الانهيارات المصرفية و الأزمة العالمية

كما سبق أن قال الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد تفجيرات سبتمبر التي هزت بل (هزمت) أمريكا ” إن أمريكا لن تعود كما كانت” و فعلا كل العالم و ليس أمريكا وحدها لم يعد كما كان، و الوضع الذي يحدث الآن نتيجة الأزمة المالية و المصرفية التي تعاني منها الآن أمريكا و أوربا و نحن كلنا من بعدهم قاد الكثير من رجال المال والاقتصاد إلي القول ” إن الاقتصاد لن يعود الي ما كان” و في أوربا يقولون إن زمن ” الاقتصاد الحر” قد انتهي حيث قامت العديد من الحكومات الغربية ، التي تتغني بالسوق و الاقتصاد الحر و تتشدق بسياسة الوست منستر، بالتدخل الفوري بتأميم البنوك الكبرى و شركات الاستثمار الأخطبوطية المتعددة الجنسيات أو وضعها تحت السيطرة الحكومية التامة ، و يا سبحان الله الصمد الدائم ، و هكذا تدور الدوائر عليهم كما دارت علي غيرهم….. و الأيام دول ……. و هل ساعات الطلق التي نتوجع منها الآن تأتي بنظام مالي جديد يتناسب مع العولمة و العالم الواحد ؟؟؟

و هناك مقولة سياسية قديمة مفادها إن النظام الرأسمالي عندما يفشل في شيء يعود إلي المبادئ الاشتراكية لتحقيق النجاح الذي يتطلع إليه و الآن بريطانيا و كل أوربا و أمريكا قاموا بالتأميم للسيطرة علي الأزمة المالية التي نتجت عن الممارسات الرأسمالية التي يجترونها و ينتهجونها و ذلك بالرغم من دوام نكرانهم للتأميم و ازدرائه .

بداية الشرارة للازمة كانت في أمريكا منذ مدة و لكنها استفحلت و وصلت إلي مرحلة الشعرة التي قصمت ظهر البعير عندما انهارت قروض الرهن العقاري ” صب برايم” و لهذا الانهيار آثارا مباشرة علي المجتمع الأمريكي لان الجميع يقومون برهن عقاراتهم بل و يرهنون كل ما يقع تحت يدهم للبنوك و اخذ قروض في مقابلها و أعادة بيع هذه القروض و إعادة الرهون و هكذا فان كل المجتمع الأمريكي و لنقل كل المجتمعات الرأسمالية يدور و تدور في قطب القروض و الرهون و الديون و كلهم يقولون ” أتدين و أتبين ” ……. ، و لذا عندما حدث انهيار أل “صب برايم” شمل الجميع و خاصة الطبقات المتوسطة و الفقيرة – ملح الأرض – لأنهم أصبحوا أو أوشكوا علي العيش في العراء و تحت سقف السماء… لأنهم فقدوا المرهونات و الرهونات ” المقبوضة ” و هي كل حيلتهم وكل زادهم و كل ما يملكونه.

و هكذا تبدأ الشرارة صغيرة و لكن إذا وجدت الظروف مواتية فإنها تكبر و تلتهم الهشيم، و لقد امتد لهب الشرارة الي بقية التمويل المصرفي و كل القطاع المصرفي و تأثرت القروض المتوسطة و الكبيرة و بدأت في الانهيار تباعا مما أدي إلي طلب العديد من البنوك للقروض الكبيرة من البنك الاحتياطي الفيدرالي و بعضها سعي للدخول في تحالفات أو لبيع جزء من أصوله أو البيع الكامل لبنوك عالمية و بحثوا عبر كل المحيطات الشرقية و الغربية.

و إضافة للبنوك تأثرت صناديق الاستثمار و استثمارات صناديق المعاشات التي تتم عبر الاستثمار المؤسسي و اكتشف أرباب المعاشات و معهم راكبي موجة الاستثمار أن موالهم تحولت إلي أوراق دون قيمة و هكذا اهتزت الثقة في صناديق الاستثمار و ظهر حاجز نفسي لا يمكن تجاوزه إلا بعد تضحيات جسام و خسائر عظام …..

