تمثيل الأوقاف العامة أمام القضاء في ضوء العمل القضائي.
إعادة نشر بواسطة لويرزبوك
من إعداد : ذ. عمر زواكي إطار بوزارة التجهيز والنقل.
إن الهدف من البحث في موضوع تمثيل الأوقاف العامة أمام القضاء، هو تبيان الجهات المؤهلة التي تعكس إرادة الشخص المعنوي العام (الدولة) التي تمثله في المجال الوقفي، على اعتبار أن الشخص المعنوي لا يمكن أن يعبر عن إرادته إلا بواسطة شخص طبيعي، لكن التسمية المعبرة أكثر هي الممثل القانوني، وهذا الممثل تمنح له الصفة بنص تشريعي، على غرار من يقوم بالدفاع عن الشخص المعنوي العام الذي قد لا يكون ممثلا له وإنما مدافعا عنه كالمحامي مثلا، ذلك أنه يوجد فرق بين التمثيل والدفاع، يتجلى في إمكانية رفع الدعوى ضد الممثل القانوني للشخص المعنوي العام، ومقابل ذلك لا يمكن رفع الدعوى ضد دفاع الشخص المعنوي العام، إلا في حالة ما إذا كان الممثل هو نفسه الدفاع. ويتميز كذلك التمثيل عن الدفاع في التنصيص الحصري على الجهات التي تمثل الشخص المعنوي العام أمام القضاء، ومن تم عمل المشرع على تحديد هذه الجهات، بمقتضى الفصل 515 م م[1] كنص عام، والذي يعطي لرئيس الحكومة الحق في تمثيل الدولة كمبدأ، وفي مقابل ذلك هناك نصوص خاصة أخرى تنظم مسألة تمثيل الدولة أمام القضاء كما هو الحال في المجال الوقفي.
بالرجوع إلى ظهير 13/07/1913 المتعلق باختصاصات المصلحة المركزية للأحباس، نجده قد منح صلاحية التقاضي باسم الأوقاف إلى المديرية المركزية للأوقاف، التي حلت محلها وزارة الأوقاف، وكذلك منح ظهير 13/01/1918، المنظم لمراقبة الحبس العائلي من طرف وزارة الأحباس، صلاحية التقاضي لهذه الوزارة في هذه القضايا،[2] وهو ما نصت عليه أخيرا مدونة الأوقاف[3] في المادة 56، “تمثل الأوقاف العامة أمام القضاء مدعية أو مدعى عليها من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف أو من تنتدبه لهذا الغرض“.
ومن خلال هذا النص يتضح إذن، أن من يمثل الأوقاف كمبدأ هو وزير الأوقاف (أولا)، وقد ينتدب غيره كاستثناء (ثانيا)، وعليه، يطرح الإشكال حول كيف يمكن تمثيل الدولة أمام القضاء في مجال الأوقاف العامة كمبدأ واستثناء؟.
وفي ظل وجود مبدأ واستثناء في تمثيل الدولة أمام القضاء في المجال الوقفي، يطرح إشكال آخر حول الحالات التي تكون فيها الأوقاف العامة مدعى عليها، ففي هذه الحالة ضد من يجب رفع الدعوى هل وزير الأوقاف أو الجهة المنتدبة لهذا الغرض أم هما معا (ثالثا) ؟.
أولا : المبدأ العام في تمثيل الأوقاف العامة أمام القضاء.
انطلاقا مما جاء في الظهائر الخاصة المنظمة للوقف وكذا مدونة الأوقاف، فإن وزير الأوقاف هو من له صلاحية التقاضي بإسم الوقف، وبالتالي فإنه يجب أن ترفع الدعاوى من و إلى وزير الأوقاف، لكن ألا يمكن قبول الدعوى المرفوعة ضد الدولة في شخص رئيس الحكومة، باعتبار أن الدولة هي بنية لا تتجزأ وأن الجزء (الذي هو الوقف) يعمل في إطار الكل؟
إن هذا الطرح لا ينسجم مع ما جاء به التنظيم القانوني للأوقاف العامة (مدونة الأوقاف والظهائر الخاصة)، ولا يمكن الاجتهاد بوجود النص القانوني، ذلك أنه رغم تنصيص المشرع في الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية على تمثيل الدولة أمام القضاء من طرف رئيس الحكومة كمبدأ عام، إلا أنه نص على استثناءات في نفس الفصل، زيادة على وجود نصوص خاصة تحدد الجهات الممثلة للدولة أمام القضاء كما هو الحال في مجال الأوقاف العامة طبقا للفصل 56 من مدونة الأوقاف، وهو ما أقره قضاء المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) من خلال القرار عدد 324[4]، الذي جاء في حيثياته :
مقال قد يهمك : عبد النباوي : لن ندخر جهدا لتكوين قضاة النيابة العامة في القانون الدولي الإنساني
“حيث إن من جملة ما عابته المستأنفة مجانبته للصواب، ذلك أن سبب وفاة موروت المستأنف عليهن يرجع لسقوط حائط المسجد الذي يعود لوزارة الأوقاف، وأنه كان على المدعيات توجيه دعواهن مباشرة ضد الوزارة المذكورة باعتبارها الجهة المسؤولة عن المسجد، والتمست إلغاء الحكم المستأنف، والحكم من جديد بإخراج الدولة من الدعوى، وفي سائر الأحوال تخفيض التعويض المحكوم به إلى الحد المناسب.
