القيود على حرية الصحافة
سلطة الإسكات أو تكميم الفم
“إن الصحافة الحرة هي الحارس الذي لا ينام لكل الحقوق الأخرى التى يعشقها كل أنسان حر، إنها العدو الاكثر خطورة للطغيان. حيثما تكون هنالك حرية تكون الصحافة هي الحارس اليقظ لحقوق المواطن العادى”
من خطاب ونستون تشرشل للشعب البريطاني يوم النصر
حرية الصحافة الدستورية تعني إزالة العقبات غير المسموح بها دستوريا، التي تقيمها أو تسمح بها السلطات الحكومية، لمنع نشر مادة بعينها.
لا نحتاج لأن نذكر القارئ إلى أن السيطرة على ما ينشر في الصحافة، ظلت تؤرق السلطة منذ فجر العهد الإنقاذي وحتى الآن. وهو ما جعلنا نشهد صدور تسعة قوانين للصحافة في خلال الفترة من 1993 وحتى 2009. ولا نحسب أننا في حاجة لأن نُذكِّر أن الأربع سنوات السابقة لعام 1993 التي لم تكن الإنقاذ فيها مشغولة بإصدار تشريعات معنية بالرقابة على ما ينشر في الصحف، كان ذلك بسبب أنها لم تكن تسمح لغيرها آنذاك بإصدار أي صحيفة، إذ إقتصرت الصحافة في ذلك الزمن على صحيفتين إنقاذيتي الهوى والتوجه، وهما السودان الحديث والإنقاذ الوطني.
لم نستبشر خيراً حين سمعنا بأن هنالك إتجاه لإصدار قانون جديد للصحافة لما تعلمناه على طول ممارستنا للعمل القانوني من أن أسوء القوانين هي أحدثها في الصدور. ورغم أن هذا يشمل كل القوانين، ولكن بالنسبة لقانون يتصل بالحريات العامة، فإن تدخل المشرع في القانون كان دائما إيذاناً بمزيد من التضييق على الحريات.
وأخيراً نشرت التيار صباح الخميس نسخة من التعديلات المقترحة على قانون الصحافة والمطبوعات، فوجدنا فيها ما كنا نخشاه، فالتعديلات لا تشتمل إلا على مزيد من التضييق في الحريات الصحفية. وسيقتصر حديثنا اليوم لضيق المجال، على سلطة تكميم أفواه الصحفيين التي توسعت فيها التعديلات، وإن كان ذلك لا يشمل كل عيوب التعديلات
سلطة الإسكات أو تكميم الفم
سلطة الإسكات أو تكميم الفم Gagging Order هي سلطة تمنع الصحيفة، من تناول موضوع معين، وهي سلطة مخالفة للدستور بشكل مطلق عندما تنصب على إسكات صحيفة معينة أو صحفي، أو حتى شخص عادي. وأمر الإسكات، بشكل عام مخالف لحرية الصحافة الدستورية، ولكنه مقبول إستثناء بالنسبة للنشر في مسائل لا تشملها حرية الصحافة نفسها، كالمواد التي من شانها الإضرار بخصوصية الأفراد، أو بالأمن القومي، أوالأخلاق العامة. حتى تصبح هذه الأوامر مقبولة يجب أن تكون صادرة من جهة قضائية تمنع نشر معلومات معينة، وليس آراء، بسبب أن تلك المعلومات تعرض الأمن القومي، أو حق الأفراد في الخصوصية، أو الخلاق العامة للخطر.
ومن ذلك مثلا الأوامر التي كانت تصدر يوميا تقريبا في المملكة المتحدة في ربيع عام 2011، والتي عرفت بإسم “الأوامر التحفظية الممتازة” Super Injuction بطلب من عدد من المشاهير والسياسيين، تمنع وسائل الإعلام، تمنعها من نشر معلومات تتصل بحياتهم الشخصية، مثل علاقاتهم الغرامية خارج إطار الزواج، وعلاقات بعضهم مع البغايا. ومن ذلك الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا في الهند في عام 2017 منعت فيه نشر تصريحا للقاضي كارنان وهو قاض متقاعد من قضاة المحكمة العليا في كلكتا، رأت المحكمة العليا أنه ينطوي على عدم إحترام لها. ولكن عقب هجمات مومباي الإرهابية عام 2008 لم تنجح الحكومة الهندية في تمرير مشروع قانون من شأنه أن يمنع وسائل الإعلام من أن تبث صور حية لأحداث إرهابية ، لضمان سلامة أي رهائن، ومنعا لتعريض عمليات الإنقاذ لأي عوائق، بسبب إعتراض وسائل الإعلام الهندية عليه، بدعوى إنهم يمتنعون عن القيام بذلك بالفعل بسبب قواعد “التنظيم الذاتي” التي يعتمدونها طوعاً.