و بعض البنوك و شركات الاستثمار الكبرى أعلنت الإفلاس حيث أعلن بنك ” ليمان برذرز” عن الإفلاس – التفليسة – لفشله في مقابلة التزاماته المالية بالرغم أن أصوله مليارات المليارات و تبعته شركة أمريكان انترناشونال جروب ” ا آي جي” و قبلهم كانت هناك بنوكا أخري كبيرة مثل بنك ميريل لنش و بنك جولدمان ساكس وقفت أو تقف في الصف لأنها تحتاج للتدخل العاجل و المساعدة من بنك أوف أمريكا أو البنك الاحتياطي الفيدرالي و من غيره حتى من خارج أمريكا كأوربا و اليابان و أيضا من الخليج حيث تم إرسال أموال لتحريك الأوصال و تطمين الناظرين أن الحياة ما زالت بخير و أن ( النخوة العربية ) موجودة و الصديق عند الضيق و بعدين وقت الحساب واحد + واحد يساوي عشرة …………………..

و هذه المؤسسات المنهارة كانت شامخة كالأهرامات و هي تشكل عصب الاقتصاد و البنوك و التمويل و التامين و إعادة التامين و الاستثمارات المالية في الوول ستريت و كل أمريكا و انهيارها سيقود الي انهيار كل النظام المالي و المصرفي لان كل النظام متماسك كتماسك الماء و مترابط يشد بعضه بعضا و انهيار أي طرف سيقود حتما الي تفكك البنيان أو انهياره كما يحدث في لعبة ” انهيار الدومينو “.

و هذا الترابط يمتد إلي خارج الحدود لان كل العمل المصرفي عبارة عن وحدة واحدة و جسد واحد إذا تداعي له عضو …………….. و كلنا يعلم إن العملية المصرفية قد تبدأ في احدي دول الخليج و تمر عبر اليابان أو لندن أو فرانكفورت و تنتهي في نيويورك و تعود ثانية إلي من حيث بدأت و يوميا نستلم المئات من رسائل السويفت و غيرها من عدة دول و نقوم بتنفيذها أو إعادة إرسال التعليمات و هكذا دواليك ، و لذا فان هذا الترابط يحمل في رحمه بعض الأسباب العالمية التي ساهمت في الأزمة الحالية أو لنقل زادت من اشتعال الفتيل لان بعض التصرفات الدولية ذات اثر مباشر علي البنوك داخل أمريكا مثل التنافس التجاري و ألاعيبه و تحديد أسعار الفائدة و ما يحدث في البورصات العالمية و أسعار العملات الأجنبية و الاتفاقيات المصرفية الدولية المنظمة لخطابات الضمان و دفعيات التجارة الدولية و المخاطر السياسية و غير التجارية و اتفاقيات منظمة التجارة الدولية ………….. و لكل هذا و غيره هناك انعكاسات و آثار دولية علي البنوك داخل أمريكا و هناك من علق الشماعة علي الشماعة العالمية. و لكن ، يجب علي السلطات الرقابية المصرفية داخل كل دولة ، و وفق الممارسات و الأعراف المصرفية المتبعة ، اتخاذ الإجراءات التي تقلل من الصدمات أو المؤثرات الدولية.

و انهيار الشركات الأمريكية العملاقة أمر كارثي لأنه يعني زعزعة أو انهيار البورصات و أسواق المال و يعني انخفاض أسعار الأسهم ( بالرغم من أن البنك الاحتياطي الفيدرالي في أمريكا سمح و علي عكس سياسته الائتمانية المعتادة بمنح قروض بضمان الأسهم – سكيوريتيز اندررايتنق – و هذا طبعا غير مسموح به للتذبذب الحاد في أسعار الأسهم و لمنع المضاربات في تداول و بيع الأسهم)، و أيضا الانهيار يقود اتوماتيكيا إلي انخفاض المؤشرات – اندكسس – مثل مؤشر داو جونز للأسهم الذي انخفض و داو جونز الصناعي الذي انخفض و داو جونز التكنولوجي الذي انخفض و مؤشر ناسداك و مؤشر ستنادآرد آند بورز و نازداك و غيرهما و الاطلاع علي مواقعهم يبين الانخفاض المتدهور ، و الأمر لا ينتهي عند هذا الحد لان انخفاض أسعار الأسهم إضافة إلي دوره في انخفاض المؤشرات فانه أيضا يؤدي إلي انخفاض نقاط التقييم (ريتنق) الذي تقدمه شركات التقييم المتخصصة مثل استادآرد آند بورز ……… و غيرها و انخفاض نقاط التقييم خطير لأنه سيؤثر علي القدرة في الاقتراض ارتفاعا أو انخفاضا، و فوق كل هذا فان انهيار الشركات و الأسواق يقود إلي فقدان الوظائف و تشريد الكفاءات البشرية و خروجها من النظام المالي و أيضا يقود إلي هروب الشركات الكبيرة و توقف المشاريع بجميع أنواعها و هذا يقود إلي توقف النمو و تراجع دولاب العمل و………. غيره و كما قال وزير الخزانة الأمريكي في وصفه لما يحدث ” إن الوضع مخجل و محزن”، و في فرنسا وزير المالية قال ” إن ما يحدث اخطر من حرب عالمية ” هذا هو و بكل أسف حقيقة الوضع الذي وضعونا فيه دون أن يكون لنا فيه ناقة أو بعير.

