لكي يكتسب التوقيع الثقة القانونية ويكون قادرا على النهوض بأعباء الوظيفة المناطة به في الاثبات لابد ان يستوفي عدد من الشروط تستمد من الدور الجوهري الذي يمارسه التوقيع في تحقيق الوجود القانون للمحرر ومن ثم بعث القيمة القانونية فيه وسنأتي على تفصيل ذلك وفقا لكل شرط من الشروط الآتية :
اولا :- شرط التميز والتطابق
لعل اهم معلومة يجسدها التوقيع هي التعريف بهوية الشخص الموقع لذا لابد ان يكون دالا دلالة مطلقة لا تقبل الشك على شخصية صاحبه لا بل ومميزا لهوية الموقع سواء كان امضاءا او بصمة شخصية او ختم. السؤال الذي يتحتم علينا الاجابة عنه يتمثل بمعيار تطبيق هذا الشرط بحيث يعول عليه للفصل في مسألة توفر هذا الشرط في التوقيع من عدم توفره ؟ وهل هو معيار شخصي داخلي يتمثل باعتياد صاحب التوقيع على استخدام رمز معين والظهور به كتوقيع بحيث درج الشخص على استخدامه للتعبير عن موافقته على محرر معين ورضائه بمضمونه ، او هو معيار موضوعي خارج عن شخص الموقع ويتعلق بالغير الذي اعتاد على معرفة رمز ما كتوقيع لشخص الملتزم بمضمون المحرر ، او هو معيار ثالث ذاتي يتعلق بالتوقيع نفسه بحيث تنبع عنه قوة ذاتية في التعبير عن هوية صاحبه وتمييزه من غيره ويقدم الضمانات الكافية للغير بأن لا يقصر في الإفصاح عن شخص الموقع ؟
الحقيقة لم نجد بين ثنايا قواعد قوانين الإثبات العربية ما يسعفنا بهذا الصدد وان هذا الامر افصح لنا عن موقف سلبي اخر لمشرع الاثبات الذي من المحتمل ان يكون مقصودا ، وايا كانت دوافع المشرع فالنتيجة واحدة وهي اناطة مهمة معرفة المعيار الى القضاء والفقه وان ادى ذلك الى الاختلاف وهذا ما حصل فعلا ، اذ تأرجح موقف القضاء والفقه بهذا الشأن مابين الأخذ بالمعيار الشخصي الذي ينصب على مدى اعتياد الموقع للرمز كتوقيع ملازم له في كل أمر يتطلب منه التعبير التحريري عن الرضا أو العلم ، مع ما يترتب على ذلك من نتائج كان أهمها المغالاة في تطبيق الشرط من تطلب التوقيع بخط يد الشخص الذي يصدر عنه التوقيع إلى ضرورة أن يشتمل التوقيع على الاسم الكامل واللقب لصاحب التوقيع دون الاكتفاء بعلامة مميزة أو إمضاء مختصر(1). وموقف اقل تشددا” يتمثل بعدم الحاجة الى كتابة اسم الشخص واللقب كاملين والاكتفاء بوضع شكل مميز يسمح بتحديد هويته وتمييزه من غيره من خلال اعتماد المعيار الاخير الذي يجعل من التوقيع نفسه محورا له فمتى ما كان التوقيع فصيحا معبرا عن شخصية صاحبه ومميزا له اخذ به (2)، ومتى كان قاصرا عن التعريف بهوية صاحبه كما لو اتخذ شكل خطوط متعرجة او استخدام ختم مطموس او علامة غير مقروءة ،أهمل وعد كأن لم يكن وهذا هو موقف القضاء الفرنسي في العديد من أحكامه(3).اذن ان القول في كون التوقيع مميزا” ومحددا” لشخص صاحبه وبغض النظرعن شكله او وسيلة إصداره متوقف على قدراته التعبيرية .
