الحجز على السّفينة في القانون العماني والاتّفاقيات الدّوليّة

دراسة تحليلية مقارنة

Detention the Ship in Omani law and international agreements

Comparative analytical study

د. نجم عبود مهدي

Najm Abbood Mahdi

أستاذ القانون المساعد – جامعة ظفار -سلطنة عمان

 

الملخص

تناولت هذه الدّراسة الحجز على السّفينة من خلال قواعد القانون البحري والعماني وأهم الاتّفاقيات الدّولية التي تناولت هذا الموضوع. وقد بينت الدّراسة الحجز التّحفظي على السّفينة في القانون البحري العماني والاتّفاقيات الدّولية، وهذا الحجز ضروري من أجل منع السّفينة من الهرب وإيجاد الدّائن مالاً للمدين ،يمنكه من التنفيذ عليه بعد الحصول على سند تنفيذي بموجب حكم قضائي. وفي حال عدم قيام المدين بتسديد ما عليه من دين ،يتم اللّجوء إلى الحجز التنفيذي الذي يتم من خلاله بيع السّفينة المحجوزة في مزاد علني تحت إشراف إدارة التنفيذ من أجل استيفاء الدائن لحقه.

Abstract

This study dealt with arrest of the ship through the rules of maritime law of Oman and the important international conventions that dealt with this subject. The study showed the arrest of the ship in the Omani maritime law and the international conventions. This type of detention is necessary to prevent the ship from escaping and finding the creditor money to the debtor to enable him to implement it after obtaining an executive bond under a court order. In case that the debtor fails to pay its debt, an executive arrest of the sale of the reserved ship shall be made at an auction under the supervision of the Execution Department in order to satisfy the creditor.

المقدمة

تقوم السّفينة بالملاحة البحرية فتجوب البحار والمحيطات، وتتعرض لشتى أنواع الأخطار، لذلك وُضعت قواعد قانونية دولية ووطنية من أجل سلامة السّفينة وتنظيم العمل على ظهرها. واستغلال السّفينة في النّقل البحري يتطلب نفقات كثير تجعل مجهز السّفينة أو مالكها بحاجة دائمة إلى الائتمان مما دفع الدّول إلى إدراج قواعد قانونية تقرّر فيها حقوق مُعينة وذلك لضمان وفاء المجهز بالديون التي بذمته خاصة عندما تحتاج السّفينة إلى تدخل دائنين تستفيد من دينهم خلال الرّحلة البحرية في موانئ الدول المختلفة لمواصلة الرّحلة.

عند مطالبة الدائن مالك السفينة، أو مجهزها بالوفاء بالدين الذي بذمته ولم يف بأدائه اختيارياً، يجوز للدائن إتباع طريق التنفيذ الجبري ضد مدينه بأحدى صورتين: الأولى، التنفيذ المباشر لحصوله على محل حقه مباشرة عندما لا يكون نقوداً، والصورة الثانية، التنفيذ بالحجز والبيع عندما يكون محل حقه مبلغاً من النقود باتخاذ إجراءات الحجز على مال المدين، وبيعه بالمزاد لاستيفاء حقه من حصيلة التنفيذ([1]).

والحجز على السّفينة يعني ضبطها ، وتوقيفها بموجب إجراء قضائي، أو بقصد اتخاذ إجراء قضائي لاحق للحجز، ويختلف الحجز على السّفينة عن حجز أو توقيف السّفينة بموجب إجراء إداري، فإذا قيل تمّ حجز السّفينة أو توقيفها فينصرف الذّهن إلى الإجراء الإداري الذي تتخذه هيئات الميناء ضد سفينة مخالفة، أما إذا قيل تمّ الحجز على السّفينة، فذلك يعني مباشرة إجراءات قضائية ضد السّفينة. وإذا كانت السّفينة دائنة فيحق لها أن تطالب المدين بحقها، أما إذا كانت مدينة يحق للدائنين مطالبتها بحقوقهم، واتخاذ إجراءات الحجز عليها حتى يضمن الدائن عدم مغادرتها الميناء الراسية فيه ، واستكمال إجراءات المحاكمة ، وصدور حكم بإلزامها([2]).

الحجز نوعان حجز تحفظي، وآخر تنفيذي، والهدف من الأول هو إيجاد الدائن مالاً عائداً لمدينه كي يستطيع التّنفيذ عليه بعد حصوله على سند واجب التّنفيذ، وفي هذه الحالة لا يستطيع المدين من تهريبه، فالحجز التّحفظي صورة من صور الحماية القضائية الوقتية للحق، ولا يعتبر وسيلة لاقتضاء الحق، بل مجرد إجراء تحفظي وقتي لضمان حق الدائن، أما الهدف من الحجز التنفيذي هو بيع المال المحجوز بالمزاد العلني بإشراف دائرة التنفيذ لاسيتفاء الدائن دينه([3])، ويتحول الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي، كما قد يكون الحجز تنفيذياً من البداية.