حيث تبين ما عاب به المستأنف الحكم المستأنف، ذلك من أن الثابت من المقال الاستئنافي الذي قدمته الدولة المغربية، يفيد بأن المسجد يعود الإشراف عليه وصيانته لوزارة الأوقاف ..، وبالتالي فهي التي تتحمل مسؤولية الأضرار الحاصلة للغير … وكان على المحكمة أن تناقش الدعوى في هذا الإطار، وهي عندما حملت الدولة مسؤولية الحادث جانبت الصواب وجعلت حكمها معرضا للإلغاء “.
وبالتالي فإن الدعاوى في المجال الوقفي يجب رفعها في وجه وزير الأوقاف، باعتباره ممثل السلطة الحكومية في هذا المجال بمقتضى النص الخاص،
وباعتبار وزارة الأوقاف هي الجهة المسؤولة في هذا المجال، و رفع الدعوى ضدها يجعل الحكم أو القرار القضائي ينفذ على ميزانيتها، على عكس إذا ما تم رفعها في وجه رئيس الحكومة باعتباره ممثل الدولة أمام القضاء كمبدأ، فإن تنفيذ الحكم أو القرار القضائي يكون على ميزانية وزارة المالية، وهذا لا يستقيم نظرا لكون الأوقاف العامة لها ذمة مالية مستقلة.
ومن خلال هذا القرار يتبين أن وزارة الأوقاف هي وحدها التي لها الصفة في التقاضي أمام المحاكم في المجال الوقفي، ولكي تكون الدعوى مقبولة شكلا وجب أن ترفع من طرف هذه الوزارة وضدها، إلا أنه يمكن أن تؤول الصفة في التقاضي باسم الوقف لجهات أخرى بمقتضى تفويض كاستثناء.
ثانيا : الاستثناء في تمثيل الأوقاف أمام القضاء.
يجد الاستثناء في تمثيل الوقف سنده وأساسه القانوني بداية في النص العام، و هو الفصل 34 ق م م الذي ينص على: ” …. غير أن الإدارات العمومية تكون ممثلة بصفة قانونية أمام القضاء بواسطة أحد الموظفين المنتدبين لهذه الغاية”، وكذلك الفصل 354 ق م م الذي ينص على:
“…تعفى الدولة من مساعدة المحامي طالبة كانت أو مطلوبا ضدها، وذلك خلافا لمقتضيات الفقرتين 1 و2 أعلاه.
يوقع في هذه الحالة على مقالاتها ومذكراتها الوزير المعني بالأمر أو موظف منتدب لهذا الغرض، ويمكن أن يكون هذا الانتداب عاما يشمل نوعا من القضايا “.
أما النص الخاص الذي يكرس هذا الاستثناء وهو ما نصت عليه مدونة الأوقاف[5] في الفصل 56 “تمثل الأوقاف العامة أمام القضاء مدعية أو مدعى عليها من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف أو من تنتدبه لهذا الغرض”.
