الضمانات السياسية للحقوق المدنية والسياسية في دستور 27 تموز 1958 المؤقت :
الضمانات السياسية للحقوق المدنية والسياسية في دستور 1958 المؤقت ، وتتمثل هذه الضمانات برقابة الرأي العام أي دور الصحافة والاحزاب السياسية في حماية هذه الحقوق ، اما بالنسبة للرقابة البرلمانية لاعمال السلطة التنفيذية ، فلا مجال للحديث عنها لعدم وجود برلمان يعهد اليه بالوظيفة التشريعية اضافة الى الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية ، على الرغم من ان المادة السابعة من الدستور نصت على ان ( الشعب مصدر السلطات ) ، لكن يلاحظ غياب المؤسسات التي تشرك الشعب في ممارسة السلطة وفي مقدمتها البرلمان ، وبناء على ذلك سنتناول دور الصحافة والاحزاب السياسية في ضمانة الحقوق المدنية والسياسية في دستور 27 تموز1958 المؤقت .
أولا/ الصحافة : –
نظم دستور 27 تموز 1958 المؤقت الصحافة بموجب المادة (10) التي ضمنت الحق في حرية التعبير ، حيث جاء فيهـا ( حرية .. والتعبير مضمونه وتنظم بقانون ) . والملاحظ في هذا الصدد عدم صدور قانون خاص لتنظيم حرية الصحافة ، فقد بقي مرسوم المطبوعات رقم (24) لسنة 1954 ساري المفعول بكل ما يتضمنه من قيود ، فالمادة الرابعة منه توجب الحصول على موافقة السلطة التنفيذية ( وزير الداخلية ) بشأن اصدار صحيفة او مجلة ، ولا يجوز الطعن بقرار السلطة التنفيذية هذا الا امامها بالذات ( مجلس الوزراء ) ( المادة/5 الفقرة/ب) . كما تطلب المرسوم في المادة السادسة منه من كل فرد يروم اصدار مطبوع دوري تأمينات نقدية تصل الى خمسمائة دينار ، هذا وقد اخذ المرسوم بنظام الانذار في المادة السابعة والعشرين والتعطيل الاداري في المادة الرابعة والثلاثين والالغاء الاداري في المادة الرابعة عشر ، والى جانب هذه القيود (1). فأن هذا المرسوم عطل ايضاً نتيجة اعلان الاحكام العرفية في العراق بموجب البيان رقم (3) لسنة 1958 الصادر عن القائد العام للقوات المسلحة حيث صدر الحاق للبيان رقم (3) تقرر فيه وقف تنفيذ بعض القوانين منها المتعلقة بالمطبوعات .
ثانياً/ الاحزاب السياسية : –
أن دستور 27 تموز 1958 المؤقت لم يتضمن نصا عن حق تأليف الجمعيات والانضمام فيها ، الا ان ذلك لم يمنع من صدور قانون الجمعيات ، حيث صدر قانون الجمعيات رقم (1 ) لسنة 1960 والذي يعد اول تشريع للجمعيات يصدر في العهد الجمهوري وفق الايدلوجية الجديدة لهذا النظام ، فقد تم تخصيص عنوان مستقل لشؤون الاحزاب السياسية ، وهذا يعد سابقة تشريعية مهمة ، فالاحزاب كانت تعالج ضمن شؤون الجمعيات بشكل عام او في قوانين الجمعيات التي عرفها العراق سابقاً ، وقد خصص القانون المواد من (30-36) لشؤون الاحزاب (2). وبناء على ذلك تقدمت في 9كانون الثاني1960 اربعة احزاب بطلبات اجازتها الى وزارة الداخلية وهـي الحزب الشيوعي العراقي ( جماعة اتحاد الشعب ) والحزب الشيوعي العراقي (جماعة داوود الصايغ ) والحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردستاني. وفي شباط 1960 تقدمت احزاب اخرى لوزارة الداخلية بطلب اجازتها وهي الحزب الاسلامي العراقي وحزب التحرير والحزب الجمهوري ، اما الحزب الوطني التقدمي فقد تقدم بطلب اجازته في 29حزيران1960. وبأنتهاء المدة القانونية التي حددتها المادة الخامسة من قانون الجمعيات لسنة 1960 ولعدم اعتراض وزارة الداخلية على الانظمة الداخلية لاربعة احزاب ، فقد اعتبرت ثلاث احزاب مجازة منذ التاسع من شباط 1960 وهي الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردستانـي والحزب الشيوعي العراقي ( جماعة داوود الصايغ )، اما الحزب الوطني التقدمي فقد اعتبر قائماً بصـورة رسمية منذ 29تموز1960(3). اما الاحزاب الاخرى التي تقدمت بطلباتها الى وزارة الداخلية، فقد اعترض وزير الداخلية على منهاج الحزب الشيوعي العراقي ( جماعة اتحاد الشعب ) طالباً من مؤسسيه تصحيح بعض الفقرات وكذلك تحديد وايضاح القصد من بعض التعابير الوارده فيه ، وبالرغم من ان الحزب الشيوعي استجاب بالرغبة وزارة الداخلية وقدم الايضاحات المطلوبه منه ، كما اجرى تعديلاً على