بحث ودراسة قانونية كبيرة عن جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء
دكتور/ صخر عبد الله الجنيدي
دكتوراه في القانون الجنائي
عمل محامياً أستاذاً
يشغل وظيفة مدعي عام دائرة الجمارك
(أعتذر عن تقسيمي للموضوع لأجزاء نظرا لطوله، لكن هذه روابط الأجزاء المتممة له)
::: جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء ::: (الجز 2) للأكاديمية
::: جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء ::: (الجزء 3) للأكاديمية
تمهيد
نظراً لازدياد النشاط المالي والتجاري في البلاد في السنوات الأخيرة الناجم عن الانفتاح الاقتصادي وما ترتب على ذلك من تشعب القوانين والأنظمة التي تنظم عملية مكافحة التهريب بكافة أنواعه وتعقدها وما يهيئه ذلك لمن لا يراعي حرمة القانون من فرص للعبث بالأمن والاقتصاد الوطني وما تقتضيه مكافحة هذا الوباء من تهيئة كوادر مسلحة بالفكر القانوني لتقف وترابط على خط الدفاع الأول ودفاعاً عن تراب الوطن وأمنه واقتصاده فقد اجتهدنا أن نرسي أسس نظرية التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء وخروجها عن قواعد الاختصاص الجنائي.
وعلى الرغم من الأهمية البالغة (لنظرية التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء) وغيرها من الجرائم المستمرة، فإن نصيبها من البحث العلمي والمؤلفات الفقهية محدود جداً، وقد حرصنا في مؤلفنا هذا أن نمزج بين المعلومات القانونية والمنطق وبين الخبرة العملية التي استمديناها عبر سنوات في أعمال المحاماة والجمارك الأردنية، فكان هذا المؤلف جامعاً بين الجانبين النظري والعملي بالاضافة إلى ما تمثله هذه الدراسة العملية المقارنة من قيمة علمية في حد ذاتها باعتبارها تتيح السبيل إلى تقييم التشريع الوطني وتكشف النقص فيه وتنبه المشرع إلى سدها.
وإني إذ أقدم هذا المؤلف العلمي المتواضع إلى جميع كوادر دائرة الجمارك والأجهزة الوطنية الأخرى التي تسهر وترابط على طول الحدود الأردنية دفاعاً عن مقدرات هذا الوطن وإلى القراء من فقهاء وقضاة وكلي أمل أن يكون باكورة لأعمال قانونية وفقهية متخصصة في جريمة التهريب والفقه الجنائي.
القسم الأول
مفهوم وأنواع جريمة التهريب الجمركي
المبحث الأول:
مفهوم جرائم التهريب الجمركي
جرياً على سنة العديد من التشريعات الأجنبية فإن قانون العقوبات الأردني لم يعرف الجريمة، ولكنه نصّ في المادة (55) على أن الجرائم تنقسم إلى 1- جنايات، 2- جنح، 3- مخالفات، كذلك لم يرد بقانون الجمارك الأردني رقم 20 لسنة 1998 تعريفاً للجريمة الجمركية والتي يعرّفها الأستاذ مصطفي رضوان على أنها “كل إخلال بالقانون أو النظم الجمركية”، على أننا نؤثر تحديدها بأنها: “كل عمل إيجابي أو سلبي يتضمن خرقاً للتشريعات واللوائح الجمركية ويلحق ضرراً في مصالح الدولة، ويقدر الشارع من أجلها عقوبة”، ولكن المشرع الجمركي الأردني سلك مسلكاً مغايراً بتعريفه للتهريب الجمركي، وأنه بذلك قد خرج على السياسة الجنائية العامة، حيث نصّت المادة (203) من قانون الجمارك الأردني على أن التهريب هو: “إدخال البضائع إلى البلاد أو إخراجها منها بصورة مخالفة للتشريعات المعمول بها دون أداء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى كليّاً أو جزئياً أو خلافاً لإحكام المنع والتقييد الواردة في هذا القانون أو في القوانين والأنظمة الأخرى” …
ونلاحظ هنا أن التشريع الجمركي الأردني يرتب المسؤولية على إدخال البضائع إلى المملكة أو إخراجها منها خلافاً لأحكام التشريع الجمركي الأردني أو أي تشريع آخر بما في ذلك البضائع الممنوعة، حيث ينقسم التهريب الجمركي من حيث المصلحة المعتدى عليها إلى تهريب ضريبي وغير ضريبي ..
1) التهريب الضريبي: ويتحقق بإدخال البضائع أو إخراجها بطريق غير مشرع دون أداء الضريبة الجمركية المستحقة، وهو يقع إضراراً بمصلحة ضريبية للدولة، ويتحقق هذا الإضرار بحرمانها من تلك الضريبة ..
2) التهريب غير الضريبي: تقع الجريمة في هذه الصورة من حيث صور التهريب إضراراً بمصلحة أساسية للدولة غير مصلحتها الضريبية، فهي ترد على منع بعض السلع التي لا يجوز استيرادها أو تصديرها بقصد خرق الحظر المفروض بشأنها مخالفاً للقوانين والتعليمات المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة.
ويطلق الدكتور أحمد فتحي سرور على التهريب غير الضريبي اصطلاح (التهريب الاقتصادي) تمييزاً له عن التهريب الضريبي. وذلك على أساس الهدف الذي يتوخاه المشرّع من العقاب عليه؛ وهو حماية المصلحة الاقتصادية للدولة كما أنه كثيراً ما ينطوي التهريب الاقتصادي على تهريب ضريبي، لأن المال موضوع التهريب الاقتصادي غالباً ما يكون وعاءاً للضريبة الجمركية ..
ونحن وإن كنا لا ننكر وجاهة هذا الرأي إلا أنه من العسير قبوله على إطلاقه، ذلك لأن التهريب الاقتصادي لا يمثل سوى أحد صور التهريب غير الضريبي، كما أنه مما يُؤخذ عليه أنه عمّم الصفة الاقتصادية للتهريب غير الضريبي حيث يراد به حماية مصالح أخرى غير اقتصادية، لذا فإننا نتفق مع رأي الدكتور عوض محمد الذي انتقد هذه التسمية، ورأى فيها قصوراً عن الإحاطة بحقيقة هذا النوع من أنواع التهريب، لأنه لا تلازُم بين التهريب غير الضريبي والمصالح الاقتصادية للدولة، فالقيود التي تفرضها الدولة لمنع الاستيراد أو التصدير لا تهدف إلى رعاية مصالحها الاقتصادية فحسب، وإنما قد تريد بها حماية مصالح أخرى، فقد تكون الاعتبارات السياسية أو العسكرية السبب في الرقابة الجمركية كما هو الحال عندما تحظر الدولة استيراد البضائع من بلاد معينه، بقصد الضغط على هذه البلاد، وقد تكون الغاية اجتماعية عندما تفرض الدولة ضرائب جمركية باهظة على استيراد الخمور أو ورق اللعب، تنفيراً للناس من الإقبال عليها.
وقد تكون الغاية خلقية أو تربوية عندما تمنع الدولة استيراد المطبوعات والصور المخلّة بالآداب. وقد تكون الغاية صحية، كما هو الحال في حظر استيراد المواد المخدرة والسموم والسلع الفاسدة. وقد تفرض الرقابة لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة، مثال ذلك: حظر استيراد المفرقعات والأسلحة النارية.
وقد تبغي الدولة من فرض هذه الرقابة حماية الثقة العامة وصيانة سمعتها في الخارج، كما هو متحقق بالنسبة لحظر استيراد وتصدير العملات المزورة ..
إن الرقابة الجمركية لا تحقق غرضاً في ذاته بل أنها تخدم في ذات الوقت أكثر من غرض وتحقق عدّة غايات، وهذا هو الواقع المألوف نظراً لتشابك مصالح الدولة وارتباط كل منها بالآخر، وقد تتغير أهداف الدولة والأسباب التي تدعو إلى الرقابة الجمركية في الدولة الواحدة من وقت لآخر.
ونظراً لتغيير الظروف الداخلية والظروف الخارجية، وعلاقاتها مع الدول الأخرى؛ فعدو الأمس يكون صديق الغد، فالعلاقات الدولية ليس لها ثوابت، والظروف الدولية قد تفرض معطيات تتغير بظهور معطيات أخرى على السطح، لذلك فإن باستخدام الرقابة الجمركية قد تتعدد أسبابه، وبالتالي صور الرقابة الجمركية من وقت لآخر، فلكل دولة ظروفها، فهذه دولة ترغب في حماية صناعتها الناشئة، وتلك دولة ترغب في غزو أسواق العالم فمن الطبيعي أن يكون لكل دولة على حده حسب أهدافها؛ أساليب الرقابة الجمركية التي تختلف عن أساليب الرقابة الجمركية في الدولة الأخرى..
يتضح مما تقدم أن الإخلال بالقواعد الجمركية، هو عامل من العوامل الهدّامة للاقتصاد القومي، لما ينتج عنه من ضياع لحقوق الخزانة العامة، وقضاء على الصناعات الوطنية، الأمر الذي يؤدي إلى خسارة فادحة في الدخل القومي، وفي العمالة، ويسبب انتهاكاً للنظام العام، فتعم الفوضى وتفسد الأخلاق وتنتشر البطالة، ويهاجر المواطنون الشرفاء سعياً وراء لقمة العيش.
وفي هذا الصدد فإننا نؤيد رأي البروفيسور الروسي (جالينسكي) الذي يؤكد أن الخطر الاجتماعي للجريمة الجمركية يتمثل في هدم نظام المدفوعات الجمركي خلافاً لمصالح الدولة الاقتصادية والدليل على ذلك أن مجموع الرسوم والضرائب الجمركية التي تعرّضت للضياع في عام 1991 بلغت (343.2) مليون دينار أردني، أما في عام 1995 فقد بلغت (642.1) مليون دينار أردني؛ وبهذا نرى وبشكل واضح الازدياد المستمر للجرائم الجمركية، ونتيجة لذلك تزداد حجم الموارد المالية التي تعرّضت للضياع، لكل هذا نرى أن الحرص على مصلحة الوطن يُبرر، إلى حد بعيد، ما ذهب إليه الشارع من خروج على القواعد العامة في قانون العقوبات من أجل ردع الجرائم الجمركية ..
وهنا يثور الخلط أحياناً بين التهريب الجمركي وبعض صور التهريب الأخرى، كتهريب الذهب والنقد والمصوغات، وتهريب المخدرات، وتهريب الأسلحة والذخائر.
مبعث الخلط بينهم أن محل التهريب هو البضائع، وقد استخدمت المادة (203) من قانون الجمارك الأردني لفظ البضائع وهي عبارة مطلقة – والمطلق يجري إطلاقه – وهي تشمل كل مادة طبيعية أو منتج حيواني أو زراعي أو صناعي، بما في ذلك الطاقة الكهربائية.
إن لفظ البضائع من العموم والشمول حيث ينصرف إلى كل شيء مادي يمكن تداوله وحيازته وتملكه من جانب الأفراد سواء كان ذا صفة تجارية أو غير تجارية، أي للاستعمال الشخصي.
ويتفرّع عن ذلك أن كلاً من الذهب والنقد والمصوغات والمخدرات والأسلحة والذخائر والتبغ: هي أشياء مادية قابلة للتملك والحوالة والنقل والحيازة، ومن ثم تُعدّ من قبيل البضائع، الأمر الذي قد يوحي بأن صور التهريب المشار إليها تخضع لأحكام قانون الجمارك ..
إن قانون الجمارك يُعدّ – في مجال التهريب – بمثابة القانون العام، إذ يشمل كافة صور التهريب، ومن ثم نكون أمام قانونين؛ أحدهما عام، والآخر خاص.
وعملاً بالقاعدة العامة من قواعد التفسير، والتي تقضي بأن الخاص يخصص العام، فإن حالات التهريب المشار إليها تفلت من نطاق أحكام قانون الجمارك وتطبّق بشأنها الأحكام الخاصة التي قررها المشرّع في القوانين الخاصة التي تحكمها.
ويبقى اصطلاح التهريب الجمركي مقصوداً به عند إطلاقه تهريب البضائع من الضرائب الجمركية أو بالمخالفة لنظم المنع، والذي يخضع لأحكام قانون الجمارك، وذلك إذا لم يكن تهريب البضائع الممنوعة مُعاقب عليه بمقتضى قانون آخر.
وقد استقر الاجتهاد على أنه مع قيام قانون خاص، فإنه لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا بما لم ينظمه القانون الخاص.
وأن أساس المفاضلة بينهما إنما تكون عند وحدة الفعل المنصوص عليه في كل منهما، وحدة تشمل كل عناصر هذا الفعل وأركانه ..
المبحث الثاني
أنواع التهريب الجمركي
ينقسم التهريب الجمركي إلى عدة أنواع بحسب وجهة النظر التي يبنى عليها التقسيم، غير أن أهم ما يلاحظ على تلك التقسيمات أنها متشابكة ومتداخلة بحيث يتعذر الفصل بينها في الكثير من الأحوال، كما أنها تتفاوت في أهميتها وفائدتها، وأهمها ما يلي:
أولاً: من حيث الركن المادي للجريمة: ينقسم التهريب الجمركي إلى حقيقي وحكمي.
1- التهريب الحقيقي: هو الصورة الغالبة في التهريب، سواء وقع الاعتداء على مصلحة الدولة الضريبية أو غير الضريبية، ويتحقق هذا النوع من التهريب بإدخال بضاعة تستحق عليها ضريبة جمركية إلى البلاد، أو بإخراجها منها بطريقة غير مشروعة دون أداء هذه الضريبة، أو باستيراد أو تصدير بضاعة يحظر القانون استيرادها أو تصديرها.
وتكتمل عناصر الركن المادي في هذه الجريمة بأن يقوم الجاني بالأفعال الآتية:
أولاً : إدخال البضائع إلى إقليم الدولة أو إخراجها منه.
ثانياً : أن يتم ذلك بطريقة غير مشروعة.
ثالثاً : عدم أدار الضرائب الجمركية والضرائب الأخرى.
وعادة ما يقترن إدخال البضائع أو المواد الأخرى أو إخراجها بطرق احتيالية وإن كان ذلك ليس شرطاً لازماً لوقوع التهريب ولكن الاطلاع على قضايا التهريب ليكشف عن أمثلة كثيرة للطرق الاحتيالية التي يتفنن المهربون في الالتجاء إليها – نذكر منها على سبيل المثال:
1. أن يفرغ المهرب عصاه ويضع فيها الشيء المراد تهريبه.
2. أن يخفي المهرب الماس في غليونه.
3. إخفاء الأشياء المراد تهريبها في أماكن مستورة من جسم الإنسان.
4. إخفاء الأشياء المراد تهريبها في أماكن سرية في حقائب المسافرين كأن يضعها في قاع الحقيبة ثم يغطيها بطبقة من الجلد وفوقها قطعة من القماش.
5. إخفاء الأشياء المراد تهريبها في جزء من باب العربة ثم خياطته.
6. تهريب الذهب بأن توضع محل النمرة النحاسية المعلقة خلف السيارة قطعة من الذهب تصب بشكل خاص لتتخذ شكل هذه النمرة تماماً ثم تطلى بالطلاء الخاص بها.
7. إخفاء المجوهرات في تجويفات داخل ألواح خشب أرضية السفينة.
2- التهريب الحكمي:
وهو نوع من التهريب لا يدخل ضمن الإطار العام لجريمة التهريب، إذ تتخلف عنه بعض العناصر الجوهرية التي يتكون منها التهريب بمعناه المألوف إلا أن المشرع الجمركي ألحقه بالتهريب الحقيقي وأجرى عليه حكمه، لأنه يؤدي إلى ذات النتيجة التي يؤدي إليها التهريب الحقيقي وان اختلف معه في الشكل. ([1])
وتجدر الإشارة إلى أن كلاًّ من النوعين يمكن أن يشكل تهريباً ضريبياً أو غير ضريبي، فنكون بصدد جريمة تهريب حقيقي ضريبي، أو غير ضريبي، وجريمة تهريب حكمي ضريبي أو غير ضريبي حسب الحال. هذا وقد نصت المادة (204) من قانون الجمارك الأردني النافذ حصراً على الحالات التي تدخل في حكم التهريب.
أ- عدم التوجه بالبضائع عند الإدخال إلى أول مركز جمركي.
وتقوم هذه الجريمة بمجرد قيام ركنها المادي، والمتمثل في السلوك الإجرامي للمهرب الناجم عن مخالفته للقاعدة التشريعية، وتعتبر النتيجة متحققة لمجرد ضبط البضائع “محل التهريب” أثناء سلوكها طريقاً لا يؤدي إلى أول مركز جمركي أو لمجرد حيازتها أو تخزينها بين منطقة الحدود والمركز الجمركي. أما إذا تم ضبط البضائع المهربة بعد تجاوزها المركز الجمركي دون أداء الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى المترتبة عليها فإننا نكون في هذه الحالة أمام جريمة تهريب حقيقي مكتملة الأركان.
ب- عدم اتباع الطرق المحددة في إدخال البضائع وإخراجها.
فإذا تم ضبط البضاعة “محل التهريب” على الحدود. دون التقيد بالطرق المودية إلى المركز الجمركي، فإن هذا الفعل يعتبر شروعاً في التهريب أما إذا تم ضبطها بعد تجاوزها منطقة المركز الجمركي دون دفع الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى فإن هذا الفعل يعتبر جريمة تامة.
ج- تفريغ البضائع من السفن أو تحميلها عليها بصورة مغايرة للأنظمة على الشواطئ التي لا توجد فيها مراكز جمركية أو تحميلها أو تفريغها في النطاق الجمركي البحري.
حيث نصت المادة (45/أ) على ما يلي: “لا يجوز تفريغ حمولة السفن وجميع وسائط النقل المائية الأخرى إلا في حرم المرافئ التي يوجد فيها مراكز جمركية، ولا يجوز تفريغ أي بضاعة أو نقلها من سفينة إلى أخرى إلا بموافقة خطية من المركز الجمركي المختص وبحضور موظفيه”.
د- تفريغ البضائع من الطائرات أو تحميلها عليها بصورة غير مشروعة خارج المطارات الرسمية أو إلقاء البضائع أثناء النقل الجوي مع مراعاة أحكام المادة (53) والتي تنص على ما يلي:
” يحظر تفريغ البضائع أو إلقاؤها من الطائرات أثناء الطيران، إلا أنه يجوز لقائد الطائرة أن يأمر بإلقاء البضائع إذا كان ذلك لازماً لسلامة الطائرة على أن يعلم الدائرة بذلك فور هبوطه”. وقد نصت المادة (215/أ) من قانون الجمارك الأردني النافذ على ما يلي: “تتكون المخالفات كما تترتب المسؤولية المدنية في جرائم التهريب بتوافر أركانها، إلا أنه يعفى من المسؤولية من أثبت أنه كان ضحية قوة قاهرة وكذلك من أثبت أنه لم يقدم على ارتكاب أي فعل من الأفعال التي كونت المخالفة أو جريمة التهريب أو تسببت في وقوعها أو أدت إلى ارتكابها.
هـ- عدم التصريح في مكتب الإدخال أو الإخراج عن البضائع الواردة أو الصادرة دون بيان حمولة ويدخل في ذلك ما يصحبه المسافرون مع مراعاة أحكام المادة (197) من قانون الجمارك النافذ والتي تنص على ما يلي: “تفرض غرامة جمركية لا تزيد على مثل الرسوم على ما يلي:
أ- البضائع المستوردة أو المصدرة تهريباً ولا تزيد قيمتها على 100 دينار ولم تكن من البضائع الممنوعة المعينة.
ب- الأمتعة والمواد المعدة للاستعمال الشخصي والأدوات والهدايا الخاصة بالمسافرين التي لا تتجاوز قيمتها (500) دينار ولا يصرح عنها في المركز الجمركي عند الإدخال أو الإخراج ولم تكن معفاة من الرسوم.
ويجوز في الحالتين إعادة البضائع المحجوزة إلى أصحابها كلا أو جزءاً شرط أن تراعى في ذلك القيود التي تقضي بها النصوص النافذة.
ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في السلوك السلبي وهو الامتناع عن واجب التصريح عن البضاعة، الذي فرضه القانون على الكافة، للالتزام به، ويكفي لقيام هذه الجريمة، القيام بهذا السلوك الذي يتحد كذلك مع النتيجة.
و- تجاوز البضائع في الإدخال أو الإخراج المراكز الجمركية دون التصريح عنها.
إن إدراج المشرع لهذه الحالة تحت عنوان جرائم التهريب الحكمي هو شيء لا يتفق وواقع الحال حيث أننا أمام جريمة تهريب حقيقي مكتملة الأركان من حيث السلوك، ومحل الجريمة، والسببية والنتيجة. حيث يتم إدخال البضاعة أو إخراجها من البلاد دون أداء الرسوم الجمركية، كما أنه يتم ضبطها بعد تجاوز المركز الجمركي، وبصورة مخالفة للتشريعات الجمركية.
ز- اكتشاف بضائع غير مصرح عنها في المركز الجمركي موضوعة في مخابئ بقصد إخفائها أو في فجوات أو فراغات لا تكون مخصصة عادة لاحتواء مثل هذه البضائع.
تنص المادة (24) من قانون الجمارك النافذ على أنه “يقدم عن كل بضاعة تدخل المملكة أو تخرج منها بيان حمولة، ويتوجب تقديم البضاعة دون إبطاء إلى السلطات الجمركية في أقرب مركز جمركي وفقاً لما تحدده الدائرة”. وتنص المادة (49/أ على ما يلي:
“على ناقلي البضائع ومرافقيها أن يقدموا لدى وصولهم إلى المركز الجمركي قائمة الشحن أو الوثيقة التي تقوم مقام بيان الحمولة موقعة من قبل سائق واسطة النقل ومعتمد شركة النقل إن وجد، منظمة وفق الشروط المحددة في المادة (43) من هذا القانون، ومضافاً إليها قيمة البضاعة وللمدير أن يقرر عند الاقتضاء بعض الاستثناءات من هذه القاعدة”.
أما الشروط التي نصت عليها المادة (43) من قانون الجمارك الأردني النافذ فهي كما يلي:
أ- يجب أن تسجل في بيان الحمولة كل بضاعة ترد بطريق البحر ولو كانت مرسلة إلى المناطق الحرة.
ب- يجب أن ينظم بكامل الحمولة بيان واحد يوقعه ربان السفينة أو وكيلها في ميناء التحميل، متضمناً المعلومات التالية:
1- اسم السفينة وجنسيتها وحمولتها المسجلة.
2- أنواع البضائع ووزنها الإجمالي ووزن البضائع المنفرطة إن وجدت وإذا كانت البضائع ممنوعة فيجب أن تذكر بتسميتها الحقيقية.
3- عدد الطرود والقطع ووصف غلافاتها وعلاماتها وأرقامها.
4- اسم الشاحن واسم المرسل إليه.
5- المرافئ التي شحنت إليها البضائع.
ج- على ربان السفينة عند دخولها النطاق الجمركي أن يبرز لدى أول طلب من موظفي الدائرة بيان الحمولة الأصلي للتأشير عليه وأن يسلمهم نسخة منه.
د- وعلى ربان السفينة أن يقدم للمركز الجمركي عند دخول السفينة المرفأ:
1. بيان الحمولة وعند الاقتضاء ترجمته الأولية.
2. بيان الحمولة الخاص بمؤن السفينة وأمتعة البحارة والسلع العائدة لهم.
3. قائمة بأسماء الركاب.
4. قائمة البضائع التي ستفرغ في هذا المرفأ.
5. جميع الوثائق وبوالص الشحن التي يمكن أن تطلبها الدائرة في سبيل تطبيق الأنظمة الجمركية.
هـ- تقديم البيانات والمستندات خلال ست وثلاثين ساعة من دخول السفينة المرفأ ولا تحتسب ضمن هذه المهلة العطل الرسمية.
و- يحدد المدير شكل بيان الحمولة وعدد النسخ الواجب تقديمها. إلا أن قانون الجمارك الأردني لم يعتبر عدم تقديم هذه البيانات من جرائم التهريب، إلا أنه اعتبرها من المخالفات المنصوص عليها في المادة (200/ج) والتي جاء فيها: (فيما عدا الحالات التي تعتبر في حكم التهريب تفرض غرامة من 25 – 100 دينار عن المخالفات التالية: “عدم تقديم بيان الحمولة أو ما يقوم مقامه والمستندات الأخرى المشار إليها في المادة 43 من هذا القانون لدى الإدخال أو الإخراج. وكذلك التأخير في تقديم بيان الحمولة أو ما يقوم مقامه عن المدة المنصوص عليها في المادة ذاتها” ).
ورغم أن المشرع قد أفرد بنداً خاصاً، في جرائم التهريب الحكمي، لحالة إخفاء البضائع في مخابئ، إلا أن بعض النقاد يرى بالنتيجة أنها لا تخرج عن جريمة عدم التصريح عنها. لأن إخفاء البضائع بحد ذاته، لا يشكل جريمة تهريب، بل إن عدم التصريح عنها، هو الذي يشكل الجريمة، حيث أن التصريح عن هذه البضاعة حتى لو كانت موضوعة في مخابئ، ينفي الجريمة نفياً قاطعاً وأن الركن المادي لهذه الجريمة هو السلوك السلبي الذي يتمثل بالامتناع عن واجب التصريح عن البضاعة، الذي فرضه القانون على الكافة، للالتزام به، ويكفي لقيام الجريمة، القيام بهذا السلوك الذي يتحد أيضاً مع النتيجة([2]).
ح- الزيادة أو النقص أو التبديل في عدد الطرود وفي محتوياتها المقبولة في وضع معلق الرسوم المنصوص عليها في الباب السادس من هذا القانون والمكتشفة بعد مغادرة البضاعة مركز الإدخال ويشمل هذا الحكم البضائع التي عبرت البلاد تهريباً أو دون معاملة ويتحمل الناقل مسؤولية ذلك. حيث نصت المادة (88) من قانون الجمارك على أنه: يجوز إدخال البضائع ونقلها من مكان إلى آخر في المملكة أو عبرها مع تعليق تأدية الرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم عنها ويشترط في هذه الأوضاع تقديم ضمانات لتأمين الرسوم والضرائب نقداً أو بكفالة مصرفية أو تعهدات مكفولة وفق التعليمات التي يصدرها المدير أما المادة (89) فتنص على أنه لا يجوز استعمال المواد والأصناف المقبولة تحت أي وضع من الأوضاع المعلقة للرسوم أو تخصيصها أو التصرف بها في غير الأغراض والغايات التي استوردت من أجلها وصرح عنها في البيانات المقدمة.
ط- عدم تقديم الإثباتات التي تحددها الدائرة لإبراء بيانات الأوضاع المعلقة للرسوم المنصوص عليها في الباب السادس من هذا القانون. حيث تنص المادة (90) من قانون الجمارك على ما يلي: تبرأ الكفالات المصرفية والتعهدات المكفولة وترد الرسوم والضرائب المؤمنة استناداً إلى شهادات الإبراء وفق الشروط التي يحددها المدير. وبشكل عام فإن الإبراء يتم عادة، إما بوضع البضاعة في الاستهلاك المحلي مع دفع الرسوم الجمركية المترتبة عليها. وإما بإخراجها من المملكة وتقديم ما يثبت خروج البضاعة وإما بإخراجها من خلال دخولها كجزء من السلع المصنعة والمصدرة.
ي- إخراج البضائع من المناطق الحرة أو المخازن الجمركية أو المستودعات إلى المنطقة الجمركية دون معاملة جمركية.
والركن المادي لهذه الجريمة هو ممارسة السلوك المادي الذي نهى عنه القانون الجمركي والذي يتحد مع النتيجة، ويؤدي بالتالي إلى تكامل أركان جرم التهريب وهو إدخال البضاعة إلى البلاد دون أداء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى، أو خلافاً لأحكام المنع أو التقييد وذلك تبعاً لنوع البضاعة.
ك- تقديم البيانات الكاذبة التي قصد منها استيراد أو تصدير بضائع ممنوعة معينة أو ممنوعة أو محصورة أو التي قصد منها استيراد بضائع بطريق التلاعب بالقيمة لتجاوز مقادير المخصصات النقدية المحددة في النصوص النافذة.
ولا يمكن لتوافر أركان هذه الجريمة، القيام بالسلوك المادي وهو تقديم البيانات الكاذبة، بل لا بد من توافر الدافع أو الباعث وهو التهرب من أحكام المنع أو الحصر أو التحديد، بمعنى أن هذه الجريمة تتطلب قصداً خاصاً وهو الوصول إلى استيراد بضائع ممنوعة، أو محصورة، أو محددة، من خلال هذه البيانات الكاذبة.
ل- تقديم مستندات أو قوائم كاذبة أو مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة بقصد التخلص من تأدية الرسوم الجمركية أو الرسوم والضرائب الأخرى كلياً أو جزئياً أو بقصد تجاوز أحكام المنع أو الحصر، مع مراعاة ما ورد في المادة (198/أ/2) من هذا القانون الجمركي والتي جاء فيها: فيما عدا الحالات التي تعتبر في حكم التهريب والمشمولة بالمادة (204) من هذا القانون تفرض غرامة لا تزيد على نصف الرسوم والضرائب المتوجبة على البيان المخالف الذي يتحقق فيه أن القيمة الحقيقية لا تزيد على 10%من القيمة المعترف بها أو 10% من الوزن أو العدد أو القياس على ألا تكون من البضائع الممنوعة.
فإذا كان محل الجريمة بضاعة ممنوعة أو محصورة فإننا نكون أمام جريمة تامة لمجرد عبور البضاعة الخط الجمركي، أما إذا كان محل الجريمة بضاعة خاضعة للرسوم، وكان القيام بالسلوك المادي لغاية التخلص من هذه الرسوم، وتم ضبط البضاعة والمستندات قبل دخولها إلى البلاد، فإننا نكون أمام شروع في التهريب، أما إذا اكتشفت هذه المستندات، بعد دخول البضاعة إلى البلاد نكون أمام جريمة تهريب تامة.
م- نقل أو حيازة البضائع الممنوعة المعينة أو الممنوعة أو المحصورة دون تقديم إثباتات تؤيد استيرادها بصورة نظامية.
ن- نقل أو حيازة البضائع الخاضعة لضابطة النطاق الجمركي ضمن هذا النطاق دون مستند نظامي.
