الجدل القانوني الدائر حول منصب النائب العام وما العلاقة بينه وبين القضاء والسلطة التنفيذية وهل يتم الطعن في قراراته وكيف تجرى محاكمته إذا اخطأ وكيف يتم اختيار النائب العام وما هي الشروط اللازمة لذلك وما هي صلاحياته
إن الصراع التاريخي بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية حول تبعية النائب العام لها ففي ابريل 1895 صدر قرار من مجلس الوزراء يقرر إن النائب العام وأعضاء النيابة تابعون لوزير العدل وملزمون بإتباع التعليمات التي تصدر لهم من الوزارة ولكن في 1927 اصدر مجلس الوزراء قرارا بإلغاء القرار السابق وجعل علاقة النائب العام حرة طليقة بعيدا عن اى قيود تربطها بوزارة العدل وبعد عامين فقط من هذا التعديل صدر قرار في فبراير استردت السلطة التنفيذية به بعضا من سيطرتها على منصب النائب العام بأن حظرت على النائب العام إن يقوم بأي تحقيق إلا بموافقة وزير العدل وحاليا يرى فقهاء القانون إن وضع النيابة العامة وعلى رأسها النائب العام جزء من السلطة القضائية تتولى مباشرة الدعوى الجنائية ومن ثم نجد إن النائب العام تابع لوزير العدل من الناحية الإدارية المحضة أما من الناحية القضائية فهو لا يتبع وزير العدل إطلاقا إذ إن النائب العام له الاستقلال التام قضائيا اما عن كيفية اختياره فيتم اختياره مباشرة من بين رجال القضاء وبالتحديد من المستشارين ويرى بعض فقهاء القانون إن كان من الأفضل إن يتم اختيار النائب العام مثل باقي رؤساء الهيئات القضائية من خلال ترشيح مجلس القضاء الأعلى والذي يقدم ترشيحه إلى رئيس الجمهورية ليصدر به قرارا جمهوريا كما هو الحال بالنسبة لرؤساء محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا وهيئة قضايا الدولة اما بالنسبة لصلاحيات منصب النائب العام فإن للنائب العام سلطة إصدار أوامر إدارية لأعضاء النيابة كما يحق له إصدار أوامر لأعضاء النيابة تكون ملزمة قانونا وفى حالة مخالفتها يحق للنائب العام إقامة دعوى تأديبية على من خالف قراره من أعضاء النيابة أما بالنسبة لسلطة النائب العام في رفع الدعاوى القضائية فهي مطلقة فهو الذي يحدد هل يتم رفع الدعوى أم لا ولا توجد رقابة عليه في هذا المجال إلا ضميره المهني وتنفيذه لأحكام القانون اما بالنسبة لقدرة النائب العام على إصدار قرار بالمنع من السفر ضد امى متهم فيحق للنائب العام إن يصدر طلبا إلى مدير مصلحة وثائق السفر بإدراج اسم شخص على قوائم الممنوعين من السفر وذلك لفترة محدودة ويرى المشرعون انه يجب إن يتم إصدار قانون ينظم أوضاع الأمر بالمنع من السفر أو الاستثناء منه حتى يكون كل شيء خاضعا لمبدأ المساواة طبقا لقواعد قانونية مجردة بعيدا عن التقديرات الشخصية ، ولا يحق للنائب العام إن يبطل تنفيذ اى حكم قضائي إلا إن يكون المتهم مريضا عقليا ويثبت ذلك بشهادة رسمية من مستشفى حكومي اما من حيث الرقابة عليه فينص القانون على انه لا يجوز لمجلس الشعب وهو أعلى سلطة رقابية وتشريعية في الدولة مراقبة أعمال النائب العام ولا يجوز له إطلاقا مراجعة أو التعليق على قرار النائب العام أو التشكيك فيه بأي شكل من الإشكال حتى إذا كان ذلك داخل مجلس الشعب لأن قراراته وأحكامه لها نفس قدسية الأحكام القضائية ورغم ذلك ينص القانون على أنه يحق لأي شخص اضر من تصرفات النائب العام إن يخاصمه برفع دعوى بذلك الشأن بشرط ألا يكون الخطأ الذي وقع فيه النائب العام من الخطأ البسيط أولا تصح مساءلته شخصيا عنه حتى لا تسقط هيبة القضاء إلا انه في الواقع العملي فإن فرص تحقيق المخاصمة مع النائب العام ضئيلة نظرا لأن القضاء يراعى إحاطة القاضي وعضو النيابة بسياج كاف من الحماية القضائية حتى لا يتهيب التصرف مستقبلا فيما قد يعرض عليه من قرارات أما حول إمكانية رد أعضاء النيابة ومنهم النائب العام فيجب التفرقة بين حالتين