وطبقا للنصوص القانونية السالف ذكرها (خصوصا النص العام)، يتخذ وزير الأوقاف قرار إنتداب[6] موظف لهذا الغرض، والذي غالبا ما يكون ناظر الأوقاف،[7] وهذا الأخير قد ينيب عنه نائبا له أيضا.[8]
إن الاستثناء في تمثيل الوقف يكون دائما من طرف ناظر الأوقاف أو نائبه، والذي ينتدب بمقرر صادر عن وزير الأوقاف، حيث بانعدام وجود هذا الانتداب تنتفي صفة الناظر أو نائبه في التقاضي بإسم الوقف، مما تكون معه الدعوى معيبة شكلا، سواء رفعت من طرفه أو ضده، وهو ما أقرته استئنافية مكناس[9] سنة 2004 من خلال قرارها عدد 1415 الذي جاء فيه “تقديم الدعوى بإسم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في شخص ناظر أحباس مكناس دون إدلاء هذا الأخير بالإذن الخاص من قراراته باعتبرها المرفق الإداري الذي له سلطة إدارة الأوقاف العمومية، مما تبقى معه الدعوى فاسدة من أساسها لتقديمها من غير ذي صفة، وتبعا لذلك يتعين إلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا بعدم قبول الدعوى”.
لكن إذا تم حصول ناظر الأوقاف على انتداب من طرف وزيره بعد رفع الدعوى وقبل البث فيها، هل يمكن تصحيح المسطرة وقبول الدعوى شكلا؟.
لم نعثر على اجتهاد صريح في الموضوع، لكن يمكن استنتاج الجواب من حيثيات القرار السالف الذكر، ذلك أنه أجاب عن الانتداب اللاحق ب : ” … الانتداب المدلى به بعد مرحلة النقض مؤرخ ب 2/2/1999، أي أنه جاء لاحقا للمسطرة وبعد انتهاء الإجراءات وصدور الحكم الابتدائي وكذا القرار الإستئنافي المنقوض وبذلك تبقى الدعوى فاسدة من أساسها لتقديمها من غير ذي صفة…”.
مما يعني – من خلال هذا الاجتهاد القضائي- أنه وبمفهوم المخالفة، لو قدم الانتداب أثناء الإجراءات وقبل صدور الحكم أو القرار الاستئنافي، يمكن قبول صفة الناظر ممثلا للأوقاف أمام القضاء، واعتمادا كذلك على القاعدة المدنية الفقهية أن “الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة”.
ثالثا: مسطرة رفع الدعوى ضد ممثل الأوقاف العامة.
بمقارنة المبدأ والستثناء في مسألة تمثيل الوقف أمام القضاء، يمكن القول أن الاستثناء لا يطرح إشكالا إذا كانت الأوقاف جهة مدعية، بحيث يمكن لناظر الأوقاف الإدلاء بالانتداب لممارسة حق تمثيل إدارته، لكن في الحالة التي تكون الأوقاف مدعى عليها، ففي هذه الحالة تثار صعوبة من طرف رافع الدعوى حول المسطرة الواجب اتباعها حتى يحول دون رفض دعواه، ذلك أنه قد يتم رفع الدعوى ضد الناظر وهو لا يمثل الأوقاف العامة لعدم انتدابه من طرف وزيره، ومن تم ترد الدعوى بعدم القبول، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض محاكم الموضوع[10] سبق وأن ردت بعدم قبول الدعوى المرفوعة في مواجهة الناظر وحده دون رفع الدعوى كذلك ضد وزير الأوقاف، ليس بعلة وجود انتداب أم لا، ولكن بدعوى أن ذلك من شأنه أن يخلق صعوبة في التنفيذ إذا ما صدر الحكم ضد نظارة الأوقاف دون إدخال الوزارة، وبالتالي فإن وزير الأوقاف هو الممثل القانوني وليس الناظر، وعلى هذا الأخير أن يدلي بالتفويض من طرف وزير الأوقاف حينما يريد التقاضي باسم الوقف.[11]
لكن عندما يكون وزير الأوقاف هو ممثل الأوقاف، هل يمكن للمدعي توجيه الدعوى ضده دون إدخال نظارة الأحباس باعتباره هو صاحب التفويض، والناظر هو المفوض إليه دون أن يترتب على ذلك رفض الدعوى شكلا؟.
لقد أجاب قضاء محكمة النقض[12] بتاريخ 10/01/2012 بالقاعدة التالية “يتوجب إدخال نظارة الأحباس في الدعوى كلما تعلق الأمر بنزاع حول استحقاق عقار محبس “.
وبالتالي فالمسطرة التي يجب أن يسلكها المدعي هي رفع دعواه ضد وزير الأوقاف باعتباره الممثل القانوني، وضرورة إدخال ناظر الأوقاف المعني، وذلك حتى لا يتم رد الدعوى بعدم القبول.
