مقال بعنوان المطالبة بالملكية الدستورية تنم عن جهل قانوني و دستوري

د.محمد الحموري

حدد الفقيه الدستوري الدكتور محمد الحموري أبرز الإصلاحات الدستورية المطلوبة، الهادفة بحسبه الى استعادة «الشعب مصدر السلطات»، ووقف «تغوّل» الحكومات، وإنجاز قانون انتخاب يعتمد الدوائر الواسعة، مشيرا إلى أن «الملكية الدستورية» مطبّقة واقعياً في الأردن.

واشار الحموري في لقاء مع «الدستور» إلى أن الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها، قامت على مطلب واحد هو الأخذ بالنظام البرلماني المعمول به فعليا في الأردن، معتبرا أن الدعوة إلى الحد من صلاحيات جلالة الملك تتناقض مع النظام البرلماني.

وأكد أن دستور 1952 كان متقدما ومتوازنا إلا أن التعديلات التي أدخلت عليه أخلت بالتوازن بين السلطات وسهلت الاعتداء على الحقوق والحريات.

وعارض الحموري إنشاء محكمة دستورية في المملكة في الوقت الحالي حيث يمتلك كافة قضاة الأردن صلاحية الحكم بعدم دستورية أي قانون وانه ليس من المصلحة حصر هذه الصلاحية في محكمة محددة.

الحديث مع الحموري يحتاج إلى ثقافة قانونية ودستورية عالية وقبل ذلك إلى وعي سياسي كبير فهو بحسب نظرائه واحد من علماء الفقه الدستوري المشهود لهم على مستوى الوطن العربي وهو صاحب موقف سياسي أجندته الثابتة «مصلحة الوطن».

تحترمه الدوائر الرسمية والأطياف السياسية، ما دفع للمطالبة باشراكه في لجنة اعادة النظر بالدستور من منطلق الثقة في علمه وموقفه هو رغم بعده «رسميا» عن أروقة اللجنة الا انه فعليا قريب منها بفعل ما قدمه من دراسات ومقالات تثري أي حوار وطني وان غاب صاحبها.

«الدستور» التقت الحموري في مكتبه في حوار عنوانه «الدستور الأردني»، تتناول تفاصيله مختلف القضايا السياسية والقانونية المطروحة على الساحة المحلية حاليا. فكان لنا هذا الحوار:

 بداية نسألك عن أهمية عمل اللجنة الملكية لإعادة النظر بالدستور والضرورات التي استوجبت تشكيلها.

الحموري: الدستور هو القانون الأساسي الذي ينظم شكل الدولة، نظام الحكم، ويحدد الحقوق والحريات للمواطنين، ويبين السلطات الموجودة وما هي طبيعة وإطار عملها، وأي دستور من دساتير العالم المتحضر، نجد أنه يبين أن وظيفة السلطات هي حماية الحقوق والحريات ورعايتها. والدستور الأردني الذي صدر عام 1952 كان دستوراً متوازناً يأخذ بالنظام البرلماني الذي يجسد الملكية الدستورية، ولكن للأسف فان التعديلات التي أدخلت على هذا الدستور، أخلت بالتوازن بين السلطات، لصالح الحكومة وتسببت في الاعتداء على الحقوق والحريات.

الآن ونحن نعيش ما يسمى بالربيع العربي، أصبحنا مستعدين لمناقشة إدخال تعديلات جديدة على الدستور، بعد أن كان الحديث عن هذه التعديلات من المحرمات، وأصبح هناك اعتراف بأن هذا مطلب ضروري وشرعي، وعليه تم تشكيل اللجنة الملكية لتعديل الدستور.

وحتى الآن فانه لم يرشح شيء عن عمل اللجنة لنستطيع تقييمه، ولكني من حيث تشكيل اللجنة التي تضم شخصيات وطنية نكن لها كل الاحترام، أجد أن غالبيتهم غير متخصصين في الفقه الدستوري الذي تحتاجه مثل هذه اللجنة. كما أنها تتكون من طيف سياسي واحد، وأنا اخشى أن تضع هذه اللجنة مخرجات يتم إقرارها بالطرق الدستورية، وتكون بعد فترة وجيزة هدفا للمطالبين بالإصلاح من جديد.

الدستور: إذن، ما هو تقييمك للخطوات التي تسير عليها مسيرتنا الإصلاحية حتى الآن؟.

