كل ما يهمك عن المعاهدات الدولية
كل ما يهمك عن المعاهدات الدولية / أ. يارا النجادرات
شهد القانون الدولي نفس التطور الذي شهده القانون الوطني فالقانون الدولي كان جله غير مكتوب فكان عبارة عن أعراف ثم تطورت الأمور فصار القانون الدولي جله مكتوباً لكن العرف ما زال يعتبر مصدراً أساسياً من مصادر القانون الدولي و هذا التطور من قانون غير مكتوب إلى قانون مكتوب له تفسيرات و أسباب فالقاعدة القانونية المكتوبة أفضل من القاعدة القانونية العرفية غير المكتوبة لأنها أكثر دقة و الرجوع إليها أيسر من قاعدة غير مكتوبة لكن من ناحية قانونية فإن العرف و المعاهدات لهما نفس القيمة القانونية و يشكلان على حدٍ سواء المصدارن الأساسيين للقانون الدولي من بين مصادر القانون الدولي الأخرى و لا تفاضل بينهما ، الإجراءات المتعلقة بالمعاهدات كلها كانت إجراءات عرفية و قد تم تدوين جميع إجراءات إبرام المعاهدات عام 1969 م صلب معاهدة فيينا حول قانون المعاهدات و تسمى بـ ” إتفاقية فيينا للمعاهدات ” و دخلت هذه الإتفاقية حيز النفاذ عام 1980 م و هي تعتبر اليوم المرجع الأساسي فيما يتعلق بالمعاهدات بين الدول ، لكن هذه المعاهدة أو أكتفت بتدوين قانون المعاهدات المبرمة بين الدول فقط و لذلك وقع لاحقاً إبرام معاهداتان لاحقتين مكملتين للمعاهدة الأولى و هما :
1 – معاهدة فيينا حول تعاقب الدول في المعاهدات التي أبرمت عام 1978 م .
2 – معاهدة فيينا حول المعاهدات المبرمة بين الدول و المنظمات الدولية و بين المنظمات الدولية فيما بينها بعضها البعض و أبرمت عام 1986 م.
طبعاً أهمها معاهدة فيينا للمعاهدات عام 1969 م.
1 ) ” تعريف المعاهدات ” :-
نجد تعريفان للمعاهدة أحدهما عرفي و هو أشمل و الآخر تعريف أعتمدته معاهدة عام 1969 م بفيينا.
أ – ” التعريف العرفي ” :
أستقر العرف على أن المعاهدة هي إتفاق بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام الهدف من هذا الإتفاق هو إنشاء آثار قانونية بين الأشخاص المتعاهدون و هذا الإتفاق يخضع للقانون الدولي ، بما أن المعاهدة إتفاق إذاً لا يمكن تصور نشوئها من إرادة منفردة واحدة فلا بد من تلاقي إرادتان على الأقل حتى يحصل الإتفاق هذا العنصر الأول ، أما العنصر الثاني فهو يتعلق بأطراف المعاهدة و حتى يمكن الحديث عن المعاهدة لا بد أن يكون أطرافها من أشخاص القانون الدولي العام و هؤلاء الأشخاص هم مما لا شك فيه الدول و تسمى معاهدة دولية لأنها بين دول ، أما بقية أشخاص القانون الدولي فبالنسبة للمنظمات الدولية رفع عنها الإشكال بعد معاهدة عام 1986 م حسب المعاهدة يكون الإتفاق معاهدة دولية ، مما لا شك فيه أن الإتفاق المبرم بين فردين لا يعتبر معاهدة دولية و نفس الشيء للإتفاق المبرم بين كيانان غير دوليين مثل : ( بين منظمتان غير حكوميتين ) و كذلك إذا كانت المعاهدة بين أشخاص قانون دولي و فرد مثل : ( إذا كان هناك إتفاق بين دولة و شركة متعددة الجنسيات ) هنا لا بد من دراسة المعاهدة بمحتواها لرؤية إذا ما كانت تنشيء آثار قانونية تخضع للقانون الدولي العام عندئذ تصبح معاهدة دولية أما غير ذلك فتكون خاضعة للقانون الخاص ، أما العنصر الثالث و هو الآثار القانونية و ينتج عن كل معاهدة إلتزامات قانونية إجبارية أي أطراف المعاهدة يصبح لهم حقوق و واجبات فالمعاهدة هي مصدر من مصادر الإلتزام و هذا ما يميز المعاهدات عن بقية الأعمال الغير إتفاقية و التي ليس لها طابع قانوني ، أما العنصر الرابع فهو الخضوع للقانون الدولي العام فالنظام القانوني الذي يحكم كل معاهدة دولية هو نفسه القانون الدولي العام لكن لا يشترط أن تكون كل بنود الإتفاقية خاضعة لهذا القانون و لكن يكتفى ببعض البنود و لا يضر أن تكون معاهدة دولية ، و هذا التعريف أشمل من تعريف معاهدة فيينا حول المعاهدات و هو المعتمد حالياً و كان معتمد منذ فترة طويلة بين الدول.
ب – ” تعريف إتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات ” :
عرفت إتفاقية فيينا حول المعاهدات في مادتها الثانية المعاهدة كما يلي : ( إتفاق دولي يعقد بين دولتان أو أكثر كتابةً و يخضع للقانون الدولي سواءً تم في وثيقة واحدة أو أكثر و أياً كانت التسمية التي تطبق عليه ) ، مقارنة بالتعريف العرفي نلاحظ أن تعريف إتفاقية أقل شمولية من التعريف العرفي و أكثر شكلية منه أما سبب قلة الشمولية لأن هذا التعريف لا ينطبق إلا على المعاهدات المبرمة بين الدول فقط مما يعني إقتصاره على نوع واحد من أشخاص القانون الدولي لكن هذه الخاصية وقع تجاوزها عام 1986 م عندما أبرمت إتفاقية فيينا بين الدول و المنظمات الدولية و بين المنظمات الدولية فيما بينها ، أما لما هي شكلية أكثر لأنها لا تعتبر إلا المعاهدات المكتوبة إذاً هي تشترط الكتابة و تغض الطرف عن المعاهدات الشفوية رغم أنه من الناحية النظرية بإمكان المعاهدة أن تكون مكتوبة و شفوية ، أما شكلية الكتابة هي شكلية لإثبات الإتفاق و ليست شكلية لصحة الإتفاقية ، و أوضح تعريف إتفاقية فيينا أن المعاهدة يمكن أن تكون مضمنة في وثيقة واحدة أو عدة وثائق كما جاء المادة الثانية و مهما كان عدد الوثائق لا يطرح أي إشكال كما أن تسمية الوثيقة ليست هامة و لا تؤثر على الطبيعة القانونية فالعبرة بالمضمون و ليس بالتسمية و قد تختلف التسميات و لكن المسمى واحد أي :-
قد تسمى الوثيقة معاهدة او إتفاق أو ميثاق أو عهد أو بروتوكول أو نظام و كلها لا تؤثر على الطبيعة القانونية كما قلنا فهي نفس المعنى مهما أختلفت التسميات.