س- عدم إعادة استيراد البضائع الممنوع تصديرها والمصدرة مؤقتاً لأي غاية كانت. ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة بسلوك سلبي هو عدم إعادة استيراد البضاعة خلال المدة الممنوحة لصاحبها لإعادة استيرادها، كما يشترط في محل الجريمة أن تكون من البضائع الممنوع تصديرها. وعلى ضوء ما تقدم فإن عدم إعادة استيراد البضاعة الممنوع تصديرها، يحقق النتيجة التي نص عليها قانون الجمارك الأردني النافذ في المادة (203) “إخراج البضاعة خلافاً لأحكام المنع” وعليه فإننا نكون أمام جريمة تهريب تامة.
ع- تفريغ البضائع من القطارات أو تحميلها عليها بصورة مغايرة للأنظمة في الأماكن التي لا توجد فيها مراكز جمركية أو تحميلها أو تفريغها في النطاق الجمركي.
ثانياً : من حيث المصلحة المعتدى عليها فإن التهريب الجمركي
ينقسم إلى تهريب ضريبي وغير ضريبي.
1- التهريب الضريبي: ويتحقق بإدخال البضائع أو إخراجها بطريقة غير مشروعة دون أداء الضريبة الجمركية المستحقة، وهو إضرار بمصلحة ضريبة الدولة، ويتحقق هذا الإضرار بحرمانها من تلك الضريبة.
2- التهريب غير الضريبي: يتكون الركن المادي في هذه الجريمة من نشاط يتمثل في إدخال المهرب بضاعة أو إخراجها من البلاد خرقاً للحظر المفروض عليها، ويستوي أن يكون الجاني قد أدخل البضاعة أو أخرجها بطريقة مشروعة أو غير مشروعة.
ولذلك فإن الجريمة تقع حتى لو أقر الحائز للبضاعة المحظور دخولها بحيازتها كما أنها تقع من باب أولى لو أخطأ الموظف المختص فلم يتبين أنها محظور استيرادها وعليه فلا يجوز لمن يستورد بضاعة محظور استيرادها أن يحتج بأنه سلك الطريق الطبيعي لاستيرادها. فالنشاط المادي يكتمل بتوافر فعل دخول البضاعة أو إخراجها في وجود حظر لاستيرادها أو تصديرها، ولا عبرة بما إذا كانت البضاعة ذات نفع عام أو ليس لها ضرر على الصحة أو الأخلاق فالاعتبارات التي أدت إلى الحظر متروك تقديرها لسلطات الدولة وفقاً للظروف التي تمر بها.
والفرق بين صورتي التهريب الجمركي من حيث المصلحة المعتدى عليها أنه بينما يهدف قانون الجمارك من العقاب على التهريب الضريبي إلى حماية مصلحة الدولة الضريبية من الإضرار بها أو تعريضها للخطر، فإنه يهدف من وراء العقاب على التهريب غير الضريبي إلى حماية مصلحة أخرى أساسية غير مصلحتها الضريبية، والتي قد تكون اقتصادية أو حربية أو صحية أو أخلاقية.
ويطلق البعض([3]) على التهريب غير الضريبي اصطلاح التهريب الاقتصادي تمييزاً له عن التهريب غير الضريبي، وذلك على أساس الهدف الذي يتوخاه المشرع من العقاب عليه هو حماية المصلحة الاقتصادية للدولة كما أنه كثيراً ما ينطوي التهريب الاقتصادي على تهريب ضريبي لأن المال موضوع التهريب الاقتصادي غالباً ما يكون وعاءاً للضريبة الجمركية.
إلا أن بعض الفقهاء انتقدوا هذه التسمية وقالوا أن فيها قصوراً عن الإحاطة بحقيقة هذا التهريب، لأنه لا تلازم بين التهريب غير الضريبي والمصالح الاقتصادية للدولة، فالقيود التي تفرضها الدولة لمنع الاستيراد أو التصدير لا تهدف إلى رعاية مصالحها الاقتصادية فحسب وإنما قد يريد بها حماية مصالح أخرى سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية أو صحية([4]).
ونحن بدورنا نؤيد الاتجاه الذي يؤيد هذا النقد، باعتبار أن “التهريب الاقتصادي” هو صورة من صور التهريب غير الضريبي لا كلها. لأن الأسباب التي تفرض الرقابة الجمركية من أجلها غير محصورة في الأغراض المالية والاقتصادية بل تتعداها إلى أغراض أخرى متنوعة منها: الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والصحية. أو لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة أو بمركزها بين غيرها من الدول.
ويرى بعض الفقهاء أنه من الأفضل عدم تعدد التهريب الجمركي بتعدد المصالح المعتدى عليها، ولا تجزئته إلى تهريب ضريبي وتهريب غير ضريبي، لأن التهريب غير الضريبي ينطوي، في غالب الأحوال، على تهريب ضريبي إذ أن محل التهريب غير الضريبي كثيراً ما يكون وعاء للضريبة الجمركية، لذلك ليس هناك فيصل حازم بين الاثنين فالتهريب الجمركي واحد وإن تنوعت أسبابه([5]).
ثالثاً : من حيث القدر الذي يتم التهرب منه من الضريبة وتخسره الخزانة العامة
ينقسم التهريب الجمركي إلى تهريب كلي وتهريب جزئي.
1- التهريب الكلي: وهو يتحقق إذا استطاع المهرب أن يتخلص من كل الضرائب الجمركية المستحقة، ويترتب على ذلك فقدان الخزانة العامة لكامل الضريبة الجمركية.
2- التهريب الجزئي: وهو يتحقق عندما يستطيع المهرب أن يتخلص من جزء من الرسوم والضرائب الجمركية والضرائب الأخرى المستحقة، وبالتالي فقدان الخزانة العامة بعضاً من تلك الضرائب والرسوم.
وغني عن البيان أن هذا التقسيم لا يقوم إلا بالنسبة للتهريب الضريبي وحده دون التهريب غير الضريبي الذي لا يتصور فيه أن يكون كلياً أو جزئياً. كما أنه يمكن أن يثور بصدد التهريب الحقيقي أو الحكمي على حد سواء إذ يصح أن يكون أيهما تهريباً كلياً أو جزئياً. وهنا لابد من الإشارة إلى أن غالبية التشريعات الجمركية تلجأ إلى المساواة في التجريم والعقاب بين التهريب الكلي والجزئي، ومن بينها قانون الجمارك الأردني وقانون الجمارك المصري.
رابعاً :من حيث جماعة التهريب
ينقسم التهريب الجمركي إلى تهريب جماعي وفردي.
1- التهريب الجماعي: وهو التهريب الذي ينصب على كميات كبيرة من البضائع، وأنواع محددة منها غالباً ما تكون محل اعتبار، وهو يقع عملاً بواسطة عصابات منظمة.
2- التهريب الفردي: وهو الفعل الذي يقع بفعل شخص أو أشخاص منفردين سواء كانوا من البحارة أو العاملين بالسفن والطائرات أو المسافرين وغيرهم، وهو ينصب عادة على كافة البضائع دون تمييز ويقع على كافة الحدود وبواسطة كافة الوسائل الممكنة وهو أقل خطورة من التهريب الجماعي.
وتبدو أهمية التمييز بين هذين النوعين قائمة في أنه قد تقوم قرينة على قصد الاتجار في حالة التهريب الجماعي، فالثابت أن هذا القصد يتكون من مجموعة من العناصر مثل كمية البضائع ونوعها وقيمتها.
([1]) الدكتور عوض محمد، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي، الاسكندرية، 1965، ص 139، رقم 16.
([2]) المحامي فايز الفاعوري: جريمة التهريب الجمركي / عمان، ص 97 .
([3]) الدكتور أحمد فتحي سرور: الجرائم الضريبية والنقدية، القاهرة، 1960، ص 280، رقم 95.
([4]) الدكتور عوض محمد، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي، الاسكندرية، 1965، ص 139، رقم 16.
([5]) الدكتور شوقي رامز شعبان: النظرية العامة للجريمة الجمركية، بيروت، 1976، ص 42 .
القسم الثاني
أركان جريمة التهريب الجمركي
تتكون الجريمة بشكل عام من ثلاث عناصر، مادي، ومعنوي، وقانوني. فالعنصر المادي: هو الفعل الذي يشكل كيان الجريمة والنتيجة المترتبة على هذا الفعل وعلاقة السببية التي تربط الفعل بالنتيجة والعنصر المعنوي: هو إرادة الفاعل عند القيام بالفعل سواء اتخذت صورة القصد أو الخطأ أما العنصر القانوني فهو وجود نص في القانون يعاقب على ذلك الفعل.
وجريمة التهريب الجمركي من الجرائم العمدية التي يتطلب فيها توافر الركن المادي والركن المعنوي، إلا أننا سوف نلاحظ أن بعض صور التهريب الجمركي لا يشترط فيها توافر الركن المعنوي أي القصد الجنائي، فمتى توافر الركن المادي وهو الفعل المادي تحققت جريمة التهريب الجمركي بغض النظر عما إذا كان قصد المهرب هو التهرب من الضريبة أم لا. لذا فإننا سوف نتطرق إليها بالبحث في ركنيها المادي والمعنوي على النحو التالي:
المبحث الأول
الركن المادي في جريمة التهريب الجمركي
لا تتكون الجريمة بدون فعل يتخذ مظهراً خارجياً يدل عليها فلا يستطيع القانون الجزائي أن ينفذ إلى ضمائر الناس وما يعتلج في صدورهم، لذا لابد من قيام الجاني بنشاط مادي يترجم فيه النوايا وخلجات النفس لتتم الجريمة. والركن المادي: هو الركن الأساسي والجوهري في الجريمة وهو الركن الذي يظهر الجريمة إلى حيز الوجود، فلولاه لما كان هناك جريمة. (ويتمثل الركن المادي في جريمة التهريب الجمركي في مخالفة الالتزام الجمركي. ويفترض لقيام الجريمة الجمركية وجود علاقة قانونية، من ضريبة أو غيرها، بين الفاعل الأصلي والدولة، كشخص معنوي يكون فيها الفاعل الطرف السلبي لهذه العلاقة، وبمقتضاها يقع على عاتقه التزام جمركي بالقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل وبمخالفة هذا الالتزام تقع الجريمة الجمركية. فالالتزام بأداء الضريبة الجمركية، أو غيرها من الالتزامات الجمركية وإن كان مصدره القانون إلا أنه لا ينشأ إلا بحصول الواقعة المنشئة أو الالتزام) ([1]).
وعلى أساس ما تقدم يرى فقهاء القانون الجمركي أن الركن المادي للجريمة الجمركية يتألف من عدة عناصر. فهو يقتضي نشاطاً مادياً معنياً يباشره الجاني بأسلوب خاص، ومحلاً متميزاً ينصب عليه هذا النشاط، ومكاناً محدداً يتم فيه، ونتيجة تترتب عليه، مصلحة سببية تربط بين هذا النشاط وتلك النتيجة([2]).
وللركن المادي في جريمة التهريب الجمركي أهمية كبيرة، فلا يعرف القانون أصلاً جرائم ركن مادي، وبالإضافة إلى ذلك فإن قيام الجريمة على ركنها المادي يجعل إقامة الدليل عليها ميسوراً، غذ أن إثبات الماديات سهل، ثم أنه يقي الأفراد احتمال أن تؤاخذهم السلطات العامة دون أن يصدر عنهم سلوك مادي محدد فتعصف بأمنهم وحرياتهم. ولما كانت المادة (203) من قانون الجمارك الأردني النافذ نصت على أن التهريب يقع بإدخال أو إخراج بضاعة دون دفع الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى كلياً أو جزئياً أو بالمخالفة لأحكام المنع والتقييد الواردة في قانون الجمارك أو في القوانين والأنظمة الأخرى.
لذا فإن التهريب الجمركي قد يكون ضريبي ويرد على ضريبة جمركية مفروضة على البضاعة المسموح باستيرادها وقد يكون غير ضريبي ويرد على البضائع التي لا يجوز استيرادها أو تصديرها وذلك بقصد خرق الحظر الذي فرضه الشارع في هذا الشأن.
كما أن التهريب قد يقع فعلاً بإدخال البضاعة أو إخراجها من إقليم المملكة، وقد يقع حكماً بأن يكون سلوك الجاني من شأنه أن يجعل إدخال البضاعة أو إخراجها وشيك الحدوث. لذلك فإننا تناولنا عند الحديث عن أنواع التهريب الجمركي ثلاثة موضوعات، هي: جريمة التهريب الضريبي، جريمة التهريب غير الضريبي وجريمة التهريب الحكمي.
المبحث الثاني
الركن المعنوي في جريمة التهريب الجمركي
الاتجاه السائد في التشريعات الجنائية الحديثة أن ماديات الجريمة لا تنشئ مسؤولية ولا تستوجب عقاباً ما لم تتوافر إلى جانبها كل العناصر المعنوية التي يتطلبها كيان الجريمة ذاته، والركن المعنوي إرادة إجرامية ناتجة عن اتجاهها الآثم إلى مخالفة القانون، أي تحقيق ماديات غير مشروعة([3]).
ولاتجاه الإرادة الجمركية صورتان رئيسيتان: العقد الجرمي وبه تكون الجريمة عمدية، والخطأ وبه تكون الجريمة غير عمدية. وهذا النموذج المعنوي ركن من أركان الجريمة إذا تخلف لا تقوم الجريمة والركن المعنوي ضروري لقيام الجريمة إلا إذا نص المشرع صراحة على خلاف ذلك، وهو ما يعبر عنه بأنه لا جريمة بدون نية.
ويجمع الفقه على تعريف القصد الجنائي بأنه “إرادة الإضرار بمصلحة قانونية محمية بقانون يفترض علم الكافة به” وقد جرت العادة على وصف هذا الركن المعنوي في القانون بالقصد العام، بالمقابلة للقصد الخاص، وهو قصد أكثر تميزاً ولا يتطلبه القانون إلا للعقاب على بعض جرائم معينة والقصد الجنائي يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة ويختلف الفقه حول الدور الذي يلعبه كل من العنصرين في تكوين القصد.
فقد ذهبت نظرية العلم إلى القول بأن القصد هو إرادة الفعل تعطي الفعل دلالته الإجرامية، وهي بذلك تستبعد إرادة النتيجة من عداد عناصر القصد.
أما نظرية الإرادة فتضيف إلى إرادة الفعل والعلم بالنتيجة إرادة هذه النتيجة وكل واقعة ذات أهمية في إسباغ الصفة الإجرامية على الفعل([4]) ونحن بدورنا نؤيد الذي يقول أنه على الرغم من تطلب هذين العنصرين فإن أهمية الإرادة تزيد على أهمية العلم إذ ليس العلم متطلباً لذاته، ولكن باعتباره مرحلة في تكوين الإرادة، وشرطاً أساسياً لتصورها، والقانون لا يحرم النشاط النفسي إلا إذا كان يتجه اتجاهاً ثابتاً إلى غاية غير مشرعة([5]).
ويعرف القصد الخاص بأنه نية انصرفت إلى غاية معينة، أو دفعها إلى الفعل باعث خاص([6]).
وقد ثار خلاف كبير في الفقه الجمركي حول مدى استلزام توافر القصد الجنائي الخاص في جريمة التهريب، فاتجه البعض إلى أن جريمة التهريب جريمة عمدية تقوم على القصد العام دون حاجة إلى توافر القصد الخاص([7]).
بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه جريمة التهريب ذات قصد خاص، فلا يكفي أن يعلم المهرب بأنه يرتكب فقل التهريب، وإنما يتعين أن يكون الدافع لذلك رغبته في التخلص من الرسوم الجمركية([8]).
ونحن نرى أنه يجب أن يتوافر في جريمة التهريب الضريبي الحقيقي عنصري العلم والإرادة. فينبغي أن يحيط الجاني علماً بكل واقعة ذات أهمية قانونية في تكوين الجريمة، وأهم واقعة تقوم بها الجريمة هي الفعل الذي يأتيه الجاني ويتمثل في سلوكه الإجرامي، وتترتب على الفعل النتيجة التي يتمثل فيها الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون.
ويربط بين الفعل والنتيجة مجموعة من الوقائع تقوم عليها علاقة السببية. كما يتعين أن يتوافر لدى الجاني إرادة ارتكاب الجريمة وذلك بأن يقع النشاط المادي من شخص مميز ولديه حرية الاختيار.
وعى ضوء ذلك فإن تبين انتفاء العلم لدى الجاني بأن كان لا يعلم بوجود البضاعة الممنوعة بداخل حقيبته فأدخلها أو أخرجها منها، فإن عنصر العلم ينتفي وبذلك لا تكتمل أركان الجريمة كما يتحقق العلم إذا تبين أن المهرب الحائز لبضاعة لم يسدد عنها الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى قد تجاوز بفعله الخط الجمركي عنصر لازم للعلم بالجهة التي أناط بها القانون تحصيل الرسوم الجمركية.
أما العلم بقانون الجمارك ونصوص التهريب الجمركي فهو علم مفترض لا سبيل إلى نفيه بحسب الأصل كما يعتبر علماً مفترضاً في هذه الحال كل ما يتعلق بقوانين الاستيراد والتصدير والقواعد الخاصة بحظر استيراد سلع معينة أو تصديرها.
أما بالنسبة لجرائم التهريب الضريبي فإن القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة هو المطلوب توافره، فيجب أن يحيط الجاني علماً بعناصر الواقعة الإجرامية المؤثمة وأن يتجه نشاطه الإجرامي صوب ارتكاب الجريمة على النحو الموصوف بالنموذج الإجرامي للواقعة كما ورد نص التجريم هذا فيما يتعلق بجريمة التهريب الحكمي غير الضريبي أما بالنسبة للتهريب الحكمي الضريبي والذي يلزم لقيامه توافر القصد الخاص متمثلاً في قصد التخلص من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى.
وعلى ضوء ما تقدم فإننا نجد أنه لابد للمشرع الجمركي أن يتدخل تدخلاً حاسماً في مسألة القصد الجنائي في جرائم التهريب الحقيقي والحكمي وغير الضريبي. حيث اختلف الفقهاء فيما بينهم في تحديد القصد الجنائي الذي يتطلبه المشرع فالبعض ذهب إلى أن المطلوب هو القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة.
بينما ذهب جانب آخر من الفقه إلى أن القصد المطلوب هو القصد الجنائي الخاص، فلا يكفي أن يعلم المهرب بأنه يرتكب فعل التهريب بل لابد أن يكون للمهرب صد خاص بأن يكون الدافع إلى سلوك المهرب هو رغبته في التخلص من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى.
([1]) الدكتور أحمد فتحي سرور: الجرائم الضريبية والنقدية – القاهرة، 1960، ص 107 .
([2]) الدكتور عوض محمد، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي، الطبعة الأولى، الاسكندرية، 1966، ص 146 .
([3]) د. فوزية عبد الستار: المساهمة الأصلية في الجريمة، رسالة دكتوراة مقدمة لجامعة القاهرة سنة 1967، ص 94 .
([4]) الدكتور محمود نجيب حسني: شرح قانون العقوبات اللبناني/ القسم العام، بيروت، سنة 1975، ص 385
([5]) الدكتور جلال ثروت: نظرية الجريمة متعدية القصد الجنائي/ رسالة دكتوراة/ جامعة الاسكندرية، سنة 1959، ص 224 .
([6]) الدكتور محمد نجيب السيد: جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء، الاسكندرية، 1992، ص 173 .
([7]) المستشار فاروق سيف النصر: محاضرات في جرائم القتل الخطأ وفي قضايا التهريب الجمركي، القاهرة، 1985، ص 84.
([8]) الدكتور أحمد فتحي سرور: الجرائم الضريبية والنقدية، القاهرة، 1960، ص 300، رقم 101 .
القسم الثالث
نظرية الاختصاص المكاني وجريمة التهريب
“خروج جريمة التهريب عن قواعد الاختصاص”
الباب الأول
مقدمة عامة
نظرية الاختصاص
يقصد بالاختصاص تحديد القانون للسلطة المختصة في نظر الدعاوى، أي ولاية الفصل في المنازعات القضائية حسب النوع الذي عينه وحدده القانون، ويقصد بها السلطة القضائية سواء كانت جهة مدنية أم استثنائية أم جنائية وتعني الأخيرة السلطة التي يقررها القانون للقضاء (قضاء التحقيق، ويشمل قاضي التحقيق كما يشمل النيابة العامة عندما تباشر وظيفة التحقيق باعتبارها تمارس عملاً قضائياً كما تعني أيضاً قضاء الحكم) ([1]).
من هذا يفهم أن المقصود بالاختصاص الصلاحية لأداء وظيفة قضائية معينة يعترف القانون بالأعمال التي تمارسها ويفهم أيضاً أن الاختصاص لا يشمل مرحلة المحاكمة بالنسبة للمسائل الجنائية بل يمتد إلى اختصاص سلطات التحقيق والاتهام وحتى سلطات الاستدلال([2]).
ومن أجل الوصول لتحديد الاختصاص فإن المشرع وضع تصنيفاً للدعاوى وتنويعاً للمحاكم، وتخويل كل محكمة النظر في مجموعة معينة من الدعاوى وجزاء الخروج على قواعد الاختصاص بطلان هذا العمل.
المبحث الأول
المبادئ العامة لنظرية الاختصاص
الاختصاص بصفة عامة قد يكون دولياً وقد يكون إقليمياً([3]):
فالاختصاص الدولي يعني سلطة محاكم كل دولة في أن تنظر دعاوى معينة دون المحاكم الأجنبية – في نظر مشرعها – بالفصل بالمنازعات التي تثور على إقليمها بين الأشخاص المقيمين فيها كانوا مواطنين أو أجانب أو تلك التي تتعلق بالأموال الموجودة على أرضها أو الجرائم التي ترتكب فيها([4]).
وعند تعيين المحكمة المختصة بنظر هذه الدعاوى داخل قطر الدولة ذاته فإنه يتحتم أولاً تعيين أو تحديد هل هذه الدعاوى من اختصاص المحاكم الأردنية فإنه يجب عندها البحث حول أي محكمة من المحاكم الأردنية لها الاختصاص في نظر هذه الدعاوى، أي أن الاختصاص الدولي يسبق الاختصاص الداخلي(3)، وقد تناولت الاختصاص الدولي للمحاكم المادة (27) من قانون أصول المحاكمات المدنية رقم (14) لسنة 2001 أردني والتي جاء فيها:
1- تمارس المحاكم النظامية في المملكة الأردنية الهاشمية حق القضاء على جميع الأشخاص في المواد المدنية، باستثناء المواد التي قد يفوض فيها حق القضاء إلى محاكم دينية أو محاكم خاصة بموجب أحكام أي قانون آخر.
والقواعد التي تحدد الاختصاص الدولي للمحاكم في دولة ما هي القواعد الصادرة عن مشرعها فالاختصاص الدولي للمحاكم الأردنية يحددها المشرع الأردني، بما أن الأصل في نطاق تطبيق قانون العقوبات من حيث المكان مرتبط مع الاختصاص الدولي للمحاكم لذات الدولة، فإن ذلك يعني أن كل جريمة ترتكب داخل الدولة وينطبق عليها قانونها، تختص بها محاكم الدولة بغض النظر عن جنسية مرتكبيها أو المجني عليه فيها.
والقواعد التي تحدد السلطان المكاني للنص الجنائي أربعة: إقليمية النص، شخصية النص، عينية النص، وعالمية النص([5]).
ونعني بإقليمية النص: أن يطبق على كل شخص يرتكب جريمة في الإقليم الخاضع لسيادة الدولة أياً كانت جنسية مرتكبيها، كما نعني بشخصية النص: أن يطبق النص على كل جريمة يرتكبها شخص يحمل جنسية الدولة أيّاً كان الإقليم الذي ارتكبها فيه، أما المقصود بعينية النص: أن يطبق النص على كل جريمة تمس الحقوق الأساسية للدولة أيّاً كانت جنسية مرتكبها ومكان ارتكابها، ونعني بعالمية النص أن يطبق على كل جريمة يقبض على مرتكبها في إقليم الدولة أيّاً كانت جنسيته ومكان جريمته ويختلف نطاق تطبيق هذه المبادئ من حيث المجال المكاني وأوسعها بدون شك عالمية النص.
ويلاحظ أن المبدأ الراجح في التشريعات الحديثة هو مبدأ إقليمية النص الجنائي.
ويرجع ذلك لمبدأ السيادة التي للدولة على إقليمها حيث أن القانون الجنائي الوسيلة لتأمين الحقوق الجديرة بالحماية الجنائية وهو مظهر السيادة على الإقليم وهو الأقرب لتحقيق العدالة حيث تتوافر أدلة الإثبات في مكان الجريمة ويسهل تحقيقها حيث يكون القاضي الإقليمي أقدر على تحديد مسؤولية مرتكبها والقاضي يطبق قانون بلده، كما أن ذلك يحقق عملية الردع المتوخاة من العقاب بصورة أفضل.
وفي حال ثبوت الاختصاص الدولي لمحكمة دولة معينة (الأردن، أو مصر أو سوريا مثلاً) فإن قانون العقوبات الخاص بهذه الدولة المعينة يصبح واجب التطبيق ولو كان المتهم بها أجنبياً ولو كان مكان وقوع الجريمة في الخارج.
أما عن الاختصاص الجنائي الداخلي، فيقصد به توزيع الدعاوى الجنائية التي تختص بها المحاكم في الدولة دولياً على المحاكم المتنوعة فيها وفقاً للضوابط التي حددها المشرع، وقد تناولت المادة (140) من قانون أصول المحاكمات الجزائية هذا التوزيع بالنسبة للجنح والجناية، وجرائم الجنح الملازمة للجناية فيما عدا ما كان من اختصاص محاكم الصلح والتي خصص لها النظر ببعض الجنح والمخالفات حسب ما حدد المشرع وكذلك الجنايات الكبرى التي حددتها المادة (4) من قانون محكمة الجنايات الكبرى رقم (19) لسنة 1986.
وقد تناولت هذا التوزيع في المسائل المدنية المادة (30) وما بعدها بالنسبة لاختصاص محكمة البداية، من قانون أصول المحاكمات المدنية رقم (14) لسنة 2001 والمادة الثالثة من قانون محاكم الصلح رقم (13) لسنة 2001 بصيغته المعدلة.
والاختصاص بصورة عامة لا يكون جنائياً فقط بل يكون اختصاص غير عادي لأن القضاء ليس نوعاً واحداً فهناك القضاء الإداري، والقضاء العادي (مدني وجنائي).
وقد ينشئ المشرع أنواعاً أخرى إذا رأى في ذلك ملائمة تخصيص محاكم معينة لينظر دعاوى من نوع معين (مثل المحكمة الجمركية)، المهم أن ضابط التمييز بين أنواع القضاء هو الاختصاص([6]).
المبحث الثاني
الطبيعة القانونية للاختصاص([7])
عرفنا أن مصدر الاختصاص هو قواعد القانون، فطبيعة الاختصاص قانونية وبهذا فهي ذات طابع ملزم سواء لأطراف الدعاوى أو للقاضي نفسه.
يتضح من هذا أن المدعي يلتزم برفع الدعوى أمام المحكمة التي خولها القانون بنظر الدعوى ولا يجوز له أن يلزم المدعى عليه برفعها أمام محكمة أخرى، كما لا يحق للمدعى عليه أن يدفع بعدم الاختصاص لكون هذه المحكمة غير ملائمة له([8])، علاوة على ذلك فإن قواعد الاختصاص ملزمة للقاضي نفسه فإن دخلت قانوناً في اختصاصه، فإنه يعتبر مرتكباً لجريمة إذا رفض النظر فيها، وان كانت خارجة عن اختصاصه فإنه يتعين عليه أن يخرج الدعوى من حوزته وإلا كان قضاؤه باطلاً، إلا إذا قبل الخصوم ذلك صراحة أو ضمناً هذا ما أكدته المادة (27/2) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني السابق ذكره.
المطلب الأول
قواعد الاختصاص والنظام العام
من استعراضنا لأحكام القانون وأحكام محكمة التمييز الأردنية وأحكام محكمة النقض المصرية نجد أن الاختصاص متعلق بالنظام العام فيما عدا الاختصاص المحلي([9]).
وهذا ما أفادته المادة (108) من قانون المرافعات المصرية، حيث اعتبرت الدفع لعدم الاختصاص المحلي غير متعلق بالنظام العام، وكذلك الحال بالنسبة للمسائل الجنائية حيث حدد للاختصاص المكاني أكثر من ضابط وجعل المشرع لها التساوي ولا تفاضل في أي منها (تمييز أردني جزاء 90/54 ص 870 سنة 1954 المبادئ ج1 ص 46، أنظر نقض مصري 18/4/1976، س 27، ص 436 مج فني. نقض مصري 1525 لسنة 50 جلسة 17/11/1980 س 31 مج فني ص 1012).
وقضت محكمة التمييز الأردنية / بأن المحكمة لا تملك البحث في دفع عدم الاختصاص المكاني ما لم يتمسك به المدعي قبل الدخول في موضوع الدعوى([10]).
وجاء أيضاً بأنه لا يجوز سماع الدفع بعدم الصلاحية المكانية إذا لم يتمسك بهذا الدفع قبل الإجابة على لائحة الدعوى([11]).
وقضت أيضاً أن الدفع بعدم الاختصاص المحلي هو دفع ابتدائي يجب إبداؤه قبل الدخول في موضوع الدعوى إذ لا تفيد مناقشة المميز ضدها للموضوع بالتناوب والتنازل عن هذا الدفع بعدم الاختصاص الذي أبدى قبل مواجهة الموضوع([12]).
يفهم من هذه الأحكام وغيرها أن الدفع بعدم الاختصاص المكاني ليس من النظام العام، فلا يحق للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، كما لا يحق للخصم أن يدفع بهذا الدفع إذا ما بدأ في النظر في الدعوى الأصلية، ويلزم الدفع به قبل الإجابة على لائحة الادعاء أو الشكوى سواء من قبل المدعى عليه أو محاميه.
وإن بدأت المحكمة في نظر الدعوى أو الشكوى فإن الطعن يصبح بغير جدوى ولا تملك المحكمة أصلاً البحث فيه ولا يجوز سماع مثل هذا الدفع ولذا فإنه يترتب على المحكمة رد الطلب فوراً ومن تلقاء نفسها والحكمة من ذلك أنه طالما ارتضى الطرفان منذ البداية في نظر الدعوى لدى هذه المحكمة فلا داعي لتعطيل سير العدالة([13]).
وفي جميع الأحوال إذا ما ثبت للقاضي اختصاصه بالدعوى يتعين عليه أن يقضي فيها، فإن امتنع ارتكب جريمة([14]).وإذا ثبت له أنه غير مختص وجب عليه أن يقرر ذلك، ويخرج الدعوى من حوزته فإذا أقضى فيها كان قضاؤه باطلاً([15]).
