مقال حول واقع و مرتجي آلية تكوين الرأي القانوني
الاستشارة القانونية ( آلية تكوين الرأي القانوني ) واقع ومرتجى
والتي ألقيت في قاعة نقابة المحامين بطرابلس 2000/7/6
المحامي اللبنانى – محمد خالد مراد
مقدمة:
إن مهنة المحاماة كما هو معروف تمارس من خلال سياقين لا اظنهما إلا متداخلين الأول هو الدفاع عن الحقوق والحريات على تشعبها وتعددها، والثاني تقديم النصح أو المشورة والاستشارة أو الرأي في مجالات القانون من مدنية وجزائية وإدارية ودستورية ودولية
ومن الملاحظ في مجتمعنا أن الاستشارة القانونية بوصفها عملاً من أعمال المحاماة لا تأخذ مكانها المناسب في ممارسة هذه المهنة على عكس ما هو سائد في البلدان المتقدمة، ولعل ذلك يعود إلى تدني درجة الوعي القانوني بين المتعاملين مع المحامين والى أن ذهنية الناس في مجتمعنا تفضل أن تتعامل مع المرض بعد وقوعه من أن تتعامل مسبقاً مع وسائل الوقاية من المرض.
وعليه، يمكن القول إن الاستشارة القانونية في بلادنا لا تحظى بالاهتمام الكافي والمناسب لا من جمهور المتعاملين مع المحامين ولا من معظم المحامين على الرغم من خطورة وأهمية وفعالية هذا النوع من أعمال المحاماة، الذي يمكن أن يوصف بحق انه وقاية- والوقاية خير من العلاج- باعتبار أن الاستشارة القانونية وقاية والدعوى علاجاً.
وإذا كان التغيير المتسارع هو سمة هذا القرن وهو قرن التجارة العالمية الحرة التي تزول من أمامها الحواجز الجمركية بين دول العالم، وهو قرن التزاحم بين الأفكار والثقافات التي تحاول دخول عقول الناس في كل بقعة من العالم من خلال فضاء رحب تتصارع فيه القنوات، فإن مهنة المحاماة في بلدنا يجب أن تكون في أوائل المستجيبين لهذا التغيير.
ولعل معظمنا يعرف حجم الطلب على الاستشارات القانونية والمدى الهائل المتقدم الذي وصلت إليه الاستشارة القانونية في أعمال المحامين في أوروبا وأميركا وبقاع أخرى من العالم بحيث أصبحت معظم شركات المحاماة المعروفة والعريقة في العالم هي تلك الشركات التي تتخذ من الاستشارات القانونية نشاطاً رئيساً بل ربما وحيداً لها.
والواضح أن هذا القرن في مجال مهنة المحاماة هو قرن الاستشارات القانونية لا قرن المنازعات القضائية وأن ذلك يعزز بعوامل عديدة منها أن حياتنا اليوم موسومة بطابع الاتصال فائق السرعة وهذه لا تقبل بطء التقاضي سواء كان التقاضي عاماً (قضاء الدولة) أو خاصاً (قضاء التحكيم) كما أن إنشاء العلاقات القانونية والتعامل بين الأشخاص الطبيعيين منهم والمعنويين لم يعد يؤسس على افتراض حسن النية وسهولة التنفيذ والمصداقية.
بعد هذا التقديم السريع ابدأ حالاً في التعريف بالاستشارة القانونية:
أولاً: التعريف بالاستشارة القانونية:
فالمشورة والاستشارة لغة مأخوذتان من الأصل الرباعي شاور، ففي اللغة أشار عليه أمره ونصحه ودله على وجه الصواب، وشاوره في الأمر طلب منه المشورة وفعل استشار إذا كان لازماً أصبح معناه «تبين» وإذا كان متعدياً أصبح معناه طلب منه المشورة)المنجد في اللغة – استشار)
والمشورة والاستشارة فيهما معنى النصح، وغالباً ما تسمى المشورة والاستشارة بالنصيحة وان كانت النصيحة لا تقدم من الناصح إلا بناء على طلب مستنصح والمشورة والاستشارة كما هو النصح والنصيحة من مستلزماتهما الصدق والأمانة والإخلاص، كما جاء في القرآن الكريم سورة الأعراف آية 68: ﴿ أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين﴾، وتطبيقاً لليمين المنصوص عنها في المادة العاشرة من قانون تنظيم مهنة المحاماة…. ” وان لا أقول أو انشر مترافعاً كنت أو مستشارا “ً
والرأي مشتق من الثلاثي «رأى» والرأي هو رأي العين كما صور رأي العقل أي النظر بالعين أو العقل (المنجد في اللغة والإعلام) ومن يعطي رأيه فإنما يكون قد أسدى نصيحة بعد إعمال وتمعن عقلي
ومن الناحية القانونية فالرأي القانوني والمشورة القانونية والاستشارة القانونية ثلاث تسميات مترادفة تدل على معنى واحد هو بيان حكم القانون في مسألة ما أو بمعنى أدق بيان حكم القانون في شأن محدود بناء على طلب أو سؤال آخذاً في الاعتبار وقائع محددة.
ولا شك في أن المقصود بالاستشارة القانونية هو بيان حكم القانون لا تقديم النصح للإفلات من حكم القانون.