2 ) ” أنواع المعاهدات ” :
توجد معايير كثيرة لتصنيف المعاهدات لكن لا يمكن الإعتماد على معيار واحد لأن كل معيار يبرز جانباً معيناً على غيره من الجوانب و لذلك و في كثير من الأحيان لتحديد نوع معاهدة معينة لا بد من الإعتماد على معايير متعددة ، يوجد معياران أساسيان للتصنيف بالنسبة للمعاهدات :
المعيار الأول : ” المعيار الموضوعي ” أي متعلق بموضوع المعاهدة.
المعيار الثاني : ” المعيار الشكلي ” أي متعلق بشكلية المعاهدة.
# ” المعيار الموضوعي ” :
بالنسبة للمعيار الموضوعي و هو يعتبر معيار محتوى المعاهدة أي مضمون المعاهدة فهو معيار مادي و بالإعتماد على هذا المعيار تصنف المعاهدات إلى ثلاثة أصناف مختلفة هي كالتالي :
” الصنف الأول ” :
أ – المعاهدات الشارعة. ب – المعاهدات العقدية.
أ – هي المعاهدات التي تضع قواعد موضوعية عامة لتنظيم مصالح مشتركة بين أفرادها و هي تنشيء مراكز قانونية عامة مثل : ( ميثاق منظمة الأمم المتحدة إذ نجد فيه قواعد عامة تهم العلاقات بين الدول و المباديء الأساسية التي يقوم عليها هي التنظيم الدولي ، إتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار لأنها تضع القواعد العامة التي تنظم إستغلال البحار و حقوق الدول على الفضاءات البحرية و نظام السفن…إلخ ).
ب – أما المعاهدات العقدية فإن موضوعها تبادل مصالح فردية أو ذات طبيعة شخصية و هي على عكس الشارعة لا تتميز بالعمومية و التجريد.
– هذا التصنيف لا يخلو من نقائص متمثلة في الآتي :
ففي معاهدة واحدة يمكن أن نجد في نفس الوقت قواعد شارعة و قواعد عقدية مثلاً : ( في إتفاقية قانون البحار نجد فيها في الآن نفسه قواعد شارعة و قواعد عقدية في آن واحد معاً ، شارعة مثل طريقة ضبط الحدود البحرية بين الدول و العقدية مثل القواعد المتعلقة بالتعاون بين الدول المطلة على البحار و الدول التي ليس لها سواحل ) ، و من ناحية أخرى نجد أنه لا ينتج آثر قانوني معين سواءً كانت شارعة ام عقدية كلها لها نفس الآثر القانوني.
” الصنف الثاني ” :
أ – معاهدات عامة. ب – معاهدات خاصة.
هذا التقسيم بين المعاهدات العامة و الخاصة نجد له صدى في المادة الثامنة و الثلاثون الفقرة الأولى للنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية تقول هذه المادة : ( أن المحكمة تطبق الإتفاقيات الدولية العامة و الخاصة و التي تضع قواعد معترف بها صراحة ) لكن رغم هذا التنصيص الرسمي فإن هذا التقسيم لا تترتب عنه آثار قانونية مختلفة سواءً كانت عامة أم خاصة تنشيء نفس الآثر و الإلتزام القانوني ، كل معاهدة مهما كانت عموميتها هي في الواقع معاهدة خاصة لماذا ؟ لأنه في جميع الأحوال يكون للمعاهدة موضوع خاص مثل : ( إتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار إذ كما أنها شارعة فهي عامة و لكنها أيضاً معاهدة خاصة لأنها من خلال موضوعها تتعلق بميدان معين و خاص ألا و هو قانون البحار ، هذا التقسيم هو في الواقع تكرار للتقسيم الأول بين المعاهدات فيمكننا أن نعتبر المعاهدة الشارعة عامة و كذلك يمكن إعتبار المعاهدة العقدية خاصة إذاً هي نفس التسمية.
” الصنف الثالث ” :
أ – المعاهدات التأسيسية. ب – المعاهدات المنشئة لوضعيات موضوعية.
أ – هي المعاهدات التي تحدث و تأسس المنظمات الدولية و تحدد طرق عملها و هياكلها مثال ذلك : ( ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي هو المعاهدة التأسيسية لمنظمة الأمم المتحدة )
ب – فهي المعاهدات التي يخضع لها الجميع إستثناءً لمبدأ الأثر النسبي للمعاهدات مثال ذلك : ( المعاهدات المتعلقة بالحدود بين دولتان او أكثر لأن الحدود التي تعينها المعاهدة لا بد من إحترامها من قبل الجميع من كل الأطراف على حد السواء الموقعة على المعاهدة أم التي لم توقع و ليست طرفاً في المعاهدة ).
# ” المعيار الشكلي ” :
بالنسبة للمعيار الشكلي و هو يهتم بشكل المعاهدة و بإعتباره نجد صنفان مختلفان هما كالتالي :
” الصنف الأول ” :
– و هو صنف سوف يأخذ بعين الإعتبار عدد أطراف المعاهدة.
أ – معاهدات ثنائية الأطراف. ب – معاهدات متعددة الأطراف.
أ – هي المعاهدات التي تبرم بين طرفان فقط كأن تكون بين دولتان أو التي تبرم بين دولة و منظمة دولية أو بين منظمتان دولتين.
ب – هي المعاهدات التي تبرم بين أكثر من دولتان و نجد من بين هذه المعاهدات المتعددة الأطراف المعاهدات المتعددة الأطراف العامة و هي التي يكون عدد أطرافها مرتفع جداً و تكاد تشمل جميع الدول في العالم مثل : ( ميثاق منظمة الأمم المتحدة فعدد أطرافه إحدى و تسعون دولة بعد المائة ، كذلك العهد الدولي لحقوق الإنسان ).
– لكن على مستوى الآثار القانونية لكلتاهما لهما نفس الآثر القانوني فليس لأي منهما آثر مميز و مختلف عن الآخر.
