كيف يتم التحكيم في المنازعات الادارية ؟
بقلم الدكتور عبد الكبير العلوي الصوصي
يقصد بالمنازعات الإدارية تلك التي تكون الإدارة طرفا فيها، ويقصد بالتحكيم في المنازعات الإدارية، اختيار محكم أو محكمين للبت بحكم تحكيمي في نزاع أحد أشخاص القانون العام طرفا فيه.
وهو موضوع تثار بشأنه العديد من الإشكالات المرتبطة أساسا بما يلي:
أولا: مدى جواز اللجوء للتحكيم بالنسبة لأشخاص القانون العام (الإدارة).
ثانيا: شكلية اللجوء للتحكيم بالنسبة للإدارة.
ثالثا: سير إجراءات التحكيم في المنازعات الإدارية.
رابعا: القانون المطبق على إجراءات التحكيم في المنازعات الإدارية.
خامسا: القانون المطبق على موضوع النزاع في التحكيم الإداري.
سادسا: حكم التحكيم الإداري، شكله، مضمونه، وبياناته الإلزامية.
سابعا: حجية الحكم التحكيمي الإداري وقوته التنفيذية.
ثامنا: تنفيذ الحكم التحكيمي الإداري، والطعن فيه (الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي في المنازعات الإدارية).
لكن وبا النظر لتشعب كل تلك المحاور والتي لا تختلف في جوهرها على سير إجراءات التحكيم بشكل عام فإننا سنقتصر هنا على موضوع مدى جواز لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم باعتباره آلية بديلة لحل المنازعات (الفقرة الأولى)، على أن نتولى بحث منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الصادر في المنازعة الإدارية في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: – لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم في القانون المغربي والمقارن
عرفت مسألة أهلية الشخص المعنوي العام للجوء إلى التحكيم نقاشات عديدة في كل من مصر والجزائر والمغرب، نتولى تباعا رصد موقف كل منها في الفروع الموالية:
أولا:-موقف القانون المصري والجزائري من لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم في منازعات العقود الإدارية
1 = القانون المصري
أجاز القانون المصري،[1] وبعد تردد طويل ونقاش فقهي وقضائي كبير التحكيم في المنازعات الإدارية بعد صدور القانون رقم 9/1997 الذي بموجبه تمت إضافة فقرة ثانية للمادة الأولى من القانون رقم 27/1994 والتي اشترطت موافقة الوزير المختص لينتج اتفاق التحكيم آثاره، وذلك حين نصت على أنه: ” وبالنسبة لمنازعات العقود الإدارية، يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص، أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك”.
و على هذا الأساس أقر القضاء المصري قاعدة مفادها أن اللجوء للتحكيم في منازعات العقود الإدارية مشروط بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة وأنه لا يجوز التفويض في ذلك وإلا ترتب عليه بطلان شرط التحكيم،[2] وفي هذا الاتجاه صدر قرار عن المحكمة الإدارية العليا بمصر[3] جاء فيه أنه :
” من حيث أن المادة (1) من قانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 والمعدلة بالقانون رقم 9 لسنة 1997 تنص على أنه مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقات القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر أو كان تحكيما دوليا يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون، وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة إلى الأشخاص الاعتبارية العامة ولا يجوز التفويض في ذلك، ومن حيث أن أوراق الطعن قد خلت مما يفيد موافقة وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة على اللجوء إلى التحكيم في النزاع القائم بين الشركة الطاعنة والمطعون ضده الثاني بشأن تنفيذ العقد رقم …-…. المبرم بينهما في ../../.. ومن تم يكون طلب الشركة الطاعنة تعيين محكم عن المطعون ضده الثاني في النزاع القائم بينهما غير قائم على سند من القانون…”
2= القانون الجزائري
القانون الجزائري كان أكثر وضوحا في تعامله مع لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم، فهو لم يجيز التحكيم بالنسبة لهذه الأشخاص إلا في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية، حيث نصت المادة 1006 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 25 فبراير 2008 المنشور بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية عدد 21 بتاريخ 23 أبريل 2008 على أنه: ” يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها. لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم. ولا يجوز للأشخاص المعنوية العامة أن تطلب التحكيم، ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية.”
ثانيا– موقف القانون المغربي من لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم
كان قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 يمنع أشخاص القانون العام من اللجوء للتحكيم، وكان القضاء المغربي بدوره لم يتعرض لمسألة أهلية الدولة في اللجوء للتحكيم إلا في قضية واحدة صدر فيها قرار عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 26 يوليوز 1923 جاء فيه :
“وحيث إن قرارا عاما أو خاصا صادرا عن السلطة الرئيسية هو وحده الذي يمكن من توسيع سلطات الممثلين القانونين للدولة بما في ذلك الترخيص باللجوء إلى التحكيم، وتخفيض قيود الرقابة المفرطة من النيابة العامة، وحيث يستنتج من ذلك أن اتفاق التحكيم الذي أبرمه المدير العام للأشخاص العمومية مع كل من حارسي ففي دون أن يرخص له بصورة قانونية يعد باطلا و لا يمكن أن يعتبر بمثابة أساس لقرار تحكيمي صحيح”.[4]
وبالتالي كانت رقابة رئيس المحكمة مطلقة في عدم الأمر بتنفيذ حكم المحكمين كلما كان موضوعه يهم نزاع بشأن عقد إداري أحد أشخاص القانون العام طرفا فيه.[5]
أما بعد صدور القانون رقم 05-08 فالمنع قد زال، وبالتالي أصبح بإمكان الدولة ومؤسساتها أن تلجأ إلى التحكيم.[6]
لكن، ومع سماح المشرع المغربي في القانون 05/08 بالتحكيم في مجالات كان ممنوعا فيها التحكيم كتلك المرتبطة بأشخاص القانون العام، فإن هامش هذه الرقابة القضائية قد قلص مقارنة مع ما كان سائدا في ظل الفصل 306 من ق م م لسنة 1974. إلا أنه على الرغم من هذه التعديلات الجديدة فإن ذلك لا يمنعنا من إبداء الملاحظات التالية:
إن المشرع المغربي حينما نص في الفقرة الأولى من الفصل 310 من القانون 05/08 على أنه: ” لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.
غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي”، يكون بذلك قد جعل المبدأ الأساسي هو منع الدولة والجماعات والمحلية من اللجوء إلى التحكيم في المجالات التي تنفرد بالتصرف فيها هاتين الجهتين، والاستثناء هو أنه يمكن أن تكون النزاعات المالية الناتجة عن هذه التصرفات الأحادية محل عقد تحكيم وليس شرط تحكيم، أي أنه لا يمكن أن يدرج شرط تحكيم في عقد معين تكون الدولة أو جماعة محلية منفردة بالتصرف فيه.
