ان هذين الخيارين متشابهان من حيث اساس مشروعيتهما ومن حيث تحقيقهما للغاية التي ينشدها من له حق الخيار فكلاهما ثبتا بنص السنة النبوية الشريفة اذ روى عن رسول الله (ص) ( من أشترى شيء لم يره كان له الخيار اذا رآه ) (1). وورد عنه ( روي ان حيان ابن منقذ كان يغبن في البيوعات فقال له (ص) ( اذا بايعت فقل لا خلابة لي الخيار ثلاثة ايام ) (2). والغرض من تشريع هذين الخيارين للمتعاقد هو الحفاظ على مصالحه ودرأ الضرر عنه في الصفقة التي ثبت له الخيار بأبرامها كما ان استعمال الخيارين يخضع لارادة صاحب الحق فيهما دون حاجة لارضاء المتعاقد الاخر ودون توقف على قضاء (3). وخيار الرؤية كخيار الشرط في جواز توكيل شخص اخر بشراء المعقود عليه او قبضه وله استعمال الخيار عملاً بالوكالة (4).اذا حدث في المعقود عليه زيادة متصلة او منفصلة او نقص بعيب وهو بيد صاحب الخيار سواء كان ذلك بفعله ام بفعل اجنبي فذلك يمنع من رد المعقود عليه بخيار رؤيا ام خيار شرط وان اودع المشتري المعقود عليه لدى البائع وهلك بأمر لا يد له فيه فهو يهلك من مال المشتري لان يد البائع يد امانة والهلاك يمنع من الرد في كلا الخيارين (5). كما لا يجوز الرد في كلا الخيارين كجزء من المعقود عليه لان في ذلك تفريق للصفقة (6).
وخيـار الرؤية كخيـار الشـرط فهما يسـقطان بوفـاة من له حـق الخيـار ولا ينتقلان للورثـة ذلك انهما يتعلقان بأرادة المتعاقد وليس بالمعقود عليه(7). وعلى الرغم من التشابه بين هذين الخيارين في ما سبق بيانه فأنهما مختلفان في اوجه عديدة لعل من اهمها ان خيار الرؤية كما سبق وان عرف بأنه ملك فسخ العقد او امضائه الثابت شرعاً وقانوناً للمتعاقد الذي لم ير المعقود عليه لا وقت العقد ولا قبله الذي يثبت له عند رؤيته بينما خيار الشرط يعرف بأنه ( من اضافة الشرط الى سببه أي خيار سببه الشرط وهو احد الخيارات المرتبطة بالعقد يمنع ابتداء الحكم بعد انعقاد علته ) (8).فخيار الرؤية خيار شرعي او كما يطلق عليه فقهاء المسلمين ( حق الله ) فهو يثبت في العقد دون حاجة لاشتراطه بينما خيار الشرط هو خيار ارادي او كما يسميه الفقهاء ( حق العبد ) فهو لا ينشأ الا اذا اشترطه المتعاقد في العقد (9). وخيار الرؤية هو من خيارات الجهالة وعدم الرؤية هي سببه والرؤية هي شرط لثبوته لمن لم ير المعقود عليه لا وقت العقد ولا قبله بينما خيار الشرط هو من خيارات التروي الذي يمنح المتعاقد مدة معينة للتأمل في مدى ملائمة الشيء للغرض الذي يقصده كما ان خيار الرؤية ليست له مدة محددة مقارنة بخيار الشرط الذي تحدد مدته بمقتضى الشرط الوارد في العقد (10).
وخيار الرؤية لا يتم بثبوته العقد أي لصاحب الحق باستعماله فسخ العقد او امضائه سواء كان ذلك قبل القبض ام بعده بينما خيار الشرط لا يترتب فيه حكم العقد عليه بمجرد انعقاده لان ذلك الحكم مرتهن بتحقق الشرط فالعقد يكون ملزماً وليس للمتعاقد نقضه بتحقق الشرط كما ان خيار الرؤية لا يسقط قصداً بصريح الاسقاط لانه من حق الله بينما الشرط يمكن اسقاطه قصداً بصريح الاسقاط لانه من حق العبد فلما كانت ارادته اساس انشاء هذا الخيار فلها كذلك اسقاطه (11). ولا يسقط خيار الرؤية اذا اشترى المتعاقد داراً وكانت بجوارها داراً اخرى اخذها بحق الشفعة اذا تصرف في الدار الثانية بينما يسقط خيار الشرط في هذه الحـالة كما ان عرض المعقود عليه للبيع بشرط الخيار لا يسقط به خيار الرؤية بينما يعتبر مسقطاً لخيار الشرط شرعاً (12). وكما سبق بيانه فأن القانون العراقي تناول احكام خيار الرؤية وقننها كما تناول احكام خيار الشرط (13). وهو بذلك استمد احكام الخيارين من مبادئ الشريعة الاسلامية واثبت خيار الرؤية للمتملك من المتعاقدين بينما اثبت خيار الشرط لمن اشترط الخيار لمصلحته في العقد من المتعاقدين والخيارات متشابهان في اسباب السقوط قانوناً اما المشرع اليمني فقد سبق بيان موقفه من النص على احكام خيار الرؤية كما تناول احكام خيار الشرط بالتقنين العراقي واليمني هو ان القانون المدني العراقي اعتبر ان خيار الشرط يسقط بوفاة من له حق الخيار بينما القانون المدني اليمني نص على ان خيار الشرط ينتقل للوارث بعد وفاة مورثه وبذلك ننتهي الى القول بأن خيار الرؤية يختلف عن خيار الشرط على الرغم من وجود اوجه الشبه بينهما .
