ في أداء الخدمة . والصورة هنا أن المرفق غير ملزم بتقديم الخدمة في مدة زمنية محددة ،, إنما تأخر في تقديم الخدمة أكثر مما يجب دون مبرر .و يرجع الأمر للقاضي في تقدير المدة اللازمة لتقديم الخدمة .
من الأمثلة التي عرفها القضاء :تطوع قاصر في القوات المسلحة دون الحصول على موافقة والده،فرفع الوالد تظلما إلى الوزير المختص يطلب فيه إبطال تطوع ابنه ،تأخر النظر في الطلب ثم صدر الأمر بتسريح الشاب بعد حولي ثلاثة أشهر كان الشاب قد لقي حتفه في أحد المعارك .من ذلك .أيضا تأخر مرفق الدفاع المدني مما أدى إلى انتشار الحريق في المباني المجاورة ،تأخر المستشفي في إجراء العمل العلاجي اللازم في الوقت المناسب .من التطبيقات أيضا :تأخر توزيع البريد ،التأخر في تنفيذ حكم قضائي .
إن محاولة التفرقة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفق لم تفض إلى رسم حدود واضحة بين الخطأين ،و انعكس هذا على المتضرر الذي يجب عليه معرفة هذه الحدود حتى يتسنى له مطالبة المتسبب في الضرر أمام الجهة القضائية المختصة ،غير الاجتهاد القضاء انتهى إلى التسليم بإمكانية اشتراك الخطآن في إحداث الضرر ،و يصبح بامكان المتضرر متابعة الإدارة ، التي لها أن ترجع على الموظف ،.و يتمتع القاضي بسلطة تقديرية في تحديد نسبة المشاركة بين الخطأين ..و من أبرز هذه الأمثلة حوادث السيارة التابعة للمرافق العامة و التي يخرج فيها السائقون عن المسارات المعتادة .
و المتتبع للمسلك القضاء يلاحظ أنه سعى دائما إلى حماية المتضرر فاعتبر الخطأ مرفقيا كلما أمكنه إدخاله في صورة من صور الخطأ المرفقي ،فإذا لم يكن ذلك ممكنا بحث عن أدنى رابطة بين الخطأ و الوظيفة لكي يقحم الإدارة ويشركها في تحمل التعويض ،ولم يحمل الموظف عبء التعويض بمفرده إلا في الحالات التي يكون فيها خطأه منبت الصلة بالوظيفة .أو بنشاط المرفق
و مهما يكون الأساس الذي تقررت بموجبه مسؤولية الإدارة لابد أن تتوفر في الضرر يعض الخصائص ::
-يجب أن يكون الضرر مؤكدا و يعني هذا استبعاد الضرر المحتمل و كل تصرف أو واقعة لا تمس بالمركز القانوني .كإبداء الرأي .و هذا لا يعني استبعاد الضرر المستقبلي إذا كان مؤكدا ,كحرمان موظف من الترقية .
-أن يكون مباشرا :أي نتيجة مباشر للفعل الضار أي إثبات علاقة السببية .و يكون الضرر مباشرا إذا كان نتيجة مباشرة لفعل الإدارة و دون ـأن يتوسط بينها فعل أخر أو هو ما يكون نتيجة اتصال آلة التلف بمحله.
-أن يكون الضرر شخصيا : القاعدة أنه لا يحق لغير المتضرر طلب التعويض ،غير أن مفهوم المتضرر يتسع أحيانا ليشمل أشخاصا غير شخص المتضرر ففي حالة التعدي على العقارات قد يكون المتضرر إلى جانب المالك صاحب الحق العيني كالمرتهن و المستأجر و في حالة الاضرار التي تقع على الأشخاص يطرح موضوع ما يعرف بالضرر المنعكس أي عندما يتعدى أثر الضرر إلى الغير(قرابة المقتول )
-أن يقع على حق أو مصلحة مشروعة . فلا يمكن طلب التعويض عن الأضرار التي لا تتوفر لها الحماية القانونية ،و المشروعية هنا ترد على المحل الذي وقع عليه الاعتداء و لا عبرة بمشروعية سلوك الإدارة المولد للضرر. فلا تعويض للمغتصب عن حرمانه من المال المغتصب و لا تعويض للمشارك في الجريمة عن الأضرار التي تصيبه ..
بالإضافة الى الشروط السابقة يجب أن يكون الضرر قابلا لتقويم بالمال و قد أثار هذا الشرط كثير من الخلاف فيما يتعلق بالتعويض عن الضرر الأدبي لعدم قابليته لتقويم بالمال .
تعتبر الشروط السابقة في الضرر شروطا عامة في جميع أنواع المسؤولية ،غير أن مسؤولية الإدارة ،و خاصة الموضوعية ،تتطلب شروط خاصة في الضرر من ذلك أن يكون الضرر غير عادي يشكل عبئا خاصا يتحمله المتضرر دون باقي المنتفعين .
كما يجب أن يكون الضرر خاصا أي أصاب شخصا أو عددا محدودا من الأفراد يمكن تحديدهم اسميا ،و لا تعويض عن الضرر الذي يجب أن يتحمله الجميع ،علما أن هذا الشرط طبق بمناسبة طلبات التعويض عن القوانين (الأنظمة )و المعاهدات .
بعد هذا العرض لصور الخطأ المرفقي و شروط الضرر في المسؤولية الإدارية نؤكد أن كل صور الخطأ المرفقي تستوجب توفر شرطان
الأول :أن يكون الضرر ناتجا عن نشاط الرفق العام ،،و بمفهوم المخالفة لا مسؤولية للدولة عن الأضرار التي يتسبب فيها الأفراد لبعضهم البعض في إطار قواعد المسؤولية التقليدية
ثانيا :علاقة السببية بين الضرر و نشاط المرفق العام .
صلة الضرر بالمرفق لا تعني أن يكون الضرر ناتجا عن فعل ايجابي ،و إنما قد يكون عن سلوك سلبي ،فعدم قيام المرفق العام بالخدمة أو تنظيمه السيئ أو تباطئه ،كما أشرنا يمكن أن يشكل خطأ مرفقيا يحرك مسؤولية الدولة و بناء على ذلك إذا أمكن نسبة حدوث الفعل الإجرامي (الإرهابي ) إلى تقصير جهاز الأمن،بوجه خاص ،و الدولة بوجه عام، في منع وقوع الجريمة قد يشكل ذلك خطأ مرفقيا يمكن أـن يحرك مسؤولية الدولة على أساس الخطأ المرفقي .