الحموري: حقيقة، إن توجيهات جلالة الملك في هذا الصدد تأخذك بعيداً في أفق المستقبل لتتصور الأردن دولة يسود فيها حكم القانون وسلطات تعمل بشكل متكامل، وسيادة مبدأ العدل والمساواة والشفافية لا تترك لفاسد أو فساد مكانا، وبرلمان يجسد الإرادة الحقيقية للشعب وقضاء شامخ تحاكي أحكامه سوامق الأحكام في الديمقراطيات المعاصرة.

ولكن عندما يرتد نظري إلى واقع الحال، وأرى أو أسمع أو أقرأ عن الكيفية التي تظهر فيها بعض مقترحات الإصلاح، أشعر بحزن شديد حقاً، وأكاد أفقد الأمل.

فما توصلت إليه لجنة الحوار الوطني حول نظام الانتخاب، هو تضييق وحصار على إخراج برلمان يجسّد إرادة شعبية حقيقية تحاسب الحكومات وتضع حداً لتغوّل أجهزتها، فالاقتراح بأن يختار الناخب اسم المرشح للنيابة من القائمة النسبيّة التي اختارها، يدخلنا في دوامة القائمة الوهمية بعد الدائرة الوهمية وقانون الصوت الواحد، كما أن التوصيات أفرغت قائمة الوطن من مضمونها المرتجى، سواء من حيث العدد أو تقييد الاختيار فيها بحسب المحافظة.

إن قانون الانتخاب هو الأداة الأساسية التي تمكن الأحزاب السياسية من النمو والوصول للبرلمان بأغلبية برلمانية تؤدي إلى تداول السلطة. ورغم تقديري للجهود التي بذلتها لجنة الإصلاح، فإني أعتقد أن بعض ما صدر عن اللجنة في هذا الصدد، سوف يعيق نمو الأحزاب لسنوات وسنوات، إذا سار الإصلاح على أساسه، وسوف يفرض علينا البدء من جديد في إصلاح ما سمي بالإصلاح.

الدستور: ما هي الإصلاحات الدستورية التي ينبغي إجراؤها كمنطلق للإصلاح السياسي وصولا إلى نظام برلماني حقيقي من وجهة نظرك؟.

الحموري: قلت في العديد من المناسبات إن التعديلات التي جرت على دستورنا ذهبت بتوازنه كدستور يأخذ بالنظام البرلماني، وأنا أؤكد بيقين أن الإصلاحات الدستورية في الأردن أصبحت الآن ضرورة لا تحتمل التأخير، وأن المزيد من الانتظار في الأردن سيقود إلى ما لا تحمد عقباه اذا لم يتم تدارك الامور بصدق وجدية وإخلاص.

وعلينا أن نعترف أن هناك نصوصا دستورية ينبغي تعديلها أو إضافتها، وأخرى يتوجب حذفها، وذلك من أجل أن يصبح مبدأ الشعب مصدر السلطات حقيقة واقعية لا مجرد شعار.

قبل سنوات اقترحت إعادة خمسة نصوص إلى الدستور، وحذف نصين منه كحد أدنى، لكني الآن أمام هذا الحراك المجتمعي والسياسي في الأردن، والاستجابة الرسمية له، وحتى يكون النظام الدستوري في الأردن نظاماً برلمانياً متكاملاً، فإنني أرى ضرورة إجراء الاصلاحات الدستورية التالية التي قدمتها إلى دولة احمد اللوزي بناء على طلبه:.

أولا: المادة (74) من الدستور التي كانت تتضمن نصاً أضيف إليها كفقرة ثانية في 1/11/1955، ينص على أن: «الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل من الحكم خلال أسبوع من تاريخ الحل على أن تجري الانتخابات النيابية حكومة انتقالية…»، لكن هذا النص تم إلغاؤه في 4/5/1958، فأصبحت الحكومات تحلُّ مجلس النواب، وتبقى في السلطة دون حسيب أو رقيب، فاختل التوازن بين السلطتين على نحو ذهب بمبدأ الفصل بين السلطات. ولا بد للإصلاح من إعادة الفقرة السابقة التي حذفت إلى الدستور.

