ضمانات حماية الشهود

مقدمة :

عالمنا الحاضر هو عالم العلم والمعرفة والسباق فيه سباق للحصول على السبق العلمي في أي مجال من مجالات العلوم العسكرية والمدنية وبقدر ما توسعت نطاقات هذا السباق بقدر ما وجدت تلك المخترعات طريقها لا اختزال المسافات في هذا العالم الواسع الذي أصبح بفضل استخدام وتطبيق تلك النظريات وما يسمى بعالم المعلوماتية والتي حولته إلى قرية صغيرة .

فباستعمالك عدة حروف( عناوين) (أسماء) مع الأداة @ و .com –net googl- yahoo-hotmail – وغيرها تستطيع وبلمح البصر أن تعبر العالم وتدخل إلى مخابئ أسراره وأعظم مكاتبه واعتى مواقعه العسكرية و تحصيناته وكل حسب خبرته .

ومع هذا التطور الكبير الذي شهده هذا القرن تطور الفساد وتطورت الجريمة و الجريمة المنظمة وتعددت إشكالها وظهرت الجريمة الالكترونية التي تشكل خطرا حقيقا (تحتاج إلى بحث مستقل) يهدد اقتصاديات الدول والشركات والأفراد حيث يستطيع ما يعرف بالها كرز الدخول إلى داخل الغرف الموصدة المسلحة وسرقة البنوك أو تعطيل محطات الطاقة والى غرف التحكم بإطلاق الصواريخ النووية والى مخادع أهدافهم ورؤية وتصوير وسلب ما فيها وتغيير معالمها ومحتوياتها حتى بات من الصعوبة بمكان تتبع هؤلاء وملاحقتهم واثبات ارتكابهم لتلك الجرائم وقد شهدت العقود القليلة الماضية جرائم مروعة من اهمها جرائم الحرب الصهيونية والابادة الجماعية وقتل المدنيين مرورا ب 11 ايلول تدمير مبنى التجارة العالمي الى لوكربي وقتل الحريري وغيرها دون الاعتماد على الشهود الذين لا ضمانة قانونية أو أمنية لهم إلا في إطار القانون العام .

ورغم تلك الثورة التشريعية الكبيرة إلا أن غالبية التشريعات قد أغفلت في نصوصها حماية الشهود الذين يشكلون أهم وسائل الإثبات في العالم وأخطرها على العدالة كونها تعتمد على ضمير الشاهد وحيدته .

اولا- الشهود في التشريع الجزائي السوري

لقد توسع المشرع في سبك النصوص الخاصة بكيفية دعوة الشهود الذين ترد اسمائم في الشكاوى والاخبارات ومن لديهم معلومات عن الجريمة وكيفية وقوعها م 74 -78 – أصول .

كما حدد المشرع كيفية تبليغ مذكرات الدعوة للشهود وكيفية سماعهم وبطريقة أدائهم الشهادة وكيفية تدوين إفاداتهم ومصادقتهم عليها بتوقيعها أو البصمة عليها بعد تلاوتها عليهم .

والاهم من ذلك أن المشرع السوري قد نظم آلية إلزام الشاهد بالحضور لأداء شهادته وقال في

المادة 82 اصول جزائية سوري :1- كل من يدعى على اداء شهادة مجبر على الحضور امام قاضي التحقيق واداء شهادته والا استهدف لغرامة لاتزيد عن ثلاثمائة ليرة سورية يفرضها قاضي التحقيق بعد استطلاع راي النائب العام بموجب قرار نافذ في الحال.

2- ولقاضي التحقيق ان يقفرر احضار الشاهد.

وان كان المشرع قد قرر قبول معذرة الشاهد بعذر شرعي قانوني مقبول حسب المادة 851 أصول ج إلا انه رتب عليه الجزاءات في حال تبين عدم صحة ذلك وقرر عليه العقوبات الصارمة وعلى من أوجد له العذر بجرم تقديم مصدقات كاذبة المادة 455 عقوبات .