والعلة في ذلك أن النظر في موضوع الطلب المقدم للمحكمة بعدم الاختصاص المكاني بعد الدخول في موضوع الدعوى يترتب عليه سقوط الحق منه لأن الدخول في موضوع الدعوى معناه التنازل عن الحق في الدفع بعدم الاختصاص. وقد أكدت المادة (110) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني ذلك وقد جاء فيها:
– الدفع ببطلان غير المتصل بالنظام العام وسائر الدفوع المتعلقة بالإجراءات غير المتصلة بالنظام العام، والدفع بعدم الاختصاص المكاني (أو بوجود شرط التحكيم) يجب إبداؤها معاً قبل إبداء أي دفع اجرائي آخر أو طلب أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيها، كما يسقط حق الطاعن في هذه الدفوع إذا لم يبدها في لائحة الطعن.
ويجب إبداء جميع الوجوه التي بني عليها الدفع المتعلق بالإجراءات غير المتصل بالنظام العام معاً وإلا سقط الحق لما لم يبد منها.
وما دام العمل باطلاً ابتداء فإن سير القضاء فيه مخالف لقواعد الإجراءات فتكون المحكمة مهدرة لوقتها، وجاهلة لنطاق سلطتها القضائية، وما دام أن المحكمة لا تملك بداءة الحق في السير بالطلب لعدم الاختصاص المكاني، فإن من لا يملك شيئاً لا يستطيع إعطاءه([16]).
ويلاحظ أن قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام في المسائل الجنائية هي ذاتها في المسائل المدنية حيث اعتبر الاختصاص النوعي أو القيمي والوظيفي متعلق بالنظام العام، وكذلك الاختصاص الدولي يعتبر غير متعلق بالنظام العام إلا في حالة استثنائية إذا ما تعلق بحالة اختصاص مكاني إلزامي([17])، المادة (109) من القانون الأردني (أصول محاكمات المدنية) في فقرتها 2 منه تتضمن بأن الدفع بعدم الاختصاص المكاني لا يعتبر من النظام العام في حين نصت المادة 111 منه بأن الدفع بعدم الاختصاص لانتقاء ولاية المحكمة أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها فإنه من النظام العام.
ويترتب على تعلق بعض أنواع الاختصاص بالنظام العام نتائج هامة وهي أنه لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص لا صراحة ولا ضمناً، ويجب على المحكمة أن تبحث هذا الأمر من تلقاء نفسها وتقضي بعدم الاختصاص إن لم تكن الدعوى من اختصاصها حتى لا يستوجب حكمها بالبطلان، كما يحق للنيابة العامة في المسائل الجنائية أن تدفع بعدم الاختصاص حتى لو كانت الدعوى مطروحة من قبلها، كما يحق لكل طرف من الأطراف الدفع بعدم الاختصاص، ويعتبر الدفع من قبل المتهم حق لأنه وسيلة دفاع إن كان مطابقاً للقانون لا لكونه ملائماً له ويمكن الدفع بعدم الاختصاص لانتفاء ولاية المحكمة أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز (النقض).
من هذا يفهم أن للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تصدر حكماً بعدم الاختصاص أو بناء على طلب الخصوم كما يترتب على مخالفة قواعد الاختصاص النوعي والشخصي البطلان المطلق، ويترتب على الحكم بعدم الاختصاص أيضاً كف يد المحكمة المعروض عليها([18]) النظر في الدعوى الأصلية، كذلك لا يحق للمحكمة التي طعن أمامها بقرار عدم الاختصاص أن تنظر في الدعوى الأصلية لكن يتحتم عليها أن تحدد جهة الاختصاص حتى لا يحرم المتهم من حقه في المحاكمة أمام الدرجة الأولى كما أن المحكمة التي أحيلت عليها الدعوى إذا رأت أن المحكمة التي رفضت النظر في الدعوى الأصلية هي فعلاً المحكمة المختصة فإنه يجب إعادة الدعوى لها لنظرها، ولا يحق لها النظر فيها.
من هذا يفهم بأن للدفع بعدم الاختصاص طابع أولي([19])، بمعني وجوب أن تنظر المحكمة في الطلب بعدم الاختصاص قبل النظر في موضوع الدعوى، وإن كانت هذه القاعدة لا يؤخذ بها إطلاقاً، حيث يترتب أحياناً أن تضطر المحكمة لنظر الدعوى أولاً ثم ينظر في الطلب، مثالها لو أن الدعوى كانت قد أحيلت للمحكمة على أساس أنها جنحة سرقة ثم دفع بعدم الاختصاص لكون الواقعة جناية سرقة بالإكراه، فإن على المحكمة أن تثبت أولاً بأن هنالك سرقة بالإكراه أم لا([20]) فإذا ثبت ذلك ضمت الطلب للدعوى، وفصلت فيهما معاً بحكم واحد، وتلتزم المحكمة بالرد على الدفع بعدم الاختصاص رداً صريحاً لكونه من الدفوع الجوهرية وإلا كان حكمها قاصراً([21]).
وللدفع بعدم الاختصاص في المسائل المدنية / طابع أولي أيضاً بمعنى وجوب أن تنظر المحكمة في الطلب بعدم الاختصاص قبل النظر في الموضوع ولكن لا يؤخذ به على إطلاقه وقد حددت ذلك المادة (190/2) من أصول المحاكمات المدنية والتي جاء فيها: “على المحكمة أن تفصل في الطلب المقدم إليها بموجب أحكام الفقرة (1) من هذه المادة ويكون حكمها الصادر في هذا الطلب قابلاً للاستئناف”
المطلب الثاني
الفرق بين الولاية القضائية والاختصاص
إذا كان الاختصاص يعني مباشرة ولاية القضاء في نظر الدعوى في الحدود التي رسمها القانون، فإن الاختصاص على هذا الأساس يختلف عن ولاية القضاء فولاية القضاء يقصد بها سلطة القاضي في الحكم في التعبير عن إرادة المشرع بالنسبة للواقعة المطروحة أمامه، وهذه الولاية تتطلب في القاضي الأهلية القضائية المتعلقة بأسباب الصلاحية وصحة التشكيل كما تفترض أيضاً الأهلية الإجرائية بأن تكون مباشرة سلطة القاضي في الحكم قد تمت في الحدود التي رسمها القانون.
والقاعدة العامة بالنسبة لولاية القضاء الجنائي بأنها لا تثبت إلا إذا توافرت له وإن كان هنالك استثناء على هذه القاعدة أباحها القانون من حيث تثبيت ولاية القضاء الجنائي لقضاه لا تثبت لهم هذه الولاية كما هو الحال في النظر في جرائم الجلسات وكما هو الحال بالنسبة للقاضي المدني أو الشرعي.
وكذلك فإن ولاية القضاء المدني تثبت استثناء للقاضي الجنائي في حدود معينة قررها له المشرع وذلك عندما ينظر بالادعاء المدني تبعاً للدعوى الجنائية.
ويترتب على الفرق بين الاختصاص وولاية القضاء نتائج هامة تتعلق بالقيمة القانونية للحكم الصادر بالمخالفة لقواعدها، وعلى الرغم من أن كل من قواعد الاختصاص والولاية تتعلق بالنظام العام إلا أن الجزء الإجرائي لمخالفتها للنظام العام يختلف أحدها عن الآخر([22]).
فمخالفة القواعد الخاصة بالاختصاص (النوعي والشخصي) يترتب عليه البطلان المطلق في حين يترتب الانعدام للحكم في حال مخالفة القواعد الخاصة بالولاية القضائية في الحكم الصادر من قاضي لم يتم تعيينه وفقاً للقواعد الخاصة بالتعيين يكون منعدماًُ، والحكم الصادر من قاضي محكمة جنح في جناية يكون منعدماً، ويختلف الحال إذا ما فصلت محكمة الجنايات في الدعوى ظناً منها في أن القضية من اختصاصها وإذا بها من اختصاص محكمة أمن الدولة فإن الحكم يكون باطلاً، ولو كانت دائرة محكمة الجنايات هي بنفس تشكيلها تنعقد كمحكمة أمن علياً في أوقات أخرى([23]).
المطلب الثالث
الجهة المختصة بتحديد الاختصاص
الأصل أن المدعي بالدعوى المدنية هو الذي يحدد المحكمة التي يعتقد أنها صاحبة الصلاحية في نظر الدعوى، وفي الدعاوى الجنائية تقوم النيابة العامة بتحديد جهة الاختصاص على ضوء تقديرها فيما إذا كانت الواقعة المعروضة جناية أم جنحة فتحيلها على المحكمة المختصة، فالمادة (140) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني نصت على ما يلي:
“تنظر محكمة البداية بالدرجة الأولى بحسب اختصاصها في الجنح التي يحيلها إليها المدعي العام أو من يقوم مقامه مما هو خارج عن وظيفة محاكم الصلح، كما تنظر بصفتها الجنائية في جميع الجرائم التي هي من نوع الجناية وفي جرائم الجنحة المتلازمة مع الجناية المحالة عليها بموجب قرار الاتهام”.
وقد أكدت هذا النص أحكام محكمة النقض المصرية حيث قضت (أن المعول عليه في تحديد الاختصاص النوعي بالوصف القانوني للواقعة كما رفعت بها الدعوى إذ يمتنع عقلاً أن يكون المرجع في ذلك ابتداءً هو نوع العقوبة التي يوقعها القاضي انتهاء بعد الفراغ من سماع الدعوى سواء كانت الجريمة قلقة أو ثابتة النوع، وأياً كان السبب في النزول بالعقوبة عن المحدد قانونياً)([24]).
ومع ذلك إذا رأت محكمة الجنايات أن الواقعة كما هي مبينة في أمر الإحالة وقبل تحقيقها بالجلسة تعد جنحة فلها أن تحكم بعدم الاختصاص وتحويلها إلى المحكمة الجزائية، أما إذا لم ترى ذلك إلا بعد التحقيق، تحكم فيها (المادة 382 من قانون الإجراءات الجنائية المصرية).
وتطبيقاً لذلك فإن محكمة الجنح تقضي بعدم اختصاصها إذ تبين لها الواقعة جناية أو أنها جنحة لا تختص بها (م 305 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون 107 ولسنة 1962 المصري. ومع ذلك تحديد المدعي للقضاء المختص غير ملزم إذ لا يفيد أكثر من طلب من طرف واحد، ولذا فإن للقضاء السلطة في تقديره وقبوله أو رفضه، فإذا اتخذ قضاء الدرجة الأولى قراراً في شأن اختصاصه فإن لقضاء الدرجة الأولى – عندما يطعن أمامه بذلك القرار – أن يأخذ به أو لا يأخذ – أي قد يتخذ بذلك مذهباً مختلفاً([25]).
([1]) أنظر الدكتور محمود نجيب حسني / شرح قانون الإجراءات الجنائية، طيعة 1982، ص 374، وحاشية رقم 1 .
([2]) الدكتورة أمينة النمر / أصول المحاكمات المدنية، طبعة 1985، ص 29، وأيضاً الدكتور أحمد فتحي سرور / الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، المجلد الأول، الجزءان الأول والثاني، طبعة 1981، ص 967 .
([3]) أنظر الدكتور محمود نجيب حسني / المرجع السابق، ص 375، والدكتورة أمينة النمر / المرجع السابق، ص 29 .
([4] – 3) أنظر الدكتور محمود نجيب حسني / المرجع السابق، ص 375، والدكتورة أمينه النمر / المرجع السابق، ص 29.
([5]) أنظر الدكتور نجيب حسني / شرح قانون العقوبات، القسم العام / فقرة 104 وما بعدها ص 126 وما بعدها، وقد تناولها قانون العقوبات الأردني من المادة 7 – 13 .
وانظر أيضاً د. محمود مصطفى / شرح قانون العقوبات، القسم العام، ص 130 وما بعدها.
([6]) مثل اختصاص محكمة الأحداث، ومحكمة أمن الدولة.
([7]) انظر نقض مصري / 24 ابريل / 1933 مجموعة القواعد القانونية ج3 رقم 113، ص 173 / مواد قانون أصول المحاكمات المدنية رقم (14) لسنة 2001 تناولت قواعد الاختصاص من المادة 27 – 55 . وقانون أصول المحاكمات الجزائية تناولته في المادة الخامسة.
([8]) هنا وفي حال كون الاختصاص لا يتعلق بالنظام العام، فإن مخالفة قواعد الاختصاص التي لا تتصل بالنظام العام تفترض رضاء طرفي الدعوى معاً (كاختصاص المحلي).
([9]) جاء في حكم محكمة النقض المصرية / 21 / ابريل / 1969 مجموعة أحكام س 20 / رقم 112، ص 539: إن الاختصاص المحلي ليس من النظام العام لذا لا يجوز الطعن فيه أمام محكمة النقض / وفي قرارات سابقة / نقض 28 ديسمبر سنة 1917 المجموعة الرسمية س 9، رقم 42، ص 97، نقض 18/ابريل/1986 القضاء نقض س 3، ص 282 .
([10]) تميز حقوق رقم 60/67/ص 512 سنة 1967، وتميز حقوق / رقم 237/68/798 سنة 1980 .
([11]) تميز حقوق 259/69/ ص 88 سنة 1970، وتميز حقوق 27/71/ ص 388 سنة 1971 .
([12]) تميز حقوق 216/64/891 سنة 1964 .
([13]) تميز الأحكام السابقة حاشية (2/3/4).
([14]) (George vidal et Joseph Monol : Cours de Droit- Criminel et de science penitentiaire . 11 . 1949 . No199 p.1151)
وهي ذات الجريمة المنصوص عليها في المادتين 121/122 من قانون العقوبات.
([15]) أنظر جارو ج2 Rene Garraud Traite theorique et pratique L d’instruction criminelle et procedure penale فقرة 527 ص 318 .
([16]) تميز حقوق رقم 60/68/ ص 512 سنة 1967.
تميز حقوق رقم 237/68/ ص 798 سنة 1968.
([17]) أنظر د. أمينة النمر / المرجع السابق ص30، والقانون اللبناني يجعل الاختصاص المكاني في المسائل المدنية ذا نوعين، أحدهما متعلق بالنظام العام وله طابع إلزامي وهو الحالة الاستثنائية، وآخر غير متعلق بالنظام العام أي له طابع نسبي وهو الغالب، ويجوز التنازل عنه وعدم جواز التمسك به بعد ذلك.
أنظر د. أمينة النمر / المرجع السابق / ص 57.
([18]) أنظر نقض 24/ابريل/ مجموعة القواعد القانونية ج3، رقم 110، ص 173.
أنظر نقض 29/ديسمبر/ مجموعة أحكام محكمة النقض، س 20، رقم 311، ص 1504.
تمييز حقوق أردني 94/73/ ص 784 سنة 1973.
([19]) ويلاحظ أن للدفع بعدم الاختصاص طابع أولي حتى في مرحلة التحقيق بالنسبة للمسائل الجنائية فقد نصت المادة 67 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فجاء في فقرتها الأولى ما يلي:
“إذا أدلى المشتكى عليه أثناء التحقيق بدفع يتعلق بعدم الاختصاص أو بعدم سماع الدعوى أو بسقوطها أو بأن الفعل لا يستوجب عقاباً وجب على المدعي العام بعد أن يستمع إلى المدعي الشخصي أن يفصل في الدفع خلال أسبوع من تاريخ الإدلاء به.
([20]) أنظر جارو / جزء 2 / فقرة 531، ص 326، المرجع السابق.
([21]) نقض مصري / 14 يونيه سنة 1950، مجموعة أحكام محكمة النقض، س1، رقم 250، ص 786.
([22]) أنظر د. مأمون سلامة (الوسيط في الإجراءات الجنائية معلقاً عليه بأحكام النقض ص 528، وقد نصت المادة (109) من قانون المرافعات المصري على أن الدفع بعدم الاختصاص للمحكمة لانتفاء ولايتها أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى).
([23]) أنظر د. أحمد فتحي سرور / المرجع السابق، ص 968، نقض 23/نوفمبر 1975، مجموعة الأحكام س 26 / رقم 126 ص 736 .
([24]) انظر نقض مصري / 21/ابريل/ سنة 1969 مجموعة أحكام النقض س20، رقم 112، ص 539. تمييز أردني.
أنظر د. محمود نجيب حسني / المرجع السابق في الإجراءات، ص 378 وما بعدها.
([25]) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفى / الإجراءات الجنائية، ص 347، رقم 262.
الباب الثاني
أوجه الاختصاص([1])
الاختصاص الجنائي أنواع ثلاثة، الاختصاص المحلي والاختصاص الشخصي والاختصاص النوعي والاختصاص الوظيفي.
ويقصد بالاختصاص المحلي الاختصاص من حيث المكان، وهو توافر صلة يحددها القانون بين الجريمة أو المتهم وبين النطاق الإقليمي الذي يمتد فيه سلطان المحكمة (أي المعيار المكاني لوقوع الجريمة). أما الاختصاص الشخصي فيقصد به الاختصاص من حيث المتهم، بمعنى أن يكون المتهم من الخاضعين لسلطان المحكمة (وهو المعيار الشخصي). في حين يقصد بالاختصاص النوعي، الاختصاص من حيث الواقعة، أي أن تكون الجريمة – من حيث تكيفها – داخلة في اختصاص المحكمة وهو المعيار النوعي أو الموضوعي.
وغني عن البيان بأن المحكمة لا تعتبر مختصة بنظر الدعوى إلا إذا ثبت اختصاصها من هذه الوجهات الثلاث.
أما الاختصاص الوظيفي فإنه يتعلق بالنشاط القضائي بالنسبة لمراحل الدعوى الجنائية (التحقيق، الإحالة، المحاكمة، وتنفيذ الأحكام).
أما قانون الإجراءات المدني فإنه يحدد الاختصاص بأربعة أنواع، الاختصاص الدولي، والاختصاص الوظيفي، والاختصاص النوعي، والاختصاص المكاني ولكنه يغفل الاختصاص القيمي باعتباره من الاختصاص النوعي أحياناً وأحياناً نجد التحديد للاختصاص المدني الأردني يتناول الخمسة أنواع السابقة، وقد تناول قانون أصول المحاكمات المدنية للاختصاص المدني في المواد من 27-55.
الفصل الأول
الاختصاص المحلي([2])
في المسائل الجنائية
مقدمة
تقوم فكرة الاختصاص المحلي (الإقليمي) على أساس تقسيم إقليم الدولة إلى مناطق توزع بين المحاكم التي تنتمي لذات النوع والدرجة، أي يتحدد الاختصاص المكاني بإطار جغرافي معين، وعلّة هذا التقسيم والتوزيع على محاكم متعددة هو نتيجة حتمية لاتساع رقعة الإقليم وصعوبة اختصاص محكمة واحدة في نظر كافة الدعاوى الإقليمية.
والمتفق عليه فقهاً وقانوناً أن التوزيع يتم وفق ضوابط ثلاث هي / مكان وقوع الجريمة، مكان إقامة المتهم، ومكان ضبط المتهم.
وهذا يستلزم منا:
أولاً : تحديد النطاق الإقليمي الذي يعمل فيه القاضي.
ثانياً : تحديد الصلة بين هذا النطاق والجريمة أو المتهم والتي تبرر للقاضي الاختصاص وهذه الصلة ضابط للاختصاص المحلي([3]).
لا بد من التنويه بأن تحديد مكان وقوع الجريمة قد أثار بعض المسائل التي تمكن الفقه والقضاء إلى حل الكثير منها، كالمسائل التي تتعلق بالجرائم التي تمتد في الزمان والمكان كالجرائم المستمرة وجرائم الاعتياد، والمسائل المتعلقة بجرائم تقع في الخارج ويمتد القانون الوطني ليطبق عليها ولا يكون للمتهم محل إقامة في هذا الإقليم (الدولة).
ومن الرجوع لقواعد القانون الأردني (أصول محاكمات جزائية) نجد أن المادة الخامسة قد تناولت هذه الضوابط في الفقرة الأولى منها، وامتد الاختصاص للمسائل الأخرى في فقراتها التالية حيث جاء فيها:
1. تقام دعوى الحق العام على المشتكى عليه أمام المرجع القضائي التابع له مكان وقوع الجريمة أو موطن المشتكى عليه([4]) أو مكان إلقاء القبض عليه.
2. في حالة الشروع تعتبر الجريمة أنها وقعت في كل مكان وقع فيه عمل من أعمال البدء بالتنفيذ، وفي الجرائم المستمرة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار، وفي جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل يقع فيه أحد الأعمال الداخلة فيها.
3. إذا وقعت في الخارج جريمة من الجرائم التي يسري عليها أحكام القانون الأردني ولم يكن لمرتكبها محل إقامة معروف في المملكة الأردنية الهاشمية ولم يلق القبض عليه فيها فتقام دعوى الحق العام عليه أمام المراجع القضائية في العاصمة.
أما قانون الإجراءات الجنائية المصري فقد تناولت الضابط المحدد للاختصاص المكاني في المادة (217) حيث جاء فيها([5]):
(يتعين الاختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض فيه عليه).
في حين تناولت المادة (218) أهم تطبيقات هذا الضابط (وقد تناولته المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في فقرتها الثانية) حيث تناولت معظم المسائل الشائكة بالنسبة لكون بعض الجرائم لا تتحقق أركانها في آن واحد أو في مكان واحد حيث جاء فيها:
في حالة الشروع تعتبر الجريمة أنها وقعت في كل محل وقع فيه عمل من أعمال البدء في التنفيذ، وفي الجرائم المستمرة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار، وفي جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل يقع فيه أحد الأعمال الداخلة فيها([6]).
ويلاحظ من النص 217، 218 أن لا خلاف فيهما عن النص الوارد في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في مادته الخامسة فقرة أولى وثانية.
النصوص السابقة تحتم علينا وعلى الأخص المادة 218، والفقرة الثانية من المادة الخامسة أن نحدد المقصود بالخلاف بين الجريمة التي تقع كافة أركانها في آن واحد ومكان واحد (وهي الجريمة الآنية أي الوقيتة، والجريمة التي لا تكتمل أركانها في زمن واحد أو مكان واحد (وهي الجرائم المستمرة) وذلك من أجل تحديد المحكمة أو المحاكم المختصة بنظر الدعاوى ولكي نحدد مفهوم الضابط الأول للاختصاص المكاني وهو مكان وقوع الجريمة كما يجب أن نحدد أماكن وقوع الجريمة بالنسبة لجريمة الاعتياد، والتكرار، والشروع، وسنتناول هذه الضوابط في المباحث التالية:
المطلب الأول
الضابط الأول / مكان وقوع الجريمة
تكون للدولة ولاية القضاء بصفة أصلية إذا وقعت الجريمة في إقليمها لكن تحديد مكان وقوع الجريمة ليس سهلاً دائماً فهنالك خلاف بحسب نوع الجريمة هل هي من الجرائم الوقتية أم من الجرائم المستمرة أم المتتابعة أم من جرائم العادة.
ولمكان ارتكاب الجريمة أهمية كبيرة حيث هو الاختصاص الطبيعي فيها، لأنه في مكان ارتكابها اختل الأمن، واضطربت المراكز القانونية المستقرة وتم الاعتداء على حقوق يحميها القانون([7]) ولو أن المشرع قدر أنه من الملائم في السياسة التشريعية أن يحدد محكمة واحدة تنظر الجريمة لاختار المحكمة التي ارتكبت فيها، ذلك لأن مكان ارتكاب الجريمة يحقق العدالة بصورة أفضل، ويسهل عملية التحقيق وضبط أدوات الجريمة والقبض على المتهم، وتحقيق الردع والأثر الفعال للعقوبة في نفوس الأفراد([8]) ، وهو المكان الذي يمكن جمع أدلة الإثبات فيه.
لا يعتبر في تطبيق هذا الضابط صعوبة إذا ما تحققت جميع عناصر الركن المادي في دائرة اختصاص محكمة واحدة إذ ينعقد الاختصاص لهذه المحكمة([9]).
أما إذا تحققت عناصر الجريمة بين دوائر اختصاص محاكم متعددة كما لو ارتكب الفعل في دائرة اختصاص محكمة وتحققت الجريمة في دائرة اختصاص محكمة أخرى فإن المحكمتين تختصان معاً بالجريمة، وإذا تحققت بعض الحلقات السببية في دائرة ثالثة كانت هذه المحكمة مختصة أيضاً([10]).
في الفقه (الرأي الراجح) نجد أن السلوك (الفعل) والنتيجة يتساويان من حيث خطورة كل منهما على نظام وأمن الدولة، فوقوع أيهما فيها يجعل لها ولاية أصلية في نظر الدعوى ومعاقبة الفاعل، وهذا ما تبنته كثير من قوانين العقوبات([11]).
لهذا ينعقد الاختصاص إما لمحكمة مكان وقوع الفعل أو مكان تحقق النتيجة أو مكان وقوع أي أثر من آثارها، وضابط المفاضلة بينهما هو للمحكمة ذات الأسبقية الزمنية في رفع الدعوى أمامها([12])، أي ينعقد الاختصاص للمحكمة التي ترفع إليها الدعوى أولاً، وهذا ما أكدته أحكام محكمة التمييز الأردنية([13]).
وكذلك الوضع في حال وقوع الفعل (أي السلوك الإجرامي) في مكان والنتيجة الجرمية في مكان آخر([14]) فإن المحكمة المختصة هي المحكمة التي وقع في نطاق إقليمها الفعل والمحكمة التي وقعت النتيجة في نطاق إقليمها، والأفضلية للمحكمة التي سبق ورفع الدعوى أمامها زمنياً.
مثال على ذلك جريمة إصدار شيك بدون رصيد حيث اتفق الفقه بأنها ليست من الجرائم الوقتية بل جريمة مركبة (Complex) كما أكدت أحكام محكمة النقض الفرنسية هذا الرأي ورأت بأن جريمة إصدار شيك بدون رصيد جريمة مركبة فاعتبرت عدم وجود الرصيد ركناً أساسياً في الجريمة وينعقد الاختصاص لمحكمة إصدار الشيك ولمحكمة مكان تحقق ركن عدم وجود الرصيد([15]).
كذلك اعتبرت من الجرائم المركبة جريمة السب والقذف غير العلني الذي يقع بواسطة إرسال الخطابات أو بطريق التلفون، حيث اعتبرت محكمة النقض الفرنسية هاتين الجريمتين من الجرائم المركبة([16]).
وإذا كانت الجريمة من الجرائم السلبية البسيطة (أي قوامها امتناع مجرد) فتعتبر الجريمة مرتكبة في المكان الذي كان يجب أن ينفذ فيه الالتزام الذي فرضه القانون أي القيام بالفعل الإيجابي الذي يتطلبه القانون لصيانة مصلحة يحميها، إذ في هذا المكان تم إهدار المصلحة وبالتالي فإن المحكمة المختصة بنظرها هي المحكمة التي يتبعها هذا المكان.
أما إذا كانت من الجرائم السلبية ذات النتيجة أي قوامها امتناع أعقبته نتيجة جرمية، فإن المحكمة المختصة علاوة على محكمة مكان الامتناع، أيضاً محكمة تحقق النتيجة الجرمية([17]).
هذا بالنسبة للجرائم المستمر والجريمة المركبة، أما بالنسبة لجرائم الاعتياد وجريمة التكرار (المتتابعة) فيعتبر مكاناً للجريمة كل محل يقع فيه أحد الأفعال الداخلة فيها.
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه إذا وقعت أفعال السرقة المسندة إلى المتهم في دائرة أكثر من محكمة فإن الاختصاص في هذه الحالة يكون معقوداً لكل محكمة وقع فيها جزءاً من أعمال السرقة المعاقب عليها([18]).
ويجدر بنا التمييز بين مكان ارتكاب الجريمة الذي يتحدد بمكان وقوع عناصر الركن المادي للجريمة ومكان الأعمال التحضيرية لها أو الأماكن المتعلقة بمكان حدوث الأفعال اللاحقة (آثار الجريمة) كمكان إخفاء جثة القتيل فإنهما لا يحددان مكان ارتكاب الجريمة([19]).
نخلص إلى القول بأنه إذا كانت الجريمة مستمرة فإنها تعد مرتكبة في جميع الأماكن التي امتدت فيها الجريمة([20])، فمن حاز شيئاً مسروقاً أو متحصلاً من جناية أو جنحة وتنقل به في أماكن متعددة اختصت بجريمته جميع المحاكم التي تقع في دوائر اختصاصها هذه المحاكم. وقد تناولت المادة الخامسة في فقرتها الثانية أصول المحاكمات الجزائية من القانون الأردني أعمال البدء في التنفيذ والجرائم المستمرة، وجرائم الاعتياد والمتتابعة مقرة ما سبق ذكره أعلاه.
لكن لا يؤخذ بهذا على إطلاقه فالجريمة المستمرة استمراراً ثابتاً (كجريمة إقامة بناء مخالف للترخيص أو بدون رخصة) فإنها تأخذ حكم الجريمة الوقتية، وبالتالي ينحر الاختصاص بها في المحكمة التي ارتكب في دائرتها الفعل، والغرض من ذلك أن جميع آثار الجريمة تحققت في الدائرة المكانية لهذه المحكمة.
اختلف الشراح حول جريمة الاعتياد فذهب بعضهم إلى القول بأن هذه الجريمة تقوم بعدد من الأفعال كل منها لا يعتبر بذاته جريمة ولكنها مطلوبة في القانون لإثبات حالة العدد الذي هو موضوع التجريم، وبهذا تعتبر الجريمة بنظرهم مرتكبة في كل مكان اقترف فيه أحد الأفعال، ومن ثم تختص بها جميع المحاكم التي ارتكب في دوائر اختصاصها هذه الأفعال.
ورأى البعض الآخر من الشراح أن المحكمة المختصة بجريمة الاعتياد هي المحكمة التي اقترف في دائرتها الفعل الأخير([21]).
في حين ذهب آخرون بجعل الاختصاص للمحكمة التي يقيم المتهم في دائرتها([22])، ونحن نرى أن الاختصاص في حال جرائم الاعتياد ينعقد للمحكمة التي وقع بدائرتها الفعل الأخير أو مكان إقامة المتهم والأولوية للمحكمة التي رفعت لها الشكوى بالأسبقية الزمنية، كما نرى أن الأمر يختلف من حيث اعتبار كل فعل من الأفعال بحد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون في الجرائم المتتابعة عن جرائم الاعتياد، حيث أن المتهم في الأول يرتكب عدة أفعال يعاقب القانون عليها بحيث لو اكتفى بارتكاب واحدة منها لنال عقابه عليها، ولهذا فإن لكل فعل في ذاته الصفة الإجرامية الذاتية وبهذا تختص بنظر هذه الجريمة (المتتابعة) محكمة كل مكان اقترف فيه أحد هذه الأفعال.
