مصير التسهيلات البنكية خلال مسطرة التسوية القضائية
يترتب عن صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة
التسوية القضائية ذخول المقاولة مرحلة جديدة من حياتها يمكن تصنيفها من بين الأزمات التي تعترض المقاولة ، وتتميز هذه المرحلة بتدخل مباشر من الجهاز القضائي بغية إيجاد الحلول الكفيلة لتجاوز الأزمة التي تعترض المقاولة المثعترة، فالقضاء في هذه المسطرة يلعب دورا اقتصاديا أكثر مما هو قانوني صرف ، غير أن المحكمة لا تقضي بالتسوية القاضائية إدا تبين لها أن وضعية المقاولة الاقتصادية والاجتماعية مختلة بشكل لارجعة فيه حيث تكتفي المحكمة في هذه المرحلة بترتيب مراسيم جنازة المقاولة وتصفيتها ،وبين مسطرة التسوية القضائية و مسطرة التصفية القضائية يلعب مفهوم التوقف عن الدفع والوضعية المختلة بشكل لا رجعة فيه دورا مهما في التأثير على موقف المحكمة بإختيارها احد الحلول إما التسوية أو التصفية القضائية ، ومايهمنا في هذا الموضوع هو حالة التوقف عن الدفع وتذخل القضاء من أجل إنقاد المقاولة المثعثرة باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد الوطني ، ومن أجل ذلك خول المشرع للمقاولة من خلال الكتاب الخامس من مدونة التجارة مجموعة من الصلاحيات للحفاظ على نشاطها و أمولها الضرورية ما أمكن ،بل خولها إمكانية الحصول على تخفيضات وتنازلات من الدائنين ،لكن رغم كل هذه الصاحيات فلقد طفت على السطح إشكالية تتعلق بمدى إمكانية البنك الذي قام بفتح إعتماد لفائدة المقاولة في إطار تسهيلات من أجل ممارسة نشاطها أن يقوم بالعدول عن هذه التسهيلات الممنوحة للمقاولة طبقا للإجرائات المنصوص عليها في م 525 من مدونة التجارة ،خاصة وأن هذا الإجراء يتناقض مع طبيعة مسطرة التسوية القضائية والتي يحاول من خلالها القضاء الحفاظ على الأموال الضرورية للمقاولة من أجل ضمان استمرارية نشاطها من خلال الصلاحيات المخولة للقاضي المنتدب والسنديك ،مع العلم أن هذه التسهيلات البنكية الممنوحة للمقاولة إذا ماتم العدول عنها في هده المرحلة قد تعصف بالمقاولة الى مسطرة التصفية القضائية ،وهذا ما يثير مجموعة من الإشكاليات أهمها ماهي صلاحية السنديك في المطالبة بمواصلة تنفيد عقد فتح الاعتماد الممنوح للمقاولة وذلك في إطار صلاحيته في مواصلة العقود الجارية طبقا للمادة 573 من مدونة التجارة ؟ وماهي صلاحية المؤسسة البنكية في فسخ التسهيلات اعتمادا على مقتضيات المادة 525 من نفس المدونة ؟ وأخيرا كيف تعامل القضاء مع هذه الإشكالية في سبيل تكريس حماية المقاولة المثعترة ؟
وللإجابة عن هذه الإشكالات نقترح إعتماد خطة البحث الأتية :
المبحث الأول : مفهوم التوقف البين عن الدفع الموجب لقفل الإعتماد طبقا للمادة 525
المبحث الثاني :مصير عقد فتح الإعتماد بعد صدور الحكم القاضي بالتسوية القضائية للمقاولة المستفيدة
المبحث الأول : مفهوم التوقف البين عن الدفع الموجب لقفل الإعتماد طبقا للمادة 525
