ان المراد بالتغير الذي يحدث بالمعقود عليه بعد قبضه هو النقص او الزيادة التي تصيبه والحكم الذي يذهب اليه جمهور فقهاء المسلمين من امامية وحنفية وزيدية وشافعية وحنابلة واباضية هو حكم واحد ينضمون فيه اثر نقص او تعيب المعقود عليه او الزيادة التي تطرأ عليه بيد صاحب حق الخيار بعد قبضه وهذا الحكم يمكن تبينه من خلال التطبيقات التي يوردها هؤلاء الفقهاء (1). ولعل لفقهاء الحنفية الذين هم ممن توسعوا في بيان احكام خيار الرؤية تطبيقات عديدة ونرى في عرض ما ذهبوا اليه ما يمكن ان يرسم صورة واضحة لموقف فقهاء المسلمين من حكم هذه المسألة فيرى فقهاء الحنفية ان حدوث ما يمنع من رد المعقود عليه بما يجعل صاحب خيار الرؤية بحكم الممسك له عن البائع يؤدي الى سقوط خياره والمراد هنا بالمانع هو تغير المعقود عليه بعد القبض والتـغير الحاصل يكون على نوعين :-

النوع الاول : يتمثل في تعيب المعقود عليه وانتقاصه بعد قبضه بآفة سماوية او بفعل صاحب حق الخيار كجرحه للشاة التي اشتراها بعد قبضها (2). او تركه لما اشتراه من الحنطة يجف فينقص وزنها (3). او لبسه لاحد اثواب عدل من ثياب اشتراها دون ان يراها (4). او غربلته للسكر الذي اشتراه بما يؤدي الى نقص وزنه (5). وحتى ان حدث النقص بفعله دون علمه كجزه لصوف الشاه التي اشتراها دون ان يعلم انها المبيعة او لبسه للثوب الذي اشتراه دون ان يعلم انه المبيع (6). فصدور هذه الافعال وما يماثلها من صاحب حق الخيار يؤدي الى تعيب المعقود عليه وانتقاصه ويترتب على ذلك اعتبار تعيب المعقود عليه بعد قبضه سبباً في سقوط خيار الرؤية لدى فقهاء المسلمين كما ان تعيب المعقود عليه ان كان بفعل البائع نفسه او بفعل اجنبي يؤدي الى سقوط الخيار لا فرق في حكم ذلك بين البائع والاجنبي فكلاهما اجنبي بالنسبة للمعقود عليه سبب لانتقال الملكية ولزوم العقد لعدم امكانية رد المعقود عليه لتعيبه مع سقوط خيار الرؤية وتحول حق المشتري في استعمال الخيار الى المطالبة بالارش (التعويض) وهو قول الامام ابي حنيفة ومحمد وهو القول المرجوع عنه لابي يوسف ويذهب ابو يوسف في قول آخر الى جعل الخيار للمشتري مع امكانية استعماله في رد المعقود عليه ان كان التعييب او النقص الحاصل بفعل البائع ويبرر قوله هذا بأن السماح للبائع في ان يسلب حق المشتري في الخيار ان تسبب بفعله في تعيب المعقود عليه يعد مكافئة له على تعديه علماً بأن المشتري قد لا يرغب في الاحتفاظ بالمعقود عليه والحكم بإسقاط خياره بتعدي البائع يعد الزاماً له بما لا يرغب به(7).

النوع الثاني : يمثل في الزيادة الحاصلة في المعقود عليه فتلك الزيادة تكون على انواع ويمكن بيان ذلك من خلال ما يلي :

1. الزيادة المتصلة وهي على نوعين :

أ. زيادة متصلة متولدة .

ب. زيادة متصلة غير متولدة .

2. الزيادة المنفصلة وهي على نوعين :

أ. زيادة منفصلة متولدة .

ب. زيادة منفصلة غير متولدة .