أما إذا اتخذت الجريمة صورة الشروع، فالفرض أن الجريمة لم تتحقق، ومن ثم يتعين أن يقتصر البحث على (فعل البدء في التنفيذ) حيث هو الذي يحدد مكان ارتكاب الشروع بالجريمة، وإذا امتدت أفعال التنفيذ إلى دوائر اختصاص محاكم متعددة كانت هذه المحاكم مختصة بنظر الدعوى.
وقد أكدت المادة الخامسة في الفقرة الثانية من قانون أصول المحاكمات الجزائية بأنه وفي حالة الشروع تعتبر الجريمة أنها وقعت في كل مكان وقع فيه عمل من أعمال البدء في التنفيذ.
ويلاحظ هنا أنه لا عبره في مكان تحقق النتيجة حيث لا يحق للدولة التي كانت معنية بوقوع النتيجة فيها توقيع العقاب، وترى تشريعات بعض الدول بأن هذا الضابط (أي الاكتفاء بمكان وقوع السلوك الإجرامي كمكان اختصاص لتوقيع العقاب) لا يحقق الحماية التامة، ومع ذلك نصت كثير من التشريعات على أن ينشأ الاختصاص أيضاً بصفة أصلية للدولة التي كان يقصد الجاني إيقاع النتيجة على إقليمها، هذا مسلك التشريع السويسري (المادة 7/2) والقانون السويدي (المادة 4) والقانون اللبناني والسوري (المادة 15 من كل منهما) والقانون التشيكي المادة (17) والمشرع المصري (المادة 6/2) والقانون العراقي ( المادة 6)، على أن هذا الرأي لا يستند إلى أساس علمي، طالما أن النتيجة لم تحدث وبالتالي لم يقع أي ضرر للدولة التي كان يراد إيقاع النتيجة فيها، علاوة على ذلك فإن مجال التحقق من الفعل وظروفه واكتشاف أدلة الإثبات والتحقيق لا تكون متوفرة إذا ما رفعت الدعوى لدى المحكمة التي كانت ستقع النتيجة في دائرتها.
وهذا ما تناولته الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردنية، حيث اعتدت فقط في مكان البدء في التنفيذ، الذي حددته المادة 68 من قانون العقوبات بقولها: “أنه البدء في تنفيذ فعل من الأفعال الظاهرة المؤدية إلى ارتكاب تلك الجناية أو الجنحة ولكنها لم تحدث لحيلولة أسباب لا دخل لإرادته فيها”([23]).
وقد سلك المشرع الأردني هذا السلوك فاكتفى بمكان (البدء في التنفيذ) أي مكان السلوك الإجرامي بخلاف ما جاء في المشرع المصري.
الجرائم المرتكبة في الخارج
تناولت هذا الموضوع الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني حيث جاء فيها: “إذا وقعت في الخارج جريمة من الجرائم التي تسري عليها أحكام القانون الأردني، ولم يكن لمرتكبها محل إقامة معروف في المملكة الأردنية الهاشمية، ولم يلقى القبض عليه فيها فتقام دعوى الحق العام عليه أمام المراجع القضائية في العاصمة”.
أما المادة 219 من قانون الإجراءات الجنائية المصري جاء فيها:
(إذا وقعت في الخارج جريمة من الجرائم التي تسري عليها أحكام القانون المصري ولم يكن لمرتكبها محل إقامة في مصر ولم يضبط فيها ترفع الدعوى في الجنايات أمام محكمة جنايات القاهرة وفي الجنح أمام محكمة عابدين الجزئية).
يفهم من نص المادة 5/3 قانون أصول المحاكمات الجنائية الأردني (والمادة 219) مصري أن تطبيقه يتم على الجرائم التي ترتكب خارج إقليم الدولة، وبالتالي لا يمكن تحديد المحكمة التي يمكن أن تنظر هذه الدعوى بالاستناد إلى مكان ارتكاب الجريمة، كما يفهم أن المتهم ليس له مكان إقامة في إقليم هذه الدولة([24]) كما لم يقبض عليه فيها أو كان مكان إقامته مجهولاً، أي بمعنى أنه لم يتوفر لتعين المحكمة المختصة بنظر الدعوى المتعلقة بالجريمة أي من الضوابط السابقة (مكان وقوع الجريمة، مكان الإقامة، أو مكان القبض عليه).
ويجري العمل في القضاء الأردني واستناداً إلى المادة العاشرة من قانون العقوبات بأن المتهمين الحائزين على الجنسية الأردنية مسؤولون جزائياً أمام محاكم المملكة الأردنية سواء ارتكبوا الجريمة داخل أراضيها أو في الخارج([25]).
النص السابق إذن لا يطبق في حال توافر محل إقامته للمتهم (بالنسبة للمادة 219 في مصر وبالنسبة للمادة 5/3 في الأردن)، في الإقليم أو القبض عليه فيها، لكن يطبق على من ليس له مكان إقامة في دولته ولم يقبض عليه فيها، والملاحظ أن هذا مجرد استثناء بحت، ويستوي أن يكون خضوع هذه الجريمة (المرتكبة في الخارج للقانون المصري مثلاً استناداً لمبدأ عالمية النص، أو استناداً لمبدأ شخصية النص، أو استناداً لمبدأ عينية النص) ([26]) لأن النص بذاته ذو طابع احتياطي وهو يضع قاعدة تحكمية حيث لا تجدي القواعد العامة في تقرير حل.
والجدير بالملاحظة أن النص (الأردني والمصري) لا يطبق إذا ما وقعت الجريمة على متن سفينة أو طائرة في حالة تخضع فيها للقانون الأردني والمصري، إذا كانت السفينة قد رست أو الطائرة قد هبطت بعد الجريمة في ميناء أو مطار مصري أو أردني، لأنه في مثل هذه الحالة يكون مكان حط الطائرة أو رسو السفينة هو مكان ارتكاب الجريمة طبقاً للقواعد العامة، ولكن يطبق هذا النص إذا ما حطت الطائرة ورست السفينة في ميناء غير المطار أو الميناء المصري أي في ميناء أجنبي([27]).
أما حالة الاشتراك في ارتكاب الجريمة فإن الأمر يتوقف على نظرة المشرع لفعل الاشتراك حيث أن غالبية التشريعات تعتبر الاشتراك أمر تبعي للفعل الأصلي، ولذا فسلطة العقاب تكون من حق الدولة التي يقع فيها الفعل الأصلي([28]).
القانون الألماني (العقوبات لعام 1975) أخذ بمبدأ استقلال الشريك حيث نصت المادة التاسعة على المعاقبة على فعل الاشتراك الذي يقع في ألمانيا ولو وقعت الجريمة في الخارج حتى لو كان الفعل الأصلي الذي وقع في الخارج لا يعاقب عليه القانون الألماني([29]).
ويأخذ بهذا المبدأ القانون السوداني حيث يعتبر فعل الاشتراك (من تحريض أو اتفاق أو مساعدة جريمة مستقلة) ([30]) ولو لم يترتب على الاشتراك أثر وإن كانت عقوبتها أخف من عقوبة الجريمة إذا تمت أو شرع فيها في جريمة وقعت كلها أو بعضها في الخارج حيث تناولت المادة الأولى والثانية من قانون العقوبات المصري هذا الموضوع بأحكام خاصة تطبق عليها مبدأ الإقليمية في حالتين مختلفتين عن بعضهما البعض في الأحكام.
فجاءت الحالة الأولى والتي نصت عليها المادة الأولى من قانون العقوبات المصري بقولها: تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه.
والحالة الثاني تنص عليها المادة الثانية من ذات القانون بقولها: تسري أحكام هذا القانون أيضاً على الأشخاص الآتي ذكرهم:
(كل من ارتكب في خارج القطر فعلاً يجعله فاعلاً أو شريكاً في جريمة وقعت كلها أو بعضها في القطر المصري) ([31]).
ويشترط لقيام الحالة الأولى النص الأول والثاني شرطان / الأول أن يساهم الجاني في الجريمة بفعله وهو داخل القطر المصري، فلا تسري المادة الأولى على الشريك الذي حرض وهو خارج القطر على جريمة وقعت داخله وإنما هنا تسري عليه أحكام المادة 2/1 منه. والشرط الثاني، أن تقع الجريمة كلها داخل الإقليم المصري([32])، سواء تحققت الجريمة كاملة أو وقفت عند حد الشروع.
أما إذا وقعت بعض عناصر الجريمة في مصر والبعض الآخر في الخارج فإن المادة الثانية فقرة أولى تكون واجبة التطبيق.
في حال توافر الشرطين يكون القانون المصري واجب التطبيق على كل من ساهم في الجريمة فاعلاً أو شريكاً مصرياً أو أجنبياً([33]) وهذا يحتم على النيابة أن ترفع الدعوى ولو تحققت أن الجاني حوكم في الخارج وبريء أو أدين واستوفى عقوبته بناء على مبدأ الشخصية الإيجابية مثلاً، بمعنى أن النيابة تتحرر من القيود التي ترد في المادة 4 من قانون العقوبات المصري، حيث أن هذه القيود واردة في الحالات الثلاث الواردة في المادة الثانية والثالثة.
أما عن الحالة الثانية فإن المادة الثانية فقرة أولى تطبق على كل من يساهم وهو في الخارج في جريمة تقع كلها أو بعضها في مصر سواء كان مصرياً أو أجنبياً ولا يشترط أن يكون معاقباً على كل هذا الفعل في مصر أو في الخارج استقلالاً.
وقد يكون هذا الفعل من أفعال الاشتراك وقد يكون أصلياً، لذا تسري هذه المادة على المحرض والفاعل الذي يرتكب فعله في الخارج من حيث القواعد العامة فكل من الاثنين فاعلاً أصلياً.
علّة التفرقة بين الحالتين هي أن العمل الذي وقع في الخارج قد يكون جريمة في البلد الذي وقع فيه، مما يستلزم احترام سيادة الدولة ومراعاة العدالة التي تقتضي ألا يعاقب الشخص عن واقعة الفعل مرتين، أما إذا وقع جزء من هذه الأفعال (المساهمة داخل الإقليم المصري) وجزء في خارج الإقليم المصري (كالجرائم المستمرة، المتكررة الاعتياد) فإن القانون المصري يكون واجب التطبيق، حيث يتبع مبدأ التطبيق للأصل وهذا هو مبدأ القانون المصري، كتحريض شخص لآخر وهو في الخارج على ارتكاب فعل داخل الإقليم، أو إرسال شخص وهو في الخارج لآخر مواد مخدرة للاتجار فيها بمصر فكلا الجريمتين وقعتا في مصر.
المطلب الثاني
الضابط الثاني / محل إقامة المتهم
من الرجوع لنصوص القانون المصري المادة 217 إجراءات جنائية نجد أن من الضوابط التي تحدد المحكمة المختصة محلياً هو مكان إقامة المتهم (Residence) دون محكمة الموطن (Domicile) بخلاف نص المادة الخامسة فقرة أولى من أصول المحاكمات الجزائية الأردنية التي نصت على موطن المتهم دون مكان إقامته، وثمة خلاف في المدلول القانوني بين التعبيرين في حين يعني الموطن المكان الذي انصرفت نية المتهم إلى الإقامة فيه على نحو منتظم مستقر، قد لا يكون مقيماً فيه فعلاً([34]).
وموقف المشرع الأردني محل نقد لجعله المحكمة المختصة محكمة الموطن المختار دون محل إقامة المتهم لأن محل الإقامة هو المحل الذي يمكن أن تستقي فيه المعلومات المتعلقة بشخص المتهم وعلاقاته العائلية والاجتماعية بوجه عام، وكما يمكن التعرف على سوابقه الإجرامية([35])، وتحديد محل إقامة المتهم هو فصل في مسألة موضوعية.
وغالباً يتحد مكان الإقامة وموطن المشتكى عليه، ولكن إذا اختلفا فإن العبرة في القانون المصري بمحل الإقامة دون الموطن، وبالعكس محل الموطن دون الإقامة في القانون الأردني.
وإذا رفعت الدعوى العمومية عن جريمة وقعت في مكان يدخل في دائرة اختصاص محكمة ما إلى محكمة أخرى يدخل اختصاصها المحلي الذي يقيم فيه المتهم المرفوعة عليه الدعوى، فلا يؤثر في اختصاص هذه المحكمة أن يكون المتهم شريكاً في الجريمة لفاعل أصلي لا تصح قانوناً محاكمته أمامها وما دامت الدعوى لم ترفع إلا عليه([36]) وإذا تعددت محال إقامة المتهم كانت جميع المحاكم التي تتبعها هذه المحال مختصة بالجريمة([37]).
وإذا غير المتهم مكان إقامته في الفترة ما بين ارتكاب الجريمة وبين البدء في اتخاذ الإجراءات الجنائية هذه، تكون المحكمة المختصة هي محكمة محل إقامته الأخير ويعني ذلك أنه إذا كان مكان ارتكاب الجريمة ثابتاً فإن محل إقامة المتهم قابل للتغيير، ولكنه ليس من الأهمية أن يغير المتهم محل إقامته بعد اتخاذ الإجراءات ضده([38]).
المطلب الثالث
الضابط الثالث / مكان القبض على المتهم
راعى المشرع جعل الاختصاص المكاني وفق هذا الضابط لمكان القبض على المتهم في حالة عدم وجود محل إقامة (مجهول الإقامة) أو كان مكان وقوع الجريمة غير معين، وتراعي أيضاً سلطات التحقيق في الجرائم البسيطة التي تكون الإجراءات التي ستتخذ بشأنها ذات مصاريف كبيرة يستغني عنها فيفضل محاكمته بمكان القبض عليه بدلاً من نقله من مكان القبض عليه لمكان محكمة وقوع الجريمة أو محكمة مكان الإقامة أو يستوي الأمر أن يكون القبض على المتهم لذات الجريمة أو لجريمة أخرى (م/52) من قانون الإجراء الجنائية الفرنسية) وتحديد مكان القبض على المتهم هو فصل في مسألة موضوعية يترك أمر تقديرها لقاضي الموضوع.
الاختصاص المكاني لسلطة التحقيق([39]):
يحدد الاختصاص المكاني لسلطة التحقيق (المدعي العام، والنيابة العامة، ومأمور الضبط القضائي) بنفس الضوابط الثلاث التي يحدد بها الاختصاص المكاني لقاضي الحكم وهي مكان وقوع الجريمة، ومحل إقامة المتهم، وهذا ما أكدته المادة 18 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وقد جاء فيها:
” في الأحوال المبينة في المواد (7 – 13) من قانون العقوبات يقوم بالوظائف المذكورة في المادة السابقة (أي المادة السابعة عشر من قانون أصول المحاكمات) المدعي العام التابع له موطن المشتكى عليه أو مكان إلقاء القبض عليه، أو موطنه الأخير، إلا أن هنالك فرق بين الاختصاص المحلي لسلطة التحقيق والاختصاص المحلي لسلطة الحكم حيث أن الاختصاص في الحالة الأولى يمكن أن يمتد لنطاق أوسع من دائرة الاختصاص أي خارج نطاق سلطة التحقيق إذا ما تطلبت ذلك مقتضيات التحقيق وظروفه فيقوم المدعي العام بانتداب أحد أفراد الضابطة العدلية للتحقيق في هذه الجريمة وقد يقوم بالتحقيق بنفسه إن اقتضت الضرورة.
فقد يتم تفتيش منزل المتهم الواقع في خارج دائرة الاختصاص لمأمور الضبط القضائي الذي شاهد المتهم متلبساً في جريمة وقعت في دائرة اختصاصه([40]).
والقاعدة المستقرة في القضاء المصري أنه ما دام المحقق مختصاً بتحقيق الواقعة فلا يهم بعد ذلك المكان الذي اختاره لاتخاذ بعض الإجراءات المتعلقة بالتحقيق والذي يترك لتقديره حفاظاً على صالح التحقيق وسرعة الإجراء([41]).
ويستند في هذا إلى المادة 7/2/ الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات المصري في حال قيام قاضي التحقيق أو انتداب النيابة العامة أو أحد أفراد الضابطة العدلية للقيام بالتحقيق خارج دائرة الاختصاص (المادة 199 خاص بالتحقيق الجاري من النيابة العامة).
لا يعتبر هذا استثناء على القواعد العامة في تحديد الاختصاص المكاني وإنما هو مراعاة لمقتضيات التحري والتحقيق عن الجريمة وظروفها وتحقيق العدالة.
نخلص مما سبق أن الضوابط الثلاث المحددة في المادة 217 من قانون الإجراءات المصري، والمادة الخامسة فقرة أولى من قانون أصول المحاكمات الأردني التي تنص على مكان انعقاد الاختصاص المكاني للمحكمة التي تنظر الواقعة في (مكان وقوع الجريمة، أو مكان إقامة المتهم أو مكان القبض عليه) وكلها متساوية ولا تفضيل بينهما وللمشتكي الخيار إذا ما سلك إحداهما فإن المحكمة تصبح ملزمة بنظر الواقعة([42]).
كما نخلص للقول بأن قواعد الاختصاص المحلي لا تتعلق بالنظام العام فلا يترتب على مخالفتها البطلان كالذي يترتب على مخالفة الاختصاص النوعي والشخصي وإن كان هنالك جانب من الفقه يرى عدم التمييز بين قواعد الاختصاص إلا أننا نرى مع القائلين بأن قواعد الاختصاص المكاني غير متعلقة بالنظام العام للأسباب التالية:
1- هذه القواعد وضعت لتنظيم العمل القضائي ليس إلا، فهي لم توضع لاعتبارات موضوعية تتعلق مثلاً بالقدرة على الفصل في الموضوع والكفاءة اللازمة لذلك وإنما الهدف هو تيسير العمل القضائي وعدم عرقلة سير العدالة.
2- المشرع في تحديده لضوابط الاختصاص المحلي إنما قصد تيسير التقاضي أيضاً على الخصوم في الدعوى تماماً كما هو الشأن في الاختصاص المكاني للدعاوى المدنية([43]).
3- لو كان الأمر يتعلق بالنظام العام كما هو الشأن في الاختصاص النوعي أو الشخصي لما وضع المشرع ضوابط عدة للاختصاص المكاني ولقصرها على ضابط واحد هو المتعلق بتحقيق العدالة([44]).
4- وحتى الاتجاه القائل: بعدم التفرقة بين قواعد الاختصاص وضعوا قيوداً على الاختصاص المكاني لجعله من النظام العام ولا مكان للدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض ويجب أن يكون الدفع مستنداً إلى وقائع أثبتها الحكم وأن لا يقضي تحقيقاً موضوعياً.
5- إن اعتبار الاختصاص المكاني من النظام العام علاوة على أن فيه عرقلة لسير القضاء وعدم التيسير على الخصوم فإن من نتائج رد الدعوى لعدم الاختصاص المكاني فيه تكلفة باهظة لأطراف الخصومة وعدم استقرار للمراكز القانونية.
ويترتب على اعتبار الاختصاص المكاني ليس من النظام العام النتائج التالية:
1. لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض (التمييز).
2. لا يجوز أن تحكم بع المحكمة من تلقاء نفسها.
3. إذا بدأ الخصوم (المدعي في تقديم لائحة الادعاء أو الشكوى والمدعى عليه في الإجابة عليها فإنه يتحدد اختصاص المحكمة المكاني ويعتبر بأن الطرفين قد أرادا تلك المحكمة صراحة أو ضمناً وأنهما قد تنازلا عن أي اختصاص مكاني آخر([45]).
ويترتب على هذه النتيجة ما يلي:
بالنسبة لقاضي الموضوع إذا بدأ الخصوم في نظر الدعوى يصبح ملزماً برد الدفع بعدم الاختصاص المكاني ولا يملك حتى مجرد البحث فيه ولا يجوز له سماع أية بينة تتعلق بالدفع وإلا كان بحثه بالدفع مشوباً بالبطلان.
هذا أيضاً مسلك القضاء الأردني حيث جاء بأن الاختصاص المكاني ليس من النظام العام، حيث قضت محكمة التمييز الأردنية بأن المحكمة لا تملك الحق في الدفع بعدم الاختصاص المكاني ما لم يمسك به المدعي قبل الدخول في موضوع الدعوى([46]).
وجاء أيضاً بأنه لا يجوز الدفع بعدم الصلاحية المكانية إذا لم يتمسك بهذا الدفع قبل الإجابة على لائحة الدعوى([47]).
ولا يختلف الحال بالنسبة للقضاء المدني حيث اعتبرت الاختصاص المكاني لا يتعلق بالنظام العام بمعنى لا يجوز للمحكمة أثارته من تلقاء نفسها، وللخصوم التمسك به قبل الدخول في الأساس للموضوع وإلا اعتبر أن هنالك اتفاق صريح أو ضمني في التنازل عنه.
ولا يجوز للنيابة العامة أن تتمسك بعدم الاختصاص الذي لا يتعلق بالنظام العام إلا إذا كانت طرفاً أصلياً في الدعوى.
وإذا ما ثبت الاختصاص للقاضي بالدعوى تعين أن يقضي فيها، فإن امتنع ارتكب جريمته، وإذا ثبت أنه غير مختص بها تعين عليه أن يقرر ذلك ويخرج الدعوى من حوزته فإن قضى فيها كان قضاؤه باطلاً([48]).
الفصل الثاني
العنصر المكاني للسلوك في جرائم التهريب الجمركي
يلعب العنصر المكاني في جريمة التهريب الجمركي دوراً بارزاً. إذ يمثل التطبيق الجغرافي للقانون الجمركي أحد الخصائص المميزة له([49]) وللعنصر المكاني أهمية كبرى في جرائم التهريب الجمركي، وذلك أنه يحدد نطاق عمل إدارة الجمارك وإمكانية ضبط الجرائم، كما يؤثر تأثيراً خاصاً في بعض صور التهريب الجمركي. وفي وسائل الإثبات وإجراءات الملاحقة. فالجريمة الجمركية تختلف عن غيرها من الجرائم لأن الأصل في هذه الجرائم خلافاً لجرائم القانون العام أنها تقع على حدود الدولة الجمركية، وهو ما يعبر عنه بالخط الجمركي ولا تقع داخل الدولة إلا استثناء فإذا اجتازت البضائع (نطاق الرقابة الجمركية) فإنها والحالة هذه لا تصلح أن تكون محلاً لجريمة التهريب، باستثناء بعض صور التهريب التي تعرفها القوانين الجمركية ويمكن أن تقع على امتداد إقليم الدولة وقد ميز قانون الجمارك المصري بين الإقليم الجمركي والخط الجمركي والدائرة الجمركية ونطاق الرقابة الجمركي.
1- الإقليم الجمركي CUSTOM TERRITORY
ويقصد بالإقليم الجمركي بشكل عام هو: الأراضي والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة. فالإقليم الجمركي هو إقليم الدولة داخل حدودها السياسية وفقاً لتحديدها دولياً ويشمل ذلك الإقليم البر والبحر والجو على حد سواء([50]) ومن ثم فإن إقليم الدولة الجمركي يتطابق مع الإقليم السياسي. وتتولى المعاهدات الدولية والقوانين الداخلية بيان الحدود السياسية للدولة. وهي تشمل الأراضي اليابسة والمياه الإقليمية والفضاء الجوي الذي يعلو كلاً من الأرض والماء. أي أن الإقليم الجمركي يشمل – كالإقليم السياسي – الإقليم البحري والبري والجوي.
وقد عرف J. PRESCOTT الحدود السياسية بقوله “إن الحدود تعني حد الإقليم الذي تشغله الدولة، وتبسط عليه سلطتها بصفة قانونية”([51]).
2- الخط الجمركي CUSTOM FRONTIER
عرف الأستاذ LAWERENCEW TOWLE الخط الجمركي بأنه الخط الذي تخضع فيه البضائع والأموال في حال دخولها إلى إقليم الدولة، أو إخراجها منه، لمجموعة من النظم والإجراءات الجمركية، التي تضعها الدولة بهدف تنظيم تدفق السلع والأموال من والى أسواقها الوطنية، وعلى طول هذا الخط يوجد عدد من مكاتب ونقط المراقبة، بقصد مراقبة، وتنظيم عمليات الاستيراد والتصدير([52]) ويمتد الخط الجمركي على جانب الحدود البرية والبحرية، فيشكل خطاً جغرافياً يمثل حدود الدولة. وقد عرفت المادة الثانية من قانون الجمارك المصري الخط الجمركي بأنه “الحدود السياسية الفاصلة بين الجمهورية والدول المتاخمة وشواطئ البحار المحيطة بالجمهورية، كما اعتبرت ضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها القناة خطاً جمركياً، وقد استقر اجتهاد محكمة النقض المصري على أن سواحل البحر المالح والحدود الفاصلة بين القطر المصري والبلاد المجاورة له تعد خطاً جمركياً([53]).
3- الدائرة الجمركية CUSTOMS SURVEILANCE ZONE
وهي تلك المنطقة التي يوجد بها مكتب للجمارك سواء على الحدود البرية أو في الموانئ البحرية أو الجوية، والأرض المحيطة بها حيث يتم شحن وتفريغ ونقل وتخزين البضائع الواردة والصادرة لإتمام الإجراءات الجمركية عليها([54]) وتكون غالباً محاطة بأسوار لها أبواب تحت حراسة عمال وحرس شرطة دائرة الجمارك.
وقد عرفت المادة الرابعة من قانون الجمارك المصري الدائرة الجمركية بأنها “النطاق الذي يحدده وزير الخزانة في كل ميناء بحري أو جوي يوجد فيه مكتب للجمارك، يرخص فيه بإتمام الإجراءات الجمركية أو بعضها، وكذلك أي مكان آخر يحدده الوزير لإتمام هذه الإجراءات فيه”.
4- الرقابة الجمركية CUSTOM CONTROL
وهي شريط من الأرض متاخم للحدود مع الخارج يحضر فيه تداول وحيازة ونقل البضائع الممنوعة والخاضعة للضريبة دون تبريرات مقبولة. وقد عرّف البعض الرقابة الجمركية بأنها “عبارة عن إشراف رجال الجمارك على اجتياز البضائع للخط الجمركي، دخولاً وخروجاً طبقاً للنظم والإجراءات الجمركية الواجبة الاتباع، والتي تنص عليها قوانين الجمارك، والقوانين المكملة لها، والمعمول بها في شأن الاستيراد والتصدير”([55]).
وينقسم نطاق الرقابة الجمركية، الذي يمارس فيه موظفو الجمارك اختصاصهم إلى نطاقين:أولاً: نطاق الرقابة الجمركية البحري. ثانياً: نطاق الرقابة الجمركية البري. وسوف نتناول كل نقطة بالشرح تفصيلاً على النحو التالي:
أولاً : نطاق الرقابة الجمركية البحري
صدرت اتفاقية جنيف عام 1958، وقد أكدت عدة مبادئ أساسية بالنسبة للمرور في مياه البحر الإقليمي والمناطق الملاصقة للبحر الإقليمي نجملها بما يلي:
نطاق الرقابة الجمركي البحري: هو امتداد للبحر الإقليمي إلى مناطق عرفتها المادة 24 من اتفاقية جنيف بأنها منطقة من البحار العالية تلاصق البحر الإقليمي للدولة الشاطئية، ولا تخضع لسيادتها لأنها لا تعتبر جزءاً من إقليمها السياسي، إذ الملاحة فيها حرة ولا يجوز للدولة الشاطئية منعها أو إعاقتها، ولكن تباشر عليها سلطات محددة مصدرها المحافظة على أمنها ومنع الإخلال بقوانينها الجمركية والمالية والصحية. وعلى الرغم من أنه لا يجوز أن تمتد بحسب اتفاقية جنيف المنعقدة في سنة 1958 إلى أبعد من 12 ميلاً بحرياً ابتداءاً من الخط الأساسي الذي يبدأ منه الخط الإقليمي للدولة الشاطئية إلا أنه وطبقاً للفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون الجمارك المصري، يمتد نطاق الرقابة الجمركية البحري من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في البحار المحيطة به. وهذه المسافة لا تدخل كلها ضمن حدود الدولة المصرية السياسية. لأن المياه الإقليمية لجمهورية مصر العربية لا تمتد إلى أكثر من اثنتى عشر ميلاً بحرياً طبقاًُ للقرار الجمهوري رقم 180 لسنة 1958. وبذلك تكون الستة أميال الباقية منطقة مجاورة للمياه الإقليمية للدولة المصرية تمتد إليها أحكام الرقابة الجمركية. فهي لا تعتبر منطقة حماية للمياه الإقليمية من عمليات التهريب فحسب، وإنما تدخل ضمن نطاق الرقابة الجمركية، بمعنى أن حق الدولة في المنطقة الملاصقة لا ينحصر في طرد السفن التي تمارس عمليات التهريب فيها، وإنما يتجاوز إلى حد توقيع العقاب على المهربين.
وترى غالبية الفقه والقضاء المصري أن هذا التعارض بين المادة الثالثة من قانون الجمارك المصري بتحديدها البحر الإقليمي والمنطقة الملاصقة بثمانية عشر ميلاً بحرياً وبين المادة الأولى من اتفاقية جنيف التي تحدد البحر الإقليمي والمنطقة الملاصقة باثني عشر ميلاً بحرياً لا يحول دون وجوب أن يطبق قانون الجمارك المصري بتاريخ لاحق([56]) ويخالف بعض الفقهاء رأي الغالبية قائلين بأنه إذا تم التصديق على المعاهدة بموجب قانون فإنها تكون واجبة التطبيق، ولو تعارضت فيما بعد مع قانون لاحق طالما لم يتم إلغاؤه بالطريق القانوني السليم([57]).
أما بالنسبة للاجتهاد القضائي المصري فقد استقر على ما ذهب إليه رأي الغالبية حيث جاء بقرار محكمة النقض المصرية ما يلي “إن أحكام التشريع الداخلي أولى بالاعتبار بغض النظر عما يفرضه القانون الدولي من قواعد أو مبادئ يخاطب بها الدول الأعضاء في الجماعة الدولية”([58]).
ويتضح مما تقدم أن اتفاقية جنيف التي صدقت عليها الجمهورية المصرية تتعارض مع مواد قانون الجمارك، وحيث أن الاتفاقية عرضت على السلطة التشريعية وتمت الموافقة عليها، فأصبحت قانوناً داخلياً يلتزم القاضي الوطني بتطبيق أحكامه إلا أن المفاضلة بينهما تتم على أساس أن النص اللاحق ينسخ السابق، وقد صدر قانون الجمارك سنة 1963 وهو تاريخ تال لتوقيع الاتفاقية والتصديق عليها، وبالتالي فإن قانون الجمارك هو الواجب التطبيق. وإذا كانت المسألة، لا تثير صعوبة من الناحية القانونية، إلا أنها تثير مشاكل سياسية على الصعيد الدولي، ولكن هذه النتيجة لا يصلح أن تكون سبباً يحول بين القاضي وبين تطبيق القانون الداخلي اللاحق.