لكن في المجالات التي لا تعتبر من التصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية، وفي هذا يندرج صنف العقود الإدارية[7](الصفقات العمومية مثلا)،[8] فإن المشرع المغربي نص في الفقرة الثانية من الفصل 310 على أنه: “… بالرغم من أحكام الفقرة الثانية من الفصل 317 أدناه، يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية محل اتفاق تحكيم[9] في دائرة التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية. ” وسواء كان ذلك قبل نشوء النزاع أو بعده، وبالتالي، يرجع للقضاء الإداري اختصاص مراقبة مدى تقيد أطراف التحكيم بهذه المقتضيات القانونية الآمرة، في حين يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في نطاق هذا الفصل إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو إلى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني.
هذا، وتثير عبارة التقييد بالمقتضيات المتعلقة بالوصاية أو المراقبة، أكثر من سؤال، فهل اتفاق التحكيم ( شرط أو عقد) بشان العقود- وليس التصرفات الأحادية- التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية والمؤسسات العامة، ولكي يكون صحيحا يجب أن تتوفر فيه بالإضافة إلى الشروط المذكورة في المادة 317 من القانون رقم 05/08، الشروط التي تقررها النصوص المنظمة للعقود التي تبرمها هذه الجهات والتي تقتضي موافقة سلطة الوصاية، أو سلطة المراقبة المالية، فهذه القيود تطرح وكما ذهب إلى ذلك الأستاذ رياض فخري، أكثر من سؤال حول المراقبة أو الوصاية التي يمكن أن يخضع لها لجوء الدولة أو الجماعات المحلية في النزاعات المالية إلى آلية التحكيم، هل يعني ذلك أنه يجب أن تحصل على ترخيص مسبق بذلك وإذا كان الأمر كذلك، فما هي طبيعة هذا الترخيص، هل هو ترخيص عام أم ترخيص خاص بكل حالة على حدة، وما هي الجهة الموكول إليها منح هذا النوع من التراخيص، هل السلطة المحلية أم سلطة الوصاية المركزية. [10]
ينضاف إلى ذلك، أنه إذا كان المشرع قد تعامل بنوع من التشدد مع الدولة والجماعات المحلية وفق المشار إليه أعلاه، فإنه بالنسبة للمقاولات العامة والمؤسسات العامة تعامل بنوع من المرونة حيث نص الفصل 311 من القانون05/08 على أنه: ” يجوز للمقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات التجارية أن تبرم اتفاقات تحكيم وفق الإجراءات والشروط المحددة من لدن مجالس إدارتها أو رقابتها أو أجهزة تسييرها.
رغما عن مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 317 بعده، يجوز للمؤسسات العامة إبرام عقود تحكيم وفق الإجراءات والشروط المحددة من لدن مجالس إدارتها وتكون الاتفاقات المتضمنة لشروط تحكيم محل مداولة خاصة يجريها مجلس الإدارة. ”
وكل ما في الأمر هو أنه ألزم بأن يتم هذا اللجوء للتحكيم وفق الإجراءات والشروط المحددة من لدن مجالس الإدارة أو الرقابة أو التسيير بالنسبة للمقاولات العامة، و وفق الشروط والإجراءات المحددة من لدن مجالس الإدارة بالنسبة للمؤسسات العامة إذا تعلق الأمر بعقد تحكيم، أما إذا تعلق الأمر باتفاق المؤسسات العامة على اللجوء للتحكيم بواسطة شرط تحكيم فإن هذا الشرط التحكيمي يكون محل مداولة خاصة من لدن مجلس إدارة هذه المؤسسات العامة.
وهنا تجب الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية أيضا، وهي هل هذه الشكليات ملزمة للمؤسسات العامة والمقاولات العامة دون سواها، لأنه لا يستفاد منها ضرورة موافقة مجالس تلك الأشخاص المعنوية على ما تعاقدت عليه هذه الأشخاص المعنوية، بمعنى أن المتعاقد معها لا يهمه أن يكون أتفاق التحكيم بالنسبة للمقاولات العامة ولا عقد التحكيم بالنسبة للمؤسسات العامة قد تم وفق الشروط والإجراءات التي يحددها مجلس الإدارة لينتج آثاره في مواجهة كلا الطرفين المتعاقدين، أو أن سريان آثار شرط التحكيم يتوقف على نتيجة المداولة الخاصة التي سيجريها مجلس الإدارة في المؤسسة العامة المتعاقدة.
أم أن هذا الفصل 311 يفيد بأنه على هذه المؤسسات العامة أن تراعي إلزامية شرط المداولة الخاصة لمجلس إدارتها كلما تعلق الأمر بشرط تحكيم مضمن في اتفاقات معينة، وإلا كان مآل هذا الشرط التحكيمي هو البطلان، طالما أن:
– الفصل 308 من القانون رقم 05/08 ألزم أن يتم اللجوء للتحكيم ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا القانون، ومن ضمن هذه الإجراءات شرط المداولة مثلا، حيث نص على انه: ” يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا الباب…” أي الباب الثامن من قانون المسطرة المدنية المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.
– ومحكمة النقض مستقرة في قضايا مشابهة لهذه التي تلزم تتبع بعض الشكليات على مبدأ قوامه أن ” كل تصرف تم بخلاف القانون لا يمكن أن ينتج عنه أي أثر قانوني و لا ينشئ للمتمسك به أي حق مكتسب “، ففي قرار صادر عن المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 20/04/2005 جاء فيه أن: ” … وهذا يعني أن المباراة قد جرت في غياب أي ضابط قانوني وأن التصرف الذي تم بخلاف القانون كما أشير إليه لا يمكن أن ينتج عنه أي أثر قانوني”[11] وهذا القرار كان قد سبقه قرار آخر صادر أيضا عن نفس المحكمة بتاريخ 09/03/2005 جاء فيه: “… المباراة التي يتمسك بنجاحه فيها أجريت قبل يومين من اجتماع اللجنة الذي كان يجب أن يسبق إجراء المباراة للبت في تشكيل الهيئة المشرفة على المباراة وليس بعد ذلك، فكان هذا الإخلال الجوهري وحده كافيا لاستنتاج أن رفض التأشيرة… كان مبنيا على سبب مشروع.[12]” وهذا التوجه أيضا سارت عليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكم صارعنها بتاريخ 01/03/2005 جاء فيه: “… وحيث إن الحق المكتسب لا يكون إلا في إطار الحق القانوني و المشروع، مما يكون معه مطلب الطاعن غير مرتكز على أساس.”[13]
يبدو أن القواعد التي تضمنتها فصول القانون 05/08 في شان كيفية لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم، هي قواعد أمرة لا يمكن مخالفتها، ويترتب على كل مخالفة لها بطلان حكم التحكيم لعدم احترام أطراف اتفاق التحكيم لتلك الإجراءات التي تضمنتها الفصول المتحدث عنها.