من خلال استقراء مقتضيات المادة 525 من م ت نجدها حددت مجموعة من الشروط التي يجب على المؤسسة البنكية احترامها قبل قفل الاعتماد كما سنرى ذلك بالتفصيل من خلال الشق الثاني من الموضوع ،
غير أن الفقرة الرابعة من نفس المادة تخول للبنك وضع حد لهذه التسهيلات دون احترام تلك الشروط وذلك في حالة التوقف البين للمستفيد من هذه التسهيلات عن الدفع ، الشيئ الدي طرح مجموعة من المشاكل سواء على مستوى الواقع او القانون جعلت الأبناك تتعسف في استعمال هذا الحق مما يؤثر سلبا على المقاولات المثعترة والتي تمر من مسطرة التسوية القضائية خاصة وأنها تكون في أمس الحاجة لهذه التسهيلات من أجل إنجاح هذه المسطرة وتجنب التصفية القضائية،وفي هذا الصدد كان مصطلح التوقف البين عن الدفع قطب الرحى في هذا الإشكال ، فهذا المصطلح الوارد في م 525 من م ت اكتنفه الغموض مما يستوجب التمييز بينه وبين التوقف الدفع الموجب لفتح مسطرة التسوية القضائية
المطلب الأول :مفهوم التوقف عن الدفع الموجب لفتح مسطرة التسوية القضائية
بالرجوع الى مقتضيات المادة 560 من مت نجده تشترط لفتح مسطرة التسوية القضائية أن تكون المقاولة غير قادرة على سداد ديونها المستحقة عند الحلول ،في حين اشترطت المواد 561 .562 ،564 .565 التوقف عن الدفع كشرط لفتح هذه المساطر ،والحقيقة ان عدم القدرة على سداد الديون المستحقة عند الحلول ماهو إلا مؤشر واضح عن التوقف عن الدفع
وبالرجوع إلى التفسير الذي كان يعطيه التقنين التجاري لسنة 1913 للتوقف عن الدفع ،فلقد تجسد في الواقعة المادية المتمتلة في امتناع التاجر عن أداء ديونه الحالة والمستحقة ،دون النظر إلى اي اعتبارت أخرى،وفي هذا الصدد طرح الإشكال المتعلق بالتمييز بين التوقف عن الدفع الذي يكون بسبب اعسار التاجر والتوقف عن الدفع الدي يكون بسبب طبيعة النشاط التجاري ودون البحث فيما ادا كانت ديون المقاولة تفوق اصولها ،حيث قد تتعلق هذه الواقعة بصعوبات مؤقتة قد تحتمل الزوال بسرعة.
وبمقارنة هذا الموقف مع ما اصبحت تنص عليه مدونة التجارة الجديدة ، يلاحظ أن هناك تطورا جليا في موقف المشرع في هذا لإطار ،حيث تم تبني رؤية عصرية تنسجم مع طبيعة النشاط التجاري ولا تقرر التوقف عن الدفع إلا بعد الوقوف على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمقاولة ،عكس التقنين التجاري السابق الدي كان يكتفي بتقرير افلاس كل مقاولة عاجزة عن أداء ديونها بغض النضر عن اي اعتبارات اخرى،مما كان يؤدي غالبا الى الحكم على مقاولات بالإفلاس والتصفية رغم أن اموالها تفوق ديونها وبالتالي العصف بمقاولات في حالة اقتصادية جيدة أو متوسطة.
ونتيجة لهذه الرؤية الضيقة لمفهوم التوقف عن الدفع ،وتعارضه مع مصلحة المقاولة والنظام العام الإقتصادي ككل ـتبنى المشرع المغربي المعيار الاقتصادي لتحديد مفهوم التوقف عن الدفع ،وذلك من خلال الوقوف على الرأس مال الاقتصادي للمقاولة كأساس لمعرفة نوعية الصعوبات التي تعترض المقاولة ،وبما إذا كانت مجرد صعوبات وقتية تستلزم نذخل القضاء لتدليلها ،أو أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لارجعة فيه مما يستلزم تصفيتها،لأن المعرفة الحقيقة لوضعية المقاولة تتم بالأساس بدراسة وضعيتها المالية والاقتصادية والاجتماعية وتحديد ما إدا كانت خصومها تفوق اصولها ،عكس الرؤية الضيقة التي تكتفي بالوضع الظاهر للنطق بإفلاس المقاولة