ثانياً : نطاق الرقابة الجمركية البري
أما النطاق الجمركي البري فيحدد بقرار يصدر من وزير الخزانة (المالية) وفقاً لمقتضيات الرقابة وقد صدر بتاريخ 31/8/1963 قرار وزير الخزانة المصري رقم 57 لسنة 1963 بتحديد نطاق الرقابة الجمركي البري، ويجوز أن تتخذ داخل النطاق تدابير خاصة لمراقبة بعض البضائع التي تحدد بقرار منه([59]).
أما بالنسبة لقانون الجمارك الأردني فقد عنى المشرع الجمركي الأردني بوضع التعاريف والحدود ما بين الخط الجمركي والحرم الجمركي والنطاق الجمركي، كما وضع طرقاً معينة لدخول البضائع إلى المملكة أو خروجها منها بحيث لا يجوز التجاوز عليها. وقد عرّف قانون الجمارك الأردني رقم 20 لسنة 1998 وتعديلاته الخط الجمركي: بأنه الخط المطابق للحدود السياسية الفاصلة بين المملكة وبين الدول المتاخمة لها ولشواطئ البحار المحيطة بالمملكة. أي أن الحد الفاصل في جريمة التهريب هو اجتياز البضاعة الخط الجمركي أو الحدود السياسية في إدخال البضاعة أو إخراجها.
وقد عرَّف الحرم الجمركي بأنه: القطاع الذي يحدده الوزير في كل ميناء بحري أو جوي أو في أي مكان آخر يوجد فيه مركز للدائرة يرخص فيه بإتمام كل الإجراءات الجمركية أو بعضها. ويمكن القول بأن الحرم الجمركي هو المستودع أو قطعة الأرض الذي يفرّغ فيه البضاعة وتكون غالباً مسوّرة وتحت حراسة كما أسلفنا سواء كانت المنطقة ميناءاً بحرياً أو جوياً، وان خروج البضاعة من الحرم الجمركي إلى المنطقة الجمركية دون معاملة جمركية يعتبر صورة من صور التهريب الحكمي. وعرَّف النطاق الجمركي بأنه الجزء من الأراضي أو البحار الخاضع لرقابة وإجراءات جمركية محددة في هذا القانون وهو على نوعين:
1- النطاق الجمركي البحري: ويشمل منطقة البحر الواقعة ما بين الشواطئ ونهاية حدود المياه الإقليمية. ولم يحدد نطاق الرقابة البحري وذلك كون الأردن لا يملك بحاراً لأنه مطل على خليج العقبة الذي لا يزيد اتساعه عن تسعة أميال ويقع وسط أربع دول.
2- النطاق الجمركي البري: ويشمل الأراضي الواقعة ما بين الشواطئ أو الحدود البرية من جهة وخط داخلي من جهة ثانية على أن يحدد بقرار من الوزير ينشر في الجريدة الرسمية. إلا أنه لم يصدر الوزير المختص ما يحدد هذا النطاق في الأردن على الرغم مما لهذا التحديد من أهمية كبرى في فرض الرقابة الجمركية.
قانون الجمارك السوري: في المادة الأولى من الباب الأول، وعنوانه تعاريف ومبادئ عامة تحدث في الفقرة الثالثة من المادة الأولى عن الدائرة الجمركية تحت عنوان الحرم الجمركي، وفي الفقرة الثامنة عن الخط الجمركي، وفي الفقرة التاسعة عن النطاق الجمركي. وهو نطاق الرقابة البري والبحري وقد نصت على أن:
1- النطاق الجمركي البحري: يشمل الأراضي الواقعة ما بين الشواطئ ونهاية حدود المياه الإقليمية.
2- النطاق الجمركي البري يشمل الأراضي الواقعة ما بين الشواطئ أو الحدود البرية من جهة وخط داخلي من جهة ثانية تحدد بقرار من الوزير المختص وينشر في الجريدة الرسمية، وحيث أن سوريا منضمة إلى اتفاقية جنيف سنة 1958 فقد تم تحديد المياه الإقليمية باثني عشر ميلاً وهو عكس القانون الجمركي المصري الذي حدد نطاق الرقابة الجمركية بثمانية عشر ميلاً بحرياً وكذلك نهج القانون الجمركي العراقي الذي حدد نطاق الرقابة البحري باثني عشر ميلاً في المادة الأولى من الباب الأول.
أما قانون الجمارك اللبناني فلم يحدد الإقليم الجمركي، أو الخط الجمركي، أو نطاق الرقابة الجمركي البحري، أو الدائرة الجمركية، ولم يتعرض لهذا الموضوع في أي مادة من مواده وهي 382 مادة، وهذا عكس القانون الجمركي الأردني والمصري والسوري والعراقي وكل ما ذكره القانون اللبناني مما يمت بصلة لهذا الموضوع، ما جاء في المادة السادسة من أنه تطبق في جميع المرافئ. والمكاتب الجمركية في لبنان القرارات، والأنظمة والتعريفات ذاتها.
وعلى ضوء ما تقدم فإن القاعدة العامة أن حدود السلطة الجمركية هي الحدود السياسية نفسها. غير أن ذاتية الجريمة الجمركية فرضت الخروج على مبدأ إقليمية قانون العقوبات، بمعنى امتداد الحدود الجمركية إلى ما بعد الحدود السياسية للدولة.
وعلى الرغم من وضوح المسألة من الناحية القانونية، فإن الاعتبارات العملية تدفع القضاء أحياناً إلى التوسع في حماية الدولة من خطر التهريب توسيعاً يخرج فيه على كل ما تقضي به القواعد العامة. ولمحكمة النقض الفرنسية اتجاه صريح في هذا المجال. فقد قررت أن تقدم أحد المسافرين إلى مكتب جمرك بلد مجاور للخروج منه، مخبئاً في حقيبته بضاعة ممنوعة قصد تهريبها إلى فرنسا. وضبط من قبل رجال الجمرك في البلد المجاور، يشكل شروعاً، معاقباً عليه، في الاستيراد تهريباً إلى فرنسا([60]). وقد نصت المادة 182/3 من قانون الجمارك الأردني النافذ على ما يلي: يجوز إجراء التحري عن التهريب والمخالفات الجمركية وحجز البضائع خارج النطاقين الجمركيين البري والبحري عند متابعة البضائع المهربة ومطاردتها مطاردة متواصلة بعد أن شوهدت ضمن النطاق في وضع يستدل منه على قصد تهريبها.
الفصل الثالث
الاختصاص المكاني والتحري عن التهريب
اختصاص رجال الضابطة العدلية “موظفي الجمارك” مقصور على الجهات التي يؤدون فيها وظائفهم، إذ لا تتوفر لهم صفة الضبطية القضائية إلا في دوائر اختصاصهم المحلي الذي يتعين إما بمكان وقوع الجريمة أو بالمكان الذي يقيم فيه المتهم أو يضبط فيه. فإذا جاوز موظف الجمارك هذه الحدود وخرج عن دائرة اختصاصه زالت عنه صفته وكانت إجراءاته معيبة باطلة. غير أن هذا البطلان نسبي فيجب التمسك به أمام محكمة الموضوع. ويسري شرط الاختصاص أيضاً بالنسبة للمجال النوعي، فإذا كان موظف الجمرك ذا اختصاص نوعي محدد، تعين عليه أن يلزم حدود اختصاصه، فلا يجوز له أن يتخذ اجراء في شأن جريمة لا يختص بها. أما إذا كان رجل الضابطة العدلية ذا اختصاص نوعي عام فإنه يتعين عليه أن يلتزم حدود اختصاصه الإقليمي.
أما إذا كان موظف الجمارك مختصاً وفقاً لمعيار من المعايير السابقة كان الإجراء الذي وقع منه صحيحاً حتى ولو تم في دائرة أخرى بعيدة عن دائرة اختصاصه المكاني. إذا يكفي أن يكون مختصاً بمباشرة الإجراءات المتعلقة بالجريمة التي وقعت في دائرة اختصاصه أو كان المتهم يقيم بها أو تم ضبطه بها فيمتد اختصاصه في هذه الحالة إلى جميع من اشتركوا في الواقعة موضوع القضية المذكورة أو اتصلوا بها أينما كانوا، ويكون له الحق عند الضرورة في مباشرة كل ما يخوله له القانون من إجراءات سواء في حق المتهم أو في حق غيره من المتصلين بها.
ولذلك فقد قضت محكمة النقض المصري بامتداد الاختصاص حتى في الحالة التي لم تكن فيها الإجراءات قد بدأت بعد في دائرة الاختصاص المكاني لمأمور الضبط القضائي متى دعت الضرورة إلى ذلك([61]).
وعلى من يدفع ببطلان الأجراء الذي باشره رجال الجمارك لانعدام اختصاصهم المكاني أن يقدم الدليل على ذلك للمحكمة، لأن الأصل في الإجراءات الصحة، بل ولا تلتزم المحكمة بتحري صفة الضابط الذي أجرى التفتيش لمجرد قول المتهم ذلك دون تقديم دليل عليه([62]).
وقد نصت المادة 179/أ من قانون الجمارك الأردني على ما يلي:
يحق لموظفي الدائرة المفوضين لغايات تطبيق هذا القانون ومكافحة التهريب أن يقوموا بالكشف على البضائع ووسائط النقل وتفتيش الأشخاص وفقاً لأحكام هذا القانون والقوانين النافذة الأخرى وعلى سائقي وسائط النقل أن يخضعوا للأوامر التي تعطي لهم من قبل موظفي الدائرة ورجال ضابطتها الذين يحق لهم استعمال جميع الوسائل اللازمة لتوقيف وسائط النقل عندما لا يستجيب سائقوها لأوامرهم.
وقد نصت الفقرة ج من المادة 179 من قانون الجمارك الأردني على أنه: يحق لموظفي الدائرة المفوضين ورجال الأمن العام في حالة وجود دلائل كافية بوجود مواد مهربة تفتيش أي بيت أو مخزن أو أي محل آخر، أما بيوت السكن فلا يجوز تفتيشها إلا بحضور المختار أو شاهدين وبموافقة المدعي العام. كما نصت المادة 182/أ من قانون الجمارك الأردني على ما يلي: يجوز اجراء التحري عن التهريب والمخالفات الجمركية وحجز البضائع كما يلي: 1- في النطاقين الجمركيين البري والبحري. 2- في الحرم الجمركي وفي المرافئ والمطارات وبصورة عامة في جميع الأماكن الخاضعة للرقابة الجمركية بما في ذلك المستودعات العامة والخاصة.
3- خارج النطاقين الجمركيين البري والبحري عند متابعة البضائع المهربة ومطاردتها مطاردة متواصلة بعد أن شوهدت ضمن النطاق في وضع يستدل منه على قصد تهريبها ويجوز لموظفي دائرة الجمارك المفوضين واستناداً إلى أحكام المادة 182/ب من قانون الجمارك الأردني إلقاء القبض بلا مذكرة على أي شخص في حالات الجرم المشهود.
وقد عرفت المادة (28) من قانون الأصول الجرم المشهود بأنه “الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه أو عند الانتهاء من ارتكابه”
وأوردت حالات الجرم المشهود وما ألحق بها على سبيل الحصر وهي:
1- الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه.
2- الجرم الذي يشاهد عند الانتهاء من ارتكابه.
3- الجرم الذي يقبض على فاعله بناء على صراخ الناس اثر وقوعه.
4- الجرم الذي يقبض على فاعله ومعه أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل أنه فاعل للجريمة خلال أربعة وعشرين ساعة من وقوع الجرم.
5- الجرم الذي يقبض على فاعله وبه آثار أو علامات تفيد بأنه فاعل للجريمة خلال أربعة وعشرين ساعة من وقوع الفعل.
6- الجرم الذي يرتكب في داخل بيت، إذا طلب صاحب البيت إلى المدعي العام إجراء التحقيق بشأنها (مادة 42 أصول المحاكمات الجزائية).
ومن الطبيعي أن نعرّف الجرم غير المشهود بأنه الجرم الذي لا تنطبق عليه أحد الحالات الستة أعلاه.
ويتم تحقق جرائم التهريب والمخالفات الجمركية بمحضر ضبط ينظم وفق الأصول المحددة في قانون الجمارك وينظم محضر الضبط موظفان على الأقل من الجمارك أو ضابطتها أو من الأجهزة الرسمية الأخرى وذلك في اقرب وقت ممكن من اكتشاف المخالفة أو جريمة التهريب، ويجوز عند الضرورة تنظيم محضر الضبط من قبل موظف واحد.
وقد نصت المادة 186 من قانون الجمارك الأردني النافذ على وجوب ذكر ما يلي في محضر الضبط:
1. مكان وتاريخ وساعة تنظيمه بالأحرف والأرقام.
2. أسماء منظميه وتواقيعهم ورتبهم وأعمالهم.
3. أسماء المخالفين أو المسؤولين عن التهريب وصفاتهم ومهنهم وعناوينهم التفصيلية ومواطنهم المختارة كلما أمكن ذلك.
4. البضائع المحجوزة وأنواعها وكمياتها وقيمها والرسوم والضرائب المعرضة للضياع كلما أمكن ذلك.
5. البضائع الناجية من الحجز في حدود ما أمكن معرفته أو الاستدلال عليه.
6. تفصيل الوقائع وأقوال المخالفين أو المسؤولين عن التهريب وأقوال الشهود في حال وجودهم.
7. المواد القانونية التي تنطبق على المخالفة أو جريمة التهريب كلما أمكن ذلك.
8. النص في محضر الضبط على أنه تلي على المخالفين أو المسؤولين عن التهريب الحاضرين الذين أيدوه بتوقيعهم أو رفضوا ذلك.
9. جميع الوقائع الأخرى المفيدة، وحضور المخالفين أو المسؤولين عن التهريب عند جرد البضائع أو امتناعهم عن ذلك.
ويعتبر محضر الضبط المنظم وفقاً لأحكام القانون ثابتاً فيما يتعلق بالوقائع المادية التي عاينها منظموه بأنفسهم ما لم يثبت العكس.
([1]) أنظر د. محمود نجيب حسني / المرجع السابق في الإجراءات، ص 382.
أنظر د. أمينة النمر / المرجع السابق، ص 30، د. أحمد فتحي سلامة / المرجع السابق، س ق 968.
([2]) أنظر د. مأمون محمد سلامة / قانون الإجراءات الجنائية معلقاً عليه بالفقه وأحكام النقض، الطبعة الأولى/ 1980، ص 531، د. محمود نجيب حسني / المرجع السابق في الإجراءات، ص 387.
([3]) أنظر جارو / الجزء الثاني، فقرة 556، ص 376.
([4]) ويلاحظ أن نصوص القانون الأردني (مادة 5/1 تعتبر من الضوابط لتحديد المحكمة المختصة مكانياً بنظر الدعوى موطن المشتكى عليه بخلاف القانون المصري حيث يعتد بمكان إقامة المتهم / وهنالك فرق بين مكان الإقامة والموطن في نظر القانون حيث يعتبر الموطن (Domicile)، ويقصد به الموطن القانوني والذي لا يشترط أن يقيم المتهم فيه فعلاً ولكن يتم المخاطبة القانونية فيه، أما محل الإقامة (Rasidence) فيعتبر المكان الذي يقيم فيه فعلاً ومنه تستقي كافة المعلومات الاجتماعية وغيرها، ومنها يعرف سلوكه، لكن يستوي الأمر فيهما إذا كان الشخص تاجراً (سواء تاجر فرد أو شريك في شركة عادية) حيث يعتبر مكان الإقامة كل محل فيه فرع لتجارته.
([5]) أنظر د. مأمون سلامة / المرجع السابق، ص 511.
وانظر د. أحمد فتحي سرور / الوسيط في الإجراءات، ص 973.
([6]) وقد ساهمت في حل هذه المسائل ثلاث نظريات، تعتد الأولى بمكان السلوك الإجرامي بينما تعتد الثانية بمكان حصول النتيجة وتساوي الثالثة بمكان السلوك ومكان النتيجة (وقد أخذ قانون الإجراءات الفرنسي في المادة 693 بالسلوك الأخير. والصعوبة تثور في حال تعدد المتهمين في الدعوى إذا ما كان مكان إقامتهم مختلفة أو قبض عليهم في أماكن مختلفة، ولوحدة الدعوى الجنائية فإن الاختصاص ينعقد لسائر المتهمين صحيحاً في المكان الذي يقيم فيه أحدهم أو يقبض عليه فيه.
انظر نقض فرنسي (Crim: 10 juin 1948, Bukk No 153, Crim: 18 janu 1955
Bull No. 45)
وانظر أيضاً
(Chambon: Le Juge d’instructions. Paris 1912 P. 35 – 38)
([7]) أنظر الدكتور محمود نجيب حسني / المرجع السابق في الإجراءات، ص 389.
د. محمود مصطفى / المرجع السابق في العقوبات القسم العام، ص 123.
ميرل وفيتو / الجزء الثاني، Roger Merle Etandre vitu : Traite de triot Criminal. T. ll فقرة 1339، ص 564.
([8]) أنظر د. مأمون سلامة / المرجع السابق، ص 546.
([9]) أنظر ميرل وفيتو / المرجع السابق، فقرة 1340، ص 547.
([10]) تطبق في ذلك قواعد مماثلة للقواعد التي تعين مكان ارتكاب الجريمة من أجل تحديد القانون الذي يطبق عليه، أنظر د. محمود حسني / ص 130، قانون العقوبات القسم العام.
([11]) القانون السويدي (المادة الرابعة)، القانون الفرنسي، المادة 693 / إجراءات القانون النرويجي (المادة الثالثة)، القانون السويسري (المادة السابعة) القانون اليوغسلافي المادة (15)، القانون المصري (المادة السادسة) من المشرع، أنظر د. محمود مصطفى / عقوبات القسم العام، ص 124، حاشية 1.
([12]) د. محمود مصطفى / المرجع السابق (إجراءات)، ص 348.
([13]) قرار تمييز جزاء 90/54، ص 754 سنة 1954، ج1 / المبادئ، ص 46.
([14]) أنظر أحمد فتحي سرور في قانون الإجراءات، طبعة 1981، ص 674.
([15]) ويرجع اعتبار جريمة إصدار شيك بدون رصيد من الجرائم المركبة لاعتبارها من جرائم الاحتيال والتي بدورها تعتبر جرائم مركبة، وهذا هو السبب في عدم إفراد نصوص خاصة بجريمة إصدار شيك بدون رصيد وإحالة ذلك لقانون العقوبات القسم الخاص بالاحتيال، وهذا على الغالب مسلك غالبية التشريعات.
([16]) أنظر د. أحمد فتحي سرور / المرجع السابق، ص 974، حاشية رقم 1.
([17]) أنظر د. أحمد فتحي سرور / المرجع السابق، الوسيط، ص 391.
([18]) نقض مصري 20/يونيه/ سنة 1966م، الأحكام، س17، رقم 156، ص 827.
([19]) نقض 24/ابريل/ سنة 1956، مجموعة أحكام محكمة النقض، س17، رقم 182، ص 654.
([20]) انظر / المرجع السابق، د. أحمد فتحي سرور، ص 391.
([21]) أنظر / المرجع السابق، د. أحمد فتحي سرور، ص 391، حاشية رقم 2.
فيدل وماجنول / ج2، ص 1123، هامش (1)، ج2، ص 1123.
([22]) جارو ج2، رقم 561، ص 382.
([23]) انظر تمييز جزاء أردني رقم 52/52/ ص 246 سنة 1953.
([24]) المبادئ القانونية لمحكمة التمييز، ج2 سنة 1982، ص 945.
([25]) تمييز جزاء 119/54/ ص 877 سنة 1995 المبادئ / ج1 / ص 46.
([26]) المادة الثانية والثالثة من قانون العقوبات المصرية.
([27]) المادة الثامنة من قانون العقوبات الأردني جاء فيها:
” لا يسري القانون الأردني 1. على الجرائم المقترفة في الإقليم الجوي الأردني على متن مركبة هوائية أجنبية إذا لم تتجاوز الجريمة شفير المركبة على أن الجرائم التي تتجاوز شفير المركبة الهوائية تخضع للقانون الأردني إذا كان الفاعل أو المجني عليه أردنياً أو إذا حطت المركبة الهوائية في المملكة الأردنية الهاشمية بعد اقتراف الجريمة. 2. على الجرائم المقترفة في البحر الإقليمي الأردني أو في المدى الجوي الذي يغطيه على متن سفينة أو مركبة هوائية أجنبية إذا لم تتجاوز الجريمة شفير السفينة أو المركبة الهوائية.
([28]) هذا هو مسلك التشريع المصري حيث يأخذ بسلطة الدولة بتوقيع العقاب على الشريك إذا ما وقع الفعل الأصلي فيها أي أن الشريك تبعي للأصل.
([29] + 4) د. محمود مصطفى / المرجع السابق، حاشية 3، ص 124، قانون العقوبات القسم العام، حاشية رقم 3، وقد تناولت هذه المادة 82 وما بعدها من قانون العقوبات السوداني.
([31]) أخذ النصان عن الفقرة الأولى والثانية من المادة السادسة / عن القانون الإيطالي حاشية 1 ص 126 من قانون العقوبات القسم العام / د. محمود مصطفى.
([32]) هذا ولو نفذت الجريمة كلها في الخارج كما هو الشأن في الجرائم المستمرة فمن يحوز مادة مخدرة في الخارج ثم يدخل بها مصر تسري عليه المادة الأولى.
([33]) ولو لم يكن مقيماً، أي لو كان عابر سبيل، بل ولو كان الجاني أجنبياً مقيماً في الخارج ولم يسبق له الحضور إلى مصر وتأخذ به محكمة النقض المصرية 22/فبراير/1974، م 10. ن/ س25، ص 196 في حالة تحريض الفتيات المصريات على مغادرة مصر للاشتغال بالدعارة.
([34]) انظر المادة 40 من قانون المدني المصري / وانظر د. عبد المنعم البدراوي المدخل للعلوم القانونية طبعة 1962 رقم 385 ص 593 / وانظر د. محمود نجيب حسني، الإجراءات ص 392 / وانظر شرح القانون المدني ج1 لسنة 1978 رقم 536 ص 216 لكل من بلانيول، وربيبر وبولانجيه.
([35]) حيث هو المكان الوحيد الذي يحدد الاختصاص إذا كان المكان الذي ارتكب فيه الجريمة والمكان الذي قبض على المتهم فيه مجهولين أو كانا غير محددين، انظر ميرل وفيتو / الجزء الثاني / فقرة 1339 ص 546.
([36]) نقض مصري 20/مارس سنة 1939 مجموعة القواعد القانونية ج4 رقم 362 ص 496.
([37]) جارو ج2 ، فقرة 563 ص 385.
([38]) أنظر د. محمود نجيب حسني / المرجع السابق الإجراءات ص 393 حاشية رقم 1.
([39]) أنظر في هذا الصدد المراجع التالية: د. أحمد فتحي سرور / الوسيط في الإجراءات ص 976 وما بعدها. د. مأمون سلامة / الوسيط / ص 532 وما بعدها.
([40]) وقضت محكمة النقض المصرية بأن لمأمور الضبط القضائي أن ينفذ أمر النيابة العامة بتفتيش الشخص أينما وجد، ما دام المكان الذي جرى فيه التفتيش واقعاً في دائرة اختصاص من أصدر الأمر ومن نفذه (نقض 19 ابريل سنة 1979) مجموعة الأحكام سنة 30 رقم 103 ص 490.
([41]) كما وقضت بأنه إذا كان إذن التفتيش قد صدر لمأمور الضبط لتفتيش المتهم ولما كمن له هرب المتهم فتتبعه خارج دائرة اختصاصه ففتشه هناك فإن التفتيش يكون صحيحاً، لأن العبرة هي ببدء التحقيق في الاختصاص المحلي السليم أمام الإجراءات اللاحقة فإنه يجوز مباشرتها خارج هذا الاختصاص طالما أن متطلبات التحقيق اقتضت ذلك / نقض 6/ ابريل/ سنة 1964 / م 10 س15 رقم 47 ص 237.
([42]) هذه الأماكن الثلاث قسائم لا تفاضل بينهما / نقض مصري 9/مايو/سنة 1966 مجموعة الأحكام س 17، رقم 103 ص 578، 10/مارس سنة 1974 س25 رقم 55 ص 242.
([43]) أنظر في هذا الصدد الدكتور محمود مصطفى / الوسيط في الإجراءات / 323.
وانظر د. مأمون سلامة / ص 536.
وقد تناولت المادة 108 من قانون المرافعات المصري بعدم تعلق الاختصاص المحلي للنظام العام / كما جاء في أحكام محكمة النقض المصرية “إن مسألة عدم الاختصاص بالنسبة لمحل وقوع الجريمة ليست من مسائل عدم الاختصاص المطلق التي تمس بالنظام العام وتزري بنظام المحاكم بل من قبيل عدم الاختصاص النسبي الذي يمكن الخصوم التنازل عنه / نقض مصري /18/ابريل سنة 1986 القضاء س3 ص 283، نقض مصري 28/ديسمبر سنة 1907 المجموعة الرسمية س9 رقم 42 ص97.
يستند أصحاب هذا الرأي لنص المادة 332 من قانون الإجراءات المصري فقد اعتبرت من ضمن أحوال البطلان المتعلق بالنظام العام عدم ولاية المحكمة في الدعوى، وعدم اختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها (الاختصاص النوعي)، ولكنها أخرجت من النص عدم الاختصاص المحلي، أضف إلى ذلك أن المذكرة التفسيرية أوردت من بين أحوال البطلان (النسبي) المتعلق بمصلحة الخصوم عدم الاختصاص المحلي / أنظر د. أحمد فتحي سرور / الوسيط / ص 969، حاشية 3 / د. رؤوف عبيد قانون الإجراءات / طبعة 1982، ص 479.
([44]) انظر د. مأمون سلامة / الوسيط في الإجراءات / ص 936.
([45]) أنظر د. مأمون سلامة / الوسيط في الإجراءات ص 537 حيث جاء التمسك بعدم الاختصاص المكاني قبل إبداء أية طلبات موضوعية، ويجوز للخصوم التنازل عنه أيضاً نقض إيطالي /13/ يناير 1955، العدالة الجنائية 1955/ج3/246، 181 حاشية رقم 1 د. مأمون سلامة المرجع السابق / 536.
([46]) 60/67/ ص 512 سنة 1976، 237 / 68 / 798 سنة 1980.
([47]) 259 / 66 / ص 88 سنة 1970، 27/71/388 سنة 1971.
([48]) انظر د. محمود نجيب حسني / إجراءات المراجع السابق / 378 والحواشي 3 ، 4 ، 5 .
([49]) د. عوض محمد: جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي / الاسكندرية، 1966 – ص 32.
([50]) SIR ALFERD ZIMMERN, “INTERNATIONAL LAW AND SOCIAL CONCIOUSNESS CROTIUS SOCIETY TRANSACTIONS”. LONDON, 1935, VOL. XXPP. 25. 44.
([51]) J. R. V. PRESCOTT “GEGRAPHY OF FRONTIERS AND BOUNDARIES”. LONDON – 1967 – PP. 33-35.
([52]) LAWRENCEW TOWLE “INTERNATIONAL TRADE AND COMMERCAIL, POLICY” OP. CIT. P. 242.
([53]) نقض جنائي: 6/12/1961، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض في عشر سنوات، 1956: 1966، للأستاذ / أحمد سمير أبو شادي، ج2، ص 782، رقم 1748.
([54]) الأستاذ / عبد الرحمن فريد، النظم والاصلاحات الجمركية، الاسكندرية، 1953، ص 245.
([55]) الأستاذ / عبد الرحمن فهمي: التهريب الجمركي – القاهرة – 1975 – ص 244.
الدكتور: رزق الله أنطاكي: التشريع الجمركي، مطبعة الجامعة السورية / دمشق 1951، ص 174.
([56]) د. عوض محمد – جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي / الاسكندرية، 1966 ص 165، د. احمد فتحي سرور “محاضرات في قانون العقوبات الضريبي”، القاهرة سنة 1919 ص 89، الأستاذ مصطفى رضوان: التهريب الجمركي والنقدي فقهاً وقضاءاً، القاهرة، 1971 – ص22.
([57]) د. محمود محمود مصطفى: “القسم العام” القاهرة سنة 1974 – ص13.
([58]) نقض جنائي 13 مايو سنة 1958 “مجموعة أحكام النقض” س9، رقم 135، ص 505 و 6 مارس سنة 1972، س 22، رقم 70، ص 301.
([59]) د. كمال حمدي: جريمة التهريب الجمركي / الاسكندرية / 1997، ص14 .
([60]) د. شوقي رامز شعبان / النظرية العامة للجريمة الجمركية / بيروت / الطبعة الأولى / سنة 1976 صفحة 165.
([61]) انظر نقض مصري 25/نوفمبر سنة 1973 مجموعة أحكام محكمة النقض، س24، رقم 219، ص 1053.
([62]) انظر نقض مصري 11/مايو سنة 1959 مجموعة أحكام محكمة النقض، س10، رقم 13، ص 517.
31/اكتوبر سنة 1960، س11 رقم 141 ص 742.
القسم الرابع
صور الرقابة الجمركية وأسبابها
من المعروف أن المهمة الأساسية لدائرة الجمارك هي استيفاء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى المفروضة على البضائع المستوردة أو المصدرة، والحيلولة دون إدخال البضائع أو إخراجها، بصورة مخالفة لأحكام القانون كما أنها، بسبب انتشار موظفيها على كافة حدود الدولة، تلعب دوراً ريادياً في مؤازرة المصالح الأخرى للدولة.
ولذلك كان من الطبيعي أن تفرض الرقابة الجمركية لتحقيق هذه الأغراض والرقابة ظاهرة قديمة ترتبط نشأتها بنشأة المجتمعات المنظمة فقد عرفتها الدول جميعاً ولجأت إليها في مختلف العصور. “فقد فرض المصريون القدماء رقابة جمركية لمنع تسرب النبيذ والمنسوجات إلى مصر. كما عرفت روما، منذ القدم، نظام الرقابة الجمركية، وكان من أهدافها مكافحة تسلل العبيد عبر الحدود دون أداء الرسوم الجمركية”([1]).