ثانيا” :- شرط القراءة والاستمرارية
لطالما لا يمكن ان يرد التوقيع شفاها لذا ينبغي ان يأتي مكتوبا، مما يعني اشتراط ذات ما يشترط في الكتابة من قابلية الوضوح والثبات والديمومة بحيث يسمح بالرجوع للمحرر والركون إليه كلما لزم الأمر، بمعنى أدق يجب ان يكون للتوقيع اثر يبقى ولا يزول(4). ومفاد هذا الشرط هو تحاشي استخدام كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إعطاء مظهرمؤقت وعارض للتوقيع او إظهاره يتطلب إتباع إجراءات معينة كما في حالة استخدام الحبر الابيض (الحبر السري ) أو القلم الرصاص.مع ذلك نجد ان للقضاء الفرنسي من الأحكام ما يخرج فيها عن مقتضيات هذا الشرط من خلال الاعتراف بتواقيع غير مقروءة أو مكتوبة بقلم الرصاص(5)، بررالفقه الفرنسي هذا التوجه على اعتبارات تتعلق بنوع التصرف المثبت في المحرر فالقضاء الفرنسي لم يعتد بالتوقيع المثبت بقلم الرصاص إلا بالنسبة للوصايا تقديسا لحق الفرد في التصرف بأمواله ، كما ان الوصية تصرف قانوني إرادي انفرادي يبقى فيها الموصي يتمتع بحق الرجوع عنه في أي وقت الأمر الذي يساعد على تبديد المخاوف التي من الممكن أن تنهض بشأن إمكانية تعديل بنودها المدون بقلم الرصاص(6).
ثالثا” :- شرط المباشرة
يحمل تفسير المباشرة على معنيين الاول ان يصدر التوقيع من صاحبه مباشرة ، والثاني ان يرد التوقيع على المحرر مباشرة ، مما يبرر النظرة الفقهية الى هذا الشرط على انه شرطان ،الشرط الاول يفرض شخصية التوقيع وبأن يصدر التوقيع عن الملتزم بمضمون المحرر شخصيا بينما يفرض الشرط الثاني اتصال التوقيع بالمحرر ماديا بأن يرد على المحرر ذاته(7). … ان التوقيع يتضمن معنى إقرار الموقع بما ورد في مضمون المحرر ، لذا يجب ان يكون التوقيع صادرا ممن يراد ان يحتج به عليه .فالتوقيع تصرف شخصي على ان يجوز توكيل الغير بالتوقيع شريطة ان يوقع الوكيل بصفته وكيلا عن الأصيل(8)، وبخلافه يبطل التوقيع ويفرغ من فحواه حتى ان تم برضا الأصيل كما في حالة تقليده .
علما ان تطبيق هذا الشرط أمر مسلم به في حالة التوقيع بالإمضاء وبصمة الإبهام(9) ، كما يفترض هذا الشرط ورود التوقيع في ذات المحرر بحيث يصبح وحدة كيميائية واحدة لا يمكن الفصل بينهما الا بالإتلاف او باستخدام طرق كيميائية من السهل كشفها بالعين المجردة او بالخبرة الفنية .
وبرغم جريان العرف على تذيل البينة الخطية بالتوقيع عليها في نهاية المحرر لكي ينسحب الاقرار والموافقة على جميع بيانات المحرر إلا انه ليس بشرط صحة، إذ من الممكن وضع التوقيع أعلى المحرر(10) وكل هذا يخضع لتقدير قاضي الموضوع . نلخص مما تقدم ان التوقيع بصورته التقليدية يستوفي جميع ما ذكر من شروط ، لكن ما الحال بالنسبة للتوقيع الالكتروني .
_________________
[1] – د. توفيق حسن فرج : الاثبات في المواد المدنية – الطبعة الثانية – شركة ومطبعة مصطفى الحلبي واولاده – 1954-ص 68 ، يراجع د. حسن عبد الباسط حسن جميعي : اثبات التصرفات التي يتم ابرامها عن طريق الانترنت – دار النهضة العربية – 2000-ص 255. وهذا هو موقف الفقه العراقي اذ يجب ان يشتمل التوقيع على اسم الموقع ولقبه كامليين بكامل حروفهما ،د. عباس زبون العبودي : – شرح احكام قانون الاثبات المدني – دار الثقافة للنشر والتوزيع – الاردن – 1999ص 141 ، ورأي للجانب الاكبر من الفقه المصري امثال د. سليمان مرقس : اصول الاثبات واجراءاته في المواد المدنية – الجزء الاول – القاهرة – 1981 – ص233 ، احمد نشأت : رسالة الاثبات – الجزء الاول – دار الفكر العربي –القاهرة-1972- ص216 ، عبد الودود يحي : دروس في قانون الاثبات – القاهرة – 1970 ، ص843 ، جلال العدوي -مبادىء الاثبات -بدون ناشر وبدون سنة نشر- ص166 .