” الصنف الثاني ” :
– و هو صنف سوف يركز على طريقة دخول المعاهدة حيز النفاذ.
أ – المعاهدات الشكلية ( طويلة الإجراءات ). ب – المعاهدات المبسطة ( المبسطة الإجراءات ).
حسب هذا التقسيم ستكون طريقة تعبير الأطراف عن إلتزامهم النهائي بالمعاهدة هي أساس هذا التقسيم فالقاعدة في القانون الدولي بالنسبة للمعاهدات أن المعاهدة لا تدخل حيز النفاذ بمجرد التوقيع عليها من قبل الأطراف بل لا بد من إجراء داخلي بعد التوقيع و المقصود بالداخلي هو تصديق نظام الدولة الداخلي ( الوطني ) على المعاهدة و غالباً ما يكون الدستور أما بقية الجهات تعينها النظم الداخلية للدول فقد تكون غير الدساتير ، بعد إجراء التصديق تدخل المعاهدة حيز النفاذ و يخضع لهذا المعاهدات الشكلية لهذا سميت بالمعاهدات الشكلية الطويلة الإجراءات ، أما المعاهدات المبسطة لا داعي للتصديق فالتوقيع كافٍ عليها لدخول المعاهدة حيز النفاذ فالتوقيع في المعاهدات المبسطة يساوي التصديق في المعاهدات الشكلية و هذا لا يعني أن الدستور يكون متمثلاً من خلال المجلس التشريعي للدولة ، المعاهدات الشكلية أهم من المبسطة و قد يكون العكس ، مما يعني أن التصنيف يختص بالإجراءات و لا يتعلق بالأهمية.
2 ) ” إبرام المعاهدات ” :-
يخضع إبرام المعاهدات إلى عديد من الإجراءات و تمر المعاهدة قبل بداية نفاذها بعدة مراحل فلا تعتبر المعاهدة مستوفية لجميع شروطها إلا بعد تعبير الأطراف عن رضاهم النهائي بالإلتزام ببنودها و المراحل هي كالآتي :
أ ) ” المفاوضات ” :
كل معاهدة قبل إبرامها النهائي تكون في محل مفاوضات و يتم فيها مناقشة موضوع المعاهدة و مختلف بنودها بين ممثلي الأطراف المخولون بذلك بمقتضى تفويض رسمي صادر عن السلطة العليا في الدولة على أن بعض الأشخاص الممثلين لدولهم لا يحتاجون إلى مثل هذا التفويض و ذلك بحكم وظائفهم و هؤلاء الأشخاص هم : ( رؤوساء الدول ثم رؤوساء الحكومات و وزراء الخارجية ) لم يشترط القانون الدولي شكلاً معيناً للمفاوضات فالأطراف في هذا المجال تتمتع بحرية مطلقة فالمفاوضات يمكن أن تكون علنية أو سرية و يمكن أن تدور في دورة واحدة أو عدة دورات و يمكن للدول أن تكون ممثلة في أعلى مستوى أو مستويات أدنى و غالباً ما تدور المفاوضات الثنائية بين وزارتي الدولتان و غالباً ما تدور المفاوضات المتعددة الأطراف صلب مؤتمرات دولية تشرف عليها أحياناً دولة راعية أو دول راعية أو تشرف عليها منظمة دولية أو عدد من المنظمات الدولية مثل : ( ميثاق منظمة الأمم المتحدة تم التفاوض بشأنه في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 م و أشرفت عليه أربعة دول راعية هي الولايات المتحدة الأمريكية ، الاتحاد السوفييتي ، المملكة المتحدة ” بريطانيا ” ، الصين ، كذلك إتفاقية قانون البحار عام 1982 م تمت في مؤتمر دولي تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة و دام قرابة عشرة سنوات و قد بدأ حوالي عام 1973 م و أنتهى في عام 1982 م بإعتماده كمعاهدة ضخمة لقانون البحار ).
ب ) ” التحرير و التوقيع ” :
التحرير : هو صياغة ما أتفق عليه خلال المفاوضات بلغة قانونية و في مواد و لا يوجد أسلوب معين و نموذجي واجب الإتباع لتحرير المعاهدات و المبدأ دائماً ما تتفق عليه الدول ، لكن تحرير المعاهدات يطرح دائماً إشكالان أولهما يتعلق بلغة المعاهدة و ثانيهما يتعلق بمحتوى المعاهدة ، نأتي ” لمشكلة اللغة ” فهي تطرح عندما يكون هنالك دولتان أو عدة دول تستخدم لغات مختلفة فبالنسبة للمعاهدات الثنائية عادةً ما تحرر بلغتي الطرفين و غالباً ما يقع التنصيص صلب المعاهدة الثنائية أن كلاً من النسختين أصلية و تتمتع بالحجية على أن إختلاف اللغات قد يتسبب أحياناً في نشوب خلافات حول تأويل المعاهدة و في مثل هذا يتعين على الطرفين إيجاد حل لهذا الخلاف إما عن طريق التفاوض أو أي طريقة أخرى لحل المنازعات الدولية كالوساطة و التوثيق و التحكيم و القضاء ، أما المعاهدات المتعددة الأطراف لا يمكن إستعمال لغات جميع الأطراف فقبل الحرب العالمية الأولى كانت اللغة الفرنسية هي الأكثر إستعمالاً لتحرير المعاهدات أي هي اللغة الدبلوماسية لكن بعد الحرب العالمية الثانية تقلص دور اللغة الفرنسية و تطورت الإنجليزية و بصفة عامة فإن المعاهدات المتعددة الأطراف تحرر بأكثر من لغة واحدة و يقع التنصيص على أن جميع اللغات التي حررت بها المعاهدات لغات رسمية ذات حجية مثل : ميثاق منظمة الأمم المتحدة جاء في المادة الحادية عشر بعد المائة ” وضع هذا الميثاق بلغات خمس هي الصينية و الفرنسية و الروسية و الأنجليزية و الإسبانية و هي لغاته الرسمية على حد السواء و هي المعتمدة ” و أضيف عليها العربية في السبعينات لتصبح ستة لغات رسمية ) ، لتكون المعاهدات بعد ذلك محررةً في ستة لغات مثال ذلك : ( إتفاقية قانون البحار جاء في مادتها 320 ” توضع هذه الإتفاقية التي تتساوى في نصوصها الأسبانية و الأنجليزية و الفرنسية و الروسية و العربية و الصينية في الحجية ” جاءت هذه المادة لتؤكد إعتماد هذه اللغات رسمياً و مدى حجيتها على المستوى الدولي ) ، نأتي ” لمشكلة محتوى المعاهدة ” فهي غالباً ما تتكون من جزئان فنجد الديباجة ثم نجد جوهر المعاهدة أو بنودها متمثلة في المواد ، ففي الديباجة نجد