عقيدة الاستيطان الصهيونية : ما بين النظرية والتطبيق

ان الحركة الصهيونية والتي اتبعت الخط المنهجي في اضفاء طابع المشروعية القانونية والدولية لمشروعها الفكري من اجل انشاء وطن قومي لليهود يجمع شتاتهم . وهذا واضح من خلال سعيها الدؤوب لكي تتماشى منهجيا لانشاء وطنهم القومي من خلال انشاء المؤسسات والاتصال بالدول الكبرى من اجل دعمها او الحصول على ضمانات دولية فالصهيونية ومنذ البداية وقبل ان تتحول الى حركة سياسية كانت تسعى ولو ببصيص امل لاقامة وطنها .
ان نشاط الحركة الصهيونية منذ البداية كان يرسم للحصول على الشرعيه والقانونيه وفق خطوات منهجية لتحويل حلمه الى واقع من خلال :

1. القيام على استيطان فلسطين من خلال العمل الزراعي وغير الزراعي ووفق مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” وان يتم ذلك وفق قانون البيع لكي تتم عملية التملك الرسمي … ويتبين ذلك من خلال شراء اول قطعة ارض عام 1855 واقيم عليها اول حي سكني خارج اسوار القدس سنة 1857 عرف باسم حي ( مشكانوت شعنا نيم وعرف فيما بعد يمين موسى ) , وايضا تاسيس اول مستوطنة زراعية عرفت باسم ( مكفا اسرائيل ) عام 1870 من اجل تزويد المستوطنين بالخبرة الزراعية , وايضا تاسيس اول مستوطنة بشكل منظم وهادف عرفت باسم ( بتاح تكفا ) في عام 1878 . وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء أو الاستئجار لمدة طويلة وبشكل قانوني .
2. تنظيم الشعب اليهودي باسره عبر منظمات محلية ووطنية ودولية تتلائم مع القوانين السائدة في كل بلد يوجد فيها يهود ” و روسيا اكبر مثال على ذلك ” في اول انطلاقة لهم من على ارضها مثل ما فعل احباء صهيون وقد تم تشكيل لهم لجنة فرعية مركزية في وارسو لمتابعة امور الشان اليهودي في العالم .
3. تعزيز الشعور بالهوية اليهودية والوعي القومي عند اليهود (محاربة اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، والعودة إلى صهيون. وقد اتخذت شعارا لها “إلى فلسطين” وفق مفهوم توراتي “عودة الشعب إلى أرض الميعاد ”
4. اتخاذ الخطوات الضرورية للحصول على موافقات وتأييد حكومات الدول الكبرى في انشاء الوطن القومي لليهود .

بعد ظهور الحركة الصهيونية كحركة سياسية عملية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سعت هذه الحركة إلى في اتخاذ القرارات من اجل شراء الأراضي الفلسطينية , فالفكر المتاصل في نشاط الحركة الصهيونية هو ( خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام ) , اذ ان هذا الفكر الصهيوني والذي انعقد من اجله عدة مؤتمرات وذلك من اجل التخطيط لوضع الناحية القانونية لذلك المشروع من اجل تحديد ان فلسطين وطن للشعب اليهودي في حين ان المشروع الصهيوني كان لا ينص صراحة على ان فلسطين وطنا لليهود ويمكن اقامة هذا الوطن في اي مكان الا ان الحركة الصهيونية اصرت على ان تكون فلسطين هي الوطن القومي وذلك لكسب تاييد يهود العالم على هذه الفكرة من اجل تحقيق مشروعية الوطن القومي . ومن الملاحظ ان كلمة ” دولة ” استثنيت من الفكر الصهيوني على زمن العثمانيين واكتفوا بكلمة ” وطن ” او ” مستقر ” من اجل تخفيف مخاوف العثمانيين وحلفائها من الاطماع الاسرائيلية فبذلك اصبحت الاستراتيجية الاسرائيليه تمويهيه تبحث عن العذر القانوني من اجل تغليف هذا الوطن بالشرعية القانونية وايجاد البراءة الدولية لكي يتم تنفيذ مشروعهم والا فانها ستظل حبر على ورق ان لم تحتضنها رعاية دولية فقامت الحركة الصهيونية بعملية بحث من اجل احتضان مشروعهم من خلال ثلاثة بدائل قانونية :
• القانون الدولي
• ضمانات دولية
• القانون العام