فعلى الصعيد المهني:
استعمل قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 8/70 في المادة الأولى منه مصطلح الرأي القانوني حيث نصت على:
“المحاماة مهنة ينظمها هذا القانون وتهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق”
كما استعمل مصطلح الاستشارات في المادة 91:
” لا يجوز للمحامي الذي يتقاضى أتعاب محاماة سنوية أو شهرية عن الدعاوى أو الاستشارات أن يقبل أية دعوى أو يعطي أية استشارة لخصم موكله”
ومصطلح الاستشارات الحقوقية في المادة 112 منه وكل هذه المصطلحات تدل على معنى واحد.
وعلى الصعيد الإداري والعدلي:
وعلى الصعيد الإداري والعدلي فقد وردت عبارات الرأي والرأي الاستشاري والاستشارة في المادتين 46 و47 من المرسوم الاشتراعي رقم 119/1959 (نظام مجلس شورى الدولة) والمادة 8 و9 و10 و11 و12 من القانون الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 151 عام 1983 والمتعلق بتنظيم وزارة العدل.
وإذا كان المعنى الضيق للاستشارة القانونية هو تقديم أو إعطاء الرأي القانوني بناء على طلب وسؤال فإن المعنى الواسع لتقديم أو إبداء الرأي القانوني يشمل تقديم المذكرات والمطالعات والدراسات القانونية كما يشمل تنظيم العقود ومراجعتها كما يشمل أعمال التحكيم التي يقوم بها المحامي سواء كان في موقع المحكم أو محامياً أمام هيئة تحكيم، والاشتراك في المفاوضات إلى جانب الموكل و يشمل ذلك التقاضي لأن ما يقوم به المحامي في الدعوى ليس إلا إبداء لرأي قانوني أمام المحكمة كما يمكن أن نذهب ابعد من ذلك لنقول إن العمل القضائي الذي يقوم به القاضي ليس في حقيقته إلا من باب الاجتهاد والتفسير للنصوص وما هو إلا إبداء أو كشف لرأي قانوني.
والاستشارة القانونية من الناحية الفنية الصرفة هي محاولة لبيان حكم القانون مهما كان مصدر القانون الذي تعتمد عليه الاستشارة ومن هنا كان كل من القاضي والمحامي يتلخص عمله إما في أعمال النص أو الاجتهاد لتفسير أو تأويل النص وأعماله أو أعمال ما أسفر عنه اجتهاده.
كما أن الاستشارة القانونية من جانب آخر هي محاولة لإفراغ الوقائع في قوالب النصوص أو بمعنى آخر محاولة تحديد النص القانوني الذي ينطبق على الوقائع المعروضة باعتبار النصوص القانونية هي قواعد عامة مجردة يمكن تشخيصها أو شخصنتها عند انطباقها على الوقائع التي تمثل حالات فردية أو شخصية وضعت القاعدة القانونية لتشملها في عموميتها وتجريدها.
ثانياً: المستشار القانوني:
1) على الصعيد المهني:
تحصر المادة 61 من قانون تنظيم المهنة وتحت باب 1- في الاستشارات والوكالات، مزاولة مهنة المحاماة بالمحامين كما ترسي هذه المادة قاعدة مؤداها انه لا يجوز للمتداعين أن يمثلوا أمام المحاكم بحالات محددة ثم أوردت استثناءات على هذه القاعدة في الفقرة الرابعة من المادة 61 – قضايا الأحوال الشخصية والدعاوى التي لا تزيد قيمتها على مبلغ محدد
وأوجبت المادة 4 من قانون المهنة على من يمارس مهنة المحاماة أن يكون اسمه مسجلاً في إحدى النقابتين وأوضحت المادة 5 منه الشروط الواجب توافرها في من يحق له مزاولة مهنة المحاماة.
وبالطبع فإن الذي يحق له تقديم الاستشارة القانونية أو إبداء الرأي القانوني للكافة لا بد أن يكون محامياً ومستوفياً للشروط القانونية ويمكن كذلك للأستاذ في معهد الحقوق وهذا ما أكدته المادة 112 من قانون تنظيم مهنة المحاماة والتي نصت:
“يعاقب بالحبس حتى الشهر وبالغرامة من عشر ليرات إلى مئة ليرة كل شخص يعطي استشارات حقوقية دون أن يكون محامياً أو استاذاً في معهد الحقوق”
كما نصت المادة 16 من قانون 62/88 المتعلق بصندوقي تقاعد نقابة المحامين في بيروت وطرابلس على ما يأتي:
: يمنع على المحامي المتقاعد ….
2- أن يمارس المحاماة بالمرافعة أو بالاستشارة »
مما تقدم، يتبين أن إعطاء الاستشارة القانونية محصور فقط بالمحامي العامل والأستاذ في معهد الحقوق.
وتوجب المادة العاشرة من قانون المهنة أن يقسم المحامي لدى صدور القرار بتسجليه في النقابة وأن يؤدي أعماله بأمانة وان يحافظ على سر المهنة وعلى آدابها وتقاليدها وان لا يقول أو ينشر أو يترافع أو يعطي استشارة ما يخالف الأخلاق والآداب.
ولهذا حظرت المادتان 90 و91 من قانون المهنة على المحامي أن يبدي أية معونة ولو على سبيل الرأي من أي دعوى سبق وان كان وكيلاً لها أو أن يعطي أية استشارة لخصم موكله والسبب في ذلك يعود إلى ما للاستشارة القانونية من أهمية وخطورة.