و من شهادة هذا المسئول غير المسئول يتضح أن الوضع متأزم جدا ليس في أمريكا وحدها بل في كل العالم الذي أصبح ضيقا و صغيرا جدا ” كقد الإبرة ” ، و مثلا هنا في الخليج غالبية البنوك بل و المؤسسات الحكومية لديها تعاملات استثمارية كبيرة مع بنك “ليمان برذرز” و طبعا ( دواعي السرية المهنية تقتضي عدم الدخول في التفاصيل في الوقت الحاضر ) و هذه البنوك الخليجية و غيرها ستفقد الكثير نظير إعلان الإفلاس الذي يعطي الحماية للمفلس و يعفيه من سداد الالتزامات و أيضا لدي دول الخليج و بنوكها و شركات تأمينها معاملات تأمينية ضخمة جدا مع مجموعة “أمريكان انترناشونال جروب” خاصة تامين عمليات البترول و مشتقاته و الغاز و ناقلاته والوضع الجديد ل ” أ آي جي” يضع المطالبات التأمينية في مهب الريح و يزيد من مخاطر الإنتاج و يرفع التكلفة و هذا بدوره سيرفع الأسعار و ما أدراك ما أسعار البترول إذا ارتفعت أكثر مما هي عليه الآن . و أيضا ستزيد تكاليف التامين و أعادة التامين لكل القطاعات التجارية و ما يحدث في دول الخليج قطعا سيحدث لكل الدول ذات الارتباط مع الاقتصاد الأمريكي و في هذا يتساوي الجميع و لا يستطيع احد أن يلوم الآخر …. و من كان بلا خطيئة !!!

و لذا و أخيرا تدخلت الحكومة الأمريكية من بيتها الأبيض الي الكونجرس الي البنك الاحتياطي الفيدرالي إلي رجال المال والاقتصاد و إلي الحزبين المتنافسين و إلي (الرؤساء) تحت الإعداد و قيد النظر و من خلفهم مستشاريهم قليلي الخبرة في هذه الأمور الفنية …. و هناك من يقول أن هذا التدخل تأخر كثيرا لأنه بدا بعد أن “وقع الفأس في الرأس”، و كانت هناك مؤشرات منذ مدة كافية تستدعي التدخل من البنك الاحتياطي الفيدرالي و من البيت الأبيض و من يقطنه و المؤشرات و دقات الطبول كانت تستدعي وضع خطة إنقاذية طارئة و هذا لم يتم بالرغم من أن القانون واضح و يمنحهم كل الصلاحيات و يؤهلهم للتدخل و الحسم و الكي بالنار إذا دعي الأمر ، و لكن القتل في العراق و أفغانستان و مطاردة الشبح ……. لم يعطيهم الفرصة لرفع أياديهم من الزند و استخدامها في مجالات أخري قد تحرق العالم أيضا ……. و الآن بعد أن امتد اللهب ليحرق كل شيء بما فيها اعز و أحب الممتلكات تقرر النظر في إمكانية ضخ المليارات من الدولارات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و هذا يشمل عدة بدائل منها تقديم دعم و ضمانات (بيل آوت ) في حدود 700 بليون دولار تدفع علي مراحل و تمت الموافقة عليها بعد مخاض شديد و لي الأذرع و اتفاقات تحت الطاولة و إضافة لهذا المبلغ الذي يعتقد البعض انه نقطة في بركة راكدة سيتم تقديم قروض السندكيت المجمعة ( سندكيتد لونز) و شراء الديون (فاكتورينق) و ضخ الأموال في البنوك لتمكينها من تجاوز العثرة و إسقاط بعض الديون أو تأجيلها ……….. و غير هذا من الخطوات الاسعافية لإنقاذ الاقتصاد الذي يحتضر في قاعة الإنعاش، و لكن السؤال هل هذا يكفي و هل هناك الأطباء المهرة لتشريح الداء و تقديم الدواء و هل لديهم الأدوات التي تمكنهم من القيام بهذه الجراحة المعقدة و إذا توفر هذا و ذاك فهل يتحمل المريض ضربات الإنعاش أم أن قلبه ضعيف لا يحتمل ؟ و هكذا الأسئلة عديدة والأوضاع معقدة جدا و الجميع يغرق أو قد يغرق و لا احد يستطيع أن يعرف متى و كيف نصل إلي ” الجودي “.