الوضع في قانون الصحافة والمطبوعات حتى قبل تعديله
منح قانون الصحافة والمطبوعات سلطة إسكات الصحف لمجلس الصحافة والمطبوعات وللمحكمة حين منحهما سلطة منع الصحف من الصدور، وهي سلطة مخالفة للدستور كما سنرى حالاً. ولكن لم يكن القانون قبل تعديله يمنح لأي جهة غير قضائية سلطة إسكات الصحفي الفرد أو تكميم فمه، لأي فترة من الزمن. ورغم أن ذلك لم يكن فيه حماية كافية للصحفيين، لأن جهاز الأمن أصدر أوامر، وهي أوامر لم يتم تحديها قضائياً بحيث تتقرر مشروعيتها، تمنع صحفيين من النشر في الصحف، إلا أن القانون لم يكن يحمل أي نص يمنح جهة غير قضائية تلك السلطة.
وهذا لا يعني أن القانون كان متوافقا مع الدستور، بل كان يحمل سلطة منع الصحفي من الكتابة ولكن ذلك كان يتطلب صدور حكم قضائي بذلك بموجب المادة 35 والتي نصت فقرتها (د) على سلطة المحكمة بإيقاف رئيس التحرير أو الناشر أو الصحفي المرتكب للمخالفة للمدة التي تحددها المحكمة. كما ونصت الفقرة (هـ) من نفس المادة على سلطة المحكمة بسحب السجل الصحفي أو تجميده للمدة التي تقررها المحكمة عند تكرار الصحفي للمخالفة وهاتين الفقرتين تمنحان السلطة للمحكمة بإصدار أوامر إسكات لغير الأسباب التي تجيز ذلك دستوريا.
هذا ما كان من أمر القانون قبل تعديله، ومع ذلك فلم تر السلطة أن فيه ما يكفيها من عقاب للصحفي بسبب التعبير عن رأي، أو نشر خبر، لا ترضى عنه السلطة. ومن ثم فقد تم منح سلطات أكثر شدة في العقاب من كل ذلك، لجهة لم تكن أصلاً موجودة في القانون.
سلطة مجلس الصحافة في إصدار قرارالإسكات
يتمتع مجلس الصحافة والمطبوعات، بموجب القانون قبل تعديله، بسلطة أكثر قليلاً من مجرد إيقاف صحفي واحد، وهي السلطة التي نصت عليها الفقرة (د) من من المادة (33) (1) والتي منحت المجلس سلطة تعليق صدور الصحيفة لمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام. وهي سلطة تحمل ما تحمل من خطورة لكونها تتجاوز الصحفي المخطئ – إذا صح أنه أخطأ – إلى عقاب جميع الصحفيين العاملين في الصحيفة، بالإضافة لقرائها، والمجتمع ككل، وذلك بإيقاف الصحيفة نفسها. ولكن لحين نفاذ التعديلات فإن الأمر محدود بأيام ثلاث. كما وأنه، على الأقل، يسمح للصحفي، وإن كان ذلك لا ينطبق إلا على كتاب الرأي، أن يكتب، أثناء سريان الأمر في صحيفة أخرى.
هذا هو الوضع بالنسبة لسلطة المنع من مزاولة العمل الصحفي ولكن كيف سيكون الوضع بعد التعديل ؟
سلطة مجلس الصحافة في الإسكات
حملت التعديلات المقترحة زيادة في سلطة مجلس الصحافة في تعليق صدور الصحيفة كجزاء، فزادت من تلك السلطة بحيث أصبحت تعلق صدور الصحيفة لفترة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً أي ضاعفتها خمسة اضعاف.
ثم أضافت الفقرة (هـ) وهي فقرة جديدة منحت المجلس سلطة إيقاف الصحفي من الكتابة للمدة الذي يراها مناسبة، والفقرة (و) الإنذار بتعليق الصحيفة، والفقرة (ز) سحب الترخيص مؤقتاً لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. وهكذا اصبح لمجلس الصحافة والمطبوعات سلطات هائلة على الصحيفة تصل لسحب ترخيصها لثلاثة أشهر وعلى الصحفي فتمنعه من الكتابة الصحفية للمدة التي تراها مناسبة والتي قد تستغرق باقي عمره الصحفي .