قد تتحرك مسؤولية الدولة بسبب نشاط الأجهزة المختصة عن مكافحة الجريمة الإرهابية و تتحمل التعويض على أساس المخاطر إذا ثبت أن الضرر كان نتيجة نشاط الأجهزة المذكورة ،كأن يصاب شخص بعيار ناري أثناء المطاردة أو يتم تفجير بيت للغير يختبئ فيه الجناة ،أو استعمال غازات تؤدي إلى وفاة البعض بسبب الاختناق (مسرح موسكو )، كما يشمل ذلك المتعاونين مع رجال الأمن في مكافحة الجريمة الإرهابية .و كذا رجال الأمن . .
و نؤكد هنا أن جميع الأضرار المرتبطة بالنشاط العام يمكن أن تجد سندها في مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة سواء كان النشاط مشروعا أو غير مشروع و هذا ما أكده ديوان المظالم في أحد أحكامه “……إذ أن أمر الأمارة مشروع و يحقق المصلحة العامة فلا خطأ فيه و إنما يقوم على أساس من مبدأ إداري آخر أعم و أشمل من مبدأ المسؤولية على أساس الخطأ هو مبدأ المساواة الأفراد أمام التكاليف العامة ”
.و الخلاصة أن الضرر الناتج عن النشاط العام لمكافحة الإرهاب لا يثير إشكالا في التعويض عنه سواء كان ذلك على أساس الخطأ أو المخاطر ،و لكن الإشكالية الكبيرة هي في الأضرار التي تتولد عن الجريمة الإرهابية ذاتها كأعمال القتل و التفجير و إتلاف الممتلكات العامة و الخاصة ،فمن المسؤول عن هذه الأضرار ؟ هذا ما سنتعرض إليه في المبحث الثاني .
المبحث الثاني
إصلاح الضرر خارج نطاق المسؤولية التقليدية
لقد لحقت وظائف الدولة تحولات تجاوزت الوظائف التقليدية كما تجاوزت الأسس التقليدية لمسؤولية الإدارة، ساعد على ذلك توجه الاهتمام إلى المتضرر أو ما عرف في القانون الجنائي بعلم الضحية (المجني عليه ) . و ينصب هذا الاهتمام الجديد على دراسة المركز القانوني لضحية أو المتضرر و تحديد مركزه بالنسبة للدولة بصرف النظر عن المتسبب في الضرر ،و استوجب هذا التحول إعطاء حقوق للمتضرر لا ترتبط بمبدأ المسؤولية بالمفهوم التقليدي ،حيث لم يعد ينظر إلى الضرر على أنه مجرد عنصر أو ركن في المسؤولية و إنما أصبح ينظر إلى وجوب رفع الضرر عن المضرور بصرف النظر عن مصدره و أصبح موضوع إصلاح الضرر مستقلا عن المسؤولية .
غير أن هذا التحول لا زال يواجه بعض الصعوبات ،فتحمل الدولة مسؤولية إصلاح الأضرار التي تلحق أفراد المجتمع لا بد أن يسند إلى أساس موضوعي يبررها ،كما أن امكنيات الدولة قد لا تكفي و تعجز عن تحمل أعباء كل الأضرار التي يمكن أن تصيب الأفراد..
لقد كان منطلق التحول الجديد فكرة اعتبار حصول الضرر الحاصل لأحد أفراد المجتمع مشكلة اجتماعية تستدعي البحث عن آليات لمساعدة المتضرر ،و هذا ليس بدعة من الأمر فقد تقرر في كثير من البلدان مساعدة من هذا النوع منها مساعدة العاجزين عن العمل و ضحايا الجريمة وفق ضوابط معينة ،و ضحايا الكوارث الطبيعية. .و في غياب السند النظري سلكت بعض الدول الطريق الأسهل و هو طريق وضع قواعد تشريعية تقرر مساعدة للمتضررين وفق ضوابط خاصة .
لقد اعتبرت الجريمة الإرهابية أشد الجرائم الجنائية خطورة ،و ذلك لسببين :من ناحية القصد الخاصة الذي هو إحداث الذعر و الترويع و الإخلال بأمن المجتمع ،و ليس كالجريمة العادية التي يقف ضررها عند فرد أو عدد محدود من الأفراد ،و من ناحية الأضرار التي تخلفها الجريمة فقد طالت الممتلكات العامة خاصة ..و نظرا لهذه الأسباب لم يكن من الممكن تطبيق، الأحكام الخاصة بالتعويض عن الجرائم العادية ،أو ما عرف بجرائم العنف ،على أضرار الجريمة الإرهابية و هو الأمر الذي دفع بالدول إلى إصدار تشريعات خاصة بالتعويض عن الجريمة الإرهابية .
المطلب الأول
أساس تعويض ضحايا الجريمة الإرهابية
أثار مبدأ تعويض ضحايا الجريمة عموما ،و ضحايا الجريمة الإرهابية خصوصا ،جدلا واسعا في الأوساط الفقهية حول الأساس الذي يستند إليه
فقد ذهب جانب من الفقه إلى إنكار التزام الدولة بتعويض ضحايا الجريمة بوجه عام و برروا ذلك بعدة حجج منها :
– إن نظام المسؤولية الشخصية للجاني يكفي لحماية المتضرر ،بالإضافة إلى ما تقدمه نظم التأمينات من تعويض نقدي .
-،كما أن تقرير مسؤولية الدولة حسب هذا الرأي من شأنه التمييز بين الضحايا ،فهناك ضحايا الكوارث الطبيعية و ضحايا الأمراض الفتاكة،فلا مبرر لتمييز ضحايا الجريمة الإرهابية بأحكام خاصة ،ـفشبكة الحماية الاجتماعية كفيلة بمساعدة هؤلاء المتضررين كغيرهم .
– التزام الدولة التعويض من شأنه أن يؤدي إلى إهدار المسؤولية الفردية و شخصية العقوبة كما يمكن أن يقلل من حرص الضحايا لمنع الجريمة أو التعاون مع أجهزة الدولة في التبليغ عن المجرم .
-إثقال ميزانية الدولة بأعباء أخرى تضاف إلى تلك التي خصصتها للوقاية من الجريمة ذاتها مما قد يجعل الدولة عاجزة عن التعامل مع الجريمة بشكل فعال.
