علاقة القواعد الموضوعية للشهادة بأدائها

تمهيـد:

اورد القانون المدني وقانون البينات القواعد العامة الموضوعية الخاصة بشهادة الشهود تاركين امر تنظيم الناحية الاجرائيية لقانون اصول المحاكمات المدنية الذي نظم مسألة سماع للشهود ومناقشتهم من خلال مواده (81و82)، فقد ذكر القانون المدني وفي المادة (80) منه ان: ( كل شهادة تضمنت جر مغنم للشاهد او دفع مغرم عنه ترد).
وهذه القاعدة تعتبر قاعدة عامة في الشهادة بحيث ترد كل شهادة اذا كان الغرض منها جر مغنم للشاهد او دفع مغرم عنه، كذلك فقد اوردت المادة (81) من القانون المدني الحالة التي يكون فيها الشاهد اخرس، حيث اوجب ان يعتد بإشارته المعهودة في شهادته وحلفه.

اما قانون البينات فقد خصص الباب الرابع منه للقواعد الخاصة بالشهادة، فجعل القاعدة العامة في الشهادة هي جواز الاثبات بالشهادة في الالتزامات غير التعاقدية، اما في الالتزامات التعاقدية فقد اورد احكاماً خاصة يجب مراعاتها لجواز الاثبات بالشهادة وعدم جوازه. كذلك فقد حدد قانون البينات بعض القواعد الموضوعية الاخرى التي لها مساس بالناحية الاجرائية، مثل اقرار الحق للخصم في دفع واقعة معينة بطريق الشهود متى اجيز ذلك للخصم الاخر، كما حدد هذا القانون ان للمحكمة سماع شهادة كل انسان ما لم يكن مجنوناً او صبياً لا يفهم معنى اليمين الا ان لها ان تسمع الصبي على سبيل الاستدلال.

اضافة الى ما سبق فقد وضع قانون البينات بعض الضوابط والقيود بخصوص الادلاء بالشهادة، وذلك عندما منع أي شخص من الشهادة على معلومات تتعلق بشؤون الدولة، كذلك منع الموظفين من الشهادة بما يكون قد وصل الى علمهم اثناء قيامهم بالعمل من معلومات لا يجوز اذاعتها، ومنع المحامين او الوكلاء او الاطباء من الشهادة حول معلومات علموا بها عن طريق مهنتهم، واخيراً فلا يجوز لأحد الزوجين افشاء دون رضى الاخر ما ابلغه اياه اثناء الزوجية ولو بعد انقضائها الا في حال رفع دعوى من احدهما على الاخر، ومتى كانت الشهادة جائزة ومتفقة مع القواعد الموضوعية للقانون من حيث انتاجيتها واتفاقها مع موضوع الدعوى، فان سماعها يجب ان يتم وفقاً لما رسمه قانون اصول المحاكمات المدنية من اجراءات .

وفي هذا الفصل، نتعرض للقواعد الموضوعية التي نص القانون عليها في موضوع الشهادة والتي ترتبط بالشهادة من حيث ادائها، ولتحقيق هذا الامر فاننا نقسم هذا الفصل الى الاقسام التالية:
اولاً: جر مغنم للشاهد او دفع مغرم عنه .
ثانياً: المنع من الشهادة .
ثالثاً: حالات الاثبات بالشهادة .

اولاً: جر مغنم للشاهد او دفع مغرم عنه:

نصت المادة (80) من القانون المدني على ان:
(كل شهادة تضمنت جر مغنم للشاهد او دفع عنه ترد) فينبغي الا تنصب الشهادة على وقائع تتعلق بشخص الشاهد والا كان له بها مصلحة، وبناء على ذلك يكون مصير شهادته الرد، ولمحكمة الموضوع والحالة هذه تقدير فيما اذا كانت الشهادة تجر مغنماً للشاهد او تدفع عنه مغرماً تبعاً لظروف الدعوى، ولا معقب عليها في ذلك المادة (1700) من مجلة الاحكام العدلية اشترطت الا يكون في الشهادة دفع مغرم او جر مغنم وهذا يعني الا يكون للشهود داعية لدفع المضرة وجلب المنفعة، وبناء على ذلك فاذا لم تؤثر الدعوى على مصلحة الشاهد سلباً او ايجاباً فلا يجوز حمل شهادته على جر مغنم او دفع مغرم .