و هناك شكوك معقولة في أن تتم معالجة الوضع الخطير بضخ هذه الأموال لان العكس تماما قد يحصل و قد تلتهم نيران الأزمة هذه المبالغ الإضافية أيضا و ربما لا تحقق البنوك و الشركات المدعومة أي نجاحات أو أرباح معقولة مما يقود إلي زيادة و استفحال الأزمة و ذلك نظرا لان هبة الجميع للحد من الكارثة قادت أو ستقود إلي تقديم كل هذه المليارات ، و لكن نقولها و بقوة أن الاتفاق السريع و المتسارع لعلاج الأزمة تم بصورة عشوائية و غوغائية و دون اتخاذ الإجراءات الاحترازية الضرورية ( ديو دليقنس ) و دون القيام بالدراسات القانونية و المهنية الشاملة التي تسبق تقديم كل هذه الكميات الهائلة من الأموال و هكذا قد تكون في العجلة الندامة و نظرا لضبابية الوضع القانوني لكل الإجراءات التي سيتم اتخاذها فان الفشل وارد و حدوث المضاعفات وارد و حدوث المزيد من الإخفاقات وارد و كل شيء وارد، و كل هذا الوضع المتأزم كان من الممكن تجنبه لو كانت هناك خطط طوارئ و برامج إسعاف سريعة. و يا سبحان الله دائما في الاجتماعات و اللقاءات المشتركة و المؤتمرات يحدثوننا عن ضرورة وضع خطط الطوارئ و مراجعة البرامج الاسعافية ، و أين نحن الآن بل و أين هم الآن من هذه المواعظ الجوفاء.

و لنعود للازمة و نقول لماذا حدث كل هذا الذي حدث ؟

هناك أسباب عديدة بعضها خاص بخصوصية النظام المصرفي الأمريكي نفسه حيث يوجد أللآلاف من البنوك التي يتعامل معها الجمهور و لكن الجهات المرخصة و الجهات الإشرافية علي هذه البنوك متعددة و عديدة حيث أن البلديات تمنح تراخيص للعمل المصرفي و الولايات تمنح تراخيص و بعض المؤسسات الحكومية تمنح التراخيص و أخيرا البنك الاحتياطي الفيدرالي يمنح التراخيص و من هذا يتضح أن جهات التراخيص متعددة و متنوعة و يتم منح التراخيص لأسباب متنوعة و متعددة و أهم من كل هذا أن الجهات الإشرافية و الرقابية متعددة و لكل منها سياسات و موجهات و أحكام و تعليمات مختلفة و متنوعة …. و في النهاية كلها بنوك و ” كلو عند العرب صابون ” ، و لهذا فان البنوك و المؤسسات المالية التي تعمل في مجال الإقراض و التمويل تتجاوز عشرات الآلاف مما يجعل التعامل معها ووضعها تحت السيطرة يعتبر و كما يقولون المهمة المستحيلة. هذا الوضع النشاز له مشاكله و أخطاره و لا احد يستطيع أن يسيطر عليه سيطرة كاملة، و هذه مشكلة حقيقية و لكن قد لا يراها الأمريكان هكذا لأنها تعود إلي الوضع الإداري في التركيبة الأمريكية و وضع ولاياتها المختلفة.