وبما أن تقديم الاستشارات القانونية هو من أعمال المحاماة لذلك كان من حق المحامي أن يتقاضى بدل أتعاب مقابل تقديمه هذه الاستشارات وهذا ما يفهم من نص المادة 68:
“للمحامي الحق ببدل أتعاب عن الأعمال التي يقوم بها ضمن نطاق مهنته.
ومن صراحة نص المادة 82 من النظام الداخلي حيث جاء فيها:
يستوفي الحد الأدنى من الأتعاب كما يلي :
100,000 ل.ل. بدل أتعاب للاستشارة الشفوية.
“750,000 ل.ل. بدل أتعاب عن الاستشارة الخطية
2) أما على صعيد الاستشارة التي تطلبها الإدارة:
عدلياً:
يوجد في المديرية العامة لوزارة العدل هيئة تدعى هيئة التشريع والاستشارات يرأسها قاض من القضاء العدلي والإداري من الدرجة السابعة على الأقل يعين بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل ويعاونه قضاة عدليون أو إداريون وتتولى هذه الهيئة بالإضافة إلى الجانب التشريعي إعداد وصياغة القوانين والمراسيم والقرارات التنظيمية ومشاريع المعاهدات والاتفاقات الدولية إبداء الرأي في مشاريع القوانين والمراسيم الاشتراعية والمراسيم والقرارات التنظيمية والتعاميم ومشاريع المعاهدات والاتفاقات الدولية واقتراح التعديلات التي تراها ضرورية، وكل ذلك بناء على طلب الإدارات المختصة، كما تتولى هذه الهيئة بناء على طلب الوزير المختص ، تفسير النصوص القانونية وإبداء الرأي في الأعمال والعقود التي يكون للدولة علاقة بها وفي الخلافات التي تنشأ بين إدارات الدولة أو بينها وبين الغير وكذلك بسائر المسائل والمهام القانونية التي يكلفها بها وزير العدل وكذلك ابدء الرأي في المسائل القانونية التي يفرضها عليها المدير العام لوزارة العدل.
وتعرض الاستشارة على المدير العام قبل إيداعها المرجع الذي قبلها وللمدير العام أن يوافق عليها أو أن يطلب إعادة النظر فيها بعد بيان الأسباب وفي حال الإصرار عليها يكون للمدير العام أن يحيلها أمام الهيئة الاستشارية العليا فتبتها بشكل نهائي وهذه الهيئة برئاسة المدير العام لوزارة العدل وعضوية كل رئيس هيئة التشريع والاستشارات ورئيس هيئة القضايا ورئيس معهد الدروس القضائية، كما يمكن لمجلس الوزراء في القضايا البالغة الأهمية أن يطلب صدور الرأي الاستشاري عن الهيئة الاستشارية العليا التي ينضم إليها رئيس مجلس شورى الدولة واثنان من رجال القانون يعينهم مجلس الوزراء ويترأس الهيئة عندئذ وزير العدل وتنص المادة 14 من المرسوم 151 إن الإدارة غير ملزمة بالرأي إلا أن مخالفتها له يجب أن تحصل بقرار معلل تبلغ صورة عنها إلى وزارة العدل.
2- إدارياً:
إن مجلس شورى الدولة يقوم بجانب من أعماله بالدور الاستشاري.
وحسب نص المادتين 46 و47 من المرسوم الاشتراعي رقم 119/1959:
“يساهم مجلس الشورى في إعداد القوانين فيعطي رأيه في المشاريع التي يحيلها إليه الوزراء ويقترح التعديلات التي يراها ضرورية (مادة 46)”
وجاء في المادة 47/ فقرة 2/ من المرسوم المذكور: ” يمكن أن يستشار مجلس شورى الدولة في مشاريع المعاهدات الدولية ومشاريع التعاميم وامتيازات المصالح العامة ودفاتر الشروط العامة”.
وهنا استشارة مجلس الشورى هي اختيارية لا إجبارية.
أما الأمور التي تطلب فيها استشارة المجلس وجوباًً بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 47 من المرسوم الاشتراعي 119 المعدل بالقانون الصادر 1971:
يجب أن يستشار مجلس الشورى في مشاريع المراسيم ذات القوة التشريعية وفي مشاريع النصوص التنظيمية التي ترمي إلى تأمين تطبيق القوانين وفي جميع المسائل التي نصت القوانين والأنظمة على وجوب استشارته فيها باستثناء المشاريع والمراسيم المتعلقة بتعديل تعريفة الرسوم الجمركية
وإذا كانت اللغة هي وسيلة الاتصال مع الآخرين فعلى المحامي أن يحسن استعمال هذه الوسيلة فــي مرافعاتـــه وتقديمــــه لآرائـــــــــه القانـونيــــــــــــــة خاصة وان الصياغة القانونية للنصوص تعتمد على المعنيين اللفظي والاصطلاحي، فتمكن المحامي من اللغة العربية أمر جوهري في إبداء الرأي القانوني لأن الوصول إلى رأي في الذهن شيء والتعبير عن هذا الرأي شيء آخر فإن لم يتقن المستشار التعبير عن رأيه يكون قد فشل في إبداء الرأي.