وبتاريخ 10/11/1974، أضيفت الفقرة (4) إلى المادة (73) من الدستور، وأصبح بموجب هذه الإضافة من حق الحكومة حل مجلس النواب وتأجيل الانتخابات إلى الوقت الذي تريد، وبتاريخ 9/1/1984 أضيف للنص الفقرة (6) التي أصبح بموجبها لنصف مجلس النواب سلطة انتخاب النصف الآخر، وإذا كان تشريع هاتين الفقرتين قد ارتبط بوجود ظرف قاهر هو الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، فإنه بفك الارتباط مع الضفة الغربية عام 1988، وزوال السبب الذي شرّعت النصوص من أجله، لا بد من حذف الفقرتين السابقتين من الدستور.

ليس ذلك فحسب، بل تجاوزت الحكومات على الفقرة الأولى التي ظلت في المادة (74) وتوجب على الحكومة التي تحل مجلس النواب ذكر سبب الحل حتى لا يتكرر الحل لذات السبب، عندما أصبحت الحكومات تمتنع عن ذكر سبب حلها لمجلس النواب، واستتبع عبث الحكومات بمجلس النواب أن أصبحت هذه الحكومات تصنع مجالس مزورة كما تريد، ووصلنا إلى الحالة التي نشكو منها منذ أمد طويل.

ثانيا: وبالنسبة لمجلس الأعيان كجزء من السلطة التشريعية، فإن الحكومات أفقدته دوره، وجعلت من هذا المجلس الذي يتوجب عليه مراقبة أدائها، مجلساً تغلب عليه بالممارسة صفة المجلس الديكوري، فالحكومة هي التي تقرر تعيين أعضاء هذا المجلس لتصدر بذلك إرادة ملكية، ورغم أن هناك مواصفات يتوجب توافرها في عضو مجلس الأعيان وفقاً للمادة (64) من الدستور، فإأن الحكومات أصبحت تعين من تأنس بهم مباركة سلوكياتها وتصرفاتها، وعندما يتبين لها أن هناك من لا يقبل بالانحناء لها، تبادر بإخراجه من المجلس دون ذكر السبب، وذلك بموجب التعديل الدستوري الذي أضاف الفقرة (4) على المادة (34) من الدستور في 10/11/1974. وهكذا أفقدت الحكومات هذا المجلس دوره وفاعليته، بعد أن سلبت استقلاله، ولم يعد هناك أي مبرر لوجود مجلس أعيان بهذه الصيغة.

وإذا كانت الغاية النظرية من مجلس كهذا، عند صدور الدستور الأردني عام 1952، هي توفير كفاءات وخبرات لمجلس ثان في سلطة التشريع، لسد النقص في الكفاءات والتخصصات الذي قد تسفر عنه انتخابات مجلس النواب في هذا المجال، فإن الصيغة التي يمكن الاقتداء بها في دساتير النظام البرلماني بدلاً من الصيغة الحالية عندنا، هي أن يكون مجلس الأعيان منتخباً، ومؤلفاً من أعضاء يمثلون المحافظات بالتساوي ودون تفرقة بينها، على أن توضع مواصفات لعضوية هذا المجلس تضمن التأهيل المطلوب من حيث السن والمؤهلات والخبرات التي ينبغي توافرها في من يرشح نفسه لعضوية مجلس الأعيان، وفي المقابل أن يتكون مجلس النواب من أعضاء منتخبين بحيث يخصص لكل محافظة عدد من المقاعد يتناسب مع عدد سكانها، وسواء بالنسبة لمجلس النواب أو مجلس الأعيان، فإن المجلس هو الذي ينبغي في الحالتين أن ينتخب رئيسه.

ثالثا: كان نص الفقرة (3) من المادة (54) من الدستور وفقاً للتعديل الذي جرى في 17/4/1954، يوجب على الحكومة أن تتقدم ببيان وزاري لمجلس النواب لنيل الثقة على أساسه، لكن هذا النص تم تعديله بإدخال استثناء عليه في 4/5/1958 يسمح للحكومة باعتبار خطاب العرش بياناً وزارياً لها إذا كان تشكيلها قد حدث عندما كان المجلس غير منعقد أو منحلاً. ومثل هذا الاستثناء لا بد من إلغائه والعودة لنص عام 1954، لأن الحكومات أصبحت تستخدمه للتستر خلف الملك، انطلاقاً من أن النواب يتحرجون من توجيه النقد لخطاب الملك الذي اعتبرته الحكومة بياناً وزارياً لها.