وللرقابة الجمركية في العصر الحديث ثلاثة صور هي:
الصورة الأولى : المنع المطلق أي منع استيراد البضاعة، أو منع تصديرها منعاً مطلقاً.
الصورة الثانية : صورة التقييد. أي تعليق دخول البضائع للبلاد، أو إخراجها منها بعد استيفاء إجراءات معينة، تنظمها قوانين الاستيراد والتصدير.
الصورة الثالثة : إخضاع البضائع لضريبة جمركية تجبى عند دخولها البلاد، أو لدى خروجها منها.
والرقابة الجمركية لها أسباب عديدة يمكن تناولها في مطلبين:
ا المطلب الأول
الأسباب الاقتصادية لفرض الرقابة الجمركية
أصبحت الرسوم الجمركية، في عصرنا الحاضر أكثر الأدوات فاعلية في حماية الاقتصاد الوطني والإسهام في تقويم ميزان المدفوعات([2]) والأسباب الاقتصادية لفرض الرقابة الجمركية كثيرة نذكر منها أهمها وهي، حماية المنتجات الوطنية، وجذاب رؤوس الأموال الأجنبية، وتخفيض أسعار البضائع والمواد الخام. وعلاج الخلل في الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، وحل المشكلات الاقتصادية. وسوف نتناولها بإيجاز وعلى النحو التالي:
أولاً / حماية السوق المحلي
فالرقابة على الواردات تمكنها من حماية السوق الوطنية والصناعات الوطنية، من منافسة السلع الأجنبية المستوردة، وهي للصناعة الوطنية أداة تشجيع وحماية، فالمواد الأولية، والآلات المعدة للاستعمال الصناعي معفاة أساساً من الرسوم الجمركية أو خاضعة لرسوم مخفضة. أما المصنوعات الأجنبية المماثلة للمنتجات الوطنية، فمثـقلة، غالباً بالفرق بين كلفة الإنتاج الأجنبي وكلفة الإنتاج المحلي، مما يتيح للصناعات الوطنية الوقوف بوجه المنافسة الأجنبية. كما أنها تميز بين الدول وبعضها في الاستيراد والتصدير من حيث نوع البضاعة المستوردة، تشجيعاً للمنتجات المحلية، ويتم ذلك عن طريق رفض الاستيراد أو الترخيص بالاستيراد وفقاً لإجراءات معينة. وكذلك قد تفرض الدولة رسوم جمركية مرتفعة على البضائع التي تقصد الدولة إبعادها عن أسواقها المحلية([3]).
ثانياً / زيادة الاستثمارات الأجنبية
الرقابة الجمركية تستخدم في جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار داخل البلاد، فحينما يتعلق الأمر بإقامة مشروعات استثمارية داخل البلاد يتم إعفاء المعدات والآلات والميكنة من الجمارك، أو قد تتخذ الرقابة الجمركية قراراً بمنع استيراد السلع التي تنتجها المشروعات الاستثمارية.
ثالثاً / المحافظة على ثروة البلاد
يعتبر رأس المال من أهم العوامل المؤثرة في التنمية، فقد لعب رأس المال دوراً هاماً في رفع إنتاجية الدول المتقدمة([4]). ولعله من أهم أسباب فرض الرقابة الجمركية هو المحافظة على ثروة البلاد الموجودة بها، ومنع تهريبها إلى الخارج، للمحافظة على استثمارها داخل البلاد.
وإن ما تسعى الدول إلى مكافحة تهريبه وذلك بالرقابة الجمركية الحازمة، هو الطوابع البريدية، والأعمال الفنية ذات القيمة الكبيرة والذهب والمشغولات الذهبية، والأحجار الكريمة مثل الماس، والياقوت، والزمرد، والزبرجد، والفيروز، واللآلئ والتحف الأثرية، وذلك لأن جميع هذه الأشياء يسهل بيعها في جميع دول العالم، لذلك نجد أن خروج هذه الأشياء يعد من أهم وسائل تهريب رؤوس الأموال ومن الصعب ضبطها لخفة وزنها وسهولة إخفائها عن رجال الجمارك([5]).
رابعاً / انخفاض أسعار المنتجات المحلية
يقول الأستاذ Claude Tigier أستاذ الاقتصاد بجامعة منشيستر أن سعر الصرف داخل الدول وكذلك تخفيض الضرائب الجمركية على المواد الأولية، يؤدي إلى انخفاض أسعار البيع الداخلة فيها المواد الأولية المستوردة([6]). إذاً الرقابة الجمركية تحقق تخفيض أسعار البضائع، وذلك حينما لا تفرض رسوم جمركية على المواد الخام الواردة من الخارج وذلك يؤدي إلى تخفيض أسعار السلع التي تدخل فيها هذه المواد الخام.
خامساً / زيادة الصادرات وانخفاض الواردات
قام الأستاذ J. E. Meade أستاذ التجارة بجامعة لندن بتقسيم ميزان المدفوعات لدى الدول إلى ثلاثة أنواع وهي الميزان الفائض، والقاصر، والمتوازن فيقول إن ميزان المدفوعات لدولة ما به فائض عندما تكون حصيلة صادراتها إلى باقي دول العالم تزيد عن جملة وارداتها، وبالعكس يكون ميزان مدفوعاتها قاصراً إذا أصبحت حصيلة صادراتها أقل من وارداتها، ويقال أن ميزان مدفوعاتها متوازن إذا تساوت حصيلة صادراتها مع حصيلة وارداتها للعمليات التجارية مع الدول الأخرى([7]).
وعليه فإن جميع الدول تحاول زيادة صادراتها عن وارداتها حتى تعالج ميزان المدفوعات، وذلك من خلال تسهيلات جمركية، وإلغاء الرسوم على الصادرات، وزيادة الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى على الواردات وذلك للتقليل من الواردات وبالتالي التأثير على ميزان المدفوعات.
سادساً / فرض رسوم جمركية عالية على الكماليات وانخفاضها على الميكنة الإنتاجية
يقول W. ARTHER LEWIS أستاذ الاقتصاد بجامعة مانشيستر أن سلوك الحكومة يلعب دوراً هاماً في تشجيع أو تثبيط الأنشطة الاقتصادية، وكذلك كلما زادت التسهيلات زاد النشاط التجاري([8]).
“The behavior of governments plays as important a role in stimulating or discouraging economic activity”
إن الرقابة الجمركية تحل المشاكل الاقتصادية للدولة وذلك بالحد من استيراد السلع الكمالية، وفرض رسوم جمركية منخفضة على سلع الإنتاج والآلات والميكنة اللازمة لمشروعات التنمية الاقتصادية.
سابعاً / المحافظة على توازن الميزان التجاري
تلجأ الدول إلى الرقابـة الجمركيـة لتقليـل العجـز فـي الميـزان التجـاري “Balance of trade deficit” وبالتالي تقليـل العجـز فـي ميـزان المدفـوعـات “Balance of payments” وذلك لأن الميزان التجاري جزء من ميزان المدفوعات([9]) والميزان التجاري هو: الفرق بين الصادرات والواردات فقط، وهناك فرق بين الميزان التجاري وميزان المدفوعات وقد عرف البعض ميزان المدفوعات بأنه عبارة عن حركة تعامل الدولة مع الخارج([10]) أما أسلوب الرقابة الجمركية الذي يتبع لزيادة الصادرات عن الواردات، هو بتشجيع سياسة التصدير للخارج بإلغاء الرسوم الجمركية على الصادرات مثلاً أو إعطاء إعانات تصدير “Export Subsidies ” للمصدريــن حتى يكــون للصادرات القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية، فاليابان مثلاً تعطي للمصدرين 10% عند قيامهم بالتصدير للخارج، وإسرائيل تعطي 10% إعانة تصدير للمصدرين إذا كان التصدير إلى أي بلد من بلاد العالم، وتزيد هذه النسبة إلى 20% إذا كان التصدير لأحد الدول العربية وذلك بهدف غزو أسواق الدول العربية([11]) وإذا تم اتباع السياسات التصديرية مع إلغاء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى على الصادرات، سوف تتمكن الدولة من فتح أسواق عالمية World Market للمنتجات الوطنية وبالتالي يحدث توازن في الميزان التجاري.
ثامناً / زيادة الصفقات المتكافئة مع دول العالم الخارجي:
إن أسلوب الصفقات المتكافئة بالنسبة لدول العالم النامـي هو أحـد الأساليـب الناجحة لتنشيط تجارتها الخارجية([12]) حيث تستخدم الرقابة الجمركية في زيادة الصفقات المتكافئة مع دول العالم الخارجي، وذلك من خلال التسهيلات الجمركية وعدم فرض رسوم جمركية على السلع المصدرة وبالتالي السلع المستوردة ضمن صفقة متكافئة، وذلك من خلال تصدير سلع وطنية والاستيراد بقيمتها سلعاً وآلات أجنبية. وبذلك يخف الضغط على الميزان التجاري.
المطلب الثاني
أسباب متنوعة لفرض الرقابة الجمركية
1- الأسباب السياسية والعسكرية
قد تستهدف الدولة بالرقابة الجمركية أغراضاً سياسية أو عسكرية، كأن تحظر استيراد البضائع من بلاد معينة، بقصد الضغط على هذه البلاد، كما فعل الحلفاء في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وخير مثال على ذلك يتمثل في ضغط الدول العربية على إسرائيل، بمنع الاستيراد منها أو التصدير إليها بل أن بعض الدول العربية، يضع الشركات الأجنبية التي تتعامل مع إسرائيل في القائمة السوداء بمنع الاستيراد منها وحظر دخول منتجاتها.
2- أسباب دولية لفرض الرقابة الجمركية
استناداً إلى أحكام القانون الدولي فقد تفرض الرقابة الجمركية لأسباب دولية معينة فلا يتم التصدير إليها أو الاستيراد منها بناءً على اتفاقية دولية صادرة عن الأمم المتحدة، كما وحدث بالنسبة لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالاستيراد والتصدير مع جنوب إفريقيا، وكذلك قرار الأمم المتحدة بالنسبة إلى الجمهورية الليبية أثر رفضها تسليم المتهمين في حادث إسقاط الطائرة الأمريكية وكما وجدت في إلغاء للتجارة الدولية مع الجمهورية العراقية.
3- الأسباب النقدية لفرض الرقابة الجمركية
عندما يخشى على العملة الوطنية من التدهور بالنسبة للنقد الأجنبي، تعمد الدولة، وفي مثل هذه الحالة، إلى منع استيراد بعض أصناف البضائع، وخاصة الكماليات منها، وتفرض الرقابة الجمركية لكي تعيد إلى الميزان التجاري توازنه. كما أنها تفرض هذه الرقابة من قبيل الحفاظ على مواردها المحدودة، فتقيم العراقيل بوجه تصدير سلع معينة حتى تظل في متناول الشعب وكذلك من السياسات النقدية التي تشغلها الرقابة الجمركية، عدم خروج أو دخول النقد الوطني إلى البلاد إلا في حدود معينة.
4- الأسباب الصحية لفرض الرقابة الجمركية
قد تكون الغاية من الرقابة الجمركية صحية كما هو الشأن في حظر استيراد المواد المخدرة والسموم والسلع الفاسدة والأفيون والكوكايين، والحشيش ومشتقاته والهيروين أو حضر استيراد بعض المنتجات من بلاد معينة بها أوبئة أو أمراض معدية، أو حضر الاستيراد لمنتجات غذائية أو حيواني من بعض البلدان حماية للصحة العامة. ويرى المفتش العام للبوليس بشمال ويلز أنه توجد عصابات دولية لتجارة المواد المخدرة والهيروين، وتقوم بعض الدول بزراعتها لزيادة مواردها المالية، ولذلك لابد من تعاون جميع أجهزة البحث الجنائي في العالم بتبادل المعلومات للقضاء على هذه العصابات([13]).
5- الأسباب الاجتماعية لفرض الرقابة الجمركية
إن الاعتبارات الاجتماعية قد تكون السبب في الرقابة الجمركية فقد تفرض الدولة الرقابة الجمركية لتحقيق أهداف اجتماعية، كما هو الحال عندما تفرض الدولة ضرائب باهظة على استيراد الخمور أو أوراق اللعب تنفيراً أو تقييداً للناس من الإقبال عليها، ومنع استيراد السلع الاستفزازية في بعض الدول الفقيرة حتى لا يحدث حد طبقي.
6- الأسباب الأخلاقية بفرض الرقابة الجمركية
قد تكون الغاية من الرقابة الجمركية خلقية أو تربوية كما هو الحال في منع استيراد المطبوعات والصور المخلة بالآداب العامة. ومثل منع استيراد الأفلام التي تخدش الحياء العام والأخلاقيات المتعارف عليها، أو حضر استيراد الأدوات والمصنوعات المتعلقة بالجنس وذلك للحفاظ على الثوابت الأخلاقية التي تربى عليها المجتمع ويعتبرها أحد أركانه الأساسية.
7- الأسباب الأمنية لفرض الرقابة الجمركية
لاعتبارات تتعلق بأمن البلاد مثل خطر استيراد المفرقعات، والأسلحة النارية والأدوات المتفجرة تفرض الرقابة الجمركية وذلك كنوع من وسائل منع الجريمة حيث أن الوقاية من الجريمة خير من ضبطها بعد ارتكابها.
يتضح مما تقدم أن الرقابة الجمركية لا تحقق غرضاً في ذاته بل إنها في لحظة واحدة قد تحقق أكثر من غرض، وتحقق عدة غايات. تحقق مصالح عليا للدولة أما الإخلال بالقواعد والنظم الجمركية، هو كما أسلفنا عامل من العوامل الهدامة للاقتصاد الوطني، لما ينتج عنه من ضياع لحقوق الخزانة العامة وهدر المال العام وقضاء على الصناعات الوطنية ويسبب انتهاكاً للنظام العام ويفسد الأخلاق لكل ذلك ومن أجل ردع جريمة التهريب الجمركي وحماية المصالح الوطنية العليا نجد أن المشرّع خرج عن القواعد العامة للاختصاص المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية.
([1]) الأستاذ فارس الخوري “موجز في علم المالية”، دمشق، 1937، ص 35.
([2]) الأستاذ يوسف الغرياني “الضرائب الجمركية والإنتاجية علماً وعملاً”، القاهرة، 1965، ص 19.
([3]) W. FISHER (THE PURCHASING POWER OF MONEY) OXFORD UNIVERSITY – LONDON 1979. P. 19.
([4]) ADAMANTIONS PEPLASIS (ECONOMIC DEVELOPMENT ANALYSIS AND CASE STUDIES) HAPPER BROTHERS – NEW YORK. 1981, P. 90.
([5]) E NEUIN “CAPITAL FUNDS IN UNDERDEVELOPED COUNTRIES” LONDON MACMILLAN. 1969, P. 70.
([6]) CLAUDE TIGIER (BASIC AND BOOK OF FOREIGN EXCHANGE) LONDON. 1983, P. 38.
([7]) J. E.MEADE (THE BALANCE OF PAYMENTS) OXFORD UNIVERSITY PRESS. LONDON 1981, P. 3.
([8]) W. ARTHUR LEWIS (THE THEORY OF ECONOMIC GROWTH), LONDON 1961.
([9]) J. E. MEADE (THE BALANCE OF PAYMENTS) OP. CIT. P. 53.
([10]) د. مدحت حسنين: النظم الاقتصادية، الجامعة الأمريكية، القاهرة، سنة 1987، ص 151.
([11]) H. F. EVITT (EXCHANGE AND TRADE CONTROL IN THEORY AND PRACTICE) FOURTH EDITION LONDON 1982 – P.3.
([12]) D. C. PWER (INFLATION AND GROWTH) MACMILLAN LONDON, 1968, P. 85.
([13]) E. B. BAKER (POLICE PROMOTION HANDBOOKS CRIMINAL LAW) LONDON 1980, P, 230.
القسم الخامس
الدعوى الجنائية في جريمة التهريب الجمركي
التعرّف على الإجراءات الجنائية في جريمة التهريب الجمركي يقتضي دراسة الدعوى الجنائية في هذه الجريمة إذ لها سمات خاصة إذ تخضع الدعوى الجنائية في جريمة التهريب الجمركي لكافة الأحكام المقررة للدعوى الجنائية في قانون أصول المحاكمات الجزائية، فيما عدا أن قانون الجمارك يوجب تقديم طلب لتحريك الدعوى الجنائية، كما يقرر التصالح والذي يرتب وجوباً في حالة تحققه انقضاء الدعوى الجنائية ووقف جميع الآثار المترتبة على الدعوى.
المبحث الأول
وجوب تقديم طلب لتحريك الدعوى الجنائية
نصت المادة 211 من قانون الجمارك رقم 20 لسنة 1998 وتعديلاته على ما يلي: “لا يجوز تحريك الدعوى في جرائم التهريب إلا بناءً على طلب خطي من المدير أو من يقوم مقامه عند غيابه” والحكمة التي دعت المشرع إلى إيراد قيد يحد من حق النيابة العامة الجمركية في تحريك الدعوى الجنائية تقديره أن هذه الجرائم ذات طبيعة خاصة لاتصالها بمصالح الدولة الجوهرية حيث تتطلب الموازنة بين اعتبارات تحريك ورفع الدعوى من عدمه تكون فيها دائرة الجمارك ممثلة بمديرها العام أقدر على إجراء تلك الموازنة ومن ثم ترك لها تقدير ذلك معلقاً أمر تحريك الدعوى ورفعها على طلب كتابي يصدر عن مدير عام الجمارك.
وقد استقر الاجتهاد القضائي الجمركي في العديد من القرارات على أنه لا يجوز تحريك الدعوى العامة في جرائم التهريب الجمركي إلا بناءً على طلب خطي من مدير عام الجمارك، ويعتبر هذا الأمر من مسائل النظام العام ومن الأمور الأولية التي ينبغي التحقق منها لصحة الملاحقة والسير بإجراءات الدعوى وإن عدم إبراز مثل هذا الطلب ينطوي على قصور في الإجراءات.
1- تعريف الطلب والحكمة منه
الطلب هو إجراء يصدر من الإدارة الجمركية معبراً عن إرادتها في تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهم عن جريمة التهريب الجمركي وقد وصفته محكمة النقض المصرية بأنه عمل إداري “Acte Administratif” لا يعتمد على إرادة فرد بقدر ما يعتمد على مبادئ موضوعة في الدولة.
والهدف من هذا القيد هو تحقيق المصلحة العامة فجريمة التهريب الجمركي تحمي مصلحة جمركية مالية كانت أو اقتصادية ونحو ذلك ومن ثم فقد كان من الطبيعي ترك ملاءمة اتخاذ الإجراءات الجنائية أو عدم اتخاذها إلى تقدير دائرة الجمارك بوصفها الجهة الوحيدة التي تستطيع تنفيذ السياسة الجمركية التي تنتهجها الدولة، وبالتالي حماية المصالح الجمركية التي تستهدف تلك السياسة.
2- صلاحية الطلب لرفع الدعوى في جريمة التهريب الجمركي
تشترط في الطلب شروط معينة لكي يحدث أثره في إطلاق حرية النيابة في تحريك الدعوى الجنائية وهي ستة شروط على النحو التالي:
1. أن يكون الطلب مكتوباً ويشترط القانون في الطلب أن يكون مكتوباً والحكمة من ذلك أن يكون موقعاً من صاحب السلطة في إصداره.
ويرى الدكتور أحمد فتحي سرور أنه لا يكفي مجرد إرسال خطاب يفيد أن الطلب قد أرسل ممن يملكه ما لم يكن المحرر المثبت لهذا موجوداً بالفعل وموقعاً عليه ممن أصده، وعلى ذلك لا تكفي الإشارة التليفونية ما لم تعتمد على أصل مكتوب يحمل توقيع المختص بإصدار الطلب([1]).
يتضح مما تقدم عدم جواز الطلب الشفوي بل يتعين أن يكون مكتوباً، فلا يصح أن يكون شفوياً.
بينما يرى البعض خلافاً لرأي غالبية الفقهاء أنه يجوز في الطلب أن يكون شفوياً ويكفي حينئذ أن يكتب في صدر المحضر أنه قد فتح بناءً على طلب الجهة التي يشترط المشرع تقديمها للطلب لأن هذا القيد إنما وضع لحكمة خاصة هي جعل تقدير أهمية الجريمة لتلك الجهة ومتى ثبت من أي طريق كان أنها طلبت السير في الإجراءات الجنائية فإنه لا معنى أن تتعطل الدعوى بحجة أن الطلب لم يكن كتابياً([2]).
إلا أن الباحث يتفق مع غالبية الفقهاء حيث نصت المادة 211 من قانون الجمارك الأردني النافذ صراحة على أنه لا يجوز رفع الدعوى العمومية أو اتخاذ أية إجراءات في جريمة التهريب إلا بطلب خطي ولا اجتهاد في مورد النص.
2. الطلب يجب أن يكون مؤرخاً وأن يتضمن بياناً كافياً عن الواقعة التي تقوم بها الجريمة.
والدفع بخلو الطلب من تاريخ صدوره هو من الدفوع التي يختلط فيها القانون بالواقع مما يستلزم تحقيقاً موضوعياً، ومن ثم لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض([3]).
3. يجب أن يكون الطلب قد بوشر بمعرفة الشخص الذي حدده القانون لهذا الغرض، وأي مباشرة للطلب من غير هذا الشخص أو من ينيبه عندما يسمح القانون بذلك لا يترتب عليها أي أثر قانوني. فعندما يصدر ممن يملكه قانوناً حق للنيابة العامة اتخاذ إجراءاته، ويجب أن يتضمن الطلب توقيع الموظف المختص وذلك لأن التوقيع إجراء جوهري لازم لإثبات صدور الطلب عنه ولإضفاء الصفة الرسمية على الطلب كون الورقة غير الموقعة من الموظف المختص تفقد صفتها كورقة رسمية وتقع باطلة. ويجب أن يذكر بالطلب تاريخ تحريره لبيان أي إجراءات من إجراءات التحقيق التي قد تكون اتخذت في وقت لاحق على تقديم الطلب.
وكما أشرنا يشترط لصحة الطلب أن يقدم من الشخص الذي منحه القانون هذا الحق، وهو في قانون الجمارك الأردني “مدير عام دائرة الجمارك أو من ينيبه” طبقاً لأحكام المادة 211 وهو كذلك مدير عام الجمارك أو من ينيبه طبقاً لأحكام المادة 124 من قانون الجمارك المصري، وطبقاً للمادة 124 مكرراً هو وزير المالية أو من ينيبه.
ويقول الدكتور محمد فؤاد مهنا أن عبارة “أو من ينيبه” التي وردت في قانون الجمارك لا تعدو أن تكون مجرد تفويض في الاختصاص مؤداه أن يعهد صاحب الاختصاص إلى غيره ببعض الاختصاصات يمارسها عنه([4]).
وقد استقر الاجتهاد القضائي بأنه يجوز لمدير عام الجمارك تفويض غيره في تقديم الطلب ويتعين على الحكم أن يبين قيام هذا التفويض حيث أن الحكمة من ذلك تكمن في تمكين المحكمة المختصة من التأكد من صفة مقدم الطلب والتفويض الصادر إليه ولذلك يتعين على الحكم أن يبين تلك الصفة لأنه من البيانات الجوهرية التي يجب أن يتضمنها الحكم لاتصاله بسلامة تحريك الدعوى الجنائية، ومن ثم يترتب على إغفالة بطلان الحكم حيث أن ثبوت صدور هذا الطلب في الأوراق لا يغني عن النص عليه في الحكم([5]).
ويرى الدكتور أحمد فتحي سرور أن تقديم الطلب ممن أناط بهم القانون مهمة تقديمه يقوم مقامه تقديم الطلب ممن سمح القانون بإنابته في تقديمه. ويكفي بذلك الإنابة العامة ولا تشترط الإنابة بمناسبة كل جريمة. وإذا صدر الطلب من شخص غير مختص باصدراه وقع باطلاً([6]).
ويقول الدكتور مصطفى أبو زيد فهمي أنه لا يجوز لمن فوض في تقديم الطلب أن يفوض غيره بل يجب أن يباشر هذا الحق بنفسه لأن تفويض الاختصاصات المفوضة غير جائز([7]).
4. يجب أن يكون الطلب معبراً بوضوح عن إرادة الجهة في تحريك ورفع الدعوى الجنائية وإلا فقد قيمته القانونية فمثلاً إذا انصبت الارادة على التحقيق فقط دون رفع الدعوى، فإن هذا التحديد يفقد الطلب قيمته القانونية وعليه فإن الطلب يجب أن يكون: أ- صريحاً في رفع الدعوى الجنائية عن جريمة التهريب الجمركي. ب- باتاً فلا يصح تعليقه على شرط وإلا يكون باطلاً حتى لو تحقق الشرط فيما بعد.
5. يجب أن يكون الطلب متضمناً الاتهام بوقائع معينة، ولا يلزم أن تكون الوقائع موصوفة بالوصف القانوني الصحيح، فالعبرة بالوصف للنيابة العامة تحت رقابة المحكمة الجمركية، ومن ثم يكفي أن تكون الوقائع الواردة بالطلب حاملة بين طياتها عناصر جريمة جمركية يستلزم فيها المشرع طلباً لتحريك الدعوى فيها.
6. يلزم أن يكون المتهم محدداً تحديداً نافياً للجهالة في طلب تحريك الدعوى، وقد حدث خلاف بين الفقهاء في هذا الشرط: فمثلاً يرى البعض أنه لا يلزم تحديد اسم المتهم أو شخصيته في الطلب([8]) ويرى البعض الآخر أنه إن لم يعين المتهم في الدعوى واكتفى بمجرد الواقعة كان ذلك مجرد بلاغ وليس طلباً([9]).
3- الطلب في حالة تعدد المتهمين
وهنا يثور التساؤل التالي: في حالة تعدد المتهمين في جريمة التهريب الجمركي. فهل تقديم الطلب ضد واحد منهم يجعل النيابة العامة الجمركية في حل من مباشرة الدعوى في مواجهة الآخرين؟ وللإجابة على هذا السؤال ثار خلاف بين الفقهاء حول هذا الموضوع فالبعض يرى ضرورة تقديم طلب مستقل بالنسبة لكل واحد من المتهمين([10]) والبعض الآخر يرى عكس ذلك بأن تقديم طلب ضد أحد المتهمين يجيز للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية ضد الباقين، وحجتهم في ذلك أن حكمة التشريع في التسوية بين المتهمين في جريمة التهريب أنه لا اعتبار لشخص المتهم وإنما العبرة بطبيعة المصلحة محل الاعتداء.
4- التنازل عن الطلب
التنازل عن الطلب “عبارة عن إسقاط الحق بإرادة صاحبه وحدها دون توقف على إرادة المتهم”.
وقد أجازت المادة 214 من قانون الجمارك الأردني النافذ إسقاط الدعوى عند إجراء المصالحة عليها وهذا يعني أن لمقدم الطلب أن يتنازل عنه في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكماً بدائياً وليس حكماً نهائياً كما هو الحال بقانون الجمارك المصري هو الحكم البات الذي استنفذ كافة طرق الطعن العادية بما في ذلك الطعن بالنقض “التمييز”.
إن واقع الحال يشير إلى أن التصالح قبل صدور حكم بدائي وحده الذي يمكن النظر إليه أنه تنازل (بعوض) عن الطلب. أما بعد الحكم البدائي فلا يتصور اعتباره كذلك وقد انقضت الدعوى العمومية بالفصل فيها أمام محكمة الجمارك البدائية، ولم يعد هنالك محل للتنازل عن الطلب الذي استنفذ غرضه بصدور الحكم البدائي.
وعلى كل الأحوال فإنه كما يخضع تقديم الطلب لتقدير مصلحة دائرة الجمارك وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة فإن التنازل عن الطلب هو الآخر متروك لتقديرها وفقاً لظروف كل دعوى. ويتعين في التنازل عن الطلب كما هو الحال في تقديمه أن يكون مكتوباً ومع ذلك فإن الباحث يرى جواز التنازل عن الطلب شفاهة – صراحة أو ضمناً لأن القانون لم يشترط الكتابة للتنازل عن الطلب.
5- أثر عدم تقديم الطلب.
إذا قامت النيابة العامة الجمركية برفع الدعوى الجنائية قبل صدور الطلب بذلك من قبل مدير عام الجمارك أو من ينيبه فيكون إجراء النيابة باطلاً بطلاناً مطلقاً كونه كما أسلفنا متعلق بالنظام العام ولاتصاله بشرط أصيل يجب اتخاذه ولا يصححه طلب لاحق وعلى محكمة الموضوع أن تقضي به من تلقاء نفسها، ويكون حكم المحكمة في هذه الحالة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير الأوضاع المقررة في القانون حيث يمتنع عليها التعرض لموضوعها.
وذات الحكم يترتب إذا صدر الطلب ممن لم يسبغ القانون عليه صفة في تقديمه، أي انتفت صفة مصدر الطلب، إذ لا يرتب القانون على مثل هذا الطلب أي أثر.
ميعاد تقديم الطلب
يبقى حق مدير عام الجمارك أو من ينيبه في تقديم الطلب قائماً حتى تسقط الدعوى الجنائية بمضي المدة حيث نصت المادة 247/أ على ما يلي “تسقط دعوى الحق العام في الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في هذا القانون بمضي ثلاث سنوات من تاريخ وقوع الفعل إذا لم تجر ملاحقة بشأنها.
المبحث الثاني
التصالح في جريمة التهريب الجمركي
الأصل في الدعوى العمومية أنها تنقضي وفقاً للقواعد العامة المقررة في قانون أصول المحاكمات المدنية، وذلك بأحد الأسباب العامة التي نص عليها وهي الوفاة ومضي المدة (التقادم) والعفو عن الجريمة وليس من بينها لتصالح، وذلك لتعلقها بالنظام العام. ولكن على العكس من ذلك فقد أجاز القانون الجمركي انقضاء الدعوى العمومية في جريمة التهريب الجمركي بالتصالح إذ تنص المادة 212 من قانون الجمارك الأردني رقم 20 لسنة 1998 على ما يلي “للوزير أو من يفوضه عقد التسوية الصلحية في جرائم التهريب أو ما في حكمه سواء قبل إقامة الدعوى أو خلال النظر فيها وقبل صدور الحكم البدائي وذلك مع جميع المسؤولين عن التهريب أو بعضهم عن كامل الجرم وضمن الشروط الواردة في عقد المصالحة” وتنص المادة 214 من قانون الجمارك على أن الدعوى الجنائية تسقط عند إجراء المصالحة عليها.
ويعد التصالح بمثابة نزول من الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح.