وقد استقر الاجتهاد على ان الشهادة الغير مقبولة وفقاً لحكم المادة (80) من القانون المدني، هي تلك التي تجر مغنماً او تدفع مغرماً شخصياً عن الشاهد وعليه فاذا كان ولد المدعي وشقيقه ليسوا طرفاً في الدعوى فان شهادتهم لا تجر لهم مغنماً او تدفع عنهم مغرماً شخصياً، وبالتالي فانها تكون مقبولة ويتعين على المحكمة ان تزنها مع غيرها من البينات طبقاً لقاعدة تساند البينات.

ذلك ان المادة (80) من القانون المدني، قد نصت على ان كل شهادة تضمنت جر مغنم للشاهد او دفع مغرم عنه ترد، أي ان مدار المغنم او دفع المغرم تتعلق بالشاهد نفسه لا بغيره، وعملاً بذلك فعلى المحكمة ان تبين عند رد شهادة شقيق المدعىعليها وزوجها ما هو المغنم الذي يجرانه لنفسيهما اوالمغرم الذي يدفعانه عنهما من جراء هذه الشهادة، اذ ان كون الشاهد من اقارب احد الخصوم في الدعوى لا يمنع من قبول شهادته اذا اقتنغت بها المحكمة، وان مجرد علاقة القربى لا يبرر تطبيق المادة (80) من القانون المدني، الا اذا ثبت ا ن في شهادته جر مغنم شخصي له او دفع مغرم .

وليس في شهادة شقيق المدعي ما يوجب رد شهادته تطبيقاً لاحكام المادة (80) من القانون المدني طالما انها لم تجر له مغنماً ولم تدفع عنه مغرماً، وذلك بصرف النظر عن صلة القرابة التي تربطه بمن شهد له خروجاً عن قيود المادة (1700) من المجلة التي عدلت على صفة القرابة في عدم قبول الشهادة، والتي جاء في نصها بأن لا تقبل شهادة الاصل للفرع والفرع للاصل فلا تقبل شهادة الاباء والاجداد والامهات والجدات لاولادهم واحفادهم وبالعكس، أي شهادة الاولاد والاحفاد للاباء والاجداد والامهات والجدات وهكذا، شهادة احد الزوجين للاخر، واما الاقرباء الذين هم ما عدا هؤلاء فتقبل شهادة احدهم للاخر.

واما حكم المادة (80) من القانون فيوجب رد الشهادة اذا كانت تضمن مصلحة للشاهد وله علاقة بالدعوى ولا تكن شهادة الشهود مردودة لمجرد صلة القرابة بالمشهود له، اذ لا مغنم لهم فيما يستحقه المدعي، وعليه فليس للمميز الذي دعا الشهود وهم المدعي واولاده للشهادة، ان يعترض على شهادة اولاد المدعي لان الشهادة التي بمقتضى المادة (80) من القانون المدني هي للشاهد ذاته مغنم فيها او تدفع مغرم عنه، وهذا غير متوفر بالنسبة لاولاد المدعي.

وان المدعى عليه المطلوب للشهادة يكون بهذه الصفة طرفاً في الدعوى وشهادته فيها جر مغنم له ويكون واقعاً في محله رفض قبول شهادته، وعليه يعتبر الشاهد من قبيل الاشخاص الذي عنتهم المادة (80) من القانون المدني، طالما انه وكّل المحامي في الدعوى بصفته الشخصية، وبصفته مفوضاً بالتوقيع عن الشركة المدعىعليها وبصفته ولياً شرعياً عن اولاده القصر الشركاء في الشركة وهي شركة توصية بسيطة.

