نظرة قانونية حول التاريخ السياسي للدستور
موفق محادين
صدر اول قانون اساسي للاردن عام 1928 وكان رئيس الحكومة هو حسن ابو الهدى ومعه توفيق ابو الهدى ( سوري وفلسطيني) وابراهيم هاشم.
وصدر اول دستور للاردن عام 1946 وكان ابراهيم هاشم رئيسا للحكومة ومعه سمير الرفاعي.. اما دستور 1952 فقد مر باكثر من محطة:
ففي كانون ثاني 1950 تشكلت لجنة سياسية لصياغة هذا الدستور برئاسة ابراهيم هاشم وعضوية سمير الرفاعي واحمد الطراونة وابراهيم هاشم , وفلاح المدادحة وانسطاس حنانيا, وانور نسيبه وعبدالله غوشه وعبداللطيف صلاح.
اما الحكومة التي رافقت ذلك فكانت برئاسة توفيق ابو الهدى ومعه فلاح المدادحة وسعيد المفتي وفوزي الملقي وروحي عبدالهادي وموسى ناصر والشنقيطي وخلوصي الخيري.
وبعد اغتيال الملك عبدالله الاول في تموز 1951 واصلت اللجنة عملها في عهد الملك طلال وصدر الدستور في كانون الثاني من عام 1952 وقد تعرض الدستور لمجموعة من التعديلات كانت موضوع ضغط شعبي متواصل للتراجع عنها ومنها ما شملته التعديلات الاخيرة.
ففي عام 1958 وخلال حكومة ابراهيم هاشم ثم حكومة سمير الرفاعي (ضمتا احمد الطراونة وعاكف الفايز وفلاح المدادحة وسالم البخيت وانسطاس حنانيا وسامي جوده) كان من ابرز التعديلات المذكورة:
1- توسيع غطاء اصدار القوانين المؤقتة.
2- تضييق حالات التجريم فيما يخص انتهاكات الحريات العامة والاعتقال والاحتجاز وخلافه, ونقل رئاسة لجنة تفسير الدستور من رئيس اعلى محكمة نظامية الى رئيس مجلس الاعيان, كما لاحظت دراسة للزميل يحيى شقير.
اما لجنة تعديل الدستور الاخيرة في عهد حكومة معروف البخيت الثانية فضمت احمد اللوزي واحمد الطراونة وفيصل الفايز وطاهر المصري وطاهر حكمت ورجائي المعشر وسعيد التل ومروان دودين وراتب الوزني ورياض الشكعة.. ويلاحظ مما سبق:
1- ان دستور 1952 يعود للملك عبدالله الاول وليس للملك طلال.
2- المحطات السياسية للدساتير المختلفة والتي ارتبطت في كل مرة بالطابع الاقليمي (من اقليم) للاردن ودوره في المنطقة كما في عبوره لحالة انتقالية قلقة تتعلق بهذا الدور.
فحتى عام 1928 الذي صدر فيه النظام الاساسي الاول وترافق مع نجاح الاردن في مواجهة الهجمات الوهابية, لم تكن بريطانيا قد حسمت اعترافها بالاردن. وبعد اندلاع الحرب الثانية وازدياد نفوذ العصابات اليهودية في فلسطين وبرنامجها لتهجير الفلسطينيين عادت اصوات بريطانية تتحدث عن خيارات اخرى حول الاردن, الى ان حسمت لندن قرارها ووقعت مع الاردن معاهدة جديدة رافقها دستور 1946 والذي سرعان ما اقتضى صيغة جديدة (دستور 1952) بعد تطورات القضية الفلسطينية ودمج ما تبقى من فلسطين في الدول الاردنية.
كما ان تعديلات 1958 جرت في ظل اشتداد الحرب الباردة والنفوذ الامريكي في المنطقة مقابل النفوذ القومي المتزايد لعبدالناصر وحزب البعث في المنطقة..