يخضع الحجز على السفينة لقواعد خاصة منظمة في القانون البحري و الاتفاقيات الدولية، إلى جانب القواعد العامة الواردة في قانون المرافعات، ففي سلطنة عمان صدر مرسوم سلطاني بالرقم 35 لسنة 1981 بإصدار القانون البحري العماني([4])، إذ تناول هذا القانون الحجز على السّفينة في المواد 187-207، وصدرت العديد من الاتّفاقيات الدّولية التي تناولت الحجز على السّفينة منها اتفاقية بروكسل للحجز التحفظي لعام 1952([5])، واتفاقية جنيف للحجز على السفينة لعام 1999([6]).

يُعد الحجز على السّفينة من أهم الإجراءات القانونية التي تخول الدائن المحافظة على حقوقه، فهو إجراء قانوني وقائي ممنوح أمر تقريره للمحكمة، بناء على طلب الدائن بعد توافر شروط معينة وفقاً لإجراءات معينة منصوص عليها قانوناً، لذلك فإن موضوع الحجز على السّفينة يحتل أهمية كبيرة من النّاحية العملية، خاصة في نطاق الإجراءات القضائية، ونظراً لأهميّة الحجز عامة، والحجز التّحفظي خاصة فقد عقدت معاهدات دولية خاصة بهذا الحجز ولذلك لضمان عدم هروب المدين حتى لو كان محل الحجز (السّفينة) في دولة أخرى غير الدّولة المسجّلة فيها السّفينة.

ينطلق البحث من اشكالية تنظيم القوانين الوطنيّة، والاتّفاقيات الدّولية لأحكام الحجز على السّفن، ومحاولة تحقيق التّوازن والتّوفيق بين المصالح المتعارضة للدائن والمدين، وحماية الآخرين من أن تمس حقوقهم نتيجة لإجراءات الحجز، وقد تنقلب ممارسة حق الحجز على السّفينة لتصبح تعسفاً، وتشكل اعتداء على حقوق المدين وخاصة حق الملكية إذ إن الحجز يقيد من حريته في استعمال أمواله واستغلالها والتّصرف فيها، لذلك ونحن بصدد البحث عن إشكالية البحث يطرح تساؤل وهو: ما مدى فاعلية نظام الحجز على السّفينة في ضمان حقوق كل من الدائن الحاجز ، والمدين المحجوز عليه والآخرين الذين ربما تعرضت مصالحهم من جراء هذا التصرف؟

وهل غطت الاتّفاقيات الدّولية الخاصة بالحجز على السّفينة الفراغ القانوني عند هروب السفينة ورسوها في موانئ أجنبية؟

الإجابة على الإشكاليات السابقة تتوضح من خلال دراسة، وتحليل أحكام الحجز التّحفظي على السّفينة في ظل القانون البحري العماني، والاتّفاقيات الدّولية التي عقدت بهذا الخصوص، متبعين بذلك المنهج الاسّتقرائي التّحليلي، إذ سأقوم باستقراء النّصوص القانونية العمانية الخاصة بالحجز على السّفينة، وتحليلها تحليلاً علمياً مبنياً على دراسات علمية، وكتابات سابقة، مع اعتمادي قليلاً على المنهج المقارن وذلك بمقارنة النّصوص القانونية في القانون البحري العماني مع الاتفاقيات الدّولية الخاصة بالحجز على السّفينة.

قمت بتقسيم هذا البحث إلى مقدمة ومطلبين بالإضافة إلى الخاتمة، تناول المطلب الأول الحجز التحفظي على السّفينة في القانون العماني، والاتفاقيات الدّولية، ويبحث المطلب الثاني في الحجز التنفيذي على السفينة في القانون العماني.