كما أن معرفة المستشار القانوني ودرايته بلغة أجنبية حية غير لغته العربية تجعلانه أكثر قدرة ودراية في إبداء الاستشارات القانونية لا لمجرد إمكانية إطلاعه على أنظمة قانونية أخرى ولكن لأن كل لغة تحمل في طياتها اسلوب تفكير يختلف عن اللغات الأخرى، فضلاً عن التزاحم الحاصل في أيامنا هذه بين الأفكار والثقافات وما يسمى هذا القرن بقرن التجارة العالمية الحرة والارتباط العضوي للاستشارات القانونية بها.
ثالثاً: طلب الرأي القانوني
إن طلب الرأي القانوني لا بد أن يكون صادراً عن شخص، متضمناً وقائع محددة تستلزم بالضرورة الإجابة على سؤال فحواه ما هو حكم القانون في الوقائع المفروضة أو في المسألة المعروضة إذ أن الواقعة أو الواقعات هي جوهر طلب الرأي القانوني ولا يمكن القول بوجود هذا الطلب دون وجودها.
ولا بد أن تكون الواقعات المعروضة صحيحة وليس معبرة عن وجهة نظر طالب الرأي ونعني بصحة الواقعات أن تكون حقيقية.
ولا بد من أن ننبه إلى أن اختلاف الواقعات يؤدي حتماً إلى اختلاف الرأي القانوني كما أن عدم ذكر جميع الواقعات ذات العلاقة قد يؤدي إلى إعطاء رأي قانوني في غير محله فالرأي القانوني يدور وجوداً أو عدماً وصحة وخطأ مع الوقائع المعروضة.
ولا بد أن تكون الوقائع المعروضة محددة واضحة خالية من الاحتمال فطلب حكم القانون وإعلانه لا يكون إلا في وقائع أخذت مكانها في الماضي أو تأخذ مكانها في الحاضر، فالوقائع التي لم تأخذ أحد هذين المكانين لا يمكن تسميتها بالوقائع لأنها لا تقع فعلاً وبالتالي لا يمكن إعلان حكم القانون بناء عليها إلا إذا كان المطلوب رأياً مستقبلياً في وقائع على فرض حدوثها، وطلب حكم القانون في مسألة ما لا بد أن يكون في صيغة سؤال سواء أكان هذا السؤال بسيطاً أم مركباً، وكلما كان السؤال أكثر وضوحاً وتحديداً كانت مهمة إبداء الرأي أكمل، فأسئلة مثلاً: – نرجو إبداء مطالعتكم القانونية ؟ نطلب معرفة حكم القانون ؟؟ وما هو رأي القانون في كذا …؟ كلها أسئلة عامة غير محددة والأسئلة الواضحة والمحددة والتي تساعد على إبداء الرأي القانوني هي من قبيل:
1- هل يحق للموظف المذكور الحصول على مكافأة نهاية خدمة عن المدة من إلى؟؟
2- هل يجوز لفلان أن يرفع دعوى تعويض عن الضرر الذي لحقه نتيجة الحادث المذكور والذي وقع بتاريخ؟؟
3- هل يجوز لمن لم يحضر جلسة مجلس إدارة الشركة أن يصوت على المسائل المعروضة فيها عن طريق الهاتف؟؟
رابعاً: آلية تكوين الرأي القانوني:
إن آلية تكوين الرأي القانوني تمر بمراحل:
1- تحديد الوقائع:
عندما تصبح لدينا وقائع كافية ومنتجة وصحيحة نكون قد حصلنا على المادة الأساسية التي يعتبرها المستشار القانوني الحجر الأساس في تكوين الرأي القانوني الصحيح فيبدأ بالتعامل مع هذه الوقائع ليحللها إلى عناصرها المختلفة، وتحليل الواقعة يكون بالعودة بها إلى عناصرها المختلفة.
فإذا كانت الاستشارة مثلاً حول مدى مسؤولية شركة تأمين عن سرقة أثاث منزل، فلا بد من أن تكون السرقة قد حصلت فعلاً وان هناك بوليصة تأمين تلتزم بموجبها الشركة أن تغطي السرقة وان مدة البوليصة كانت سارية المفعول بتاريخ وقوع السرقة.
فالرأي القانوني السليم هو الذي يعطى بناء على ثبوت هذه العناصر لا على افتراضها أو افتراض بعضها، وتبسيط الواقعة لا يكون إلا إذا كانت معقدة أو مركبة، وتكون الواقعة بحاجة إلى تبسيط إذا كان لا يمكن الرجوع بها إلى عناصر بسهولة، كأن تكون الاستشارة المطلوبة مثلاً عن من هو المسؤول عن أضرار وقعت لسيارة أثناء حادث سير اشتركت فيه أكثر من سيارة فلا بد هنا من معرفة كيف حصل الحادث والاطلاع كذلك على الرسم الخاص بالحادث وتحديد المشاركين فيه، وذلك كله لمعرفة الوقائع ولمعرفة إلى من يتم نسبتها من المشاركين في الحادث.
وإذا تم تحليل الوقائع وتبسيط المركب والمعقد منها أصبح في مقدورنا القول إن الوقائع أصبحت محددة، أي أن تحديد الوقائع يكون من خلال تحليلها وتبسيطها.