رابعا: إن تحديد مدة الدورة العادية لمجلس الأمة بأربعة شهور وفقاً للمادة (78/3) لم يعد ممكناً قبوله، لأن اجتماعات المجلس من أجل التشريع ورقابة الحكومات تحتاج إلى وقت أطول، خاصة أن هذه المدة قد فُرضت بموجب تعديل دستوري في 16/10/1954، في حين أنها كانت قبل التعديل ستة شهور ولذلك فإنه ينبغي العودة إلى المادة القديمة وإلغاء التعديل الذي جرى عليها.

خامسا: وكخطوة للإصلاح الدستوري أيضاً، فإن المادة (71) من الدستور التي تعطي صلاحية لمجلس النواب للفصل في صحة نيابة أعضائه، يتوجب حذفها، لأن الممارسة أكدت على مدى السنين الماضية، أن المجلس مارس هذه الصلاحية بانحياز لأعضائه، وبالتالي ينبغي أن تعطى هذه الصلاحية للقضاء وحده.

سابعا: وبالنسبة لصلاحية الحكومة في إصدار القوانين المؤقتة، فإن التجربة أثبتت أن التعديل الدستوري الذي جاء بالصيغة الواردة في المادة (94/1) من هذا الدستور، أدى الى فتح الباب للحكومات من أجل أن تمارس سلطات واسعة في إصدار القوانين المؤقتة ولو بدون توافر أي حالة ضرورة، والصيغة الحالية للمادة المذكورة دخلت إلى الدستور الأردني بموجب تعديل دستوري في 4/5/1958، في حين كانت الصيغة قبل التعديل أكثر دقة وانضباطاً، فينبغي إلغاء الصيغة الحالية والعودة إلى الصيغة القديمة للمادة (94/1)، مع إضافة فقرة إليها توجب بت المجلس التشريعي بالقوانين المؤقتة خلال شهرين من أول اجتماع له أو خلال دورته، وإلا اعتبرت باطلة.

سابعا: وفي موضوع مسؤولية مجلس الوزراء في مقابل الصلاحيات التي يمارسها هذا المجلس، نجد تعارضاً بين نص المادة (51) والاستثناء الوارد في المادة (45) من الدستور. فالمادة (51) تنص على مسؤولية رئيس الوزراء والوزراء مسؤولية مشتركة أمام مجلس النواب عن السياسة العامة للدولة ومطلع المادة (45) من الدستور أعطى مجلس الوزراء صلاحية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وفي هذه الحدود، فإن النصين يتكاملان وتتلازم فيهما ممارسة السلطة مع المسؤولية عنها لكن الاستثناء الذي ورد في عجز المادة (45) من الدستور، خلق تناقضاً مع التكامل والتلازم المذكورين فالمادة (45) تنص على ما يلي: «يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي تشريع آخر إلى أي شخص أو هيئة أخرى».

فإذا كان من الممكن أن يستثنى من صلاحية مجلس الوزراء ومسؤوليته ما ينص عليه الدستور، فلا يستقيم مع تكامل النصوص الدستورية سلب صلاحيات من مجلس الوزراء بموجب أي تشريع آخر، وفقاً للنص المذكور، وفي ذات الوقت جعل هذا المجلس مسؤولاً أمام مجلس النواب عن هذه الصلاحيات المسلوبة بموجب المادة (51) من الدستور وهذا يطرح أمراً في غاية الأهمية وهو أن يصبح لمجلس الوزراء الحق في أن يتحلل من المسؤولية أمام مجلس النواب عن جانب من المسؤولية عن السياسة العامة للدولة، تحت ذريعة أن المسائل المطروحة لمساءلته خرجت من صلاحياته إلى جهة أخرى بموجب قانون مؤقت أو نظام أصدره وهذا أمر في غاية الشذوذ.

وعليه فلا بد أن يحذف من نص المادة (45) عبارة «أو أي تشريع آخر».

ثامنا: وبالنسبة للمحاكم، فقد استغلت الحكومات اصطلاح «المحاكم الخاصة» الوارد في المادة (102) من الدستور، واستصدرت نصوصاً تشريعية لإنشاء محاكم، مثل محكمة أمن الدولة، لا يتوافر فيها ضمانات القضاء العادي، وأعطيت لها صلاحيات في غاية الخطورة تتعلق بالحقوق والحريات، وينبغي أن يمنع الدستور إنشاء هذا النوع من المحاكم وإذا كانت الحجة التي تسوقها الحكومات وأجهزتها لتبرير وجود مثل هذه المحاكم هو سرعة الفصل في الدعاوي التي تعرض عليها، فإنه يمكن تخصيص هيئات في القضاء العادي لنظر هذه الدعاوي، علماً بأن عدد هذه المحاكم الخاصة قد وصل إلى (16) محكمة.