والتصالح في كل الأحوال ليس حقاً للمتهم بل هو أمر جوازي متروك تقديره لمدير عام الجمارك.
وقد عرّف البعض التصالح بأنه “إجراء يؤديه المتهم في الدعوى الجنائية بدفع مبلغ معين إلى خزانة الدولة كي يتمكن من عدم رفع الدعوى ضده”([11]).
إلا أن الصلح مع المتهم مقابل التنازل عن سلطة العقاب نظام يدعو إلى الشك في سلامته، ذلك أن مظهره يومي أن المتهم يستطيع أن يدفع مقابلاً لوقوفه موقف الاتهام. فهذا النظام لا يحقق المساواة بين الناس، إذ يستطيع الأثرياء دفع ثمن حريتهم ولا يكون للفقراء من وسيلة من تجنب ألم العقوبة. وهو لا يكفل احترام الناس للقوانين الاقتصادية، فإن الردع الخاص يقتضي أن يقف المتهم علناً في موقف الاتهام وأن يصدر ضده حكم في صحيفة السوابق، والردع العام لا يتحقق إذا انقضت الدعوى باتفاق يتم بعيداً عن بصر الجمهور وسمعته وللجمهور كل العذر إذن إذا تكون لديه عقيدة بأن الجرائم الاقتصادية التي تنتهي على هذا الوجه ليست من الجرائم الخطيرة التي يجدر تجنبها.
أولاً : شروط التصالح الجمركي
إن عقد المصالحة هو :عقد يحسم به الفريقان النزاع القائم بينهما أو يمنعان حصوله بالتساهل المتبادل وقد نصت المادة 647 من القانون المدني الأردني لسنة 1976 على أن الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة بين المتصالحين بالتراضي.
ولكي يقوم التصالح الجمركي صحيحاً منتجاً لإثارة بين الإدارة الجمركية والمتهم، فإنه ينبغي أن يتوفر فيه شرطان: أحدهما: اتفاق طرفي التصالح “الجمارك والمتهم”. وثانيهما: سداد مبلغ التصالح الذي حدده القانون.
1- اتفاق طرفي التصالح
يشترط لقيام التصالح قيام رضاء متبادل بين المتهم والإدارة الجمركية، إذ يتعين أن يتفق الطرفان وقد استقر الاجتهاد القضائي المصري أنه لا يكفي أن تكون الطاعنة أبدت الرغبة في التصالح مع مصلحة الجمارك أثناء التحقيق وطوال فترة المحاكمة فلا بد من تمامه وقد استقر الاجتهاد القضائي الأردني على أنه لا يعتبر طلب المصالحة الذي لم يستوفي البيانات الأساسية ولم يتم اعتماده من قبل دائرة الجمارك ملزماً للمستأنف وجاء في قرار آخر أنه يستبعد طلب المصالحة إذا لم يوقعه المستأنف عليه مختاراً وما لم يتم قبول المصالحة من دائرة الجمارك.
وهو بذلك ليس حقاً لأي منهما فلا تملك الإدارة أن تفرضه على المتهم بقرار منها، كما أنها غير ملتزمة بقبوله إذا طلبه المتهم ولها قبوله أو رفضه وفقاً لما تقتضيه مصلحة كل منهما.
ويرى بعض الفقهاء أنه يجب أن يكون الشخص الذي يباشر الصلح نيابة عن الإدارة الجمركية موظفاً يشغل وظيفة عامة بطريقة مشروعة ويباشر في ذلك سلطة فعلية خولها له القانون أو فوض في مباشرتها من سلطة ذات اختصاص، ويترتب على ذلك أن العمل الذي يقوم به شخص لم يعين في الوظيفة أو تجاوز سلطته لا يترتب عليه أي آثار ملزمة للإدارة([12]).
ونظراً لأهمية الصلح وما يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية ووقف تنفيذ العقوبة فإن المشرع يسند الاختصاص في مباشرته لشخص معين بمقتضى القوانين واللوائح التي منحته هذا الحق وقد منح قانون الجمارك الأردني هذا الحق لوزير المالية أو من يفوضه. وفي جميع الأحوال فإنه يتعين اتفاق كل من المتهم والإدارة الجمركية على إجراء التصالح وقد استقر الاجتهاد القضائي المصري على أن مجرد عرض الصلح دون أن يصادف ذلك قبولاً من مدير عام الجمارك لا يرتب الأثر الذي قدره القانون.
2- أداء مقابل التصالح
يتعين لإتمام التصالح الجمركي أن يقوم المتهم بأداء المبلغ الذي تم التصالح عليه بينه وبين الإدارة الجمركية. فقد حددت المادة 213 من قانون الجمارك الأردني النافذ مبلغ التعويض حيث نصت على أنه للوزير أو من يفوضه عند عقد التسوية الصلحية الاستعاضة عن الجزاءات والغرامات الجمركية المنصوص عليها في المادة 206 من هذا القانون بما يلي:
1. غرامة جمركية لا تقل عن 50% من الحد الأدنى للتعويض المدني.
2. مصادرة البضائع الممنوعة المعينة والبضائع الممنوع استيرادها أو تصديرها.
3. يجوز أن يتضمن عقد التسوية الصلحية إعادة البضاعة المحجوزة واستيفاء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى المتوجبة عن البضائع المسموح استيرادها أو تصديرها أو البضائع المحصور استيرادها شريطة موافقة جهة الحصر.
4. يجوز أن يتضمن عقد التسوية الصلحية إعادة وسائط النقل والمواد التي استخدمت في التهريب لقاء غرامة لا تقل عن 20% من قيمة البضاعة المهربة ولا تزيد على 50% من قيمة واسطة النقل.
ثانياً : نتائج عقد التسوية
1- انقضاء الدعوى العمومية إذا كان لم يحكم فيها بعد وتقوم دائرة الجمارك ممثلة بمديرها العام أو من يفوضه بإخطار النيابة العامة الجمركية لإيقاف السير في الدعوى الجنائية.
2- رد المضبوطات إلى صاحبها بعد دفع الرسوم والتعويض المستحقين عنها ولكن يجب أن نلاحظ أن رد المضبوطات أمر جوازي وليس وجوبياً فيشترط ألا تكون من السلع الممنوعة، فليس كل السلع مما يجوز رده، كما يجوز رد وسائط النقل وأدوات التهريب.
3- رغم انتهاء القضية بالصلح فإن الواقعة تقيد سابقة جمركية ضد المتهم.
ثالثاً : مزايا نظام التصالح وعيوبه
من مزايا نظام التصالح تقليل المنازعات الضريبية وتفادي التقاضي ومشاكله والحصول على حقوق الخزانة العامة بالطرق الودية ولكن يعاب على هذا النظام أنه يشجع على عدم احترام القوانين الضريبية ويؤدي إلى مخالفتها طالما أن هناك مجال للصلح. كما أنه يتعارض مع مبدأ المساواة أمام القانون لأن المهرب الغني يستطيع دفع ثمن الصلح أي التعويض بينما يعجز على ذلك المهرب الفقير الذي قد تدفعه الحاجة إلى التهريب لا الجشع أو الطمع.
رابعاً : ميعاد التصالح الجمركي
الأصل أن الاتفاق على التصالح جائز في أي وقت، فلا يلزم لذلك وقت معين سواء قبل رفع الدعوى أو أثناء نظرها أو حتى بعد صدور الحكم فيها([13]) إلا أن التشريعات الجمركية اختلفت في الميعاد الذي يجوز الصلح فيه فبعض التشريعات الجمركية تشترط أن يكون الصلح قبل الحكم النهائي في الدعوى الجنائية مثل تشريع الجمارك السوري في المادة 204 التي تنص على “أنه يجوز الصلح قبل الدعوى أو خلال النظر فيها أو بعد صدور الحكم البدائي وقبل اكتساب الحكم الدرجة القطعية”.
وبعض التشريعات الجمركية تجيز التصالح في أي وقت قبل وبعد الحكم في الدعوى الجنائية فلا يتقيد الطرفين بمواعيد معينة للصلح إذ تجيز هذه التشريعات الصلح بعد ارتكاب الجريمة وحتى بعد الحكم النهائي في الدعوى الجنائية.
وبعض التشريعات الجمركية تنص على جواز الصلح قبل إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة أو قبل بدء المحاكمة ولكن المشرع الأردني في المادة 212 من قانون الجمارك الأردني رقم 20 لسنة 1998 وتعديلاته أجاز الصلح قبل صدور الحكم البدائي وعند وجود أسباب مبررة.
خامساً : العود والصلح الجمركي
يرى بعض الفقهاء بجواز الصلح في الجرائم الاقتصادية مع حرمان مرتكب هذه الجرائم من الانتفاع بنظام الصلح إذا كان قد أدين بجرائم اقتصادية سابقة([14]). بينما يرى البعض الآخر منهم جواز التصالح في حالة العود وذلك لزيادة الموارد المالية للدولة([15]) والقانون الجمركي الأردني لم يمنع التصالح في حالة العود.
ويرى بعض الفقهاء أن زيادة الموارد المالية للدولة تكون أكبر في حالة عدم ارتكاب الجرائم التي تضر بالمصالح الاقتصادية للدولة، ولا ينبغي أن تكون زيادة الموارد المالية للدولة نتيجة ارتكاب جرائم تهريب إذ أن هذه الجرائم تؤثر على النظام الاقتصادي للدولة.
ويتفق الباحث مع جمهور الفقهاء الذين يرون أنه طالما أن المتهم مصر على الإضرار بمصالح الدولة الاقتصادية بالعود لارتكاب الجريمة يجب أن لا يستفيد من نظام الصلح ويجب أن ترفع ضده الدعوى الجنائية حتى تكون رادعاً له ولتحقيق ذلك يجب تعديل المادة 212 من قانون الجمارك بحيث تنص على عدم جواز التصالح في حالة العود.
المبحث الثالث
النيابة العامة المختصة
أ- مقدمة عامة
لقد عبر المؤتمر الدولي التاسع لقانون العقوبات المنعقد في لاهاي عام 1964 عن دور النيابة العامة فقرر بأن “الوظيفة التي تقوم بها النيابة العامة تنطوي على مسؤولية اجتماعية كبيرة، وهي حماية النظام الاجتماعي والقانوني الذي أخل به بارتكاب الواقعة الإجرامية ويجب عليها أن تباشر واجبها في موضوعية وحيادية مع مراعاة حماية حقوق الإنسان”.
كما يجب عليها أثناء ممارسة وظائفها أن تستهدف إعادة تهذيب المجرم وعبر البعض عن وظيفة النيابة العامة بأنها أداة للسياسة القانونية في أفضل معانيها وأبلغ صور التعبير عنها، وذلك بوصفها جهاز يهدف إلى تحقيق غاية معينة هي خدمة السياسة القانونية في كل مناسبة معينة بل عن طريق مباشرة الدعوى الجنائية وفقاً لخطة معينة تهدف إلى تحقيق الصالح العام. فإذا كان دور المحكمة ينتهي بمجرد تطبيق القانون، فإن دور النيابة العامة لا يقتصر على ذلك وإنما عليها مهمة أكثر بعداً وهي مكافحة الجريمة واستقرار النظام.
وكنتيجة لذلك، فقد ذهب هذا الرأي إلى أن النيابة العامة جهاز استراتيجي لـه سياسة قضائية عليا وليس مجرد إدارة تكنيكية ذات مصالح سياسية ثانوية أو غير ثانوية في هذا المعنى يقول الأستاذ جرافن “إن النيابة العامة هي حارس المصالح العامة والضامن للتطبيق الصحيح للقوانين، ويجب عليها أن تبحث لا عن تحقيق الإدانة، وإنما عن الوصول إلى الحقيقة وحسن إدارة العدالة([16]) وإن النيابة العامة لا تعرف كسب الدعوى الجنائية أو خسارتها وإنما تعرف واجبها، فهي ليست أداة للاتهام. على أنه يلاحظ أن قيام النيابة العامة بوظيفتها كطرف في الدعوى الجنائية يتم من خلال دورها كخصم إجرائي في هذه الدعوى، ويترتب على إصباغ هذه الصفة عليها ضرورة العمل على تحقيق قدر من الموازنة بين سلطات النيابة العامة في الاتهام من جهة وبين حقوق المتهم من جهة أخرى([17]) ومع ذلك فقد ذهب اتجاه في الفقه الفرنسي إلى اعتبار النيابة العامة خصماً موضوعياً عند تحريك الدعوى الجنائية قولاً بأن أعضاء النيابة العامة يباشرون عملهم بوصفهم موظفين يخضعون لرغبات الحكومة وليس بنـاءً علـى اعتبارات القانون دفاعاً عن المجتمع وهو اتجاه منتقد.
ب- النيابة العامة الجمركية
1- تشكيل النيابة الجمركية في ظل قانون الجمارك رقم (16) لسنة 1983
ورد النص عليها بالمادة (256) حيث نجد بأنها تشكل من مدعي عام أو أكثر يعينه الوزير من موظفي الدائرة الحقوقيين ولم يشترط أي شرط آخر سوى أن يكون حاملاً لشهادة الحقوق وأن يكون موظف بدائرة الجمارك.
2- تشكيل النيابة الجمركية في ظل قانون الجمارك الأردني رقم (20) لسنة 1998
و رد النص عليها بالمادة (227) حيث اشترط قانون الجمارك رقم (20) لسنة 1998 ثلاثة شروط لتعيين المدعي العام وهي:
1. أن يكون من موظفي دائرة الجمارك.
2. أن يكون حقوقياً.
3. أن يكون له خدمة في دائرة الجمارك لمدة خمسة سنوات.
ويرى الباحث ضرورة الاستغناء عن هذه النصوص واستبدالها بالشرطين التاليين:
1- أن يكون مجاز في مهنة المحاماة. 2- أن تنطبق عليه جميع الشروط المنصوص عليها في المادة العاشرة من قانون استقلال القضاء الأردني النافذ.
وظائف المدعي العام الجمركي
ورد النص على وظائف المدعي العام في المادة (256) من قانون الجمارك الأردني رقم (16) لسنة 1983 والمادة (217) من قانون رقم (20) لسنة 1998 وهذه الوظائف على النحو التالي:
1) التحقيق
حيث يتولى المدعون العامون – أعضاء النيابة العامة الجمركية – التحقيق في جرائم التهريب والمخالفات الجمركية بكافة صورها وأشكالها (والتي تحال إليهم بناءً على تنسيب من عطوفة مدير عام الجمارك للتحقيق بالموضوع) وإعداد التنسيبات اللازمة بنهاية التحقيق لتقوم الجهات الإدارة بدائرة الجمارك بتنفيذها كل مديرية حسب اختصاصها.
2) المرافعة أمام المحاكم واستئناف وتمييز الأحكام والقرارات الصادرة عن محكمتي بداية الجمارك واستئناف الجمارك.
أ- حيث يتولى المدعون العامون حضور جلسات محكمة الجمارك البدائية في الدعاوى الحقوقية والجزائية وتقديم البيانات ومناقشة الشهود وإعداد المرافعات الخطية وتنظيم لوائح الاتهام وقرارات الظن بحق المتهمين بجرائم التهريب وإعداد اللوائح الجوابية على لوائح الدعاوى الحقوقية المرفوعة ضد الخزينة بالإضافة إلى جلب البينات واستكمال النواقص في ببينات أية قضية تحول إلى النيابة العامة الجمركية.
ب- كذلك يتولى المدعون العامون إعداد اللوائح الاستئنافية للأحكام والقرارات الحقوقية والجزائية الصادرة عن محكمة الجمـارك البدائيـة في غير مصلحة الخزينة وإعداد اللوائح الجوابية على لوائح الاستئناف للأحكام والقرارات الصادرة لصالح الخزينة وحضور جلسات محكمة استئناف الجمارك في كافة القضايا التي تنظرها مرافعة.
ج- كذلك يتولى المدعون العامون إعداد اللوائح التمييزية للأحكام والقرارات الحقوقية والجزائية الصادرة عن محكمة استئناف الجمارك في غير مصلحة الخزينة وإعداد اللوائح الجوابية على لوائح التمييز للأحكام والقرارات الصـادرة لصالح الخزينة.
3) ويطبق مدعي عام الجمارك في كافة الإجراءات التي يقوم بها الأصول الجزائية والحقوقية المنصوص عليها في قانون الجمارك، كما يطبق الأصول الجزائية الحقوقية المنصوص عليها في قانون المحاكمات الجزائية والمدنية فيما لم يرد عليه نص خاص في قانون الجمارك المادة (229) من القانون رقم (27) لسنة 2000 قانون معدل لقانون الجمارك رقم (20) لسنة 1998 حيث أن هذا النص لم يكن موجوداً في قانون الجمارك رقم (16) لسنة 1983 في قانون الجمارك رقم (20) لسنة 1998.
4) التحقيق في المخالفات التي يرتكبها موظفو الجمارك أثناء قيامهم بأعمالهم:
وفي كثير من الأحيان يسند إلى مدعي عام الجمارك مهمة التحقيق في المخالفات التي يرتكبها موظفو الجمارك أثناء قيامهم بأعمالهم.
5) اعتباراً من تاريخ 1/5/2000 وحيث أصبحت دائرة الضريبة العامة على المبيعات دائرة مستقلة عن دائرة الجمارك وذلك بموجب القانون رقم (18) لسنة 2000 حيث تم تفويض كافة المدعين العامين المترافعين بمحكمة الجمارك لمتابعة حضور جلسات المحاكمة وكتابة القضايا الحقوقية والجزائية لقضايا الضريبة العامة على المبيعات.
هذا فقد نصت المادة 227/ب من قانون الجمارك على ما يلي:
“بالرغم مما ورد في أي قانون آخر، تعتبر خدمة كل من أشغل عضو محكمة جمركية أو مدعي عام لدى النيابة العامة الجمركية لمدة سنتين متتاليتين قبل أو بعد نفاذ أحكام هذا القانون خدمة قضائية كاملة لغايات قانون نقابة المحامين النظاميين وقانون استقلال القضاء”.
المبحث الرابع
المحكمة المختصة بنظر الجرائم الجمركية
تشكل لهذه الغاية محكمة خاصة تسمى “محكمة الجمارك البدائية” وقد نصت المادة 223 من قانون الجمارك النافذ على ما يلي: بالرغم مما ورد في أي قانون آخر تتولى محكمة الجمارك البدائية الاختصاصات التالية([18]):
أ- النظر في جميع جرائم التهريب وما يدخل في حكمه وفقاً لأحكام هذا القانون.
ب- النظر في جميع الجرائم والمخالفات التي ترتكب خلافاً لأحكام هذا القانون وقوانين وأنظمة المكوس والإنتاج المحلي والاستيراد والتصدير وقانون تشجيع الاستثمار وقانون الضريبة العامة على المبيعات والأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبها.
ج- النظر في الخلافات الناجمة عن تطبيق الاتفاقيات التجارية الدولية التي ترتبط بها المملكة وفي أي خلاف يقع مهما كان نوعه يتعلق بتطبيق القوانين والأنظمة المذكورة في الفقرة (ب) من هذه المادة.
د- النظر في الاعتراضات على قرارات التحصيل عملاً بأحكام المادة (208) من هذا القانون.
هـ- النظر في الطعون المقدمة على قرارات التغريم وفقاً لأحكام المادة (210) من هذا القانون.
و- التوقيف والتخلية في هذه الجرائم والمخالفات حسب القواعد المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية وفي الحالات التي لم تكن القضية قد وردت إلى المحكمة بعد، يجوز لرئيس المحكمة أن يطلب لأي شخص اتهم بموجب هذا القانون أن يقدم كفيلاً يضمن حضوره للمحكمة وألا يقرر توقيفه حتى تنتهي القضية أو يقدم تلك الكفالة.
وحيث أن المقصود بالاختصاص هو تحديد القانون للسلطة المختصة في نظر الدعاوى أي ولاية الفصل في المنازعات القضائية الناجمة عن مخالفة قانون الجمارك والمكوس … ومن أجل الوصول لتحديد الاختصاص فإن المشرع حدد أن محكمة الجمارك هي صاحبة الولاية في الفصل في المنازعات القضائية التي تقع على قانون الجمارك والقوانين والأنظمة الأخرى المنصوص عليها في المادة 223 من قانون الجمارك الأردني النافذ.
([1]) د. أحمد فتحي سرور / الجرائم الضريبية / دار النهضة العربية / القاهرة سنة 1990 – ص 248.
([2]) د. حسن صادق الرصفاوي – أصول الإجراءات الجنائية – الاسكندرية / منشأة المعارف / س1977، ص 85.
([3]) أنظر: نقض جنائي 6/1/1975 مجموعة أحكام النقض المصرية – س26، رقم 5، ص 20.
([4]) د. محمد فؤاد مهنا – سياسة الاصلاح الاداري وتطبيقاته – الاسكندرية سنة 1978، ص 260.
([5]) نقض جنائي 22/6/1964 – مجموعة أحكام النقض المصرية – س 15، ص 503.
نقض جنائي 18/1/1968 – مجموعة أحكام النقض المصرية – س 19، ص 37.
نقض جنائي 26/4/1981 – مجموعة أحكام النقض المصرية – س 32، ص 404.
([6]) د. أحمد فتحي سرور – الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية – القاهرة – سنة 1980، ص 665.
([7]) د. مصطفى أبو زيد فهمي – القضاء الاداري ومجلس الدولة – الطبعة الرابعة – الاسكندرية سنة 1979، ص 466.
([8]) د. محمد زكي أبو عامر – قانون العقوبات – القسم العام – الاسكندرية، سنة 1986، ص 483 .
([9]) د. أحمد فتحي سرور – الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1981، ص 101 .
([10]) د. مأمون سلامة / الإجراءات الجنائية في التشريع المصري / دار الفكر العربي / القاهرة / سنة 1976، ص 107 .
([11]) د. أحمد رفعت خفاجي – نظام الصلح في قانون الإجراءات الجنائية / المحاماة – العدد السادس / س32، 891
([12]) د. توفيق شحادة / مبادئ القانون الإداري / طبعة أولى / سنة 1964، القاهرة ، ص 445 .
([13]) د. محمد نجيب السيد، جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء، مطبعة الاشعاع / الاسكندرية، سنة 1992، ص 528.
([14]) د. محمود محمود مصطفى/ الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن، الجزء الثاني مطبعة جامعة القاهر، سنة 1979، ص 124.
([15]) د. أحمد فتحي سرور / الجرائم الضريبية والنقدية / القاهرة، 1990، ص 264.
([16]) د. أحمد فتحي سرور / الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، الجزء الأول، ص 136.
([17]) أنظر محمود نجيب حسني / النيابة العامة ودورها في الدعوى الجنائية، مجلة إدارة قضايا الحكومة، س13، ص 80 .
([18]) قانون الجمارك الأردني رقم (20) لسنة 1998 وتعديلاته / عمان / ص 122-123 .
القسم السادس
المسؤولية والجزاء في جريمة التهريب
المبحث الأول
المسؤولية الجنائية عن جريمة التهريب
لكي تقوم الجريمة لا يكفي أن يكون هنالك فعل معاقب عليه بنص قانوني، بل يجب أن يكون هذا الفعل قد صدر عن شخص مسؤول. والمسؤولية عموماً هي التزام بتحمل الجزاءات التي يقررها القانون لمن يخالف أحكامه. ويعرف الدكتور محمود محمود مصطفى المسؤولية الجنائية بأنها التزام المجرم بتحمل العقوبة أو التدبير الاحترازي الذي ينزله به القانون. وهذا الالتزام يقابله حق الدولة وسلطتها في العقاب([1]) ويعني ذلك أن المسؤولية لا تنشأ إلا إذا توافرت أركان الجريمة جميعاً. ومن القواعد الأساسية في القانون الجنائي انه لا يسأل شخص جنائياً عن فعل إلا إذا ثبت أن ارادته كانت آثمة وأن الفعل قد اقترن بقصد أو خطأ منسوب إليه.
ولكن الأمر يختلف في التشريع الجمركي، إذ ليس على سلطة الاتهام أن تدلل على وجود الارادة الآثمة لدى الفاعل، فإثبات الفعل، غالباً. هو إثبات للجريمة. أن نظام المسؤولية في الجرائم الجمركية مرتكزاً على نظرية الفاعل الظاهر للجريمة وذلك بإيقاع المسؤولية الجنائية، بواسطة مجموعة من القرائن القانونية، على بعض الأشخاص الذين يعينهم صراحة، ولو لم يصدر عنهم أي فعل إيجابي ينطوي على مخالفة القانون.
وقد نصت المادة 205 من قانون الجمارك الأردني النافذ على ما يلي “يشترط في المسؤولية الجزائية في جرم التهريب توفر القصد، وتراعى في تحديد هذه المسؤولية النصوص الجزائية المعمول بها، ولذلك يعتبر مسؤولاً جزائياً
أ- الفاعلون الأصليون ب- الشركاء في الجرم
ج- المتدخلون والمحرضون د- حائزوا المواد المهربة
هـ- أصحاب وسائط النقل التي استخدمت في التهريب وسائقوها ومعاونيهم.
و- أصحاب أو مستأجرو المحلات أو الأماكن التي أودعت فيها المواد المهربة أو المنتفعون بها.
وتنص المادة 215 من قانون الجمارك الأردني النافذ على ما يلي:
أ- تتكون المخالفات كما تترتب المسؤولية في جرائم التهريب بتوافر أركانها، إلا أنه يعفى من المسؤولية من أثبت أنه كان ضحية قوة قاهرة وكذلك من أثبت أنه لم يقدم على ارتكاب أي فعل من الأفعال التي كونت المخالفة أو جريمة التهريب أو تسببت في وقوعها أو أدت إلى ارتكابها.
ب- تشمل المسؤولية المدنية إضافة إلى مرتكبي المخالفات وجرائم التهريب كفاعلين أصليين: المتدخلين والشركاء والممولين والكفلاء والوسطاء والموكلين والمتبرعين والناقلين والحائزين والمنتفعين ومرسلي البضائع كلا في حدود مسؤوليته في وقوع الفعل. وقد استقر الاجتهاد القضائي الأردني على أن المشرع أقر مسؤوليتين معاً في جرائم التهريب، مسؤولية جزائية يترتب عليها عقوبة جزائية، ومسؤولية مدنية يترتب عليها غرامة جمركية ومصادرات وهي الزامات مدنية بمثابة تعويض لدائرة الجمارك عن فعل التهريب وما هو في حكمه، ولا يشترط في هاتين المسؤوليتين التلازم، بمعنى أنه إذا انتفت المسؤولية الجزائية لعدم ثبوت القصد الجرمي لا يمنع من قيام المسؤولية المدنية إذا ثبت الركن المادي لوقوع الفعل الذي لا يجوز التنصل منه بحسن النية أو الجهل.
المبحث الثاني
جزاء الجريمة الجمركية
الجزاء الجنائي تدبير قهري ينص عليه القانون ويوقعه القاضي من أجل الجريمة، ويتناسب معها، وينطوي على ألم يحيق بالجرم، ويتمثل في حرمان المحكوم عليه من حق من حقوقه، كحقه في الحياة أو الحرية أو في مباشرة نشاط سياسي، وما إلى ذلك([2]) ووظيفته وفقاً لهذا المفهوم الأصيل هي تحقيق العدالة الإنسانية وهي كذلك نفعية سياسية للردع العام والخاص([3]).
ويقول الدكتور محمود نجيب حسني أنه ولتناسب الجزاء مع الجريمة وجهان: تناسبها مع مساحة مادياتها وتناسبها مع مقدار الخطيئة والإثم فيها([4]).
العقوبة في جريمة التهريب الجمركي هي الألم الذي يصيب المحكوم عليه لمخالفته أحكام القانون وذلك لزجرة وردع غيره فجوهر العقوبة إذن يتمثل في الإيلام ويتحقق بالمساس بحق من حقوق المحكوم عليه، سواء بشخصه أو حريته أو ماله أو حقوقه السياسية أو شرفه واعتباره وذلك تحقيقاً لاعتبارات اجتماعية معينة.
والعقوبة المالية (الإيلام المالي) تعد من أهم العقوبات في جريمة التهريب الجمركي لأن غالبية حالات التهريب ترتكب بسبب الرغبة في تحقيق مكاسب مالية غير مشروعة.
وتتمثل عقوبات جريمة التهريب الجمركي في الحبس والغرامة والمصادرة حيث نصت المادة 206 من قانون الجمارك الأردني النافذ على ما يل “يعاقب على التهريب وما في حكمه وعلى الشروع في أي منهما بما يلي:
أ- بغرامة لا تقل عن (50) دينار ولا تزيد على (1000) دينار، وعند التكرار الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات بالإضافة إلى الغرامة المذكورة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ب- غرامة جمركية بمثابة تعويض مدني للدائرة على النحر التالي:
1- من ثلاثة أمثال القيمة إلى ستة أمثال القيمة عن البضائع الممنوعة المعينة.
2- من مثلي القيمة إلى ثلاث أمثال القيمة إضافة للرسوم عن البضائع الممنوعة أو المحصورة.
3- من مثلي الرسوم إلى أربعة أمثال الرسوم عن البضائع الخاضعة للرسوم إذا لم تكن ممنوعة أو محصورة على أن لا تقل عن نصف قيمتها.
4- من 25 – 100 دينار عن البضائع غير الخاضعة إلى أية رسوم أو ضرائب ولا تكون ممنوعة أو محصورة.
ج- مصادرة البضائع موضوع التهريب أو الحكم بما يعادل قيمتها مشتملة على الرسوم عند عدم حجزها أو نجاتها من الحجز.
د- الحكم بمصادرة وسائط النقل والأدوات والمواد التي استعملت في التهريب أو بغرامة لا تزيد على 50% من قيمة البضائع المهربة بحيث لا تزيد على قيمة واسطة النقل وذلك فيما عدا السفن والطائرات والقطارات ما لم تكن قد أعدت أو استؤجرت لهذا الغرض أو الحكم بما بعادل قيمتها عند عدم نجاحها من الحجز.
ونصت المادة 207 من قانون الجمارك الأردني رقن 20 لسنة 1998 وتعديلاته أنه للمديـر أن يقرر مصادرة البضائـع المحجوزة في حالـة فرار المهربين أو عدم الاستدلال عليهم.
وهكذا يتبين أن جزاء الاخلال بالقيود الجمركية ليس موحداً فتارة جزاء جنائياً، كالحبس والغرامة والمصادرة، وطور يكون جزاء مدنياً كالتعويض، وقد تكون جزاء إدارياً، كالغرامة والمصادرة اللتين تفرضهما الإدارة دون الحاجة إلى استصدار حكم بذلك من القضاء.