المطلب الثاني :مفهوم التوقف عن الدفع الموجب لإنهاء التسهيلات الممنوحة في إطار المادة 524 و 525 من مدونة التجارة
بعد أن بينا في المطلب الأول مفهوم التوقف عن الدفع الموجب لفتح مسطرة التسوية القضائية وكيف إنتقل المشرع من المعيار التقليدي الصرف إلى المعيار الإقتصادي ،وواضح من هذا المفهوم الحديث للتوقف عن الدفع أن المقاولة تكون قادرة على الإستمرار في ممارسة نشاطها لكنها إستمرارية من نوع خاص تتطل مجموعة من التضحيات سواء من طرف المقاولة نفسها أو دائنيها،كما تحتاج هذه الاستمرارية الى تمويل المقاولة المثتعترة ،وهذا مالا ينسجم مع مفهوم التوقف عن الدفع الوارد في الفقرة الرابعة من المادة 525 من مدونة التجارة،حيث أن المشرع إستعمل مصطلح التوقف البين عن الدفع وهو مالا نجده في المواد 560 و561و562و564و565 من مدونة التجارة ،فشتان بين التوقف البين عن الدفع والتوقف عن الدفع المنصوص عليه في الكتاب الخامس،فالتوقف البين عن الدفع يعني ان المقاولة المستفيدة من التسهيلات وضعيتها مختلة بشكل لارجعة فيه مما يصبح معه التزام البنك بمواصلة منح التسهيلات للمقاولة غير ذي فائدة،ويجوز لها قفل الاعتماد دون احترام أجل الستين يوم المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 525 من م ت ،لكن ذلك لايعفي المؤسسة البنكية من إثبات واقعة التوقف البين عن الدفع فالبينة على المدعي،تحت طائلة تحملها المسؤولية المدنية عن الأضرار التي قد تلحق بالمقاولة المستفيدة في حال قفل الإعتماد طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 525.
فإذا كان دور التسهيلات الممنوحة للمقاولة هو في الحقيقة خدمة تقدمها المؤسسة البنكية لتوفير السيولة اللازمة من اجل ان تمارس المقاولة نشاطها التجاري على احسن وجه،فكيف يعقل ان نفس مفهوم التوقف عن الدفع الوارد بالمادة 525 هو نفسه الدي يجعل المقاولة تذخل مسطرة التسوية القضائية ،لذا كان على المشرع أن يستعمل مصطلحا أكثر دقة وهو مصطلح الوضعيىة المختلة بشكل لارجعة فيه للمستفيد من التسهيلات ،أي تعذر كل الحلول الكفيلة بانقاد المقاولة من شبح التصفية وليس مجرد صعوبات ظرفية ،وفي هذا الصدد جاء قرار لمحكمة الإستئناف التجارية بالدارالبيضاء عدد 50/200 بتاريخ 20/01/2000 جاء فيه”توقف المقاولة عن الدفع وتعرضها لصعوبات ظرفية بحكم عدم توفرها على مبلغ السيولة الاحتياطي يبرر فتح مسطرة التسوية القضائية وليس التصفية القضائية،”مما يعني أنه في مثل هذع الحالة أن واقعة النوقف البين عن الدف غير متوفرة حسب مفهوم المادة 525 ولايجوز للمؤسسة البنكية في مثل هذه الحالة العدول عن التسهيلات الممنوحة.