وإذا علمنا أن مجلس الإدارة في المؤسسات العامة يترأسه رئيس الحكومة حاليا أو من يفوض له ذلك، وهذه المجالس لا تنعقد بانتظام للنظر في القرارات والحسابات المتعلقة بهذه بالمؤسسات، فكيف لها أن تنعقد للمداولة بشأن شرط تحكيمي، والحال أن إبرام عقد معين في مجال التجارة الدولية يتطلب السرعة والفورية، فإنه يبدو أيضا أن هذه الشكليات قد تفرغ إمكانية اللجوء للتحكيم هذه من محتواها، وبالتالي فتوقف مسألة التحكيم على هذه الشكليات سيجعل المتعاقد يخشى نتيجة تلك الشكليات وبالتالي عدم الدخول في عملية تعاقد معلقة على شرط المداولة لمجلس الإدارة، وبالتالي ما كان على المشرع المغربي أن يفرط في تغليب المقاربة الشكلية حين معالجته لموضوع لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم، فطالما قبل مبدأ اللجوء إلى التحكيم فحري به ألا يفرغه من محتواه بهذه التعقيدات.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فهناك لتساؤل آخر يبدو لنا طرحه من الأهمية بمكان، هو هل للمحكمة الإدارية أن ترفض منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الصادر في نزاع أحد أشخاص القانون العام طرفا فيه، إذا كان هذا التحكيم لم يتم إدخال الوكيل القضائي للمملكة فيه باعتباره المؤسسة المنوط بها الدفاع عن المال العام في كل نزاع يهدف إلى التصريح بمديونية أي شخص عام.[14] وذلك على أساس أن إقامة الدعاوى ضد أشخاص القانون العام – ولو كانت أمام هيئة للتحكيم- تعتبر من النظام العام، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض أنه: “… وحيث إن إقامة الدعاوى المتعلقة بالمؤسسات العمومية ومكاتبها تعتبر من النظام العام، وأن أي مخالفة لذلك يمكن أن تثار في أية مرحلة من مراحل الدعوى، ولو لأول مرة أمام المجلس الأعلى.
وحيث إن القرار المطعون فيه حينما أيد الحكم الابتدائي القاضي بعد الإدانة بأداء تعويضات في مواجهة مكتب النقل الحضري بالدار البيضاء دون مراعاة ما يفرضه الفصل 514 من ق م م والفصل الأول من ظهير 2 مارس 1953، لم تجعل لما قضت به أساسا سليما من القانون، الأمر الذي يوجب نقضه في مقتضياته المدنية موضوع النقض، وحيث إن مصلحة الأطراف والعدالة تقتضي إحالة القضية على نفس المحكمة…”[15]
بل ولرئيس المحكمة التجارية أو الابتدائية أيضا – حسب طبيعة النزاع- أن يرفض منح هذه الصيغة التنفيذية لنفس العلل والأسباب أعلاه، ذلك أن كون الشركة التجارية التابعة للدولة تتعامل بنصوص القانون الخاص لا ينزع عنها صفة المتصرف في المال العام ومن تم ضرورة تواجد الوكيل القضائي للمملكة في هذا النزاع، ففي قرار للمجلس الأعلى صادر بتاريخ26/09/2001،[16] جاء فيه: ” حقا فإن المحكمة وهي تنظر في الاستئناف ردت الدفع المثار من طرف المستأنفة بشأن عدم قبول الدعوى لعدم إدخال الوكيل القضائي طبقا للفصل 514 من ق م م بأنه غير منتج نظرا لكون الطاعنة أصبحت شركة تجارية تخضع للقانون التجاري، فتكون قد نزعت عنها صفته كمؤسسة تابعة للدولة دون أن تبين الأساس الذي اعتمدته في ذلك، علما بأن اعتبارها شركة تجارية لا يتعارض مع صفتها كمؤسسة عمومية تدير الممتلكات الفلاحية للدولة، ومحكمة الاستئناف عندما ردت الدفع بما ذكر أعلاه تكون قد جعلت قرارها ناقص التعليل وكان ما نعته الطاعنة على القرار واردا عليه يستوجب نقضه.”
الفقرة الثانية: رقابة القضاء على الحكم التحكيمي الصادرة في المنازعات الإدارية [17]
إذا كان أحد أشخاص القانون العام وخاصة الدولة أو جماعة محلية طرفا في التحكيم فإن حكم المحكمين لا تكون له الحجية إلا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية،[18] والاختصاص بالتذييل بهذه الصيغة التنفيذية ينتقل إلى المحكمة الإدارية وليس إلى رئيس المحكمة الإدارية، حيث نص الفصل 310 من نفس القانون على أنه:
“… يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في نطاق هذا الفصل إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو إلى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني. “[19]
لكن، ما العمل إذا كان النزاع يهم شركة تابعة للدولة أو مؤسسة عمومية، فهل الاختصاص يبقى لرئيس المحكمة التجارية وبالتبعية لمحكمة الاستئناف التجارية في حالة الطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي، طالما الفصل 310 من القانون رقم 05/08 حصر اختصاص المحكمة الإدارية في تذييل أحكام المحكمين المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية دون أن يشير إلى شركات الدولة أو المؤسسات العمومية. أم أنه يتعين تطبيق القواعد العامة المنظمة للاختصاص النوعي، وبالتالي سلوك النهج الجاري به العمل في القضاء المغربي والذي يعطي الاختصاص للمحاكم الإدارية كلما كانت الشركة تابعة للدولة ومن باب أولى المؤسسات العمومية تتوفر على حق امتياز إدارة مرفق عمومي. [20]
يبدو أن الحل الصحيح كان يقتضي التمييز ما بين تعاقد هذه الشركات والمؤسسات العمومية باعتبارها شخصا عاديا وغير مستعملة لقواعد القانون العام، وفي هذه الحالة يبقى الاختصاص للقضاء العادي (أو المحاكم التجارية بحسب طبيعة النزاع هل هو مدني أو تجاري). وبين كون هذه الشركات التابعة للدولة والمؤسسات العامة قد تعاقدت في إطار قواعد القانون العام أو استعملت امتيازات القانون العام، بحيث يترك الاختصاص في هذه الحالة للقضاء الإداري للنظر في كل ما له ارتباط بالمنازعات التحكيمية في هذا المجال.