غير أن الرد على هذه الحجج بسيط ،فأصحاب هذا الاتجاه لا يقصرون المبدأ على الجريمة الإرهابية ،بل كما سبق و أن أكدنا ،أن المسألة تتعلق بالمتضرر الذي عجز عن إصلاح الضرر سوا كان ذلك لعدم معرفة الجاني أو عدم مسؤوليته أو كان السبب كوارث طبيعية .ثم أن الدولة تقبض من المواطن ضريبة ،فتدفع له على أساس مبدأ الغنم بالغرم .
أما الرأي المؤيد لالتزام الدولة بالتعويض فقد ساق الجج التالية :
-لا يمكن قياس أضرارا لجريمة الإرهابية على أضرار الجرائم الأخرى نظرا للفارق الكبير في جسامة الضرر ،فلا مانع من وجود نظام تكميلي يتكفل بهذا النوع من الضحايا .
-أما القول بإضعاف الإحساس بالمسؤولية الفردية ،فلا وجه له حيث أن بواعث الجريمة الإرهابية لا علاقة لها بالتعويض أو المقال المادي ،و في كل الأحوال فإن تحمل الدولة للتعويض ذو طبيعية احتياطية حتى في الجريمة الإرهابية ،إذا أمكن استفاء التعويض من الجاني ،و هذا نادر الحصول ،علما أنه يحقق للدولة الرجوع على الجاني بمبلغ التعويض في حالة ما إذا تم التعرف عليه لاحقا .,علما أن الإحصائية في بعض الدول المتطورة أثبتت أن ثلاثة من بين 167 ضحية تم تعويضهم من قبل الجناة أي بنسبة 1.8% فقط..
– أما القول بزيادة أعباء الميزانية العامة ،فها أيضا مردود عليه ،لأن الدولة يمكنها تنويع مصادر تمويل الميزانية بما في ذلك فرض ضرائب جديدة.
– من المسلم به أنه يقع على الدولة توفير الأمن و في حالة الإخلال به عليها أن تتحمل نتائج هذا التقصير بتحمل التعويض عن الضرر الذي تخلفه جرائم الإرهاب .
وإذا أردنا تقييم الاتجاهين ،المؤيد و المعارض ،نجد أنه لا تعارض بين الاتجاهين ،و كلاهما يقر بحق الضحية في التعويض ،فالاتجاه الاول يكتفي بمبدأ المسؤولية الشخصية على الاعتبار أن الحلات التي لا يعرف فيها الجاني حالات استثنائية و حتى الجريمة الارهابية فهي جريمة عابرة أو غير عادية منطلقها قناعات سياسية أو دينية خاطئة. بينما يرى الاتجاه الثاني ،ضرورة ايجاد نظام مكمل لنظام المسؤولية الشخصية و هو نظام احتياطي لا يمكن تحريكه إلا بعد أن يعجز النظام الأول على إصلاح الضرر .
و سنعرض للمحاولات الفقهية التي دعمت فكرة التزام الدولة بالتعويض .
و بعد هذا العرض
أولا:نظرية الدولة المؤمنة : .لقد حاول بعض الفقه تجاوز أسس المسؤولية التقليدية و البحث عن أساس جديد يغطي جميع الحالات التي ترى الدولة أنه من واجبها التدخل للمساعدة فقالوا بنظرية الدولة المؤمنة و رائد هذه النظرية هو موريس هوريو ،و هي في نظره النظرية الوحيدة التي تبرر مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تصيب الأفراد من جراء أعمال الشغب و الكوارث الطبيعية ،و يمكن أن نظيف لها الجريمة الإرهابية ..و أساس هذه النظرية أن هناك تأمينا متبادلا بين المواطنين و الدولة ،فالدولة هي المؤمن على نشاطها العام من الأضرار التي تصيب الغير و هذا التأمين يغطي جميع مجالات المسؤولية ،و لا علاقة له بالخطأ أو المخاطر ..كما يؤدي هذا التصور إلى تحميل الدولة واجب تعويض الضحايا مثل أي مؤمن ،لأنها قبضت أقساط التأمين من المؤمن لهم في شكل ضرائب مباشرة أو غير مباشرة .
و يضيف أحد أنصار هذه النظرية القول بأنه لا يمكن القول بفكرة الخطأ أو المخاطر أو الخطأ المرفقي ،و الأساس الوحيد التي يبرر مسؤولية الدولة هي فكرة التأمين الاجتماعي الذي يتحمله الصندوق الجماعي لمصلحة الناس الذين تضرروا من جراء النشاط العام الذي يتم لفائدة الجميع .فالدولة تتصرف كمؤمن لمشروعها الخاص و أيضا كمؤمن للمخاطر التي لا يوجد في النظام الاجتماعي أي ضمان أخر لها سوى السلطة العامة نفسها و خاصة المخاطر غير القابلة للتأمين كما هو الحال في الكوارث الطبيعية .
نقد النظرية :تقوم هذه النظرية على محض افتراض مؤداه أن الدولة تقيض الأقساط لحسابها كما هو الحال في مفهوم التأمين ،و الحقيقة أن أقساط الضرائب تنفق على النفع العام أي تعود إلى الممول نفسه بطريق أخرى ،في شكل خدامات أو مساعدات في صيغ مختلفة .،فالنظرية لا تفسر كيف يستفيد الفرد من الخدمات و في نفس الوقت يحصل على تعويض عند الضرر مقابل نفس القسط .
ثانيا : نظرية الضمان :تقوم هذه النظرية على أساس أن حق المواطن في الأمن مقرر في الدساتير و هو يفرض على الدولة التزاما بضمان حمايته من الأضرار التي تنتج عن المساس بهذا الأمن ،فالدولة ضامنة للسلم الاجتماعي و عليها أن تتحمل إصلاح الأضرار التي تصيب أفراد المجتمع و لو كانت غير ذات صلة بالنشاط العام.
تجد هذه النظرية سندها في نظرية العقد الاجتماعي ،فالأفراد قبل وجود الدولة كانوا يعتمدون على أنفسهم في الدفاع عن حقوقهم و مصالحهم و القصاص من المعتدي عليهم ،و بعد ظهور الدولة تنازل الأفراد لممثليهم عن جانب من حقوقهم في مقابل أن توفر الدولة الأمن و الاستقرار و تعمل على منع وقوع الجريمة . و ترتب على ذلك أن حظرت عليهم الثأر و أن يقيموا العدالة لأنفسهم .وينبني على ما تقدم أن وقوع الجريمة و حدوث أضرار يعد إخلالا من جانب الدولة بالتزامها القانوني في توفير الأمن .و من أشهر الذين روجوا لهذا الأساس هو بنتام في مطوله عن التشريع الجنائي .