وتأتي التعديلات الاخيرة في ضوء ازمة النظام الرأسمالي العالمي ومحاولاته تجديد نفسه في الاطراف العالمية عبر سرقة الثورات الشعبية وتحويلها الى ثورات ملونة.. وكذلك في ضوء المشاريع المختلفة لتحريك التسوية على الجبهة الثلاثية, الاردنية – الفلسطينية و(الاسرائيلية).
وليس بلا معنى توسع التعديلات الاخيرة في الحريات العامة والشخصية والاحتفاظ بالشكل السابق للعلاقة بين السلطات.
من اللافت للانتباه حول التعديلات الدستورية الاخيرة ان معظمها سبق ودعا لها الاستاذ نجيب الرشدان في محاضرة في المنتدى الديمقراطي بتاريخ 27/12/1995 وفق وثائق يحتفظ بها عبدالله حموده, رئيس المنتدى, ومن ذلك التوسع في الحريات الفردية الاساسية, والعودة عن تعديلات 1958 حول ظروف القوانين المؤقتة, وحول المحكمة الدستورية (لم يؤخذ بها ضمن حيثيات الرشدان).
اما ابرز هذه التعديلات فهي:-
اولا, في الحريات العامة, ايا كانت السياقات العامة لهذه التعديلات والاحتفاء بالفرد وبعض حقوقه بمعزل عن التحولات الاقتصادية – الاجتماعية الشاملة المطلوبة, وسيادة الدولة والامن القومي العربي, وسواء جاءت هذه التعديلات في سياق الحراك الشعبي او الثورات الملونة والبرتقالية, فابرزها ما ورد في الفصل الثاني الخاص بحقوق الاردنيين وواجباتهم فالمادة السابعة – 2 المقترحة تجرم الاعتداء على الحقوق والحريات وحرمة الحياة الخاصة, وتجرم التعذيب الجسدي والمعنوي, والمادة 16 تؤكد انه لا تخضع المراسلات والمخاطبات عبر وسائل الاتصال المختلفة, للمراقبة الا بأمر قضائي (شرط يحتاج الى شروط اخرى).
كما توفر المادة 6/2 غطاء غير مسبوق للاردنيين في المقاومة بتأكيدها على ان الدفاع عن الوطن وارضه ووحدة شعبه واجب مقدس على كل اردني وثمة تعديلات اخرى مهمة, منها حصر القوانين المؤقتة في حالات محددة هي الكوارث والحرب والنفقات التي لا تقبل التأجيل كما كانت قبل تعديلات .1958
ثانيا, حافظت التعديلات على المواد السابقة من 33 الى 36 التي تنظم علاقة الملك بالسلطات الثلاث ومنها اعلان الحرب وعقد الصلح وابرام المعاهدات والاتفاقات وتعيين رئيس الوزراء واعضاء مجلس الاعيان.
ثالثا: اضافة الى غموض الاجراءات والسياقات العامة لاختيار اعضاء المحكمة الدستورية وضماناتها ايضا, ثمة مادة ملتبسة اصلا ولم يبدد التعديل شيئا من هذا الالتباس وعلاقته بالسيادة والخيارات السياسية للدولة التي لعبت دورا مهما وحاسما في المحطات المختلفة من التاريخ السياسي للدستور وتعديلاته 1928 و 1946 و 1952 و 1958 ومجمل المناخات التي ترتبط بالعلاقة الاردنية – الفلسطينية والصراع العربي – الاسرائيلي. فاما المادة المقصودة, فهي المادة 33-ب التي صارت كما يلي:
معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة والمعاهدات الاخرى التي يترتب عليها: تعديل في اراضي الدولة – نقص في حقوق سيادتها – تحمل خزائنها شيئا من النفقات – مساس بحقوق الاردنيين العامة والخاصة.. لا تكون نافذة الا بموافقة مجلس الامة وتطابق شروطها السرية مع العلنية ووجه الغرابة هنا, هل يجوز لمجلس الامة اصلا ان يوافق على المساس بحقوق الاردنيين في السيادة والارض.. والاصل عدم جواز او تجويز اي من هذه المعاهدات واعتبارها باطلة وتتناقض مع السيادة والامن الوطني والقومي.
نظرة قانونية هامة حول التاريخ السياسي للدستور