لا للمحامي المراسل – بقلم المحامي علي العريان

لعل ظاهرة الإنابة هي أبشع حالة يومية يعاني منها المحامي في قاعات وممرات المحاكم، فقد باتت أغلب مكاتب المحاماة – ومنها مكاتب عريقة وذات صيت وسمعة – تمتنع عن تعيين محامين لديها ودفع رواتب لهم وتعتمد على المحامين الموجودين في المحكمة، حيث يذهب مندوب المكتب بملفاته إلى المحكمة ويبحث عن أي محام كي يمثل بملفاته أمام القاضي، بما يعد إهدارا لحق الموكل صاحب القضية وخيانة من قبل المحامي صاحب المكتب لأمانة مهنته التي حملها إياه موكله ..

هذه الظاهرة القبيحة والبشعة هي مصدر صداع وإزعاج يومي للمحامي الملتزم الذي يحضر المحكمة، بينما يغط محام آخر في سبات عميق في فراشه أو يتفرغ لأعمال أخرى خارج نطاق المهنة، ويلقي بملفات موكليه في ممرات المحاكم وبينها في كثير من الأحيان قضايا حساسة ومصيرية بالنسبة للموكل المسكين والذي لا يعلم بمدى واقع الإهمال واللامسؤولية التي يمارسها محاميه.

ظاهرة الإنابة مسيئة للمحامي صاحب المكتب وللمحامي الحاضر في المحكمة وللموكل وللمندوب، فالمحامي الذي قد يحضر بالملف تطوعا أمام المحكمة ودون مقابل يمر كثيرا بأوقات عصيبة ويوضع في مواقف حرجة أمام القضاة، إذ أنه وبطبيعة الحال يحضر بملف لا يعلم مضامينه ولم يلتق بصاحبه قط ولم يعرف قضية موكله ولا درس جوانب قضيته القانونية، كما أنها ظاهرة مسيئة للمحامي الحاضر لأنها لا تتركه يستغرق في أوقات الانتظار الطويلة بالقراءة أو التأمل أو الحديث دون مقاطعة مستمرة من قبل المناديب الكثر في المحكمة بما يجعلها مسألة مستفزة بملاحظة أنها تصبح نمط حياة يومي للمحامي في قاعات المحكمة، علاوة على ذلك فقد انتهت أحكام محكمة التمييز إلى تحميل المحامي الحاضر مسؤولية بعض الأخطاء التي تقع نتيجة حضوره بالتضامن مع المحامي الأصيل، بل إن ظاهرة الإنابة قد تورط المحامي الحاضر بشبهات جنائية دون علم كما لو استلم جواز سفر ثم اتهمه المندوب بعدم تسليمه إياه وخيانة الأمانة، وكما لو تضمنت حافظة المستندات أوراقا مزورة.

والظاهرة مسيئة للمندوب أيضا لأنه يضطر يوميا لأن يستجدي من المحامين الحضور نيابة عن محاميه الغاط في سباته العميق، فإذا لم يجد المندوب المسكين من يقبل بالحضور صب صاحب مكتبه جام غضبه على رأسه وحمله ذنبه.

وهذه الظاهرة مسيئة للموكل الذي دفع أتعابا – قد تكون باهظة في بعض الأحيان – ليترك ملفه يهيم في المحاكم فتشطب دعواه تارة وينسى تقديم أوراق مهمة في القضية تارة أخرى وتجتر الأخطاء هكذا دواليك.

وعموما فإن هذه الظاهرة الشنيعة هي تعزيز للرأسمالية الجشعة على حساب حقوق العامل، فالمحامي صاحب رأس المال يمتنع عن تعيين المحامين أو يعينهم بأبخس الرواتب معتمدا على أولئك المحامين المتطوعين الذين يحمون ظهره في المحاكم، والغريب أن المحامي العامل لا يدرك أنه حين يحضر بملفات الإنابة إنما يعين على نفسه ويعزز حالة تدني راتبه ويحط من قدر المهنة والصورة النمطية للمحامي المراسل أمام المجتمع وأمام القضاة.

أخيرا فإن هذه الظاهرة تعزز حالة مكاتب التضمين أيضا، والتي يديرها وافدون لحسابهم الخاص مستولين على حق المواطن بممارسة هذه المهنة وفقا للقانون الذي حظر عليهم ذلك، وبالتالي فالمحامي الذي يحضر لهؤلاء يحارب مهنته من حيث لا يعلم ثم يشتكي من تدني الأتعاب وعدم تقدير الموكلين للجهود الجبارة الذي يبذلها المحامي.

هذه دعوة للزملاء الكرام في جمعية المحامين الكويتية وكافة الزملاء للتعاون لمكافحة هذه الظاهرة من خلال الامتناع عن حضور الإنابة من مندوب، وقصر ذلك على المحامي الحاضر الذي يضطر لإنابة زميل بسبب تضارب أوقات جلساته، فطالما أنه حضر واحترم مهنته فهو يستحق أن نعمل بالواجب الأخلاقي الذي يقرره قانون تنظيم المهنة ونحضر بالنيابة عنه إذا احتاج، أما المحامي صاحب المكتب الذي يعاني من كم من القضايا لا يستطيع أن يحضرها فليتزحزح ويترك البخل ويعين محامين في مكتبه يحضرون في قضاياه، وإلا فهو جدير بإغلاق مكتبه إن لم يقو على القيام بأعبائه

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

مقال قانوني حول المحامي المراسل