كما أن توقف نشاط المقاولة لمدة طويلة يعتبر مبررا للنطق بالتصفية القضائية من جهة،ومبررا لقفل الإعتماد و العدول عن التسهيلات الممنوحة للمقاولة ،حيث جاء قرار لمحكمة الاسئناف التجارية بفاس قرار رقم 1261/ الصادر بتاريخ 21/11/2002 حيث جاء فيه “وحيث أن المادة 525 من مدونة التجارة تنص في فقرتها ما قبل الأخيرة سواء كان الإعتماد مفتوحا لمدة معينة أو غير معينة فإنه يمك للمؤسسة البنكية قفل الإعتماد بدون أجل في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع، ومن خلال إطلاع المحكمة على كشوفات الحساب المستدل بها من البنك تبين لها أن الشركة المستأنفة فرعيا قد توقفت فعلا عن الدفع وأن الخانة المتعلقة بدائنيتها لم تطعم ولم تعرف الحركية مند دجنبر 1997 إلى غاية أكتوبر 1998”
المبحث الثاني :مصير عقد فتح الإعتماد خلال مسطرة التسوية القضائية
يرتبط نجاح مسطرة التسوية القضائية بنجاعة تمويل المقاولة المثعترة والحفاظ على العقود الضرورية لمواصلة نشاطها ،وفي هذا الصدد خول المشرع للسنديك وحده من خلال مقتضيات المادة 573 من م ت إمكانية المطالبة بمواصلة تنفيد العقود الجارية والمتعلقة بتقديم خدمة والتي قد يكون من بينها التسهيلات البنكية الممنوحة للمقاولة ،غير ان المؤسسة البنكية قد لا ترى فائدة من مواصلة هذه التسهيلات خلال مسطرة التسوية القضائية فتعمد للعدول عنها وفسخها طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 525 ،فكيف يمكن إذا حماية المقاولة المثعترة والحفاظ على هذه التسهيلات البنكية الممنوحة؟ وكيف يمكن للقضاء التوفيق بين صلاحية السنديك في الإبقاء على العقود الجارية
المطلب الأول :إنهاء التسهيلات البنكية الممنوحة للمقاولة طبقا لشروط المادة 525،خلال مسطرة التسوية القضائية :
بالرجوع للمادة 525 من مدونة التجارة يتبين أن المشرع وضع أحكاما خاصة بإنهاء كل نوع من العقود المتعلقة بفنح الاعتماد أو مايطلق عليه بالتسهيلات البنكية ،فالبنسبة لعقود فتح الاعتماد المححدة المدة فقد نص المشرع على ان الاعتماد ينتهي بانتهاء المدة المحددة له بقوة القانون من غير أن يكون البنك ملزما بتوجيه إشعار للمستفيد، أما إدا كان الاعتماد لمدة غير محددة فلا يمكن فسخه ولا تخفيض مدته إلا بعد تبليغ إشعار كتابي للمستفيد ومرور أجل لا يقل عن ستين يوم.
لكننا نرى أنه لايمكن للبنك أن يقوم بفسخ الإعتماد الممنوح لمدة غير معينة شريطة احترام تبليغ المستفيد ومرور الأجل المذكور،بل لابد من وجود أسباب جدية تبرر لجوء البنك إلى فسخ هذه التسهيلات ،لأن الفسخ في أي وقت وبدون أي مبرر يعتبر تعسفا في إستعمال الحق سيؤدي حتما الى الإضرار بالمقاولة المستفيدة من التسهيلات وقد يعصف بها التصفية القضائية ،خاصة وأن المقاولات تعول كثيرا على هذه التسهيلات البنكية من أجل ممارسة نشاطها على احست وجه ،لذلك ففسخ هذه التسهيلات يستلزم حصول خطأ من المقاولة يبرر هذا الفسخ، غير أنه جاء حكم صادر عن المحكمة التجارية للدار البيضاء تحت رقم 1711 بتاريخ 10/02/2009 ملف رقم 8723/17/2008 “من حق البنك فسخ الاعتماد ولو بدون سبب وفي أي وقت شريطة التقيد بالإشعار واحترام مهلة الإخطار المنصوص عليها في المادة المذكورة (المادة 525) أو في العقد
وحيث أن تعليق المدعية الفسخ على حصول خطأ منها غير مطلوب بمقتضى النص المذكور مما يكون معه ما استدلت به غير مؤسس..” حيث يلاحظ أن المحكمة اسائت تطبيق مقتضيات المادة 525 حينما خولت للبنك فسخ التسهيلات في أي وقت ولو بدون بسبب،لأن الفسخ لا يكون له محل إلا في حالة إخلال الطرف الأخر بالتزاماته التعاقدية وبالتالي فإن اللجوء الى الفسخ دون مبرر يعتبر خطأ من البنك يوجب التعويض للمقاولة المتضررة من هذا الفسخ غير المبرر ،وهذا ما أكدته محكمة الاسئناف التجارية بفاس في قرار صادر عنها رقم 562 بتاريخ 27/3/2012 ملف عدد 1523/2010 حيث جاء فيه:” فتح الاعتماد من طرف البنك لمدة غير محددة وفسخه بارادته المنفردة دون التقيد بمقتضيات المادة 525 من م ت، التي تفرض على البنك العازم على فسخ الاعتماد تبليغ زبونه اشعارا مكتوبا لايقل عن اجل 60 يوم دون ثبوت أي خطأ من الزبون يبرر ذلك الفسخ،يلزم البنك مسؤولية الضرر اللاحق بالزبون وضرورة تعويضه”