واخيرا استقرت الحركة الصهيونية على اختيار ” القانون العام ” والذي يدخل القانون الدولي والضمانات الدولية في اطاره مما يتبين انه لا يحدد دوله معينة او مجموعة من الدول ولكنه بين ان اي دوله كفيله ان تحتضن المشروع الصهيوني كركيزة لشرعية الوطن القومي في فلسطين . ليتبين ان هذا القرار الشرعي والقانوني ليس شرطا كافيا من اجل اقامة ” الوطن القومي اليهودي ” ولكنه مهم وضروري من اجل رسم الخطط مع عملية تنفيذ تلك الخطط واجراء عملية البناء… ومع انطلاقة المؤتمر الصهيوني الاول تقرر انشاء هيئتين :

• الهيئة التشريعية والتنفيذية للحركة الصهيونية ممثلتا في المنظمة الصهيونية العالمية.
• الهيئة الاقتصادية والمختصة في جمع الاموال واستثمارها داخل وخارج فلسطين تحت اسم الوكالة اليهودية فاصبحت الذراع الاقتصادي للحركة الصهيونية

ومن هنا فقد حاولت الصهيونية ومن خلال تنقلها من وساطة الى وساطة من اجل تحقيق حلمهم وفق الغطاء الدولي لكي تتم الامور وفق شرعية القانون وذلك مثلما حدث مع الوساطة الالمانية على زمن القيصر ولهلم الثاني من اجل الحصول على البراءة الدولية من قبل العثمانيين من خلال الاستيطان لكنهم لم يجدوا ضالتهم فتوجهوا الى البراءة الدولية البريطانية لتنفيد ما يريدون .
واذا نظرنا الى المراوغة الصهيونية في اضفاء الشرعية على عمل الحركة الصهيونية من خلال محاولات هرتسل اجراء مفاوضات بين ” المنظمة الصهيونية او الوكالة اليهودية ” من جانب وبين ممثلي الدول الكبرى “العثمانية , والالمانية , والانجليزية , والمصرية ” من جانب اخر وذلك لاضفاء الشرعية على المؤسسات الصهيونية فقد كان ذلك بمثابة اعتراف دولي بالحركة الصهيونية حتى اذا اختلفوا معها واثبتوا هذا الاختلاف ” كتابة ” من مراسلات او مواثيق , ومن ثم يتضح ان الدبلوماسية كانت عالية عند الجانب الاسرائيلي وبشتى الطرق وباستعمال كل المحاولات من اجل الحصول على بصيص امل لارساء الشرعية على مشروعها .
وعلى الرغم من ضألة اليهود في فلسطين اذ ان اليهود لم يبداوا بعملية الاستيطان بالشكل الصحيح في فلسطين بانعقاد المؤتمر الصهيوني الاول عام 1898 بل كان هناك مجرد وجود يهودي محدود ولكنه بدا يتغيير شيئا فشيئا من خلال الهجرات الصغيرة والتي بدات اثر التعديلات في اوروبا وخاصة بعد اغتيال القيصر وعلى الرغم من ضألتهم في فلسطين فقد مثل المهاجرون الروس والاوروبيين الشرقيين والصندوق القومي اليهودي والصندوق اليهودي الاستعماري وشركة تطوير اراضي فلسطين ومكتب فلسطين البذور الاساسية لتكوين الجنين الطفيلي للكيان الصهيوني في فلسطين .
وبعد كل هذه التختيطات والعصف الذهني الصهيوني قد وجد الصهاينة ضالتهم في الجانب البريطاني الذين وجدوا فيه الارض الخصبة لنشر بذور الصهيونية فيه من اجل ايجاد البراءة الدولية للمشروع الصهيوني فقررت الحركة الصهيونية مفاوضة الجانب البريطاني بزعامة حاييم وايزمن مما ادى الى الاتفاق على وثيقة اوجدت وعد بلفور والذي يكاد يكون في كلماته نسخة طبق الاصل عن الوثيقة التي اقرها المؤتمر الصهيوني الاول عام 1898 . وها قد تحقق الغطاء القانوني لانشاء الوطن القومي . ويتبين من ذلك ان الحركة الصهيونية استطاعت التوصل الى هذه التغطية القانونية من خلال ثلاتة اشياء قانونية في ارساء الشرعية وهي :

1. ( من الناحية الخاصة لكل دولة ) قد عملت على تنشيط مؤسسات الصهيونية كحركات اجتماعية بفكر صهيوني وذلك وفق القانون التابع لكل دولة يوجد بها يهود وبترخيص من تلك الدولة .
2. (من ناحية اثبات الذات الصهيونية دوليا) قد عملت من اجل الاعتراف بالحركة الصهيونية دوليا من خلال المفاوضات التي كانت تجريها مع ممثلي الحكومات من اجل اضفاء الاعتراف بها .
3. (من الناحية العامة دوليا) وفرت الغطاء القانوني الدولي لانشاء الوطن القومي عن طريق بريطانيا .