و هناك أسباب أخري من أهمها وجود بعض التساهل في تنفيذ و تطبيق القانون علي الكبار و عدم وضع اليد علي الجرح لان الشركات و البنوك العملاقة تشكل بعبعا حقيقيا للسلطات الإشرافية خاصة و أن هذه الشركات لديها مراكز لوبي متغلغلة في كل النظام و عبر هذه اللوبيات تستطيع أن تشكل مراكز ضغط و أن تتحكم في الأمور لصالحها. و طبعا في هذا تجاوز للقوانين و للسياسات التي يطالبون كل العالم بتطبيقها لتحقيق ما يسمونه بالحكم الرشيد للشركات و للدولة المؤسسية. و ببساطة ظل سيف القانون داخل غمده و لم يشهر و بقيت الكنانة مليئة بالسهام و النشابات لذا تجاوز التجاوز كل التجاوزات. و الآن بعد الطوفان الذي حدث يطالبون بخلق مؤسسات جديدة للرقابة و الإشراف و نقول أن مؤسسات الإشراف و الرقابة موجودة و هي نائمة عن دورها و نحتاج لإيقاظها فقط و لا داعي للتضخم الإداري حيث يلوم كل طرف الآخرين و أيضا نقول إن القوانين موجودة و السف البتار موجود و لكن المشكلة ليست في السيف و إنما في اليد التي تضرب بالسيف.

و من الواضح للعين أن هناك عدم الانصياع أو التنفيذ التام للقوانين و الأعراف و التعليمات المصرفية المهنية و مثلا دعونا نتناول و في إيجاز بسيط اتفاقية بازل 1 و بازل 2 ، حيث كان لنا شرف المشاركة في بعض مفاوضاتها و هذه أل “بازل ” تعتبر من أهم الأحكام و الموجهات المصرفية في العصر الحديث و جاءتا بعد مخاض شديد حيث تم الاتفاق و فوق نار هادئة علي معايير مصرفية هامة تتعلق بكفاءة رأس المال أو المتطلبات الدنيا لرأسمال البنوك و إتباع معايير معينة للمراجعة الرقابية لتقليل و مجابهة المخاطر إضافة إلي إتباع بدائل مهنية عديدة لانضباط السوق ، و لكن بازل1 و بازل 2 …. و “ما أدراك ما بازل …. ” و بالرغم من أنها من وضع كبار البنوك و بالرغم من الاتفاق علي أهميتها إلا انه لم يتم تطبيقها علي الوجه الصحيح أو لم تنفذ كاملة مما جعل هناك ثغرات و ثقوب اكبر من ” ثقب الأوزون ” و لذا صارت البيئة المصرفية غير نظيفة و تغير المناخ و تعكر الطقس و يحتاج إلي فلاتر خاصة لتنظيف و تعقيم و معالجة العمليات المصرفية قبل تمريرها حتى لا تلوث البيئة الاقتصادية و المصرفية.

لتقريب الصورة دعنا نري ما هو المطلوب وفق اتفاقية بازل 2 و التي تنص انه كلما زادت المخاطر لا بد من زيادة المخصصات لتغطية ارتفاع المخاطر الائتمانية و مراقبتها و حسن إدارتها وذلك بالعمل علي أن يكون الحد الادني لمعدل كفاية رأس المال يساوي 12% ( وفق بازل 1 فان الحد الادني لمعدل كفاية رأس المال يساوي 8% و ما زالت بنوك كثيرة في دول عديدة تصارع للوصول إلي نسبة أل 8% ناهيك عن أل 12%) مع العلم أن بعض البنوك في الخليج تجاوزت نسبة أل 12% و لا أذيع سرا إذا قلت أن البنك الذي اعمل فيه تجاوز نسبة أل 15% و هذا انجاز و لا كل الانجازات.

إضافة لتحقيق الحد الادني لمعدل كفاية رأس المال فانه لا بد من عملية مراجعة الإشراف العام المتمثلة في دور مسئوليات البنوك و مجالس إدارتها و إدارييها التنفيذيين و مشرفيها في تعريف و تقدير جميع المخاطر التي يواجهونها و هنا ينبغي أولا أن تكون لدي البنوك عملية للتقييم الشامل لمدي كفاية رأس المال بالنسبة لشكل و حجم مخاطرها مع وجود إستراتيجية للمحافظة علي مستويات رؤوس أموالها. و ثانيا ينبغي علي المراقبين أن يقوموا بمراجعة و تقييم التقديرات الداخلية للبنوك لمدي كفاية رأس المال إلي جانب قدرتها علي الإشراف و ضمان التزامها بمعدلات رأس المال القانونية. و ثالثا ينبغي علي المراقبين أن يتوقعوا من البنوك أن تعمل علي مستوي اعلي من النسب الدنيا لرأس المال القانوني و أن يبينوا البدائل التي تمكن من تحقيق هذه التوقعات و رابعا ينبغي علي المراقبين و التنفيذيين السعي للتدخل في مرحلة مبكرة و اتخاذ كل ما يلزم لمنع هبوط رأس المال إلي اقل المستويات الدنيا المطلوبة لمواجهة خصائص الخسائر للبنك.