لقد أجاب عن هذا الإشكال أمر صادر عن نائب رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء، ونحن نؤيده فيما ذهب إليه، بحيث استند في تحديده للاختصاص بالتذييل بالصيغة التنفيذية على طبيعة النزاع، معللا ذلك بحيثيات جعلتنا نقتنع بوجاهة الأمر المذكور،[21] وبالتالي العدول عن التوجه الذي كنا نسلكه والذي يسير في حصر الاختصاص النوعي بالتذييل بالصيغة التنفيذية في جهة رئيس المحكمة التجارية كمبدأ، واستثناءا في المحكمة الإدارية كلما تعلق التحكيم بالدولة أو الجماعات المحلية، ومما جاء في الأمر القضائي المذكور:
” حيث إن المحاكم التجارية تبت في المنازعات بين التجار وبين التاجر وغير التاجر بمناسبة أعماله التجارية إذا وجد اتفاق على ذلك طبقا للمادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية.
وحيث إن رئيس المحكمة التجارية يمارس الاختصاصات الموكولة سواء بصفته قاضيا للمستعجلات (الفصل 21 من قانون إحداث المحاكم التجارية) أو بصفته تلك في حدود الاختصاص النوعي للمحكمة التجارية التي يرأسها.
وحيث إن من بين اختصاصات رئيس المحكمة بصفته تلك الاختصاصات الموكولة له بمقتضى القانون رقم 05-08 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية والمتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.
وحيث إن المشرع وبمقتضى الفصل 312 من القانون أعلاه نص على أنه “يراد في هذا الباب بما يلي … “رئيس المحكمة” رئيس المحكمة التجارية ما لم يرد خلاف ذلك.
وحيث إن في ذلك إشارة بأن المقصود برئيس المحكمة ليس دائما هو رئيس المحكمة التجارية ما دام أنه تم التنصيص على عبارة “ما لم يرد خلاف ذلك”.
وحيث بمراجعة مقتضيات القانون المذكور يتضح أن المشرع لم يشر صراحة إلى رئيس المحكمة أخرى غير انه وفي أكثر من فصل أشار إلى رئيس المحكمة المختصة كما هو الشأن في الفصلين 5-327 و 20-327 ويبقى المقصود بالمحكمة المختصة هو المحكمة المختصة نوعيا.
وحيث إن الذي يؤكد ذلك وبشكل واضح هو الفصل 34-327 الذي ينص على أنه “لا يقبل الحكم التحكيمي أي طعن مع مراعاة مقتضيات الفصلين 35-327 و 36-327 بعده، يمكن أن يكون الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية موضوع إعادة النظر طبقا للشروط المقررة في الفصل 402 بعده وذلك أمام المحكمة التي كانت ستنظر في القضية في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم”، وكما جاء في الفصل 35-327 ما يلي: ” لا يواجه الغيار بالأحكام التحكيمية ولو مذيلة بالصيغة التنفيذية ويمكنهم أن يتعرضوا عليها تعرض الغير الخارج عن الخصومة طبقا للشروط المقررة في الفصول من 303 إلى 305 أعلاه أمام المحكمة التي كانت ستنظر في النزاع لو لم يبرم اتفاق التحكيم.
وحيث إن المشرع قد حسم بشأن الطعن في الحكم التحكيمي بإعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة اللذين يجب ممارستهما أمام المحكمة التي كانت ستنظر في النزاع لو لم يبرم اتفاق التحكيم وبذلك قد يتعلق الأمر بالمحكمة الابتدائية أو بالمحكمة الإدارية أو بالمحكمة التجارية ومتى كان الأمر كذلك فإن تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية ينبغي أن يتم من طرف رئيس كل محكمة من تلك المحاكم بحسب بنوعية النزاع.
وحيث وعلاوة على ذلك فالمشرع أورد نص يؤكد كل ذلك ويتعلق الأمر بالفصل 36-327 الذي نص في فقرته الأولى على أنه “رغم كل شرط مخالف، تكون الأحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان طبقا للقواعد العادية أمام محكمة الاستئناف التي صدرت في دائرتها” وأضاف بمقتضى الفصل 37-327 على أنه ” إذا أبطلت محكمة الاستئناف الحكم التحكيمي تبت في جوهر النزاع في إطار المهمة المسندة إلى الهيئة التحكيمية ما لم يصدر حكم بالإبطال لغياب اتفاق التحكيم أو بطلانه” فالمقصود بمحكمة الاستئناف بمقتضى الفصلين المذكورين هي محكمة الاستئناف المختصة نوعيا للبت في النزاع لو لم يبرم اتفاق التحكيم.
وحيث وأمام الثبوت القاطع بأن الحكم التحكيمي يرجع النظر في طرق الطعن فيه وكذا بإبطاله إلى المحكمة المختصة نوعيا للبت في النزاع الذي كان موضوع عملية التحكيم فإن تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية لا يخرج عن ذلك ومن تم يتعين الرجوع إلى رئيس كل محكمة بشأن تلك الصيغة بحسب الأحوال إما رئيس المحكمة الابتدائية إذا تعلق الأمر بنزاع مدني وإما إلى رئيس المحكمة التجارية إذا تعلق الأمر بنزاع تجاري، أما إذا تعلق بالنزاع الإداري فالمشرع أوكل ذلك إلى المحكمة الإدارية وليس لرئيسها عملا بالفقرة الأخيرة من الفصل 310 التي جاء فيها: “يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في نطاق هذا الفصل إلى المحكمة الإدارية…”
وحيث عن الطلب الحالي يتعلق بحكم تحكيمي صدر في إطار نزاعات الشغل ومعلوم أن هذه الأخيرة تخرج عن الاختصاص النوعي للمحكمة التجارية وبالتالي فطلب تذييله بالصيغة التنفيذية المقدم لرئيس المحكمة التجارية إنما قدم على جهة غير مختصة نوعيا ويتعين التصريح بذلك.”[22]
هذا التوجه أيضا يجد سنده في كون الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي يعني أيضا طعنا في الأمر القضائي المانح للصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي، وهذا يعني عمليا أنه إذا حصرنا الاختصاص في جهة رئيس المحكمة التجارية، فإن محكمة الاستئناف التجارية ستجد نفسها ستنظر في نزاع مدني إذا أبطلت الحكم التحكيمي وتصدت لأصل النزاع خاصة في مادة التحكيم الداخلي، وهذا يخالف القواعد المنظمة لمادة الاختصاص النوعي.
وإذا كان الأمر يمكن حله بإتباع الحل المقترح أعلاه، وكلما تعلق الأمر بالتحكيم في منازعة إدارية داخلية، فإنه بالرغم من كل هذا، تبقى مسألة تحديد الجهة المختصة بتذييل الحكم التحكيمي الأجنبي الذي توجد الدولة مثلا فيه بالصيغة التنفيذية من الأمور التي ستطرح مشاكل وتضارب في الاتجاهات على المستوى العملي، ذلك أن المشرع المغربي لم يميز بين الحكم التحكيمي الدولي والحكم التحكيمي الأجنبي، بل يستعمل لفظ الدولي كمرادف للأجنبي.