ومن الملاحظ قبل توقيع وعد بلفور لعبت الحركة الصهيونية لعبة جذب الاطراف لجعل هذه الوثيقة تمتاز بالشرعية القانونية والتوافقية لكل الاطراف وخاصة التوافق مع الجانب الامريكي وذلك للتغلب على المعارضة الشديدة لمثل هذا الوعد بين قطاع واسع من اليهود الغربيين المناوئين للصهيونية لكي لا يكون هناك اي تعارض لكل الجوانب . فيتبين من ذلك ان الصهيونية كانت تبحث عن لحمتها اليهودية المشتته هنا وهناك بعد ان حصلت على الاحتضان الدولي .وهكذا قد حرصت الحركة الصهيونية بل اصرت على ان يكون وعد بلفور وثيقة دولية في معاهداتها ما بعد الحرب العالمية الاولى وضمن مقررات مؤتمر فرساي وسان ريمو والمنطقة الدولية الجديدة التي عرفت باسم عصبة الامم فتحققت كل احلام ونشاطات الحركة الصهيونية باصدار قرار الانتداب على فلسطين واحقية اقامة وطن قومي لليهود . فبذلك اصبحت البراءة الدولية لمشروعية الوطن القومي قانونية دولية بموافقة الراي العام الغربي وبمباركة دولية بقيادة بريطانيا .
ان الفكر الصهيوني بنشاطاته يهدف الى تحقيق فكرته على ارض الواقع وليس وضعها على رفوف التاريخ لياكله الغبار هنا وهناك عبر تراكم الصفحات , فكانت في عقلية النشاط الصهيوني عدة طموحات تسعى الى تحقيقها بعد ان حصلت على البراءة الدولية وهي :
• السيطرة على قرارات ادارة الانتداب البريطاني بكل الوسائل من خلال مكانة الشريك الفعلي في ادارة فلسطين .
• فتح ابواب الهجرة بمباركة الشرعية واضفاء المشروعية عليها .
• الحصول على الاراضي العامة ” الميري ” بواسطة الصناديق اليهودية .
• استحداث المجالس واللجان اليهودية والحفاظ على المصالح اليهودية .
• توضيح ان العنصر اليهودي عنصر مميز من خلال تعلمه وراس ماله الاقتصادي .
• ايجاد قوة عسكرية على ارض فلسطين تخرج من رحم القوى العظمى

حينها راوغت الصهيونية على لعبة تقمص الادوار من خلال تعيين هربرت صومائيل كاول مندوب سامي على فلسطين فمن خلالها اتبعت الحركة الصهيونية خط الدبلوماسية في تعاملها مع الضمانه الدولية ( البريطانيين ) لكنها اتبعت خط العسكرية مع القوى العربية , ففي الخط الاول اتبعت ذلك لكي تحافظ على الهبة القانونية التي حصلوا عليها ,اما الخط الثاني فقامت بممارستها باسم الشرعية التي حصلت عليها من الضمانة الدولية ( بريطانيا ) فمن خلال ذلك نلاحظ ان الحركة الصهيونية سعت منذ البداية على ايجاد قوة تخرج من رحم القوى العظمى فاتبعت مايلي :
• حرصت الحركة الصهيونية على تدريب اكبر عدد ممكن من اليهود في صفوف الجيش الغربي و ذلك ايام الحرب العالمية الاولى وما بعدها لاكسابهم التدريب العسكري والعطف الغربي .
• حرصت الحركة الصهيونية على ايجاد قوة داخلية في فلسطين وبشكل قانوني تحت مسمى ” شرطة المستعمرات اليهودية ” من اجل ايجاد النواة الاولى لقاعدة الجيش الاسرائيلي وذلك وفق تفكيرهم ” انه لن تكون هنالك دولة ان لم يوجد الجيش “.