و في بيئة بازل 2 كلما زادت المخاطر لا بد من زيادة المخصصات لتغطية ارتفاع المخاطر الائتمانية و بصفة عامة فان محاور هذه الاتفاقية الهامة تحفز البنوك علي تعزيز مراقبة مخاطرها و تقنيات إدارتها و تشجع البنوك علي الإفصاح عن كفاية مخاطر الإقراض المصرفية للأفراد مع عمليات تقدير المخاطر و رأس المال. و لكل هذا فيجب تجنب التطبيق الجزئي أو الاختياري أو الانتقائي لأحكام هذه الاتفاقية الهامة التي لا بد من الحرص علي تطبيقها تطبيقا كاملا و تاما و وفق فهم عام لمدلول الاتفاقية و آثارها علي أعمال البنوك و البيئة المصرفية علي المديين القريب و البعيد.

هذه متطلبات مصرفية أساسية سبق أن اتفق الجميع علي أهميتها لخلق صناعة مصرفية سليمة و معافاة من كل التضعضع وبها ضمانات كافية للمودعين و للمساهمين و للمقترضين و للمجتمع و لكن و بكل حسرة فان الكبار لم يلتزموا بها ناهيك عن الصغار. و لو تم الالتزام بهذه المعايير لما حدثت الأزمة المالية و المصرفية التي يعاني منها العالم الآن أو ، علي اضعف حال ، لكان من الممكن امتصاص آثارها و التقليل من تبعاتها المدمرة .

و مما ورد في بازل 2 أيضا ضرورة انضباط السوق و هذا يعني اتخاذ الجهود لتكملة عملية الإشراف من خلال بناء شراكة قوية مع المشاركين الآخرين بالسوق و هذا يتطلب من البنوك أقصي درجات الشفافية و الإفصاح الكافي عن كل المخاطر لتمكين المساهمين من المراقبة و التأكد من سلامة السوق و نوعية البنك و أعماله . و من هذا يتضح أن الاتفاقية تتطلب من البنوك تقييم ملاءة رؤوس أموالها في سياق سيولتها و سيولة الأسواق التي تعمل بها لان الجميع يدورون في قطب واحد حيث أن الجزء جزء من الكل و الكل أجزاء كل الأجزاء ، و هذا بالطبع أمر هام لان العمل المصرفي عبارة عن سلسلة مترابطة و كل منها يربط بالآخر بالحلقة و يرتبط بها و هنا تنبع أهمية الالتزام بالإفصاح وتقديم المعلومات عن السيولة لكل بنك و سيولة كل السوق كإطار عام لتحقيق نفس الهدف.

قصدنا توضيح بعض المعالم الرئيسية لأهم الاتفاقيات المصرفية الحديثة التي ظلت حبيسة الأدراج و حبرا علي ورق خاصة و إن عدم الالتزام ببازل و كما قال مدير صندوق النقد الدولي يعتبر من أهم أسباب حدوث الأزمة التي تعصف بنا الآن و أيضا مدير البنك المركزي الأوربي وصل لنفس النتيجة و كذا غيرهم و هناك من يتحفظ … و إذا اختلف اللصان ظهر المسروق ….