الخلل التشريعي : حيث مضى أكثر من ستين عاما على صدور قانون أصول المحاكمات الجزائية والذي استنبطت احكامة من مجلة الأحكام العثمانية والقانون الفرنسي والايطالي مرورا بالقانون اللبناني والمصري ومع التطورات الكبيرة كما ذكرنا في المقدمة ومن خلال ما سبق بيانه صار من الواجب القضاء على الجريمة والجريمة المنظمة وتهيئة واصدار التشريع المناسب وحيث ان المشرع السوري قد اخذ عن المشرع الفرنسي الا انه تجاهل النصوص المتعلقة بحماية الشهود فالقانون الفرنسي يعطي أهمية كبرى للشاهد ويوفر له الحماية اللازمة قبل وبعد الجلسة لذلك نؤكد على وجود خلل تشريعي في القانون الجنائي السوري لجهة حماية الشهود يجب اصلاحه وفق مايلي :

اولاً- إذا كان المشرع قد قرر الجزاء لمن يمتنع عن اداء شهادته وقرر توقيفه وإحضاره موجودا م-82 اصول ج. : المادة 82 اصول جزائية سوري :1- كل من يدعى على اداء شهادة مجبر على الحضور امام قاضي التحقيق واداء شهادته والا استهدف لغرامة لاتزيد عن ثلاثمائة ليرة سورية يفرضها قاضي التحقيق بعد استطلاع راي النائب العام بموجب قرار نافذ في الحال.

2- ولقاضي التحقيق ان يقفرر احضار الشاهد.

اذ كان من الواجب عليه ان يحدد له اجرا يتناسب مع أهمية الشهادة واجر الشاهد اليومي وتكاليف الانتقال التي أداها لا أن يترك ذلك تبعا لطلب الشاهد ولو انه لم يجبره على أداء الشهادة وترك تقدير الأمر له لكان صح النص القانوني الحالي فالغنم بالغرم والجزاء من نوع العمل او جنسه وان تدفع من خزانة المالية في المحكمة على ان يتم العود فيها على الطرف الخاسر .

ثانياً : جاء النص القانوني بالمادة 82-اصول ج – قاصرا عن منع التعسف بتطبيق هذه المادة واستغلالها لمصلحة من له المصلحة بمنع الشاهد أو التأثير عليه لإخفاء الحقيقة أو بعض من معالمها فيوقف الشاهد يوم العطلة الرسمية ويودع مع بقية الموقوفين في جرائم أخرى دون تمييز وغالبا في نهاية يوم الخميس ويبقى حبيسا إلى يوم الأحد وما لهذا التوقيف من اثر على طبيعة الشهادة وحجم الجريمة وتبعاتها فكيف له أن يكون أمينا على شهادته وقد أوقف قرابة 72 ساعة إذا ما أخذنا اثر الألم النفسي الذي تعرض له خلال توقيفه وخاصة انه يتم إحضاره مخفراً دون أن يعلمه احد عن سبب إحضاره ليفاجئ على باب القاضي او المحقق انه تم إحضاره ليدلي بشهادته في قضية ذكر اسمه انه شاهد عليها.

وكان على المشرع أن يمنع توقيف الشاهد خلال يوم العطلة الرسمية للمحافظة على استقلالية الشاهد وحيدته وأمانته فأي أمانة وقد صار يحس بأن المدعي أو الشخص الذي يطلب شهادته قد تسبب بحجز حريته وإهانته وخسارته فيصبح بنظره عدو له بتوقيفه له تلك المدة ومع أولئك المجرمين ونال تلك المعاملة .

ثالثا – ضمانات حماية الشهود

– من خلال ما سبق بيانه نجد أن النص التشريعي السوري قد خلا من أي ضمانات لحياة الشهود وقد جاء قاصرا بالتعبير عن إرادة المشرع في المذكرة الايضاحيه للقانون التي ابتغى فيها المشرع أن يكون هذا التشريع كاملا.

– ومن خلال الثورة العلمية والحضارية على كافة الصعد والتي رافقها تطور الجريمة والجريمة المنظمة حيث باتت سرطانا يصعب الخلاص منه ما لم تتوفر البيئة التشريعية التي تشكل الأساس في مكافحة الجريمة .

– وإذا كان المجرم في كل جريمة يرتكبها مهما بلغ من الدهاء لابد وان يترك أثرا أو يكون عليه شاهد ما .