كذلك لا تقبل شهادة احد الشركاء للاخر في مال الشركة، لان المشهود به هو مشترك بين المشهود له والشاهد، فتكون هذه الشهادة من وجه شهادة لنفسه، وفيها جر مغنم للشاهد وبما ان الشهادة غير متجزئة فلما بطلت في البعض بطلت في الكل، والى ذلك ذهبت محكمة التمييز في حكم لها بان لا تقبل شهادة احد الشركاء في الشركة، وفي حكم اخر لها جاء فيه بانه يجوز سماع شهادة الشريك في الشركة عن امور الشركة لان شخصية الشاهد منفصلة عن شخصية الشركة، وان شهادة موظف الحراج بحق المعتدي على حراج الدولة لا ينطبق عليها نص المادة (80) لان موظف الحراج لا يغنم من شهادته ولا تدفع عن نفسه مغرماً ذلك ان المغرم والمغنم في هذه الحالة هو لخزينة الدولة وعليها.
وان وجود دعاوى للشهود ضد المدعىعليها لا يستوجب استبعاد شهادتهم في الدعوى التي يستشهدون بها بداعي انها تجر لهم مغنماً لان وجود مثل هذه الدعاوى لا يصلح ان يكون سبباً لرد شهادتهم عملاً بالمادة (80) لان حكم هذه المادة ينطبق على من له مصلحة في الدعوى التي شهد فيها، اضافة الى ان تقدير مثل هذه الشهادة يعود لمحكمة الموضوع التي لها الحق باستبعاد الشهادة اذا تبين لها توفر المصلحة للشهود في الدعوى.
المشرع الكويتي، وفي قانون المرافعات الكويتي لم يجز رد الشاهد ولو كان قريباً او صهراً لاحد الخصوم (المادة 106)، فلم يأخذ بما تأخذ به بعض التشريعات من جواز رد الشاهد مهما كانت علاقته بالخصوم ما د ام ان لكل خصم ان ينتقد شهادة الشاهد ويبين كل ما يراه من اسباب، لعدم الاخذ بها وما دام ان للمحكمة في النهاية الرأي الاخير من تقدير قيمة كل شهادة على حدة، فان في ذلك حماية للخصوم من كذبة، فضلاً عما في هذا النظام من تفادي تعطيل الاستجواب وتعقيده بسبب جواز رد الشهود.هذا ولا شك في ان قرابة الشاهد او مصاهرته للخصم الذي يشهد له تدفعه للميل الى الشهادة لمصلحته، ولذلك يجب على القاضي ان يحتاط في الاخذ بها، وان يراعي ظروف الدعوى وقرائنها. وقد نصت المادة (203) من قانون المرافعات المصري على انه:( لا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً او صهراً لاحد الخصوم …) فيصح للمحكمة ان تأخذ بشهادة الشاهد ولو كان قريباً او صهراً للخصم الذي استشهد به لان القانون لم يجعل القرابة سبباً لرد الشاهد.