نقد النظرية .
هذه النظرية تبالغ كثيرا و تجعل من الدولة الشخص القانوني الوحيد الذي يجب أن يتحمل التعويض ،بصرف النظر عن مصدرها .و هو الشيء الذي لا يمكن التسليم به فوجود الدولة لا يلغي مسؤولية الأشخاص القانونية الأخرى التي يمكن أن تسبب في إحداث الضرر.،كما أن الدولة لا تستطيع عمليا أن تأمن المواطن من كل أشكال المخاطر و لا بد من وضع ضوابط ،و مراعاة إمكانيات الدولة المالية .
نظرية التضامن الاجتماعي :
كما ذكرنا أن جبر الضرر في الحالات التي يكون الضرر ناتج عن النشاط العام لمواجهة العمل الإرهابي لا يثر إشكالية ،و لكن في الحالات التي يكون الضرر متولد من الجريمة ذاتها ،فمرتكب الجريمة يكون مجهولا في كثير من الأحيان أو يهلك أثناء العمل الإجرامي بفعله (الانتحاري ) أو بفعل النشاط العام المقاوم ،فمن يساعد الضحية في مصيبته ،هل يمكن أن تكون الدولة مسؤولة ؟ مع العلم أن كثيرا ما يكون ضحايا الأعمال الإرهابية من الأبرياء المدنيين.
لقد جاءت فكرة التضامن الاجتماعي كمحاولة للتأسيس لمبدأ تعويض ضحية الجريمة الإرهابية و تستند هذه النظرية إلى مبدأ الشعور الإنساني الذي يرتكز عليه كل إجراء يهدف إلى مساعدة الأشخاص الذين يوجدون في وضعية صعبة ،و هذا الشعور مبدؤه تضامن أفراد المجتمع فيما بينهم ،حتى في غياب المؤسسة الرسمية فهو نابع من الشعور بالانتماء إلى الجماعة أو الأمة و الإنسانية قبل الدولة (المؤسسة ).و في هذا السياق يجب أن تكون الدولة أول من يبادر بهذا التضامن باعتبارها ممثلة الجماعة ، و هذا لا يمنع أفراد المجتمع من المشاركة في هذا الواجب حتى في غياب الدولة أو مؤسساتها .
و مبدأ التضامن الاجتماعي ،لا يقتصر هذا نوع معين من الضرر و إنما يغطي كل ما يمكن أن يواجها الأفراد من مصاعب لا قبل لهم بدفعها كالأوبئة و الكوارث الطبيعية . و عندما تتحمل الدولة التعويض فهي تفعل ذلك بموجب التزام اجتماعي و ليس بموجب مسؤولية قانونية .
لقد شكل مبدأ جماعية التعويض منطقا مبدئيا لفكرة تحمل الدولة عبء التعويض في هذا النوع من الجرائم ،و الحقيقة أن مبدأ جماعية التعويض ليس حديثا بل يجد تطبيقاته في مجالات عديدة أولها كان في تقرير مسؤولية الاشخاص الاعتبارية عن أعمال موظفيها ،كما نعكس في نظام التأمين ذلك أن الفكرة الجوهرية
التي يقوم عليها التأمين بوجه عام هي توزيع المخاطر على أكبر عددد من الافراد ،فهو يقو على فكرة التضامن ،فتحمل الكيان الاجتماعي التعويض عن طريق الذمم الجماعية بدلا من المسؤول هو مظهر هام لجماعية التأمين .و على هذا الاساس فالتزام الذمة الجماعية أو النظام الجماعي عبء التعويض ليس هو الخطأ أو اللوم الاخلاقي ،و إنما هو لحماية المضرور استنادا الى فكرة التضامن الاجتماعي
نبني على هذا الأساس ما يلي :
-إن إصلاح الضرر ليس حقا و إنما هو مساعدة من الدولة لمن هو في حاجة إليها و بمفهوم المخالفة لا تمنح لمن تكون ظروفه المادية جيدة و لا تحدث له الجريمة اضطرابا في ظروف المعيشة .
– لا تتقرر المساعدة بمجرد وقع الجريمة أو الضرر كما هو الحال في قواعد المسؤولية التقليدية،و إنما يقرر منحها بناء على ظروف المتضرر
-كون التعويض هنا مجرد مساعدة اجتماعية لا ينعقد الاختصاص بنظر تقريره إلى القضاء ،وإنما إلى اللجان الإدارية الناظرة في طلبات المساعدات الاجتماعية .
-أن هذا النوع من التعويض ذو طبيعة احتياطية .
نقد النظرية .
إن مبدأ التضامن الاجتماعي يبقى واجبا أخلاقيا أكثر منه قانونيا فهو لا يصلح أن يكون أساس لإلزام الدولة بالتعويض عن الجريمة الإرهابية إلا إذا تحول إلى التزام قانوني .و هذا ما حدث بالفعل في كثير من الدول .
و في الأخير يمكنا القول أن النظر إلى الضرر على أنه مشكلة اجتماعية ،قبل أن يكون حق خاص للمتضرر ،غير اتجاه البحث إلى إصلاح الضرر بدل من إنصاف المتضرر من المتسبب في الضرر ،و السبب في ذلك أن المتسبب في الضرر كثيرا ما يكون مجهولا أو معسرا و أحيانا أخرى ليس بفعل شخص قانوني و في كل هذه الحالات ينبغي أن تتدخل الجماعة لمساعدة المتضرر،و أقصر الطرق هو إصدار تشريعات يتقرر بموجبها مساعدة المتضررين في مجالات محددة بشروط خاصة من ذاك المتضررين من جرائم الأشخاص في حالة عدم إمكانية حصول المتضرر على تعويض من المجرم .و لذلك وصف هذا التعويض الذي تدفعه الدولة بأنه احتياطي كما انه يتوقف على سلوك المتضرر .
