يثير مفهوم النشاط الذي تمارسه الشركات متعددة الجنسية على المستوى العالمي اهتمام الكثير من الباحثين والدارسين لظاهرة نشاط هذه الشركات، ولقد وضعت مصطلحات ومفاهيم كثيرة لوصف النشاط العالمي لها، غير ان تحديد مفهوم نشاطها مثيرٌ للجدل، بسبب غموض مضمونه من ناحية، وتعدد التعبيرات التي تعكس نفس الظاهرة محل الدراسة من ناحية اخرى. ويبدو من خلال استعراض المصطلحات والمفاهيم، ان الاختلاف قائم في اللفظ دون المعنى، وهذا يبدو واضحا من خلال عرض مضامين تلك المصطلحات والمفاهيم، ومن بينها “الشركات متعددة الجنسيات” و “الشركات متعدية الجنسية” و “الشركات متعددة الجنسية” و “الشركات فوق القومية” و “الشركات عابرة القومية” و “الشركات عبر الوطنية” و “الشركات متخطية الحدود القومية” و “الشركات دولية النشاط” و “الشركات الدولية الخاصة” و “الشركات العالمية” و “الشركات الكونية” وغيرها من التسميات، وتعد هذه المسميات مترادفة رغم ما يتضمنه التحديد القانوني لبعضها من اختلاف. ان اعطاء البعد التاريخي حول المسميات التي وصف بها النشاط العالمي لهذه الشركات يتجسد في مصطلح “الشركات متعددة الجنسيات”، وحسب ما يعتقد كل من “باران وسويزي”. ان هذا المصطلح قد استخدم “لاول مرة” في الدراسة التي قدمها “دافيد ليلنثال David E.Lilienthal” الى معهد كارينجي للتكنولوجيا في نيسان 1960 تحت نفس العنوان وتم نشرها بعد ذلك بواسطة مؤسسة الموارد والتنمية … ثم استخدمتها المجلة الاسبوعية الامريكية “اسبوع الاعمال Business Week” في تقرير خاص لها بعنوان “الشركات متعددة الجنسيات” في عددها الصادر بتاريخ 20 نيسان1963(1).
وهناك من يذهب الى تعبير “متعددة الجنسية”، وقد تم استخدامه لاول مرة بواسطة شركة “IBM” الامريكية للحاسبات الالكترونية ، بغية تغطية النشاط الذي تمارسه بواسطة فروعها في الخارج(2). ويرى الأستاذ برمان“Bherman” اعطاء هذه الشركات تسمية الشركات العالمية، على اعتبار انها مشروع وطني ضخم له استثماراته الخارجية الكبيرة المتمثلة بالفروع والتوابع المنتشرة في دول مختلفة (3). من الفقهاء من حاول ان يضع انشطة تلك الشركات في نماذج معينة، بحيث اذا ما تحققت شروط انطباق نموذج ما ، فانه هو الذي يحكم نشاط تلك الشركات، فمثلا يحاول الاستاذ رولف “Rolf” ان يضع تصنيفا شاملا لهذه الشركات عن طريق تقسيمها الى اربع مجموعات رئيسية هي : الدولية، متعددة الجنسيات، العابرة للحدود القومية، وما فوق القومية” ، وعلى وفق تقسيم الاستاذ رولف“Rolf” فان المجموعة الاولى والثانية تضم شركات وطنية لها انشطة على المستوى الدولي، والاختلاف يكمن في ضيق او اتساع المجال الجغرافي الذي يغطيه نشاط هذه الشركات. اما المجموعة الثالثة فياخذ بعين الاعتبار فيها بملكية راس المال، أي ان راس المال يدار من جنسيات مختلفة، في حين تمثل المجموعة الاخيرة شركات لها انشطة فوق القوميات، بحيث لا يمكن اخضاعها لقوانين او انظمة دولية معينة، ولكن يمكن ان يحكم من قبل هيئة او سلطة دولية.(4). ويقترح الأستاذ محمد توفيق صلاحية تسميتها بـ “المؤسسات الثلاثية التخصص” للتعبير عن العمليات والنشاطات الاقتصادية التي يتم تنظيمها على اساس ثلاث درجات من التخصص وهي اليد العاملة وراس المال والادارة. بينما يفضل الدكتور محسن شفيق تسميتها بـ “المشروع ذي القوميات المتعددة”(5)، في حين يرى الدكتور حسام عيسى ان الشركة المتعددة القوميات “تعبير غير دقيق، بل واكثر من هذا فهو تعبير خاطئ ومضلل من الوجهة القانونية” حيث ان هذا التعبير يترك انطباعا باننا ازاء شركة واحدة، ولكن في الحقيقة اننا امام مجموعة شركات مستقلة قانونا كل واحدة عن الاخرى، وتعمل كل منها في بلد مختلف، مما يترتب عليه اختلاف جنسية كل منها عن الاخرى(6).