لجنة السجل
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أنشأت التعديلات هيئة جديدة أسمتها لجنة السجل مكونة من نقيب الصحفيين رئيساً والأمين العام للمجلس رئيساً مناوباً وممثل المجلس عضوا وممثل الإتحاد العام للصحفيين عضوا بالإضافة لعضو واحد يختاره المجلس والإتحاد العام للصحفيين السودانيين. وهي كما نرى لجنة تسيطر عليها الحكومة. تختص اللجنة بعدد من الإختصاصات نتوقف فيها عند الفقرة (هـ) ونصها شطب الصحفي من السجل بناءاً على قرار المحكمة أو أي جهة مختصة بمحاسبته.
والسؤال هو لماذا يوكل لهذه اللجنة هذا الإختصاص الخطير، هل تحتاج المحكمة للجنة لشطب سجل صحفي ؟ ألم يكن يكفي أن تمنح المحكمة سلطة شطب سجل الصحفي؟ وما هي الجهات الأخرى التي لها سلطة محاسبة الصحفيين؟ إذا كان هنالك ثمة جهات أخرى موكول إليها بالقانون إختصاص شطب الصحفي من السجل، فما فائدة النص على ذلك ضمن إختصاصات اللجنة.
الخطورة التي يراها الصحفيون في هذه المادة هي أن تقوم اللجنة بشطب الصحفي من السجل بقرار من جهة إدارية بزعم أن تلك الجهة لها إختصاص بمحاسبة الصحفي. بالتحديد تأتي الخطورة من أن جهاز الأمن قد أصدر من قبل عدة مرات أوامر بمنع صحفيين من الكتابة الصحفية فهل سيتم شطب الصحفي من السجل وفقا لهذه الأوامر؟
سلطة شطب الصحفي من السجل
سلطة شطب الصحفي من السجل تنطوي على إخلال خطير بحقوق الإنسان خاصة حين مُنحت لجهة إدارية، وحتى ولو إقتصر الأمر على منحها للقضاء فإنها تظل سلطة مخالفة للدستور، لأنها هي سلطة بمنع شخص من الوصول إلى الصحافة، وهي سلطة غير مقبولة في الأساس وذلك لسببين: الأول أن القرار بمنع شخص من مزاولة مهنة ما، مدى الحياة، يؤدي للحرمان من الحق في الحياة، وهو أمر غير مقبول. هذا ما ذكره القاضي العالم محمد يوسف مضوي في السابقة الشهيرة محمد عبد الله مشاوي ضد لجنة قبول المحامين.
والسبب الثاني أن الحق في الوصول للصحافة هو حق دستوري نصت عليه المادة 33 من الدستور، بقولها لكل شخص حق لا يقيد في الوصول إلى الصحافة. أضف لذلك أنه ينطوي على إهدار الحق في التعبير، وذلك لما يؤدي إليه من منع شخص معين، من التعبير عن رأيه بغض النظر عن محتوى رأيه، وهي مسألة غير مقبولة.
فيما يتعلق بالحق في الوصول إلى الصحافة فإننا نشير إلى إلتزام الدولة وفقاً للفقرة الثانية من المادة 39 بأن تكفل حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي .
سلطة إيقاف الصحيفة
عقوبة إيقاف الصحيفة، كما وسبق أن ذكرنا في كتابات سابقة هي عقوبة مخالفة للدستور، سواء صدرت من المحكمة، أو من جهة إدارية، لأنها تنطوي على تدخل في حرية الصحافة مخالف للدستور، الذي لا يجيز اللجوء لإيقاف الصحف كعقوبة، ذلك لأن إرتكاب الصحيفة لمخالفة أو جريمة لا يبرر وقفها عن الصدور.