أحياناً ذكراً لأطراف المعاهدة بخاصةٍ في المعاهدات الثنائية ثم شرحاً لأسباب المعاهدة أي الدوافع التي أدت إلى إبرام المعاهدة و غالباً فإن الديباجة ليس لها قيمة إلزامية ولكنها تعتبر من العناصر التي يرجع إليها لتفسير المعاهدة أو لتأويلها إذا أقتضى الأمر ذلك ، و قد جاء في قرار صادر عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 26 / 11 / 1984 م أن ديباجة ميثاق منظمة الأمم المتحدة تشكل الأساس الأخلاقي و السياسي للمقتضيات القانونية التي نص عليها الميثاق لكن هذه الإعتبارات لا تشكل في ذاتها قواعد قانونية ، أما جوهر المعاهدة فهو يتكون من مختلف بنودها التي تنص على مختلف إلتزامات الأطراف و حقوقهم و واجباتهم ، و في نهاية المعاهدة غالباً ما توجد مواد تتعلق بالأحكام الختامية للمعاهدة و هي تنص على إجراءات التوقيع و التصديق و الإنضمام و بدء النفاذ و التعديل و الوديع و النصوص ذات الحجية و أحياناً الأحكام الإنتقالية و قد تحتوي المعاهدة على ملاحق و هي نصوص تحتوي على قواعد فنية أو تكميلية لم تدرج صلب المعاهدة لعدم إنتقالها مثل : ( إتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار و هي إتفاقية ضخمة حوت 9 ملاحق مع الإشارة إلى أن الملاحق جزء لا يتجزأ من المعاهدة ).
– التوقيع : و يقوم بالتوقيع الأشخاص الذين لديهم تفويض للقيام بذلك لكن هذا التوقيع و خلافاً لما هو موجود في القانون الداخلي ( الوطني ) بالنسبة للعقود فالتوقيع لا يتنج عنه إلتزام فوري بالمعاهدة إذاً هو لا ينشيء الأثر القانوني و عادة ما يعتبر التوقيع في القانون الدولي طريقةً لتوثيق النص ، و قد يكون التوقيع بشرط الرجوع إلى الدولة أي أن ممثل الدولة يوقع على المعاهدة و لكن يصرح بالرجوع إلى دولته و إستشارتها و بإمكانية التراجع و هنالك التوقيع بالأحرف الأولى و هو توقيع مؤقت فيضع ممثل الدولة الأحرف الأولى من اسمه حتى يتحصل على الترخيص للتوقيع النهائي و على كل حال فالتوقيع لا يولد أي إلتزام قانوني و بدء نفاذ المعاهدة إلا في حال التنصيص على ذلك صراحةً و هي المعاهدات المبسطة الإجراءات.
ج ) ” التصديق ” :
لا تلزم المعاهدة الأطراف الموقعة عليها إلا بعد القيام بإجراء لاحق و هو التصديق بإستثناء المعاهدات المبسطة ، و يمكن تعريف التصديق بكونه ” الإجراء الذي تثبت الدولة بمقتضاه على المستوى الدولي الإرتضاء بالإلتزام بالمعاهدة و قد يسمى التصديق عدة مسميات : ( كالقبول أو الموافقة أو الإنضمام كلها تعني التصديق ) معناها واحد كلها ، و يكون التصديق من طرف السلطات الداخلية المختصة لإلزام الدولة بالمعاهدة الدولية فالتصديق بمثابة تأكيد صادر عن السلطات العليا للدولة للتوقيع و هو يؤكد الإلتزام النهائي و تعبيراً عن رضا الدولة النهائي بمقتضيات المعاهدة و التوقيع يعبر عن إلتزام مبدئي من قبل الدولة بمقتضيات المعاهدة ، و التصديق هو إجراء داخلي ينظمه القانون الداخلي ( الوطني ) للدولة لذا فمعاهدة فيينا لم تضع أي إجراء شكلي للتصديق لكن الدولة لا يمكنها التستر وراء إدعاء تصديقها غير الكامل بإبطال رضاها أو التحلل من إلتزامتها فقد جاء في المادة 46 من إتفاقية فيينا : ( لا يجوز للدولة أن تتمسك بأن التعبير عن رضاها بالإلتزام بمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي ( الوطني ) كدفع متعلق بالإختصاص بإبرام المعاهدات كسبب لإبطال رضاها ).
– و الدول ليست ملزمة بالتصديق و غير مجبرة من أحد ما سواءً كان من قبل أطراف المعاهدة أو من أي طرف آخر مثل : ( رفض مجلس الشيوخ الأمريكي التصديق على معاهدة مبرمة في فرنسا عام 1919 م رغم أن الرئيس حينها ويلسون كان من أبرز المبادرون في هذه المعاهدة ) ، كما أن التصديق ليس مرتبط بأجل معين و بين تاريخي توقيع المعاهدة و تصديقها فترة طويلة قد تمتد لسنوات عدة مثل : ( وقعت فرنسا على المعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان و الحريات عام 1954 م و لم تصدق عليها إلا عام 1974 م ) ، و لكن حتى عندما يتم التصديق على المعاهدة ليس بشرط التصديق عليها بأكملها بل يتم التحفظ على جزءٍ من المعاهدة.
د ) ” التحفظات ” :
عرفته المادة الثانية الفقرة الثانية من معاهدة فيينا كما يلي :
” إعلان من جانب واحد أياً كانت صيغته أو تسميته يصدر عن الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها أو إنضمامها إلى معاهدة و تهدف به إستبعاد أو تعديل الأثر القانوني لأحكام معينة في المعاهدة من حيث سريانها على هذه الدولة ” ، و لا بد من الإشارة إلا أنه التحفظات لا تطرح إلا في المعاهدات المتعددة الأطراف و ذلك لتحجيم الكثير من الدول على الإنخراط في المعاهدات ، فالتحفظ هو مرونة تتمتع به الدول فتلتزم بجل المعاهدة مع إمكانية طرح جانب من المعاهدة لا يتماشى و مصالح الدولة أو نظرتها إلى القانون و غير ذلك ، بالنسبة للمعاهدات الثنائية فإن التحفظات غير واردة لسبب بسيط و طبيعي هو أن المعاهدة بين دولتان و التعبير عن عدم الإلتزام ببعض الأمور في المعاهدة يعبر عنه في المفاوضات ، بالنسبة للمعاهدات المتعددة الأطراف لتحفظات خاضعة إلى شروط و خاضعة أيضاً إلى نظام قانوني معين بمعنى أن هنالك إمكانية مشروطة لقبول أو رفض التحفظات من قبل الدول الأخرى.