1-: الجهة المختصة بنظر طلب التذييل بالصيغة التنفيذية في التحكيم الدولي.
جاء في الفصل 46-327 أنه: ” يعترف بالأحكام التحكيمية الدولية في المملكة إذا أثبت وجودها من يتمسك بها، ولم يكن هذا الاعتراف مخالفا للنظام العام الوطني أو الدولي.
يخول الاعتراف والصيغة التنفيذية لهذه الأحكام في المغرب وفق نفس الشروط لرئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج.”
لذلك، تكون المختصة بتذييل حكم تحكيمي أجنبي- قد يكون مرتبط بمصالح التجارة الدولية، وفي هذه المرحلة يعتبر دوليا، وقد يكون حكم تحكيمي داخلي بموجب قانون الدولة التي صدر بموجب قانونها وعلى أراضيها، لكن يراد تنفيذه بالمغرب حيث يعتبر أجنبيا فقط- هي جهة رئيس المحكمة التجارية المراد تنفيذ هذا الحكم التحكيمي بدائرتها القضائية، أي التابع له مكان التنفيذ.
2-: الجهة المختصة بتذييل حكم تحكيمي دولي/أجنبي الدولة طرفا فيه.
بالرجوع إلى القانون رقم 05/08 يلاحظ أن الفصل 310 منه قد جاء ضمن المبادئ العامة للتحكيم الداخلي وليس الدولي، ونص على أنه:
” لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.
غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي.
بالرغم من أحكام الفقرة الثانية من الفصل 317 أدناه ، يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية محل اتفاق تحكيم في دائرة التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية.
يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في نطاق هذا الفصل إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو إلى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني”.
وهو ما يستفاد منه بان الاختصاص بالتذييل بالصيغة التنفيذية يرجع للمحكمة الإدارية.
لكن الفصل 39-327 وبعد أن نص على أنه: ” تطبق مقتضيات هذا الفرع على التحكيم الدولي دون الإخلال بما ورد في الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من لدن المملكة المغربية والمنشورة بالجريدة الرسمية. ”
جاء بعده الفصل 46-327 ونص أيضا على أنه: ” يعترف بالأحكام التحكيمية الدولية في المملكة إذا أثبت وجودها من يتمسك بها، ولم يكن هذا الاعتراف مخالفا للنظام العام الوطني أو الدولي.
يخول الاعتراف والصيغة التنفيذية لهذه الأحكام في المغرب وفق نفس الشروط لرئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج.”
لذا، فنحن أمام ثلاث فصول تنظم هذه المسألة:
الأول: يحصر الاختصاص في المحكمة الإدارية، لكنه ورد في الأحكام العامة للتحكيم الداخلي.
الثاني: أعطى الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية، لكنه حصر ذلك في الأحكام التحكيمية الدولية، أي التي لها ارتباط بالتجارة الدولية.
الثالث: يستفاد منه أولوية الاتفاقيات الدولية في التطبيق عن القانون رقم 05/08، والمقصود هنا بالأساس اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، والتي تحيل على قواعد القانون الداخلي فيما يرجع لإجراءات التنفيذ.
وبناء عليه، نرجح إعطاء الاختصاص للمحكمة الإدارية[23] للتذييل بالصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الأجنبي كلما كانت الدولة أو إدارة أو جماعة محلية طرفا فيه، وكان متعلقا بعقدا إداريا – صفقة إنجاز طريق سيارة بين الدولة وشركة أجنبية وصدر حكم تحكيمي بشأنها على أرض دولة أجنبية- وليس له ارتباط بمصالح التجارة الدولية، وسندنا في ذلك ما يلي:
* إن الموضوع يتعلق بحكم تحكيم أجنبي، تسري عليه اتفاقية نيويورك.
* إن اتفاقية نيويورك تحيل على القواعد الإجرائية في البلد المطلوب منه التنفيذ.
* إن الفصل 46-327 يتعلق بالأحكام التحكيمية الدولية وليس بالحكم التحكيمي الأجنبي، بل إن الحكم التحكيمي الدولي الذي ليس له ارتباط بمصالح التجارة الدولية وكانت الدولة أو جماعة محلية طرفا فيه يبقى هو الآخر من اختصاص المحكمة الإدارية، طالما الحكم التحكيمي الدولي الصادر مثلا بالمغرب يقبل الطعن بالبطلان أمام محكمة الاستئناف الإدارية[24] كلما كانت الدولة طرفا فيه، وغير مرتبط بمصالح التجارة الدولية.
* إن القواعد الإجرائية بالقانون المغربي تعطي الاختصاص في مجال التحكيم الإداري- الذي له ارتباط بالعقود الإدارية وليس بمصالح التجارة الدولية- وفقا للفصل 310 من القانون رقم 05/08 للمحكمة الإدارية. وهذا هو التوجه الذي كرسه أمر صادر عن رئيس المحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 18/06/2012، حيث جاء فيه: ” حيث إن الحكم التحكيمي موضوع طلب التذييل بالصيغة التنفيذية صدر في إطار نزاع ناشئ عن تنفيذ صفقة عمومية تتعلق بانجاز المدار الطرقي المتوسطي.
حيث إنه واستنادا إلى الفصل 310 من ق م م فإنه يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في إطار النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو إلى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني.
وحيث بذلك فالطلب الحالي موجه لجهة غير مختصة ويتعين التصريح بذلك. لهذه الأسباب، إذ نبت علنيا ابتدائيا: نصرح بعدم الاختصاص النوعي وإبقاء الصائر على المدعية.” [25]
الهوامش
[1] بخصوص التحكيم في العقود الإدارية وفق القانون المصري، فإنه لما صدر قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 الذي ألغى المواد من 501 إلى 512 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 مع كل نص مخالف، ونص في مادته الأولى على أنه : ” مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص ، أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع ، ….”، وأمام هذا الغموض التشريعي الذي واكبه اختلاف فقهي في مصر حول جواز التحكيم في العقود الإدارية من عدمه ، صدرت فتوى من الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بتاريخ 18/12/1996 بعدم جواز التحكيم في العقود الإدارية ، الشيء الذي دفع المشرع المصري إلى التدخل وأصدر القانون رقم 9 لسنة 1997 الذي نص صراحة على جواز التحكيم في العقود الإدارية . وهو التوجه الذي زكاه في قانون تنظيم الناقصات والمنازعات رقم 89 لسنة 1998 . لكن المادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 1997 نصت على أنه: ” وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة ، و لا يجوز التفويض في ذلك . ” يمكن الرجوع إلى، ماجد راغب الحلو، العقود الإدارية والتحكيم، دار الجامعة الجديدة للنشر، طبعة 2004، ص 185-186.