و هناك الأحكام القانونية العامة و لنقل الأحكام التقليدية لضبط العمليات المصرفية و كيفية الإشراف عليها لحسن إدارتها و هي تلك الأحكام الخاصة بالحد الاقصي للإقراض للفرد الواحد ( سنقل اوبليقور ليمت) و التعريف القانوني للفرد و حدوده و أيضا هناك الأحكام المنظمة لاستثمارات البنوك الخاصة و الحدود المناطة بهذه الاستثمارات و مخاطرها و هناك أحكام الضمانات الواجب تقديمها لتغطية التمويل و المعايير المحاسبية لتقييم هذه الضمانات و استردادها و هناك أحكام منح القروض لأعضاء مجلس إدارة البنوك و تطبيق معايير الإدارة الرشيدة و مبادئ الحوكمة علي هذه الحالات و غيرها للتقليل من تضارب المصالح و تداخلها و أيضا هناك الأعراف و الأحكام الخاصة بتعيين مراجعي الحسابات و المدققين الخارجيين و أيضا الأحكام الخاصة بمؤهلات التنفيذيين و مكافآتهم أثناء و بعد ترك الخدمة و مكافآت أعضاء مجلس الإدارة ………… و غيره و غيره ….. و أهم من هذا كله أن هناك أحكاما خاصة ببنوك الاستثمار لاختلاف المخاطر المحفوفة بأعمالها ذات الطبيعة الخاصة و الخطرة أيضا و من الواضح أن بنوك الاستثمار الأمريكية و تجاوزاتها ساعدت كثيرا بل و كان لها القدح المعلي في نشوء الأزمة الحالية …… و هناك أيضا قوانين أخري ذات علاقة مباشرة بالقطاع المصرفي و يجب الانصياع لها تماما مثل قانون الشركات و قانون الضرائب و قانون أسواق المال و قانون تسجيل العقارات و القانون المالي و تدقيق الحسابات و قوانين المحاكم و الإجراءات و قوانين الملكية الفكرية و قوانين العقوبات و قانون الإفلاس و الصلح الواقي و قانون …. و قانون …… و جميع هذه الأحكام القانونية و التشريعات و أيضا الاتفاقيات الدولية و الإقليمية ….. تم وضعها لضمان حسن سير العمل و الانضباط و لتجنب المزالق التي تقود إلي الأزمات ، و لكن هذه الأحكام و التشريعات و الاتفاقيات أو بعضها لم يؤخذ بها عمدا أو جهلا أو إهمالا أو لغير هذا و ذاك و لذا عندما نشب الحريق و جد ما يمكنه من الانتشار الكاسح و تحقيق الخسائر المادية الجسيمة في كل القطاع المالي.

و من الأسباب التي قادت إلي التدهور و تفاقم الأزمة الحالية هو احتمال وجود بعض المخالفات الجنائية لبعض القوانين حيث هناك معلومات يحقق فيها المختصون في هيئة التحقيقات الجنائية الاتحادية أل (أف بي آي) مفادها أن بعض المتنفذين من أصحاب المعلومات الداخلية في شركات “فان ي ماي” و “فريدي ماك” و “ليمان برذرز” و “ا آي جي” بشان عمليات احتيال محتملة في مجال الرهون العقارية و التحقيقات تهدف إلي تحديد ما إذا كان احد من داخل هذه المؤسسات يمكن أن يتحمل المسئولية القانونية بشان ” تقديم معلومات مضللة أو غير صحيحة أو وهمية” و هذه من اخطر الجرائم في قوانين أسواق المال و البنوك خاصة و أنها تعرض المصداقية و النزاهة و الأمانة للخطر و هذا يقود أسواق المال و من في معيتها إلي المهالك المهلكة.

من أبجديات القوانين المصرفية أنها تهدف بصفة أساسية لحماية المودعين كما إن قوانين أسواق المال تهدف لحماية المستثمرين ، و في أمريكا كانت هناك مطالبات برفع سقف تامين الودائع لحماية المودعين حيث ظل هذا الحد قابعا في حدود ضمان المائة ألف دولار و بالنظر إلي العمليات المصرفية في أمريكا فان هذا فتات و ” بواقي طعام ” و الخطورة الآن في أن هذه الأزمة سحقت صغار المودعين اللذين يشكلون زاد الودائع المصرفية و هذه الفئة و شركاتها الصغيرة تشكل الدعامة الأساسية للخدمات في أمريكا و لها اثر مباشر في النهضة الاقتصادية و التجارية ، و إذا انسحقت هذه الفئة و شركاتها فان أمريكا ” ستركع ” و لن تستطيع القيام كقوة اقتصادية . و الأزمة الحالية طعنت الفئات الفقيرة و الشركات الصغيرة في مقتل و لهذا ستعاني أمريكا و من يدور في دائرتها …… و من مقترحات العلاج الآن دفع الملايين لشركات الوول ستريت لملا جيوبهم الممتلئة بينما ، و بدون خجل ، يقولون أنهم سيرفعون السقف التأميني لودائع صغار المودعين إلي ربع مليون دولار و منح قروض حكومية ميسرة للشركات الصغيرة و المتوسطة لتمكينها من تأدية …. دورها المقدس … و لكن يا حسرة لان هذا ” الفتات ” و في جميع الأحوال كان من المفروض أن يتم بالأمس و ليس بكرة أو بعد بكرة.