نستنتج مما سبق ان الدعوى الموجهة ضد وزير الأوقاف قد لا تقبل بسبب عدم إدخال الناظر فيها، وقد توجه في حق هذا الأخير ولا تقبل بسبب عدم إدخال الوزارة كذلك،
وبالتالي يبقى الإشكال مطروحا، فرغم وجود نص خاص يقر صفة الوزارة بالحق في التقاضي باسم الأوقاف، فإن النص الخاص لا يكفي لحل الإشكال لعدة أسباب من أهمها، أنه قد لا يوجد انتداب وهو ما يجهله المتقاضي، وقد لا ينتبه له حتى الناظر كما سبق الإشارة في القرار أعلاه، كذلك قد يغفل المتقاضي عن إدخال ناظر الأوقاف أو الوزير المعني في الدعوى، لذا، فإن الحل هو تعديل النص العام رقم 515 قانون المسطرة المدنية، الذي يجب النص فيه بصريح العبارة على صلاحية ناظر الأوقاف بالحق في التقاضي أمام المحاكم بإسم الأوقاف، كما فعل في ميدان الضرائب وأملاك الدولة، وهذا كله بهدف عدم عرقلة الحق في التقاضي كمبدأ دستوري.
الهوامش :
– ينص الفصل 515 م م ترفع الدعوى ضد: 1 – الدولة، في شخص رئيس الحكومة وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء؛ 2 – الخزينة، في شخص الخازن العام؛ 3 – الجماعات المحلية، في شخص العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم، وفي شخص رئيس المجلس القروي بالنسبة للجماعات؛ 4 – المؤسسات العمومية، في شخص ممثلها القانوني؛ 5- المديرية العامة للضرائب، في شخص المدير العام للضرائب فيما يخص النزاعات المتعلقة بالقضايا الجبائية التي تدخل ضمن اختصاصاتها؛ 6- مديرية أملاك الدولة، في شخص مدير أملاك الدولة فيما يخص النزاعات التي تهم الملك الخاص للدولة.
↑
– mohamed el mabkhout: les habous publics au maroc. thése.3em cycle droit public, agdal rabat: 1980, p: 55 ↑
– ظ ش رقم 1.09.236 صادر بتاريخ 23 فبراير 2010 يتعلق بمدونة الأوقاف، جريدة رسمية عدد 5847 بتاريخ 14 يونيو 2010. ↑
– قرار المجلس الأعلى عدد 324، صادر بتاريخ 09/04/2008، في ملف إداري رقم 649/4/2/2006، أورده زكريا العماري: دليل العمل القضائي في النازعات الوقفية، بين محاكم الموضوع وتوجهات محكمة النقض، الجزء الثاني منشورات مجلة القضاء المدني، مطبعة المعارف- الجديدة الرباط، 2014 ص 238و239. ↑
– ظهير شريف رقم 1.09.236 صادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) يتعلق بمدونة الأوقاف، جريدة رسمية عدد 5847 الصادرة بتاريخ فاتح رجب 1431 (14 يونيو 2010). ↑
– مثل قرار إنتداب ناظر الأوقاف بمكناس للترافع نيابة عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم 10/12 المؤرخ في 20 فبراير 2010. ↑
– المادة الأولى من نفس قرار الإنتداب . ↑
– المادة الثانية من نفس قرار الإنتداب . ↑
– قرار محكمة الإستئناف بمكناس رقم 1415 صادر بتاريخ 12/05/2004، في ملف رقم 715/03/14، منشور بمجلة القصر عدد 26 – ماي 2010، مطبعة النجاح الجديدة- الدارالبيضاء، ص 176 و 177 و 178. ↑
– حكم صادر عن الحكمة الإبتدائية بشفشاون، عدد 173/01، بتاريخ: 21/11/2001، ملف رقم 57/01/10، منشور: زكرياء العماري: النظام القانوني للأملاك الوقفية، دراسات وأبحات في ضوء المدونة الجديدة للأوقاف، الجزء الأول، منشورات مجلة القضاء المدني، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، 2012، ص:225. ↑
– قرار المجلس الأعلى عدد 809، بتاريخ 23/11/2005، ملف عدد 1755/4/2/2005، غير منشور. ↑
– قرار محكمة النقض عدد 212 ، صادر بتاريخ 10/01/2012، ملف مدني رقم 4571/1/2/2010، غير منشور ↑
مقال قانوني يبحث تمثيل الأوقاف العامة أمام القضاء
إعادة نشر بواسطة لويرزبوك