[2] وإن كان بعض الفقه يرى بأن ” شرط موافقة الوزير المختص في القانون المصري وشرط موافقة مجلس الوزراء في لبنان لإبرام الدولة أو أحد الأشخاص العامة اتفاق التحكيم لا يؤثر وليس له أي فعالية بالنسبة للتحكيم الدولي إذ تسود قاعدة القانون الدولي التي لا تجيز للدولة الاحتجاج بقانونها للتخلص من التزاماتها” وأضاف بأن ” الصياغة التي اتبعها المشرع التونسي في المادة (7)- خامسا- من مجلة التحكيم التونسية الصادرة بالقانون رقم 42 لسنة 1993 بإجازة اتفاق التحكيم في هذه الحالة إذا كانت النزاعات ناتجة عن علاقات دولية اقتصادية يمثل حلا يتفق وأحكام القانون الدولي العام” وزاد بأن” التشريع السويسري يتخذ منهجا مختلفا إذ يفتح الباب واسعا أمام المنازعات التي يجوز التحكيم فيها، حيث تنص المادة (177) منه على أنه: 1 – كل نزاع له طبيعة مالية يمكن أن يحال إلى التحكيم، 2 – إذا كان أحد الأطراف في التحكيم دولة أو شركة مملوكة من الدولة أو مؤسسة تخضع لرقابة الدولة، فلا يمكن لهذا الطرف أن يدلي بقانونه الخاص ليحتج على إمكانية إحالة النزاع للتحكيم أو عدم أهليته لأن يكون طرفا في التحكيم.”، محمد أبو العينين، قابلية المنازعات للتحكيم، مقال منشور ضمن أعمال ندوة ” التحكيم التجاري الداخلي والدولي” المنظمة من طرف وزارة العدل والاتحاد العام لمقاولات المغرب، يومي 3-4 مارس 2004، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى، العدد 6/2005، ص 91 وما بعدها.
[3] قرار المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2668 لسنة 46 ق عليا جلسة 31/5/2005 الدائرة الثانية عليا ، أورده أحمد محمد عبد الصادق ، المرجع العام في التحكيم المصري والعربي والدولي ، الطبعة الثانية 2008 ، ص 13-14 ، دار النشر غير مشار إليها .
[4] قرار أورده ، محمد تكمنث، واقع التحكيم التجاري الدولي وآفاق الاستثمار، مقال منشور ضمن أعمال ندوة، قضايا الاستثمار والتحكيم من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، م س، ص 140.
[5] يشار إلى أنه على الرغم من أن الفصل 306 من ق م م الملغى كان يمنع اللجوء للتحكيم في ” النزاعات المتعلقة بعقود أو أموال خاضعة لنظام يحكمه القانون العام ” ، إلا أننا عثرنا على بعض القرارات الصادرة عن القضاء المغربي حاولت التخفيف من هذا المنع، معتمدة في ذلك المعايير الحديثة التي تمييز بين تعامل هذه الأشخاص العامة في إطار القانون الخاص – التعاقد في إطار القانون الخاص – أو التعامل في إطار القانون العام – امتيازات القانون العام – ففي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 21/06/1983، جاء فيه ” حيث إن الطاعن يحاجي بأن القرار التحكيمي باطل لمساسه بالنظام العام لأنه شخص عام وليس له أموال خاصة يستطيع التصرف فيها وأمواله ملك للدولة،ولأنه عندما يبرم عقدا من أجل متابعة نشاطه الإداري يخضع لأحكام القانون العام …
حيث إن الطاعن يضطلع حسب ظهير 07/9/1963 بمهام استيراد وخزن وتسويق وتعبئة مادتي الشاي والسكر ويخضع في معاملاته إلى القواعد التجارية المعمول بها…
حيث إنه لما كان من الثابت أن الطاعن يخضع في معاملاته للقانون الخاص فإن المصلحة العامة الذي يرتكز عليها النظام الوطني ينبغي أن ينظر إليه بمعية واسترشاد بمبادئ النظام العام الدولي مما يساعد على تكوين قواعد دولية مستقلة عن تلك السارية في الدول المختلفة استجابة لطبيعة التجارة الدولية…
حيث إن القضاء والفقه قد اتجها وبكيفية راسخة إلى صحة مشارطة التحكيم المبرمة من الدولة والمؤسسات العمومية متى اكتسبت العقود التي من أجلها أبرمت المشارطة طابعا مزدوجا من التعاقد الدولي والقانون الخاص كما هو عليه الحال في النازلة…
حيث إنه يكون من الثابت إعمالا لهذا النظر انعدام المانع الشرعي من تعيين محكم أو محكمين للنظر في المنازعات التي ثارت بين طرفي النزاع بصدد تنفيذ عقد 15 ماي 1980 لأن لا شيء في ذلك يمس ظاهر النظام العام المغربي.
حيث إنه من جهة أخرى، فإن النازلة لا تهم نزاعا متعلقا ومتصلا بقانون التجارة الخارجية كما تستوجب ذلك أحكام الفقرة السادسة من الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية بل تهم نزاعا ناتجا عن معاملة تجارية دولية…” قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الغرفة التجارية، قرار رقم 1083 صادر بتاريخ 21/6/1983، منشور على الموقع الالكتروني: http://www.Cabinetbassamat.com/extranet/Jurisprudence.php (تاريخ حصر الموقع هو 19/02/2010).
[6] السماح لأشخاص القانون العام باللجوء إلى التحكيم قد بدأ التعبير عنه قبل القانون رقم 05-08 من خلال بعض القوانين الخاصة، حيث نصت مثلا المادة 9 من القانون رقم 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة، الصادر بشأنه الظهير الشريف رقم 1.06.15 بتاريخ 14 فبراير 2006 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5404 بتاريخ 16 مارس 2006 على أنه: ” يمكن أن ينص عقد التدبير المفوض على اللجوء إلى مسطرة التحكيم إما وفق التشريع الجاري به العمل أو بموجب اتفاقية دولية ثنائية أو متعددة الأطراف مطبقة على العقد المعني، وذلك في حالة وقوع نزاع بين الطرفين.
لحل النزاعات بين المفوض إليه والمرتفقين، ينص عقد التدبير المفوض على ضرورة اللجوء إلى مسطرة الصلح أولا قبل اللجوء إلى التحكيم أو إلى القضاء”.