المطلب الأول
الحبس
الحبس عقوبة جنائية خالصة تقضي بوضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه.
فقد أطلق المشرع المصري عقوبة الحبس في المادة 122 من قانون الجمارك حيث نصت على أنه “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون آخر يعاقب على التهريب أو على الشروع فيه بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيهاً ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين” ولم يحدد النص السالف الذكر مدة عقوبة الحبس أو يقيدها بحد أدنى أو أقصى، ومن ثم فإن عقوبة الحبس، ووفقاً لنص المادة 18 من قانون العقوبات المصري، لا يجوز أن تنقص مدتها عن أربع وعشرين ساعة أو أن تزيد عن ثلاث سنوات. فلم يقيدها بحد أدنى ولا أقصى، فأفصح بذلك عن رغبته في ترك حديها للقواعد العامة، أنها لمدة لا تقل عن أربع وعشرين ساعة، ولا تزيد على ثلاث سنوات. وتخضع عقوبة الحبس في الجريمة الجمركية لسائر القواعد التي تسري على الحبس عموماً من حيث وقف التنفيذ وتطبيق الظروف المخفضة. ونلاحظ أن قانون الجمارك الأردني النافذ في المادة 206 استخدم عقوبتي الحبس والغرامة كعقوبات لجريمة التهريب وبهذا فقد نهج نهج القانون الجمركي المصري ولابد من لفت النظر إلى أن قانون الجمارك الأردني نص على عقوبة الحبس فقط في حالة التكرار وفي الواقع العملي فإن المحكمة الجمركية لا تأخذ بهذه العقوبة لأنها تعتبر أن العقوبة المالية المطالب بها من قبل الجمارك، بالغة الشدة وكافية لردع المتهم غير أن قانون الجمارك العراقي نص في المادة 194 على ما يلي: “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها في قوانين أخرى يعاقب هذا القانون على التهريب، وما في حكمه، وعلى الشروع بالعقوبات الآتية: الحبس لمدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد عن خمس سنوات، وبغرامة لا تزيد عن ثلاثة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين” وهذا القانون مثل القانون المصري والأردني حيث أخذ بعقوبتي الغرامة والحبس كعقوبة في جريمة التهريب الجمركي إلا أن الحد الأعلى للعقوبة كان أشد من قانون الجمارك المصري والأردني.
وكذلك نهج المشرع في قانون الجمارك القطري حيث نص في المادة 200/1 منه على أن “عقوبة التهريب أو الشروع فيه هي الحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن مائتي ريال ولا تزيد على عشرة آلاف ريال أو إحدى هاتين العقوبتين، وهذا القانون مثل القانون المصري والأردني والعراقي حيث استخدم عقوبتي الحبس والغرامة كعقوبة في جريمة التهريب الجمركي.
وعلى العكس من ذلك فقد اكتفى المشرع في قانون الجمارك اللبناني بالغرامة حيث نصت المادة 360 منه على العقاب بمصادرة البضائع وغرامة لا تقل عن 50 ليرة لبنانية في حالة حجز البضائع ووسائط النقل والأشياء التي استخدمت لإخفاء الغش وكذلك نهج قانون الجمارك السوري في المادة 264 حيث نصت فقط على غرامة جمركية عن مخالفات التهريب وهكذا فإن المشرع في قانون الجمارك السوري يستخدم الغرامة باعتبارها عقوبة جنائية يمكن تنفيذها عن طريق الإكراه البدني بالحبس في حالة عدم تحصيل الغرامة. أما قانون الجمارك اللبناني يستخدم عقوبة الغرامة باعتبارها تعويضاً مدنياً وتصدر من لجان الجمارك ويعتبر هذا التشريع جريمة التهريب الجمركي فعلاً مدنياً والغرامة الموقعة عليها في حقيقتها تعويضاً مدنياً.
المطلب الثاني
الغرامة التعويضية
إن الغرامة هي: إلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من النقود يقدّرة الحكم القضائي إلى الخزانة العامة. ومفاد الحكم بالغرامة هو نشوء التزام من جانب المدين وهو المحكوم عليه والدائن وهو الدولة وسبب الغرامة هو الحكم القضائي الذي أثبت مسئولية المحكوم عليه عن جريمته، وقرر التزامه بعقوبتها.
وقد سمى المشرع الجمركي هذا الجزاء بـ “التعويض” ويطلق عليه البعض “الغرامة الإضافية” ويسميها الدكتور كمال حمدي بالغرامة التعويضية “وهي التسمية الأقرب للواقع”([5]).
ولم يحدد أي من قانون الجمارك الأردني والمصري أو الفرنسي الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية، على اعتبار أن ذلك من عمل الفقه والقضاء. ومن ثم فقد ثار خلاف شديد يصل إلى حد المواجهة بين تيارات متعارضة منذ زمن طويل، ويمكن جمعها في ثلاث اتجاهات:
(1) الاتجاه الأول “الغرامة الجمركية عقوبة:
ومبنى هذا الرأي أن هذه الغرامة المالية، والتي يطلق عليها المشرع لفظ “التعويض”، هي عقوبة جنائية خالصة، وأنها عقوبة تكميلية تضاف إلى العقوبة الأصلية سواء أكانت الحبس أو الغرامة، كما أنها غرامة نسبية تتناسب في مقدارها مع ما حققه الجاني أو أراد تحقيقه من كسب غير مشروع، ومن ثم تخضع لكافة الآثار التي يرتبها القانون على عقوبة الغرامة الجزائية.
والتبرير الذي يقدمه أنصار هذا الرأي أن الغرامة الضريبة جزاء تفرضه الدولة على مخالفة أمر نهى عنه الشارع، ومخالفة أوامر الشارع ونواهيه لا تتضمن فكرة وجود ضرر مادي قابل للتعويض وأنه في التهريب الجمركي يقرر المشرع كذلك التعويض كجزاء للجريمة التامة وللشروع فيها وحيث ينتفي الضرر المالي في بعض الصور لدليل قاطع على أنه ليس تعويضاً بحال من الأحوال، وأن التعويض المدني يحدد بمقدار الضرر الذي أصاب المجني عليه أو الشخص المضرور، أما في الغرامة الضريبية أو المالية فالقاضي يحكم بها كما هو منصوص عليها في القانون دون التفات إلى حقيقة الضرر الذي أصاب الخزانة العامة.
النتائج المترتبة على الطابع العقابي
يرتب أنصار هذا الاتجاه على الغرامة الجمركية كافة الآثار المترتبة على العقوبة الجنائية وهي:
1- أنه لا يحكم بها إلا من محكمة جنائية.
2- لا يحكم بها إلا في دعوى جنائية.
3- أنه ليس لدائرة الجمارك أن تدعي مدنياً للمطالبة بها، وإنما للنيابة العامة وحدها حق المطالبة بتوقيعها.
4- الحكم الصادر بتوقيعها يعد حكماً جنائياً يحوز حجية مطلقة أمام القضاء المدني.
5- لا يحكم بها على المجنون.
6- أنها تقيد في صحيفة السوابق.
7- إن الحكم بها إلزامي تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها بمجرد وقوع الجريمة دون حاجة إلى وقوع أو حدوث أي ضرر للخزانة العامة.
8- لا يحكم بها على الأشخاص المسئولين مدنياً.
9- أن قيمتها تتحدد سلفاً بواسطة القانون.
10- تتقادم بذات مدد تقادم الجنح.
11- لا يمكن الحكم بها على الشخص المعنوي إلا استثناء.
(2) الاتجاه الثاني “الغرامة التعويضية هي تعويض مدني”
ومبنى هذا الاتجاه أن المبلغ الذي يحكم به في التهريب الجمركي بالإضافة إلى الغرامة المحددة في النص يعد تعويضاً مدنياً لا غرامة نسبية، فالزيادة التي يحكم بها فوق الغرامة الجنائية تمثل تعويضاً قدّر المشرع أنه مستحق لمصلحة الجمارك لقاء التهرب من دفع الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى. أي أن الغرامة تعتبر تعويض مدني للخزينة عما أصابها من ضرر نتيجة عدم سداد الرسوم الجمركية.
النتائج المترتبة على الطابع المدني
ويرتب أنصار هذا الاتجاه على الطبيعة المدنية النتائج التالية:
1- يجوز لدائرة الجمارك الإدعاء مدنياً للمطالبة بها.
2- لا يحكم بها إلا في ضوء طلبات الإدارة.
3- يصدر الحكم بها بالتضامن بين المتهمين في سدادها.
4- يحكم بها على القاصر الذي تصرف دون تمييز ولو كان قد حكم ببراءته لذلك.
5- يجوز اقتضاؤها من الأشخاص المسئولين مدنياً، كما تطبق عليها قواعد المسؤولية المدنية.
6- أن قوانين العفو العام لا تشمل الغرامة الجمركية.
7- لا يجوز تخفيف تلك الغرامة بسبب الظروف المخففة، ولا تشديدها بسبب العود.
8- لا يحكم إلا بغرامة واحدة مهما تعدد المحكوم عليهم.
9- لا يجوز الحكم بوقف تنفيذها لأن ذلك يمثل إخلالاً بفكرة التعويض التي تشتمل عليها وقد انتقد الدكتور عوض محمد هذا القضاء استناداً إلى أنه ليس له سند تشريعي، فلا يوجد ما يحول دون الحكم بإيقاف الغرامة الجمركية.
10- لا تسري عليها قاعدة عدم الجمع.
11- إن تلك الغرامة لا تطبق عليها قاعدة رجعية القانون الأصلح للمتهم.
12- يجوز التصالح عليها مع دائرة الجمارك.
13- أن مدة الحبس الاحتياطي لا تخصم من تلك الغرامة لما ينطوي عليه ذلك من الإخلال بعنصر التعويض الذي تتضمنه.
وقد انتقد بعض الفقهاء هذا الرأي مستندين إلى أن التعويض بحسب طبيعته ووظيفته لا يصلح أن يتجاوز مقدار الضرر، وأن التعويضات لا يجوز الحكم بها إلا بناء على طلب صاحب الشأن بعد إثبات ما لحقه من ضرر، وليس الأمر كذلك في هذه الحالة، وأن هذه الغرامة يجوز تحصيلها بطريقة الإكراه البدني، ويؤخذ على هذا الاتجاه أنه يفترض وقوع ضرر مالي يستوجب التعويض وهو ما لا يتوفر في كافة حالات التهريب فالقانون الجمركي يعاقب على التهريب غير الضريبي الذي لا يرتب أي ضرر مالي يتعين تعويضه. كما يعاقب على الشروع في التهريب بالرغم من عدم توافر أي ضرر على الإطلاق الأمر الذي يؤكد أن تلك الغرامة ليست تعويضاً مدنياً([6]).
(3) الاتجاه الثالث “الغرامة الجمركية ذات طبيعة مختلطة”
الرأي الغالب في الفقه والقضاء الجمركي أن الغرامة الجمركية ذات طبيعة مختلطة إذ تجمع بين صفتي العقوبة والتعويض في آن واحد، فهي عقوبة للخزانة عما لحق بها من أضرار من جراء هذه الجريمة.
على أن أصحاب هذا الرأي اختلفوا فيما بينهم حول تغليب هذه الصفة أو تلك، فمنهم من يغلب معنى التعويض على معنى العقوبة، ومنهم من يغلب معنى العقوبة على معنى التعويض.
والنقد الذي يوجه إلى هذا الرأي أنه يجب الاختيار بين العقوبة أو التعويض إذ لكل منها صفة تستبعد صفة الأخرى، وتفسير ذلك أن أساس كل منهما وغايته مختلف، فأساس العقوبة الجريمة أما أساس التعويض فإنه يتمثل في الخطأ والضرر.
وغاية العقوبة زجر الجاني وردع غيره، أما التعويض فغايته إصلاح الضرر وبالتالي يقدر بقدره. لذا فإن صفة العقوبة تستبعد صفة التعويض، والعكس صحيح، ولذا يجب الاختيار بين إحدى هاتين الصفتين، إما العقوبة أو التعويض.
ويقول الدكتور حسن صادق المرصفاوي([7]) بأنه ليست هناك حاجة إلى خلق نوع جديد من الجزاء غير محدد المعالم لأن المشرع لديه العديد من الجزاءات الجنائية والمدنية والإدارية التي يستطيع أن يختار من بينها الجزاء المناسب مما يغني عن اللجوء إلى مثل هذا الجزاء الجديد ومع ذلك فقد استقر الاجتهاد القضائي على تقرير أن المشرع لم يقصد الخروج بتلك الغرامة عن كونها جزاء ما زال يغلب عليه معنى العقوبة وإن خالطه التعويض([8]).
المطلب الثالث
المصادرة
المصادرة هي نزع ملكية المال جبراً عن صاحبه بغير مقابل، وإضافته إلى ملك الدولة، وعرفتها محكمة النقض المصرية بأنها “إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمة قهراً عن صاحبها وبغير مقابل([9]).
وهي حسب التعريف السائد بين فقهاء القانون الجنائي “نقل ملكية مال إلى العدالة” والمصادرة وفق نص المواد 206/3/ج/د من قانون الجمارك الأردني النافذ ترد على البضائع محل التهريب، كما ترد على وسائل النقل وأدوات ومواد التهريب.
وهي تشبه الغرامة في أن كل منها عقوبة مالية، إلا أنها تظل مختلفة عنها من عدة جهات:
1- أن المصادرة عقوبة عينية، إذ تنفذ عيناً وذلك بنقل ملكية الأشياء المصادرة إلى الدولة بعكس الغرامة التي يتم سدادها نقداً.
2- المصادرة عقوبة تكميلية دائماً بينما قد تكون الغرامة عقوبة أصلية أو تكميلية.
3- الغرامة عقوبة في جميع الأحوال، أما المصادرة فقد تكون عقوبة حين تكون اختيارية، أو تدبيراً وقائياً حيث تكون وجوبية، كما أنها قد تعد تعويضاً إذا آلت إلى المجني عليه كتعويض عما سببته الجريمة من ضرر له.
4- المصادرة غير قابلة للتقدير لأنها تنصب على شيء معين، بعكس الغرامة التي يمكن تقديرها تبعاً لجسامة الجريمة وخطورة المحكوم عليه ومركزه المالي.
أ- مصادرة البضائع محل التهريب
وتختلف أحكام تلك المصادرة حسب ما إذا كانت البضائع قد ضبطت من عدمه.
1. حالة ضبط البضائع
المصادرة في هذه الحالة عقوبة تكميلية وجوبية، بمعنى أنه في حالة ضبط البضائع موضوع الجريمة فإنه يتعين على القاضي الحكم بمصادرتها.
2. حالة عدم ضبط البضائع: ويتعذر في هذه الحالة الحكم بالمصادرة لانعدام المحل الذي ترد عليه، ويحكم في هذه الحالة، وبغية عدم إفلات الجاني من عقوبة المصادرة بفعله، بمثل قيمة البضاعة مشتملة على الرسوم ويطلق على مثل هذا الجزاء (غرامة المصادرة) ويطلق عليها أحياناً “مقابل المصادرة.
ج- الطابع العيني للمصادرة الجمركية الوجوبية
المصادرة الجمركية الوجوبية ذات طابع عيني لا شخصي فهي غير موجهة لشخص المتهم، وإنما تنصب على الشيء، المصادر ذاته والنتائج المترتبة على هذا الطابع هي:
1- أنها تنصب على البضائع في أي يد تكون ولو كان المالك خارج الدعوى.
2- يحكم بها على المتهم ولو لم يكن مالكاً للشيء المضبوط.
3- يحكم بها ولو كان الفاعل أو المالك مجهولاً وغير معروف.
4- يقضي بها ضد المالك ولو كان حسن النية
5- يحكم بها ضد الحائز ولو كان من الغير.
فإذا كانت البضاعة المهربة ممنوعة “وهي تعد كذلك إذا كانت حيازتها في ذاتها جريمة” فإنه يترتب على ذلك فضلاً عما تقدم أنه إذا أعفى الفاعلين من الخضوع للقضاء الإقليمي (الجنائي) كالدبلوماسيين والقناصل أو من المسئولية، أو قام لديهم مانع من العقاب أو سبب من أسباب الإباحة وجب الحكم بالمصادرة. كما أنها لا تخضع حينئذ لمبدأ شخصية العقوبة، إذ يحكم بها على الورثة في حالة وفاة المخالف كما يحكم بها ولو قضى ببراءة المتهم.
ب- مصادرة وسائط النقل والأدوات المستعملة في التهريب
وتشمل المصادرة وسائل النقل والأدوات التي استعملت في التهريب، بغض النظر عن كون هذه الوسائل والأدوات قد أعدت أصلاً للتهريب أو لم تكن معدة لذلك ولكنها استخدمت فيه، وسواء كانت مملوكة للجاني أو للغير شرط أن يكون هذا الغير سيء النية، ولا يشترط استعمالها في التهريب استعمالاً مباشراً. على أنه لا يجوز مصادرة السفن والطائرات ما لم تكن أعدت أو أجرت فعلاً لهذا الغرض.
وعلى ذلك فقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى الاعتداد بحسن نية المتهم، إذ قضت بأن رفض القاضي توقيع عقوبة المصادرة في تهمة التهريب استناداً إلى حسن نية المتهم لأسباب سائغة فإنه لا يكون قد خالف القانون، فلمحكمة الموضوع أن تقرر في حدود سلطتها التقديرية قيام الأسباب المبررة لرفض توقيع العقوبة الجوازية.
وقد جاء في قرار محكمة استئناف الجمارك الأردني رقم 62/89 ما يلي “يشترط لترتيب المسؤولية على ناقل البضائع المهربة أن يثبت ركن العلم قبل النقل أو أثناء تحميل المادة المهربة، ولا يتوجب على السائق أن يتحقق من محتويات الصندوقين اللذين نقلهما خاصة وأنهما يعودان لرجل أمن لا يتطرق إليه الشك في مثل هذا التصرف، وأن علم السائق قد تم أثناء الطريق ما بين الأزرق ومدينة الزرقاء من خلال قيام رجل الأمن بفتح الصندوق أثناء السير وإخفاء الدخان المهرب تحت مقاعد السيارة، وبذلك يعتبر السائق ضحية لظروف قاهرة تنتفي معها مسؤوليته، وعلى المحكمة أن تقرر عدم مسؤوليته وليس براءته. وجاء في القرار المشار إليه أن الحكم بمصادرة واسطة النقل يتوجب عند الحكم بإدانة الناقل، وحيث انتفت مسؤولية سائق السيارة فإن ذلك يستتبع عدم مصادرة السيارة.
ومصادرة وسائل النقل وأدوات ومواد التهريب عقوبة تكميلية اختيارية، بمعنى أن للقاضي سلطة التقدير بشأنها، على أنه إذا حكم القاضي بالمصادرة فإنه لا يجوز له وقف تنفيذ تلك العقوبة.
وقد يتعذر قانوناً الحكم بمصادرة وسائل النقل المعدة للتهريب كما إذا كانت مملوكة للدولة وذلك مثلاً في حالة ما استعملت إحدى عربات سكة الحديد في نقل البضائع المهربة إذ لا يتصور ورود المصادرة على أموال مملوكة للدولة.
([1]) د. محمود محمود مصطفى / الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن، القاهرة 1963، ص 92.
([2]) د. رمسيس بنهام / النظرية العامة للقانون الجنائي، الاسكندرية 1971، رقم 170، ص 1081.
([3]) د. محمود نجيب حسني / شرح قانون العقوبات اللبناني، القسم العام، بيروت 1975، ورقم 664، ص 679.
([4]) د. شوقي رامز شعبان / النظرية العامة للجريمة الجمركية، الطبعة الأولى، بيروت سنة 1976، ص 349
([5]) الدكتور كمال حمدي / جريمة التهريب الجمركي / الاسكندرية / 1997، ص 47 .
([6]) د. عوض محمد: جرائم المخدرات والتهريب الجمركي النقدي، الاسكندرية 1965، ص 205، رقم 65 .
([7]) د. حسن صادق المرصفاوي / التجريم في تشريعات الضرائب، منشأة المعارف، الاسكندرية، سنة 1977
([8]) نقض جنائي مصري 11/3/1952، مجموعة أحكام النقض المصرية، س3، ص 543، رقم 204 .
([9]) نقض جنائي: 17/5/1966، مجموعة أحكام النقض، س17، ص 639، رقم 115.
الخاتمه
هذا هو البحث الذي قدمناه عن جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء ولقناعتنا بأن الخاتمة ما هي الا الثمرة المرجوة من وراء البحث،ومن ثم فانها يجب أن تتضمن ابرز ما تم التوصل اليه من نتائج حتى لا تاتي الخاتمة مجرد ترديد مقتضب لما سبق وشرحناه لذا فاننا سنوجز أهم مميزات جريمة التهريب الجمركي في نقاط خمسة هي:-
أولاً: لم يفرق قانون الجمارك بين الجريمة التامة والشروع فيها حيث أنه يعاقب على الشروع في جريمة التهريب بنفس العقوبة المقدرة للجريمة التامة.
ثانياً: حق النيابة العامة الجمركية بتحريك الدعوى العامة مقيد بتكليف خطي بذلك من مدير عام الجمارك وهذا الاجراء من النظام العام.
ثالثاً: تشمل المسؤولية المدنية في جرائم التهريب الجمركي الفاعل الأصلي،والشريك، والمتدخل،والمحرض،وحائز المواد المهربة وصاحب وسيلة النقل التي تم استخدامها في التهريب وسائقها ومعاونه وأصحاب أو مستأجري المحلات أو الأماكن التي اودعت فيها المواد المهربة أو المنتفعين بها.
رابعاً: يحكم على مرتكبي الجريمة بغرامة جزائية ثم غرامة باهضة تسمى تعويضاً مدنياً وكذلك يتم مصادرة البضاعة موضوع التهريب أو بما يعادل قيمتها مع الرسوم في حالة عدم ضبطها وكذلك مصادرة وسائط النقل التي تم استعمالها في التهريب أو الحكم بقيمة 50% من قيمة البضائع المهربة بحيث لا تزيد على قيمة واسطة النقل.
خامساً: يمكن إجراء مصالحة بجرائم التهريب بعقد يسمى “عقد التسوية” ويتم بين دائرة الجمارك وبين مرتكبي التهريب وعند ذلك يسقط حق الملاحقة القضائية، إذا تمت المصالحة قبل رفع الدعوى، أما إذا كانت قد رفعت فتقسط الدعوى بالمصالحة.
وهذه الأحكام والمميزات لا وجود لها في الجرائم الأخرى إذ لا تملك النيابة العامة المصالحة عنها أو التنازل عن الدعوى العامة.
المراجع
أولا: باللغة العربية
1. الأستاذ أحمد زكي الجمال – التهريب الجمركي وجرائم التبغ- القاهرة 1973
2. الدكتور أحمد فتحي سرور- الجرائم الضريبية والنقدية- القاهرة1960
3. الدكتور أحمد فتحي سرور- محاضرات في قانون العقوبات الضريبي – القاهرة 1969
4. الدكتور أحمد فتحي سرور – الوسيط في قانون العقوبات – القسم الخاص – القاهرة 1972
5. الدكتور أحمد فتحي سرور- الجرائم الضريبية- القاهرة 1990
6. الدكتور أمال عثمان – شرح قانون العقوبات الاقتصادي- القاهرة 1981
7. الدكتور أمال عثمان- شرح قانون العقوبات- القسم الخاص- القاهرة 1975
8. الأستاذ أنور العمروسي- شرح قوانين الجمارك والاستيراد والتصدير والنقد- القاهرة 1972
9. الدكتور أمينة النمر- أصول المحاكمات المدنية- دار النهضة العربية- طبعة 1985
10. الدكتور جلال ثروت- الظاهرة الإجرامية- القاهرة ، سنة 1975
11. الدكتور جورج قذيفة- القضايا الجمركية الجزائية-بيروت ،1973
12. الدكتور حسن صادق المرصفاوي – التجـريم فـي تـشريعـات الضـرائب- الإسكندرية، سنة 1963
13. الدكتور حسن صادق المرصفاوي- أصول الإجراءات الجنائية-الإسكندرية،سنة1977
14. د. حسن جواخدار “شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني” عمان/ 1993
15. الدكتور رزق الله الأنطاكي – التشريع الجمركي – دمشق، 1951.
16. د. رمسيس بهنام – النظرية العامة للقانون الجنائي، الإسكندرية، 1971.
17. د. رفعت لبيب متياس “الضرائب الجمركية بين النظرية والتطبيق” الإسكندرية، سنة 1975.
18. د. عبد الرؤوف عبيد / مبادئ الاجراءات الجنائية / طبعة 1982.
19. د. سوزي عدلي ناشر “ظاهرة التهريب الضريبي الدولي” الاسكندرية، سنة 1999.
20. د. شوقي رامز شعبان “النظرية العامة للجريمة الجمركية” الطبعة الأولى/ بيروت، سنة 1976.
21. د. عوض محمد “جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي” الاسكندرية، 1966.
22. د. عبد الحميدالشواربي “الجرائم المالية والتجارية” الاسكندرية سنة 1986.
23. الأستاذ غازي جرار “شرح قانون العقوبات الأردني” عمان 1978.
24. د. فوزية عبد الستار “شرح قانون الاجراءات الجنائية” القاهرة، سنة 1977.
25. د. فوزية عبد الستار “المساهمة الأصلية في الجمركة” القاهرة 1976.
26. د. كمال حمدي / جريمة التهريب الجمركي / الاسكندرية، 1997.
27. د.كامل السعيد “النظرية العامة لجرائم التهريب”، القاهرة، 1979.
28. د. مجدي محب حافظ “جريمة التهريب الجمركي” القاهرة، سنة 1992.
29. د. محمود نجيب حسني “شرح قانون العقوبات اللبناني” القسم العام، بيروت، سنة 1975.
30. د. محمود نجيب حسني “النظرية العامة في القصد الجنائي” القاهرة، سنة 1986
31. د. محمد نجيب السيد “جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء” الاسكندرية، سنة 1992.
32. د. مأمون محمد سلامة / قانون الاجراءات الجنائية معلقاً عليه بالفقه وأحكام النقد / الطبعة الأولى، سنة 1980 / دار الفكر العربي.
33. د. محمود زكي شمس “أضواء حديثة على تشريعات التبغ والتمباك وجرائم التهريب” دمشق، 1992.
34. د. نائل عبد الرحمن “الجرائم الاقتصادية” عمان سنة 1990.
35. د. نبيل لوقابباوي “الجرائم الجمركية دراسة مقارنة” دار النهضة العربية، القاهرة، 1994.
36. الأستاذ يوسف الغرياني، الضرائب الجمركية وأثرها في الاقتصاد / الاسكندرية سنة 1988.
37. الأستاذ يوسف الغرياني “الجمارك علم وفن وتخصص” الاسكندرية سنة 1989.
المراجع الأجنبية
1) ADAMANTIONS PEPELASIS (ECONOMIC DEVELOPMENT ANALYSIS AND CASE STUDIES) HAPPER BROTHERS – NEWYORK 1981.
2) ALFERD ZIMMERN, (INTERNATIONAL LAW AND SOCIAL CONCIOUSNESS), GROTIUS SOCIETY TRANSACTIONS, LONDON, 1935. VOL XX.
3) BRAIN HOGAN, SMITH, (THE ELEMENTS OF LAW) LONDON 1956.
4) CLAUDE TIGIER (BASIC HANDBOOK OF FORIGN EXCHANGE) LONDON 1983.
5) D. C POWER (INFLATION AND GROWTH) MACMILLAN LONDON, 1968.
6) D. C POWER (INFLATION AND GROWTH) MACMILLAN LONDON, 1968.
7) E. B. BAKER (POLICE PROMOTION HANDBOOKS CRIMINAL. LAW) LONDON 1980.
8) E. NEUIN (CAPITAL FUNDS IN UNDERDEVELOPED COUNTRIES) LONDON MAC,ILLAN. 1969.
9) J. E. MEADE (THE BALANCE OF PAYMENTS) OXFORD UNIVERSITY – PRESS – LONDON 1981.
10) J. R. V. PRESCOTT (GEOGRAPHY OF FRONTIERS AND BOUNDARLES) LONDON – 1967.
11) LAN MCLEAN AND PETER MORISH (HARRIS’S CRIMINAL LAW) TWENTY SECOND ADITION SWEET AND MAXWELL 1973.
12) L. W. TOWLE (INTERNATIONAL TRADE, AND COMMERCIAL POLICY) LONDON. 1985.
13) MEADE J. E. (CUSTOMS LAW IN ENGLAND) LONDON 1988.
14) W. FISHER (THE PURCHASING POWER OF ,MONEY) OXFORD UNIVERSITY. LONDON 1979.
القوانين والأبحاث
1- قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني رقم 9 لسنة 1961 في صيغته المعدلة بموجب القانون رقم 16 لسنة 2001.
2- قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني رقم 24 لسنة 1988 في صيغته المعدلة بموجب القانون رقم 14 لسنة 2001.
3- قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته.
4- قانون الجمارك الأردني رقم 20 لسنة 1998 وتعديلاته.
5- قانون الجمارك المصري رقم 66 لسنة 1963، القاهرة.
6- قانون الجمارك العراقي رقم 23 لسنة 1985، بغداد.
7- قانون الجمارك اللبناني رقم 422 لسنة 1945، بيروت.
8- قانون الجمارك السوري رقم 9 لسنة 1975، دمشق.
9- قانون العقوبات المصري لسنة 1937، القاهرة.
10- قانون الجمارك القطري، الدوحة.
11- القاضي خالد القطب/ محاضرة حول قانون الجمارك الأردني.
12- الأستاذ عايد الطراونة – جريمة التهريب / عمان 1996.
13- الأستاذ عدنان المومني / عبد العزيز العرواني / محاضرة حول المحاكم الجمركية والنيابة العامة الجمركية / 2002.
14- الأستاذ فايز الفاعوري / جريمة التهريب الجمركي / عمان.
15- الأستاذة: كفاح مضفي حميمات / الدعوى الجمركية / عمان / 1993.
16- الأستاذ مضفي حميمات “عبء الإثبات في التشريع الجمركي” عمان 1994.
17- الأستاذ نوري عبيدات / دراسة تحليلية لقانون الضريبة على المبيعات/ عمان 1995.
18- المبادئ القانونية لمحكمة التمييز في القضايا الجزائية المنشورة في مجلة نقابة المحامين منذ بداية 1953 حتى نهاية سنة 1982.
19- مجلة نقابة المحامين / ملحق خاص بالأحكام الجزائية الصادرة عن محكمة استئناف الجمارك / عمان 1993.
دراسة قانونية و بحث حول جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه و القضاء