وحكم تطبيقات الزيادة التي تطرأ على المعقود عليه بعد قبضه من قبل صاحب حق الخيار يختلف بأختلاف انواعها المذكورة اعلاه من حيث عدة سبباً لسقوط الخيار لدى فقهاء المسلمين او عدم اعتباره كذلك وهذا ما سنحاول الاحاطة به من خلال ما يلي :

فالزيادة المتصلة المتولدة ومثالها السمن في الشاة التي اشتراها المتعاقد او شفائها من المرض الذي كانت تعاني منه عند التعاقد او أي صفة اخرى لها صلة وثيقة بالمعقود عليه يؤدي حدوثها بعد القبض الى الزيادة في قيمته فحكم هذه الزيادة التي تطرأ على المعقود عليه بعد القبض لدى فقهاء المسلمين انها تمنع من الرد وبالتالي فأنها تؤدي الى سقوط الخيار واعتبار العقد ملزماً للمتعاقد ولم يخالف في ذلك الا الامام محمد (8). اما الزيادة المتصلة غير المتولدة ومثالها بناء صاحب حق الخيار على الارض التي اشتراها او صبغة للثياب التي اشتراها او غرسه للاشجار والنخيل في الارض التي اشتراها فتلك الزيادة لدى فقهاء المسلمين ان طرأت على المعقود عليه بعد قبضه تؤدي الى لزوم العقد وامتناع الرد وسقوط خيار الرؤية بالاتفاق (9). اما الزيادة المنفصلة المتولدة التي يحدثها المعقود عليه بعد قبضه ومثالها ولد الشاه او ثمار اشجار البستان الذي اشتراه المتعاقد او صوف او وبر او شعر او ريش الحيوان الذي اشتراه او لبنه هذه الزيادة وما يماثلها مما يحدثه المعقود عليه بعد قبضه لدى فقهاء المسلمين تعد سبباً في سقوط خيار الرؤية للزوم العقد بها مع امتناع رد المعقود عليه (10). في الحالات السابقة يمتنع على المتعاقد رد المعقود عليه بفسخ العقد استعمالاً للخيار وتكون الزيادة له . اما اذا كانت الزيادة الحادثة في المعقود عليه بعد القبض هي زيادة منفصلة غير متولدة ومثالها حصوله على اجرة المبيع الذي اشتراه وما يماثل ذلك من حصوله على غلة او كسب او صدقة او هبة لم يكن ليحصل عليها لولا قبضة للمعقود عليه وحكم هذه الزيادة انها لا تعد سبباً في سقوط خيار الرؤية ولا تمنع من رد المعقود عليه بأستعمال الخيار وهي من حق المشتري وهو قول محمد وابي يوسف اما لدى ابي حنيفة فيجب رد تلك الزيادة الى البائع والا بطل الخيار (11).

ويمكن ان نستنتج مما سبق:

ان العيب او النقص الذي يصيب المعقود عليه بيد المشتري يؤدي الى سقوط خياره ويعتبر به العقد ملزماً له ويتعذر به رد المعقود عليه اما ان حصلت زيادة في المعقود عليه سواء كانت متصلة متولدة ام غير متولدة او منفصلة متولدة فأنها تجعل العقد ملزماً لانها من حق المشتري ولزوم العقد يعني امتناع الرد وذلك يمثل دليلاً واضحاً على سقوط الخيار اما الزيادة المنفصلة غير المتولدة فهي من حق المشتري مع امكانية استعمال خياره في رد المعقود عليه ولم يخالف في ذلك الا ابي حنيفة الذي اعتبرها من حق البائع والزم المشتري بردها ان اراد استعمال خياره والا فأن عدم ردها يعني بطلان الخيار لديه .

__________________

1- الروحاني – منهاج الفقاهة http//www.emamroharil/com/arabic /kotob/menhajfakaha/down.htm. ص62-65 ، 75 ; محمد رضا المظفر ، الحاشية على البيع والخيارات ، اعداد جعفر الكوثراني العاملي من كتاب المكاسب للانصاري ، بدون سنة طبع – ص65-68 ; برهان الدين ابو الحسن علي عبدالجليل الراشدي المرغيناني ، الهداية شرح بداية المبتدأ ، مطبعة البابي واولاده ، بدون سنة طبع – ص25 ; احمد بن يحيى بن مرتضى ، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار ، بدون سنة طبع – ص351 ; احمد بن قاسم العنسي ، التاج المذهب لاحكام المذهب ، ط1 ، دار احياء الكتب العربية ، مصر ، 1947م – ص400-402 ; الشافعي – الام – Alwarqloqo/file//Ai/ الام files/booksearch.htm

ص1083 ; النووي – روضة الطالبين – Alwarqloqo/files/booksearch.htm ص793 ; ابو محمد موفق الدين عبدالله ابن قدامه المقدسي ، الكافي في فقه الامام احمد بن حنبل ، منشورات المكتب الاسلامي ، بدون سنة طبع ص14-16 ; مصطفى السيوطي الرحيباني ، مطالب اولي النهي في شرح غاية المنتهى وتجريد زوائد الغاية والشرح ، تأليف حسن الشطي ، منشورات المكتب الاسلامي ، دمشق ، بدون سنة طبع – ص27-29 ; القطب اطفيش الميزابي ، شرح النيل ، القاهرة ، 1343هـ – ص140-143 .

2- علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ط1 ، مطبعة الجمالية ، مصر ، 1328هـ ، 1910م ص296-297 ; السرخسي المبسوط ، ط1 ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، بدون سنة طبع – ص166-167، 172 .

3- ابو ابي مظفر محي الدين محمد اورنك ، الفتاوى الهندية المعروفة بالفتاوى العالمكيرية ، المكتبة
الاسلامية ، محمد ازدمير ديار بكر ، تركيا ، بدون سنة طبع – ص62 .

4- زين الدين الشهير بأبن نجيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، تحقيق السيد امين الشهير بأبن عابدين ، شركة دار الكتب العربية الكبرى ، بدون سنة طبع – ص29 ; السرخسي – المبسوط – مصدر سابق – ص75 ; عبدالله الرحمن بن الشيخ محمد بن سليمان المعروف براماد افندي ، مجمع الانهر في ملتقى الابحر ، 1328هـ ،ص37-38 ابو مظفر محي الدين محمد اورنك ، الفتاوى الهندية المعروفة بالفتاوى العالمكيرية ، المكتبة
الاسلامية ، محمد ازدمير ديار بكر ، تركيا ، بدون سنة طبع – ص59 .

5- زين الدين الشهير بأبن نجيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، تحقيق السيد امين الشهير بأبن عابدين ، شركة دار الكتب العربية الكبرى ، بدون سنة طبع – ص28 .

6- محمد بن اسرائيل الشهير بأبن سماونه ، جامع الفصولين ، المطبعة العالمكيرية ، مصر ، 1300هـ – ص244 ; الشيخ نظام الدين واخرون من علماء الهند ، الفتاوى الهندية في مذهب الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان ، ط2 ، المطبعة الاميرية ، مصر ، 1310هـ – ص60 ; ابو مظفر محي الدين – مصدر سابق – ص60 .

7- السرخسي – المبسوط – مصدر سابق – ص166-167 ; الكاساني – مصدر سابق – ص296-297 ; محمد ابن الحسن – مصدر سابق – ص280 ; د. وهبة الزحيلي ، الفقه الاسلامي في اسلوبه الجديد ، ط2 ، بدون سنة طبع ( الارش في معناه الشرعي هو العوض المالي الذي يقدر على الجاني في غير النفس والاعضاء فأن كان العوض عن النفس والعضو فيسمى دية ) ص297 ; د. محمد زكي عبدالبر ، احكام المعاملات المالية في المذهب الحنفي ، دار الثقافة للنشر ، قطر ، الدوحة ، بدون سنة طبع، ص328 .

8- ابن مودود Alwaraqloqo – ص33-34 ; الشيخ نظام الدين واخرون من علماء الهند ، الفتاوى الهندية في مذهب الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان ، ط2 ، المطبعة الاميرية ، مصر ، 1310هـ – ص60 ; نظام الدين واخرون من علماء الهند ، الفتاوى الهندية في مذهب الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان ، ط2 ، المطبعة الاميرية ، مصر ، 1310هـ ، ص244 .

9- علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ط1 ، مطبعة الجمالية ، مصر ، 1328هـ ، 1910م – ص296-297 ; زين الدين الشهير بأبن نجيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، تحقيق السيد امين الشهير بأبن عابدين ، شركة دار الكتب العربية الكبرى ، بدون سنة طبع – ص28-29 ; السرخسي – شرح السير الكبير A/waraqloqo ص574-575 .

10- محمد بن الحسن الشيباني ، الاصل ، تحقيق د. شفيق شحاته ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1954 م – ص279 ; السرخسي – المبسوط – مصدر سابق – ص166 ; ابو مظفر محي الدين – مصدر سابق – ص62 .

11- محمد بن اسرائيل الشهير بأبن سماونه ، جامع الفصولين ، المطبعة العالمكيرية ، مصر ، 1300هـ – ص244 ; الكاساني – مصدر سابق – ص296-297 ; ابو مظفر محي الدين – مصدر سابق – ص60 .

اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .

موقف الفقهاء من تغير المعقود عليه بيد صاحب حق الخيار بعد قبضه