2- تحديد المطلوب:
يشترط في ما هو مطلوب أن يكون متعلقاً بالوقائع المعروضة مرتبطاً بها حتى يمكن الإجابة عليه (إبداء الرأي القانوني)، وغالباً لا تستطيع الجهة طالبة الاستشارة، تحديد السؤال فيكون هنا من مهمة المستشار افتراض السؤال في ضوء الوقائع المنتجة والكافية والصحيحة، أي أن المستشار يفترض نفسه مكان الجهة طالبة الرأي ويطرح على نفسه السؤال الذي كان على الجهة طالبة الرأي طرحه.
وفي بعض الأحيان قد تجتهد الجهة طالبة الرأي فتقدم هي الرأي القانوني للمستشار وتسأل عما إذا كان هو الرأي الصواب أم لا ولا يقتصر دور المستشار هنا بالإجابة بنعم أم بلا بل لا بد أن يحدد الأسباب التي دعته إلى الإجابة سواء بنعم أم بلا.
وقد يكون السؤال بسيطاً أو مركباً فيكون بسيطاً إذا كان منصباً على طلب حكم القانون في مسالة ما محددة ويكون مركباً إذا كان سؤالاً رئيسياً يتفرع عنه سؤال أو أسئلة فرعية.
مثال ذلك، أن يرد إلى المستشار سؤال عن مدى مسؤولية الشريك المتضامن في شركة التضامن تجاه دائني الشركة، حيث يتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر هو ما مدى إمكانية التنفيذ على أموال الشريد المتضامن الخاصة ومتى يمكن تنفيذها ؟؟
3- تحديد الحقل القانوني:
إن مسألة تحديد الحقل القانوني للوقائع سواء أكان عاماً أم خاصاً تحتاج إلى دراية ومعرفة من قبل المستشار القانوني، وتتطلب إلماماً بالنظام القانوني بكامله ولهيكلية هذا النظام وفي نفس الوقت مواكبة التشريعات الناظمة لمختلف العلاقات والتعديلات التي تطرأ عليها بين الحين والآخر كما تتطلب منه الانتباه إلى موقع القانون هل هو قانون عام أم قانون خاص.
فقانون التجارة هو قانون عام إذا نظرنا إليه من ناحية أنه ينظم الأعمال التجارية، ولكنه قانون خاص بالنسبة إلى لقانون المدني الذي ينظم أصلاً كافة المعاملات كما أن تحديد الحقل القانوني الخاص لا يعني بالضرورة عدم الالتفات إلى الحقل القانوني العام في حال وجود الحقلين، فقد تنتمي الوقائع في جانب منها إلى كل من الحقلين وهذا الأمر من الأهمية بمكان عندما نأتي إلى مرحلة تطبيق النصوص على الوقائع أو إفراغ الوقائع في قوالب النصوص.
وتعد المراحل السابقة كلها مراحل ضرورية وتمهيدية لبدء ميكانيكية تكوين الرأي القانوني، فإذا تم تحديد كل من الحقلين العام والخاص أم تم تحديد حقل واحد هو الذي تنتمي إليه الوقائع بدأت عملية البحث عن النص أو النصوص ذات العلاقة بالوقائع.
4- تحديد النص الواجب التطبيق:
بعد تحديد الوقائع والحقل القانوني نصل إلى كيفية الوصول إلى القاعدة القانونية (النص) التي تطبق على المسألة داخل الحقل القانوني المحدد والذي هو بالضرورة احد فروع القانون العام أو الخاص، وحتى يمكن تصوير عملية الرجوع إلى القواعد القانونية لتحديد القاعدة القانونية (النص) الذي يحكم المسألة موضوع طلب الرأي القانوني.
نفترض أن السؤال المطروح هو عن نزاع حول إخلاء مأجور فكيف يمكن الوصول إلى النص الذي يحكم هذه المسألة ؟ فلا بد هنا أن نتذكر أن عقد الإيجار من حيث الأساس هو من العقود التي نظم أحكامها قانون الموجبات والعقود وأن قانون الإيجار ذو علاقة بالموضوع أي أن هناك قانونين يتعلقان بالإيجار وأنه من أجل الوصول إلى النص القانوني الذي يحكم المسألة لا بد من أن تكون الوقائع المعروضة محددة لجهة تاريخ عقد الإيجار وسبب الإخلاء ليصار إلى اختيار أي من القانونين.
وإذا حصلنا على القوانين ذات العلاقة بموضوع طلب الرأي القانوني فإننا نكون قد وضعنا حجر الأساس الذي منه نصل إلى النص (القاعدة التي تحكم الموضوع) نبدأ بعدها بفحص هذه النصوص باحثين عن الخصوصية المطلوب الرأي فيها مراعين مبدأ الخاص والعام من جهة والنص السابق واللاحق من حيث تاريخ السريان من جهة أخرى فنقدم مثلاً نصوص قانون الإيجار على نصوص قانون الموجبات والعقود والتي تعارضها بنزاع يدور حول ايجاره خاضعة لقانون إيجار استثنائي وإذا توصلنا إلى تحديد النص (القاعدة القانونية ذات العلاقة بالمسألة المطروحة إعمالاً للقواعد السابقة) أصبحنا أمام مرحلة كيفية تطبيق النص أو النصوص (القواعد القانونية) على الوقائع حيث لا يكفي أن نحدد الحقل القانوني أو القانون أو النص الذي يحكم الوقائع التي بين أيدينا لنقول إن هذا القانون أو هذا النص هو الواجب التطبيق على هذه الوقائع بل لا بد من إنجاز إجراءات عدة لنستوثق أن القانون المذكور أو النص المذكور هو الواجب التطبيق فعلاً على هذه الوقائع، فلا بد مثلاً من أن نعرف أولاً أن القانون أو النص الواجب التطبيق لا يزال ساري المفعول، فلم يعدل ولم يلغ بقانون أو نص لاحق من حيث زمان الصدور، فإذا كان القانون أو النص قد تم تعديله أو إلغاؤه بموجب قانون أو نص لاحق فإن هذا القانون أو النص الأخير هو الواجب التطبيق.