ثانياً: المنع من الشهادة:
الاصل ان القانون لا يجيز رد الشاهد الا في حالتين هما: الاولى والتي قررها المشرع في القانون المدني في المادة (80) منه والتي تنص على مايلي: ( كل شهادة تضمنت جر مغنم للشاهد او دفع مغرم عنه ترد).
اذ يجب ان تنصب الشهادة على وقائع النزاع دون اقحام ما يتصل منها بشخص الشاهد، وللمحكمة ان تستبعد من شهادته كل ما بعد عن وقائع النزاع .
والثانية: التي قررها المشرع في المادة (32) من قانون البينات والتي تقضي بان الشاهد يرد اذا كان غير قادر على التمييز، كالمجنون او الصبي الذي لا يفهم معنى اليمين، بالاضافة الى ذلك فقد منع القانون بعض الاشخاص من اداء الشهادة لاعتبارات معينة، هي المحافظة على اسرار الدولة او اسرار المهنة، او اسرار الزوجية. فقد منعت المادة (35) من قانون البينات، أي شخص ان يشهد عن معلومات او مضمون اوارق تتعلق بشؤون الدولة، اذا كانت قد نشرت بالطريق القانوني، او كانت السلطة المختصة قد اذنت في اذاعتها، كما منعت المادة (36) من ذات القانون الموظفين والمستخدمين والمكلفون بخدمة عامة من ان يشهدوا ولو بعد تركهم العمل بما يكون قد وصل الى علمهم، اثناء قيامهم بالعمل من معلومات لا يجوز اذاعتها ومع ذلك فللسلطة المختصة ان تأذن لهم بالشهادة بناء على طلب المحكمة او احد الخصوم والغرض من ذلك هو المحافظة على اسرار الدولة .
وللخصوم الذين يحتاجون لمثل هذه الشهادة، ان يطلبوا من السلطة المختصة الاذن للموظفين في اداء الشهادة، فان اذنت لهم امكنهم ادائها وإلا فلا، وعليه فان لم تصل هذه المعلومات عن طريق الوظيفة، او انها وصلت اليه عن طريق الوظيفة ولكن لم يكن من واجبه كتمانها فلا حظر عليه ان يشهد بها، واذا شهد احد اولئك بأمر يجب عليه كتمانه كانت شهادته باطلة، ولا يصح ان تعتبر دليلاً قانونياً، بما ان القانون منع الشهادة بل انه عاقب عليها، ولا تصبح الشهادة صحيحة الا اذا اقترنت بإذن مسبق من الرئيس الاداري المختص فشهادة الموظف قبل الترخيص من السلطة المختصة بها لا تصلح دليلاً قانونياً لبناء الحكم. ونصت المادة (37) من قانون البينات على انه لا يجوز لمن علم من المحامين او الوكلاء او الاطباء عن طريق مهنته او صنعته بواقعة او معلومات، لا يجوز ان يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته او زوال صفته ما لم يكن ذكرها له مقصوداً به ارتكاب جناية او جنحة، ويجب عليهم ان يؤدوا الشهادة عن تلك الواقعة، او المعلومات متى طلب منهم من اسرها اليهم على ان لا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم. وقد جاء هذا النص ليحمي سر المهنة، ولكن المشرع لم يحدد ماهية هذا السر الممنوع افشاءه، وقد قيل ان سر المهنة هو معرفة وقائع سرية اطلع عليها شخص اثناء ممارسته لمهنته، مما يوجب القانون والاخلاق عليه ان لا يذيعها، وقد اختلف الشرح في تحديد وقائع السر، فقال بعضهم انه يجب ان يرجع في ذلك الى العرف والى ظروف كل حادثة على انفراد، وقال اخرون ان السر يحدد بما يضر افشاؤه بسمعة مودعه او كرامته، اما الرأي الذي اجمع عليه اكثر الفقهاء والذي اعتمدته اكثر المحاكم فهو يعتبر سر المهنة التزام قانوني لانه يقوم على قاعدة قانونية يعتبرها المشرع من النظام العام فاذا اباح به مستودعه بغير الحالات المقررة في القانون يعتبر باطلاً.