أما الفقرة الرابعة من المادة المذكورة فإنها تخول للبنك إمكانية العدول عن التسهيلات الممنوحة دون التقيد بالأجل المذكور في الفقرة الثانية وذلك في حالة التوقف البين عن الدفع كما قمنا بتوضيح مفهومه من خلال الشق الأول من الموضوع ،وفي الحقيقو فنحن لا نلمس أي تعارض بين مقتضيات المادة 573 المتعلقة بالعقود الجارية في إطار مسطرة التسوية القضائية ،والمادة 525 في فقرتها الرابعة ،لأن المشرع خول للبنك العدول عن التسهيلات في الحالة التي تكون فيها المقاولة في وضعية مختلة بشكل لا رجعة فيه ولايبقى للتسهيلات البنكية الممنوحة أي دور في مساعدة المقاولة المتعترة،لذا فإن الفسخ المنصوص عليه في الفقرة الرابعة هو نتيجة حنمية للتوقف البين عن الدفع ،إلأ أن محكمة النقض لاتساير هذا التوجه إذ جاء في قرار لها عدد 433 الصادر بتاريخ 24 مارس 2011 في الملف التجاري عدد 506/1/3/2010 “يكون المستفيد من التسهيلات في حالة توقف عن الدفع ،إذا لم يؤدي الأقساط المستحقة ،أو يستمر في الإستفادة من سقف الإعتماد دون تزويد حسابه بالدفعات المثبتة لسلامة مركزه المالي.
يمكن للبنك قفل الإعتماد بدون أجل في حالة توقف المستفيد عن الدفع أو في حالة إرتكابه لخطأ جسيم في حق البنك ،وعند إساءة استعماله للاعتماد طبقا للمادة 63 من القانون البنكي و المادة 525 من مدونة التجارة” حيث أن محكمة النقض في هذا القرار لم تصادف الصواب لمجموعة من الاعتبارات ،أولها إستعمالها لمصطلح التوقف عن الدفع في حين أن المشرع ينص على التوقف البين عن الدفع في حين أن هناك إختلاف كبير بين المفهومين كما سبق توضيح ذلك ،فمحكمة النقض في هذا القرار لم تساير فلسفة المشرع في حماية المقاولة المثعترة والحفاظ على المصادر التمويلية لها ،كما أن المحكمة إعتبرت مجرد عدم أداء المقاولة لبعض الأقساط المستحقة وعدم تزويد حسابها بما يفيد سلامة مركزها المالي يعتبر مبررا للقفل الإعتماد وهو مالاينسجم بتاتا مع مفهوم التوقف البين عن الدفع.
وفي قرار أخر صادر عن محكمة النقض عدد 1167 المؤرخ في 06/10/2011 ملف تجاري عدد 1719/3/1/2010 جاء فيه “لكن حيث إنه بمقتضى الفقرة الرابعة من المادة 525 من مدونة التجارة فإنه “سواء كان الإعتماد مفتوحا لمدة معينة أو غير معينة فإنه يمكن للمؤسسة البنكية قفل الإعتماد بدون أجل في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع أو في حالة ارتكابه لخطأ جسيم في حق المؤسسة المذكورة أو…” ولما ثبث للمحكمة من الخبرة المنجزة وباقي الوثائق المدلى بها خاصة كشوف الحسابات غير المنازع فيها أن الطالبة توقفت عن سداد مابذمتها ،اعتبرت وعن صواب “أن البنك لما منح للمدينة الأصلية تسهيلات جعلها تستفيد من قرض بمبلغ 20.000.000.00 درهم لم يتم الوفاء بتنفيده ،وأن البنك بعد تراكم لأقساط غير المؤداة وتجاوز الطاعن لسقف التسهيلات قام بوقف الإعتماد ،فلم يرتكب أي خطأ لأأنه في هذه الحالة لأنه في هذه الحالة لا يكون ملزما بتوجيه إشعار لزبونه ،ومن تم يكون تحميله المسؤولية عديم الأساس مادامت الطاعنة في حالة توقف بين عن الأداء ،فتكون قد أبرزت ما اعتمدته من عدم ثبوت مسؤولية البنك بخصوص وقف الإعتماد الدي كان ممنوحا للطالبة ،ولا يقضي الأمر خلافا لما جاء بالوسيلة أن تكون أزمة البنك مزمنة ،وإنما يكفي توقفه عن سداد ما بذمته بعد تجاوز سقف التسهيلات.”