تاسعا: أما تشكيل الحكومات والطريقة التي تتشكل بها، والكيفية التي تطلب بموجبها الثقة من مجلس النواب، فقد قاد إلى حكومات تنازلت عن سلطاتها، وغدت شكلاً دستورياً خالي المضمون، وأصبح هذا الموضوع بحاجة إلى إعادة نظر وهذا الموضوع يمكن علاجه من خلال نص في الدستور على أن يتكون مجلس النواب من (120) نائبا، وأن يقسم عدد سكان المملكة على (120) لمعرفة كم عدد المواطنين الذي يجسدهم المقعد النيابي، ومن ثم يقسم عدد سكان كل محافظة على الناتج، فتكون المحصلة هي عدد المقاعد المخصصة لكل محافظة، وينبغي أن يؤكد الدستور ضرورة إجراء إحصاء لعدد سكان المملكة كل عشر سنوات، بحيث يعاد احتساب عدد المقاعد المخصصة لكل محافظة بعد كل إحصاء بالطريقة السابقة.

وبالنسبة لتشكيل الحكومة والثقة التي تطلبها، فإنه بالنظر إلى معرفة مجلس النواب والأعيان المنتخبين بالتوجهات السياسية الموجودة في المجلسين، وبالكفاءات الأردنية التي تستطيع إشغال موقع رئيس الوزراء لتحقيق التوجهات المذكورة، نجد أن من الممكن علاج هذا الموضوع من خلال نص في الدستور يقضي بأن يقوم جلالة الملك، بعد التشاور مع ممثلين للتكتلات في مجلس النواب، بتسمية مرشح لرئاسة الحكومة، ويقوم هذا المرشح بتقديم برنامجه إلى المجلسين خلال أسبوع من تسميته، فإن حصل على الثقة بالأغلبية البسيطة من العدد الذي يتكون منه كل واحد من المجلسين، يصدر الملك مرسوماً بتعيينه رئيساً للوزراء، ويقوم هذا الرئيس بتقديم أسماء وزرائه ليصدر بالتشكيل مرسوم ملكي. فإن لم يحصل من يتم ترشيحه على الثقة، يصار بعد أسبوع إلى طرح الموضوع ثانية في جلسة مشتركة للمجلسين، ويكون التصويت على الثقة بغالبية الحضور. فإن لم يحصل الرئيس المسمى على الثقة كما سبق، يسمى جلالته غيره ليقوم بتقديم برنامجه بالطريقة السابقة. فإن مضى شهران، دون أن يحصل برنامج أي مرشح على الثقة المطلوبة، يقوم الملك بحل المجلسين، على أن يوقع رئيس كل مجلس على قرار حل مجلسه، وبعد ذلك، تجري انتخابات جديدة للمجلسين، ليصار إلى تشكيل الحكومة بعد الانتخابات بالطريقة السابقة. وهذا الأسلوب في تعيين رئيس الوزراء، يعالج الوضع الحالي الذي لا يوجد فيه حزب أغلبية لتسمية رئيسه لهذا الموقع، وفي حالة وصولنا إلى مرحلة يوجد فيها حزب أغلبية، فإن الواقع الذي يجسده هذا الحزب، يفرض رئيسه لتشكيل الحكومة.

إن التعديلات الدستورية السابقة من شأنها أن تعيد دستورنا إلى النظام البرلماني، ليكون بالصورة التي عليها أعرق الملكيات البرلمانية في العالم وإذا كان النظام البرلماني قد صاحب في نشوئه وتطوره الأحزاب السياسية، فإن وجود حزب أغلبية أو ائتلاف أحزاب تكون أغلبية في المجلس النيابي تتشكل منها الحكومة، يقابلها حزب أقلية معارض، هو الضمانة الأساسية للفاعلية والإنتاجية المتوخّاة من هذا النظام، وتحقيق مبدأ تداول السلطة.

