العقود الخاضعة للوقف في القانوني الاردني

مقدمة :

تأثر القانون المدني الأردني في العديد من أحكامه بالفقه الإسلامي ولا غرابة في ذلك متى ما علمنا بأن مجلة الأحكام العدلية العثمانية تعتبر المصدر التاريخي لهذا القانون ، وعلى خلاف القوانين المدنية العربية والتي أخذت من المدرسة اللاتينية وعلى وجه الخصوص القانون الفرنسيّ جٌل أحكامها إلا ما ندر عند تقسيمها لأنواع العقود ، جاء القانون المدني بفكرة العقد الموقوف والذي يقابله في القوانين العربية ذات الاتجاه اللاتيني ” العقد القابل للإبطال” وبالرغم من أوجه التشابه والاختلاف بين العقدين ، إلا أن حديثنا في هذه المقالة سينصب حول العقد الموقوف في القانون المدني الأردني .

أولاً : تعريف العقد الموقوف في القانون المدني الأردني:

خلا القانون المدني الأردني من تعريف العقد الموقوف وحسناً فعل المشرع وذلك لأن التعريف من أعمال الفقه القانوني والذي عرفه : بالعقد المشروع بأصله ووصفه الصادر ممن ليس له ولاية إصداره، فيتوقف ترتيب آثاره على الإجازة ممن يملك مباشرتها فإن أجازه سرت آثاره مستندة إلى وقت صدوره ،ونلاحظ على هذا التعريف بأنه وصف العقد الموقوف بالعقد المشروع بأصله ووصفه وهذا يتفق مع تعريف العقد الصحيح إلا أنه لا يرتب أثاره بل تظل رغم صحة هذا العقد موقوفة إلى أن ينقضي العقد فيبطل أو تلحقه الإجازة فينفذه ، أو بمعنى آخر هو عقد ليس له آثر في الواقع حتى تلحق به الإجازة ممن يملكها فأن أجازه نفذ وبدأت أثاره من وقت انعقاده وإن لم يجزه اعتبر كأن لم يكن.

وعلى هذا دلت المادة 171من القانون المدني الأردنيّ إذ جاء فيها “يكون التصرف موقوف النفاذ على الإجازة اذا صدر من فضولي في مال غيره او من مالك في مال له تعلق به حق الغير او من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دائرا بين النفع والضرر او من مكره او اذا نص القانون على ذلك” .

ثانياً : حكم العقد الموقوف في القانون المدني الأردني :

بموجب نص المادة 171-سالفة الذكر- يمكن القول بأن حكم العقد الموقوف هو عقد صحيح استكمل شرائط انعقاده وصحته ولكن تنقصه أحد الولايتين التاليتين وهما :

1-الولاية على محل العقد :

تتحقق الولاية على محل العقد للمالك وحده أو لنائب المالك مع اشتراط أن لا يتعلق بمحل العقد حقاً للغير ، ومثاله ولاية المالك على المحل لا تكون نافذة إذا كانت مرهونة أو مؤجرة وإلا كان تصرف المالك موقوفاً على إجازة الدائن المرتهن أو المستأجر حتى ينفذ.

2-الولاية على التصرف :

قد يصدر التصرف من ناقص الأهلية في ماله ويكون هذا التصرف دائراً بين النفع والضرر كالبيع ففي هذه الحالة يكون تصرف ناقص الأهلية موقوفاً على إجازة الوليّ أو الوصيّ أو على إجازته بعد اكتمال أهليته.
كما أن التصرف يكون موقوفاً إذا انعقد العقد تحت تأثير الإكراه إلا إذا أجازه المُكرَه أو ورثته صراحةً أو دلالةً بعد زوال الإكراه .

ومما سبق يمكن القول بأن التصرف يكون موقوف النفاذ على الإجازة في الحالات التالية :

الحالة الأولى : حالة صدور التصرف من فضوليّ في مال غيره.
الحالة الثانية : حالة صدور التصرف من مالك في مال تعلق به حق للغير.
الحالة الثالثة: حالة صدور التصرف من ناقص أهلية في ماله وكان التصرف دائراً بين النفع والضرر.
الحالة الرابعة : إذا صدر من مُكرَه.
الحالة الخامسة : إذا نص القانون على ذلك ، ومن أمثلتها في القانون المدني الأردني ، بيع المريض مرض الموت يكون موقوفاً على إجازة الورثة سواء كان البيع لأحد الورثة أو لأجنبيّ بثمن المثل أو بغبن يسير وعلى هذا نصت المادة 544 /1 و2.

وكذلك بيع ملك الغير فإنه موقوف على إجازة المالك وعلى هذا نصت المادة 551/1 ، كما أن عقد الهبة لا تنفذ إذا كان المال الموهوب غير مملوك للواهب ما لم يجزه المالك ويتم القبض برضاه وعلى هذا دلت المادة 559 من القانون المدني الأردني.
ومن الأمثلة أيضاً الوصية إذا تجاوزت الثلث فهي موقفة على إجازة باقي الورثة.