[7] لابد لقيام العقود الإدارية من أن يكون أحد أطرافها شخصا معنويا عاما وأن تتضمن شروطا أو مقتضيات غير مألوفة في العقود الخاصة، وأضاف المجلس العلى شرطا ثالثا وهو أن يتعلق إبرام العقد بتسيير مرفق عمومي، حيث جاء في قرار له صادر بتاريخ 21/09/1995 تحت عدد 367 في الملف الإداري عدد 10391/5/1/1994 أنه: ” لا يكفي لقيام العقد الإداري أن يكون أحد أطرافه شخصا معنويا عاما، وأن يتضمن العقد شروطا ومقتضيات ( غير مألوفة) في العقد الخاص، بل يتعين أن يتوفر شرط ثالث وهو أن يتعلق إبرام العقد بتسيير مرفق عمومي”، قرار أورده، الطيب الشرقاوي، كلمة منشورة ضمن أعمال ندوة” قضايا العقود الإدارية ونزع الملكية للمنفعة العامة وتنفيذ الأحكام من خلال اجتهادات المجلس الأعلى” ندوة المجلس الأعلى في الذكرى الخمسينية، مراكش، يومي 21/22 مارس 2007، مطبعة ألأمنية، الرباط 2007، ص 14.
[8] ” الصفقة العمومية عقد إداري بنص القانون” قرار محكمة النقض صادر بتاريخ 14/11/1996 تحت عدد 788 في الملف الإداري عدد 887/5/1/96، منشور في كتاب” أهم قرارات المجلس الأعلى في المادة الإدارية “، الجزء الأول، 2007 ص 96.
[9] سواء في صورة شرط أو عقد.
[10] رياض فخري، قواعد التحكيم، قراءة في القانون رقم 05/08، مقال منشور ضمن أعمال ندوة ” الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى “، مطبعة الأمنية ، الرباط ، طبعة 2007.
[11] قرار محكمة النقض عدد 312 صادر بتاريخ 20/04/2005 في الملف عدد 161/4/1/2005 ( غير منشور ).
[12] قرار محكمة النقض عدد 183 صادر بتاريخ 09/03/2005 في الملف عدد 3734/4/1/2003 ( غير منشور ).
[13] حكم صادر بتاريخ 01/03/2005 تحت عدد 350 في الملف رقم 444/02 غ ( غير منشور).
[14] للوكيل القضائي للمملكة وفقا لظهير 15 جمادى الآخرة 1372 الموافق ل 2 مارس 1953 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2109 الصادرة بتاريخ 11 رجب 1372 الموافق ل 27 مارس 1953، وكذا المرسوم رقم 2.07.995 الصادر بتاريخ 23 أكتوبر 2008 بشان اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية ج ر عدد 5680 بتاريخ 6 نوفمبر 2008، وكذا الفصل 514 من ق م م أكثر من صفة للتقاضي وخاصة:
– صفة الطرف المدخل وجوبا في الدعوى عملا بمقتضيات ظهير 2 مارس 1953 الذي ينص الفصل الأول منه على أنه: “… وكل شخص أقام دعوى أمام المحاكم قصد إثبات دين له على الدولة الشريفة أو على أحد إداراتها أو مكاتبها أو مؤسساتها العمومية وكان هذا الدين غير داخل في شؤون الضرائب أو شؤون الأملاك المخزنية فيجب عليه أن يقيم الدعوى على العون القضائي وإلا فلا يقبل طلبه.” وكذا الفصل 514 من ق م م الذي ينص كذلك على أنه: “كلما كانت الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية أو مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة في قضية لا علاقة لها بالضرائب والأملاك المخزنية وجب إدخال العون القضائي في الدعوى وإلا كانت غير مقبولة.”
– صفة الطرف في الخصومة، المكتسبة من المقتضيات السالفة الذكر حسبما أكد ذلك العمل القضائي كما هو الشأن بالنسبة للقرار عدد 483 الصادر عن الغرفة المدنية لمحكمة النقض بتاريخ 18/02/2004 في الملف عدد 923/01/5/2003 (غير منشور) الذي جاء فيه: ” حيث تبين صحة ما نعته الوسيلة على القرار المطعون فيه، ذلك أن الطالب أدخل في الدعوى من طرف المطلوب ضدها النقض بمقتضى مقالها الافتتاحي فأصبح بذلك طرفا في الخصومة التي هدفت إلى الحكم على مؤسسة عمومية للدولة بأداء مبالغ مالية، مما يبقى معه متوفرا على الصفة والمصلحة لتقديم أي طعن لضمان الحماية اللازمة للمال العام ومن حقه كبقية أطراف الخصومة القضائية أن يبلغ بالأحكام ويطعن فيها بكل طرق الطعن الممكنة قانونا.”
– صفة نائب عن أشخاص القانون العام إذا ما انتدبوه للدفاع عنهم، عملا بمقتضيات ظهير 2 مارس 1953 ( الفصل الأول)، وكذا قرار محكمة النقض عدد 2818 الصادر بتاريخ 18/07/2001، في الملف رقم 2326/1/2/2000 الذي جاء فيه:
” حيث يتبين صحة ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه، ذلك أنه يتضح من وثائق الملف أن الطاعن أدخل في الدعوى من طرف المدعي المطلوب ضده النقض، وبالتالي أصبح طرفا في الخصومة باعتباره ممثلا قانونيا للدولة ومؤسساتها ومكاتبها أمام القضاء، فإنه لا يحتاج إلى تكليف من طرف المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء المحكوم عليها لممارسة الطعن بالاستئناف وأي طعن كفيل بضمان الحماية اللازمة للمال العام، وان المحكمة لما ذهبت خلاف ذلك تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا الموازي لعدمه، وخرقت الفصول المستدل بها وعرضت بذلك قرارها للنقض.” (غير منشور).
هذا فضلا عن كون الفصل 12-327 من القانون رقم 05/08 ينص على أنه: ” يجوز للأطراف أن يعينوا أي شخص من اختيارهم يمثلهم أو يؤازرهم.”
– كما يحق له التدخل بشكل إرادي إذا لم يتم استدعاؤه أو إدخاله في المسطرة، كما له أن يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة في هذه الحالة، مع الإشارة إلى أن هذا الطعن مسموح به فقط في مادة التحكيم الداخلي دون الدولي، سيأتي تفصيل هذه الحالة أثناء تناول شروط ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة في الباب الثاني من القسم الثاني من هذه الدراسة.
[15] قرار محكمة النقض رقم 1857 صادر بتاريخ 5 مارس 1987 في الملف الجنحي عدد 18155/86 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 40، السنة 1987، ص 294، أورده كذلك، عبد اللطيف خالفي، الاجتهاد القضائي في قانون المسطرة المدنية، طبعة 2004، الجزء 1، ص 93.
[16] قرار محكمة النقض عدد 1939 مؤرخ في 26/09/2001، ملف تجاري عدد 291/3/2/00(غير منشور).