فمن حيث السياسة العقابية يلجأ القانون للعقوبات وللتدابير الإحترازية لمقابلة الجرائم. والعقوبة هى إيلام مقصود يقابل الجريمة ويتناسب معها. وإيقاف الصحيفة لا يسبب للفاعل إيلاما يتناسب مع المخالفة التى حملها النشر الصحفى. لأن الفاعل الأصلى – وهو كاتب المادة – لن يصيبه إيلاماً، ما لم يكن هو نفسه صاحب الصحيفة. أضف لذلك أن الايلإم في حالة الإيقاف من الصدور يتعدى أثره الصحيفة وصاحبها إلى غيرهما. فحرية الصحافة ليست حرية مقررة لصالح الصحيفة أو العاملين فيها، بل هي مقررة لصالح المجتمع ككل، والذي يستفيد من تعدد الآراء وتعدد مصادر الأنباء، وهو أمر يوفره صدور الصحيفة الحرة، وبالتالي فإن حجب الصحيفة عن الصدور يضر المجتمع ككل . وإذا كان الإيلام المقصود يتحقق بحرمان الصحيفة من مصدر دخلها، فإن هذا يمكن الوصول إليه عن طريق مباشر بالحكم بالغرامة المالية، وبالتالى فلا داعى للإيقاف لأنه يخالف السياسة العقابية من حيث أنه يصيب غير المستهدف بالعقاب ومن حيث أنه ينتهك حرية الصحافة وهي من أهم الحريات الدستورية التي يرتكز عليها النظام الديمقراطي.
والايقاف لأي فترة من الزمن لايقابل الجريمة بسبب أن المجني عليه في جرائم النشر ينشد إزالة الضرر والذي يتمثل في التوضيح من جهة، وهذا يتطلب إستمرار الصحيفة في الصدور لا وقفها، والتعويض المالي على ما أحدثه النشر من أضرار من جهة أخرى، وهذا لا علاقة له بإيقاف الصحيفة. أما بالنسبة للتدابير الإحترازية فهى تواجه مايكشف عنه الفعل من خطورة إجرامية، و ذلك بإعادة تاهيل الجاني لا بعقابه، فالإيقاف غير مجد فى هذا الصدد لأنه لا ينطوى على أى قدر من إعادة التأهيل.
بالنسبة للدستور فإن وقف الصدور ينطوى على حظر مسبق لنشر صحفى فى أسوء صوره لأنه لا صلة له بمحتوى ذلك النشر الذى يحظره، وهو أمر مخالف لحرية الصحافة فى المجتمع الديمقراطى التى لا تقبل التدخل بالحظر المسبق للنشر إلا فى الحدود التى أوضحناها، لأن النشر الصحفى يتصل بحقي التعبير وحرية الصحافة وهي حقوق على درجة من الأهمية لا يجوز إهدارها مقابل مخالفة وقعت بالفعل.
وهذا ما سيقودنا إلى مسألة لمنع أشخاص بعينهم من إصدار الصحف .
منع أشخاص بعينهم من إصدار الصحف
ولننظر الآن لدعوى نير ضد مينوسيتا وهي دعوى بالغة الأهمية في هذا الصدد.كان السيد نير يمينيا متعصباً معادياً للكاثوليك والساميين والسود والحركة العمالية، أما السيد جيلفورد فكان من هواة النشر الفضائحى وقد أدين من قبل بإرتكاب جريمة إشانة السمعة الجنائية وسيدفع حياته ثمناً لذلك فعقب إنتهاء الدعوى سيتم إغتياله بواسطة أحد ضحايا ما ينشر. أسس الإثنان فى عام 1927 بمدينة مينوبوليس فى ولاية مينيسوتا صحيفة أسمياها Saturday Press. شنت الصحيفة حملة على مدير الشرطة بالمدينة زاعمة فيها أن المدينة واقعة تحت سيطرة عصابات يهودية بمساعدة مدير الشرطة الغارق فى الفساد السياسي . إستهدفت الصحيفة أيضا فى حملاتها المنفلتة عدد من المسئولين من بينهم عمدة المدينة وحاكم الولاية المقبل . رغم أن حملات الصحيفة لم تكن مدعمة ببينات مقنعة إلا أن أحد هذه الحملات على الأقل أسفر عن إدانة رجل عصابات، كان قد روع أحد أصحاب محلات التنظيف الجاف بأن قام بتدمير ملابس عملاء المحل . عقب نشر العدد الأول من الصحيفة و الملئ بحملات الكراهية والاثارة تم إطلاق النار على جيلفورد ونجم عن ذلك إصابته إصابة غير خطيرة إستدعت إدخاله المستشفى حيث تمت محاولة أخرى لإغتياله .
قام أحد من تأثروا بالنشر الفضائحى للصحيفة بتقديم عريضة ضد نير وجيلفورد تحت قانون الإزعاج العام لسنة 1925، وهو قانون ولائى يسمح بإصدار أمر يمنع أولئك الذين يرتكبون إزعاجاً عاما بنشر وبيع وتوزيع صحيفة تحتوى على مواد مشينة للسمعة أو شريرة malicious أو فضائحية ،من إصدار أونشر الصحف.طلب المدعى إصدار أمر بإيقاف الصحيفة عن الصدور لأن ما نشر ضده وضد رسميين أخرين فى كل أعداد الصحيفة الستة التى نشرت من سبتمبر وحتى نوفمبر 1927 بالاضافة للنبرة المعادية للسامية المستخدمة بواسطة الصحيفة تشكل إخلالاً بذلك القانون .
