وضع المعاهدات الدولية عند تفكك الدولة
المحامية: منال داود العكيدي
إن القاعدة العامة بخصوص المعاهدات الدولية حين تفكك دولة ماهي استمرارية المعاهدات ولكن يختلف الحال بحسب سبب تفكك الدولة ، ففي حالة التنازل عن جزء من الإقليم التابع لدولة أخرى بعوض أو بغير عوض ، فمن الطبيعي أن هذه المعاهدات التي تكون الدول المتنازعة طرفا فيها يقف تطبيقها على الإقليم المتنازع عنه بمعنى أن الدولة المتنازل لها لا ترث المعاهدات الدولية التي سبق للدولة المتنازلة عقدها مع دولا أخرى ،
وتظل المعاهدات التي ارتبطت بها الدول المتنازلة قائمة نافذة بالنسبة لها إلا إذا اعتبر الانتقاص في إقليمها كبيرا أو على درجة تؤدي إلى اعتباره عاملا من عوامل انقضاء المعاهدات ، كما هو الحال عندما تنازلت الإمبراطورية الروسية عن الآسكا للولايات المتحدة سنة 1867 اذ لم تلتزم الولايات المتحدة بالمعاهدات التي عقدتها روسيا مع بريطانيا في نطاق اقليم الاسكا .
وقد تتفكك الدولة نتيجة حالة انفصال جزء من إقليمها ليصبح الاقليم المنفصل دولة قائمة بذاتها فأن الدولة الجديدة لا ترث عادة المعاهدات التي سبق للدولة الأصل أن عقدتها مع غيرها من الدول بل يكون من حق الدول الجديدة أن تقوم بعقد معاهدات جديدة تلتزم بها ولا تتقيد بقيود الالتزامات التي كانت تربطها وقت كونه جزءا من إقليم الدولة الأصل ، فعندما انفصلت كمبوديا عن اسبانيا عام 1823 ادعت الولايات المتحدة أن المعاهدات التي كانت تربط بينها وبين اسبانيا لم تزل ملزمة لكمبوديا في النطاق الإقليمي في الفترة التي تمتد من يوم الانفصال إلى الوقت الذي تبدأ فيه كمبوديا مباشره حقوقها وحرياتها في عقد الاتفاقيات الدولية مستقلة غير أن ادعاء الولايات المتحدة ظل بدون نتيجة ايجابية .
وكذلك عندما انفصلت ولاية تكساس عن المكسيك سنة 1840م ادعت الولايات المتحدة أن المعاهدة التي كانت تربطها بالمكسيك منذ عام 1931م تطبق على تكساس ولكن تكساس رفضت هذا القبول .
اما في حالة تفكك الدولة نتيجة التحرر والاستقلال فقد جرى العمل الدولي بين الدول على أساس المبدأ الذي يقرر أن الدولة الخاضعة التي تتحرر من رابطة التبعية أو الخضوع تلتزم بعد استقلالها بأحكام الاتفاقيات الدولية التي عقدتها الدولة المتبوعة بوضعها صاحبة سيادة على الإقليم التابع والحالة الوحيدة التي رفضت فيها احد الدول تطبيق هذا المبدأ هي إسرائيل التي أعلنت في 1950م أنها لا ترتبط بأحكام المعاهدات التي سبق أن ارتبطت بها بريطانيا في خصوص فلسطين بوصفها الدولة المنتدبة عليها ،
اما عندما رفعت الحماية عن مصر وأعلن استقلالها في عام 1922م جرى العمل على أن مصر لما تزل مرتبطة بأحكام المعاهدات والامتيازات الأجنبية التي سبق أن عقدت بين الإمبراطورية العثمانية والدول الاخرى ، وقد ألغيت الامتيازات الأجنبية في تركيا ولكنها ظلت قائمه في مصر إلى أن ألغيت بمقتضى معاهدة منترو التي عقدتها مصر الدول صاحبة الامتيازات سنة 1937م ،
وكذلك اعتبرت معاهدة القسطنطينية المعاهدة المنعقدة بين الإمبراطورية العثمانية وبعض الدول عام 1888م في شان نظام قناة السويس مستمده وقائمة وقد اعترفت مصر باستمرار أحكام هذه الاتفاقية في معاهدة 1936م وفي معاهدة 1945م وفي التصريح الانفرادي الذي أصدرته الجمهورية المصرية في عام 1957 م .
أما بالنسبة إلى أعمال لجنة القانون الدولي التابعة لمنظمة الامم المتحدة فقد تبنت المادة 33 من المشروع النهائي لمعاهدة الميراث الدولي مبدأ استمرارية المعاهدات لكل دولة في حالة انفصال دولة إلى عدة دول إلا إذا كان هناك نية مخالفة المعاهدة أو إذا كانت الاستمرارية تتنافى مع جوهر وغرض المعاهدة وخلال المؤتمر الدبلوماسي كان هناك اتجاهين اتجاه يتماشى مع هذا القول والآخر يتماشى مع مبدأ الصفحة البيضاء والتي تعني تحلل الدولة الجدية من كل المعاهدات التي تبنتها الدولة الاصل.
الوضع القانوني للمعاهدات الدولية عند تفكك الدولة