ومن الواضح أانه لا بد من التقييد بمبدأ تسلسل القواعد يرجع إليها القاضي كما يرجع إليها المستشار القانوني عند إبداء رأيه عند عدم وجود نص في القانون. فالمادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية تنص على انه عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية وعند انتفاء النص نعتمد المبادئ العامة والعرف والإنصاف (المادة 4/ من أ.م.م.).
5- تحليل النص القانوني:
من المعروف أن القواعد القانونية لها صفة التجديد والعموم وهذا بمفهوم الاستشارة القانونية يجعل منها قالباً تقاس عليه الوقائع المختلفة فما انطبق عليها من الوقائع أخذ حكمها وما لم ينطبق عليها استبعد من التطبيق عليها، وكل قاعدة قانونية تتكون من عنصر أو عناصر وتحليلها يعني ردها إلى هذا العنصر أو هذه العناصر ويستوي في ذلك أن تكون القاعدة القانونية موضوعية أو إجرائية آمرة أم مكملة.
فالمادة 59 من قانون أصول المحاكمات المدنية تنص على أنه:
“لا يجوز إعلان بطلان أي إجراء لعيب في الشكل إلا إذا ورد بشأنه نص صريح في القانون أو كان العيب ناتجاً عن مخالفة صيغة جوهرية أو متعلقة بالنظام العام وإذا اثبت الخصم الذي يتمسك بالبطلان وقوع ضرر له من جراء العيب”
فالمادة تتحدث عن بطلان الإجراءات، ويُعَدُّ الإجراء باطلاً في حالتين:
– إذا شابه عيب وكان العيب ناتجاً عن مخالفة صيغة جوهرية أو متعلقة بالنظام العام.
– إذا نص عليه القانون وترتب عليه ضرر للخصم.
وبتحليل نص المادة المذكورة يمكن أن نبين عناصر ثلاثة:
الأول: وجود إجراء.
الثاني: نص في القانون على بطلان هذا الاجراء أو عيب ناتج عن مخالفة صيغة جوهرية أو متعلقة بالنظام العام.
الثالث: ضرر للخصم ترتب على الإجراء.
أما جوهر الإجراء وتمييزه عن غيره وما هو مفهوم القانون، فهل يشمل كافة التشريعات بكافة مراتبها أم هو عمل السلطة التشريعية فقط وما هو العيب الناتج عن مخالفة صيغة جوهرية وما هو الضرر والعلاقة بينه وبين الإجراء فتلك أمور تجد مكانها في فهم النص وتفسيره وتأويله.
6- فهم النص وتفسيره:
إن مهمة المستشار القانوني في التعامل مع النص هي تماماً كمهمة القاضي في التعامل مع النص حيث يحاول المستشار فهم النص وتفسيره ليخرج بعد تطبيق الوقائع على النص برأي قانوني. ويقوم القاضي بفهم النص وتفسيره وليطبقه على وقائع الدعوى المعروضة أمامه وهو بذلك إنما يحكم في الدعوى بناء على ما يراه (أي يعطي رأيه في الدعوى المعروضة عليه).
وإذا كان من المتعين على القاضي أن يقوم بحل ما يعرض عليه من منازعات فانه يلجأ إلى طرق التفسير المختلفة يستعين بها في الوصول إلى حكم النصوص الموجودة وإذا لم يتمكن عن طريق النصوص الموجودة من الوصول إلى حل للنزاع فانه يكون أمام حالة غير منصوص عليها وتبعاً لذلك يلجأ إلى حلها بالاستناد إلى مصادر القانون الأخرى (المادة 4 أ.م.م.) وكذلك هو المستشار القانوني الذي يتعين عليه أن يعطي رأياً في المسألة المعروضة عليه أن يقوم بما يقوم به القاضي على الوجه المتقدم.
وبما أن اللغة هي وسيلة التعبير عن الإرادة، وطالما أن إرادة المشترع تظهر من خلال مفردات اللغة وتعابيرها، فإن أول ما يجب أن يتبادر إلى الذهن عن محاولة فهم النص وتفسيره هو فهم المعنى اللغوي ثم الاصطلاحي لألفاظ النص وعباراته أي المعنى الذي تؤديه مباشرة ألفاظ اللغة وتعابيرها سواء كانت هذه المعاني حقيقية أم مجازية.
وقد تكون ألفاظ النص وتعابيره ذات دلالة واضحة ومباشرة على المعنى لا تحتمل أي لبس فتكون بصدد نص بسيط لا يحتاج إلى الجهد في الفهم أو التفسير.
فعندما ينص القانون مثلاً المادة 156/ أ.م.م. على:
“انه يجوز لدائني المتعاقدين وخلفهم الخاص الذين أنشئ سند ظاهري احتيالاً للإضرار بهم إثبات صوريته بجميع طرق الإثبات “
فإن المعنى المباشر المستفاد من هذا النص هو مبدأ حرية الإثبات بكافة الوسائل.