ولا تملك المحكمة ولصراحة المادة (37) من قانون البينات، من تلقاء نفسها ان تحل صاحب المهنة من سر المهنة، وان فعلت كانت كالشهادة باطلة، وبطل تبعاً لها ما بنى عليها، والمنع من الادلاء بالشهادة مقرر لصاحب السر، لذلك يحق لصاحب السر ان يحل صاحب المهنة من واجبه في حفظ السر، وفي هذه الحالة يتوجب على صاحب المهنة الادلاء بشهادته ولم يعد له مبرر للامتناع واخيراً، فان المادة (38) من قانون البينات تقضي بانه لا يجوز احد الزوجين ان يفشي بغير رضا الاخر ما ابلغه اليه اثناء الزوجية، ولو بعد انفصالهما الا في حالة رفع دعوى من احدهما على الاخر او اقامة دعوى على احدهم بسبب جناية او جنحة وقعت منه على الاخر .
وقصد من هذا النص حماية اسرار الزوجية حتى يطمئن كل من الزوجين اطمئناناً كاملاً الى الاخر لان الثقة المتبادلة بين الزوجين هي الاساس المتين الذي يقوم عليه بناء الاسرة فنهى المشرع كلا من الزوجين عن ان يبوح للغير ولو في شهادة يدلي بها امام المحكمة بأي امر وصل الى علمه من زوجه في اثناء قيام الزوجية بينهما، وجعل في الوقت ذاته الامتناع عن ذلك حقاً للزوج الذي حصل له ذلك العلم .
واستناداً لما تقدم يجوز للزوج الذي حصل له مثل هذا العلم ان يفضي في شهادته امام المحكمة، اذا رفع احد الزوجين دعوى على الاخر اياً كان موضوعها واذا رضي الزوج الاخر بأن يحل زوجه من واجب الكتمان وكذلك اذا اقيمت دعوى بسبب جناية او جنحة على احد الزوجين وقعت منه.
قانون المرافعات المصري وفي المادة (206) منه نص على ان الموظفون والمستخدمون والمكلفون بخدمة عامة لا يشهدون ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل الى علمهم في اثناء قيامهم به من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني، ولم تأذن السلطة المختصة في اذاعتها، ومع ذلك فلهذه السلطة ان تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة او احد الخصوم، والمادة (207) نصت على انه، لا يجوز لمن علم من المحامين او الاطباء او غيرهم من طريق مهنته او صنعته بواقعة او بمعلومات ان يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته او زوال صفته، ما لم يكن ذكرها لهم مقصوداً به فقط ارتكاب جناية او جنحة، ومع ذلك يجب على الاشخاص المذكورين اداء الشهادة عن تلك الواقعة او المعلومات متى طلب منهم ذلك من اسرها لهم دون الاخلال بأحكام القوانين الخاصة بهم، وقضت المادة (209) على انه لا يجوز لاحد الزوجين ان يفشي بغير رضاء الزوج الاخر، ما ابلغه اياه اثناء الزوجية ولو بعد انفصالها الا في حالة رفع دعوى من احدهما على صاحبه او اقامة دعوى على احدهما بسبب جناية او جنحة وقعت منه على الاخر.