منهاج الحزب ، الا ان الوزارة رفضت الطلب في 22شباط1960 لانها سبق وان اجازت حزبا شيوعيا بزعامة داوود الصايغ موال للحكومة . ولهذا لايعقل اجازة حزبين شيوعيين في بلد واحد ، كما رفض وزير الداخلية الطلبين المقدمين من قبل الحزب الاسلامي العراقي وحزب التحرير لاجازة حزبيهما ، لان مناهج هذين الحزبين والاشخاص المؤسسين والمؤيدين لهما لايؤمنون بالمبادئ والافكار الديمقراطية التي تسير عليه الجمهورية ومبادئهما رجعية ولا تسير مع خط الثورة ، الا ان الحزب الاسلامي العراقي استأنف الحكم لدى الهيئة العامة لمحكمة التمييز وقد جاء قرار المحكمة لصالح الحزب المذكور وبذلك بدأ ممارسة نشاطه السياسي بشكل علني. ويعد قرار المحكمة سابقة على درجة كبيرة من الاهمية في تاريخ الاحزاب السياسية وتاريخ محكمة التمييز بشكل خاص والحياة السياسية بشكل عام . واخيراً رفضت وزارة الداخلية الطلب المقدم من قبل الحزب الجمهوري والسبب كما يبدو هو انضمام الشيوعيين ( جماعة اتحاد الشعب ) تحت لواء هذا الحزب حتى يستطيعوا ممارسة عملهم بشكل رسمي لان منهاج الحزب المذكور لا يختلف عن منهاج الحزب الشيوعي الا بشيء قليل. يتضح مما تقدم ، ان الاحزاب السياسية التي تأسست بموجب قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960 خمسة احزاب وهي الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي ( جماعة داوود الصايغ ) والحزب الوطني التقدمي والحزب الاسلامي العراقي (4). تجدر الاشارة الى انه لم تمض على اجازة الاحزاب السياسية في العراق عام واحد حتى شرعت السلطات الحاكمه بمطاردة الحياة الحزبية وملاحقة واعتقال اعضائها اضافة الى اغلاق صحف هذه الاحزاب . وفي عام 1961 لم يبق حزب سياسي يمارس نشاطه بشكل علني حيث عملت السلطات الحاكمة آنذاك على مراقبة انشطة هذه الاحزاب واغلاق صحفها خوفاً من انتقادها سياسة الحكومة خاصة بعد قيام الحركة المسلحة في شمال العراق ، اذ كانت الاحزاب تطالب بحل المسأله بشكل سلمي من دون استخدام القوات المسلحة وذلك باطلاق الحريات واعطاء الحقوق القومية المشروعة للأكراد والمنصوص عليها في الدستور المؤقت (5).
________________________
1- اسماعيل مرزا – مصدر سابق – ص 239 .
2- رعد ناجي الجدة – في قانون الاحزاب السياسية رقم( 30) لسنة 1991 – مصدر سابق – ص 8 .
3- نوري عبد الحميد واخرون – مصدر سابق – ص 32.
4- رعد ناجي الجدة- في قانون الأحزاب السياسية رقم(30) لسنة 1991- مصدر سابق-ص11و ليث عبد الحسن الزبيدي – مصدر سابق – ص248 و نوري عبد الحميد وآخرون – مصدر سابق – ص72
5- ليث عبد الحسن الزبيدي – مصدر سابق – ص250 و نوري عبد الحميد وآخرون – مصدر سابق – ص72
الضمانات القضائية في دستور 29 نيسان 1964 :
فيما يتعلق بالرقابة القضائية على دستورية القوانيين ، نجد ان دستور 1964 المؤقت بالرغم من احتوائه على عدد كبير من المواد الا انه لم يعمل على انشاء محكمة دستورية تكون مهمتها النظر في مدى مطابقة القوانين العادية لا حكام الدستور . اما بالنسبة للرقابة القضائية على اعمال الإدارة، فقد نص الدستور في المادة (93) على ان (يشكل مجلس دولة بقانون ويختص بالقضاء الاداري وصياغة القوانين والانظمة وتدقيقها وتفسيرها) ، لكن قانون انشاء هذا المجلس لم يصدر نهائيا ومن ثم لم يجد هذا النص فرصة للتطبيق شأنه شأن الوعود الاخرى التي تضمنها ذلك الدستور(1). وعليه فأن التنظيم القضائي في العراق كان قائماً على فكرة القضاء الموحد ولاية المحاكم لجميع انواع الدعاوى بما فيها الدعاوى الادارية الا ما استثنى بنص خاص، وهذا ما اكدته المادة الثالثة من قانون السلطة القضائية رقم (26) لسنة 1963 ، حيث جاء فيها ( تسري ولاية المحاكم على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في المنازعات والجرائم كافة الا ما استثنى بنص خاص ) وكذلك المادة (18) من قانون اصـول المرافعات المدنيـة والتجارية رقم (88) لسـنة 1965 بالقـول ( للمحاكم المدنية حق القضاء على جميع الاشخاص طبيعية كانت ام معنوية بما في ذلك الحكومة في الدعاوى والامور المدنية والتجارية).