– وهذا الشاهد في الجرائم الكبرى حيث لا يجد حماية له سنجد أن الخوف على حياته أو حياة أبناءه أو أهله أو عائلته أو ممتلكاته سيكون هو المسيطر فيمتنع عن قول الحقيقة او قولها منقوصة فيبقى المجرمون طلقاء وهنا لابد للمشرع من أن يتدخل لحماية الشهود من خلال تعديل النص القانوني بما يتناسب مع التطورات الجارية وبحيث يحافظ على كرامة الشاهد ويشجعه لقول الحقيقة كاملة دون زيادة أو نقصان كما نص القانون .

– وكذلك النصوص التشريعية العربية جئت خجوله جدا في التعبير عن حماية الشهود وان ذكر الشهود ففي معرض النص وليس كضمانات خاصة .

كالتشريع الجزائريحين ذكر ذلك في المادة 45 من قانون / 2006/ 01/06 المتعلق بمكافحة الرشوة والفساد المؤرخ والتي نصت في مضمونها على حماية الشاهد والخبير و الإنسان الذي يدلي بمعلومات حول جريمة ما رفقة القاضي و كاتب الضبط والمحامين .

المقترحات :

1- مذكرة الإحضار : يجب ان ينال تعديل التشريع من مذكرة الإحضار وتعديلها بحيث تتضمن موجزا عن القضية المدعي والمدعى عليه وموجز عن الموضوع بحيث لا يترك لبسا عند الشاهد الذي يطلب منه أداء شهادته فيه .

2- مكان التوقيف : يجب أن يودع في مكان مخصص للشهود وان لا يودع مع المجرمين فيما لو لم تتمكن الجهات المختصة من إحضاره في موعد الجلسة المحدد .

3- جهاز التوقيف : إحداث جهاز متخصص ومدرب يقوم بطمأنة الشاهد وإقناعه بضرورة قول الحقيقة كاملة وذلك من اجل المساهمة الفاعلة في القضاء على الجريمة والمجرمين .

4- جهاز الحماية : في الجرائم الكبرى التي تمس امن المواطن والوطن و التي يكون لها تأثير شعبي أو صدىً اجتماعي أو ما تسمى بالجرائم الخطيرة وهنا يجب أن يتولى جهاز حكومي خاص بحماية الشهود أو الخبراء والفنيين وخبراء الأدلة الجنائية المخبرية والفنية والعسكرية وغيرها الذين يكون لشهادتهم وخبرتهم دور كبير في الكشف عن الجرائم واتخاذ كافة الإجراءات والضمانات لهم والمحافظة على حياتهم وإزالة كافة العوائق التي تقف حائلا أمام أي من هؤلاء ليقول الحقيقة كاملة في شهادته أو تقديم خبرته أو معلوماته لأن غالبة الناس تبتعد عن إقحام نفسها بما يعرضها أو يعرض أسرتها أو ممتلكاتها للخطر جراء أداء شهادة أو خبرة ما لم تضمن الدولة الحماية الكاملة لها .

5- تعديل القانون الجنائي بحيث يصبح الاعتداء على الشاهد أو على احد أصوله أو فروعه أو ممتلكاته احد العناصر التي تفرض الظرف المشدد في العقاب حتى لو اسقط الشاهد حقه الشخصي .

6- الصفة العامة للشاهد تتبع الحق العام : باعتبار أن الحق العام هو حق المجتمع ولما كانت شهادة الشاهد أو خبرة الخبير تنضوي تحت حماية حق المجتمع في الأمن والاستقرار ومكافحة الجريمة فإن أي اعتداء على الشاهد في معرض أداءه لشهادته يجب أن يعامل معاملة الرجل العام وليس بصفته كمواطن عادي .

7- أجرة الشاهد : فرض أجرة تشجيعية للشاهد أن تكون محدده بالإضافة إلى أجور الانتقال والمصاريف الأخرى على ان تصرف من اموال الخزينة وان يتم العود فيها على الطرف الخاسر بالدعوى او القضية .

8- إحضار الشاهد : ألا يتم إلا في يوم جلسة الحكم وألا يجوز توقيفه في يوم يليه يوم عطلة رسمية إلا في الأحوال التي يقرها المشرع حماية له .

المراجع : المذكرة الايضاحية للقانون رقم 112 لعام 1950

قانون اصول المحاكمات السوري

17طرطوس في 17- 5 – 2010 – من موقع الولايات العربية المتحدة القانوني

المحامي حيدر سلامة

المحامي حيدر سلامة يكتب عن ضمانات حماية الشهود