و بدون مبالغة يمكن القول أن الجريمة الارهابية من أخطر الجرائم التي تستوجب مساعدة المتضررين منها لما تخلفه من أضرار جسدية في غالب الأحيان كالقتل و كذا جرائم الأموال و نظرا لجسامة الأضرار و محدودية إمكانية الدولة لجأت الدول إلى إنشاء مؤسسات بتمويل خاص تتكفل بتعويض ضحايا الجريمة الإرهابية و هو ما عرف في النظام الفرنسي بصناديق الضمان (Fonds de garantie) يتم تمويله من بواسطة الاشتراكات الخاصة بعقود التأمين على الأموال و يتمتع هذا الصندوق بالشخصية الاعتبارية و ينص القانون على تشكلة إدارة الصندوق (الرئيس و الأعضاء ).
و من أهم المجالات التي صدر فيها تشريع يقرر مساعدة المتضررين :
-التشريعات الخاصة بأضرار الحرب .1919 و 1946
-التشريعات الخاصة بالكوارث الطبيعية 1982
-التشريعات الخاصة بالكوارث الزراعية (1982
-الكوارث الخاصة بتعويض ضحايا بعض الجرائم (1977)
– التشريع الخاص بمقاومة الإرهاب و الاعتداء على أمن الدولة (1986)
-التشريع الخاص ببعض الأحكام الاجتماعية و الذي يتضمن بعض النصوص المتعلقة بتعويض ضحايا الإيدز(1991)
و في رأينا أن مسؤولية الدولة عن تعويض ضرر الجريمة الإرهابية يدخل في صميم وظيفة الدولة الاجتماعية ،بل وظيفة المجتمع ،و هي التكفل بمن هم في حاجة إلى مساعدة أين كان مصدر الضرر على أن يكون ذلك بالقدر الممكن و وفق شروط أو ضوابط تحددها القوانين .
المبحث الثالث
الوضع في النظام السعودي .
يتبلور موقف النظام السعودي من خلال القواعد العامة في الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدر جميع الأحكام ” يستمد الحكم في المملكة السعودية سلطته من كتاب الله تعالى و سنة رسوله و هما الحكمان على هذا النظام و جميع أنظمة الدول .” المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم
لقد كان موقف الشريعة من الإرهاب حاسما و حرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة الشريفة ،و المستأمن في دار الإسلام معصوم الدم و المال ،و على الدولة الإسلامية مؤسسات و أفراد التعاون على دفع هذا الخطر و التصدي له بكل ما أوتية من قوة و مواساة المتضررين من هذه الجرائم بما في ذلك المساعدة المادية ،و كما سبق شرحه لا يمكن الحديث عن مسؤولية الدولة الإسلامية إلا في حدود ارتباط تلك الأضرار بالنشاط العام مع التأكيد على أن مسؤولية الشخص العام (الدولة ) في النظام الإسلامي لم تعرف التخبط و التدرج الذي عرفته المسؤولية في الأنظمة الغربية ،فتقررت مسؤولية الحاكم (الدولة ) و كانت مسؤولية موضوعية قوامها الفعل الضرر و الضرر و علاقة السببية بينهما ..
أما فيما يتعلق بموضعنا فإن النظرية الإسلامية تتسع لتقرير مساعدة المتضررين من الجريمة الإرهابية ،فمبدأ التضامن و التعاون ،الذي أصبح يشكل أساسا لبعض حالات التعويض ،خارج نظام المسؤولية ،يعتبر من أهم دعامات التماسك الاجتماعي في النظام الإسلامي ،حيث ينبغي التواصي بالمعروف و تكسيب المعدوم و مساعدة المحتاج و الإعانة على نوائب الدهر ،و هذه المعني كلها مرعية في شريعتنا الغراء و في كل التاريخ الإسلامي كانت هذه المعاني حاضرة في الممارسة و السلوك .
و قد ترجمت الدولة السعودية هذه المعاني الى سلوك فكانت سباقة لتقديم المساعدات السخية إلى كل الشعوب الإسلامية بل كل شعوب العالم في حالة الكوارث الطبيعية و لم تتوان في تقديم الدعم للمنظمات الإنسانية العاملة في المجال الإنساني ،و هي لم تفعل ذلك من باب المعاملة بالمثل و إنما من باب أداء الواجب الشرعي اتجاه إنسان في حاجة إلى مساعدة .و في داخل المملكة كانت حكومة خادم الجرمين الشرفيين حاضرة في كل المناسبات و تم تقديم المساعدات بل كانت متميزة في حجمها و نوعها و كذا الحال بالنسبة لضحايا الجريمة الإرهابية التي عرفها المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة فكان التكفل بضحايا هذه الجريمة ليس فقط من الناحية المادية بل شمل معالجة الآثار النفسية سواء على مستوى المتورطين أنفسهم و الضحايا و بذلت جهود مشكورة بل سباقة لمعالجة أساب الجريمة قبل آثارها.
و في مجال النصوص النظامية في الأنظمة السعودية وردت الإشارة إلى التكافل الاجتماعي في بعض مواد النظام الأساسي من ذلك نص المادة 11″يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله و تعاونهم على البر و التقوى و التكافل فيما بينهم و عدم تفرقهم ” و تضيف المادة ة 27 من النظام الأساسي “تكفل الدولة حق المواطن و أسرته في حالة الطوارىء و المرض و العجز و الشيخوخة و تدعم الضمان الاجتماعي و تشجيع المؤسسات و الأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية .”
فهذه النصوص من النظام الأساسي تكون أساس قويا لسن نظاما يحدد قواعد و حدود المساعدة التي يمكن أن تقدمها الدولة لمن هم في حاجة إلى مساعدة و خاصة ضحايا الجريمة الإرهابية .. كما أن هناك الكثير من القواعد العامة التي يمكن استنباط الأحكام التفصيلية على ضوئها من أهم تلك القواعد :
-لا يطل دم في الإسلام : لقد كانت جرائم الدم في الشريعة الإسلامية من أهم الجرائم التي وضعت لها ضوابط دقيقة و أحكام مفصلة تدور أساسا حول الدية، سواء في العمد أو الخطأ، و القاعدة الإسلامية أنه لا يهدر دم في الإسلام و قد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال “أيما رجل قتل بفلاه من الأرض ،فديته من بيت المال لكي لا يطل دم في الإسلام “.
و من تطبيقات هذه القاعدة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دفع دية عبد الله بن سهل الأنصاري الذي قتل في خيبر من بيت المال ،كما روي أن رجلا قتل في زحام في عهد عمر بن الخطاب ،و لما استشار عليا ،قال يا أمير المؤمنين لا يطل دم في الإسلام فأدى عمر ديته من بيت المال .