” شروط قبول التحفظات ” :
و السؤال المطروح هل يشترط إجماع الدول الأطراف لقبول التحفظات أو يكتفى بعدد معين من الدول حتى تكون التحفظات مقبولة ؟ و يطرح سؤال آخر يهم موضوع آخر و هو هل أن جميع التحفظات أو بعضها يمكن أن تقبل بمعنى أن هنالك أجزاءً في المعاهدة لا يمكن التحفظ عليها بل يجب الإجماع عليها ؟ ، و حول هذه الأسئلة أبدت محكمة العدل الدولية رأياً إستشارياً بتاريخ 28 / 5 / 1995 م أستبعدت فيه شرط الإجماع لقبول التحفظات هذه بالنسبة لشكل التحفظ من قبل الدول ، أما بالنسبة لموضوع التحفظ أن لا تكون التحفظات منافية لهدف و موضوع المعاهدة أي لا تؤدي إلى نفي الإلتزام الذي أخذته الدولة ، و أتخذت معاهدة فيينا في المادة التساعة عشر موقفاً وسط حيث أجازت للدولة أن تبدي تحفظاً على المعاهدة سواءً عند التوقيع أو التصديق إلا في بعض الحالات التالية :
1 – إذا كان التحفظ محظوراً في المعاهدة أي وجود نص رسمي بذلك ضمن أحد مواد المعاهدة.
2 – إذا كانت المعاهدة تجيز تحفظات معينة ليس من بينها ذلك التحفظ بمعنى تحديد مواد معينة للتحفظ عليها فقط دون غيرها من المواد الأخرى في المعاهدة.
3 – في الحالات التي لا تشملها الحالتان الأولى و الثانية إذا كان التحفظ غير متماشي مع موضوع المعاهدة و الغرض منها.
” نظام التحفظات القانوني ” :
التعبير عن التحفظات غير مرتبط بمرحلة معينة من مراحل إبرام المعاهدات إذ يمكن التعبير عن التحفظ سواءً عند التوقيع على المعاهدة أو التصديق عليها و يتعين إبلاغ التحفظات كتابةً و أن يبلغ للدول الأطراف الأخرى و يمكن للدول الأطراف الأخرى أن تكون لها مواقف أخرى مختلفة من التحفظ و هي السكوت أو القبول أو الرفض ضمن المادة التاسعة عشر.
– السكوت : يعتبر بمثابة قبول للتحفظ و ذلك بعد مرور آجل إثنا عشر شهراً من إبلاغ التحفظ.
– قبول التحفظ : يمكن للدولة أو للدول الأخرى أن تقبل التحفظ بصفة صريحة و عندئذ العلاقة بين الدولة المتحفظة و الدول التي قبلت التحفظ تكون كامل المعاهدة بإستثناء المواد أو المواضيع المتحفظ بشانها.
– الإعتراض : يعني عدم قبول التحفظ بصفة صريحة و الإحتجاج على التحفظ و عندئذ لوجود العلاقة بين الدول أو الدول المتحفظة و بين الدولة أو الدول المعترضة و كأنه لم تكن هنالك معاهدة بينهم.
هـ ) ” بدء نفاذ المعاهدات ” :
لا تبدأ المعاهدة في إنشاء آثارها القانونية إلا بعد بدء نفاذها و تاريخ بدء النفاذ يختلف بحسب المعاهدات فبالنسبة للمعاهدات الثنائية يبدأ النفاذ بمجرد تعبير الدولتان عن رضاهم النهائي بالتقيد بالمعاهدة و تبادلهم وثائق التصديق مع العلم أن التعبير النهائي عن الرضا يمكن أن يكون بالتوقيع للمعاهدات المبسطة و بالتصديق للمعاهدات الشكلية ، بالنسبة للمعاهدات المتعددة الأطراف هناك ثلاث حالات هي كالآتي :
أ – لا يبدأ نفاذ المعاهدة إلا بعد التصديق عليها من كافة الأطراف فإذا رفض طرف واحد التصديق على المعاهدة تسقط المعاهدة و كأنه لم يكن هناك شيء مثل : ( معاهدة روما حول الاتحاد الأوروبي و أبرمت بين خمسة و عشرون دولة أوروبية أقتضت دخولها حيز النفاذ إحدى عشر دولة أوروبية كافة على المعاهدة و طبعاً فرنسا رفضت التصديق عليها بناءً على الإستفتاء الشعبي فتم إسقاط المعاهدة ).
ب – هو أن المعاهدة لا يمكن أن تبدأ في النفاذ إلا بتوفر شرطان اثنين هما :-
– أن يكون هناك مصادقة عدد معين من الدول و هذا العدد يذكر أو يقال الأغلبية أو الثلثان.
– أن يكون من بين الدول التي صادقت دول معينة باسمها و مذكورة.
مثل : ( ميثاق منظمة الأمم المتحدة جاء في المادة العاشرة بعد المائة أن الميثاق يبدأ في النفاذ بعد التصديق عليه من طرف الدول الخمسة الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن و زيادةً على ذلك أغلبية الدول الأخرى و هذا كان عام 1945 م ).
ج – هو إشتراط المعاهدة لدخول حيز النفاذ عدداً معيناً من التصديقات صادرة عن عدد من الدول الأطراف و مهما كانت هذه الدول الأطراف مثل : ( معاهدة قانون البحار أشترطت تصديق ستون دولة مهما كانت هذه الدول ) ، و هذه هي الحالة الراجحة و الشرط المعمول به حالياً لدى أغلب المعاهدات.