و من الواضح أن العلاج المقترح لم يحترق من التجربة و كأنه نيئ و غير مكتمل الطبخ بل و كأنه جاء من نجم آخر و نفس الأخطاء السابقة قد تتكرر لأنه لم يرفع أو يدعم الفئات الدنيا و المتوسطة و شركاتها بالرغم من أنها الغالبية و تشكل الوقود الدافع للعمل المصرفي في كل مكان.

لهذه الأسباب و لغيرها بدأت و انتشرت الأزمة المالية و بدا الطوفان و الزلازل و لا احد يدري متى تتم السيطرة عليها، وحتى الآن هناك محاولات و بدائل و مناوشات بين جميع الأطراف و الدول و كل طرف يلوم الآخر و يحمله المسئولية و التبعات و غالبا فان الوضع سيحتاج إلي زمن ……. و بالرغم من أن هناك أزمات مالية سابقة تعرض لها العالم لكن المؤشرات تدل علي أن الأزمة الحالية أعمق و اخطر و لذا فان المعالجة تحتاج إلي الكثير من المصارحة و التضحيات و نكران الذات خاصة من الكبار حتى تعود الأوضاع إلي طبيعتها ، و علي الكبار أن يكونوا كبارا و أن يثبتوا تأهيلهم لقيادة العالم و إلا فلينطموا و يريحوا العالم ويسحبوا لسانهم و من بعده جيوشهم و أساطيلهم و يرجعوا إلي قواعدهم لأنهم سيكونوا في حاجة ماسة إلي ما يسد رمقهم و ” يا حليل أمريكا” لأنها سوف لن تعود إلي ما كانت عليه نسبة لأحداث سبتمبر و ما نجم عنها من تفاعلات و مضاعفات ساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في حدوث الأزمة أو الكارثة الحالية.

و هناك من يطالبون بوضع أو انتهاج نظام مالي جديد و عالم جديد و استراتيجيات جديدة و دول جديدة و نقول بمهنية و بكل تواضع أن الأنظمة المصرفية القانونية الحالية حبلي بالكثير و بها كل الضمانات الكافية إذا تم تطبيقها بكل تجرد و شجاعة و وفق المعايير و الأعراف المصرفية الصحيحة و من يتطلع إلي الأنظمة الحالية يري أن ” في أحشائها الدر كامن ” فهل من غواصين مهرة … نعم نحتاج إلي غواصين مهرة و شجعان و أياديهم قوية لحمل السيف و الضرب الموجع عند اللزوم … و لنستفيد من هذه التجربة ( بحلوها ) و ( مرها ) و لنضع كل البدائل للاستعداد لكل الظروف لان الحلول الأمريكية المقترحة ليست العلاج الشافي و إنما هي كما قال الرئيس الأمريكي ” فقط أفضل البدائل المتوفرة ” لمحاولة تصحيح الأمور مع صادق الأمنيات بالعودة ” كما كنت “.

و ختاما ، نقول انه و بالرغم من التطرق إلي عدة بدائل لعلاج الأزمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و لتجنب تكراره إلا إن هناك حلقة مفقودة أغمض الجميع عنها أو تجاهلوها عمدا مع سبق الإصرار و هي لماذا لا نحاسب المسئولين و التنفيذيين و أعضاء مجالس الإدارات و مستشاريهم و محاسبيهم …………. اللذين قصروا أو تقاعسوا أو أهملوا عمدا في تأدية واجبهم ؟؟؟

و إلا سيعودون و بدون خجل سيعيدون الكرة و الفرة ، و ” من امن العقاب أساء الأدب ” و نعم سيعيدونها و ليحترق من يحترق طالما ” نحن في أمان و سلام ” ……….

الم نقل في البداية أنهم مراكز ضغط و لوبي و جيناتهم من ” عصابات الكاوبوي ” و خلقوا لنفسهم وضع ” فوق الجميع” و يصنعون ما يحلو لهم لأنهم يأتون بمن يريدون في الكونجرس و حتى البيت الأبيض … و لذا فإنهم فوق العقاب و دائما فوق الشبهات …..

و ربما يريدون الآن افتعال الأزمات أو تضخيمها لتحقيق استراتيجياتهم الجديدة للعالم الجديد و النظام الجديد أو لامتصاص فوائض البترول من أصقاع و مجاهل سيبريا إلي صحاري الخليج و بلاد الفرس … و ” علي و علي أعداءي ” … و اللبيب

مقال قانوني رائع حول الإنهيارات المصرفية والأزمة العالمية