__________________________
1- وسام صبار العاني – الاختصاص التشريعي للادارة في الظروف العادية – الطبعة الاولى – مطبعة ميناء – بغداد – 2003 – ص291 .
الضمانات السياسية في دستور 21 أيلول1968 المؤقت :
أكدت المادة الثالثة من الدستور المؤقت على ان ( الشعب مصدر السلطات ) ، لكن مع ذلك يلاحظ ان الدستور المؤقت لم يشير الى قيام المؤسسة الدستورية التي تشرك الشعب في ممارسة السلطة بصورة مباشرة (1). فالمادة (58) أشارت فقط الى ان ( يمارس مجلس قيادة الثورة السلطة التشريعية الى حين انعقاد الجلسة الاولى للمجلس الوطني ) ، هذا فيما يتعلق بالرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية . اما بالنسبة لرقابة الرأي العام أي دور الأحزاب السياسية والصحافة في حماية الحقوق المدنية والسياسية في دستور 21 ايلول 1968 المؤقت فسنتناولها وعلى النحو الآتي :-
اولا / الصحافة
نظم دستور 1968 المؤقت حرية الصحافة في المادة (32) حيث جاء فيها ( حرية الصحافة والطباعة والنشر مصونة وفق مصلحة الشعب وفـي حدود القانون ) ، وهكذا احال المشرع الدستوري موضوع تنظيم تفاصيل حرية الصحافة الى القانون ، وبالفعل صدر قانون المطبوعات رقم (206) لسنة 1968 . وعند دراسة نصوص هذا القانون نجد ان المشرع العراقي اخذ بنظام الترخيص السابق ( الاجازة ) ، فالمادة (4-الفقرة/أ ) من القانون تنص على ان يقدم طلب الاجازة الى وزارة الثقافة والاعلام ، وقد خول القانون وزير الثقافة والاعلام بموجب الفقرة ( أ ) من المادة (7) صلاحية البت في طلب الاجازة حيث جاء فيها ( للوزير منح اجازة المطبوع او رفض الطلب خلال شهر واحد من تاريخ تسجيله اذا وجد أسبابا تتطلبها مقتضيات المصلحة العامة او تنظيم الصحافة ، فاذا انتهت المدة ولم يبت الوزير في الطلب فيعتبر المطبوع مجازا ) . من خلال النص المتقدم ، يتضح مدى الصلاحية التي منحها القانون للسلطة التنفيذية في التحكم في اصدار المطبوع من دون ان تحد سلطتها أية حدود الا مقتضيات المصلحة العامة او تنظيم الصحافة ، وهي في الواقع مفاهيم واسعة المقاصد والمعاني وبالتالي يصعب تحديدها او ضبطها وقد اجازت الفقرة (جـ) من المادة المذكورة لمن رفض طلبه وفق الفقرة ( أ) من هذه المادة الاعتراض على قرار الوزير لدى مجلس الوزراء خلال ( 15 ) يوما من تاريخ تبلغه ويكون قرار المجلس قطعيا . هذا وقد استثنى القانون من حكم الفقرة (أ) من المادة (7) المطبوع الدوري السياسي اليومي او الذي يصدر اكثر من مرة واحدة في الاسبوع ، حيث تمنح اجازة هذا المطبوع باقتراح من الوزير وقرار من مجلس الوزراء يصادق عليه مجلس قيادة الثورة ( المادة/7 الفقرة/ب ) ، ولم ينص القانون على حق الاعتراض في حالة رفض الطلب وفق الفقرة (ب) من المادة المذكورة لان القرار له قوة القانون . كذلك خول القانون المذكور وزير الثقافة والاعلام انذار رئيس التحرير اذا نشر في المطبوع ما يخالف أحكام هذا القانون ( المادة /22 الفقرة/أ ) وتعطيل المطبوع الدوري مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما اذا نشر فيه ما يخالف أحكام المادتين ( 16 و 17 ) المتعلقة بالمواد الممنوع نشرها ( المادة/23 ) .
ثانيا / الأحزاب السياسية : –
نظم دستور 21 أيلول 1968 المؤقت موضوع الأحزاب السياسية بموجب المادة ( 33 ) منه ، حيث جاء فيها ( حرية تكوين الجمعيات والنقابات بالوسائل المشروعة وعلى أسس وطنية مكفولة في حدود القانون ) . مما تقدم يتضح ان دستور 1968 المؤقت كفل تأسيس الأحزاب السياسية من خلال كفالته للحق في حرية تأسيس الجمعيات ، لكن بالرغم من ان الدستور كفل هذا الحق ونظم قانون الجمعيات رقم ( 1 ) لسنة 1960 احكامه ، يلاحظ عدم تأسيس أحزاب سياسية في ظل هذا الدستور المؤقت .
___________________________
1- رعد ناجي الجدة – التشريعات الانتخابية في العراق – مصدر سابق – ص186
المؤلف : مروج هادي الجزائري
الكتاب أو المصدر : الحقوق المدنية والسياسية وموقف الدساتير العراقية منها
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
الضمانات السياسية والقضائية في الدستور – مقال قانوني