لكن علينا ان نعرف انه حينما قامت الحكومة البريطانية بتحديد اعداد الوافدين الى فلسطين المهاجرين قامت الحركة الصهيونية بعمليات انتقامية على شكل ثورة شعبية ضد القوات البريطانية … احقا انهم قاموا بذلك ردا على تحديد الهجرات الى فلسطين ام غير ذلك …. فمن ذلك نستنتج ان من وراء هذا كله امور ثلاث :

1. ان اليهود ومن على ارض فلسطين اصبحوا اصحاب وجود وفق القانون الذي اعطي لهم دوليا وهم شركاء في ادارة فلسطين .
2. اعتبار القوات البريطانية التي توجد على ارض فلسطين قوات اجنبية واصبح خوض حركة تحرر ضد هذه القوات الاجنبية واجب اذ انها لا تمتلك الحق التاريخي في فلسطين وان الفلسطينيين في طريقهم الى الزوال .
3. اعتبر اليهود بذلك انهم يدافعون ومن على ارضهم مثل اي حركة تحرر عالمية لاخراج هذا الاجنبي الذي لا يملك اي شيئ على هذه الارض الا انهم سلطة انتداب مدنية .

يتضح ان نضالهم حسب رؤيتهم هم اصحاب قضية ومن على ارضهم ارض فلسطين يدافعون عنها مثل اي حركة تحرر مستغلين في ذلك ان الهجرة الى ارض فلسطين قانونية حسب صك الانتداب وان ايقافها يخالف القوانين التي وضعت وان وجودهم قانوني حسب وعد بلفور وصك الانتداب وان نضالهم قانوني ضد من يخالف هذه القوانين , فبذلك استغلت الحركة الصهيونية الامور القانونية في هجرتها الى فلسطين . فيستدل ان بريطانيا وضعت القانون لتثبيت اسرائيل فقامت اسرائيل بعملية مراوغة مستغلة هذا القانون في كل اعمالها .
ومن زاوية الادعاءات الصهيونية لحماية اليهود من مخاطر العداء للسامية وما تبعها على ادعائهم بما يسمى محرقة اليهود على يد النازية وذلك لتحقيق حق مشروعية الهجرة الى ارض فلسطين…. لكن هل قامت الحركة الصهيونية بحماية اليهود من العداء للسامية ؟؟؟ … ان الوقائع التاريخية تدحض هذا الزعم وتثبت ان تعاونا وثيقا نشأ بين الزعناء الصهاينة واعداء السامية منذ اللحظة الاولى لتأسيس حركتهم .
فقد ادرك منظرو وزعماء الحركة الصهيونية ان مشروعهم الاستيطاني لتهويد فلسطين لن يكلل بالنجاح ما دام اليهود يرفضون ترك اوطانهم الاصلية التي ولدوا وعاشوا فيها والتوجه الى وطن اخر لا تربطهم به ادنى صلة وكانوا ينظرون الى موجات العداء للسامية باعتبارها ( ظاهرة مفيدة للحفاظ على الشخصية اليهودية . ولذا لم يتورع مؤسسو الحركة الصهيونية عن مشاركة اعداء السامية في تدبير وتنفيذ المجازر وحملات الابادة ضد اليهود لحملهم على التماس النجاة بواسائل نقل اعدتها الوكالة اليهودية بهدف دفعهم للهجرة الى ما يسمى ( ارض الميعاد ) ولم يعد خافيا ما كان يبذل من اموال طائلة لتغذية موجات الاضطهاد المفتعلة ودفع عجلة العداء للسامية لتشريد المزيد من اليهود وتوجيههم الى فلسطين باسم الشرعية المنبثقة من الاستعطاف الدولي .

ومما يتضح ان الحركة الصهيونية حاولت منذ البداية تحقيق حلمها خطوة خطوة وقد نجحت في ذلك مؤسساتيا وتفاوضيا ودوليا من خلال طرح قضيتها عبر كل الطرق والمحاولات لاثبات شرعيتها القانونية فمن ذلك استطاعت الحركة الصهيونية اكساب المجتمع الصهيوني معظم سمات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية عن طريق البراءة والحصانة الدولية تحت مسمى دولة اسرائيل وفق قرار التقسيم 181 و تم توحيد كل المنظمات الصهيونية وصهرها تحت مسمى جيش اسرائيل ليجتمع عنصر الدولة بقوة الجيش وهكذا ظهرت اسرائيل دولتا وجيشا وشعبا على احد الاقاليم ليجسد دولة اسرائيل على حساب فلسطين ( اغتصاب ) ولكن ضمن صراع حدودي .

عقيدة الإستيطان الصهيونية ما بين النظرية والتطبيق – مقال قانوني هام