[17] حول موضوع رقابة القضاء على التحكيم، راجع أطروحتنا لنيل الدكتوراه.
[18] حيث نص الفصل 327-26 من القانون رقم 05/08 على أنه: ” يكتسب الحكم التحكيمي بمجرد صدروه حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه.
غير أن الحكم التحكيمي لا يكتسب حجية الشيء المقضي به، عندما يتعلق الأمر بنزاع يكون أحد الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام طرفا فيه، إلا بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ. وفي هذه الحالة، يطلب تخويل صيغة التنفيذ من قبل الطرف الأكثر استعجالا أمام القاضي المختص تطبيقا للفصل 310 أعلاه حسب المسطرة المنصوص عليها في الفصل 31-327 بعده وبالآثار المشار إليها في الفصل 32-327 وما يليه.
تطبق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل للأحكام على الأحكام التحكيمية التي لا يطالب في شأنها بصيغة التنفيذ. ”
[19] ” لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.
غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي.
بالرغم من أحكام الفقرة الثانية من الفصل 317 أدناه ، يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية محل اتفاق تحكيم في دائرة التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية.
يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في نطاق هذا الفصل إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو إلى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني. ”
[20] جاء في قرار صادر عن محكمة النقض أنه: ” حيث تعيب الطاعنة على الحكم المستأنف مجانبته للصواب إذ استند في القول بالاختصاص إلى كون الملف خال مما يثبت أن المستأنفة من أشخاص القانون العام وهذه الحيثية لا ترقى إلى درجة التعليل التام فالطاعنة وإن كانت تتخذ في شكلها العام صورة شركة مساهمة إلا أنها تتمتع بمقتضى المرسوم 820-92-2 الصادر بتاريخ 7-12-1994 بحق امتياز يتعلق ببناء الطريق السيار وصيانته.
وحيث إن الأمر وإن كان يتعلق فعلا بشركة مساهمة “مجهولة الاسم” إلا أنها تتوفر على حق امتياز إدارة مرفق عمومي وتقوم بمهام مفوض لها بها صراحة من طرف الدولة التي محلها في تسيير هذا المرفق “الطريق”.
وحيث إن الأضرار التي يطلب عنها المدعون التعويض يؤسسونها على نشاط الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب بسبب إحداث الطريق السيار بين الرباط وطنجة وعليه فإن المحكمة الإدارية هي المختصة بالبت في الطلب المذكور طبقا لمقتضيات المادة الثامنة من القانون 90/41 المحدثة للمحاكم الإدارية فالشركة المذكورة قائمة مقام الدولة في النزاع المعروض.
وحيث إن ثبوت الدفع بعدم الاختصاص النوعي يترتب عليه الإحالة بقوة القانون على المحكمة المختصة نوعيا عملا بالفصل 16 من قانون المسطرة المدنية الذي يشكل قاعدة عامة.” قرار عدد 88 المؤرخ في 22/01/2004 في الملف الإداري عدد 3896/4/1/2003، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 61، ص 184. وهو التوجه نفسه الذي كرسته أيضا المحكمة الإدارية بأكادير في حكم لها جاء فيه: ” حيث دفعت الشركة الوطنية للتجهيز والبناء بواسطة نائبها بعدم اختصاص المحكمة الإدارية نوعيا للبت في الدعوى لأن الشركة المذكورة شركة مساهمة وليست من أشخاص القانون العام ولا تكتسي تصرفاتها الصبغة الإدارية.
لكن حيث أن الأمر ولئن كان يتعلق فعلا بشركة مساهمة مجهولة الاسم إلا أنها تتوفر على حق امتياز إدارة مرفق عمومي وتقوم بمهام مفوض لها صراحة من طرف الدولة التي حلت محلها في تسيير مرفق محاربة السكن العشوائي (قرار المجلس الأعلى عدد 88 بتاريخ 22/1/04 في الملف الإداري عدد 3896/4/1/03).
وحيث أن الأضرار التي يطلب عنها المدعي التعويض يؤسسها على نشاط الشركة الوطنية للتجهيز والبناء بسبب إحداث تجزيئة وطرق على العقار المملوك لهم، ومادامت الشركة المذكورة قائمة بمهام الدولة في النزاع فإن المحكمة الإدارية هي المختصة للبت في الطلب طبقا للمادة 8 من القانون رقم 90/41، ويتعين من أجل ذلك التصريح باستبعاد الدفع والتصريح بانعقاد الاختصاص لهذه المحكمة للبت في الدعوى.” حكم عدد 420 صادر بتاريخ 06/10/2005، في الملف عدد 472-2004،(غير منشور).
[21] مع العلم أن عبارة يقصد برئيس المحكمة، رئيس المحكمة التجارية، لها من الحمولة ما يعني أنه هو وحده المختص دون سواه، سيما أن مشروع مدونة التحكيم كانت فيه عبارة يقصد برئيس المحكمة، كلا من رئيس المحكمة التجارية أو رئيس المحكمة الابتدائية حسب طبيعة النزاع، ومن ثم فعدول المشرع عن هذه الصيغة الأخيرة قد يفيد أن المختص هو رئيس المحكمة التجارية وحده.
[22] أمر رقم 569 صادر بتاريخ 05/03/2008، في الملف رقم 261/1/2008 (غير منشور).
[23] علما بأن اختصاص المحاكم الإدارية من النظام العام وفقا للقانون المحدث للمحاكم الإدارية.
[24] ينص الفصل 327 – 51 من القانون رقم 05/08 على أنه: ” يكون الحكم التحكيمي الصادر بالمملكة في مادة التحكيم الدولي قابلا للطعن بالبطلان في الحالات المنصوص عليها في الفصل 49-327 أعلاه.
الأمر الصادر بتخويل الصيغة التنفيذية لهذا الحكم التحكيمي غير قابل لأي طعن. على أن الطعن بالبطلان يتضمن، بقوة القانون، في حدود النزاع المعروض على المحكمة، طعنا في الأمر الصادر عن رئيس المحكمة أو رفعا ليد هذا الرئيس.”.
كما نص الفصل 327 – 52 من نفس القانون على أنه: ” ترفع دعوى البطلان المشار إليها في الفصل 51-327 أعلاه أمام محكمة الاستئناف التي صدر الحكم التحكيمي في دائرتها ويمكن تقديم هذا الطعن بمجرد صدور الحكم التحكيمي، ولا يتم قبوله، إن لم يقدم داخل أجل خمسة عشر يوما على تبليغ الحكم القابل للتنفيذ”.
[25] أمر رقم 670 في الملف عدد 414/3/2012 (غير منشور).
كيف يتم التحكيم في المنازعات الادارية؟