الأولى: عندما تكون النيابة خصما أصليا في الدعوى فهنا لا يجوز رد أعضاء النيابة ولكن هذا الوضع يكون محل نظر عندما تباشر النيابة أعمال التحقيق
الثانية: عندما تكون النيابة خصما منضما وفى هذه الحالة ينص القانون صراحة على جواز رد أعضاء النيابة وذلك لأن النيابة لا تكون في هذه الحالة خصما لأحد الطرفين وإنما تكون مهمتها إبداء رأيها بطريقة محايدة
وفى كل الأحوال تتكون جهة الرد من أكبر سبعة مستشارين من مستشاري محكمة الاستئناف حيث ينظرون في الدعاوى بجلسات سرية ثم يعلنون قرارهم بعد ذلك
منصب النائب العام ينظر إليه المجتمع على أنه الحصن الذي يلجأ إليه جموع المصريين طلبًا للحماية والحصول على حقوقهم، كما أنه المحرك الرئيسي للدعاوى القضائية بجميع أنواعها. وفي الفترة الأخيرة تعالت الأصوات التي تطالب النائب العام بإقالة نفسه من منصبه؛ وذلك بعد أن فتحت الكثير من الملفات بعد ثورة يناير، وتبين حجم الفساد التي تحويه هذه الملفات، وعلى رأسها قضايا أحمد عز الخاصة بالفساد والاحتكار والعدوان على المال العام، والتي لم يتم فتح التحقيق فيها إلا بعد الثورة، على الرغم من كثرة عدد البلاغات التي قدمت ضده قبلها، ومحمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق والذي حُفظت التحقيقات في قضيته قبل الثورة وفتحت من جديد بعد الثورة والمتعلقة بتورطه مع مجدي راسخ “والد زوجة علاء مبارك”، في إهدار قرابة 34 مليون جنيه من خزينة الدولة، في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ”سويدك”؛ لتثبت بذلك أن التحقيقات كانت تجري على هوى المسئولين وليس بما تمليه العدالة. بالإضافة إلى العديد من ملفات الفساد التي ماتت قبل الثورة بسبب بطء التحقيقات أو ربما إغلاق الملفات نهائيًّا مثل القرارات بمنع نواب القروض من السفر بعد أن هرب أغلبهم بالفعل خارج البلاد بعد استيلائهم على المليارات، وكذلك مالك عبارة السلام 98 الذي غادر مصر بعد وقوع الحادث بفترة وجيزة، وتأخر رفع الحصانة عنه لتأتي هذه القرارات متأخرة كما وصفها المراقبون، أضف إلى ذلك قرارات الحفظ في بعض القضايا، والتي شكلت صدمة للجميع مثل حفظ التحقيق في قضية عمر أفندي. وبعد قيام الثورة وسقوط رأس الفساد تحولت أنظار الجميع إلى النائب العام وتعلقت به الآمال في القضاء على الفساد واسترجاع لأموال المنهوبة إلا أنه إلى الآن ما زالت هناك عشرات الآلاف من البلاغات المقدمة إلى النائب العام كما يرى المراقبون، وذلك كالبلاغ الذي تقدم به المقدم السابق في الرقابة الإدارية معتصم فتحي؛ وذلك بتاريخ 2 مارس 2011م، والذي يتهم فيه نائب رئيس الجمهورية السابق عمر سليمان وأسرته بالتورط في قضايا فساد بالاشتراك مع وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، بالإضافة إلى البلاغات المقدمة ضد أحمد شفيق المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، كما يذكر المراقبون أنه مقدم ضده 42 بلاغًا بعضها خاص بالفساد وإهدار المال العام أثناء توليه وزارة الطيران.
ويعود تاريخ منصب النائب العام في مصر إلى سنة 1881م ميلادية، وبالتحديد في التاسع والعشرين في نوفمبر؛ حيث تم تعيين أول نائب عام وهو إسماعيل يسري باشا، وكان ذلك قبل إنشاء المحاكم، وعند إنشائها تم تعيينه رئيسًا لمحكمة استئناف مصر، وبعد الاحتلال الإنجليزي لمصر تعاقب على هذا المنصب عدد من النواب العموميين الأجانب؛ حيث كان ثاني نائب عام لمصر هو السير بنسون ماكسويل في مارس 1883م، وجاء بعده إيموند وست ليقضي عامًا آخر، ويحل محله نائب عام فرنسي هو المسيو لوجول الذي قضى في هذا المنصب ست سنوات كاملةً انتهت في أبريل 1895م ليحل محله نائب مصري هو إسماعيل صبري باشا الذي لم يستمر سوى أقل من عامين؛ ليعود ثانيةً الإنجليزي المستر كوربت بك الذي استمرَّ في موقعه أحد عشر عامًا متواصلة، ليأتي بعد ذلك عبد الخالق ثروت باشا في نوفمبر 1908م، ومن وقتها لم يتول أي أجنبي آخر هذا المنصب.
