الموت الرحيم .. قرار صائب أم جريمة بحق الإنسانية؟

المحامية غادة إبراهيم: القوانين اللبنانية تعتبره نوعاً من القتل وعقوبته عشر سنوات على الأكثر

بيروت: زينة ملك

جريدة الشرق الأوسط – استشارات قانونية

القتل الرحيم، الموت الرحيم، رصاصة الرحمة، كل تلك العبارات تدل على امر واحد وهو: انهاء عذاب مريض استحال شفاؤه، وذلك بواسطة اساليب طبية غير مؤلمة. هذا الموضوع ليس جديداً، اذ ان الشعوب والقبائل البدائية كانت تمارسه، فكانت مثلاً تقتل الكسيح لانه يعيق القبيلة في تنقلاتها او تدفن اصحاب الامراض المعدية احياء لاسباب وقائية، الا ان الحياة نعمة من الله، والروح الانسانية هبة اعطانا اياها رب العالمين لنحيا بها، وهذا امر يفوق قدرة الانسان لان اخذ الروح وانهاء حياة الاشخاص رهن بارادة الله فقط، ولا يحق لانسان ان يقرر مصير انسان آخر او حتى مصيره بنفسه.

من هنا اثار الموت الرحيم جدلاً كبيراً في الاوساط الاجتماعية وانقسمت آراء الناس بين مؤيدين ومعارضين، فمنهم من رفض رفضاً تاماً مناقشة المسألة حتى لو كان المريض على فراش الموت ينازع ويحتضر، فيما شجع البعض الآخر على اتخاذ مثل هذا القرار لكونه حسب رأيه، الحل الانسب لوقف عذاب وآلام المريض وبالاخص آلام ذويه.

وللوقوف على موضوع الموت الرحيم في لبنان كان لا بد لـ«الشرق الأوسط» من معرفة موقف الدين والوقوف على رأي الطب والقانون.

بداية يفسر الطب الموت الرحيم على انه عملية مساعدة المريض على الانتهاء من عذاباته الاليمة، وبالتالي هي عملية تسريع انهاء حياة مريض وتقصير حالات الالم التي لا امل في الشفاء منها، كذلك مساعدة اهل المريض في تخفيف العذاب الذي يعيشون فيه جراء مشاهدة مريضهم في حالة يرثى لها. وهي تنفذ في الحالات المرضية التالية:

الحالة الاولى: الكوما في درجتها القصوى الرابعة، التي يكون فيها المريض في حالة تنفس صناعي بسبب غيبوية متقدمة مع اضرار قوية في الدماغ.

الحالة الثانية: الامراض المستعصية المسببة للاوجاع الاليمة، كالسرطان وخصوصاً انتشاره في كل الجسم.

الحالة الثالثة: التهاب الرئة المزمن الذي يمنع المريض من التنفس الا بواسطة الالات (تنفس صناعي)، الى ما هنالك من حالات صعبة ومستعصية ولا امل لها بالشفاء طبياً. اما عن الاساليب المعتمدة في البلدان المتقدمة لوضع حد لعذاب المريض الميؤوس من حالته فهي:

  • ـ ايقاف عمل الآلة.
  • ـ تخفيف كمية الاوكسجين.
  • ـ اعطاء المريض ادوية خاصة على مراحل تؤدي الى توقف عمل القلب.

واول دولتين في العالم اقرتا الموت الرحيم، هما هولندا وبلجيكا، فمنذ حوالي سنتين صدر قانون في مجلس النواب الهولندي، وبعد سنة في بلجيكا، بتنفيذ الموت الرحيم في الحالات المستعصية، وللمرة الاولى في تاريخ البشرية ينظم الموت الرحيم على الصعيد المدني والاجتماعي والقانوني، وحالياً في فرنسا تجري المحاورات والنقاشات حول تطبيقه، الا اننا في لبنان لا نملك بعد القانون الذي يسمح بالموت الرحيم، وبالتالي فإن القيام به يعتبر جريمة يُعاقب عليها صاحبها، كما انه من الصعوبة جداً على الطبيب ان يقدر ما اذا وصل المريض الى مرحلة الموت ام لا. ويقر الطب بان هذا المريض هو في حالة صحية متدهورة وبأنه ميؤوس من شفائه فقط في حال اقرت الاثباتات العلمية الواضحة ان الدماغ قد توقف وتوقفت كهرباء الرأس ولم يعد الدم يمر في شرايين الدماغ، وبعد ان يكون الفحص السريري اجمع على توقف التنفس الطبيعي.

وحول رأي القانون بالموت الرحيم تقول المحامية غادة ابراهيم: «القتل الرحيم مفهوم جديد لم تأخذ به تشريعاتنا وقوانيننا، وكما العديد من التشريعات في بلدان كثيرة، انه وضع حد لحياة انسان مريض بمرض لا شفاء منه، واهم شروطه ان يكون موت هذا الانسان رحمة له، لان الآلام التي يعاني منها بسبب مرضه هي اصعب واقسى من ان تُحتمل، وبالتالي يكون خلاص هذا الانسان هو موته، وقرار انهاء الحياة هو قرار على قدر كبير من الخطورة ولا يمكن للاطباء تقديره او لذوي المريض الذين هم اصحاب الشأن في التقدير اذا كان المريض غير واعٍ. اما القوانين الحالية فقد جرمت هذا النوع من القتل وعاقبت عليه بالحبس حتى عشر سنوات على الاكثر وان لم تذكره بالتسمية ذاتها، اذ جاء نص المادة 552 عقوبات بعبارة عامل الاشفاق، مع شرط اضافي هي ارادة المريض نفسه، حتى الحاحه في الطلب بعبارة اخرى، كما عبرت عن هذه الحالة المادة المذكورة: «يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الاكثر من قتل انساناً قصداً بعامل الاشفاق بناء على الحاحه في الطلب».