و ) ” تسجيل المعاهدات و نشرها ” :
منذ إحداث عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى أصبح من المفروض تسجيل المعاهدات و نشرها فقد أوجبت المادة الثامنة عشر من ميثاق عصبة الأمم تسجيل المعاهدات مهما كانت لدى سكرتارية المنظمة و رتبت عن ذلك جزاء فعدم تسجيل المعاهدة يؤدي لفقدان المعاهدة لقوتها الإلزامية ، و ميثاق الأمم المتحدة نص على وجوب التسجيل و لكن خفف من حدة الجزاء المترتب عن عدم التسجيل فالمعاهدة التي لم تسجل لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة لا يمكن التمسك بها أمام أي فرع من فروع المنظمة و بعد التسجيل لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة يتم نشر جميع المعاهدات و هناك سلسلة كبيرة يمكن الرجوع إليها لدى الأمم المتحدة من المعاهدات ، بعض المعاهدات المتعددة الأطراف تقتضي زيادةً على التسجيل وجود وديع أي مأتمن على المعاهدة و مهمته حفظ المعاهدة بنسختها الأصلية و جمع وثائق التصديق و التحفظات و إبلاغها إلى جميع الأطراف و إلى غير ذلك من الإجراءات للمحافظة على المعاهدة.
3 ) ” صحة المعاهدات ” :-
لا يمكن لأي معاهدة من إنتاج آثارها القانونية ما لم تكن صحيحة يعني : ما لم تكن خالية من العيوب المبطلة للرضا ، و ما لم يكن موضوعها مشروعاً.
# ” غياب العيوب المبطلة للرضا ” :
لا بد أن يكون التعبير عن إرادة الدول تعبيراً سليماً خالياً من كل العيوب التي من شأنها أن تؤدي إلى بطلان المعاهدة هذه العيوب التي لا بد للمعاهدة أن تكون خالية منها هي : ( خلوها من الغلط و الغش و الإكراه و الإفساد ).
– الغلط :
عند التعبير عن الإرتضاء بالمعاهدة يتعين أن لا يكون هنالك أخطاء حول العناصر الأساسية للمعاهدة و قد تعرضت إتفاقية فيينا في المادة الثامنة و الأربعون لموضوع الغلط.
– الغش :
يتعين أن لا يكون المفاوض قد قام بمحاولات و عمليات للتغرير بالمفاوض الآخر و حمله على الموافقة إثر القيام بهذه العمليات و تعرضت المادة التاسعة و الأربعون إلى موضوع الغش.
– الإفساد :
و يكون بإفساد ممثل الدولة و ذلك خاصةً عن طريق الرشوة بحمله على الموافقة على المعاهدة و تعرضت لها المادة الخمسون.
– الإكراه :
حمل ممثل الدولة بتسليط ضغوطات عليه من أجل حمله على الموافقة على المعاهدة و تعرض لها كلاً من المادتان الحادية و الخمسون و الثانية و الخمسون.
– في حالة حدوث إحدى هذه الحالات يتعين على الدولة المدعية لوجود عيب مبطل للرضا إثبات ذلك بالدليل و الحجة و إذا ثبت حصول عيب مبطل للرضا تبطل المعاهدة و ذلك بإنتفاء آثارها القانونية و الإلتزام بها.
# ” مشروعية موضوع المعاهدة ” :
و هو ما يعبر عنه بالقواعد الآمرة للقانون الدولي العام.
هل يوجد في القانون الدولي نظام عام دولي تخضع له المعاهدات ؟!
معاهدة فيينا حول قانون المعاهدات أتت بالجديد فأوجدت نوعاً من النظام العام الدولي و ذلك صلب المادة الثالثة و الخمسون التي تنص على ما يلي : ( تعتبر باطلة كل معاهدة إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام ).
” القواعد الآمرة للقانون الدولي العام ” :
أ – تعريفها :
عرفت المادة الثالثة و الخمسون من المعاهدة القواعد الآمرة للقانون الدولي العام ، ( كل قاعدة قبلتها الجماعة الدولية في مجموعها و يعترف بها بإعتبارها قاعدة لا يجوز الإخلال بها و لا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام لها ذات الصفة ) ، نستنتج من هذا التعريف أن القواعد الآمرة تعلو المعاهدات و لا يمكن لهذه الأخيرة مخالفتها و إلا أعتبرت باطلة لذلك فإن المادة الثالثة و الخمسون من المعاهدة أوجدت فكرة تدرج شكلي بين المعاهدات و القواعد الآمرة بإعتبار و ان القواعد الآمرة تتمتع بالأفضلية إزاء المعاهدات.
ب – كيفية تحديدها :
لم تعطي معاهدة فيينا أمثلة للقواعد الآمرة ، لكن عند إعداد المعاهدة ذكرت لجنة القانون الدولي خلال أعمالها بعض الأمثلة :
( الإستعمال الغير شرعي للقوة بطريقة مخالفة لميثاق الأمم المتحدة لكن هذا لا يصبح مخالفةً لقاعدة آمرة إلا إذا كانت صلب المعاهدة فتعتبر حينها مخالفة و تلغى المعاهدة ، الرق ، الإبادة الجماعية ، القرصنة ، و كلها لاغية لمخالفتها القواعد الآمرة للقانون الدولي العام ) ، و نجد أمثلة أخرى في قرارات محكمة العدل الدولية مثل : ( في تاريخ 30 / 6 / 1995 م في قرار صادر عنها لقضية تيمور الشرقية أعتبرت أن حق الشعوب في تقرير مصيرها يشكل حقاً ينطبق على الجميع دون قبول لأي إستثناءات مما يعني عدم إمكانية الإخلال به عن طريق معاهدة ) ، و في رأي إستشاراي بتاريخ 8 / 7 / 1996 م أعتبرت محكمة العدل الدولية أن العديد من مباديء القانون الدولي الإنساني تشكل مباديء غير قابلة للتجاوز أي مباديء لا يمكن الإخلال بها عن طريق المعاهدات.
4 ) ” الآثار القانونية المترتبة عن المعاهدات ” :-
المبدأ الأساسي هو أن كل معاهدة نافذة تكون ملزمة لأطرافها و عليهم تنفيذها بحسن نية و تعتبر المعاهدة شريعة الأطراف أي أنها لا تلزم إلا الأطراف الموقعة عليها و أرتضت بها و هذا ما يعبر عنه بمبدأ الأثر النسبي للمعاهدات و لكن له إستثناءات.