-بيت المال وارث من لا وارث له ،وتطبيقا لمبدأ الغنم بالغرم فعليه أن يتحمل دية ما لا يعرف قاتله أو ليست له عاقلة أو وجدت و لكنها غير قادرة على السداد.
– القسامة:و هي من تطبيقات التكافل الاجتماعي ليس في إصلاح الضرر فحسب و إنما في الوقاية من الجريمة أو درء الخطر و هي وسيلة فعالة في كشف الجناة في حوادث القتل .
. و القسامة في الاصطلاح الأيمان تقسم على خمسين رجلا من أهل البلدة أو القرية التي وجد فيها القتيل ،لا يعلم قاتله و لا يدعي أولياؤه على أحد بعينه ،و سبب إعمال القسامة كما قال الإمام أبو حنيفة هو التقصير في النصرة وحفظ الموضع الذي وجد فيه القتيل ممن وجب عليها النصرة أو الحفاظ ،لأنه إذا أوجب عليه الحفظ فلم يحفظ مع القدرة على الحفظ صار مقصرا بترك الحفظ الواجب فيؤاخذ بالتقصير زجرا عن ذلك و عملا على تحصيل الواجب .و كل من كان أخص بالنصرة و الحفظ كان أولى بتحميل القسامة و الدية ،لأنه أولى بالحفظ فكان التقصير منه أبلغ .” .
– تكييف الدية في المفهوم الإسلامي يقريها من التعويض أكثر من العقوبة فهي خاصا لورثة المقتول ،و يمكنهم التنازل عنها و كذلك عن القصاص و هذا لا يلغي الحق العام إذ يمكن التعزير.
غير أن الدية ،و هي المال الذي يدفع بدلا عن النفس أو الطرف و إن تحملتها بيت المال ،لا تغطي سوى أذى النفس ( القتل و الجروح) و بالتالي فهي لا تحل إلا جزء من المشكلة . علما أن من أضرار النفس ما يمكن أن يستحق عنها الدية أو الارش ،كما أن الدية فيما دون النفس هي بديل عن القصاص في حالة الخطأ و شبه العمد أو عندما يتعذر القصاص .،فهل يمكن مساعدة المتضرر حتى مع القصاص من الجاني ؟
و الخلاصة أن قاعدة لا يطل دم في الإسلام و ما يترتب عليها من وجوب الدية في كل الحالات تغطي جرائم الأشخاص ،و بالتالي نعتقد أن تعويض ضرر النفس و ما دون النفس لا صعوبة فيه وفقا لهذه القاعدة ،و هو الحد الذي وصلت إليه القوانين الغربية الحديثة .،فما هو الأساس الذي يمكن أن يسند إصلاح الضرر في جرائم الأموال أو الممتلكات التي تخلفها الجريمة الإرهابية ..
فكرة صناديق الضمان
أثارت مشكلة الأضرار التي تنتج عن الجريمة الإرهابية كثير من الصعوبات منها الكثير من الدول _ و منها الممكلة لا يوجد بها قانون يحدد قواعد التكفل بضحايا الجريمة الارهابية ،كما أن تطور وسائل الجريمة ساعد على ارتكاب الجريمة دون الوجود في مسرح الجريمة ،مما يخشى معه أن تصبح الجريمة الارهابية بلا مسؤول معروف ،بالاضافة الى ما سبق فإنه حتى في الدول التي شرعت قوانين خاصة للتكفل بضحاي الجريمة الارهابية فإن التعويض لا يغطي سوى الاضرار الجسدية دون غيرها من الاضرار لمواجهغأما خفاء بعنظرا للأضرار الجسيمة التي خلفتها الجريمة الإرهابية لجأت بعض الدول (فرنسا) إلى إنشاء صناديق ضمان بموارد خاصة تتكفل بتعويضات الأعمال الإرهابية ،و الملاحظ أن هذه الصناديق جاءت لسد ثغرات في النظام القانوني الذي عجز عن إسناد مبدأ إصلاح الضرر الناتج عن الجريمة الإرهابية ،وبالرجوع إلى قانون الصندوق،و الذي اعتبر إنجازا تشريعيا يحقق التضامن الاجتماعي ،نلاحظ أنه لا يكفل سوى الأضرار الجسدية الناشئة عن جرائم الإرهاب دون غيرها من الجرائم المالية البحة و ما يتولد عنه من أثار مالية كمصاريف العلاج و كذا الأضرار النفسية .
التضامن الاجتماعي كسند لمبدأ المساعدة
تتميز الشريعة الإسلامية بنظرتها الاجتماعية ،فالمجتمع المسلم كيان واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى و مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل البنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ،مجتمع من هذا النوع ،يشكل بذاته مؤسسة اجتماعية تقوم على التعاون بين الأفراد ،و الدولة جزء من هذا النظام ،فالشريعة الإسلامية لها الفضل على المجتمعات الغربية التي لم تصل إلى ما وصلت إليه الشريعة من تضمان اجتماعي . و أعطي مثالا في سياق المسؤولية ،إن التعويض عن الجريمة و الجريمة الإرهابية لم يعتمد إلا بقانون 9 سبتمبر 1986 بينما القاعدة في الشريعة “لا يطل دم في الإسلام و بيت المال تتحمل دية من لا يعرف قاتله و في الصور الأخرى التي ذكرناها .
و من هذا المنطلق انتهي إلى القول أحكام الشريعة الإسلامية تتسع لتكفل بضحايا الإرهاب ،ليس فقط بالنسبة للجرائم التي تقع على النفس بل،و ذلك بموجب الدية ،بل و يمكن أيضا أن يمتد لجرائم الأموال .
و يجب أن نأكد هنا الى أن واجب التكافل الاجتماعي هو واجب شرعي فردي قبل المؤسسة (الدولة) و بالتالي على أفراد المجتمع المسلم المبادرة الى التعاون و توظيف العمل الخيري في هذا السياق ،كما أنه يجب على الدولة القيام بواجبها في هذا الصدد بإنشاء صناديق تمول بموارد استثنائية إذا لم تتحمل بيت المال هذا العبء كالضرائب و الرسوم و حث الأفراد على المساهمة في تمويل مثل هذه الصناديق.