وبالرغم من الانتقاد الذي وجه الى تعبير “الشركات المتعددة القوميات” الا انه يفضل استخدامه في ابحاثه المتعلقة بتلك الشركات، على اعتبار انه اكثر المصطلحات قدرة على الالمام بنشاطها. وبخصوص كل من “بارنت وموللر” فلهما رأيهما الخاص حول تسمية الشركات متعددة الجنسية، اذ يسميانها باسم “المشروع الكوني” ويعرفانه بانه “اول مؤسسة في تاريخ البشرية مكرسة للتخطيط المركزي على نطاق العالم”.(7). ويمكن ملاحظة ان الأستاذين “بارنت وموللر” قد تاثرا في وضع هذه التسمية بكبر حجم هذه الشركات واتساع نشاطها. وهناك من يسميها بالشركات الدولية واخرون يسمونها بالشركات ذات النشاط الدولي، بينما يطلق عليها الاستاذ “E.Libbrecht” تسمية المشروعات ذات الصفة القانونية الدولية(8). ويبدو ان هؤلاء قد عمدوا الى هذه التسمية بالاستناد الى امتداد نشاط هذه الشركات في اكثر من دولة، وبهذا الامتداد قد اضفت على نشاطاتها صفة الدولية. في حين يرى الدكتور اسكندر النجار ان الشركات متعددة الجنسية او الشركات الدولية اسمان مختلفان لشئ واحد(9). وعلى النقيض من راي الدكتور اسكندر النجار، فان هناك ثمة كتاب يفرقون ما بين الشركات متعددة الجنسية والشركات الدولية على اعتبار انها مجموعتان مختلفتان تقومان بالاستثمارات الاجنبية المباشرة في عالمنا المعاصر، ويستخدمون في سبيل هذه التفرقة بعض المعايير لتحدد طبيعة الخلاف بينها. ومن هذه المعايير ما ياتي:
1- معيار امكانية دمج نشاطها في الانشطة الاقتصادية للدولة : فاذا كان من الصعوبة دمج نشاطها، فان هذه الشركة تسمى بالشركة متعددة الجنسية، اما اذا كان من السهل دمج نشاطها في انشطة الوحدات الاقتصادية للدولة فتسمى بالشركة الدولية.
2- معيار حجم الاستثمارات : فالشركة تعد وفقا لهذا المعيار متعددة الجنسية اذا كان حجم استثماراتها في الخارج 25% من اجمالي استثمارات الشركة، اما اذا تجاوز حجم الاستثمارات الى 50% فان هذه الشركة يطلق عليها تسمية الشركة الدولية.
3- معيار الادارة العليا : تعد الشركة متعددة الجنسية اذا كانت عناصر الادارة العليا مقصورة على شخصيات تحمل جنسية الدولة الام، في حين تعد الشركة دولية اذا كانت الادارة العليا مكونة من عناصر يحملون جنسيات مختلفة(10). ويذهب بعض الكتاب الى استبدال تسمية الشركات متعددة الجنسية بتسمية “عبور الجنسيات”، ذلك ان عبارة متعددة الجنسية – على وفق هذا الراي- تجسد مصالح قومية لمجموعة من الدول، أي ان هذه الشركات وكانها تجمع تقيمه الدول وليس الأشخاص الخاصة(11).