المطلب الأول: الحجز التحفظي على السفينة في القانون العماني والاتفاقيات الدولية

يعتبر الحجز التحفظي ضبطا لمال المدين المحجوز عليه ووضعه تحت يد القضاء لمنعه من التّصرف فيه تصرفاً يضر بحق الحاجز([7])، أما اتفاقية بروكسل الصّادرة في عام 1952 فقد عرفته بأنه “منع السّفينة من التّحرك بإذن السّلطة القضائية المختصة ضماناً لدين بحري…”([8])، ولا يلزم لوقوع الحجز التّحفظي أن يكون بيد الدائن سند تنفيذي، بل يكفي الحصول على إذن قضائي به، لأنّ الهدف منه التّحفظ على المال المحجوز، كما أنه لا يشترط اتخاذ مقدمات التّنفيذ، لأنّ الغاية منه مفاجأة المدين خشية تهريب أمواله، أو التّصرف فيها. وقد أكدت اتفاقية بروكسل على أنّه “لا يجوز الحجز على السّفينة إلا بإذن من المحكمة، أو من السّلطات القضائية المختصّة في الدّول المتعاقدة التي يجري فيها توقيع الحجز”([9])، وهذا ما نصّت عليه المادة (193) من القانون البحري العماني لعام 1981 بقولها “يوقع الحجز التّحفظي على السّفينة بموجب أمر من السّلطة القضائية المختصّة، ويحرّر محضر في ذلك”([10]).

وتكمن أهمية الحجز التحفظي على السفينة عندما لا يكون تحت يد الدائن سند تنفيذي بحق مالك السّفينة أو مجهزها، وخشيَ الدائن هروب السّفينة ،أو قيامها برحلة بحرية، وبذلك يتم توقيف السّفينة حتى يتسنى للدائن الحصول على سند تنفيذي بحقه، والقيام بإجراءات الحجز التنفيذي عليها – إذا لم يقم المدين بأداء ما عليه من ديون – تمهيداً لبيعها واستيفاء حقه من ثمنها. وتزداد أهمية الحجز التحفظي خاصة على السّفينة الأجنبية التي قد تغادر الميناء ولا تعود إليه مرة أخرى، فيتم اتخاذ إجراءات الحجز عليها للحيلولة دون فرارها حتى تدفع ديونها، أو تقدم كفالة كافية لاستيفاء هذه الدّيون، لذلك يجوز توقيع الحجز التّحفظي في كل حالة يثبت فيها الدائن وجود مخاوف لفقد ضمان حقه، ومع ذلك يجب على طالب الحجز إثبات القرائن والظروف التي تبعث على الخشية والخوف من أن يفقد ضمان حقه لدى المدين، ويخضع تقدير الخشية والخوف لتقدير القاضي في ضوء الظروف والملابسات([11]). ونظراً لأهمية الحجز التّحفظي على السّفن، فقد قامت معظم التّشريعات البحرية الوطنية بتنظيم أحكامه([12])، ومنها القانون البحري العماني الذي بين الحجز التّحفظي في المواد 188-194، فيما تناولت اتفاقية بروكسل لعام 1952 الحجز التّحفظي في المواد من 1-18.

والملاحظ أن العديد من القوانين لم تتضمن أحكاماً تخص الحجز التحفظي مثل قانون التّجارة الفرنسي([13]) والقانون البحري الأردني([14])، والسبب يرجع إلى أن هذا النّوع من الحجز يؤدي إلى تعطيل السّفينة ومنعها من استغلال نشاطها، كما يؤثر هذا التّعطيل على آخرين في السّفينة وهي على أهبة السفر([15]).

أولاً: الديون التي يجوز بموجبها إيقاع الحجز التّحفظي

بالاستناد إلى المادة (188) من القانون البحري العماني، لا يجوز إيقاع الحجز التحفظي على السّفينة إلاّ وفاء لدين بحري، حيث أوضحت المادة المذكورة ” أنه يعتبر ديناً بحرياً كل ادعاء حق أو دين مصدره إحدى الأمور التالية([16]):

أضرار متسببة عن سفينة سواء بالتّصادم أو خلافه.
خسائر في الأرواح والأبدان متسببة أو ناتجة عن استغلالها.
مساعدة أو إنقاذ.
عقود تتعلق باستعمال سفينة أو إيجارها بمشارطة إيجار أو بغير ذلك.
عقود تتعلق بنقل بضائع.
خسائر مشتركة
قطر السّفينة.
إرشاد السّفينة.
تزويد السّفينة.
أجور الربان والضباط والبحارة.
استغلال سفينة أو الحق في نتائج استغلالها.
المبالغ النّاجمة عن تزويد السّفينة بالمواد والأدوات بقصد استغلالها.
المبالغ التي تتعلق بصنع السّفينة أو إصلاحها وتجهزيها.
الأموال التي ينفقها الرّبان والشّاحن والمستأجرين لحساب السذفينة.
الرّهن البحري والديون التي تتعلق بتحديد مسؤولية مالك السّفينة أو مجهزها
ما يتعلق بالنّزاع حول ملكية السّفينة.
واشترطت اتفاقية بروكسل لعام 1952 لإيقاع الحجز التّحفظي على السّفينة أن

بحث قانوني مقارن حول الحجز على السفينة في القانون البحري والاتفاقيات الدولية