ان الاحتكار الوظيفي يقوم على حبس الوظائف عن المواطنين ولا نعني به الاحتكار الطبقي الذي يقصر شغل الوظائف على طبقة أو فئة معينة استنادا إلى نفوذها الاجتماعي أو المادي أو السياسي وهذه الصورة معروفة في البيروقراطيات القديمة والرجعية والمتخلفة. وقد تكفل مبدأ المساواة القانونية في التوظف بالقضاء عليها تدريجيا. أما الصورة التي نقصدها هنا فهي الاحتكار الوظيفي التركيزي الذي يركز الوظائف في ايدي قليلة يجمع الواحد منهم بين اكثر من وظيفة وتتمثل خطورة هذه الصورة في أنها تحكم على الطبقات البشرية في الدول بالعطل ، إذ تخلف نوعاً من البطالة المصطنعة غير الطبيعية تتوافر فيها الوظائف ولكن تحبس عن طالبيها والقادرين عليها(1).
وهذا الاحتكار الوظيفي يحرمهم من الفرص المتكافئة وفرص التوظيف أصلا حيث تعمل الاشتراكية على توفيرها تحقيقاً للتوظيف الكامل للمواطنين كافة على أساس المساواة الفعلية في التوظيف وليس مجرد المساواة القانونية . ولهذه الاعتبارات نجد ان الدساتير الحديثة وخاصة تلك التي يغلب عليها الطابع الاشتراكي تفرض على الدولة واجب العناية بتوفير العمل وفرص التوظيف المتساوية للمواطنين، وهو ما يحتم على الدولة إزالة الاحتكار الوظيفي بحظر جمع الشخص بين اكثر من وظيفة عامة. بل لقد ذهبت الدساتير المعاصرة في محاربة الاحتكار الوظيفي إلى حد النص على هذا الحظر صراحة أو ضمناً. والحظر المباشر الصريح نجد له مثلاً في دستور البرتغال عام 1935 في نص المادة 27 منه على ان ” غير مسموح لاحد ان يشغل مجموعة من الوظائف سواء في خدمة الدولة أو الهيئات المحلية أو هما معاً فيما عدا الحالات التي ينص عليها القانون “(2).
وقد لا يشغل أحد اكثر من وظيفة واحدة عدا حالات قد يحددها الدستور في مصر حظر المشرع بالقانون المرقم 25 لسنة 1961 شغل اكثر من وظيفة واحدة وان لم يتضمن جزأً محدداً يقع على من يخالف هذا الحكم. كما نص البند المرقم 11 من المادة 77 من القانون رقم 47 لسنة 1978 الصادر بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة على ان يحظر على العامل ان يجمع بين وظيفته وبين أي عمل آخر يؤديه بالذات أو بالواسطة ان كان من شأن ذلك الإضرار بأداء الوظيفة أو كان غير متفق مع مقتضياتها وذلك مع عدم الإخلال بأحكام القانون المرقم 125 لسنة 1961 يقصر تعيين أي شخص على وظيفة واحدة(3).
أما الحظر الضمني غير المباشر للجمع بين الوظائف فيكون بحظر الدافع إليه وهو الاستغلال المادي فيحظر الاستيلاء على اكثر من مرتب واحد وقد اخذ بهذا الاتجاه الدستور الكولمبي الصادر سنة 1886 ،على انه يلاحظ ان الحظر الصريح المباشر للجمع بين الوظائف هو الاتجاه السائد الان ، ولا يعني هذا ان الدساتير التي لم تشر صراحة أو ضمناً إلى حظر الجمع بين الوظائف تقر الجمع بينها أو تحبذه وعلى العكس من ذلك فهي تفترض حظره إذ نجد ان هذه الدساتير وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة 1948 تقضي جميعاً بحق المواطنين كافة في المساواة في شغل الوظائف العامة ، وهذا ما يفرض على الدولة تهيئة فرص التوظيف وتكافؤها إمام المواطنين ، الأمر الذي يتنافى مع احتكار الوظائف وحجبها عن المواطنين ويحتم حظر الجمع بينها فالشخص الذي يجمع بين اكثر من وظيفة يتعذر بل يستحيل عليه ان يؤديها جميعاً على وجه مرض فان للطاقة البشرية حدوداً تقف عندها.
هذا فضلاً عن حرمان الدولة من الإفادة بكل ما لديها من كفايات في وقت هي احوج ما تكون فيه إلى تعبئتها لزيادة إنتاجها القومي . فحظر الاحتكار الوظيفي يحقق العدالة والمساواة الحقيقية ويوفر الكفاية وهما قوام المجتمع الاشتراكي النامي ، على انه لا يكفي لتحسين الفائدة المرجوة من حظر الاحتكار الوظيفي بالمعنى الذي أشرنا إليه ان يرد هذا الحظر من المشرع بأي صورة من الصور بل يجب ان يقرر المشرع جزاءً معيناً لمخالفته الالتزام بهذا الحظر كأن يعتبر مفصولاً أو مستقيلاً من وظيفته بمجرد شغله لوظيفة ثانية، ولا يستحق عنها أجرا حتى لو قام بعملها فعلاً كل من كان معيناً بإحدى الوظائف العامة ويعين بوظيفة ثابتة . هذا الجزاء سيعطي للحظر قيمته الواقعية وأثره الفعلي بحيث يكفل له الاحترام والتطبيق.
___________________
1-د. حمدي امين عبدالهادي / مصدر سابق ، ص292.
2- د. طلعت حرب محفوظ / مصدر سابق ، 187.
3- نفس المصدر السابق ،ص188.
المؤلف : مصطفى سالم مصطفى النجفي
الكتاب أو المصدر : المساواة ودورها في تولي الوظائف العامة
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
موقف القانون من الاحتكار الوظيفي