وبالنظر إلى أن آلية عمل النظام البرلماني تتطلب وجود أحزاب لتفعيله، فإنه يصبح من الضرورة بمكان تسهيل نشوء الأحزاب وتمكينها من النمو، وذلك من خلال قانون يجعل إنشاء الأحزاب تتشكل بمجرد إشعار السلطات بهذا النشوء، بالإضافة إلى إصدار قانون انتخاب يأخذ بنظام الصوت المتعدد والدوائر الانتخابية الواسعة، لأن هكذا قانون هو الذي يمكّن الأحزاب من إيصال مرشحيها إلى مجلس النواب من خلال حشد أصوات من دوائر واسعة، وبالتالي تستطيع هذه الأحزاب في ضوء برامجها الحزبية التي أوصلت نوابها إلى المجلس، مراقبة الحكومات ومحاسبتها. ونعتقد أن قانون الانتخاب لعام 1986 الذي أجريت بمقتضاه انتخابات المجلس النيابي الحادي عشر عام 1989، يتوافر فيه الأمران معاً. وبغير قانوني أحزاب وانتخاب على النحو السابق، فسوف يظل العمل السياسي يراوح مكانه، حتى ولو أجريت التعديلات الدستورية السابقة الذكر.

الدستور: ما رأيك بالمطالبات بإقامة الملكية الدستورية؟.

الحموري: المطالبة بالملكية الدستورية تنم عن جهل قانوني ودستوري، فالنظام الأردني في حقيقته هو نظام ملكي دستوري بالفعل، والصلاحيات الممنوحة للملك هي صلاحياته كرئيس لدولة ملكية دستورية تأخذ بالنظام البرلماني.

والمؤسف أن هناك من يحاول تصوير أن المطالبة بالإصلاح الدستوري أو الملكية الدستورية، تنطوي على مساسٍ بصلاحيات جلالة الملك، وهذا خطأ، وليس هناك أعداء لنظام الحكم الملكي، كما انه ليس هناك خلاف بين الشعب وبين هذا النظام، وإنما الخلاف هو مع الحكومات وأجهزتها وما مارسته من صلاحيات وسلطات لا تنسجم مع دستورنا البرلماني.

ويكفي القول إن الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها، قامت على مطلب واحد هو الأخذ بالنظام البرلماني بدلا من النظام الرئاسي، في حين أن دستورنا يأخذ فعليا بالنظام البرلماني وان كان قد تم تشويهه والإساءة إليه، نصوصاً وتفسيرات وتطبيقات، عن قصد وسبق إصرار من قبل الحكومات، وتوظيف فتاوى دستورية وقانونية لهذا التشويه يصدرها متعهدون متخصصون بالانحراف دون خشية من ضمير أو شعب أو حساب سماوي.

الإصلاحات الدستورية المطلوبة التي تنادي بها القوى السياسية في المملكة، لا تخرج عن إعادة دستورنا إلى النظام البرلماني للحد من سلطة الحكومات وأجهزتها، ومنع تغوّلها على باقي السلطات وعلى الحقوق والحريات، وإضافة بعض النصوص التي استوجبها التطور، ثم حذف نصوصٍ من الدستور أضيفت إليه في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وكان من نتيجتها إفقاد دستورنا لهويته البرلمانية عندما جعلت للحكومات وأجهزتها سلطاناً على الناس يحاكي في مدى سلطاته واتساعها، تلك التي كان يمارسها أباطرة العصور الوسطى.

ونستطيع القول إن الإصلاحات الدستورية المطلوبة ينبغي أن تتضمن إعادة الفاعلية الدستورية التي يستوجبها النظام البرلماني للسلطتين التشريعية والقضائية وتعزيز استقلالهما لتتمكنا من ممارسة دورهما في رقابة الحكومات وأجهزتها، ومثل هذه الإصلاحات لا تنال من صلاحيات جلالة الملك بأي وجه من الوجوه، فالقوانين التي تقرها السلطة التشريعية لا تصبح نافذة إلا بعد أن تصدر بها إرادة ملكية، وكذلك الحال بالنسبة للأنظمة التي تضعها الحكومات لتنفيذها.