ثالثاً : كيفية التعبير عن الإجازة وشروط صحتها:

الإجازة تخضع لإرادة المجيز نفسه ويصح أن تصدر بالفعل أو بالقول أو بأي لفظ يدل عليها صراحةً أو ضمناً “م 173/1 ” ، كما يعتبر السكوت إجازة إن دل الرضا عليه عرفاً “م 173/2 ” ، ومن أمثلة الإجازة بالفعل تسليم المالك المبيع للمشتري وقبض الثمن منه ، ومثال الإجازة بالقول قول المالك في بيع الفضولي أجزت البيع أو قبلته أو أي لفظ يدل على الرضا ، وقد تكون الإجازة ضمنية كأن يتصرف المالك بثمن المبيع أو يهب الثمن للمشتري أو يتصدق به عليه.

وللإجازة شروط يجب توافرها حتى يحكم بصحتها وعلى ذلك نصت المادة 174 على أنه “يشترط لصحة الإجازة قبول التصرف للإجازة وقت صدوره ، ووقت الإجازة ووجود من له الإجازة ، وطرفي العقد والمتصرف فيه وبدله إن كان عيناً وقت الإجازة ” ويمكن لنا من هذا النص استخراج شروط صحة الإجازة على النحو التالي:

1-قبول التصرف للإجازة وقت صدوره يشترط فيه أن لا يكون باطلاً ، وعليه لو صدر من ناقص الأهلية تصرف لا يملكه وليه كان التصرف باطلاً فلا تحلقه الإجازة ، وكذلك يجب أن يقبل التصرف للإجازة وقت صدورها ، فلو ملك الفضولي الشيء الذي تصرف فيه بعد صدور الإجازة فأن التصرف يكون نافذاَ دون حاجة لها.
2-وجود أطراف التصرف الثلاثة وقت صدور الإجازة كالفضولي والمشتري والمالك ، فلو توفيّ احدهم قبل أن تصدر الإجازة من المالك لم تصح الإجازة لأن هذا الحق لا ينتقل للورثة وهو بذلك على عكس المُكرَه فلورثته حق إجازة التصرف الذي أكره عليه مورثهم.

3-أن يكون للتصرف شخص مجيز له وقت صدوره ووقت الإجازة ، ويمكن تصور حالة أن يكون المجيز وقت صدور الإجازة غير المجيز وقت انعقاد العقد ومثال ذلك الوليّ الذي يملك الإجازة عند انعقاد التصرف من قبل ناقص الأهلية ، فقد لا يكونّ هو المجيز للتصرف وذلك في حالة اكتمال أهلية ناقص الأهلية .

وعن حكم بقاء الشيء محل التصرف وقت الإجازة يمكن لنا تصور فرضية هلاك المبيع في بيع الفضوليّ ، فإذا هلك قبل إجازة المالك لا تصح الإجازة ويتحمل المالك تبعة الهلاك طالما أن المبيع تحت يده ، أما إذا هلك بعد تسلمه للمشتريّ فالمالك بالخيار بين تضمين الفضوليّ وبين تضمين المشتريّ وذلك على أساس المسؤولية التقصيرية لأنه لم يرتبط معهما برابط عقديّ كما أن يد الفضولي والمشتريّ في هذه الحالة ” يد ضمان”.

رابعاً : آثار إجازة العقد الموقوف :

تنص المادة 175/1 من القانون المدني على أنه ” إذا أجيز التصرف الموقوف نفذا مستنداً إلى وقت صدوره واعتبرت الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة” وهذا يعني أن أثر الإجازة يستند إلى وقت التصرف وعليه تعتبر آثار العقد مترتبة من وقت انعقاده وليس فقط من وقت صدور الإجازة ومثال ذلك إجازة بيع الفضولي بمعرفة المالك يجعل من البيع نافذاً في حق المالك من وقت انعقاده بين الفضولي والمشتريّ وبتالي يعتبر الفضوليّ بالإجازة في مركز الوكيل القانونيّ وهذا معنى اصطلاح الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة.

أما إذا أعلن المالك عدم أجازته للعقد فإن التصرف يبطل “م 175 /2” ولا يستطيع المالك فيما بعد إجازته وذلك لأن حق المالك في الاجازة قد سقط بالرفض، والساقط لا يعود .

خامساً: بعض المبادئ القانونية من محكمة التمييز الأردنية بخصوص العقد الموقوف :

1-نص المادة 171( يكون التصرف موقوف النفاذ على الإجازة إذا صدر من فضولي في مال غيره أو من مالك في مال له تعلق به حق الغير او من ناقص الأهلية في ماله وكان تصرفا دائرا بين النفع والضرر أو من مكره أو إذا نص القانون على ذلك) ومن أهم المبادئ القانونية على هذا النص التالي ذكره :