وحدث صراع تاريخي معروف حول تبعية منصب النائب العام هل هي للسلطة التنفيذية أم القضائية، توصل في النهاية كما يرى فقهاء القانون إلى أن وضع النيابة العامة وعلى رأسها النائب العام يعد جزءًا من السلطة القضائية، ومن ثَمَّ يصبح النائب العام تابع لوزير العدل من الناحية الإدارية المحضة، أما من الناحية القضائية فهو يتمتع بالاستقلال التام. أنه ليس لأي سلطة في البلاد تشريعية كانت أو تنفيذية أن تعزل النائب العام من منصبه؛ لأن رجال النيابة لهم حصانة قضائية، ومساءلتهم لا تكون إلا أمام القضاء، فالنائب العام هو الحفيظ على مصلحة الجماعة، والنيابة تتولى الدعوى العمومية وتحرك الدعوى الجنائية لتقديم الجاني للمحاكمة، والحكم في النهاية يكون للقضاء. أن عدم فهم الناس لوظيفة وأهمية منصب النائب والنيابة العامة بشكل عام يجعل بعضهم يشكك في عملهم، ويطالب بعزل النائب العام، أن النيابة العامة تحكم بالدلائل والتي هي شبهات قوية، أما المحكمة فلا تحكم إلا بالدليل القاطع وعدم تحقق اليقين في الأدلة لدى المحكمة يقود إلى البراءة، وهذا ما يجعل القضاء يتأخر في كثير من الأحيان في إصدار الأحكام على المتهمين. ويقول: “ليست كل أهداف القضاء هي السرعة فقط، ففوق السرعة يجب أن تكون العدالة والوصول للحقيقة التي لا شك فيها أن السرعة مطلوبة في قضايا الرأي العام؛ لأن العدالة البطيئة نوع من الظلم بشرط أن لا تؤدي السرعة إلى فقدان العدل”.
ويجب أن· يحتوي الدستور القادم بنودًا تؤكد على استقلال القضاء وتوفير الحصانة لرجاله وهي ليست امتيازات للقاضي وإنما هي ضمانات للعدالة، مع أهمية النظر بعناية إلى قانون السلطة القضائية وتعديل الكثير من نصوصه، أن أول هذه النصوص هو التدخل الذي يجيزه القانون لوزير العدل في عمل القاضي، وكذلك تبعية جهاز التفتيش القضائي لوزارة العدل، و أن يكون تابعًا للمجلس الأعلى للقضاء· و ضرورة إبعاد وزير العدل عن اختيار رؤساء المحاكم الابتدائية في كل محافظة، بالإضافة إلى أن القانون الحالي يسمح للوزير أن يطلب إحالة أي عضو للمحاكمة التأديبية، وهذا ما قد يخترق حصانة القاضي، ويمنح الوزير صلاحيات على القضاة تضر العدالة مع· أهمية اقتصار دور الوزير على الجانب الإداري، وأن تصبح كل هذه الأمور سالفة الذكر من اختصاصات القضاء و أن هذا ما ننشده في قانون السلطة القضائية بعد كتابة الدستور الجديد. فمنصب النائب العام أعلى سلطة في النيابة العامة، وهو يمثل الدعوى العمومية أي أنه نائب عن عموم المجتمع ومدافعًا عن حقه، ولذلك يمثل سلطة الاتهام، فعندما يعتدي أي مواطن على الحق العام تخاصمه النيابة، ويتولى هذه المخاصمة النائب العام أو أحد وكلائه الذين يطلق عليهم وكيل النيابة، أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية. أن هناك نقاط خلل في آليات الوظيفة وليس في المنصب، فالنائب العام يتم تعيينه بالاختيار من قبل رئيس الجمهورية، ولذلك ينظر إليه على أنه منصب مسيس، بالإضافة إلى أن النيابة العامة تجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق، وهذا يمثل خللاً لا بد أن يعالج، فقديمًا كان القضاء يتولى سلطة الاتهام فحسب.
إن النائب العام وفقًا لقانون السلطة القضائية يعين ولا يقال، وذلك حفاظًا على استقلاليته، أن هذا البند في القانون جاء نتيجة مسيرة نضال طويلة بين السلطة القضائية والتنفيذية، فهو أحد مكتسبات السلطة القضائية، والمطالبة بإقالته ليست في مصلحة القضاء والعدالة بوجه عام. أن الفترة الأخيرة شهدت تحولاً في هذا المنصب، فشرط التعيين دون التقيد بقواعد الأقدمية أو الانتخاب جعل المنصب يقتصر على المَرْضِي عنهم سياسيًّا، وتحول عن كونه منصبًا قضائيًّا، أن بعض القضايا في الفترة الأخيرة كان الاتهام فيها سياسي وليس قضائيًّا، وأكبر مثال على ذلك معظم قضايا أمن الدولة مثل قضية محمد إبراهيم سليمان، والتي حفظ المحضر فيها منذ ثلاث سنوات وبعد قيام الثورة فتحت القضية من جديد وحكم عليه بالحبس. أن هناك علامات استفهام على عمل النيابة العامة فيما يخص التحقيقات التي تجري حاليًّا، فهناك فقر في الأدلة تحويه تحقيقات النيابة مع الرئيس المخلوع وأعوانه، أن القضية التي بها قصور في التحقيقات ترشح للبراءة “
بقلم الدكتور عادل عامر دكتور في الحقوق و خبير في القانون العام
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
اضاءات حول دور النائب العام في تحقيق مبدأ سيادة القانون