وجميع ذلك هو تطبيق لنص المادة (40) من الدستور الأردني، التي تستوجب توقيع رئيس الوزراء والوزير المختص ليوقع بعد ذلك جلالة الملك على ما تم تقريره، ومن ثم لتصدر به إرادة ملكية، وهذا ما تنص عليه جميع دساتير النظام البرلماني في العالم، حيث يأتي توقيع رئيس الوزراء والوزراء أو الوزير المختص من اجل أن يتحمل هؤلاء المسؤولية كاملة عن أي خلل أو تجاوز على الدستور أو المصلحة العامة أمام مجلس النواب وأمام الشعب والرأي العام والجهات الرقابية في الدولة تطبيقاً لمبدأ تلازم السلطة والمسؤولية الذي ينطلق منه دستورنا ودساتير النظام البرلماني جميعاً.

جلالة الملك نادى ولا يزال بالإصلاح في جميع المجالات وبحرارة منقطعة، إلا أن بعض الأجهزة والجهات التي عليها أن تنفذ ما يطلبه جلالة الملك، ما زالت تتشبث بوسائلها العتيقة في مقاومة الهبات الشعبية المنادية بالإصلاح، كوسيلة للاحتفاظ بسلطاتها السماوية التي تمارسها في كل ميدان.

الدستور: ما هي أهمية المطالبة بانشاء محكمة دستورية وكيف شكل العلاقة بينها وبين المجلس العالي لتفسير الدستور إذا أقر انشاء المحكمة؟.

الحموري: أنا لست مع انشاء محكمة دستورية في الوقت الحالي، ويمكن أن ننشئها في المستقبل عندما تتوافر الضمانات اللازمة لحمايتها من تغول الحكومات عليها. أما الآن فليس من المصلحة ان ننزع صلاحية كافة القضاة للبت في دستورية القوانين ومنح هذه الصلاحية لمحكمة واحدة قد يكون من السهل التأثير على قرارها، ولكنني ايضا لست مع بقاء المجلس العالي لتفسير الدستور الذي تنص على تشكيله واختصاصاته وصلاحياته، ومنها محاكمة الوزراء، المواد (57، 58، 59، 60، 122)، فقد أثبتت الممارسة أنه أصبح أداة في يد الحكومات، وبالتالي لم يعد يصلح لأداء الدور الذي أعطته النصوص له، فمن ناحية، فهو في ضوء تأثره بتوجه الحكومات لا يصلح لأن يكون المحكمة المطلوبة لمحاكمة الوزراء، وينبغي أن يكون الاختصاص بذلك لمحكمة تشكل من قضاة أعلى درجة. ومن ناحية أخرى، فإن هذا المجلس لم يعد مؤهلاً أو صالحاً لتفسير الدستور، وله سجل واضح في ممالأة الحكومات بهذا الصدد، وآخر مثال يشهد على ذلك، موضوع نقابة المعلمين، حيث فصّل المجلس عام 1994 تفسيراً للدستور في هذا المجال على مقاس الحكومة في ذلك الوقت، بعد إنهاء عضوية المعارضين للتفسير المطلوب عام 1993 وإعادة تشكيل المجلس، وقرر عدم دستورية النقابات المهنية من أجل أن يتوصل، بغير وجه حق، لعدم دستورية نقابة المعلمين، ثم أعاد المجلس تفسيره في قراره رقم (1) لسنة 2011 تاريخ 24/3/2011، ليلغي تفسيره السابق ويقرر دستورية إنشاء نقابة للمعلمين، بعد أن تغيرت ظروف السياسة.

مثل هذه التفسيرات التي يحكمها الظرف السياسي للحكومات، تؤكد أن اختصاص المجلس بمحاكمة الوزراء، أصبح يشوبه إمكانية تأثير السياسة التي ينتمي إليها أربعة من أعضاء المجلس على حساب المنطق القضائي والقانوني، ولا بد أن يعطي الاختصاص بهذا الشأن للقضاء العادي وحده.

وفي ضوء ما سبق، فإنه ينبغي إلغاء النصوص المتعلقة بالمجلس العالي، على أن يحل مكانها نصوص تنشأ بموجبها محكمة دستورية، تؤكد أن يتم تشكيل هذه المحكمة لمباشرة عملها عندما تتوافر الكفاءات اللازمة لها وبعد أن نصل الى مرحلة تتناوب فيها الأحزاب على السلطة. ففي ذلك الوقت نكون أمام ضمانة وحماية للمحكمة وأعضائها من تأثير الحكومات وأجهزتها عليها. وهنا ينبغي التنبيه إلى أننا نحتاج إلى فترة من الزمن بعد التعديلات الدستورية، لتأخذ هذه النصوص مداها في التطبيق، ونرى التفعيل الحقيقي لمبدأ الفصل بين السلطات بموجب التعديلات المذكورة، من أجل أن نكون أمام سلطة قضائية مستقلة ومحصنة في مواجهة الحكومات وذلك قبل تشكيل المحكمة الدستورية ومباشرتها لعملها.