وتضيف المحامية ابراهيم: «هذه الشروط تنطبق على الموت الرحيم من حيث التعبير القانوني، اي حالة الاشفاق على الضحية وان لم تذكر الاسباب الصحية كالمرض او الالم، بل ترك الاشفاق بمعناه العام، اضافة الى شرط الحاح المريض وليس موافقته فقط. ورغم هذين الشرطين فرض القانون عقوبة عشر سنوات حدا اقصى، اي اقل من جرائم القتل العادية». وتختم حديثها بالتالي: «هنا يمكننا القول ان القانون اللبناني اعتبر الموت الرحيم ظرفاً مخفضاً للعقوبة وان دافع الاشفاق يخفف العقوبة من دون ان ينفي ان عنصر التجريم والنقاش القانوني لم يحسم حول هذه القضية الجدلية، التي يستلزم قبولها ظروفاً موضوعية تبدأ بالصدقية الطبية، واهمية رأي الاطباء في تحديد حالات الموت الرحيم نقطة اساسية لتوصيفها، الى جانب صحة التقارير والابحاث ومدى امكانية اعتماد القضاء عليها، يضاف الى ذلك ان تقبل هذه الفكرة في مجتمعاتنا ما زال صعباً نظراً للايمانية المطلقة التي يتعاطى بها الناس مع مثل هذه الحالات».

ماذا يقول الناس في الموت الرحيم؟

وكان لا بد لـ«الشرق الأوسط» ان تقوم بجولة سريعة على بعض المواطنين للوقوف على آرائهم، وبعد هذه المحطة من الاسئلة التي وجهناها الى الناس استخلصنا النتائج التالية:

يقول نوفل نوفل، الرئيس السابق لمصلحة مصافي المياه في الشمال: لا يجوز الموت الرحيم، لانه لا يجوز على الانسان ان يضع حداً لحياة الغير، فالروح هي ملك لله، وهو وحده حرّ في اخذها او تركها ومتى يشاء. والطب يجب ان يجد دواء لهذا المرض المستعصي وانا ضد توقيف العلاج للمريض الميؤوس من شفائه لان العلم اليوم يتقدم بشكل سريع ورهيب، لذا اتمنى الابقاء على حياة المريض وليحاول الاطباء ان يخففوا من آلامه باعطائه المسكنات على امل ان نجد دواء لهذا المرض العضال.

اما اياد ضناوي، استاذ مدرسة وشاعر فيذكر: من وجهة نظري، فإن فكرة الموت الرحيم آتية من المجهول، وبالتالي فهي ليست موجودة في اية ديانة، كما انه لا يجوز ولا بأي شكل من الاشكال حتى لو كان المريض على فراش الموت وكان يحتضر ولو طلب بذاته هذا الطلب وبعد موافقة الاهل لان ذلك يعتبر جريمة قتل.

فيما تقول ليلى جبور: تنفيذ الموت الرحيم هو تدخل الانسان في مشيئة الله، فالرب وهب الحياة والرب سيأخذها. واضافت قائلة: صحيح ان الموت الرحيم يضع حداً للألم والعذاب التي يتحمله المريض ولكن من يملك جرأة هذا القرار الاليم.

طوني سابا تحدث قائلاً: الموت الرحيم هو اسلم طريقة لوضع الحد للحالات المرضية الميؤوس منها، وهو يهدف الى اراحة المريض من آلامه، فخسارة المريض تسمح لاهله بتقبل المأساة بشكل اسهل عوضاً عن رؤيته معزولاً في مرضه وعذابه وغيبوبته الى اجل غير مسمى.

اما سيمونا رحمة فتعقب: ان اتخاذ قرار كهذا يحمل صاحبه مسؤولية كبيرة. انني ارى ان فكرة الموت الرحيم هي ممارسة لفعل القتل، وهو امر محرم دينياً وقانوناً. فيمكن ان نساعد المريض باعطائه ادوية، تؤمن له الراحة الجسدية، ولكن لا نملك ان نقرر مصير مريض لان الحياة ملك لله وحده.

ويقول هاني مراد: اذا كان الموت محتماً، فلماذا نترك هذا المريض يتعذب ويقاسي. الموت الرحيم هو الحل، على ان يتم ذلك من دون عذاب او آلام. وعلى الاهل استيعاب هذا الامر لاراحة مريضهم من دائه المستعصي، والتأكد ان هذه الخطوة لم تؤخذ الا بعد فقدان الامل نهائياً بالشفاء.

اما رنا نعمة فتحدثت قائلة: الموت الرحيم هو وسيلة جيدة لاراحة المريض من آلامه والتخفيف من عذاباته الاليمة. فمن حق المريض ان يموت بطمأنينة وراحة، ودور الاطباء يكون بإقناع الاهل بالقيام بهذا العمل الواعي والجريء.

القتل ( الموت ) الرحيم دراسة متميزة