و الخلاصة أن الشريعة الاسلامية تحث على التكافل الاجتماعي و مساعدة المتضررين من الجريمة الإرهابية و خاصة جرائم الأشخاص ،و يتسع لجرائم الأموال أيضا ،غير أن إقرار هذا المبدأ يحتاج إلى أن توضع له قواعد تضبطه تستند إلى القواعد التالية
-أن مبدأ التضامن الاجتماعي ليس مسؤولية الدولة فقط ،بل هو واجب كل فرد في المجتمع الإسلامي و ينبغي أن يساهم فيه أفراد المجتمع و خاصة المقتدرين و كذلك الدولة في حدود إمكانياتها .
– هذا التعويض ينبغي أن يكون تعويضا احتياطيا فإذا أمكن تحصيله من الجاني فهو الأصل .
-في الحالات التي تتحمل فيها بيت المال دية أذى النفس يخضع مبدأ التعويض لضوابط الشريعة الإسلامية المنصوص عليه في كتب الفقه .
-في حالة الأضرار المالية لا تتحمل الدول أي مسؤولية و إنما يمكن أن تقرر مساعدة ما حسب إمكانية الدولة ،كما يجب على الأفراد و المؤسسات الخيرية تقديم المساعدة الممكنة للضحايا
و رغم تسليمنا بسعة قواعد الشريعة الإسلامية لمعالجة الكثير من إشكالات الجريمة الإرهابية إلا أننا نرى أ إصدار نظام يعكس قواعد الشريعة في الموضوع سيسهل مهمة الجميع و خاصة الضحايا و القاضي لأن العملية تحتاج إلى ضوابط معينة نذكر منها:
– مبدأ التعويض عن أضرار الإرهاب يختلف عن مبدأ التعويض في المسؤولية الإدارية ،فالتعويض في حالة الجريمة الإرهابية لا يعدو أن يكون مساعدة تقدمها الدولة للمتضررين استناد إلى مبدأ التكافل الاجتماعي ،ذلك ان ضمان الدولة لأذى النفس يكون على فرض تعذر معرفة المسؤول أو الضامن و لا يشمل جرائم الاموال. .
– التعويض في المسؤولية يكون كاملا بينما ليس شرط أن يكون كذلك في حالة الجريمة الإرهابية لأن المتسبب في الضرر ليس النشاط العامة أي ليس مرفقي .فقد تقرر مساعدة معينة ،وقد تنعدم لبساطة الضرر أو أن يكون المتضرر ميسورا.
-ينبغي تحديد الأشخاص الذين يشملهم التعويض و هل يمتد إلى الأجانب أيضا و المشاركين في الفعل الإجرامي أو المتعاونين معهم ..
-كذ1لك لا يد من تحديد نوع الضرر القابل لتعويض و هل يشمل ذلك جرائم الأشخاص(أذى النفس ) فقط أم يمتد إلى جرائم الأموال ،و هل يمكن تعويض الضرر الأدبي و الجمالي و الضرر الأدبي المنعكس .
-النظر في مسألة التعويض التكميلي ،و هو الذي يغطي الضرر الجسدي الذي لا تظهر نتائجه حال ارتكاب الجريمة و إنما بعد فترة من الزمن ،فقد يتطور الكسر مثلا إلى عاهة مستديمة أو يتطور الجرح إلى بتر العضو ،و لذا كان من حق المتضرر أن يطالب بتعويض تكميل .
-سقف التعويض : بالنسبة لأذى النفس ليس هناك مشكلة و لكن في جرائم الأموال تكون حسب جسامة الضرر فهل يحدد لها سقف لا يتجاوزه كما هو الحال في جرائم الأشخاص في الشريعة الإسلامية .
– مسالة التعويض العاجل:قد يكون الضحية في حاجة إلى مساعدة عاجلة لمواجهة الاضطربات التي لحقت حياته المعيشية ،فكيف تقرر هذه المساعدة العاجلة و شروطها و إجراءاتها .
– الجمع بين عدة تعويضات :هذه أيضا قضية ينبغي الفصل فيها ،إذ قد يحصل المتضرر على مساعدة من الدولة و تتكفل صناديق التأمينات الاجتماعية بنوع من التعويض أو المجرم نفسه في حالة معرفته لاحقا.
– مصدر الأموال التي دفع للمتضررين (التمويل ) هل تتكفل خزينة الدولة بدفع مبالغ التعويض أو تنشأ هيئات (صناديق) يحدد النظام طريقة تمويلها من مساهمات شركات التأمين و الاقتطاعات الضريبية و مساهمة المحسنين .،و كذا الأموال المصادرة في الجرائم عموما و الجريمة الإرهابية خصوصا حسب نص المادة 8 من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب . .
-الجهة القضائية المختصة بالنظر في دعوى التعويضات :هل تسند هذه المهمة للقضاء العام ، خاصة الجنائي، باعتبار التعويض مرتبط بالجريمة ،أو توكل إلى هيئة تنشأ لهذا الغرض (لجان التعويض ) و ينص القانون على تشكيلها و طرق الطعن في قراراتها ،أم تسند إلى ديوان المظالم باعتبارها باعتباره جهة قضاء إداري تختص بالنظر في منازعات الإدارة العامة .
كل هذه الإشكالات ينبغي أن يحلها النظام و لا مانع من الاستفادة من تجارب الدول التي عرفت هذه الظاهرة .
و الله الموفق
الخاتمة :
شكل علم الضحية أو المتضرر منطلقا جديد للبحث عن أسس تكفل مساعدة الضحايا خارج الأسس التقليدية للمسؤولية الإدارية ،و كانت أضرار الجريمة الإرهابية من الموضوعات الحديثة التي شغلت الباحثين ،وكون هذه الظاهرة عالمية ،أي مست كثير من الدول وحدت الاهتمام بالظاهرة .
لقد عجزت الأسس التقليدية عن إسناد مبدأ إصلاح الضرر الناتج عن الجريمة الإرهابية بسبب أن المسؤولية التقليدية سواء كانت على أساس الخطأ أو المخاطر تشترط صلة الضرر بالنشاط العامة الايجابي أو السلبي . فلا يمكن إعمال قواعد هذه المسؤولية إلا إذا كان الضرر ذا صلة بالمرفق العام .