الدستور: أمس، صوت مجلس النواب على استفتاء المجلس العالي لتفسير الدستور حول إمكانية إعادة التصويت في ملف الكازينو… هل كانت إجراءات المجلس سليمة، وهل يمكن فعلا إعادة التصويت على هذا الملف؟.

الحموري: من وجهة نظري، فانه لا تجوز إعادة التصويت على هذا الملف الا في حالة واحدة هي ظهور بيانات ووقائع جديدة تستدعي اعادة الملف إلى لجنة التحقيق لاستكمال عملها ومن ثم اعادة الملف إلى المجلس للتصويت عليه تحت القبة على أساس مضمون الملف في صورته الجديدة.

ولا بد من الاشارة هنا إلى ان الفتوى التي استند عليها رئيس مجلس النواب في منح رئيس الحكومة الحق بالرد على ما تناوله الملف فتوى غير سليمة وفقا للدستور الأردني والقانون الذي ينبغي تطبيقه وهو قانون أصول المحاكمات الجزائية. فمجلس النواب كان يتداول في موضوع الكازينو بوقائعه وأشخاصه، بصفته نيابة عامة أمامها اضبارة استكملت فيها الوقائع والوثائق، وأقوال الأشخاص المرتبطة أسماؤهم بتلك الوقائع، وما أدلى به الشهود حول أولئك الأشخاص وتلك الوقائع، وكان المطلوب من مجلس النواب من خلال تداوله أن يقرر توجيه أو عدم توجيه اتهام بصفته نيابة عامة، وفقاً لما هو موجود في الاضبارة، سنداً للمادة (56) من الدستور. وإعمالاً للمادة (56) المذكورة، فإن المرجعية في التطبيق على حالة مجلس النواب كنيابة عامة، هي نص المادة (132) من قانون الأصول الجزائية التي جاءت تحت الباب الرابع/ الفصل الرابع من القانون. ويحمل هذا الفصل عنوان «قرارات النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق». وتقضي المادة المذكورة بأنه إذا تبينت النيابة أن الفعل يؤلف جرماً جنحياً، تقرر الظن على المشتكى عليه وتحيل اضبارة الدعوى إلى المحكمة المختصة لمحاكمته (أي المجلس العالي) في حالة الكازينو.

ومجلس النواب في مناقشته وتداوله للموضوع والأسماء، ليس محكمة حتى يتم الاستماع لمن يجري النقاش والتداول حول اتهامهم أو عدمه. وبغير ذلك، يكون المطلوب إحضار جميع الأشخاص إلى الجلسة، وسماع دفاعهم، وهذا أمر غير وارد قانوناً. ولا يجوز أن يكون هناك أي استثناء من تلك القاعدة، حتى ولو كان أحد هؤلاء الأشخاص رئيس الوزراء.

وإذا كان الحديث الذي أدلى به رئيس الوزراء أمام النواب قبل التصويت قد أنتج أثرا على عقل النواب ووجدانهم وضميرهم فان هذا الاثر مستمر ولا يمكن محوه، وبالتالي فان إعادة التصويت استنادا إلى أن الرئيس ما كان ينبغي أن يعطى حق الحديث لا تحقق الهدف من إعادة التصويت.

أما عن إحالة الموضوع إلى المجلس العالي لتفسير الدستور فانني لا أعلم على وجه التحديد ما هو السؤال او الاسئلة التي يريد النواب من المجلس العالي الاجابة عنها، وإذا كان النواب يبحثون عن أجوبة دقيقة لما اختلفوا عليه فينبغي ان يكتب للمجلس العالي بالوقائع التي حدثت بدقة للسؤال ان كان يجوز لمجلس النواب وفقا للدستور وما يستتبع تطبيقه في نظامنا القانوني ان يعيد التصويت الذي سبق أن أجراه حيال القضية المعروضة.

المطالبة بالملكية الدستورية تنم عن جهل قانوني ودستوري – مقال قانوني هام