_______________________
1- ابو بكر احمد بن الحسين بن علي البيهقي ، السنن الكبرى ، بدون سنة طبع – ص4 .
2- ابو عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم ابن المغيرة البخاري – صحيح البخاري – ج3 – مطابع الشعب – سنة 1386هـ – ص86 ; مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري حافظ ، صحيح مسلم بشرح النووي ، دار الشعب ، القاهرة ، بدون سنة طبع – ص36 ; ابو عبدالرحمن احمد بن علي بن شعيب بن علي النسائي ، سنن النسائي ، دار الحديث ، القاهرة ، 1407 هـ – ص252 .
3- ابي مظفر محي الدين محمد اورنك ، الفتاوى الهندية المعروفة بالفتاوى العالمكيرية ، المكتبة
الاسلامية ، محمد ازدمير ديار بكر ، تركيا ، بدون سنة طبع – ص60 ; محمد حسين ال كاشف الغطاء ، تحرير المجلة ، المكتبة المرتضوية ومطبعتها الحيدرية ، النجف الاشرف ، 1360ه– ص42 ; محمد بن محمد بن عبدالرحمن الطرابلسي المغربي المعروف بالحطاب ، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ، طرابلس ، ليبيا ، بدون سنة طبع – ص291 ; محمد زكي عبد البر – احكام المعاملات المالية في المذهب الحنفي – دار الثقافة للنشر – قطر الدوحة – بدون سنة طبع – ص236 ; عبدالله عبدالله العلفي ، احكام في الشريعة والقانون المدني ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1982م – ص232، 318 .
4- الامام كاشف الغطاء – مصدر سابق – ص42 ; ابو مظفر محي الدين – مصدر سابق – ص62 ; عبدالله العلفي – مصدر سابق – ص191 .
5- السرخسي المبسوط ، ط1 ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، بدون سنة طبع – ص166 ; علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ط1 ، مطبعة الجمالية ، مصر ، 1328هـ ، 1910م – ص293 .
6- السرخسي – مصدر سابق – ص167 ; ابو مظفر محي الدين – مصدر سابق – ص60-61 ; الامام كمال الدين محمد عبدالواحد السيواسي ، فتح القدير ، ط1 ، المطبعة الاميرية ، مصر ، 1316ه– ص150 .
7- السرخسي – مصدر سابق – ص72 ; الامام كمال الدين – مصدر سابق – ص146-149 ; محمد بن اسرائيل الشهير بأبن سماونه ، جامع الفصولين ، المطبعة العالمكيرية ، مصر ، 1300هـ – ص246 وما يليها ; محمد زكي عبدالبر ، احكام المعاملات المالية في المذهب الحنفي ، دار الثقافة للنشر ، قطر ، الدوحة ، بدون سنة طبع – ص329 ; عبدالرزاق احمد السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة بالفقه العربي ، ط3 ، جامعة الدول العربية معهد البحوث والدراسات العربية ، 1967م – ص284 .
8- د. كامل موسى ، احكام المعاملات ، ط2 ، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ، 1415هـ ، 1994م – ص138 .
9- السرخسي – مصدر سابق – ص71 ; عبدالله عبدالله العلفي ، احكام في الشريعة والقانون المدني ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1982ص91 ; محمد زكي – مصدر سابق – ص325 .
10- الامام كاشف الغطاء – مصدر سابق – ص41 ; الامام كمال الدين – مصدر سابق – ص141 ; عبدالستار ابو غده ، الخيار واثره في العقود ، ط2 ، مطبعة مقهوي ، 1985م – ص45 ; السنهوري – مصادر الحق – ج3 – مصدر سابق – ص284 .
11- السلطان ابي مظفر محي الدين محمد اورنك ، الفتاوى الهندية المعروفة بالفتاوى العالمكيرية ، المكتبة
الاسلامية ، محمد ازدمير ديار بكر ، تركيا ، بدون سنة طبع – ص59 ; الكاساني – مصدر سابق – ص297 ; محمد زكي عبد البر – مصدر سابق – ص329 ، 385 .
12- الامام كمال الدين – مصدر سابق – ص141 .
13- راجع المواد ( 509 – 513 ) من القانون المدني العراقي وانظر قرار محكمة تمييز العراق الذي ذهب الى ان ( للمدعية الحق بفسخ عقد الهبة للدار موضوع الدعوى اذا كانت قد اشترطت في العقد قيام المدعى عليهما بالانفاق عليها ولم يقوما بذلك رقم القرار ( 626 -عقار- 86-987 تاريخ 7-4-87 المنشور في مجموعة الاحكام العدلية العددين الاول والثاني لسنة 1987 ) ص35-36 ; كما ذهبت محكمة التمييز في قرار اخر الى انه ( اذا كانت موافقة المؤجرين على السماح للمستأجرين باتخاذ المأجور فندق مشروطة بموافقة الجهات الامنية والسياحية التي التزم المستأجران بالحصول عليها فأن اخفاق المستأجرين بالحصول على الموافقة لا يعطيهما الحق بالتحلل من العقد ومطالبة المؤجرين برد الاجرة طالما انه لم يرد في العقد ما يعطيهما الحق في طلب فسخ العقد في حالة عدم الحصول على الموافقة وان بأمكانهما الانتفاع من المأجور كعمارة مؤثثة طبقاً للعقد المبرم بين الطرفين رقم القرار ( 672 – مدنية اولى – 988 تاريخ القرار 7-12-1988 المنشور في مجموعة الاحكام العدلية – العدد الرابع لسنة 1988 ) ص38.
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
أوجه التفرقة بين خيار الرؤية وخيار الشرط فقهاً وقانوناً