المبدأ الأول رقم 0533 ، حقوق ( استقر الاجتهاد على أن عقد الإيجار الذي يوقعه احد الشركاء ولا يملك ما يزيد عن نصف العقار المؤجر وفقا لمتطلبات المادة الثانية من قانون المالكين والمستأجرين رقم 11 لسنة 1994 لا يعتبر باطلا بل هو عقد صحيح موقوف على أجازة باقي الشركاء كعقد الفضولي وفق مقتضيات أحكام المادة 171 من القانون المدني وحيث أن المادة 175 من القانون المدني تنص على انه إذا أجيز التصرف الموقوف نفذ مستندا إلى وقت صدوره واعتبرت الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة فعلية وحيث أن عقد الإيجار الموقع من أحد الشركاء السابقين قد أجازه باقي الشركاء فان هذه الإجازة ينصرف أثرها إلى وقت انعقاد الإجارة ويكون عقد الإيجار الذي يستند إليه المدعى عليه صحيحا منذ تاريخه ويده على العقار موضوع الدعوى مشروعه وتستند إلى مسوغ شرعي وقانوني وحيث أن انتقال ملكية العقار المؤجر إلى مالك جديد لا يبطل العقد فيستمر سريان عقد إيجاره للمدعى عليه بمواجهة المالك الجديد المدعي وفق نص المادة الثانية من قانون المالكين والمستأجرين والتي عرفت المالك بأنه أي شخص تنتقل إليه الملكية من المالك الأصلي وهذا ما استقر عليه الاجتهاد).

المبدأ الثاني رقم 130 ، حقوق (إن بيع الوكيل المعزول هو بمثابة بيع الفضولي ، وبيع الفضولي لا يقع باطلا بل موقوفاً عملا ً بأحكام المادة 171 من القانون المدني. والمالك هو وحده صاحب الحق في ترتيب البطلان على هذا العقد بعدم إجازته عملا بأحكام المادة 175 من القانون المدني وليس للفضولي ولا للمشتري حق في ذلك ).

2- نص المادة 173 (تكون إجازة العقد للمالك أو لمن تعلق له حق في المعقود عليه أو للولي أو الوصي أو ناقص الأهلية بعد اكتمال أهليته أو للمكره بعد زوال الإكراه أو لمن يخوله القانون ذلك).

ومن أهم المبادئ القانونية على هذا النص:

المبدأ الأول رقم 1548 ، حقوق (استقر الاجتهاد على أن الشريك في ملكية العقار أجنبي بالنسبة للغير يكون فضوليا فيما يتعلق بحصة شريكه ويكون عقد الإيجار في هذه الحالة موقوف النفاذ على إجازته من الشريك الذي لم يوقعه أو يوافق عليه وذلك تطبيقا لأحكام المواد 171 و172و 660/2 من القانون المدني وحيث أن القانون أعتبر عقدي الإيجار الموقعين من شريك لا يملك إلا 50% من الشقة المؤجرة موقوفيّ النفاذ على إجازة الشريك الأخر فإن له وحده إجازة العقدين أو عدم أجازتهما ولكن ليس من حق المميز أن يطلب الحكم ببطلانهما لأنه هو الذي ابرمهما وأن ذلك يجعله في موقف متناقض مع نفسه).

والمبدأ الثاني رقم 577 ، حقوق (إن عقد الفضولي يعتبر نافذا إذا لحقته الإجازة من المالك عملاً بأحكام المادة 172 من القانون المدني لسنة 1976.).

3-نص المادة 174 (يشترط لصحة الإجازة قبول التصرف للإجازة وقت صدوره ووقت الإجازة ووجود من له الإجازة وطرفي العقد والمتصرف فيه وبدله ان كان عينا وقت الإجازة).
ومن أهم المبادئ القانونية على هذا النص التالي :

المبدأ رقم 844 ، حقوق (إن المادة 174 من القانون المدني اشترطت لصحة الإجازة قبول التصرف للإجازة وقت صدوره ووقت الإجازة ووجود من له حق الإجازة وطرفي العقد والمتصرف فيه وبدله أن كان عينا وقت الإجازة ، و إذا كانت الإجازة بعد أن خرج المتصرف فيه من ملكية المميز فان ذلك يعني أن المتصرف فيه غير موجود حين حصول الإجازة ولا تعتبر في هذه الحالة بحكم الوكالة السابقة لفقدان شرط قانوني من شروطها ).

4-نص المادة 175 /1 ” إذا أجيز التصرف الموقوف نفذ مستنداً إلى وقت صدوره واعتبرت الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة” 175/2 ” وإذا رفضت الإجازة بطل التصرف” ومن أهم المبادئ القانونية على هذا النص:

المبدأ رقم 1544 ، حقوق (الإجازة اللاحقة كالموافقة السابقة سندا لأحكام المادة 175 من القانون المدني وعليه فإجازة المالك لعقد الإيجار الذي ابرمه الفضولي تفيد إجازة العقد بما ورد فيه من شروط طالما أنها غير مخالفة للقانون أو النظام العام ولا يجوز تجزئة الإجازة الصادرة عن المالك والقول بان الإجازة انصرفت إلى إجازة العقد ولم تنصرف إلى إجازة الشرط كما لا يرد الادعاء من قبل المالك بأنه لم يطلع على ذلك الشرط قبل الإجازة).

المصدر :
مركز الدراسات القضائية التخصصي
بقلم “سيادة القانون”

مقال قيم عن العقود الخاضعة للوقف في القانوني الأردني