# ” مبدأ الأثر النسبي ” :
بإعتبار أن المعاهدة لا تلزم إلا أطرافها فإن الدول الأخرى غير الأطراف الغير معنية بالمعاهدة لا تنتج المعاهدة إلتزامات بالنسبة إليهم و يتعين على أطراف المعاهدة العمل على تطبيقها بحسن نية و لذلك أقتضت المادة السابعة و العشرون من إتفاقية فيينا :
( أنه لا يجوز لطرف ما في الإتفاقية التمسك بقانونه الداخلي ( الوطني ) كسبب لعدم تنفيذ هذه الإتفاقية )
# ” الإستثناءات على مبدأ الأثر النسبي ” :
في بعض الحالات يمكن أن يمتد أثر المعاهدة إلى دول أخرى غير أطراف و غير معنية بالمعاهدة و هذه الإستثناءات ثلاثة هي كالتالي :
1 ) شرط الدولة الأكثر رعاية :
في بعض المعاهدات و بخاصةٍ التجارية منها يدرج شرط أي هنالك بند خاص تتعاهد بمقتضاه كل دولة بأن تسمح للأخرى بالإستفادة من كل إمتياز تمنحه في المستقبل لدولة أخرى لأمر من الأمور التي التعاهد بشأنها مما يعني إحداث أثر على طرف ثالث.
2 ) الإشتراك لمصلحة الغير :
يمكن لمعاهدة بين دولتان إنشاء حق أو إلتزام لدولة أو لدول ليست طرف في المعاهدة لكن يتشرط موافقة الدولة أو الدول الغير معنية بالمعاهدة على ذلك كي يتم نفاذ الإلتزام و إنشاء حق للدولة أو الدول الموافقة على ذلك.
3 ) المعاهدات المنشئة لوضعيات موضوعية :
يمكن لعدد من المعاهدات أن تنشيء وضعيةً بين الدول الأطراف في المعاهدة لا يمكن للدول الأخرى غير الأطراف تجاهلها بمعنى : ( وجوب و يتعين على الدول الإخرى إحترامها و أخذها بعين الإعتبار ) ، و تشمل هذه المعاهدات ثلاثة ميادين :
– المعاهدات المتعلقة بالمجاري المائية الدولية بخاصة ” الأنهار ” المستعملة للملاحة الدولية.
– المعاهدات المتعلقة بالحدود.
– المعاهدات المتعلقة ببعض المناطق أو ببعض الوضعيات السياسية الخاصة مثل ( كشمير ، منطقة القطب الجنوبي كانت و لا تزال محل معاهدة دولية بأنه لا يمكن خضوعها لسيادة دولة ما و أجازت معاهدة واشنطن البحث العلمي فيها فقط و إعتبارها منطقة خالية من السلاح ).
5 ) ” تفسير و تأويل المعاهدات ” :-
خلال تنفيذ المعاهدة تطرح ثلاثة مسائل هي تفسير المعاهدة و تأويلها على المستوى الدولي و ذلك حول مسائل تتعلق بتطبيقها ، كذلك مسألة تعديل المعاهدات و تنقيحها ، و نهايةً بمسألة إنتهاء المعاهدة سنتطرق للحديث عن ذلك كله و كيفيته في سياق الحديث.
# ” تأويل و تفسير المعاهدة لفهم كيفية تطبيقها ” :
تطرح مسألة تفسير المعاهدات على المستويان الداخلي ( الوطني ) و الدولي ، بالنسبة للمستوى الداخلي بعد دخول المعاهدة حيز النفاذ تصبح المعاهدة جزءً من القواعد القانونية للدولة و تردج في نظامها القانوني و في بعض الدول للمعاهدات قيمة قانونية تعلو القانون التشريعي و بعض الدول الأخرى المعاهدات لها قيمة قانونية تعلو دستور الدولة لكن مهما كانت قيمة هذه المعاهدة فإنها تطبق في النطاق الداخلي و تُلزم جميع سلطات الدولة بها و يمكن للمواطنين الإستناد على معاهدة للمطالبة بحق و يمكنهم ذلك بخاصةٍ أمام القضاء لكن في بعض الأحيان لا بد من تفسير المعاهدة ، لكن بالنسبة للمعاهدات القاضي غالباً ما يرجع لتفسير المعاهدات إلى وزارة خارجية دولته ليطلب منها تفسيراً للمعاهدة و هو الإجراء المتبع غالباً من القاضي ، بالنسبة للمستوى الخارجي و بخاصةً في العلاقات بين الدول الأطراف إذا حدث إشكال في تفسير المعاهدة فإن الدول الأطراف تحاول إيجاد تفسير مشترك عن طريق التفاوض فإذا ما عجزت الأطراف عن إيجاد هذا الحل المشترك يقع اللجوء إلى إحدى وسائل حل النزاعات بين الدول و ذلك إما لجوءً للوساطة أو التوفيق و قد يقع اللجوء للتحكيم أو لهيئة قضائية دائمة و نجد في العديد من المعاهدات شرطاً تحكيمياً تتفق بمقتضاه الدول الأطراف مسبقاً على عرض كل نزاع يتعلف بتفسير المعاهدة أو تأويلها إما على التحكيم أو على القضاء حسب ما أتفق عليه مسبقاً بينهم في الشرط التحكيمي.
6 ) ” تعديل و إنقضاء ( إنتهاء )المعاهدات ” :-
خلال تنفيذ المعاهدة تطرح مسألة تعديلها و تنقيحها ، و كذلك كيفية إنقضائها سنتطرق لهذا إن شاء الله في سياق الحديث.
# ” تعديل المعاهدات ” :
ككل شيء فإن المعاهدة هي وليدة ظروف معينة و هذه الظروف قد تتغير و عندئذ لا بد من إدخال تعديلات على المعاهدة لجعلها مواكبة للظروف الجديدة ، إذا تعلق الأمر بمعاهدة ثنائية بإنه يحق لكل من الدولتان أن تطالب الأخرى بإدخال تعديلات على المعاهدة و تفتح مفاوضات لدراسة مقترحات التعديل و تكون إجراءات التعديل مشابهة لإجراءات إبرام المعاهدة فإذا تعلق الأمر بمعاهدة مبسطة بسيطة الإجراءات يكتفى بالتوقيع لدخول التعديل حيز النفاذ و إذا تعلق بمعاهدة شكلية طويلة الإجراءات فلا بد من التصديق على التعديلات بعد التوقيع عليها كي تدخل حيز النفاذ أيضا ، أما المعاهدة المتعددة الأطراف فإنه من حق كل دولة طرف المطالبة بتعديل المعاهدة و يتعين على هذه الدولة أن تحيط علم الدول الأخرى الأطراف بمقترح التعديل فإذا وافقت أغلبية الدول على هذا المقترح يتم التعديل لكنه لا يلزم إلا الدول التي وافقت عليه أما التي لم توافق تبقى مرتبطة بالمعاهدة بوثيقتها الأصلية لا الوثيقة المعدلة البنود.