وقد يكون النص غير واضح الدلالة على المعنى بصورة مباشرة فهنا لا بد من بذل الجهد لفهم معنى النص من دلالاته وعدم الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ والتعابير التي إذا وقفنا عندها أدت إلى معنى متناف مع العقل أو المنطق، ودلالة النص هنا هي ما يدل عليه النص لكنه لم يفصح به.
وقد يكون النص واضح الدلالة بشأن حالة أو حالات معينة ولكنه لا يشمل حالة أو حالات أخرى هي من باب أولى يمكن أن تستوعب فيه عن طريق القياس لا لاتحاد العلة كما في القياس العادي ولكن لأن العلة في هذه الحالة أو الحالات الأخيرة هي أوضح وبالتالي أوجب أعمالاً للنص من الحالات التي يشملها النص.
فالمادة الأولى من قانون 16/82 المتعلق بإزالة الشيوع تنص على:
“لكل مالك في عقار شائع تتعذر فيه القسمة الرضائية أن يطلب إزالة الشيوع وفقاً للأصول المحددة في هذا القانون”
فمن باب أولى أن طلب القسمة المقدم للمحكمة من جميع أصحاب الحصص المشتركة هو طلب مقبول ولا يقال انه ليس هناك منازعة في القسمة.
وتفسير النص القانوني للخروج برأي قانوني هو غير الاجتهاد للوصول إلى هذا الرأي ذلك أن الاجتهاد يكون حيث لا يوجد نص، إلا انه كما يسفر تفسير النص عن رأي قانوني فإن الاجتهاد أيضاً يسفر عن رأي قانوني.
7- تطبيق النص على الوقائع:
إن القواعد القانونية أشبه ما تكون بالقوالب وإن الرأي القانوني هو إفراغ للوقائع في قوالب القواعد القانونية .
وعليه يمكن أن نعتمد عند تطبيق القواعد القانونية على الوقائع مبادئ رياضية إلى حد ما إلا أن هذا لا يعني انه يجب أن نحدد سلفاً ما إذا كانت هذه القاعدة أو تلك هي الواجبة التطبيق.
بل إن ما نقول به يستلزم على الأقل أن نرشح قاعدة قانونية باعتبارها هي التي تنطبق على الوقائع وبعدها يأتي دورنا في إعمال قواعد الرياضة لنصل إلى نتيجة، هل تنطبق هذه القاعدة مثلاً على المسألة أم لا تنطبق ؟؟
ولتوضيح ما تقدم، نعطي مثالاً على نص المادة 409 من قانون التجارة.
وحيث يتبين من نص هذه المادة أن بيانات الشك الإلزامية الواجب توافرها حتى يعتبر السند شكاً هي: 1- كلمة شك ، 2- أمر غير معلق على شرط، 3- اسم المسحوب عليه، 4- مكان الأداء، 5- تاريخ إنشاء الشك، 6- مكان إنشاء الشك، 7- توقيع الساحب .
وبتطبيق الوقائع المتعلقة بأي طلب رأي بشأن الشك على قالب النص المشار إليه فإن تخلف أي بيان من البيانات المذكورة لا يعتبر السند شكاً عملاً بأحكام المادة 410/ تجارة.
8- صياغة الرأي القانوني:
إذا خلص المستشار القانوني من تطبيق النصوص على الوقائع عن طريق إفراغ الوقائع في قوالب النصوص كان عليه أن يبلغ رأيه القانوني إلى الجهة التي طلبته.
وإبلاغ الرأي القانوني إلى من طلبه وان كان جائزاً من الناحية الشفوية إلا انه من المستحسن أن يكون كتابة، فالكتابة هي من سمات الرأي القانوني حتى يكون موثقاً لدى الجهة الطالبة، فيمكن الاعتماد عليه سواء في اتخاذ القرار أو في الإعداد لاتخاذ القرار أو لتقدير موقف أو لتقدير أمر أو لترتيب مسؤولية نتيجة إعطاء الاستشارة القانونية.
وحيث يقتضي أن تتضمن الاستشارة الخطية المحتويات الآتية:
1- الإشارة إلى رقم وتاريخ طلب الرأي القانوني.
2- ملخصاً للوقائع التي وردت والتي طلب الرأي القانوني على أساسها.
3- السؤال الذي انتهى به كتابة الرأي القانوني.
4- النصوص التي تم الرجوع إليها في إبداء الرأي القانوني.
5- الحيثيات التي تم الاستناد إليها في إبداء الرأي القانوني.
6- خلاصة الرأي القانوني باعتباره جواباً على السؤال أو الطلب.
ويجب أن تكون صياغة الرأي القانوني بعبارات بسيطة تتجنب الاصطلاحات القانونية المعقدة لأن من يتلقى الرأي القانوني ليس بالضرورة أن يكون ملماً أو عارفاً بالقانون.
ويجب أن يتيح الرأي القانوني لطالب الرأي بدائل ما أمكن إذا كانت الوقائع تحتمل ذلك والا فإن الجزم والقطع هو ما يريده طالب الرأي ويرتاح إليه.