حيث يوضح هذا القرار تكريس محكمة النقض لموقفها الذي نجد فيه حماية أكثر للمؤسسات البنكية على حساب المقاولات المتعثرة و الأجذر بهذه الحماية ،فمن خلال هذا القرار إستعمل المحكمة مصطلح التوقف البين عن الدفع لكنها أساءت تفسيره حينما عللت قرارها بأنه لا يقتضي أن تكون أزمة زبون البنك مزمنة إنما يكفي توقفه عن سداد ما بذمته بعد تجاوز سقف التسهيلات .
لذلك نرى ضرورة توحيد مواقف القضاء سواء محاكم الموضوع او محكمة النقض في هذا الصدد،من أجل تكريس حماية المقاولة المثعترة والحفاظ على السيولة المالية الكافية لها من أجل مواصلة ممارسة نشاطها الإقتصادي وقيامها لدورها الإجتماعي
المطلب الثاني:مطالبة السنديك للبنك بمواصلة تنفيد عقد فتح الإعتماد
يقصد بالعقود الجارية تلك العقود المتعلقة بتقديم خدمة ويكون أثرها ساريا عند صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية وفي هذا الصدد خول المشرع للسنديك من خلال المادة 573 من م ت كامل الصلاحية في تقرير مصير العقود الجارية إما بمواصلتها أو فسخها في حالة عدم حاجة المقاولة لها .
وفي حالة مطالبة السنديك بواصلة تنفيد العقود الجارية يجب على المتعاقد أن يفي بإلتزاماته التعاقدية تجاه المقاولة رغم عدم وفاء هذه الأخيرة بالتزاماتها للفترة السابقة على صدور الحكم القاضي بالتسوية القضائية،وتطبيقا لهذه المقتضيات يمكن للسنديك مطالبة البنك الذي قام بتقديم تسهيلات للمقاولة في إطار المادة 524 من مدونة التجارة من أجل مواصلة تقديم هذه التسهيلات ولا يمكن للبنك أن يحتج بعدم وفاء المقاولة لالتزاماتها قبل فتح مسطرة التسوية القضائية إذ لا يخولها ذلك سوى التصريح بديونها في قائمة الديون.
كما لايسعف البنك الذي قام بتقديم هذه التسهيلات المنصوص عليها في م 524 من م ت أن يتمسك بمقتضيات المادة 525 بشأن إمكانية وضع حد لها لاختلاف مفهوم التوقف البين عن الدفع عن مفهوم التوقف عن الدفع كما أوضحنا ذلك سابقا،كما أن المادة 573 من مدونة التجارى في فقرتها الأخيرة تنص على أنه لايمكن فسخ أي عقد بمجرد فتح مسطرة التسوية القضائية بناء على شرط تعاقدي أو أي مقتضى قانوني ،حيث أن للسنديك وحده صلاحية فسخ هذه العقود أو مواصلتها.
في الأخير يمكن القول أن المادة 525 من مدونة التجارة لا تتضمن اي تناقض مع مقتضيات المادة 573 ، لختلاف مفهوم التوقف البين عن الدفع عم مفهوم التوقف عن الدفع ،كما أن المادة 573 لم تدع أي مجال للشك عندما نصت على انه لايحول اي مقتضى قانوني او شرط تعاقدي دون تطبيق مقتضيات هذه المادة ،لذلك نرى أن السنديك تبقى له الصلاحية في مطالبة البنك بمواصلة تقديم هذه التسهيلات خلال مسطرة التسوية القضائية،أما المادة 525 في فقرتها الرابعة تكون قاصرة على الحالة التي تكون فيها المقاولة في وضعية مختلة بشكل لا رجعة فيه.
بقلم ذ صمود زكرياء
مصير التسهيلات البنكية خلال مسطرة التسوية القضائية في القانون المغربي – مقال قانوني متميز