# ” إنقضاء ( إنتهاء ) المعاهدة ” :
ككل شيء المعاهدة يمكن أن تنتهي و تطرح نهائياً من النظام القانوني و قد تنتهي المعاهدات إما بإرادة الأطراف أو خارج إرادتهم أو بطريقة آحادية الجانب.
1 ) بإرادة الأطراف و هذه الإرادة يمكن أن يعبر عنها صلب المعاهدة أو لاحقةً لإبرامها :
– التعبير عن الإرادة صلب المعاهدة :
عند إبرام المعاهدة يعبر الأطراف عن كيفية إنتهائها فيمكن أن يقع التنصيص صلب المعاهدة على إنتهائها بأجل معين و لكن أيضاً يمكن ان تنتهي المعاهدة بإرادة الأطراف عند إستنفاذها للآثار القانونية أي : ( تطبيقها كاملة ) كما يمكن للأطراف إيراد شرط فسخي صلب المعاهدة فإذا تحقق هذا الشرط تفسخ المعاهدة وذلك بإنهاء الآثار القانونية لها أي : ( إنهاء تطبيقها ).
– التعبير عن الإرادة بإتفاق لاحق لإبرام المعاهدة :
يمكن أن يتفق الأطراف على إبرام معاهدة جديدة تنهي آثار المعاهدة السابقة بمعنى تطبيق الجديدة و إنهاء السابقة و إسقاطها من القانون الدولي مثال ذلك : ( إتفاقية قانون البحار عام 1982 م عوضت إتفاقيات سابقة كجنيف عام 1958 م بالنسبة للدول التي وافقت على ذلك أي إتفاقية قانون البحار ).
2 ) خارج إرادة الأطراف و تكون إما تغيير جوهري للظروف أو حالة الحرب :
– التغيير الجوهري للظروف :
قد تتغير الظروف التي أدت إلى إبرام المعاهدة تغيراً جذرياً و كاملاً و لم يكن متوقعاً هذا التغيير عند إبرام المعاهدة فبسببه يجوز لأحد أطراف المعاهدة المطالبة بتغييرها أو إنهائها لكن بشرط أن تتوفر في هذا التغيير أحد الشروط الثلاثة الآتية :
1- أن يكون هذا التغيير جوهري.
2- أن لا يكون هذا التغيير متوقعاً عند إبرام المعاهدة.
3- أن لا يكون هذا التغيير بفعل الطرف المتمسك به.
– كما أقتضت معاهدة فيينا شرطان إضافيين هما كالتالي :
1- أن لا يتعلق الأمر بمعاهدة لرسم الحدود.
2- أن لا يكون تغير الظروف نتيجةً لإخلال طرف الإلتزام بالمعاهدة أو بأي إلتزام دولي إزاء أي طرف آخر في المعاهدة.
– حالة الحرب :
بالنسبة للمعاهدات الثنائية فإن الحرب مبدئياً تؤدي إلى نسخ المعاهدة ( إنهائها ) بإعتبار قطع العلاقات بين الدولتان من أجل الحرب و ذلك لإستحالة تطبيقها ، و إذا ما تم رجوع العلاقات لمجراها الطبيعي من الممكن تطبيق المعاهدة مجدداً ، أما المعاهدات المتعددة الأطراف فالحرب لا تؤدي إلى نسخ المعاهدة ( إنهائها ) فالمعاهدة تبقى سارية المفعول نافذة آثارها بين الدول الغير متحاربة لكنها تعطل بين الدول المتحاربة لكن بعض المعاهدات المتعددة الأطراف تبقى سارية المفعول و نافذة آثارها بين أطرافها حتى و إن كان البعض منهم متحاربون و رغم الحرب تظل قائمة مثل : ( المعاهدة المتعلقة بالقانون الإنساني يعني إتفاقية جنيف عام 1949 م و البروتوكول الإضافي عام 1974 م ).
7 ) ” الإنسحاب من المعاهدة ” :-
يمكن لدولة طرف في معاهدة أن تقرر بمحض إرداتها الإنسحاب من المعاهدة و ذلك بوضع حد لوجود المعاهدة إزائها إذا كانت المعاهدة ثنائية أو بعد إلتزام الدولة ذاتها إذا كانت المعاهدة متعددة الأطرف ، يمكن للمعاهدة ان تنص على إمكانية الإنسحاب و أن تضع شروطاً لذلك و تتعلق هذه الشروط غالباً بضرورة تنبيه الدولة المنسحبة و إحترام الآجال بإعتبار أنه و في أغلب الأحيان الإنسحاب لا يكون فوري مثل : ( معاهدة اليونيسكو نصت على إمكانية الإنسحاب و لكن لا يكون ذلك إلا بعد سنتان من تاريخ إبلاغ نية الإنسحاب ) ، أما إذا لم تتعرض المعاهدة إلى إمكانية الإنسحاب فإن ذلك مبدئياً غير ممكن إلا إذا تمكنت الدولة التي ترغب في الإنسحاب إقامة الدليل على أنه كان في نية الأطراف السماح بذلك عند إبرام المعاهدة أو أن تلك الإمكانية تسنتج من طبيعة المعاهدة مثل : ( ميثاق منظمة الأمم المتحدة لم يتعرض لإمكانية الإنسحاب و لكنه لم ينص على عدم إمكانية ذلك و وقع عدم تفسير ذلك بإمكانية ذلك أي الإنسحاب رغم أنه في الواقع لم يقع أي إنسحاب ) ، بهذا بهذا أنتهي من هذا المقال الشاق بحمدالله و فضل منه و منة علماً بأن الميثاقان و النظام الأساسي مشار إليهما في معرض سياق حديث المقال.
المراجع
ميثاق عصبة الأمم.
ميثاق منظمة الأمم المتحدة.
النظام الأساسي لمحكم العدل الدولية.
الوسيط في القانون الدولي العام للدكتور ماجد الحموي و الدكتور الدين الجيلالي بو زيد.
محاضرات مقرر القانون الدولي – 1 – نظم 233 لدى شعبة الأستاذ الدكتور رافع عاشور لعام 1426 – 1427 هـ
كل ما يهمك عن المعاهدات الدولية
هل الاعضاء الدبلوماسيي مؤهلين للموافقة أو رفض ما يتم التعاهد عليه علميا؟
وهذه مسئولية دولية يجب رعايتها لوجه الله