ويبدو ان هؤلاء الكتاب يخلطون ما بين الشركات الدولية العامة التي تنشئها الدول بموجب اتفاقية دولية وبين الشركات الدولية الخاصة التي ينشئها الاشخاص الخاصة داخل الدولة ليمتد نشاطها الى اكثر من دولة. في حين يسميها الدكتور محمد طلعت الغنيمي بالشركات الدولية ذات الطابع الخاص(12). ويسميها الاستاذ (فريد مان) بالشركات العامة الدولية على اعتبار انها ستكون واحدة من اهم العوامل في تحقيق التنمية الاقتصادية في المستقبل(13). اما “ايفا نوف Ivaanov ” فيستخدم عبارة الشركات متعددة الجنسيات كمرادف للمشروعات الدولية، أي انها تشمل كلاً من الشركات الوطنية ذات النشاط العالمي والشركات التي تكون ملكية راس مالها مملوك لعدة رأسماليين ينتمون الى دول مختلفة(14). اذا كانت تلك المصطلحات والمفاهيم تنظر للشركات من زاوية محايدة او ايجابية فان للفكر الماركسي نظرته ومسمياته الخاصة بتلك الشركات، حيث تميل اكثرية الادبيات الاقتصادية والسياسية الماركسية الى استخدام تعابير ومفاهيم مغايرة ومخالفة في الفاظها ومعانيها لتلك التي يستخدمها الفكر الراسمالي، ومن تلك المفاهيم “الاحتكارات الدولية او العالمية” او “المجموعات الاحتكارية” كمفهوم مرادف للشركات متعددة الجنسيات، فمثلا ذهب الاقتصادي السوفيتي “ت. بيلوس” في تقسيمه لنشاط الشركات على أساس احتكاري وانها تتضمن مجموعتين :
الاولى : الاحتكارات عبر القومية : وتعني ان الشركات تمتلك اصولا في الخارج مع بقاء ملكية راس المال قومية ، ومن ثم فانها تكسب صفة الدولية من خلال مجال عملها وانشطتها كشركة “I.T.T” وشركة ستاندرد اويل اوف نيوجرسي.
الثانية : الاحتكارات الدولية : وهذه الاحتكارات يتوزع راس مالها على عدة دول، أي ان راس المال يكون مملوكاً لمجموعة مختلفة من الراسماليين في اكثر من دولة، ويكون مجلس ادارة هذه الشركات متعدد الجنسيات، كشركة يونيلفر “Unilever” البريطانية – الهولندية وشركة شل الهولندية الملكية “Royal Dutch Shell” وهي بريطانية وهولندية(15).
وبالنسبة لمنظمة الامم المتحدة فقد تبنت مؤشر “تعدي القوميات”(16). في وصفها للشركات ذات النشاط العالمي، حيث ان بعض المفاهيم قد طرحت في اروقة الامم المتحدة لاضفاء وصف “متعدية القومية” على نشاط تلك الشركات، واستخدمت بعض المؤشرات كمتغيرات يقاس من خلالها نشاط ما بانه متعدي القومية، وقد استقر راي الامم المتحدة على مؤشر ذي ثلاثة ابعاد هي “الموجودات والمبيعات والعمالة” وحسب هذا المؤشر الذي تم استخدامه عام 1998 فان شركة “Seagram Company” الكندية تعتبر في المرتبة الاولى من حيث الاماكن التي تتواجد فيها فروعها حيث بلغ مؤشر تعدي قوميتها 97.3%(17). اما في العالم العربي فقد نجح النقاد في تعميم مصطلح (الشركات دولية النشاط). ولقد تبنى مركز التنمية الصناعية التابع لجامعة الدول العربية هذا المصطلح(18). من خلال استعراض المصطلحات والمفاهيم التي وضعت بشان وصف النشاط العالمي للشركات، يمكن القول ان اكثر المصطلحات شيوعا هي “الشركات متعدية القومية” و “الشركات الدولية” و “الشركات متعددة الجنسية”، وعلى الرغم من ان مصطلح الشركات متعدية القومية تستخدمه الامم المتحدة في دراسة نشاط هذه الشركات، الا اننا نفضل تسمية الشركات متعددة الجنسية للاسباب الاتية :
1- ان تعبير “متعدية القومية” هو تعبير اجتماعي –سياسي اكثر مما هو قانوني ولا يعكس حقيقة النشاط الذي تقوم به هذه الشركات من الناحية القانونية.
2- ان التسليم بتسمية “متعدية القومية” فيه مجافاة كبيرة للمنطق، حيث انه يعكس ان في كل بلد قومية، ومن ثم فان نشاطها يتعدى قومية البلد الاصل الى قومية البلد الفرع وهكذا، غير ان الواقع عكس ذلك فهناك من البلدان ما يوجد فيها عشرات القوميات دون تفضيل لاحداها على الباقي، ولذلك لا يمكن النظر اليها من زاوية المنطق المكاني وانما النظر اليها من زاوية المنطق القانوني المتمثل بملكية راس المال مثلا.
3- ان تعبير الشركة الدولية هو تعبير ذو شقين فالاول يعني ان الشركة قد تأسست بارادة الدول أي بموجب اتفاقية دولية وهذا يعني اننا نكون امام شركة دولية عامة، في حين ان الثاني يعني ان الشركة قد تأسست في اطار القانون الخاص وهنا نكون امام شركة دولية خاصة، مما يعني ان هناك خلطاً في المصطلحات و المفاهيم، وتجنبا لهذا الخلط فاننا نفضل استخدام مصطلح “الشركات متعددة الجنسية”.