ثالثاً: حالات الاثبات بالشهادة
حدد المشرع في المواد (27و28و30) من قانون البينات الحالات التي يجوز فيها الاثبات بشهادة الشهود، كما حدد الحالات التي لا يجوز فيها الاثبات بشهادة الشهود في المادة (29) من قانون البينات، وجعل قانون البينات القاعدة العامة في الشهادة هي جواز الاثبات بالشهادة في الالتزامات غير التعاقدية اما في الالتزامات التعاقدية فقد اورد احكاماً خاصة يجب مراعاتها لجواز الاثبات بالشهادة وعدم جوازه .
فاذا كان الالتزام التعاقدي في غير المواد التجارية تزيد قيمته على عشرة دنانير او كان غير محدد القيمة فلا يجوز الشهادة في اثبات وجود الالتزام اوالبراءة منه، اما في الالتزامات التجارية اطلاقاً والالتزامات المدنية التي لا تزيد قيمتها على عشرة دنانير فيجوز الاثبات بالشهادة وذلك بموجب احكام المادة (28) من قانون البينات .
ولا يجوز الاثبات بشهادة الشهود في الالتزامات التعاقدية حتى ولو كان المطلوب لا تزيد قيمته على عشرة دنانير، وذلك لاثبات ما يخالف مضمون السند الكتابي، فيشترط لدحض السند الكتابي ان يكون بسند كتابي مثله، او باقرار او بدفاتر من يدعي بالسند، ولا يجوز الاثبات بالشهادة فيما اذا كان المطلوب هو الباقي او جزء من حق لا يجوز اثباته بالشهادة، واذا طالب احد في الدعوى بما تزيد قيمته على عشرة دنانير ثم عدل طلبه الى ما لا تزيد قيمته على هذه القيمة، فلا يعطي للخصم الحق بالاثبات بشهادة الشهود (المادة (29) من قانون البينات). وقد اجاز المشرع وفي المادة (30) من قانون البينات الاثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى ولو كان المطلوب تزيد قيمته على عشرة دنانير، اذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة، ومبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها ان تجعل المدعىبه قريب الاحتمال، واذا وجد مانع مادي او ادبي يحول دون الحصول على دليل كتابي او اذا كان العرف والعادة لا يقضيان بربطها بسند والمانع المادي ان لا يوجد من يستطيع كتابة السند او ان يكون طالب الاثبات شخصاً ثالثاً لم يكن طرفاً في العقد، والمانع الادبي القرابة بين الزوجين او بين الاصول والفروع او بين الحواشي الى الدرجة الثالثة او ما بين احد الزوجين وابويّ الزوج الاخر، واذا فقد الدائن سنده المكتوب بسبب لا يد له فيه فيجوز الاثبات بالشهادة حتى لو كان المطلوب تزيد قيمته على عشرة دنانير وكذلك اذا طعن في العقد بانه ممنوع بالقانون او مخالف للنظام العام او الاداب .
وعليه، ينبغي على الخصم الذي يطلب الاثبات بشهادة الشهود ان يراعي القواعد الموضوعية التي حددها قانون البينات تحت طائلة رفض طلبه او رد الشهادة واعتبارها بينة غير قانونية، ومتى كانت الشهادة جائزة متفقة مع القواعد الموضوعية للقانون من حيث انتاجيتها واتفاقها مع موضوع فان سماعها يجب ان يتم وفقاً لما رسمه قانون الاصول المدنية من اجراءات .
وتطبيقاً لذلك قررت محكمة التمييز في احكامها ومبادئها، على ان البينة الشخصية كون مقبولة لاثبات ان الذين وقعوا على اوراق الشركة فيما يتعلق بأعمالها هم مفوضون بالتوقيع ، وفي حكم اخر لها جاء فيه ان البينة الشخصية لا يجوز سماعها لاثبات البيع اذا كانت قيمة المبيع تزيد على عشرة دنانير لان اثباته خاضع لقواعد الاثبات العامة، واذا كانت الشركة المدعية شركة تجارية ولم ينكر المدعىعليه ادعاؤها بكونه تاجراً. فتكون معاملة استيراد الحديد وبيعه المدعىعليه هي معاملة تجارية وتقبل البينة الشخصية لاثبات انشغال ذمة المدعىعليه بالمبلغ المدعى به.ويجوز للمحكمة ان تسمع بينة شفوية لاثبات وجود عقد اجارة بين الفريقين وعلى شروط ذلك العقد اذا وجدت قرينة على احتمال وجود عقد ايجار بين الطرفين، ولا تقبل البينة الشفوية لاثبات ما يخالف ما اشتملت عليه المعاملة الجمركية التي تمت بموجبها معاينة البضاعة وتثمينها الموقعة من المرسل اليه او المفوض من قبله لانها تخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي رسمي، واحتفاظ الدائن بسند الدين بعد ايهام المدين بتمزيقه، في حين ان الورقة التي مزقت والتي لم يطلع عليها المدين لم تكن ذلك السند يعتبر غشاً من شأنه ان يجيز قبول البينة الشخصية لاثبات الايصال بعد ثبوت الواقعة.

المحامي فايز كناكريه

مقال قانوني هام عن علاقة القواعد الموضوعية للشهادة بأدائها