و أمام هذا الواقع سعت الدول إلى إيجاد حلول ارتكزت في معظمها على نصوص تشريعية تحدد قواعد التكفل بضحايا الجريمة الإرهابية و لكن هذه الحلول لم تشكل في الحقيقة سوى مساعدة للضحية في جرائم الأشخاص فقط و لم تشمل بعد جرائم الأموال .و لم يفلح الفقه في إيجاد معيار يسند مساعدة الضحية و حاول توظيف مبدأ التضامن الاجتماعي و بعض مبدأ حقوق الإنسان (الحق )في الأمن لكنه لم يستطيع بناء نظرية متكاملة تصلح أساسا فلسفيا لدعم مبدأ إصلاح الضرر الناجم عن الجريمة الإرهابية . ولا زال القاضي عاجزا عن منح تعويض كامل أو تقرير أية مساعدة في غياب النص التشريعي .
أما في الشريعة الإسلامية فإن الدية يمكن أن تغطي إصلاح الضرر في حالة جرائم الأشخاص أو في النفس (القتل )و ما دون النفس ، و حتى مع عدم معرفة القاتل ،فيتحمل بيت المال دية ما لا يعرف قاتله ،و القاعدة أنه لا يطل دم في الإسلام . و لكن ماذا لو كان المتسبب في الضرر معسرا؟
أما بالنسبة لجرائم الأموال ،و التي لم يتقرر التعويض عنها في الأنظمة المقارنة ،فإن
مبدأ التكافل الاجتماعي يتسع لإقرار مبدأ التكفل بضحايا الجريمة الإرهابية ،و لكن ينبغي التأكيد على أن التكافل الاجتماعي في مفهوم الشريعة ينهض به كل المجتمع أفراد و مؤسسات و ينبغي على الجميع المساهمة بالطرق التي يختارها المجتمع فيمكن أن تقوم بذلك مؤسسات أو جمعيات او صناديق تحدد طريق تمويلها .
و بما أن المملكة العربية السعودية عرفت كغيرها من الدول هذه الظاهرة و هي دولة تحكم شرع الله نقترح إنشاء صندوق لتعويض ضحايا الجريمة الارهابية ،ليمتد إصلاح الضرر إلى جرائم الأموال و حالات أذى النفس التي لا تتحملها بيت المال .و بالنسبة لتمويل الصندوق يمكن تنويع مصادر تمويله من خزينة الدولة ، التبرعات، و حتى الضرائب إذا لزم الأمر.،و الاقتطاع من أقساط التأمين على الممتلكات .
و لكن الأمر المهم الآن هو إقرار المبدأ ووضع آليات أو قواعد تنظيمية تحدد شروط الحصول على المساعدة كيفية تقدير التعويض و أنواعه و الجهة المختصة بالنظر في مثل هذه القضايا .
و نأمل أن تكون هذه الدراسة ساهمت بإلقاء الضوء على جانب من الموضوع ،كما نأمل أن يصدر قريبا في المملكة نظام يضبط موضوع إصلاح الضرر الناتج عن الجريمة الإرهابية
المراجع “
1- ابن حزم ،المحلى ،دار الجبل ،بيروت
2-بوزيد ،الدين الجيلالي محمد ،أحكام الضرر في المسؤولية الإدارية ،مجلة الإدارة العامة العدد الثاني ربيع الأخر 1424 هـ2002 م.
3- بوزيد،الدين الجيلالي محمد ،أساس مسؤولية الإدارة الموضوعية ،مجلة الإدارة العامة ،العدد الثاني ربيع الأخر 1425-2004 م
4-التركي ،عبد الله بن عبد المحسن ،موقف الإسلام من الإرهاب ،و جهود المملكة العربية السعودية في معالجته
5- الخفيف،علي الضمان في الفقه الإسلامي ،جامعة الدول العربية ،معهد البحوث و الدراسات العربية ،1970مـ
6- الزرقد ، أحمد السعيد ،تعويض الأضرار الناشئة عن جرائم الإرهاب ،الاتجاهات الحديثة في القانون المقارن ،مجلة الحقوق ، الكويت 1418هـ- 1997م
7- سلامة ، وهيب عياد ،مسؤولية الإدارة بدون خطأ عن أعمالها المادية ،دراسة تحليلية ،مقارنة لاتجاهات القضاء في فرنسا و مصر ،دار النهضة العربية 1989
8- الطائي، عادل أحمد ،المسؤولية المدنية للدولة عن أخطاء موظفها ،دار الثقافة للنشر و التوزيع،عمان الأردن ، 1999..
9-عبد السلام ،سعيد ،التعويض عن ضرر النفس ،مؤسسة شباب الجامعة ،الإسكندرية 1990
10- عبد الكريم ، فؤاد محمد موسى ،فكرة التضامن القومي و حقوق ضحايا الإرهاب –نحو أساس جديد للمسؤولية ،دار النهضة العربية 1998
11- عبد اللطيف ،محمد محمد ،التطورات الحديثة في مسؤولية الإدارة ،دار النهضة العربية ،القاهرة 2000
12-عقيدة ،محمد أبو العلا،تعويض الدولة للمضرور من الجريمة ،دراسة مقارنة في التشريعات المعاصرة و النظام الجنائي الإسلامي ،دار النهضة العربية ،1425هـ2004م
13-الفقي ،أحمد عبد اللطيف،الدولة و حقوق ضحايا الجريمة ،دار الفجر للنشر و التوزيع ،القاهرة 2003 مـ
14- قاسم ،محمد أنس ،التعويض في المسؤولية الإدارية ،مركز البحوث ،جامعة الملك سعود 1408 هـ-1988م
15- وافي ،علي عبد الواحد ،المسؤولية و الجزاء في الإسلام،شركة مكتبات عكاظ للنشر و التوزيع 1983
المراجع الأجنبية
1-Ghislaine.(D).Terrorisme,victimes et responsabilite penale internationale.
Paris.Calmann levy 2003
2- G.Viney.la responsabilite ;Archives de philosophie du droit .1990
3- Szabo;La victimonogie ,la politique criminelle .R.I.C.P.1981.P393 .
4- Lucein.Sfez;Essai sur la contrubition du doyen Haoriou au droit administrative.L.G.D.J. 1966
5- Pardon.(J).la France a l’epreuve du terrorisme;Regression au Progression du droit .R.S.C.1994.P709
6- Querol(F).Le financement du fonds de garantie.R.F.D.A.1987.p 911
بحث قانوني حول إصلاح الأضرار الناتجة عن الأعمال الإرهابية