2- ويمثل هذا الرأي د. احمد ابو الوفا : التعليق على نصوص قانون الاثبات – الطبعة الثالثة – منشأة المعارف – الاسكندرية – 1987 – ص133.
3- رفضت محكمة النقض الفرنسية التوقيع بواسطة الصليب
Cass. Lre sect.Civ.15 juillet 1957 ، D.157،soimm.143
Cass.Civ.Lere ،2 juill،1956،bull.Civ،I،no 302 ،p.246
اشار الى القرارالاول عايض راشد المري : مدى حجية الوسائل التكنلوجية الحديثة في اثبات العقود التجارية – رسالة دكتوراة – جامعة القاهرة – بدون سنة -ص77. واشار الى القرار الثاني د. ثروت عبد الحميد : التوقيع الالكتروني – الطبعة الثانية – مكتبة الجلاء الجديدة – المنصورة – 2002 – ص25.
4 – د. محمد المرسي ابو زهرة : الدليل الكتابي وحجية مخرجات الكومبيوتر في الاثبات في المواد المدنية والتجارية – من بحوث مؤتمر القانون والكومبيوتر والانترنت – 1-3 مايو – جامعة الامارات العربية المتحدة – ص 89 ، د. حسن عبد الباسط جميعي- مصدر سابق- ص 527.
5- Cass.Civ.7 fevr.1906، 5041 ،citee par.Ecaprioli،Ie. Juge et la prevue :
Electronique ،colloque de Strasbourg” le commerce electronique ivers un nouveau، droit، 1999، note 126.
C.A d’aix ، 27 janvier، 1846، D.P.U.، 230
اشار اليه د. ثروت عبد الحميد- مصدر سابق- ص26 وكذلك د. سعيد السيد رشدي : حجية وسائل الاتصال الحديثة في الإثبات- النسر الذهبي للطباعة – مصر- بدون سنة نشر -ص42.
6- J.MESTRe، obs، ala RTD civ1997،138 & L.coupet، j.cl.civl،art 970 ،1994 ،no b، cite par
7- استاذنا د. عباس العبودي – شرح احكام قانون الاثبات المدني -مصدر سابق-ص 140 – 141
8 – حسين المؤمن : المحررات او الادلة الكتابية – مكتبة النهضة بيروت – بغداد -الجزء الثالث – 1975 ص300 .استاذنا د. عصمت عبد المجيد : شرح قانون الاثبات – الطبعة الثانية – المكتبة الوطنية – بغداد – 2002- ص74 .
9 – في الاحوال التي يباح فيها استعمال الختم كوسيلة للتوقيع يعتبر هذا الشرط متحققا اذا استعمل من قبل صاحبه نفسه كذلك الحكم في حالة قيام شخص اخر باستعمال ختم الملتزم مادام استخدام الختم تم بحضوره ورضاه . د.ثروت عبد الحميد- التوقيع الالكتروني -مصدر سابق- ص 28.
10- اعتمدت محكمة النقض الفرنسية التوقيع على الرغم من وضعه على الطابع الاميري الموضوع في اعلى الورقة :
Civ.Les 25 fev 1969JCP 1909 ، 1، 15904 .
نقلا عن د. محمد السعيد رشدي-مصدر سابق -ص40 .مع ذلك نجد جانب من الفقه العراقي يميل الى نبذ فكرة التوقيع على الطابع المالي لامكانية انفصاله عن المحرر ومن ثم فقد التوقيع .من ضمنهم استاذنا د. عصمت عبد المجيد-مصدر سابق -ص74 وكذلك د.فوزي محمد سامي- الاوراق التجارية في القانون العراقي- بغداد – 1971 -ص58 .مشار اليه في مؤلف الدكتور عصمت عبد المجيد .
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
شروط التوقيع الالكتروني اللازمة لاكتساب الثقة القانونية
لو سمحت… أريد أن أعرف ما هى البيانات أو قواعد البيانات التى يحتويها الوسيط الإلكترونى المذكور فى المادة 23/(ب) و (ه) من القانون رقم 15 لسنة 2004 و الخاص بالتوقيع الإلكترونى فى القانون المصرى… و أيضا اذا أمكن شرح بالتفصيل البندين (ب) و (ه) من المادة 23 من نفس القانون أو ذكر اسم أى مرجع هام و موثق فى هذا الشأن… أو ذكر اسم جهة موثقة فى مصر تعطى إفادة قانونية استرشادية… و شكرا