ويجب أن يبقى الرأي القانوني عن وضع قواعد عامة لكل الحالات بل يقتصر على الحالة موضوع البحث كما أن من سمات الرأي القانوني السليم أن يتجه مباشرة إلى الموضوع دون مواربة فلا يكون الرأي القانوني متاهة يدخل فيها طالب الرأي ويخرج منها بدون أية نتيجة.
وإذا كان الرأي القانوني يستند إلى الاجتهادات في تفسير النصوص فيجب أن يشار إلى ذلك لأن هذا النوع من الرأي هو يعتمد على رأي آخر وقد يتغير الرأي في الاجتهاد ما بين وقت إعطاء الرأي القانوني من قبل المستشار وفصل القضاء في نزاع نشأ في الخصوصية التي كان طلب الرأي فيها .
مع الإشارة أيضاً إلى أن عبارات «لا نرى ما يمنع قانونا، أو لا مانع لدينا من…» هي عبارات عامة لا يجوز أن تكون أساساً لرأي قانوني ولا أن تتضمنها صيغة الرأي القانوني.
بعد كل ما تقدم، يبقى أن نطرح السؤال الآتي:
هل يسأل المستشار القانوني عن خطأ ارتكبه في إعطائه الرأي القانوني ونتج عن ذلك ضرر بطالب الاستشارة ؟؟
بالرجوع إلى قانون تنظيم مهنة المحاماة وكذلك إلى النظام الداخلي للنقابة لم نجد أي نص يجعل المحامي – المستشار غير مسؤول عن الاستشارات القانونية التي يعطيها ولو بحسن نية.
الأمر الذي يوجب علينا الرجوع إلى تحديد واجبات الوكيل في قانون الموجبات والعقود وأصول المحاكمات المدنية وقانون تنظيم مهنة المحاماة (المواد 785 و786/ م.وع. و380 و381/ م.وع. و264/ أ.م.م. و80 و88 و90 و91 و92 من قانون مهنة المحاماة ) من قراءة هذه المواد يمكن القول إنه إذا كانت أعمال المستشار تستوجب الأجر تجاه طالب الاستشارة فبالمقابل تترتب عليه مسؤولية مهنية في حال نسب إليه ما يؤاخذ عليه والمسؤولية على نوعين:
– مسؤولية تعاقدية.
– مسؤولية تقصيرية.
ففي المسؤولية التعاقدية تنظم علاقة المستشار بطالب الرأي القانوني سواء أكانت العلاقة خطية أم شفوية صريحة أو ضمنية وتتمثل هذه المسؤولية بإخلاله بموجباته العقدية في ضوء العقد الذي هو مصدر الموجبات انطلاقاً من هنا فمسوؤلية المستشار تكمن في إخلاله بواجب الاستشارة.
أما المسؤولية التقصيرية فتتوافر عندما يخالف ما تتضمنه الأنظمة الخاصة بممارسة مهنة المحاماة كالتصرف غير الصحيح الذي ينجم عنه الخطأ، وإن مسؤولية المحامي المستشار المدنية تخضع للقواعد العامة في المسؤولية المدنية.
ألا انه من المؤكد أن المستشار لا يسأل إلا عن موجب بذل عناية واهتمام كأب صالح أي يلتزم بواجب الحيطة والتبصر والحذر والصدق والإخلاص وفقاً لقانون مهنة المحاماة إذاً موجب المستشار هو بذل عناية وليس تحقيق غاية.
والقضاء اللبناني يطبق في مسؤولية المحامي القواعد العامة للقانون المدني وقانون مهنة المحاماة في موضوع المسؤولية التعاقدية فيقتضي إثبات الخطأ والضرر والرابطة السببية بينهما.
وبالنتيجة أقول إن مسؤولية المستشار تعود كل ثبت أن المستشار العادي من أوساط مهنته لا يعترف ما صدر عنه من خطأ في مثل ظروفه لأنه من المؤكد أن مهنة المحاماة قد أصبحت مهنة تقنية قانونية واستشارية يقتضي فيها على المحامي المستشار أن يسلك الأصول المفروضة قانوناً وان يراعي الموجبات القانونية والتنظيمية وكلما اخل بذلك يكون قد ارتكب خطأ إنما لا بد من إثباته من جهة ومن تحقق الضرر وفق ما نصت عليه المادة 122 و134 م.وع. ولا بد من جهة ثالثة من قيام رابطة سببية بين الخطأ والضرر الناجم عنه.
وختاماً:
إذا كان التقاضي محصوراً بحدود الدولة مرتبطاً سيادتها فإن محيط الاستشارة القانونية أصبح لا يعرف حدوداً حيث أصبحت شركات المحاماة العالمية المعروفة تؤدي خدمات قانونية استشارية على مستوى دولي لأفراد وشركات من دول متعددة.
وبنا أننا في زمن أصبح فيه التخصص سمة من سمات العصر في كافة الميادين والنشاطات فإنه قد آن الأوان لان تصبح مهنة المحاماة في وطننا موسومة بالتخصص في مجالات القانون ومنها الاستشارات القانونية وذلك مواكبة للتطور وانسجاماً مع التغيير.
وأخيراً اردد ما قاله الإمام علي بن أبي طالب:
– حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء ويضم إلى علمه علوم الحكماء.
وشكراً لحسن استماعكم
المحامي محمد خالد مراد
مقال حول واقع ومرتجي آلية تكوين الرأي القانوني