أصدر القاضى بولدوين أمر منع مؤقت يمنع المدعى عليهما من نشر أو توزيع الصحيفة أو أى صحيفة أخرى تحمل مواد مشابهة . دفع المدعى عليهما بمخالفة الامر للدستور إلا أن القاضى رفض ذلك الدفع وأصدر أمراً نهائياً بمنع المدعى عليهما من نشر وتوزيع الصحيفة ،وقد تأيد هذا الأمر بواسطة المحكمة العليا فى مينيسوتا والتى ذكرت فى حكمها أن النشر الفضائحى يزعج ويؤذى ويهدر راحة وسكينة عدد معتبر من الناس ،وهو يشكل إزعاجا لا يقل عن ما تسببه محلات بيع الخمور غير المشروعة (كان ذلك فى أيام حظر الخمور فى أمريكا) أو محلات الدعارة من إزعاج .
وأضافت المحكمة أن النشر الفضائحى أيضا يهدر السلامة العامة لأن من شأنه أن يخل بالسلام العام لأنه يدفع الطرف الآخر إلى العدوان . كما وأن تقييد النشر المبنى على إحتوائه على محتويات ضارة يدخل ضمن السلطة المشروعة للشعب، عندما يقرر عن طريق نوابه أن يحافظ على الأخلاق العامة .
أما بالنسبة لدفع نير وجيلفورد بأن الأمر من شأنه أن يهدر حرية الصحافة فقد ذكرت المحكمة أنها لا تعتقد أن حرية الصحافة قصد بها حماية النشر الفضائحى، وإنما قصد منها فقط توفير حماية للصحافة الأمينة ذات الضمير وليس لشانئى السمعة ومروجى الفضائح .
عندما وصل الأمر للمحكمة العليا أنه بغض النظر عن صحة أو عدم صحة ما جاء فى النشر موضوع الدعوى ،فإن أمر الحظر غير دستورى و حتى ولو كان سلوك الرسميين التى وردت أسماؤهم فى الصحيفة لا تشوبه شائبة فإن الأمر يظل غير دستورى والقانون نفسه الذى صدر الأمر بموجبه غير دستورى.
ذكرت المحكمة أن أساس حرية الصحافة هو منع الحظر المسبق للنشر، و رغم أن هذا المبدأ يخضع لإستثناءات، إذ لابد أن يكون هنالك ما يُمكِّن الدولة من حماية مصالحها في الدفاع، ومن ذلك مثلاً نشر معلومات عن التحركات العسكرية في زمن الحرب ،إلا أن الطبيعة الإستثنائية لجواز الحظر المسبق تجعل من القاعدة العامة والتي تمنع ذلك الحظر ركناً هاماً وحيوياً،وإن لم يكن الركن الوحيد لحرية الصحافة التي كفلها الدستور، والأشخاص الذين يجدون أخلاقهم وسلوكهم موضع نقاش في الصحف، يكون العلاج المتوفر لهم هو رفع دعوى لعقاب من يقوم بإدعاءات باطلة تجاههم ،ولكن ليس في حظر نشر تلك الإدعاءات .صحيح أن حرية الصحافة يمكن أن يساء إستخدامها بواسطة ناشرو الفضائح ،ولكن ذلك لا يمنع من التمسك بحصانة الصحافة ضد الحظر المسبق. إن العقاب اللاحق للفعل هو الشكل الأمثل للتعامل مع هذا الفعل دون خرق الدستور .
ومضت المحكمة لتؤكد أنه كون القانون قد سمح للناشر أن يدحض الدعوى بأن يثبت أن النشر تم لأغراض مبررة Justifiable ends لا يجعل القانون متفقاً مع الدستور لأنه لو قبلنا ذلك لجاز للقانون أن يحدد ما هي الأغراض المبررة ويضع بذلك نظاماً ما للحظر المسبق وهو ما يتعارض مع الدستور
، NEAR V. STATE OF MINNESOTA EX REL. OLSON, 283 U.S. 697 (1931)
نبيل أديب عبدالله
المحامي
إعادة نشر بواسطة لويرزبوك
انتقادات لقانون حرية الصحافة في السودان