4- ان تعبير “متعددة الجنسية” على الرغم مما فيه من مأخذ وعيوب، الا انه اكثر التعابير صلاحية لوصف النشاط العالمي لهذه الشركات، فالجنسية فضلا عن انها تحدد هوية الانتماء، فانها تعد اداة لتوزيع انشطة هذه الشركات جغرافيا على المستوى الدولي.
فضلا عن ذلك فان “تعدد الجنسية” يجعل من الصعوبة لاي نظام قانوني في أي دولة تحمل الشركة جنسيتها ان تراقب اعمال وتصرفات تلك الشركات، مما يستدعي اعادة هيكلة مركزها القانوني بما يتناسب والدور الذي تلعبه في النظام الدولي، وهذا يستدعي بالضرورة اخضاعها لنظام قانوني اخر هو النظام القانوني الدولي .
_______________
1- انظر د.محمد صبحي الاتربي، مدخل الى دراسة الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسية، دار الثورة للصحافة والنشر، بغداد، 1977، ص23.
2-انظر د.ريمون حداد، العلاقات الدولية، ط1، دار الحقيقة، بيروت، 2000، ص348.
3-انظر : د. محمد صبحي الاتربي، المصدر السابق، ص29.
4-انظر: د. محمد صبحي الاتربي، المصدر السابق، ص29.
5- انظر: د. محسن شفيق، المشروع ذو القوميات المتعددة، مجلة القانون والاقتصاد، العددان الاول والثاني، مطبعة جامعة القاهرة، 1977، هامش(4)، ص216.
6- انظر :د.حسام عيسى، الشركات المتعددة القوميات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، بدون سنة طبع، ص46.
7- د.فؤاد مرسي، الرأسمالية تجدد نفسها، عالم المعرفة، الكويت، 1990، ص151.
8- انظر : د. محسن شفيق، المشروع ذو القوميات المتعددة، مصدر سابق، ص216. كذلك أنظر بنفس المعنى د. سميحة السيد فوزي، ظاهرة الشركات دولية النشاط والدول النامية، مجلة مصر المعاصرة، العددان (415، 416)، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع، القاهرة، 1989، ص 179.
9- انظر : د.اسكندر النجار، الشركات متعددة الجنسية ودورها في التنمية الاقتصادية، مجلة العلوم الاجتماعية ، العدد الاول ، جامعة الكويت، 1976، ص53 هامش 3.
10- انظر : د. سامي عفيفي حاتم، مركز الشركات متعددة الجنسية في الاقتصاد العالمي والاخطار السياسية التي تتعرض لها في الدول النامية، مجلة النفط والتعاون العربي، المجلد (12)، العدد (2)، الكويت، 1986، ص 51-52.
11- انظر د.فائز محمد علي، الشركات الراسمالية الاحتكارية والسيطرة على اقتصاديات البلدان النامية، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1979، ص60.
12- انظر د. محمد طلعت الغنيمي، الوجيز في التنظيم الدولي( النظرية العامة)، ط 3 ، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1973، ص85 هامش 2.
13- انظر د. حامد سلطان ، د. عائشة راتب ، د. صلاح الدين عامر ، القانون الدولي العام ، ط 3، دار النهظة العربية ، القاهرة ، 1984، ص 8.
14- انظر د. محمد صبحي الاتربي، مصدر سابق ، ص31.
15- انظر المصدر نفسه، ص30.
16- تحولت الجمعية العامة للأمم المتحدة في استخدامها لعبارة متعددة الجنسية “MULTINATIONAL” الى عبارة متعدية القومية “TRANSNATIONAL” في قرارها رقم 3202 (S-VI) الصادر سنة 1976.
17- انظر د. سرمد كوكب الجميل، نظرية الاعمال المالية المعاصرة، ط1، الحامد للنشر والتوزيع، عمان، 2001، ص54.
18- انظر د. محمد السيد سعيد، التبعية والشركات متعددة الجنسية، مجلة المنار، السنة الاولى العدد (3)، دار الفكر العربي للأبحاث والنشر، باريس، 1985 ، ص 101
المؤلف : طلعت جياد لجي الحديدي
الكتاب أو المصدر : المركز القانوني الدولي للشركات متعددة الجنسية
الجزء والصفحة : ص6-11
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
التسمية القانونية للشركات متعددة الجنسية